من روائع حجة العرب وأمير البيان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بنت الشهباء
    أديب وكاتب
    • 16-05-2007
    • 6341

    من روائع حجة العرب وأمير البيان

    [align=center]
    هؤلاء علموني
    من مكتبتي اخترت لكم
    روائع حجة العرب وأمير البيان


    الزعيم مصطفى كمال :
    " سيأتي يوم إذا ذكر فيه الرافعي ، قال الناس : هو الحكمة العالية ، مصوغة في أجمل قالب من البيان"
    الأستاذ العقاد :
    " إني كتبت عنه ـ أي عن الرافعي ـ أن له أسلوباً جزلاً ، وأن له من بلاغة الإنشاء ما يسلكه في الطبقة الأولى من كتاب العربية المنشئين "
    وقال عنه أحمد زكي باشا الملقب بشيخ العروبة:
    " لقد جعلت لنا شكسبير كما للإنجليز شكسبير، وهوجو كما للفرنسيين هوجو، وجوته كما للألمان جوته".
    إنه حامل لواء الأصالة , وأمير القلم واللسان ...
    رافع راية البلاغة وإمام البيان ..
    المتفرّد في كتابة الرسائل الأدبية التي يفوح منها عبق الحب والسمو والجمال وفصاحة اللسان ..
    ولمن أراد أن يعرف هذا العلم الشامخ من أعلام الأدب العربي
    فله في مجموعته خير دليل وبرهان

    ومن مكتبتي
    اخترت لكم من مجموعته الثرّة الغنيّة

    أوراق الورد
    رسائلها ورسائله
    تأليف مصطفى صادق الرافعي
    الناشر دار الكتاب العربي
    بيروت – لبنان
    عدد الصفحات: 260

    وقد جاء على لسان محمد سعيد العريان
    في مقدمته تحت عنوان
    كانت قصة حب
    "من أراد أوراق الورد على أنه قصة حب في رسائل لم يجد شيئا , ومن أراده تسلية وإزجاء الفراغ لم يجد شيء , ومن أراده نموذجا من الرسائل يحتذيه في رسائله من يحب لم يجد شيئا , ومن أراده ( قصة قلب ) ينبض بمعانيه على حاليه في الرضى والغضب , ويتحدث بأمانيه على حاليه في الحب والسلوان وجد كل شيء .
    إن أوراق الورد منجم من المعاني الذهبية , لو عرفه المتأدبون من شبابنا لوضعوا يدهم على أثمن كنز في العربية في معاني الحب والجمال يكون لهم غذاء ومادة في الشعر والبيان ".
    أما ما جاء على لسان أمير البيان
    مصطفى صادق الرافعي
    في مقدمة الكتاب عن سبب تسميته " أوراق الورد "
    "كان معها ذات يوم وردة لا أدري أيتهما تستنشي الأخرى فجعلت لها ساعة من حفاوتها تلمسها مرة صدرها ومرة شفتيها ...
    ثم دنت الشاعرة الجميلة فناطت ولادتها إلى عروة صاحبها فقال لها :
    وضعتها رقيقة نادية في صدري , ولكن على معان في القلب كأشواكها ..فاستضحكت وقالت :
    فإذا كتبت يوما معاني الأشواك فسمها (( أوراق الورد )) وكذلك سماها !..

    وما أحسب حب هذا الشاعر وتلك الشاعرة قد كان في كل حوادثه إلا تأليفا من الأقدار لهذه الرسائل بمعانيها , حتى إذا كسيت المعاني ألفاظها , انبثقت كالنور وصدحت كالنغم وجاءت كإشراق الضحى , لتناسم الأرواح بعبارات صافية من روح قوية فرض عليها أن تحب , فلما أحبت فرض عليها أن تتألم , فلما تألمت فرض عليها أن تعبر , فلما عبرت فرض عليها أن تسلو ..!"
    فكانت رسائلها ورسائله التي تحدّث عنها من أرقى وأسمى فن المكاتبات والمراسلات في فلسفة الجمال والحب محاطة بفصول يعجز القارئ على فهم هذا الحب العجيب اليائس الذي كان من طرف واحد .
    ونراه ينادي على قلبه ليدوّن لنا التاريخ لغة الحب في أجل معانيها النفيسة بما فيها من [poem= font="Simplified Arabic,6,darkred,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,6,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
    شعل مضطرمة تلتهب بلهيب الشوق , وألم وعذاب الهجر
    كان لي قلب , فيا عجبي = ليس في جنبي سوى أثره
    ضاع من فابحثوا تجدوا = في ابتسام الحسن أو نظره
    ويحه قلبا أعيش على = صفوة عيشي على كدره
    يرتقي كالنسر ثم ترى = مرتقاه عين منحدره
    *****
    ههنا قلب وحامله = ميت الأمن على حذره
    ذاب ذوب العطر مذ وقدت = للهوى نار على زهره
    ضرّه ما كان منفعة = نفعه ما كان من ضرره
    عابس كالليل . ليس به = أمل إلا سنا ( قمره )
    *****[/poem]
    وكأننا هنا نسمعه يردد أشعر بيت في الغزل من شعر المحدثين لبشار بن برد
    [poem= font="Simplified Arabic,6,red,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,6,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
    أنا والله اشتهي سحر عيني = ك وأخشى مصارع العشاق[/poem]

    أمير البيان في هذا الكتاب الفريد ينثر لنا خواطره ورسائله وهو يسمو بها فوق المادة ولا يأمل إلا أن يسجّل لنا خيالاته المستعرة من وحي الإلهام المنسجم فيما بينهما
    وما أجمل ما قاله :
    "أنت علمتني بحبك أن هذا الكون على اتساعه موضع خاص بقلبي وحده , فما اتسعت اللغة في مذهب تعبيرها ففي قولك إني أخطأت معنى خاص بي وحدي يا حبيبتي ..
    وإذا ابتسمت وقلت إني أخطأت , فتلك ألفاظ مبتسمة من دلالها , وإذا عبست وقلت إني أخطأت , فتلك ألفاظ متعنتة من دلالها , إذن فاعلمي أن في كلمات غضبك معنى كذلك أراه لي وحدي يا حبيبتي ..
    وكلام الكبير مع الطفل يكون بلغة واحدة وهو في الحقيقة بلغتين لمعنى عاجز في الطفل , وكلام الحبيب مع المحب بلغة واحدة هو كذلك بلغتين لمعنى قادر في المحب . فالمعنى المفهوم من إحدى اللغتين في قولك إني أخطأت , هو يا حبيبتي لي وحدي وكما أفهمه أنا وحدي ...
    وإدلالك عليّ برهان خاصيتك مني , فلم لا يكون اتهامك إياي برهان خاصيتي منك ؟
    سأتذلل لك يا حبيبتي وسأرضيك وسأطيعك و... وسأخطئ ...!"
    ويختم رسائلها ورسائله بعنوان
    والسلام عليها
    فيعترف لها بأن الحقائق السامية التي تعشقها روحه وفكره لا يمكن لها أن تدخل عالم النسيان بالرغم من قسوة وألم الهجران ...
    " .. ولا أقول إن ما كان في النفس جنونا وعقلا من معاني الحب قد رجع في النسيان كالكلمة المكتوبة على ورقة حبس في الورقة معناها إلى أن يوجد من يقرؤه فيخرجه .
    ... ولا أقول إنه قد اختفى من ذلك الوجه برهانه الذي كان يقوم بسحره الساحر دليلا مقحما في كل قضايا الحبيبة المتناقضة , فلا تتوافى وهي متناقضة إلا على نتيجة واحدة هي أنها الحبيبة , مهما تأت أو تدع فليس بشيء منها على هوان .
    ... ولا أقول إن روضة الحب قد انتهت إلى أيامها المقشعرة التي تظهر فيها كل أشجارها حاملة من اليبس والتجرد إعلان آخر الفصل ..
    ... ولكني أقول ... والسلام عليها !"

    فكانت النتيجة أن امتزج الحب مع الأدب في فصول هذا الكتاب الرائع لنشهد تحفة ثمينة من أجمل كنوز الرسائل الأدبية .
    [/align]

    أمينة أحمد خشفة
  • بنت الشهباء
    أديب وكاتب
    • 16-05-2007
    • 6341

    #2
    [align=center][align=center]ومما اخترته لكم من رسائل الرافعي الأدبية المتوهجة بروح المنى الحالمة التي تأبى إلا أن تحضن أوراق الورد لتنثر لنا عبق أنسامها , ونبض معانيها فيعانقها بلهفة وشغف كل من دخل صفحتها , ويعجب من هذا الشاعر المحبّ الذي استخلص لنفسه هذا الهوى , وبات جزءا لا يتجزأ منه .

    قالت وقلت



    ( هذه رسالة تجمع من كلامها وكلامه مما كان يتساقط به الحديث بينهما , وقد دوّنها في مجالس شتى , وكل فصل من هذه الفصول كان يصلح أن تبنى عليه رسالة طالت أو قصرت )

    *****

    في بعض القصص أن لإحدى الغابات ملكا يحكمها , وكان من شريعتها أن لا يتبوأ عرشها إلا من يذبح الجالس عليه .فالملك فيها أبدًا يقظان منتبه عيناه من سلاحه , ولا يزال السيف في يده مصلتًا ولو أن في كل إصبع من أصابعه سيفًا قاطعًا ثم غفلت عيناه غفلة لما نفعته عشرة أسياف , ولكانت إغماضته الموت لامحالة , ومع هذا الشقاء الحيّ فإنه يأتي إليه من يذبحه ليجلس في موضعه , أي ليتهيأ للذبح !
    أما والله إن عاشق بعض النساء ..لكالجالس على هذا العرش كل لذته من بلائه أنه لم يذبح بعد ..!

    *****

    قالت له : لم أعدك شيئا !
    قال : نعم لم تعديني بلسانك , ولكن وعدت بما فيك من الشفقة ما ترين فيّ من الاضطرار!

    *****

    عندما أراك لا أتمالك أن أطرب وأهتز , أفهناك ألحان من جمالك تنطلق فيّ.

    *****

    قالت له : كلماتي لا تتم بمعانيها ولكن بفهمك أنت لمعانيها!

    *****

    إنك تتكلمين ولا تعرفين أنّ وجهك ينقح فيّ معاني كلامك.

    *****

    العقل يدلّ على نفسه بالنظر في الكون ويعبر عن ذلك بأفكاره .
    والقلب يدلّ على نفسه بالنظر في الحبيب ويعبر عن ذلك بأشواقه.

    *****

    كل كلمة فيها معناها , وحين تكون الكلمة منك يكون فيها من معناها ومنك ..!
    *****

    قالت : أنا في نفسي كما أنا , ولكني في حبك كما أرى , فأنا أكتشف نفسي الجميلة فيك , وبهذا أجد حبك من عظمتي وسروري َ.
    *****

    قالت : ينصح علماء القوة والرياضة للرجل القويّ ألا يغضب فيذهب على الأقل نصف قوته , وأنا أنصح لك أن تغضب فتزيد قوتك على الأقل بقدر نصفها ..
    َ
    *****

    ليس في الحب مسافات , فالمتحابان مجتمعان دائما في فكرة وإن كان أحدهما في المشرق والآخر في المغرب .

    *****

    قالت له : إذا كنت تريدني سماء تستوحيها وتستنزل منها ملائكة معانيك فلماذا تنكر عليّ أن يكون لي مع أنواري سحاب وظلمة ورعد وبرق !
    *****

    من تأله الجمال أن الحبيبة لا تريد الحقائق من الطبيعة إليها بل من الطبيعة إلى محبها أول , ثم من المحب إليها بعد .., تريد في حقائق الكون شعور تقديس الله وشعورا آخر بتقديسها هي أيضًا ..! دولة ضعيفة : ولهذا لا يكون معه أبدًا إلا كالمستعمرة ...



    [align=justify]أوراق الورد
    مصطفى صادق الرافعي [/align]
    [/align]
    [/align]

    أمينة أحمد خشفة

    تعليق

    • بنت الشهباء
      أديب وكاتب
      • 16-05-2007
      • 6341

      #3
      أوراق الورد

      هو
      النسيم العليل
      لمن أراد أن يتجوّل بين جنبات دوحته الغنّاء
      التي لا يمكن إلا وأن تنثر عبيرها الفوّاح بأطايب الكلم لنا وللأجيال من بعدنا لنسعد برقّة حروفها , ونشدو مع عذوبة رقتها أجمل سيمفونية عزف على أوتارها أهل الهوى النظيف والحب ّ.

      و مما اخترته لكم ما نثره لنا فارس القلم, وأمير البيان واللسان
      مصطفى صادق الرافعي
      من كتابه " أوراق الورد "

      وزدت أنك أنت
      تالله لو جددوا للبدر تسمية = لأعطي اسمك يا من تعشق المقل
      كلاكما الحسن فتاناً بصورته = وزدت أنك أنت الحب والغزل

      وزدت يا حبيبتي أنكِ أنتِ

      وفي نظرات عينيك الساحرتين أرى لمحات منبثة من الإرادة المسيطرة وراء الأشياء , تفعل مثل فعلها الجبار وراء عواطفي .
      واليقين الذي دليله الإيمان والتسليم , أحسه إحساساً في نظري إليك وفي نظرك إليّ , كأني أتحول معك إلى إقرار .
      والمعنى العجيب الذي يفتن فتنته درية اللؤلؤة الثمينة , ويسحر سحراً نورانياً في الماسة الكريمة النادرة , هو بفتنته وسحره في نسويتك الجذابة , غير أنه اتخذ من أشياء الطبيعة أبدع ما ينظر فيه , واتخذ منك أنت أجمل ما يعقل فيه .
      ولو ولد النور لكان وجهك الجميل المشرق , ولو ولدت الكهرباء التي هي سرّ النور لكانت أسرار عينيك , ولو توّلدت القوة التي هي سرّ الكهرباء لكانت فتنة حبك , وكل المعاني التي في نفسي لا تتخذ صورها إلا منك لأنك بجملتك تمثال الشعر .
      وفيك المعاني التي تقول : أين كلماتي ؟.
      وفيّ أنا الكلمات التي تقول : أنت معاني !..

      *****

      في نفسي عالم أحلام من خلق عينيكِ الذابلتين ..
      وفي نفسك عالم أسرار من خلق أفكاري المعذّبة .
      خرجنا كلانا للحب والجمال من حدّ الإنسان إلى حدّ العالم .
      وتحوّلنا كلانا بالهوى من حالة شخص إلى حالة عقل .
      كيف تجدين ما في وإنك لتعلمين أنك في ؟.
      أما أنا فأجد كل ما فيك حلواً حلواً لأنّ طعمه حلو في قلبي !

      *****


      أنت وحدك أذقتني نشوة الظمأ إلى الأسرار القلبية , بما ذقته من لذّة ظمئي إليك ولهفته . وأريتني جمال الشعر في خيالاتي العطشى الحائمة أبداً على نهر النور من جسمك , وعلى ذلك النبع الأحمر الصغير , نبع الياقوت المتفجّر دائماً بابتسامة شفتيك , وجعلتني من وحي جمالك المتنزّل على قلبي أشعر أن هذا الجمال السماوي أنشأ فيّ صفة ملائكية ترفعني فوق إنسانيتي .
      بهذه الصفة أراك في بعض ساعات قلبي تظهرين لي وكأنه سراً من الكون يتجلى بك ويقول لي من عينيك : المسني وانظرني فيها ...!
      سرّ هادئ ناعم يتناثر في ألحاظك ألين من تنفس رشاش الأمواج المتطاير إلى بعيد : يكون كالهباء من البحر ومع ذلك فهو أثر قوته وجبروته .
      فيك يا حبيبتي من أبدع محاسن الكون , وزدت أنك أنت الحب ...!


      أمينة أحمد خشفة

      تعليق

      • هاجر مدقن
        عضو الملتقى
        • 06-06-2008
        • 161

        #4
        السلام عليكم ، عزيزتي " بنت الشهباء " ما أرقى ذوقك ، وأرفع اختيارك ، مصطفى صادق الرافعي من المعجزات البيانية التي يندر أن يجود الزمان بمثلها ، من وقف على عتبات كتاباته ، ينسى أنه تعرف على اللغة إلا فيها ، واستشف البيان إلا منها ، وسمع عن الحب ، والألم ، والرحمة والإنسانية إلا فيما أهداه له الرافعي من تحف ، أيتها الأريبة ، لولم تتحفينا بهذه الروائع لهذا الأديب المتفرد لفعلت ، وكنت أفكر أن أبدأ بكتاب المساكين ،لأنه كان مدونة بحث الماجستير خاصتي ، وتأثرت به بشكل كبير جدا ، وإلى يومنا هذا لا أنفك أعود إليه ، ولعلي أقدم قطوفا منه إن لم تمانعي في مقبل الأيام ، أشكرك على هذا الجمال الآن وفيما سبق ، تقبلي تحياتي .
        [SIGPIC][/SIGPIC]

        تعليق

        • بنت الشهباء
          أديب وكاتب
          • 16-05-2007
          • 6341

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة هاجر مدقن مشاهدة المشاركة
          السلام عليكم ، عزيزتي " بنت الشهباء " ما أرقى ذوقك ، وأرفع اختيارك ، مصطفى صادق الرافعي من المعجزات البيانية التي يندر أن يجود الزمان بمثلها ، من وقف على عتبات كتاباته ، ينسى أنه تعرف على اللغة إلا فيها ، واستشف البيان إلا منها ، وسمع عن الحب ، والألم ، والرحمة والإنسانية إلا فيما أهداه له الرافعي من تحف ، أيتها الأريبة ، لولم تتحفينا بهذه الروائع لهذا الأديب المتفرد لفعلت ، وكنت أفكر أن أبدأ بكتاب المساكين ،لأنه كان مدونة بحث الماجستير خاصتي ، وتأثرت به بشكل كبير جدا ، وإلى يومنا هذا لا أنفك أعود إليه ، ولعلي أقدم قطوفا منه إن لم تمانعي في مقبل الأيام ، أشكرك على هذا الجمال الآن وفيما سبق ، تقبلي تحياتي .
          وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
          أختي الحبيبة
          هاجر
          وإن مثل هذا الأديب , والعلم الشامخ من أعلام اللغة العربية الذي ملك ناصية البيان
          مصطفى صادق الرافعي
          لا يمكن والله إلا أن يبقى ذخرا لنا وللأجيال من بعدنا ...
          إنه الأديب العملاق الذي ترك لنا دررا وجواهر مضيئة من عذبه السلسبيل , وأحاسيسه المرهفة , ودفاعه عن أصالة التراث والعروبة حينما وقف مدافعا في وجه المعتدين على أصالة وإعجاز القرآن ....
          وكم يسعدني ويشرّفني والله يا أختي الغالية هاجر أن تتحفينا برسالة الماجستير عن كتابه الرائع " المساكين " وتضيفي إلينا مقتطفات من روائعه ودرره...
          وسأحاول بإذن الله أن أنتقل إلى ( حديث القمر ) , وأعمل له دراسة خاصة هنا , وأضيف ما تيسر لي أيضا من كنوزه وروائعه ...
          ولك مني خالص الشكر والاحترام والتقدير



          أمينة أحمد خشفة

          تعليق

          • بنت الشهباء
            أديب وكاتب
            • 16-05-2007
            • 6341

            #6
            الأديب محمد عبد القادر المازني :
            كتب عنه غداة وفاته يقول :

            " لقد كان يوصف في حياته بأنه حجة العرب ، وهذا صحيح وغير قليل من أدب الرافعي سيبقى على الأيام ، ما بقي للأدب ذكر ومقام .. وأحسبني لا أبالغ حين أقول إن له من آثاره ما لا يرقى إليه قلم في القديم أو الحديث ، وإن له صفحات عديدة في كل كتاب له ، يبلغ فيها ذروة البلاغة .. وقد كان رأيي فيه دائماً ، أنه أعلم أهل العربية ، وأوسع أدبائها اطلاعاً على علوم الدين .."


            ولمن أراد أن يملك ناصية الإبداع , وموهبة الإنشاء , ويتقن فن الرسائل الأدبية
            فما عليه إلا أن يدخل واحة حجة العرب , وأمير البيان
            ومما اخترته لكم اليوم
            " حديث القمر "

            بقلم
            مصطفى صادق الرافعي
            لنطوف مع خيالاته و أحلامه , وكيف كان يساهر القمر ويناجيه , ويشدو أعذب وأرق الألحان معه فيذوب طربا مع بلاغته وبديع أٍسلوبه من خلال تجواله مع لألئ وكنوز حروفه , وينثر لنا في مقدمة كتابه الغرض والهدف من هذه الرسالة التي دعته إلى أن يصرف وجه الحديث للقمر ويسامره ..


            (( كتبتها وأنا أرجو أن تكون الطبيعة قد أوحت إليّ بقطعة من مناجاة الأنبياء التي كانت تستهلّ في سكون الليل فيَعيها كأنه ذاكرة الدهر , وأن تكون قد بثت في ألفاظي صدى من تلك النغمات الأولى التي كان يتغنّى بها أطفال الإنسانية فتخرج من أفواههم ممزوجة بحلاوة الإيمان الفطري , وتذهب السماء متهادية كأنها طائرة بروح من اطمئنان قلوبهم , وتسيل في ضوء الصباح وظلّ الشمس ونور القمر كأنها في جمال الطبيعة أفكار طيور مغردّة تدور على ألسنتها ...
            ....وكتبتها وأنا أطمع أن تكون الطبيعة قد نفخت فيها نسمة الحياة للعواطف الميتة المدرجة في أكفان الحوادث الدنيئة , فإن هموم العيش لا تميت عواطف القلوب إلا تلك التي لا تعرف كيف تستمد الحياة من روح الطبيعة , وإنما يكون استمدادها من مادتها فتحيا بخير وتموت بخير ...
            ... وكتبتها أتناول ألفاظها من تحت لساني وأكشف من قلبي معانيها وأنفض عليها ألوان الطبيعة التي تصوّر أحلام النفس وخيالاتها , وأنا أرجو أن أكون قد وضعت لطلبة الإنشاء المتطلعين لهذا الأسلوب أمثلة من علم التصوّر الكتابي الذي توضع أمثلته ولا توضع قواعده , لأن هذه القواعد في جملتها إلهام ينتهي إلى الإحساس , وإحساس ينتهي إلى الذوق , وذوق يفيض الإحساس , والإلهام على الكتابة جميعا فيترك فيها حياة كحياة الجمال , لا تداخل الروح حتى تستبد بها , ولا تتصل بالقلب حتى تستحوذ عليه فتكون له كأنها فكرة في ذاته .))

            ويتابع أمير البيان مع فصول حديث سمره مع القمر لنشهد معه صفحة السماء كيف طرحت لنا أشعتها , والكون لبس قدسية حسنها حينما أشرق القمر وتربّع على صدرها
            ((..... والآن وقد رقّت صفحة السماء رقّة المنديل , أبلته قُبَل العاشق في بعاد طويل , أو هجر غير جميل , وتلألأت النجوم كالابتسام الحائر على شفتي الحسناء البخيلة حيرة القطرة من الندى إذ تلمع في نور الضحى بين ورقتين من الورد , وأقبل الفضاء يشرق من أحد جوانبه كالقلب الحزين حين ينبع فيه الأمل , ومرّت النسمات بليلة كأنه قطع رقيقة تناثرت في الهواء من غمامة ممزقة وأقبلت كل نفس شجية ترسل آمالها إلى نفس أخرى كأن الآمال بينها أحلام اليقظة , ونظر الحزين في نفسه , والعاشق في قلبه , ونام قوم قد خلت جنوبهم فليس لهم نفوس ولا قلوب , ولبس الكون تاجه العظيم فأشرق القمر ..))

            ونراه في الفصل الثاني يجود علينا بتحفة نفيسة أعظم هداياها صفات الرجل الإلهي الذي لا يهاب ولا يخشى استبداد الملوك والطغاة , ولا يستسلم لأدعياء المنافقين والعملاء ..
            (( أفتدري من هو هذا الرجل الإلهي ؟ هو الذي لا تعرفه الحياة ولا يعرفه الموت فلا يذلّ لأحدهما , تتبرّج له الحياة فلا تغرّه , ويتجهّم له الموت فلا يضرّه , ويُبتلى بكل ما يسوءُ ويسرّ فلا يسوؤه ولا يسرّه ...
            هذا هو الرجل الإلهي الذي لا ينثني لأنه الحقّ , ولا ينحرف لأنه العدل , ولا يخاف لأنه البأس , ولا يضعف لأنه القوة , ولا يحيف لأنه الإنصاف , ولو تعلّق به أهل الأرض جميعا لمشى بهم مطمئنا لأنه في نفسه كقطعة من نظام السماء الذي يجذب الأرض في فضائها .))


            ومن ثم نراه يدرس طبائع الفئة الباغية من الملحدين حينما يعلوها الكبر والغرور , وتفقد سيطرتها على نفسها وتخسر كل ما لديها وكأنها أسراب من الخفافيش لا تبصر الطبيعة بعينها الإلهية لأنها صماء قد أصابها الجنون من حرفة سخافتها فيقول :
            (( لله منكِ أيتها الفئة الباغية ! العلم الذي لا يخلق ذبابة ولا أحقر من ذبابة ولكنه يجدها فيتفلسف ويقول لنا : كيف خلقت ؟ هو الذي يريدكم على أن تكذبوا بالخالق .
            والعلم الذي ينتهي في كل شيء إلى حدّ من الجهل يريد أن يجعل القلب الذي هو سرّ الإنسان بلا نظام ؟
            وقد زعموا أنهم أنشطوا الفكر من عقاله فكان من ذلك ما انتهوا إليه , وكأنهم يقولون : الدين الفلسفي هو في الحقيقة الرجل الحر فما بالهم إذن ينسون أن هذه الكلمة عينها تخرج لهم لو عقلوا أن الحرية هي في الحقيقة فلسفة الدين ؟
            إن المتوحشين يقرّون بإله ولكنهم يعملون على أن يكونوا آلهته كما أنه إلههم , ويحاولون في كل شيء أن يتعبدوه بما يخيّل لهم أنه من السحر , والملحدون لا يبتغون ذلك فحسب ولكنهم يريدون أن يمحوه بتّة , أفليس هذا منتهى التوحش في القياس ؟)).


            ومع الفصل قبل الأخير نجد أمير البيان وحجة العرب ينادي على القمر بحرقة وألم وهو يصف لنا الشرق المريض الذي طرحه الهم والفرقة والتجزئة , وانقلبت موازين المبادئ والقيم في حسابه , وانصدع الشمل بين الأصدقاء والأهل فنجده يقول :

            [poem=font=",6,,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="http://www.almolltaqa.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/2.gif" border="none,6," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
            ربّوا لذا الشرق يا قومي ممرّضة = تحنو عليه بإحساس ووجدان
            تطبّه روحها مما ألمّ به = إذ تلعّب أهلوه بالأديان
            ربوا له الأمّ يا قومي فلو وُجدت = في الشرق ما طاح في ذلّ ولا هوان
            تلك التي ترفع الدنيا وتخفضها = بطفلها فهو والدنيا , بميزان [/poem]

            [poem=font=",6,,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="http://www.almolltaqa.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/2.gif" border="none,6," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
            يا بانياًً بقلوب الناس يجعلها = قصر الحياة , تبصّر أيها الباني
            أسس على الحب , لا تلق القلوب سدى = وضعْ لكل فؤاد شكله الثاني
            فلست تبني سوى دار إذا خربت = أركانها خربت من كل عمران[/poem]


            ونراه يختم فصول حديثه مع القمر الجانح إلى المغيب مع أرق نسمات الفجر العليل في طلعته البهية وهو يهمس لنا أجمل وأعذب سيمفونية عرفها تاريخ المحبين فيرسم لنا أجلّ صور الحب التي لا يمكن أن يعرفها إلا من استلت روحه كل جوانبها ..
            (( أيها القمر الذي هو تاريخ النور على الأرض والذي يشرق على الطبيعة بجلال وهيبة وكأنه يرسل إلى هذه الأرض في كل شعاع نظرة ملك من الملائكة لتعزية قلب من القلوب المتألمة المحزونة .
            أيها القمر الجانح إلى المغيب في نسمات الفجر كأنه جناح الحب يخفق به في الفضاء على هواء عليل من الزفرات والتنهد .
            أيها القمر ! أيها القمر ! ليس شيء أقوى من الحق , ولكن الشريعة في يد الظالم تجعل الباطل أقوى منه , وليس شيء أعنف من البغض , ولكن الجمال الذي يتولاه اصطلاح الناس يجعل الحب أقسى منه .
            فبالله كم تحلم قوة الإنسان بالحرية وكم يحلم شبابه بالحب ثم يستيقظ الإنسان لطالعة من الحوادث فلا يجد من نفسه وقلبه إلا ما يحدّه ويصفه أهل التشريع وأهل التشريح , وتغيب تلك الأحلام الإلهية كلها بغياب الوجه الجميل الذي بعث فيه القوة من عينيه والشباب في فمه , كما تغيب الآن كل أحلام السعداء معك أيها القمر بعد أن طلع عليها الصبح كأنه أشعة الحياة التي جمعها الليل من أعين النائمين !)).


            من إعداد وتقديم : أمينة أحمد خشفة
            بنت الشهباء


            أمينة أحمد خشفة

            تعليق

            • د. وسام البكري
              أديب وكاتب
              • 21-03-2008
              • 2866

              #7
              رائع ما قدّمتيه أديبتنا الفاضلة بنت الشهباء

              فالرسائل فن أدبي راقٍ أجادهُ الرافعي رحمه الله، فكان فارسهُ الذي لا يُجارى، ولا يُبارى؛ ونتمنى أن يمرّ الأدباء عليها قراءةً وتذوّقاً وتدقيقاً.

              ولي وجهة نظر متواضعة، وهي: تغيير عنوان المقتطفات من (من مكتبتي اخترتُ لكم) إلى أي عنوان آخر يُفهَم منه أنه في الرسائل الأدبية، لتكون مرجعاً لمن لم يقرأها من قبل أو أراد الاستزاد من قراءتها ثانية وثالثة.

              وجزاك الله خيراً
              د. وسام البكري

              تعليق

              • بنت الشهباء
                أديب وكاتب
                • 16-05-2007
                • 6341

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة د. وسام البكري مشاهدة المشاركة
                رائع ما قدّمتيه أديبتنا الفاضلة بنت الشهباء

                فالرسائل فن أدبي راقٍ أجادهُ الرافعي رحمه الله، فكان فارسهُ الذي لا يُجارى، ولا يُبارى؛ ونتمنى أن يمرّ الأدباء عليها قراءةً وتذوّقاً وتدقيقاً.

                ولي وجهة نظر متواضعة، وهي: تغيير عنوان المقتطفات من (من مكتبتي اخترتُ لكم) إلى أي عنوان آخر يُفهَم منه أنه في الرسائل الأدبية، لتكون مرجعاً لمن لم يقرأها من قبل أو أراد الاستزاد من قراءتها ثانية وثالثة.

                وجزاك الله خيراً
                أستاذنا الفاضل
                الدكتور وسام البكري
                أحاول في هذه الصفحة أن أنثر ملخصا عن فن الرسائل الأدبية التي تربّع على عرشها حجة العرب وأمير البيان واللسان , والأديب العملاق
                مصطفى صادق الرافعي – رحمه الله –
                ولا يمكن لمن دخل دوحتها إلا وينعم بسحرها المتألّق , وبيانها البديع الذي استطاع هذا الأديب أن يملك ناصيته لينثر لنا وللأجيال من بعدنا دررا وجواهر مضيئة في فن المكاتبات والمراسلات حينما نراه يطوف بأحاسيسه ومشاعره المرهفة فيهنأ ويسعد بها كل من قرأها على مسامع قلبه وفكره ....
                ولن أتوقف – بإذن الله – عن هذه الصفحة التي كان لي جولات وصولات معها – وما زلت – وكم كنت أتمنى ومنذ نعومة أظفاري أن أصل ولو لجزء يسير مما وصل إليه عملاق الأدب العربي

                وسأعمل جاهدة أن أنقل مقتطفات أخرى من حديث القمر , قبل أن أبدأ مع رسائل الأحزان ليكون مرجعا لنا ولكل من أراد أن ينهل من علوم فن الرسائل الأدبية
                وأسأل الله أن يوفقني لهذا العمل
                والحق معك يا أستاذنا الفاضل الدكتور وسام في تغيير العنوان
                وأتمنى أن ينال إعجابك العنوان الذي تصدّر صفحة أمير البيان واللسان
                ولك خالص الشكر والتقدير لهذا المرور الكريم والطيب الذي أسعدني
                ودمت بألف خير

                أمينة أحمد خشفة

                تعليق

                • د. وسام البكري
                  أديب وكاتب
                  • 21-03-2008
                  • 2866

                  #9
                  عنوان رائع ... ينطبق تمام الانطباق على المضمون، ويعترف بحجته في البيان.

                  ودمتِ بخير أديبتنا الرائعة بنت الشهباء وجزاك الله خيراً.
                  د. وسام البكري

                  تعليق

                  • بنت الشهباء
                    أديب وكاتب
                    • 16-05-2007
                    • 6341

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة د. وسام البكري مشاهدة المشاركة
                    عنوان رائع ... ينطبق تمام الانطباق على المضمون، ويعترف بحجته في البيان.

                    ودمتِ بخير أديبتنا الرائعة بنت الشهباء وجزاك الله خيراً.
                    أجل والله يا أستاذنا الفاضل
                    الدكتور وسام بكري
                    إن مثل هذا العلم الشامخ من أعلام الأدب العربي يعترف له بحجة البيان ، وإن كل من يدخل دوحة رياض روائعه يتوه مع براعة حروفه ، وجنة عباراته ..
                    وما أحوجنا يا أستاذنا الفاضل أن نعود إلى مثل هؤلاء الأدباء ونحن نأمل أن نتعلّم وننهل من مدارسهم علوم وأصول لغتنا العربية الأمّ!!....

                    أمينة أحمد خشفة

                    تعليق

                    • بنت الشهباء
                      أديب وكاتب
                      • 16-05-2007
                      • 6341

                      #11
                      وما زلنا مع

                      حديث القمر


                      مقتطفات من روائع حجة العرب وأمير البيان

                      ومما اخترته لكم من الفصل السادس وهو ينثر لنا درره عن معاني الطبيعة الفاتنة الخلاّبة التي أحالت محاسنها ليبدو لنا وجهها أضوأ من القمر فتبدو وكأنها حورية فاتنة انثنى جمال الكون أمام بابها ليهنأ ويسعد به كل من دخل معبدها ..
                      ونراه يعجب من جماعة الملحدين الذين لا يرون فتنة الطبيعة وجمالها فيقول :
                      (( يقول الملحدون إن الطبيعة الجميلة تغضب وتحنَق ، لأنهم لا يريدونها إلا خادمة فلا ينظرون إلى جمالها ، بل إلى أفعالها ، ويقول المؤمنون الذين لا يرون في كل شيء مظهرا للإيمان ، إن غضب الجميل نوع من جماله ، فلتغضب الطبيعة ولتتورد الوجنات وليتطاير السّحر من اللحظات ولينبعث الصوتُ الصارخ الرهيب من الروح بدون أن يصفيه القلب ، ليكن ذلك وما أشبه ذلك من روعة الغضب ، فإننا نريد أن نبصر الحسن كيف يتحول في غضبه جليلاً بديعاً ، كما رأيناه في الرضى ليناً وديعاً ، وكيف تظهر فيه الروح قلقةً لا تطمئن ، كما ظهر فيه القلب يتأوه أو يَئن ، ونريد أن نرى ولو مرة واحدة انطباق صفتين جميلتين لم يفارقهما الابتسام ، فإن ذلك منهما ولا غرْو ابتسامٌ جديد .))

                      ومن ثم نراه يفرد لنا تفسيرا لمصطلح الجمال ، ويبين لنا وصفا رائعا له:

                      (( الطبيعة جميلة ، بل هي فوق أن تكون جميلة ، لأن هذه اللفظة ( الجمال )واحدة من الاصطلاحات المبهمة التي تمثل قصور الإنسان اللغوي ، فقد تعاون أفراد هذا الإنسان الضعيف على أن يخلقوا الطبيعة خلقة معنوية فصوّروها باللغة وضبطوها على عِظمها كما يضبط تاجر اللؤلؤ حساب ما في حقيبته الصغيرة لا حساب ما في البحار ، وجَروَا في أكثر المعاني السامية هذا المجرى . فربّ معنى تجده ملءَ السموات والأرض وما تجد له صفة تحدّ إلا وهي حدّ لصفة أخرى ، ومع ذلك تراهم يدمجونه في لفظة واحدة مقتضبة لا ليعرف بها معرفة صحيحة تصفُه كما هو ! ولكن ليؤثر التأثير الذي يقوم في الإنسان مقام المعرفة الصحيحة ، فإن الناس يعيشون بهذا التأثير في معظم أمورهم ويعتدّونه علما وإحاطة .وهذه اللغة الناقصة التي تصوّر الطبيعة وتحدّها ، هي في ذلك كالعين التي ترى الطبيعة لتصفها باللغة – وما اللغة في الحقيقة إلا نظر عقلي بل هي ألفاظ النظر – وما العين من الطبيعة إلا كالمرآة التي تقابلك بالشيء كما هو لتفهمه أنت كما تريد .))

                      وما أجلّ ما أتى به وهو يخاطب الإنسان ليرى جمال الطبيعة كما هي :

                      (( إذا أردت أيها الإنسان أن ترى جمال شيء من الطبيعة فاجعل عينيك أقرب إليه من فكرك ، بل انزع فكرك هذا ، إلا الخفيف منه كما تنضو ثيابك إذا طلبت السباحة في البحر ، وإلا الطاهر منه كما تخلع نعليك إذا أردت الصلاة في المسجد ، وإلا الصافي منه كما تخلع نعليك إذا أردت الصلاة في المسجد ، وإلا الصافي منه كما تطرح شغل قلبك إذا وقفت بين يدي الله ، فإن أنت سبحت بثيابك فإنها تمثل الإلحاد ، وإن واجهت ربك وأنت مشغول بنفسك عنه فإنما تمثل نفاق الشيطان ، وإن نظرت إلى الطبيعة من فكرك الماديّ فإنما تمثل العَمى الطبيعي ..))

                      وبعدها نراه يبين لنا قيمة الجمال من خلال النفوس التي لا تعرف في قاموسها إلا الحب والخير

                      (( فلولا النفوس التي تدرك قيمة الجمال ما وجدت على الأرض نفوس تدرك قيمة الخير ، وهل الخير إ‘لا بعض من جمال النفس ؟
                      لله أنت أيتها الطبيعة الجميلة ، ولله جمالك الفتان الذي يترك من حسنه بقية في كل عين تحدّق إليه فتجعل كل شيء تصادفه جميلا ، كما يثبت المرء عينه في ساطع من النور هنيهة ثم يلتفت يمنة ويسرة فإذا كل شيء فيه شعاع من ذلك النور .
                      ولله ابتسامتك الذي ترتوي منه النفوس ويخلق منه الحب والخير ، وأراه في كل زهرة تفوح , وفي كل نجم يلوح ، وفي هذا القمر الذي يتصبى الروح كأنه طلعة حبيبة الروح ، وأراه في غير ذلك من صفات الجمال التي تفيض عليها هذه النعمة السماوية لتنطق منها بأبلغ ما تفهمه النفوس من المعاني كما تنطق الحسناء حين تبتسم وهي لم تتكلم .
                      ولكن آه أيها القمر ! إن لهذا الابتسام روحا هي الخالص النقي منه ، بل الذي لا يقال في غيره خالص أو نقي ، فإذا أردت أن تشهد روح الابتسام يتلألأ في غرّتك فانظر إلى تلك التي لم تلبس من حريرك الأبيض غانية أجمل منها في ليلة من ليالي الحب ، وتأمل بربك أيها القمر كيف تتحرك بروح الابتسام في شفتيها الرقيقتين حياة الهوى .))

                      أمينة أحمد خشفة

                      تعليق

                      • بنت الشهباء
                        أديب وكاتب
                        • 16-05-2007
                        • 6341

                        #12
                        ومرة ثالثة أعود إلى

                        حديث القمر

                        ومع الفصل الرابع لحجة العرب وأمير البيان وهو ما زال يسامره ، ويرصد لنا سحر جمال الطبيعة ليبين لنا
                        وجه الاختلاف ما بين الشاعر الصحيح وهو يطلق عليه أجل الأسماء وأسماها فيصفه بـ" رجل الكمال الإنساني " ذلك لأنه يستلّ جمال شعره من الطبيعة الفاتنة التي تفيض بنور الفجر ، وبهاء الحكمة ، وألحان الملائكة ، ومناغاة وشدو الطيور ..وبين الشاعر الزائف الذي أصابه جنون العظمة ، وطيش الكلمة التي اصطبغ لونها بالغرور والكبر فانحدرت يمنة ويسرة لتزيين الباطل وتزويقه ، وذمّ الحق وتقبيحه ولم يع هذا المغرور أن كلمته ستكون وبالا عليه بعد أن زاغ بصره ، وتاه عن مهمة أداء وواجب رسالته ...
                        لنسمع معا ما قاله أمير البيان " مصطفى صادق الرافعي " :



                        (( أنت يا قمري الجميل راية السلام الإلهية البيضاء ، لا ترفع للنهار حتى يُغمِد حسامَ الضياء في جفنه الأسود ، وتسكن غمغمة الحرب التي يتقاتل أهلها على الحياة ، وتنطبق أجفان الناس فكأن كل جفنين إنما يمثلان حياة امرئ زمّت شفتيها كيلا تنزعج ملائكة السماء بهذه الأصوات الوحشية المنكرة التي تنبعث من فم النهار فتُقبل على التسبيح لله ، وتقبل الطيور وهي ملائكة الطبيعة على المناغاة ، ويقبل العشاق وهم ملائكة الناس على الفكر والنجوى ، ويقبل الشعراء من وراء أولئك جميعاً فينظمون الشعر الإلهي الذي تمتزج فيه ألحان الملائكة بأنغام الطيور وآهات العشاق ، فيمتلئ من أسرار الفكر والعاطفة والقلب ويكاد يُخلق منه العقل ، وترى فيه الروح باباً من أبواب السماء كأنه الطهارة ، وكِنّاً من أكنان الطبيعة كأنه القناعة ، ومنفذاً من منافذ القلوب كأنه الحبّ فإذا هي بالسماء والأرض بين كلمات ، وإذا كلمات تملأ بين السماء والأرض ، ثم ترى الفكر الإنساني قد استحال إلى أمواج من الخيال ويجري فيها القلب كأنه زورق من الزوارق فتثيب إليه وما هو إلا أن يحتويها حتى تتناول مِجدافه البديع المصنوع من جواهر العواطف والذي لا يبرح ملتصقاً به كأنه يد الحسناء على قلب عاشقها ، ومن ثم يجري بها في بحر الجمال الذي تشبه السماء كلها موجة من أمواجه الأبدية ، الذي لا ساحل له إلا نور الفجر والذي يخيّل إليّ أنك أنت أيها القمر جزيرة تلوح فيه على بعد .
                        لا كهذا الشعر البارد الثقيل الذي تفرغه ...أفواه بعض شعرائنا ..المشهورين ...وكأنّ ألفاظه قضقضة الأسنان من شدّة البرد ، وكأنّ معانيه العذبة ماء يستساغ على الريق ، وإذا بلغت به الحماسة المنطقية ....رأيته فاتراً كأنّما يتثاءبون به ، وإذا أراد أحدهم أن يضع روحه في بيت من الأبيات ولو انطرح بعده جثة باردة ....خرج هذا البيت رغم أنفك حارّاً كما شاء وانصرف عن أنفك وأنت تتنسم كأنّ ما فيه من روح إنما خرج إليه من تحت إبطه ..




                        الشاعر الصحيح رجل الكمال السماوي ، لأن الشعر إذا لم يكن مع الشرائع كان عليها ، وفي ذلك فساد كبير ، والشعراء أنفسهم كالشرائع تكون لمن يشاء أن تكون لها ، وهم يحكمون النفوس بالحب ...


                        فالشاعر الزائف كالدينار الزائف : كلاهما لا يجوز على أحد إلا مع الغفلة ، وكلاهما رذيلة في نفسه بالغش ومصيبة على غيره بالخسارة .
                        وإنّ الذباب ليقع على الزهر كما يقع النحل ليجني العسل ، وإنه ليطّنُ في الروض كما تغرّد الطيور لترقيص قلوبها الصغيرة ، ثم يطير عن الزهرة ذباباً كما وقع ويسكت ذباباً كما طنّ ، وكيفما نظرت إليه لا تراه إلا ذباباً ، ولكنه من الطير ، ولكنهم من الشعراء !.



                        وإني كما أغمض عيني حين يوجهني الإعصار الأحمق الذي ينفض بساط الأرض في وجه السابلة أراني منذ الساعة قد أغمضت عيناً في قلبي تطلّع على الحقيقة ، فإنّي لم أكد أرفع كأس الحكمة المعسولة لأحتسيها ولم تكد تقارب شفتيّ حتى تهافت عليها ذباب تلك الأخلاق ، فأحرزتها جانباً لتسكن نفسي بعد أن خبُثت من منظر هذه الظلال السوداء التي هي أجسام نفسِها وظلالها معاً.
                        فاحمل إليّ أيّها القمر قطرة من ندى الروح الجميلة الذي ينسكب في أنفاس تلك الحبيبة وأرسلها إلى كأسي في قناة من أشعتك السحرية حتى تمنزج بالحكمة على شفتي فكأني أتناول هذه الحكمة من ثغرها البسّام .



                        أمينة أحمد خشفة

                        تعليق

                        • بنت الشهباء
                          أديب وكاتب
                          • 16-05-2007
                          • 6341

                          #13
                          [align=center]ومن روائع أمير القلم واللسان اخترت لكم
                          قطعة فريدة



                          من التاريخ الغزلي

                          في فنها البديع تترجم لنا ما تملّك قلب صديقه العاشق من لجام الهجر ولوعة مرارته ، والتي أوحت إليه بهذه الرسائل الأدبية البديعة والمزدانة بأسلوب رائع ورصين لتكون منارة مضيئة لمن أراد أن يفهم أسرار هذا الفن ويتمكن من سلامة صنعة القلم فيملك جمال بيانه ومعجزة بلاغته ...
                          وإن من يقف أمام محراب كلماته وأسلوب سجعه وروعة بيانه ، ويعرف ويتذوق بلاغة لغة روحه يدرك أنه أمام رائد من أئمة الفكر العربي الذي لا يمكن أن ينال منه نائل مهما بلغ مبلغه من فنون الأدب ..
                          ومع رسائل الأحزان هذه نجد الرافعي - رحمه الله - كان حريصا أن يحافظ على اللغة وأصالتها بأسلوب بلاغي منقطع النظير وهو يروي لنا نفحات الحبّ التي خطفت روحه ؛ وكأنها تاريخ حزن ألبسه بعض بعضه بعد أن وصل به العمر لعقد الأربعين فيزداد حكمة وإنسانية ، ويعترف بأن مصيبة كل رجل ما علم أنه كان طفلاَ كما جاء في مقدمة كتابه :

                          قال لي هذا الصديق يوما : إني قد بلغت أربعة عقود ولكنها فيما عانيت كأنما تضاعفت إلى أربعين عقدا ؛ وقد انتهيت من دهري إلى السنّ التي ينقلب فيها الآدميّ من وَفرة قوة الحكمة ليثاً ويرجع من قوة الحكمة نبيّاً ويعود من تمام العقل إنساناً . غير أن هذه الأربعين بما تَعَاوَرتْ عليّ قد هدم فيّ بعضها بعضاً ، فإن أكن بناءً فذلك صرْحٌ ممرّد عمل فيه أربعون مِعولاَ فما أبقت حجراً على حجر ؛ وإن أكن حومة فقد اعترك فيها للأقدار جيشاً فما تؤرّخ بنصر ولا هزيمة . يا ويلتا من هذه الدنيا . إنّ مصيبة كل رجل فيها حين يصير رجلا أنه كان فيها طفلاً وما علم أنه كان طفلاً .


                          ومن ثم يتابع في مقدمة رائعة رسائل الأحزان ليبيّن لنا تجربة صديقه في الحب فيستمطر سحب مشاعره الجيّاشة ، وعواطفه الملتهبة التي أقامت لها صرحا شامخا في قلبه لتبني بعض أركانه المتهدمة ، ومن ثم مرة أخرى تعود فتهدم ما بقي منه فيحار في وصف سحرها ويعترف بأن ثلاث صفات ألبسه حبه لها :

                          هدمت الأقدار هذا الصديق حتى انحط ما فيه من العزم والقوة فجاءت (هي) تبنيه وتشدّ منه وترمّم بعض نواحيه المتداعية وتقيمه بسحرها بناءً جديداً وتحفتْ به عنايتها زمناً حتى صَلُحَ على ذلك شيئاً فأيسرت روحه من فقرها إلى الجمال والحبّ . ويقول صديقي :
                          (( إنه ليس على الأرض من يشعر كيف ولدته أمه ولكني رأيت بنفسي كيف ولدت تلك الحبيبة نفسي ؛ مرّت بيديها على أركاني المتهدمة وأعانتها الأقدار على إقامتي وبنائي ، غير أن هذه الأقدار لم تدعها تبني إلا لتعود هي نفسها بعد ذلك فتهدمني مرة أخرى )) .
                          يصف حبيبته في هذه الرسائل كأنه مسحور بها فيجيء بكلام عُلوي مشرق كتسبيح الملائكة يمازجه أحياناً شيء يحار فيه الفهم لأن أحدنا إنما يرسل فكره وراء قلمه ، أما هو فيرسل نفسه وراء فكره ويستمد قلمه منهما . فمنزلته أن يكتب ثلاث كلمات ومنزلتنا أن نفهم كلمتين ، والإنسان منا كاتب مفكر ؛ أما هو فقد زاد بصاحبته فكان كاتباً مفكراً وملهَماً .




                          وأجمل ما كان في خاتمة مقدمة كتابه حينما أوجد لصديقه العاشق صنفين من النساء ليختم قوله بأجمل وأعظم الكلم :

                          يا صديقي المسكين لا يحزُنْكَ فإن آخر الحبّ آخرٌ لأشياء كثيرة .. وأن من بين النساء نساءٌ أولّهن كالشباب وآخرهن من أشياء كالهرم والضجر والضعف والموت .
                          ويا جمال النساء إن كان في الأشياء ما هو أحسن وأجمل فإن في الأشياء ما هو أنفع وأجدى ، وقد تكون الجدوى والمنفعة من الجمال في بغضه أحياناً أكثر مما تكون في حبّه .
                          ويارحمة الله من فوق سبع سماواته لقد علمّتنا بما نجده فيسرّنا ، وما ننساه فلا يضرّنا ، أن لا نيأس منكِ أبداً ولو كنا من الهمّ تحت سبع أراضيه.


                          [/align]
                          [/COLOR]

                          أمينة أحمد خشفة

                          تعليق

                          • طه محمد عاصم
                            أديب وكاتب
                            • 08-07-2007
                            • 1450

                            #14
                            سيدتي
                            لقد جدت بما تمنينا وزيادة
                            ولي عودة فلم أنتهِ بعد
                            وأكيد أنني آت بحول الله ومشيئته
                            sigpic

                            تعليق

                            • رحاب فارس بريك
                              عضو الملتقى
                              • 29-08-2008
                              • 5188

                              #15
                              ألغالية بنت الشهباء

                              نشكرك لنشر هذه المادة التي إن عبرت عن شيء
                              إنما تعبر عن مدى أهمية الرسالة المكتوبة ..
                              فللرسالة المكتوبة طعما آخر ولونا آخر .....
                              قرأت الفقرة الأولى عن

                              روائع حجة العرب وأمير البيان
                              وسبب تسمية الرسائل " بأوراق الورد "
                              مع أن أوراق الورد هشة تذبل ولا تدوم
                              إلا أن هذه الرسائل بقيت كأنها محفورة فوق صخرة
                              لا يمحوها زمن ولا عبور دهور .........
                              سأعود بالتأكيد لقراءة الفقرات التالية .......
                              فقد أحسنت باختيارك لهذه الرسائل
                              تحيتي لتميزك.......

                              رحاب بريك
                              ..................عندما أمسك قلمي ، لا أفكر ماذا سأكتب إنما ، أكتب ما أحس ..

                              تعليق

                              يعمل...
                              X