موت العصـــافير -

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد محمد القيسي
    أديب وكاتب
    • 09-05-2009
    • 70

    شعر عمودي موت العصـــافير -



    مـــوت العصـــافير -
    لأطفـــال العــــراق
    وحصار ألموت المطبق من كل الجهات


    نُــواحُ ألطِّفـــلِ قـد بلـــــغَ ألثُـــــريّا *** و جــــالَ صداهُ في رملِ البــراري
    وشمَّتْ روحَــهُ الدنيــــا احتـــــراقاً *** بــــــلادُ الثلــجِ من خلفَ البحــــارِ
    و ماتتْ عنهُ عاطفـةُ السـياسي *** و رقَّ الذئبُ أو قلبُ الحمـــــــــــارِ
    و صدّتْ شرفــةُ الغبــرا جُحـــوداً *** و مضبعةُ الفسادِ عن الــــــذَّرارِيْ
    قـد استغشـوا دماءَك يا عــــذابي *** و لـم تألـــــمْ لآهـــــاتِ الصِّغـــــــارِ
    فــلن يبكي ألجَمــــاد على أنيـــــنٍ *** وهل في الثلجِ من قـُبسِ لنـــار ؟
    وهل تُرجَى السَّماحةَ من وضيعٍ *** سقيــم ألفكـــر خــــوّان ألجــــــوارِ ؟
    فشيّــمْ كل ذي جُــــــرحٍ و نخــــــلٍ *** يجــيك المــــدّ مـن فلك القفـــــــارِ
    و قــلْ ياربُّ ضاقتْ واستشاطـتْ *** بها الأطفال من ضنك الحصـــارِ
    تــــلوكُ شحـوبها فــــــــرطَ اقفـــــرارٍِ*** و أفق الموتِ يرشح عن دمـــــارِ
    أ يـا فلوجـــــة الأعمـــــاق صبـــراً *** فمـا كسب الخلـــــودِ من العـثــــارِ
    و يا فلّوجــة الفجـــــــــرِ المدمّـى *** يشيـحُ الوجـهَ عــــــن فلك المَــدارِ
    لك أن تجرعي في العــزّ مــــــوتاً *** احتـراقَ الجنح في فلك الصَّـواري
    فيـــا هَلَعـي على طفـــــلٍ رَضيـــعٍ *** و يا جَــــــزَعي على ذاتِ السِّــوارِ
    و يا قلقـي على شيــــخٍ كبيــــــرٍ *** تناهشهُ التَّـــراذلُ في صَغـــــــــــارِ
    إذا لا حُـــوبَ في طـفلٍ و شيـبٍ *** و أطبقَ كالــرَّحى وَهَــــــــــجُ الإوارِ
    ركوبَ الرّمـحِ أبلـغُ من جــــوابٍ *** لثلجِ ألصُّفـرِ يرسمُ محـــــــوَ داري
    فضمّي النخلَ في صَمَلِ المنايا *** يُساقـــــــطْ دمـعَ معتـذرِ الوقــــــــارِ
    فما نيــــل ألخلـــودِ على خنــــوعٍ *** و ما تأتِ الكـرامــةُ عـن خــــــــوارِ
    نقشْتي من حـروف النور فجـراً *** شموس الله تشـــــرحُ للجَـــــــواري
    فأنت صليبُـنا حَمَـــــلَ الخَـطـــــايا *** رزايا ألعُـــرْبِ وصمـةَ كلَ عــــــارِ
    أحـاطَ ألموتُ من كل الــزوايــــــا *** و أطبقـتْ الـدروبُ عــن الفــــــرار
    فــأيًّ دريئـةٍ تَنْــــــــآى البــــــــرايا *** و قــد بــرأَ العُفـــاةُ من الجــــــــوارِ
    فيــا أمّــاً لعامــرَ هـــل أمـــــــــــان *** أم ألــــــرَّزّازة الخجــلى انتحــــاري
    و هــــل عــرفتْ بلادُ اللهِ غــــــدراً *** دخيـلَ العهـد في جَنَـفِ المــــــزارِ
    فما ذاك الخـــلاقُ خـــلاق أهلي *** وإعضال الدَّخيـلِ من الضَّــــواري
    و كلّ رزيّـــــةٍ بجبــــــينِ قـــــــــومٍ *** ليـــــوم الله تُذكـــــــــــــرُ بانكســــــارِ
    ألا يــا ربّ هـــــــلْ تُفنى شقــــــاءً *** لأذنـــابِ العقــــــــــاربِ و الشِّــــرارِ
    و قـــــد نشبـتْ مآبـــــرُها بروحي *** فمـــا غضبتْ تميـمُ و لا نــــزاري
    ألا عــــذراً لروحـــــك يــــا فتــاتي *** عــروس النخــل مـن رَنِق الفخـــارِ


    التعديل الأخير تم بواسطة أحمد محمد القيسي; الساعة 23-03-2018, 08:13.
    ألقيسـي أحمـــد
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    فضمّي النخلَ في صَمَلِ المنايا *** يُساقطْ دمعَ معتـذرِ الوقــارِ
    فما نيل ألخلـــودِ على خنـوعٍ *** و ما تأتِ الكـرامــةُ عـن خــوارِ
    ..........
    ضم النخل رفاتهم
    وتأوه وجعا عليهم
    وما فتأت نيران الحقد تغلي على الفلوجة وأهلها الكرام
    ويازمن العهر والقهر وعيون وقحة ستبقى تتلذذ بموت العصافير
    ........
    أوجعتني كثيرا
    كن بخير لأكون ولو متأخرة جئت
    محبتي والورد

    رهينة الشك! منذ متى وهو يرمقني بنظراته الخرقاء المتشككة والمستفزة التي تكاد تخترق سواتر جمجمتي، وتستنفر جزيئات عقلي المشحونة بالتفكير، لا أحب الاستفزاز فهو يوترني ويجعلني مقيدة الأحاسيس، كأني متهمة تنتظر الحكم.! جاءني سؤاله مباغتا - ما الذي يسكن رأسك غير عقلك!؟ سؤال غبي لست مجبرة على الإجابة عليه، فوجود العقل فطري الجواب،


    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • أحمد محمد القيسي
      أديب وكاتب
      • 09-05-2009
      • 70

      #3
      شكرا جزيلا خالصا من الأعماق أستاذتي الكريمة لمرورك الجميل و رائع بصمتك و أصالة انتمائك .. خالص الوداد و باقة ورد ندية تليق ..
      ألقيسـي أحمـــد

      تعليق

      • جهاد بدران
        رئيس ملتقى فرعي
        • 04-04-2014
        • 624

        #4
        موت عصـــافير النخـــيل .....
        لأطفال الفلوجة*
        وحصار ألموت المطبق من كل الجهات

        نُـواحُ ألطِّفــلِ قـد بلــغَ ألثُـــريّا
        وجـالَ صـداهُ في رمــلِ البــراري

        وشمَّتْ روحَهُ الدنيـا احتــراقاً
        بـلادُ الثلــجِ مَـنْ َخْلــــفَ البحــارِ

        و ماتتْ عنهُ عاطفــةُ السِّياسي
        و رقَّ الذئبُ أو قلـبُ الحمـــــارِ

        وَصَــدّتْ شرفةُ الغــبرا جُحــوداً
        و مضبعةُ الفسادِ عن الـــذَّرارِيْ

        قـد استغشـوا دمـاءَك يا عــذابي
        و لـم تألــمْ لآهــــاتِ الصِّغــــارِ

        موت عصافير النخيل...
        الله الله الله على هذه الخريدة الباذخة الجمال..لوحة رسمتها ريشة فنان محترف..
        وجسد الصور بإتقان فني عالي القدرة..والتي لا يقدر على تجسيدها إلا الكبار أمثال هذا الشاعر العملاق..
        يحمل الشاعر كاميرا محدبة ومقعرة يرسم صوره وفق سياق المعاني والعمق والرمزية التي يشير لها لاحقا..وبدلالات ثرية يوضحها فيما بعد...
        قصيدة كتبت بالروح والمشاعر قبل أن يخطها القلم..وهذا ما يميز نصوص الشاعر..
        وما يشير إلى قوة الشاعر هو تعابيره الدقيقة في وصف الأشياء المختلفة ولغته المؤثره..مما يستدرج المتلقي لقراءة حرفه بمتعة وشوق..يصف كل صغيرة وكبيرة بإتقان مذهل ويعطي لها حقها من التصوير..وهذا يشير لتلك الحرفية والمهنية والبراعة في نسج خيوط الجمال على لوحة الأدب...
        عنوان القصيدة..لوحده لوحة بارعة مذهلة التراكيب والبناء..
        العنوان فيه ثلاث رموز..الموت..العصافير..النخيل
        وكل رمز له رواية ولا ينتهي حدوده..
        الرمز الأول..
        الموت... وله أبعاد كثيرة ودلالات عدة..موت الروح والجسد..موت الروح والمشاعر والحس ليصبح في عداد الصنمية ويصحبه موت الضمير..وموت الحيلة ..وموت الفكر ...وغيرها كثير

        الرمز الثاني..
        العصافير..ودلالاته أيضا كثيرة..منها الرقة والإحساس الحي..منها يعبر عن القلوب الطيبة والضعيفة..البراءة..الفكر البسيط..والقدرة المحدودة..وللنقاء والطهر أيضا..والطفولة الغضة والخياة البريئة..وغيرها

        الرمز الثالث..
        النخيل..ودلالاته كثيرة..الشموخ والقوة..حضارة وتاريخ..أمجاد وظلال..قوة تحمل وصبر...
        يبدأ الشاعر قصيدته العملاقة.. بكلمة نواح..وهذا يدل على تواجد الموت ..

        يصف الشاعر أجواء الموت لأطفال الفلوجة..والحصار المطبق عليهم من كل الجهات..
        في هذه الأبيات..يكثر الشاعر من وصف صورة الوجع والتي كانت مرآة جسدها الشاعر بإتقان..عن الأسباب التي كانت سببا في الحصار وموت الأطفال..والذي كان من موت الضمير وبيعه تحت أقدام المنفعة الذاتية وتحت نعال الغرب..وما فعلت السياسة ببيع النفوس ودفعها لقتل الأبرياء الذي ترتجف لحالهم الحجارة الصماء..

        فـلن يبكي ألجَمـاد على أنيـنٍ
        وهل في الثلـجِ من قـُبـــسِ لنـــار ؟

        وهل تُرجَــى السَّماحةَ من وضيـعٍ
        سقيم ألفكــر خــوّان ألجـــوارِ ؟

        فشيّـــمْ كل ذي جـــرحٍ و نخـــلٍ
        يجــيك المـــدّ مــــن فلك القفــارِ

        كم نجد من أوصاف الشاعر قدرة عظيمة في رسم حدود الوجع ووضع أبعاده وفق تجسيد متقن يدل على قدرته وحرفيته الكبيرة..
        ففي هذه الأبيات يصف قمة الظلم الذي يتعرض له ما يحدث لأطفال الفلوجة ..
        //فلن يبكي الجماد على أنين..//
        الله الله على هذا الوصف البليغ الذي اشتعلت معه الروح وهو يسبح في عمقها..وصف هؤلاء الأنذال الذين باعوا الإنسانية وتجردوا من المشاعر..وفق صفقات وحلة باعوا الضمير فيها..فهم كما وصفهم الشاعر جماد منزوع منها روح الحياة..كما قال عنهم رب العزة:" هم كالحجارة بل أشد قسوة"..
        يا لهذا الوصف البليغ والتشبيه العميق الذي يدل على قدرة الشاعر ومهاراته وبراعته...ويزيد الشاعر في وصفهم بقوله:
        //وهل في الثلج من قبس لنار...//
        الله ما أجمل وما أبلغ هذا الوصف الذي جاء مطابقا لأوصاف هذه الفئة من خلق الله..
        وبما أنهم تجردوا من معالم الإنسانية..فلا عجب مما يصنعون من قتل وهدم للإنسان..
        لأن قلوبهم ميتة..
        وهل ترجى من وضيع حقير نذل أن تنهض إنسانيته ويصحو ضميره..وهو من الفكر سقيم لا يملك فقه الفكر ولا يخطط بدراية وعلم ..وهو من الخائنين..
        صورة متتابعة ذات جمالية متألقة البناء والنظم..
        يكمل الشاعر لوحته البهية بقوله:

        و قلْ ياربُّ ضاقتْ واستشاطتْ
        بها الأطفال من ضـنك الحصــارِ

        تـلوكُ شحوبها فـــرطَ اقفـــرارٍِ
        و أفق الموتِ يرشــح عـن دمــارِ

        أ يـا فلوجـــة الأعمـاق صبـــراً
        فمـا كسب الخلــــودِ من العـثـــارِ

        و يا فلّوجــة الفجــرِ المدمّـى
        يشيـــــحُ الوجــهَ عن فلك المَــــدارِ

        لك أن تجــرعي ألموتَ أحتراقاً
        زؤامََ الجنــح في فلك الصَّــواري

        فيا هَلَعـي على طفــــلٍ رَضيـعٍ
        و يا جَــــزَعي على ذاتِ السِّــوارِ

        و يا قلقـي على شيـخٍ كبيــرٍ
        تناهشهُ التَّــــــراذلُ فــــي صَغــــارِ

        إذا لا حُوبَ في طفلٍ و شيبٍ
        و أطـــبقَ كالــرَّحى وَهَـــــجُ الإوارِ

        هنا يطوف الشاعر بمشاعره الحرة التي تنزف ألما على أطفال الفلوجة..يستنجد بالله فما لنا سواه..من ضنك الحصار ليبلغ قمته الموت من *فرط الجوع والألم..
        هنا صور بليغة ممتلئة بالحزن ..يصورها الشاعر بإتقان ويجسدها عبر إحساسه الصادق وحرفه المتقن ..مما يدل على حرفيته وقدرته في تطويع الحروف ورسمها في مسارها الصحيح..حيث يجسد للصورة ظلها الإحترافي ببصمة مميزة بألفاظ مبدعة..

        و قلْ ياربُّ ضاقتْ واستشاطتْ
        بها الأطفال من ضـنك الحصــارِ

        تـلوكُ شحوبها فـــرطَ اقفـــرارٍِ
        و أفق الموتِ يرشــح عـن دمــارِ

        كلمة تلوك شحوبها..بمعنى تذوق وامتصاص الألم والمعاناة بشدة ..وكلمة تلوك..كانت بليغة جدا في هذا المكان..ليكون التأثير كبيرا على المتلقي.. ليشعر بمقدار الأزمة والمحنة التي يعيشها أطفال الفلوجة..عملية أن يلوك..كمن يمضغ الطعام ويقطعه فتاتا..ليصل ناتجه عبر الدم لكل أنحاء الجسد ..والشاعر هنا يثور لمدى الجوع والمعاناة التي تنهمر وتنتقل لكل الجسد..تصوير إبداعي متقن..ثم يصور الموت كيف وصل لقمته للنهاية ثم ليصل للدمار..فالأفق وكلمة يرشح..كانتا مساعدتان لفتح الذهن في عملية تصوير الحدث الدامي..وتحديد الأزمة لقمتها من خلال كلمة الأفق ليتسرب منه الدمار...ويكمل خريدته بقوله
        :
        أ يـا فلوجـــة الأعمـاق صبـــراً
        فمـا كسب الخلــــودِ من العـثـــارِ

        و يا فلّوجــة الفجــرِ المدمّـى
        يشيـــــحُ الوجــهَ عن فلك المَــــدارِ

        لك أن تجــرعي ألموتَ أحتراقاً
        زؤامََ الجنــح في فلك الصَّــواري

        فيا هَلَعـي على طفــــلٍ رَضيـعٍ
        و يا جَــــزَعي على ذاتِ السِّــوارِ

        و يا قلقـي على شيـخٍ كبيــرٍ
        تناهشهُ التَّــــــراذلُ فــــي صَغــــارِ

        إذا لا حُوبَ في طفلٍ و شيبٍ
        و أطـــبقَ كالــرَّحى وَهَـــــجُ الإوارِ

        هنا الشاعر من خلال رسمه للوجع لأطفال الفلوجة..يجسد صوره البليغة وهو يتلاعب باللغة والتفاعل الحسي الوجودي وهو يشير إلى المعاني العميقة بالإندماج مع روح النص ..ليحقق جسد النص بامتداد الروح...وفق جماليات التعبير والألفاظ المشحونة بالدلالات المعبرة..فالصور التي يبنيها الشاعر عبارة عن لوحة مبهرة توقظ العواطف بلغتها التصويرية المؤثرة..
        كلمات الحزن والألم التي توحي بمدى المأساة التي يتحدث عنها الشاعر ..بارعة النسج متقنة البوح..
        ويا فلوجة الفجر المدمى/لك أن تجرعي الموت احتراقا/ زؤام الجنح في فلك الصواري/تناهشه التراذل/وأطبق كالرحى وهج الإوار/
        هنا جمعت كل الصور المذهلة والتي تتناغم وتنسجم مع أبجدية الحدث ولغة المعاناة والمأساة...
        في هذه اللقطات ثمة قوى عقلية وقوى روحية اندمجت وفق انسياب الكلمات لترسم عمق المشاعر ..روح وحس بالوجود الذي لا يقيده زمن..إحساس مستقل من الشاعر..لكشف أسرار هذه الفاجعة التي انطبقت على الطفل والشيخ وغيرهما من البشر..
        حيث يقف موقف المصور الحسي لتصوير المكان بفنية وحرفية..وفق ألفاظ وتراكيب إبداعية متجددة بما يتلاءم مع الرمزية بها..ليمنح للمتلقي البحث والتنقيب في نسيج نصه الفاخر...وقد أسندت بصفات مبهرة تعكس الواقع المؤلم ..بغية التأثير في النفوس وهز المشاعر ليتعايش الجميع مع هذه الفاجعة المؤلمة...
        ويكمل الشاعر صوره البليغة بقوله:

        ركوب الرّمـحِ أبلـغُ من جـوابٍ
        لثلـجِ ألصُّفــرِ يمحقُ رسـمَ داري

        فضمّي النخلَ في صَمَلِ المنايا
        يُساقـطْ دمــعَ معتــــذرِ الوقـــــارِ

        فما نيل ألخلــودِ على خنـوعٍ
        و ما تأتِ الكـرامــةُ عـن خــــــوارِ

        الشاعر هنا يعرض لنا قوة ألفاظة وبلاغة حرفه وفصاحة لسانه..من خلال ما ينقش من حروف تباغت المتلقي من قوتها ونظمها المتقن...
        كل بيت هنا أستطيع كتابة مجلد على تشريحه وتفسيره وفق جمالية المغزى والمعنى ووفق الرمز الذي يرمي إليه الشاعر...ففي قوله:

        ركوب الرّمـحِ أبلـغُ من جـوابٍ
        لثلـجِ ألصُّفــرِ يمحقُ رسـمَ داري

        فضمّي النخلَ في صَمَلِ المنايا
        يُساقـطْ دمــعَ معتــــذرِ الوقـــــارِ

        فما نيل ألخلــودِ على خنـوعٍ
        و ما تأتِ الكـرامــةُ عـن خــــــوارِ

        هنا تبرز الحكمة وتتكلم الموعظة وتحاكينا العبرة..
        //ركوب الرّمـحِ أبلـغُ من جـوابٍ //
        كناية عن استعمال القوة واستخدام السلاح
        وكيف هو الناطق بدل حسن التدبير والتفكير بمصير أفراد أمة واحدة..

        فضمّي النخلَ في صَمَلِ المنايا
        يُساقـطْ دمــعَ معتــــذرِ الوقـــــارِ

        فما نيل ألخلــودِ على خنـوعٍ
        و ما تأتِ الكـرامــةُ عـن خــــــوارِ

        فاستخدام هذا القتل والفساد وانتهاك حرمة الإنسان ..هو خارج عن دائرة الإيمان ..وحرمة الإنسان المؤمن أعظم عند الله من بيت من بيوته العظيمة..

        فضمّي النخلَ في صَمَلِ المنايا
        يُساقـطْ دمــعَ معتــــذرِ الوقـــــارِ

        أية قوة تكمن هنا بين المعاني العظيمة..وأية صورة هنا تحمل قلادة الجمال لتتوج رأس الأدب في نسيجها البارع...صورة مشبعة بالألم وتصوير مبهر لحالة الموت ..وقد ربط قوة النخل وشموخه في كيفية انهياره وسقوط دمعه وهو يعتذر بدمعه الوقور وشموخه الذي انكسر بحضور حضرة الموت من طعن الكرامة بالخنوع والخوار...
        وهنا تبرز الحكمة الجلية والعبر البليغة وهو يقدمها على طبق الأدب بوقار وألم..
        ليكتمل سوار حكمته الفذة بقوله:

        فما نيل ألخلــودِ على خنـوعٍ
        و ما تأتِ الكـرامــةُ عـن خــــــوارِ

        وهذا كناية عن قدسية وجود الإنسان الذي يقع تحت سيف الظلم ..وكما قال الشاعر
        فالخلود والبقاء في حياة كريمة نقية لاتأتي من خنوع وضعف وخضوع لعمالقة الكفر..
        ولا تأتي الكرامة وشريعتها من خلال ضعف أو خوار أو تنازلات عن قيم الإنسانية كلها...
        هنا اللغة والتعبير تحمل أبعاد الألم والحزن..وتكشف تراكمات الحزن المدفونة في قلوب الأحرار..وتعري الواقع من وجعه المؤلم..
        فجاءت صورا بليغة متينة جدا بتراكيبها المندمجة مع الحدث وتتلاءم مع المشاعر الحية التي تتصادم مع الواقع وأزمة انتهاك حقوق الإنسان على الأرض في الفلوجة أو في أي مكان..فما كان من الوجع إلا أن يحرك البوح مع اللغة الإبداعية التي أثارها الشاعر في خريدته المبهرة...
        يكمل الشاعر لوحته البليغة بقوله:

        نقشْتي من حـروف النور فجـراً
        شموس الله تشـــرحُ للجَـــواري

        فأنت صليبُـنا حَمَـلَ الخَـطـــايا
        رزايا ألعُـــرْبِ وصمـةَ كلَ عــــارِ

        تبرز هنا الصور والتشابيه المتقنة النظم والتي تدل على قوة الشاعر من البلاغة والفصاحة والبراعة في القول..
        حيث تمنحنا الحروف فتح المجال للخيال أن يبحر في فكر عميق وفق الدلالات المختلفة التي تقع على كاهل هذه الأمة المكلومة..

        نقشْتي من حـروف النور فجـراً
        شموس الله تشـــرحُ للجَـــواري

        فأنت صليبُـنا حَمَـلَ الخَـطـــايا
        رزايا ألعُـــرْبِ وصمـةَ كلَ عــــارِ

        يا لروعة هذا الوصف للفلوجة وأطفالها المحاصرين من كل الجهات ..كيف يصفها الشاعر أنها منارة الضوء للفجر الوليد..ثم يصفها وكأنها صليبا علقت عليه الأمة خطاياها وصلبت لتقديم الأطفال قربان العار الذي لحق بهم من خذلانهم وعدم حراك ضمائرهم...إذ صلبوا أفئدتهم وأقدامهم العارية عن كل خطوة لإنقاذ الإنسانية...
        هذا البيت بألف بيت نظم..لما فيه من عمق يرمز لقمة الظلم وانتهاك حرمة الإنسان القابع تحت سراديب العذاب من قادة المناصب والكراسي والمصالح الدنيئة...
        الصور مكتظة في هذه الأبيات...حيث حركت مفردات اللغة وفق الحس الداخلي ليخرج مع تدفق اللغة وينسجم مع الحس الخارجي لتكون لوحة متفردة من الجمال والإبداع...

        أحــــاطَ ألموتُ من كل الــزوايا
        و أطبقـتْ الـُّدروبُ عــن الفــرار

        فــــأيًّ دريئـةٍ تَـــنْآى البــرايا
        و قــد بـــرأَ العُفـــاةُ مـــن الجـوارِ

        فيــا أمّــاً لعامــرَ هـــل أمــان
        أم ألـــــرَّزّازة الخجــلى انتحـــاري

        و هل عرفتْ بلادُ اللهِ غـــــدراً
        دخيـــلَ العهــد في جَنَـفِ الـمــزارِ

        فما ذاك الخـَـلاقُ خَـلاق أهلي
        وإدمــاء الدَّخيـــل كما الضَّـواري
        و كلّ رزيّةٍ بجبـــينِ قــــــــومٍ
        ليــــــوم الله تُذكَــــــــرُ بانكـــــارِ

        الوصف هنا قمة الوجع ..حيث يرسمه الشاعر بحرفية متقنة أشبع الفكر من الغوص في الصور المتراصة الدسمة المعاني والعمق..حيث رسم الموت وكثرته والجوع إسقاطا* على الموت البطيء الذي منع من الهروب من ظلم الحكام وأطبقت عليهم الدروب من الفرار بالأرواح..وهذا كناية عن انتهاك كل الحقوق الإنسانية والتي تخاذلت الأمم كلها والدول معظمها على خنق العراق وتقييده ليبقى منكس الرأس لا يقوى على المقاومة والمجاهدة ..ويبقى النفط والمدخرات الجغرافية والثروات الطبيعية بين زمام حكم الكبار..لأن العراق غني بكل شيء حتى برجاله ونسائه الأقوياء..حيث تربعوا على منابع القوة والصبر وهم يعلمون يقينا بتلاعب الدول لهم كالكرة بين أرجل الحكام..
        ولكن هيهات أن يظفروا والله لهم بالمرصاد..
        يكمل الشاعر جمالية نظمه بأبياته الأخيرة المجبولة بروح التفرد والتميز والتألق..بقوله:

        ألا يا ربّ هلْ نُفنى شقــاءَ
        لأذنـــــابِ العقــــــــاربِ و الشِّـــــرارِ

        و قد نشبتْ مآبرُها بروحي
        فمــا غضـبتْ تمــيـمُ و لا نـــــزاري

        ألا عـذراً لروحـك يا فــتاتي
        عروسَ ألنخـــل مـن رُقْيـا الفَخـــارِ

        يا لروعة هذه الأبيات التي جلدت الإحساس من قوتها..
        كيف للموت أن يكون رهينة أذناب الشر والوحشية...
        ترابط متين متقن مع روح النص توسعت عبره بؤرة المعاني لتحقيق الهدف الأسمى لمعنى التشريد والقتل والحصار وهدم الحياة الإنسانية...
        ألفاظ مشحونة بالدلالات المعبرة عن واقع مؤلم نازف لدم الأبرياء...
        صور وتشابيه وبلاغة وقوة اللغة والدلالات المعبرة عن واقع مغتصب ..كلها
        كانت ترتبط ارتباطا متينا بمكان الحدث بتفاعل حسي مدرك بأبعاد المأساة من خلال
        لغة الشاعر المتوهجة التي تتلاءم مع الصور الحية..مما أعطى التعددية للغة في الصور والأوصاف..وهذا وعي لغوي متين التراكيب في البناء للكلمة في رسم مفردات حية تحاكي الواقع بدقة متناهية لا يقدر عليها إلا الكبار...
        ..........
        الشاعر الكبير العملاق الراقي المبدع الأستاذ
        أ.أحمد محمد القيسي
        قدمتم لنا لوحة فريدة نادرة تعكس قوة الحرف والحرفية التي تنطوي في قلمك والفنية العالية الراقية في عملية البناء..
        فتناسل من فوهة قلمكم نورا أضاء للحروف شروقا تألق من شمس لغتكم الماتعة...
        معلقة وخريدة فنية لا مثيل لها...
        وفقكم الله ورعاكم وزادكم علما ونورا وخيرا كثيرا

        جهاد بدران
        فلسطينية
        التعديل الأخير تم بواسطة جهاد بدران; الساعة 05-08-2018, 16:41.

        تعليق

        • جهاد بدران
          رئيس ملتقى فرعي
          • 04-04-2014
          • 624

          #5
          لوحة فنية باذخة الجمال، بل معلقة تنزف وجعاً وتذرف دمعاً، لوحة نفيسة خطّتها أنامل قلم بارع، يكتب بأحاسيسه وكل مشاعره بصدق..

          الشاعر الكبير المبدع
          أ.أحمد محمد القيسي
          أعيد هذه اللوحة بكل جمالياتها وفنيتها وحرفيتها، للواجهة كي يتذوّق القارئ نعمة هذا القلم وجماله..
          ونسأل الله تعالى أن تكون بخير وعافية وصحة تامة..
          وننتظر عودتكم الميمونة لهذا البيت الراقي بأهله..
          رعاكم الله وحفظكم من كل سوء

          تعليق

          • رياض القيسي
            محظور
            • 03-05-2020
            • 1472

            #6
            سلمت يداك استاذ احمد القيسي

            تعليق

            • أحمد محمد القيسي
              أديب وكاتب
              • 09-05-2009
              • 70

              #7
              بوركت روعة حضور جميل عواطر امتنان لهذا الجهد الأنبل و القراءة المعمقة المكينة الواعية .. سلمت بكل الألق و الشاعررية و العطاء و الإبداع أستاذتي الرائعة .. ممتن أنا و غابات بيلسان تليق بهاءات التفاعل الأنيق .. كل مفردات الثناء و الشكر لا ترقى لرد الجميل ..
              ألقيسـي أحمـــد

              تعليق

              • سلمى الجابر
                عضو الملتقى
                • 28-09-2013
                • 859

                #8
                أهلا وسهلا بعودة أستاذنا الفاضل
                الشاعر الكبير أحمد محمد القيسي

                تحياتي وتمنياتي الجميلة.

                تعليق

                • جهاد بدران
                  رئيس ملتقى فرعي
                  • 04-04-2014
                  • 624

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة أحمد محمد القيسي مشاهدة المشاركة
                  بوركت روعة حضور جميل عواطر امتنان لهذا الجهد الأنبل و القراءة المعمقة المكينة الواعية .. سلمت بكل الألق و الشاعررية و العطاء و الإبداع أستاذتي الرائعة .. ممتن أنا و غابات بيلسان تليق بهاءات التفاعل الأنيق .. كل مفردات الثناء و الشكر لا ترقى لرد الجميل ..
                  أهلاً أهلاً بأستاذنا الكبير والشاعر البارع حرفه
                  أ.أحمد محمد القيسي
                  والله سررت جداً باستجابتكم لحضوركم الثري ، لأنكم منارة في الشعر والأدب ومقامكم العالي يزداد رفعة ومنزلة بقلمكم الفذ..
                  شكراً لكم ويعجز لسان القلم أن يفيكم حق هذا الحضور النفيس..
                  وأتمنى من عودتكم الميمونة، أن تتجمل بمشاركتكم الدائمة في الملتقى، لما يحمله قلمكم من براعة وإبداع يساهم في الحفاظ على جلال لغتنا الضاد الجميلة والتي هي أمانة في أعناقنا لمن استطاع ذلك..
                  عودة ميمونة مثمرة ومزهرة بنصوصكم الغنية..
                  تشرفنا بهذا الحضور الكبير
                  وجزاكم الله كل الخير

                  تعليق

                  • أحمد محمد القيسي
                    أديب وكاتب
                    • 09-05-2009
                    • 70

                    #10
                    عواطر أمتنان و خوالص ثناء و هل لمثلي أن يرد طلب منارة شامخة أدبا و خلقا و تواضعا و عطاءً و إبداعاً كمنيف قامتك أستاذتنا الأنبل .
                    فراديس تقدير و وداد لكم و لصرحكم الرائع الكريم .. نعم .. مع قبائل الياسمين ..
                    ألقيسـي أحمـــد

                    تعليق

                    • أحمد محمد القيسي
                      أديب وكاتب
                      • 09-05-2009
                      • 70

                      #11
                      فراديس البيلسان لحار الترحاب الجميل ..
                      بوركتم و طيب أرواحكم الندية كرم خلق
                      و هذا الصرح الرائع الجميل ..
                      شكرا جزيلا أ. سلمى المبجلة ..
                      ألقيسـي أحمـــد

                      تعليق

                      • م.سليمان
                        مستشار في الترجمة
                        • 18-12-2010
                        • 2080

                        #12
                        مرحبا بشاعرنا الكبير والقديم
                        الأستاذ احمد محمد القيسي
                        سعداء جدا بوجودك الجميل بيننا

                        تحيتي ومحبتي
                        sigpic

                        تعليق

                        • سليمى السرايري
                          مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                          • 08-01-2010
                          • 13572

                          #13
                          أحـاطَ ألموتُ من كل الــزوايــــــا *** و أطبقـتْ الـدروبُ عــن الفــــــرار

                          فــأيًّ دريئـةٍ تَنْــــــــآى البــــــــرايا *** و قــد بــرأَ العُفـــاةُ من الجــــــــوارِ

                          فيــا أمّــاً لعامــرَ هـــل أمـــــــــــان *** أم ألــــــرَّزّازة الخجــلى انتحــــاري

                          و هــــل عــرفتْ بلادُ اللهِ غــــــدراً *** دخيـلَ العهـد في جَنَـفِ المــــــزارِ
                          -
                          ما أعمق وأجمل حرفك شاعرنا الكبير
                          لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                          تعليق

                          • سليمى السرايري
                            مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                            • 08-01-2010
                            • 13572

                            #14
                            أستاذنا المبدع

                            وانت تكتب بمداد القلب ما يريد ان يعبّر عنه كلّ من يعشق الكلمة واللون
                            وهذا الياسمين الذي اغتالته الأيادي الغاشمة
                            كثير من الوجع
                            وكثير من الوفاء لوطن كبير...
                            -
                            -
                            تحياتي
                            لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                            تعليق

                            • عبدالهادي القادود
                              نائب رئيس ملتقى الديوان
                              • 11-11-2014
                              • 939

                              #15
                              موت العصافير

                              يا لها من عتبة نصية حين نتأملها !!

                              فكيف حين تكون تلك العصافير أطفال العراق

                              وما أدراك ما العراق

                              العراق الذي فقدت العروبة كرامتها من بعده

                              وأصبح الأغراب يخيطون ثياب الألم لأبنائها على الملأ

                              شاعرنا الرائع أحمد القيسي

                              دمت سهما في كنانة الحق

                              لا عدمناك

                              تعليق

                              يعمل...
                              X