الشَّرْنَقِيَّةُ نَزعةٌ عصريَّةٌ
يقال عن الإنسان إنه اجتماعي بطبعه وهذا ما يجعله لا يستغني عن بني جنسه أيا كانوا في أي شأن من شُئُونه الخاصة أو العامة حسب احتياجاته، وقديما قال أبو العلاء المعري:
الناس للناس من بدو وحاضرة = بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدمُ
ولقد صدق، أبو العلاء، وأصاب فعلا، فالناس ومهما كانت مراتبهم أو قدراتهم أو غناهم عن غيرهم يحتاجون إلى بعضهم حتى يحيوا حياة اجتماعية كاملة، بيد أننا نلاحظ أن هذا الإنسان ورغم حاجته إلى غيره ينزع إلى التفرد والتوحد والانعزال عن الناس ولاسيما في عصرنا هذا ويصنع لنفسه شرنقة غير مرئية تكفيه وحده فلا يقبل فيها غيره حتى وإن كان هذا الغير من أقرب الناس إليه وأحبهم إلى نفسه، فما سبب هذا التشرنق العصري يا ترى ؟ هذا ما سنحاول، بإذن الله تعالى، فهمه في هذه المقالة المتواضعة، وقبل التحليل نفسر الكلمة المقترحة في العناون وهي "الشرنقية".
"الشرنَقية" مصدر صناعي صُغته من الشرنقة وهي "بيت" الدودة في تحولها إلى فراشة، تلك القشرة الرقيقة التي تصنعها الدودة لتُجرَى فيها وعليها سنةُ التحول إلى فراشة في سرية تامة بحيث لا نرى عملية التحول العجيبة تلك والتي تدوم بضعة أيام قبل أن تتم فتنفتق تلك القشرة الرقيقة فتتحرر الفراشة التي كانت دودة فتنطلق إلى العالم الواسع حرة طليقة تطير هنا وهناك فلا حدود تحجزها ولا قيود تشدها.
والمصدر الصناعي عجيبة من عجائب اللغة العربية الكثيرة، هذه اللغة الشريفة، يمنح الكاتب حرية كحرية الفراشة في انطلاقها ليعبر عن أفكاره وخواطره في فضاء الخاطر الرحب الفسيح؛ ولو يوظف علماء اللغة والباحثون المصدرَ الصناعيَّ لوجدوا بواسطته الأسماء العربية لمخترعات العصر ولما حاروا في ترجمة المصطلحات العلمية الحديثة ولاسيما في عالم الأفكار عموما وفي العلوم الإنسانية خصوصا ولما اضطروا إلى نقل مصطلحات غيرهم إلى العربية كما هي في لغاتهم؛ و قد درج علماء النحو، أو الصرف، على تسمية الياء التي يُصاغ منها هذا المصدر العجيب "ياءَ النسبة"، أو "ياءَ النزعة"، وأنا أميل إلى تسميتها ياءَ النزعة بدلا من ياء النسبة وأنحو في هذا منحى الباحث الجزائر الكبير الأستاذ الدكتور عبد الملك مرتاض وما ينزع إليه من تسمية هذه الياء، وأنا أفضل "النزعة" على "النسبة" ففي "النزعة" حريّة واختيار بينما "النسبة" فيها فرض وإجبار؛ وقد فضلت كلمة "شرنَقية" لخفتها على "تشرنُقية" لثقلها وإن كانت هي الأكثر تصويرا لما أريد التعبير عنه لما في "التشرنُقية" من مطاوعة وإرادة، لأن في التشرنُقية اختيارا وفي الشرنقية إجبارا، وموضوع الإجبار والاختيار موضوع فلسفي كبير سيخرجنا إن نحن ناقشناه هنا عن المقصد الذي أرمي إليه بهذه المقالة وهو معالجة قضية الانعزال الذي يفرضه المرء على نفسه طوعا أو كرها، جزئيا كان ذاك التشرنق أو كليا، مؤقتا أو مزمنا، فرارا من مخالطة الناس وما يترتب عن هذه المخالطة من منغصات وأذى ومشاكل بلها مصائب وقلاقل وقلق.
والآن ما الذي يجعل هذا الكائن الاجتماعي بطبعه ينزع إلى الانعزال عن الناس والانفراد في شرنقته التي يصنعها لنفسه؟ أرى أن ذلك يعود إلى سببين اثنين، أحدهما اجتماعي والآخر اصطناعي؛ فأما الاجتماعي منهما فهو فشو سوء الأخلاق الذي ساد العلاقات الاجتماعية في كل مجال من مجالات الحياة الأسرية منها والعامة، وغياب الحياء بين الأحياء، ولو رحنا نعدد مظاهر سوء الأخلاق السائد في المجتمعات كلها لطال بنا الحديث ولتشعَّب، ومرد سوء الأخلاق إلى قلة الحياء، أو إلى انعدامه كلية عند كثير من الناس، والحياء خلق من أخلاق الإسلام بل هو أسها وهو مرتبط أوثق الارتباط بالإيمان بالله تعالى فهو شعبة من شُعَبِ الإيمان كما جاء في النصوص الشريفة، كما أن عدم التسامح الذي ساد بين الناس جعلهم يتجنبون بعضهم وينطوون على أنفسهم في شرانقهم المتنوعة كلٌّ في شرنقته الخاصة، وإن هذه القضية، قضية التسامح، تحتاج وحدها إلى وقفة مطولة قد نقفها يوما ما إن شاء الله تعالى؛ وأما الاصطناعي من سببي التشرنق فهو ما ابتلي به هذا الإنسان المعاصر من المخترعات الحديثة، مختراعات الاتصال الحديثة والتي استُحدثت أساسا لتقريب المسافات بين الناس وتسهيل تواصلهم بيد أنها صارت تستعمل لتقطيع العلاقات الاجتماعية ولإفشاء سوء الأخلاق المستشري بين الناس أصلا ومنها قلة الحياء فعاد السبب الثاني إلى السبب الأول أو تقاطعا في الغاية أو توحدا في النهاية.
هذا، وللحديث بقية إن شاء الله تعالى وكتب لنا فسحة في الأجل.
"الشرنَقية" مصدر صناعي صُغته من الشرنقة وهي "بيت" الدودة في تحولها إلى فراشة، تلك القشرة الرقيقة التي تصنعها الدودة لتُجرَى فيها وعليها سنةُ التحول إلى فراشة في سرية تامة بحيث لا نرى عملية التحول العجيبة تلك والتي تدوم بضعة أيام قبل أن تتم فتنفتق تلك القشرة الرقيقة فتتحرر الفراشة التي كانت دودة فتنطلق إلى العالم الواسع حرة طليقة تطير هنا وهناك فلا حدود تحجزها ولا قيود تشدها.
والمصدر الصناعي عجيبة من عجائب اللغة العربية الكثيرة، هذه اللغة الشريفة، يمنح الكاتب حرية كحرية الفراشة في انطلاقها ليعبر عن أفكاره وخواطره في فضاء الخاطر الرحب الفسيح؛ ولو يوظف علماء اللغة والباحثون المصدرَ الصناعيَّ لوجدوا بواسطته الأسماء العربية لمخترعات العصر ولما حاروا في ترجمة المصطلحات العلمية الحديثة ولاسيما في عالم الأفكار عموما وفي العلوم الإنسانية خصوصا ولما اضطروا إلى نقل مصطلحات غيرهم إلى العربية كما هي في لغاتهم؛ و قد درج علماء النحو، أو الصرف، على تسمية الياء التي يُصاغ منها هذا المصدر العجيب "ياءَ النسبة"، أو "ياءَ النزعة"، وأنا أميل إلى تسميتها ياءَ النزعة بدلا من ياء النسبة وأنحو في هذا منحى الباحث الجزائر الكبير الأستاذ الدكتور عبد الملك مرتاض وما ينزع إليه من تسمية هذه الياء، وأنا أفضل "النزعة" على "النسبة" ففي "النزعة" حريّة واختيار بينما "النسبة" فيها فرض وإجبار؛ وقد فضلت كلمة "شرنَقية" لخفتها على "تشرنُقية" لثقلها وإن كانت هي الأكثر تصويرا لما أريد التعبير عنه لما في "التشرنُقية" من مطاوعة وإرادة، لأن في التشرنُقية اختيارا وفي الشرنقية إجبارا، وموضوع الإجبار والاختيار موضوع فلسفي كبير سيخرجنا إن نحن ناقشناه هنا عن المقصد الذي أرمي إليه بهذه المقالة وهو معالجة قضية الانعزال الذي يفرضه المرء على نفسه طوعا أو كرها، جزئيا كان ذاك التشرنق أو كليا، مؤقتا أو مزمنا، فرارا من مخالطة الناس وما يترتب عن هذه المخالطة من منغصات وأذى ومشاكل بلها مصائب وقلاقل وقلق.
والآن ما الذي يجعل هذا الكائن الاجتماعي بطبعه ينزع إلى الانعزال عن الناس والانفراد في شرنقته التي يصنعها لنفسه؟ أرى أن ذلك يعود إلى سببين اثنين، أحدهما اجتماعي والآخر اصطناعي؛ فأما الاجتماعي منهما فهو فشو سوء الأخلاق الذي ساد العلاقات الاجتماعية في كل مجال من مجالات الحياة الأسرية منها والعامة، وغياب الحياء بين الأحياء، ولو رحنا نعدد مظاهر سوء الأخلاق السائد في المجتمعات كلها لطال بنا الحديث ولتشعَّب، ومرد سوء الأخلاق إلى قلة الحياء، أو إلى انعدامه كلية عند كثير من الناس، والحياء خلق من أخلاق الإسلام بل هو أسها وهو مرتبط أوثق الارتباط بالإيمان بالله تعالى فهو شعبة من شُعَبِ الإيمان كما جاء في النصوص الشريفة، كما أن عدم التسامح الذي ساد بين الناس جعلهم يتجنبون بعضهم وينطوون على أنفسهم في شرانقهم المتنوعة كلٌّ في شرنقته الخاصة، وإن هذه القضية، قضية التسامح، تحتاج وحدها إلى وقفة مطولة قد نقفها يوما ما إن شاء الله تعالى؛ وأما الاصطناعي من سببي التشرنق فهو ما ابتلي به هذا الإنسان المعاصر من المخترعات الحديثة، مختراعات الاتصال الحديثة والتي استُحدثت أساسا لتقريب المسافات بين الناس وتسهيل تواصلهم بيد أنها صارت تستعمل لتقطيع العلاقات الاجتماعية ولإفشاء سوء الأخلاق المستشري بين الناس أصلا ومنها قلة الحياء فعاد السبب الثاني إلى السبب الأول أو تقاطعا في الغاية أو توحدا في النهاية.
هذا، وللحديث بقية إن شاء الله تعالى وكتب لنا فسحة في الأجل.
البُليْدة، يوم الأربعاء 14 شوال 1437 الموافق 20 يوليو/جويلية 2016.
تعليق