لا يمكن ترك قرطاج في أيدي البرابرة
قرأت العبارة المكتوبة بالعربية على لوحة الشهيد وكأنني أكتب حروفها من جديد بأصابعي "شارع الشهيد البشير سعيد" .
حاولت أن أتجاهل النصّ المترجم إلى الفرنسيّة لما يمثّله من امتداد لحقبة سوداء من عمر البلاد خاصّة وأن فرنسا في نظري هي المتّهم الرّئيسي لتلك الجريمة المكتوبة وقد تساءلت حقّا:" لماذا نكتب بلغتهم ولا يكتبون بلغتنا لافتات شوارعهم؟، ألم يكونوا تحت راية امبراطوريّاتنا العربيّة كما كنّا تحت نير استعمارهم؟، لماذا هذه التبعيّة حتّى في كتابة لافتات شوارعنا؟، ماهي الإضافة الحاصلة بذلك العمل؟".
منحتني كلّ هذه الأسئلة فرصة لتذكّر الظروف التي جعلت من الفرنسيين أسيادا يجثمون فوق صدورنا فقد بدأت القصّة حين شرّع البايات في 9 سبتمبر 1857 قانونا سمّي عهد الأمان، نصّت فصوله على احترام حقوق الجالية الأوروبية بتونس والسّماح لها بحرّيّة التديّن والاستقرار والملكيّة، والمساواة في النزاعات أمام القانون.
تذكّرت الهدف المعلن من تلك القوانين التي بدت إنسانيّة ومكرّسة لمبدأ التسامح الذي ينادي به الاسلام واعتبار الجاليات الأجنبيّة في بلادنا عنصرا كامل الحقوق لطمأنتهم وتشجيعهم على البقاء ومساعدتنا على التطوّر وإكساب الاقتصاد جرعة من الحداثة التي عرفتها أوروبا، أهداف نبيلة ونصوص ثوريّة مثّلت السّبق على كامل البلدان العربيّة كما يحلو للنقّاد توصيف ذلك العهد، وقد تناسوا ربّما أنّ تلك الفصول كانت تحت ضغوط مورست على محمّد باي الذي كان منهمكا في ملذّاته وحريمه من النساء والجواري اللواتي بلغ عددهن أكثر من ألف امرأة حسب العارفين بخفايا القصور.
تقول الرّوايات أنّ عددا من الشهود تقدّموا بشكوى ضدّ رئيس الطائفة اليهوديّة لأنّه شتم الإسلام وأخرى تقول أنّه صدم تونسيّا بعربته فقتله وقال آخرون إنه تشاجر مع مسلم في حانة فسبّه وسبّ الدين الإسلامي فقضت عليه المحكمة الشرعية المالكية بالإعدام، ولكنّ الدول الأوروبية اعترضت على ذلك الحكم وحاولت أن تمنع الباي من تنفيذه، غير أنّه بعد الإذعان أقرّ الإعدام فنفّذ، عندها أرسلت فرنسا وبريطانيا قناصلها لمقابلته وعسكرت وحدات من أسطولها البحري على السواحل لإجباره على إصدار ميثاق يمنح بموجبه ضمانات جوهرية لليهود والأجانب بتونس فظهر قانون عهد الأمان وأقرّ بعده دستور سنة 1861.
مثّلت تلك القوانين أرضيّة ملائمة للشّركات الفرنسيّة والبريطانيّة والايطاليّة للتنافس والفوز بأهمّ الصّفقات للقيام بمشاريع تجاريّة في تونس، واكتمل حلم الأوروبيين بجعل البلاد تحت إمرتهم ونفوذهم حين قبل مصطفى خزندار الوزير الأكبر في حكومة محمد الصادق باي أن تشتري البنوك الأجنبيّة أصول الدّيون المستوجبة على الإيالة بغية القيام بإصلاحات تهمّ شؤون البلاد.
تمكّنت فرنسا من احتلال الجزائر سنة 1830 فزادت أطماعها للاستحواذ على كامل شمال افريقيا ولكنّها كانت تراعي أصدقاءها الايطاليين والبريطانيين فتحيّنت الظروف الملائمة لضمّ تونس التي باتت عاجزة عن تسديد ديونها لدى بنوكها ثم حسمت أمرها حين صرّحت الدبلوماسية الانجليزية أنها لا ترى مانعا في ذلك بل إنّها ستحترم قرارهم ولن تعارضه لأنّه لا يمكن ترك قرطاج في أيدي البرابرة ، ليدخل الجنود الفرنسيّون البلاد من البرّ والبحر.
قرأت العبارة المكتوبة بالعربية على لوحة الشهيد وكأنني أكتب حروفها من جديد بأصابعي "شارع الشهيد البشير سعيد" .
حاولت أن أتجاهل النصّ المترجم إلى الفرنسيّة لما يمثّله من امتداد لحقبة سوداء من عمر البلاد خاصّة وأن فرنسا في نظري هي المتّهم الرّئيسي لتلك الجريمة المكتوبة وقد تساءلت حقّا:" لماذا نكتب بلغتهم ولا يكتبون بلغتنا لافتات شوارعهم؟، ألم يكونوا تحت راية امبراطوريّاتنا العربيّة كما كنّا تحت نير استعمارهم؟، لماذا هذه التبعيّة حتّى في كتابة لافتات شوارعنا؟، ماهي الإضافة الحاصلة بذلك العمل؟".
منحتني كلّ هذه الأسئلة فرصة لتذكّر الظروف التي جعلت من الفرنسيين أسيادا يجثمون فوق صدورنا فقد بدأت القصّة حين شرّع البايات في 9 سبتمبر 1857 قانونا سمّي عهد الأمان، نصّت فصوله على احترام حقوق الجالية الأوروبية بتونس والسّماح لها بحرّيّة التديّن والاستقرار والملكيّة، والمساواة في النزاعات أمام القانون.
تذكّرت الهدف المعلن من تلك القوانين التي بدت إنسانيّة ومكرّسة لمبدأ التسامح الذي ينادي به الاسلام واعتبار الجاليات الأجنبيّة في بلادنا عنصرا كامل الحقوق لطمأنتهم وتشجيعهم على البقاء ومساعدتنا على التطوّر وإكساب الاقتصاد جرعة من الحداثة التي عرفتها أوروبا، أهداف نبيلة ونصوص ثوريّة مثّلت السّبق على كامل البلدان العربيّة كما يحلو للنقّاد توصيف ذلك العهد، وقد تناسوا ربّما أنّ تلك الفصول كانت تحت ضغوط مورست على محمّد باي الذي كان منهمكا في ملذّاته وحريمه من النساء والجواري اللواتي بلغ عددهن أكثر من ألف امرأة حسب العارفين بخفايا القصور.
تقول الرّوايات أنّ عددا من الشهود تقدّموا بشكوى ضدّ رئيس الطائفة اليهوديّة لأنّه شتم الإسلام وأخرى تقول أنّه صدم تونسيّا بعربته فقتله وقال آخرون إنه تشاجر مع مسلم في حانة فسبّه وسبّ الدين الإسلامي فقضت عليه المحكمة الشرعية المالكية بالإعدام، ولكنّ الدول الأوروبية اعترضت على ذلك الحكم وحاولت أن تمنع الباي من تنفيذه، غير أنّه بعد الإذعان أقرّ الإعدام فنفّذ، عندها أرسلت فرنسا وبريطانيا قناصلها لمقابلته وعسكرت وحدات من أسطولها البحري على السواحل لإجباره على إصدار ميثاق يمنح بموجبه ضمانات جوهرية لليهود والأجانب بتونس فظهر قانون عهد الأمان وأقرّ بعده دستور سنة 1861.
مثّلت تلك القوانين أرضيّة ملائمة للشّركات الفرنسيّة والبريطانيّة والايطاليّة للتنافس والفوز بأهمّ الصّفقات للقيام بمشاريع تجاريّة في تونس، واكتمل حلم الأوروبيين بجعل البلاد تحت إمرتهم ونفوذهم حين قبل مصطفى خزندار الوزير الأكبر في حكومة محمد الصادق باي أن تشتري البنوك الأجنبيّة أصول الدّيون المستوجبة على الإيالة بغية القيام بإصلاحات تهمّ شؤون البلاد.
تمكّنت فرنسا من احتلال الجزائر سنة 1830 فزادت أطماعها للاستحواذ على كامل شمال افريقيا ولكنّها كانت تراعي أصدقاءها الايطاليين والبريطانيين فتحيّنت الظروف الملائمة لضمّ تونس التي باتت عاجزة عن تسديد ديونها لدى بنوكها ثم حسمت أمرها حين صرّحت الدبلوماسية الانجليزية أنها لا ترى مانعا في ذلك بل إنّها ستحترم قرارهم ولن تعارضه لأنّه لا يمكن ترك قرطاج في أيدي البرابرة ، ليدخل الجنود الفرنسيّون البلاد من البرّ والبحر.
تعليق