الخروج الأول من أولى حارات القمع !

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    الخروج الأول من أولى حارات القمع !

    حين طاردت جدي بسؤالي
    كان يروغ مني
    و مرة يزجرني
    و ربما ضربني بعصاته التي كانت بين أصابعه دائما
    كنت لحوحا
    قليلا ما أحسن اختيار الوقت
    للعب أو للضحك أو السؤال
    كل حادثة أتي بها
    كأنها هي من تأتي بي
    كأن غريبا داخلي يحركني
    و يقاسمني أفعالي الطائشة
    كم أبكاني
    و لم يبادر باعتذار مثقال مرة عما فعل
    فما أحسسته حزينا حين يضجر بي الكبار
    يناصبونني القيظ
    و المطاردة
    و لا أدركت فرحته حين يستخف بي اللهو
    مازال إلي الآن يرسم لي خرائط الحزن
    يهيئ لها الطريق
    و دون ما رفق يقود إرادتي
    لم يكن سؤالي عصيا
    و لم يكن من مبرر لقسوة جدي
    و انصرافه عني إلي أبطاله الذين تركهم تحت الوسادة
    نائمين
    و آن صحوهم لتتحول الدار إلي ساحة قتال
    ما بين جدي و جدتي
    : و لا يبق على المداود إلا شر البقر
    ذهبت بسؤالي لعمي الكبير
    فتمتم ب "صدق الله العظيم "
    ثم بأصابع يده اليسرى يلقط أذني قارصا
    و لم يتركها حتى تلويت على الأرض كدودة فجأة
    أدركت أن وجبتها الأخيرة كانت النهاية
    صارخا دون بكاء
    يفلتني ما بين الدهشة و الرهبة
    : تحشو رأسك بحشائش البرك و القنوات و لا تحفظ آية واحدة من القرآن
    أتوه و أسقط سؤالي في قاع
    حتى لا أكون شاة بين غضب الكبار
    و كلما ألح عليّ سؤال
    رأيت ما يستوجب الفهم
    تأملت و أسقطت الفهم
    لكنني أبدا لم أستطع قمع عيني عن الرؤية و التأمل
    لم تكن أسئلتي عصية
    و لم تكن مخجلة أو عارية الثياب
    تستلزم الطحن و القرص و تكسير خيزرانة أو أكثر على لحم بدني النحيل
    بعدت عن الكبار بقدر ما تخليت عن أسئلتي

    و داخلي قمع يتراكم
    أسئلة تتزاحم
    رؤى لا تجد تفسيرا
    و أسماء ليس لها معان محددة
    حتى غدوت محض أنفاس تتحرك في دائرة أضيق من الطريق بين الغيط و الدار
    بين الحارة و الدار
    رغم المتاهات العديدة التي تتكون منها مدينة قديمة قدم التاريخ
    و مزلقانات يتدحرج عليها الخلق سعيا للنهر
    تقف على قفاها البيوت و المساجد و الأسبلة
    وحين كانوا يلبسونني مريلة التيل ناديا
    و يعلقون على كتفي مخلاة من القماش
    قالوا عنها شنطة الكتب
    كانوا يرفعونني على ظهر حمار في رحلتي الأولى لمدرسة تتوسط المدينة
    لا أدري إلا أن أحد الأقرباء من السادة الحضريين يعمل بها !
    لم أكن لهذا الحد أشغل بالهم حتى يسمحوا لي
    بالابتعاد عن الغيط و السخط الذي يجب أن يكون له متنفس
    المسألة أن هناك من أرغمهم
    من زلزل أفئدتهم و أتخمها بالخوف
    لم يكن سوى شيخ الحارة الذي تهددهم بمحضر رسمي إذا ما قصروا
    و تخلفوا عن قيدي بالمدرسة الابتدائية
    هناك تضخمت الأسئلة
    و توارت الإجابات خلف حشو المعلمين و المعلمات
    أصبحت مزلقانات البلدة طرقا إضافية
    عليّ أن أسبر أغوارها و أرسم معانيها دون سؤال وجواب من أحد !

    sigpic
  • حسن لشهب
    أديب وكاتب
    • 10-08-2014
    • 654

    #2
    هي الطريق التي سلكناها قاسية ما بين الدار والمدرسة ما بين الحقول الفارغة والأذهان التائهة في عالم أسئلة لم تجد قط من يشفي غليلها فلم نجد بدا من الهروب بعيدا عن عالم الكبار .عالم كان مكتفيا بذاته ولا يقيس الأشياء إلا بمعايير لا تعترف بمنطق الصغار.ولم تكن ولن تكون أسئلة الأطفال قط مستلزمة لعنف أو طحن أو تكسير خيزرانة فوق أجسام هزيلة .
    وكما في البيت توارت الأسئلة في المدرسة ولم نجد بدا من سبر أغوار الحياة وبناء معناها وحدنا دونما سؤال أو جواب من أحد.
    شكرا لهذه الوجبة التي حفرت بعمق في أغوار الذات وماذا كان عسانا نفعل سوى أن نسير للبحث عن المعنى في عالم يحاصرنا ولا يستجيب لحلمنا بالعيش في عالم أجمل .
    بدوري عشت الحالة بكل جمالها و صدقها وشغبها الجميل .
    شكرا لإبداعك أستاذي
    كن بخير أينما كنت.

    تعليق

    • بسباس عبدالرزاق
      أديب وكاتب
      • 01-09-2012
      • 2008

      #3
      هي ذاتها الأسئلة التي قبرت ووئدت بداخلي حتى تخيلتها غريبة عني
      استيقظت ذات هم وحزن حيث انقلبت ارضي وأخرجت ما دفن فيها من أسئلة فكنت مرة أخرى طفلا شقيا وبريئا
      عدت طفلا لا يهتم إلا بالبحث والفضول ويؤرقه هذا الكون وهذه الأحداث

      الأجوبة الجاهزة التي تعطي تفسيرا لكل شئ تحيط بنا في كل جانب، والشيوخ والمدعين للعلم ومن يزعم أنه يملك الحقيقة الكاملة محض وهم وستجد هؤلاء يملؤون الساحات والمنابر والشاشات وبعضهم يطل من الكتب زاعما امتلاكه الحكمة المطلقة
      والحقيقة أن الشخص الوحيد الذي بإمكانه منحنا الأجوبة هو نحن، أما الآخر فهو مجرد مرشد أو دليل وربما مساعد لمرحلة معينة

      كنا قد تحدثنا ذات مرة وللصراحة الأجوبة الخرافية والأسطورية يحبها العقل الكسول لأنها تمنحه راحة وهي تهرب وكذلك هي مخدر أو مضاد للخوف، وأنا قد تصديت لكسلي المعرفي وجابهت خوفي ووضعت عقلي ونفسي أمام هواجسه وتحديت الجميع لأصنع نفسي من جديد بعيدا عن الخرافة والزيف والكسل.

      نص أحببته كثيرا لن أستيقظ منه
      محبتي الكبيرة التي تعرفها.....
      السؤال مصباح عنيد
      لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة حسن لشهب مشاهدة المشاركة
        هي الطريق التي سلكناها قاسية ما بين الدار والمدرسة ما بين الحقول الفارغة والأذهان التائهة في عالم أسئلة لم تجد قط من يشفي غليلها فلم نجد بدا من الهروب بعيدا عن عالم الكبار .عالم كان مكتفيا بذاته ولا يقيس الأشياء إلا بمعايير لا تعترف بمنطق الصغار.ولم تكن ولن تكون أسئلة الأطفال قط مستلزمة لعنف أو طحن أو تكسير خيزرانة فوق أجسام هزيلة .
        وكما في البيت توارت الأسئلة في المدرسة ولم نجد بدا من سبر أغوار الحياة وبناء معناها وحدنا دونما سؤال أو جواب من أحد.
        شكرا لهذه الوجبة التي حفرت بعمق في أغوار الذات وماذا كان عسانا نفعل سوى أن نسير للبحث عن المعنى في عالم يحاصرنا ولا يستجيب لحلمنا بالعيش في عالم أجمل .
        بدوري عشت الحالة بكل جمالها و صدقها وشغبها الجميل .
        شكرا لإبداعك أستاذي
        كن بخير أينما كنت.
        للجغرافيا دور بعيد
        و داخل الجغرافيا جغرافية أخرى و ربما خارطة كاملة تمتلئ بالمدن و القرى كجغرافيات لا تشبه بعضها إلا من حيث تبعيتها للجغرافيا العظمى و ما نطلق عليها وطن
        أو الاقليم
        و مدينتي الريفية بمقتضيات هذا التقسيم جغرافيا مكونة من جغرافيات متناثرة متجاورة مشتتة مصطفة فخلف كل حي راق أحياء فقيرة بل بائسة الفقر
        و ليس الفقر هنا فقر المال و لكنه فقر المآل فكلها تحيط به بقامته المرتفعة بينما الأحياء المحيطة منكسة الرؤوس محنية على الدوام ومسددة صوب الأرض
        و النعال .. العجيب أن أهل الأيقونة يفخرون أنهم كانوا ذات يوم ضمن النجوم الضيئلة التي كانت تحيط بالقمر !
        و كم هذا التوريع مبهر و مؤلم في ذات الوقت
        و كم له من دلالات و نتائج قاسية الوقع .. الأيقونة تحيطها القسوة و العنف و العمل و السعي و ضربات الانوال و الفؤوس و المطارق
        بينما هي تعوم في نعومة و يسر و اريحية و هدوء وصفاء
        لا أدري .. الحديث طويل لا يخرج عن التضارب بين الاسياد و العبيد بين ساكني الجنان الرابضين على رؤوس الشغيلة و العمال و الفلاحين و الأشقياء !
        و لا قدرة لي على قطعه فهو منهك و ثقيل و إن بدت ملامحه تتكون
        يكفي رغم عدم قناعتي أنه صالح للرد على مداخلتك المشعة و الحنون في ذات الوقت

        قبلاتي أستاذي حسن
        sigpic

        تعليق

        • ربيع عقب الباب
          مستشار أدبي
          طائر النورس
          • 29-07-2008
          • 25792

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة بسباس عبدالرزاق مشاهدة المشاركة
          هي ذاتها الأسئلة التي قبرت ووئدت بداخلي حتى تخيلتها غريبة عني
          استيقظت ذات هم وحزن حيث انقلبت ارضي وأخرجت ما دفن فيها من أسئلة فكنت مرة أخرى طفلا شقيا وبريئا
          عدت طفلا لا يهتم إلا بالبحث والفضول ويؤرقه هذا الكون وهذه الأحداث

          الأجوبة الجاهزة التي تعطي تفسيرا لكل شئ تحيط بنا في كل جانب، والشيوخ والمدعين للعلم ومن يزعم أنه يملك الحقيقة الكاملة محض وهم وستجد هؤلاء يملؤون الساحات والمنابر والشاشات وبعضهم يطل من الكتب زاعما امتلاكه الحكمة المطلقة
          والحقيقة أن الشخص الوحيد الذي بإمكانه منحنا الأجوبة هو نحن، أما الآخر فهو مجرد مرشد أو دليل وربما مساعد لمرحلة معينة

          كنا قد تحدثنا ذات مرة وللصراحة الأجوبة الخرافية والأسطورية يحبها العقل الكسول لأنها تمنحه راحة وهي تهرب وكذلك هي مخدر أو مضاد للخوف، وأنا قد تصديت لكسلي المعرفي وجابهت خوفي ووضعت عقلي ونفسي أمام هواجسه وتحديت الجميع لأصنع نفسي من جديد بعيدا عن الخرافة والزيف والكسل.

          نص أحببته كثيرا لن أستيقظ منه
          محبتي الكبيرة التي تعرفها.....
          و جاء السؤال بعد أكثر من خمسين سنة
          : ما الذنب الذي ارتكبه طفل ، و استحق عليه كل هذا العقاب ، و العصي التي تكسرت صلابتها على جسده النحيل ؟
          لم أحر جوابا ، و لم أتردد عن مزاحمة أفكاره ، رغبة في عدم الاساءة إلي عظام القبر ، وحتى أقطع عليه الطريق إلي مزيد من الأسئلة ، و داخلي شجن كبير و عريض : لكنهم ربوا ، وقدموا لنا مالم نقدم لأولادنا .
          أعلم أن تبريري لا يختلف كثيرا عن قول مأثور ، و تشييخ ليس له معنى لدي ، أمقته لو كان صادرا عن غيري ، لا أدري لم كان كذلك ، وكلي مفعم بالأسى
          : و الله لو عقابا عن جرم ما ، مهما كان نوع الجرم ، لا يمكن أن أصدق لولا أنه تم أمام عيني و بحضوري ، بل وقع بعضه عليّ !
          يخوض الرأس في متاهة ، يستجلي ما غاب عنه ، و يقرأ ما كان حاضرا ، و بالفعل لم أر مايستوجب ، و لا أجد ثمة اعتراض قد ألوح به ؛ ليتوقف عن إيلامي على هذا النحو !
          : لا تنس تصاريف الأيام ، و أفاعيلها ، و طبيعة الكائن ، من قدرة أو خور ، قسوة أو لين ، بأس أو تهتك ، و أيضا ما خاضه الكبار ، وركبوه في تفاصيله ، من حكايات و نكايات ، و موروثات لها سلطة و سلطان ، و ليس كذلك فقط بل هناك كثير من عوامل تخليقية تدخل في نسيجه ، إلي جانب الطبع و الجينات .
          مزجت ما أقول بضحكات متواترة
          : ربما كان سؤالك ذاته سؤالي الذي عركني و أبلاني روحا و جسدا و ظل بلا جواب . هون على نفسك ، و لا تتقهقر إلي الخلف ؛ فتصعب عليك العودة ، بل اجعله مسلكا و صورة لتركيب جمالي أدهش ، و أكثر تماسكا ، و قدرة على خوض الحياة !
          ضممته بقوة ، و شددت على يده ، ثم أطلقته للطريق ، بينما ألف سؤال بألف مطرقة ، كنت فيها سندانا ، تطحن رأسي و جسدي ، و مازلت أبحث لها عن إجابات ، وكلما انتهيت منها ، عادت إلي تمنعها ، بعدم قبول إجاباتي ، بل رفضها كلية ، متهمة إياي بالغباء والقصور عن فهم طبيعة البشر ، مهما أحكمت بينا وبينهم الوشائج و التفاصيل !
          sigpic

          تعليق

          يعمل...
          X