رحلة من بيتك .. إلى المقبرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ناريمان الشريف
    مشرف قسم أدب الفنون
    • 11-12-2008
    • 3454

    #16
    (المشهد السادس من مشاهد الرحلة الى المقابر )
    ( تبني للخراب )



    السلام عليكم أيها الميتون عما قريب
    وأهلا بكم في مشهد آخر من مشاهد الرحلة الى المقابر
    مشهد اليوم سيجعلك تعيد النظر فيما تجمع
    وفيما تعمر وتشيد
    وفيما تلد من البنين والبنات

    فما قولك إذا علمت أنك تلد للموت وتبني للخراب ؟
    نعم هذا هو حال أهل الدنيا

    = فقد روى عن النبي (ص) أنه قال: ما من يوم إلا وملكان يناديان :
    يا أهل الدنيا ولدتم للموت وتبنون للخراب وأنتم محاسبون ومعذبون عند ربكم )

    لله ملـِك ينــادي كل يوم *** لـدوا للمـوت وابنـوا للخراب
    لمـن نبني ونحن الى التراب *** نعود كمـا خلقنـا مـن تـراب
    ألا يا مـوت لم أر منك بـدّ ا *** أتيـت فلا تحيـد ولا تحـابـي
    كأنك قد هجمت على مشيبي *** كمـا هجم المشيب على الشبـاب

    = عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنت مع كعب الأحبار
    وهو عند عمربن الخطاب رضي الله عنه

    فقال كعب : يا أمير المؤمنين
    ألا أخبرك بأغرب شيء قرأته في كتب الأنبياء ؟
    إن هامةً جاءت الى سليمان بن داود صلوات الله وسلامه عليهما
    فقالت السلام عليك يا نبي الله - قال : وعليك السلام يا هامة
    أخبريني كيف لا تأكلين من الزرع
    قالت : يا نبي الله إن آدم أخرج من الجنة بسببه
    فقال : كيف لا تشربين الماء ؟
    قالت : ان الله أغرق قوم نوح فيه فمن أجل ذلك لا أشربه
    قال سليمان : كيف تركت العمران وسكنت الخراب؟
    فقالت: لأن الخراب ميراث الله – فأنا أسكن ميراث الله
    قال سليمان: فماذا تقولين اذا جلست فوق خربة ؟
    قالت : أقول أين الذين كانوا يتمتعون بالدنيا ويتنعمون فيها ؟
    قال سليمان عليه السلام : فما صياحك في الدوراذا مررت عليها ؟
    قالت : أقول : ويل لبني آدم كيف ينامون وأمامهم الشدائد ؟
    قال : فما لك لا تخرجين بالنهار؟؟ ولا تظهرين الا بالليل
    قالت : من كثرة ظلم بني آدم لأنفسهم
    قال: فأخبريني : ما تقولين في صباحك ؟
    قالت : أقول : تزودوا يا غافلون وتهيؤا لسفركم
    سبحان خالق النور
    فقال سليمان عليه السلام : ليس من الطيور أنصح لابن آدم وأشفق عليه من هذه الهامة
    وما في قلوب الجهال أبغض منها.

    = فلا تركن الى دنياك المتقلبة – وكيف تبيع الباقي الغالي بالفاني الرخيص
    فيا مسكين أنفقت مالك في بنيان الدور وتشييد القصور
    ونسيت الموت والتحول الى ظلمة القبور ثاويا فيها الى يوم النشور
    ألا للخــراب بنى العامرونا ** وللموت ما وَلــد الوالدونـا
    وعما قليل يرى الآخرون ** عجائب ما قد رأى الأولونـا
    ويشقـى أناس بما جمعـوا ** ويســعد بالقلـة الزاهدونا
    ولا يرحمون إذا بكوا ولا ** يرتجي الرحمة الظالمونا

    = هذا بالتأكيد لا يعني ألا يصلح الانسان من شأن حياته
    فان الله تبارك وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده
    ولكن بشرط ألا يكون هذا العمار لاهيا لك عن ذكر الله
    وذكر الموت -

    = روي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال :
    ما من يوم إلا وملك الموت ينادي :
    يا أهل الدنيا عجلوا لأن أهل القبور محبوسون من أجلكم
    أتركوا ما جمعتم وخربوا ما بنيتم
    الويل لكم ان أدرككم الموت على هذه الحالة
    زينتم الدور ونسيتم القبور
    أذكروا القبر ووحشته
    والموت وسكرته
    والصراط ودقته
    الموت سكرة في سكرة
    وحيرة في حيرة وجذبة يا لها من جذبة
    فالمسكين يكابد غصص المنون داهش العقل محزون

    = وحكي عن بعض السادات أنه قال :
    نظر الي بهلول وأنا أبني دارا فقال : لمن هذه الدار ؟
    فقلت : لرجل من كبار أهل الكوفة
    فقال : أرنيه؟
    فأريته اياه - فناداه فقال : يا هذا لقد تعجلت البناية قبل العناية
    اسمع الى صفة دار كونها العزيز أساسها المسك وبلاطها العنبر
    اشتراها عبد أزف للرحيل كتب على نفسه كتابا
    وأشهد على عقد ضمائره شهودا
    ولهذه الدار شارع ينتهي الى دار الخلد والسلام
    وخيام قد ملئت بالولدان ليس فيها أسقام ولا ضر ولا الآم
    ولا يذوق ساكنها سكرات الحمام
    يا لها من دار لا ينقضي نعيمها ولا يبيد كريمها
    ملئت خيامها بجوار بهن يكمل السرور
    ليس لهن سوى الدين والتقوى مهور
    قيل وبعد أن قال بهلول هذا الكلام
    ترك الرجل داره وتاب الى الله ورجع
    وهام على وجهه خارج داره
    فناداه بهلول وهو يعدو خلفه ويقول :
    يا ذا الذي طلب الجنان لنفسه**** لا تهربن فانه يعطيكا

    = حكي عن عباد المهلبي أنه قال :
    كان ملك من ملوك البصرة قد ترك الدنيا وما فيها وتعبد
    ثم بعد مدة من الزمن
    وسوس له شيطانه بترك العبادة فمال الى الدنيا وغرورها
    فبنى دارا وشيدها وأمر بفرشها
    وأمر أن يصنع طعام كثير ودعا الناس
    فجعلوا يدخلون ويهنئونه ويأكلون ويشربون
    وينظرون الى بنائه ويعجبون منه.. ثم يدعون له ويتفرقون عنه
    فمكث بذلك زمانا حتى اذا فرغ من أمر الناس
    أجلس نفرا من خاصة اخوانه فقال لهم :
    أترون سروري بهذا القصر؟؟
    فقد حدثتني نفسي أن أتخذ لكل واحد من أولادي مثل هذا القصر
    فأقيموا عندي أياما أستمتع بحديثكم
    فأقاموا عنده أياما يأكلون ويشربون ويتمتعون
    اذ سمعوا ذات ليلة بهاتف يهتف وينادي بصوت جهير ويقول :

    يا أيهـا الرجـل الناسـي منيتـه **
    لاتـأمنن فـإن المـوت مكتوب
    على الخلائق ان سروا وان كرهوا **
    فالموت حتم لذي الآمال منصوب
    لا تبنيـنّ ديـارا لسـت ساكنهـا **
    وراجع النسـك كيما تغفر ذنوب

    قال : فخرج وخرج أصحابه بعد أن راعهم ما سمعوا
    فقال لأصحابه : هل تجدون ما أجد ؟
    وهل تشعرون بما أشعر ؟ قالوا : وماذا تجد وتشعر ؟
    قال : أجد مسكة على فؤادي وما أرها إلا علة
    ثم أمر بالشراب فأهريق وأمر بالملاهي فأخرجت
    ثم قال : اللهم اني أشهدك وأشهد ملائكتك ومن حضر من عبادك
    أني تائب اليك من جميع ذنوبي
    نادم على ما فرطت في الأيام الماضية
    ثم اشتدت به العلة فلم يزل يقول الموت الموت
    حتى خرجت روحه من ليلته تلك وتفرق عنه أصحابه –

    = الناس يبكون على موتاهم
    والأجدر أن يبكوا على أنفسهم لا على الميت -
    عجبت لجازع باك مصاب*** بأهل او حميم ذي اكتئاب
    يشق الجيب يدعو الويل جهلا *** كأن الموت بالشيء العجاب
    وأمر الله فيه الخلق حتى *** نبي الله منه لم يحابي
    له ملك ينادي كل يوم *** لدوا للموت وابنوا للخراب



    الى هنا انتهى مشهد اليوم
    ألقاكم غدا بنفس الموعد .. هذا ان عشنا ليوم الغد
    لا تنسوني من الدعاء .. الى اللقاء





    تحية ودعاء ... ناريمان الشريف
    sigpic

    الشـــهد في عنــب الخليــــل


    الحجر المتدحرج لا تنمو عليه الطحالب !!

    تعليق

    • ناريمان الشريف
      مشرف قسم أدب الفنون
      • 11-12-2008
      • 3454

      #17
      المشهد السابع
      ( تذكر الموت )



      = السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      أيها السادة الميتون عما قريب
      ومرحبا بكم في مشهد آخر من مشاهد الرحلة الى المقابر

      = نحن مسلمون
      وجميعنا نؤمن بأن الله حق والموت حق أليس كذلك
      ولأنه كذلك علينا أن نضع الموت نصب أعيننا
      كل دقيقة تمر من عمرنا
      وعلينا أن نتخيل أننا سنموت وتخرج أرواحنا من أجسادنا
      ونصبح أجسادا هامدة في أي لحظة آتية - ولكن الكثيرين منا للأسف لا يذكرون الموت إلا قليلا-

      والشيطان اللعين يساهم في هذا – فكلما ذكرت الموت –
      يمنّيك الشيطان اللعين أن الموت ليس لك انما لغيرك
      ويجعلك متأكدا ان العمر طويل طويل


      =أما نبي الأمة فيروي عنه ابن عمران ويقول :
      كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من الأنصار
      فسلم على النبي عليه الصلاة والسلام
      فقال : يا رسول الله – أي المؤمنين أفضل ؟
      قال : أحسنهم خلقاً- قال : فأي المؤمنين أكيس ؟
      قال : أكثرهم للموت ذكراً ،
      وأحسنهم لما بعده استعداداً أولئك الأكياس ؟

      وقال عليه الصلاة والسلام :
      الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت –
      والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله.

      والعاجز هنا المقصر الذي يتبع الشهوات ويتمنى على الله أن يغفر له –
      وهذا هو الاغترار- وهذا هو الأمن من مكر الله -

      فعن معروف الكرخي رحمه الله قال :
      "رجاؤك الرحمة ممن لا تطيعه حماقة وخذلان"

      يقول الامام علي :
      أحسنت ظنك بالأيام اذ حسنتْ ولم تخفْ سوء ما يأتي به القدر
      وسالمتك الليالي فاغتررت بها وعند صفو الليالي يحدث الكدر

      وعن طول الأمل ، قال الغزالي رحمة الله عليه :
      اعلم أنه اذا طال الأمل هاج منك أشياء :
      ترك الطاعة والكسل فيها وترك التوبة وتسويفها ( أي تأجيلها )
      والحرص على الجمع والاشتغال بالدنيا وقسوة القلب
      ونسيان الآخرة .

      ولكن لماذا طول الأمل يفعل كل هذا؟

      بالمختصر اذا أحس الانسان أن عمره طويل
      يبقى لديه أمل بإصلاح نفسه
      وتغيير سلوكه ،

      ولكن من يدري أنه يعيش للغد أو حتى لما بعد ساعة ،

      فقد يموت فجأة وهذه الميتة مكروهة للإنسان المؤمن ،وقد استعاذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم

      أما عندما يمرض الإنسان لكأنما الله يُمهّد له
      بأنه أشرف على الموت ويعطيه فرصة
      لذلك يقال إن الجسم الذي لا يمرض يأشر ويبطر.

      = وقال : لقد وعظت نفسي بالقرآن والموت
      فيا أخي ، يا صاحب الأمل الطويل يا ناسي الموت ،
      قد تتعظ قولاً وعلماً أما عملاً فلا

      قد تستمع إلى خطبة جمعة من إمام المسجد
      وهو يحدثك عن الموت وما أن تخرج من باب المسجد
      حتى تتلهى بقشور الدنيا ،
      ولا تعاود الاجتهاد في التزود للآخرة
      كاجتهادك في تدبير الدنيا العاجلة
      ولم تستح من الله كما تستحي من الخلق
      ولم تشمر للقبر كتشميرك في الصيف لأجل الشتاء
      وفي الشتاء لأجل الصيف ولو فتشت
      عن سبب تمادي النفس في فعل هذا
      لوجدت أنه الاعتقاد بتراخي الموت واستبعاد هجومه ، وهذا هو طول الأمل
      مع أنه لو أخبرك الطبيب أنك ستموت بعد شهر
      لاستقامت نفسك ولهزل جسمك ولاستويت على الصراط المستقيم ،
      تخيل انك ستموت في نهاية هذا الشهر فما أنت فاعل ؟؟
      نشدتك بالله تعالى - حاول أن تجيب ؟

      = إليك هذه الحكاية : قال الشافعي :
      الشحم لا ينعقد مع الحزن والغم ثم قال :
      كان بعض ملوك الأرض قديما كثير الشحم لا ينتفع بنفسه ،
      فجمع الأطباء وقال لهم :
      احتالوا بحيلة يخف بها لحمي هذا قليلا –
      فما قدروا على شيء فجاءه رجل عاقل وقال للملك :
      أنا سأعالجك – قال الملك : عالجني ولك الغنى ، قال :

      أصلح الله الملك إنما أنا منجم ولست بطبيب ،
      فدعني أنظر الليلة في طالعك لأرى أي دواء يوافق حالتك
      ولما أصبح ، قال : أيها الملك أعطني الأمان ؟
      فلما أمنه الملك قال له :

      رأيت طالعك يدل
      على أنه لم يبق من عمرك غير شهر واحد
      فاذا أردت عالجتك ، واذا أردت أن تتأكد من كلامي فاحبسني عندك شهراً
      فاذا كان قولي صحيحا فخلّ عني واذا كنت كاذباً فاقتص مني
      وعاقبني بالذي تريد ، فحبسه الملك ،
      وبدأ يفكر في نفسه ويقول شهر واحد بقي من عمري
      لا بد من أن أصلح من شأني فرفع الملاهي
      وتوقف عن شرب الخمر وساعد المحتاجين
      واحتجب عن الناس وخلا مغتماً كئيباً حزيناً
      يلوم نفسه على ما فعل في السر والعلن
      وكلما اقترب الشهر على نهايته
      زاد حزنه وخوفه من الموت والقبر
      وبعد ثمانية وعشرين يوماً بعث الملك الى المنجّم
      وأخرجه من سجنه وقال له : ماذا ترى ؟
      قال: أعز الله الملك – أنا أهون على الله من علم الغيب !
      والله اني لا أعرف عمري ولا متى سأموت
      فكيف لي أن أعرف عمرك، و لم يكن عندي دواء لبدانتك وشحمك
      سوى الغم وانتظار الموت .

      فمن يحمد الدنيا لعيش يسره ** فسوف لعمري عن قليل يلومها
      اذا أقبلت كانت على المرء حسرة ** ان أدبرت كانت كثيرا همومها



      = أخي المستمع ،، كل هذه المشاهد وأنت لم تمت بعد

      لا زلت على قيد الحياة – ولم تسقط ورقتك بعد !!
      ولم يأت ملك الموت ليأخذ روحك ولما يحفر قبرك بعد
      هل مررت ذات يوم بالمقابر ورأيت قبرا محفورا؟

      هل جربت أن تلقي نظرة وتتفقد أرضه التي ستلقى عليها ذات يوم
      ما رأيك أن تذهب اليوم الى المقابر لزيارة أحد أقربائك؟!
      وتنزل في أحد القبور الفارغة وتتخيل أنه مسكنك الجديد
      وما الذي يمنعك من الاستلقاء فيه؟!

      = وقد أسمعتكم في المشهد السابق
      كيف بات يحيى عليه السلام في قبر احتفره لنفسه فمكث فيه ثلآثة أيام وهو يبكي من هول القبر
      ويغيب فيه عن الدنيا ويعيش مشهد الموت
      وحيدا بعيدا عن الدنيا وأهلها
      فاذا كان هذا نبي الله يخاف من القبر ووحشته ويحسب حسابا لليوم الذي يكون فيه تحت التراب فكيف بنا نحن؟؟؟!!!
      وهذا سفيان الثوري كان لديه قبرا في منزله يرقد فيه وإذا ما رقد فيه نادى ( رب ارجعون – رب ارجعون )
      ثم يقوم منتفضاً ويقول لنفسه : ها أنت قدر رجعت يا سفيان فماذا أنت فاعل ؟!!

      زرع أعماركم قد أذن بالنفاد **ونوم غفلتكم قد أطال الرقاد
      فأين الحسرات على فوات الأمس،؟! وأين العبرات على مقاساة ظلمة الرمس؟!
      أين ما أعددتموه ليوم لا تجزي نفس عن نفس؟!!



      أأمل أن أخلد والمنايا يثبن إلي من كل النواحي
      ولا أدري إذا أمسيت حيا لعلي لا أعيش الى الصباح

      = نعم لعلي لا أعيش الى الصباح
      لا أعيش إلى الصباح

      = أخي المستمع – في المشهد القادم سأحكي لك قصة حقيقية عن رجل ذهب الى المقابر ونام ليلة في القبر ،

      انتظرونا في المشهد التالي من مشاهد الرحلة الى المقابر في الغد
      هذا ان عشنا ليوم الغد



      تحية ودعاء...ناريمان



      sigpic

      الشـــهد في عنــب الخليــــل


      الحجر المتدحرج لا تنمو عليه الطحالب !!

      تعليق

      • جمال عمران
        رئيس ملتقى العامي
        • 30-06-2010
        • 5363

        #18
        الاستاذة ناريمان
        تحية مباركة لك على هذه الروعة.
        قرأت، وقرأت، وأعدت القراءة مرات.
        وأتابع وأنتظر القادم.
        قمة الواقع والحقيقة التى لاحقيقة مثلها.
        مشاهد وعظات وصور عن المصير المحتوم... وليتنا نتعظ.
        دموعى الآن تمنعنى من استكمال الرد.
        مودتى
        *** المال يستر رذيلة الأغنياء، والفقر يغطي فضيلة الفقراء ***

        تعليق

        • ناريمان الشريف
          مشرف قسم أدب الفنون
          • 11-12-2008
          • 3454

          #19
          المشاركة الأصلية بواسطة جمال عمران مشاهدة المشاركة
          الاستاذة ناريمان
          تحية مباركة لك على هذه الروعة.
          قرأت، وقرأت، وأعدت القراءة مرات.
          وأتابع وأنتظر القادم.
          قمة الواقع والحقيقة التى لاحقيقة مثلها.
          مشاهد وعظات وصور عن المصير المحتوم... وليتنا نتعظ.
          دموعى الآن تمنعنى من استكمال الرد.
          مودتى
          بارك الله فيك أخي جمال
          ويا لسعادتي أن مرّ على هذه الرحلة اليتيمة مارّ وتأثر بها
          وهذا ما أسعى إليه
          اللهم أحسن ختامنا يا رب
          والتالي قادم بإذن الله
          تحية مباركة ... ناريمان
          sigpic

          الشـــهد في عنــب الخليــــل


          الحجر المتدحرج لا تنمو عليه الطحالب !!

          تعليق

          • ناريمان الشريف
            مشرف قسم أدب الفنون
            • 11-12-2008
            • 3454

            #20
            ( المشهد الثامن من مشاهد الرحلة الى المقابر )
            ساعة تحت الأرض




            = السلام عليكم أيها السادة الأحياء الميتون عما قريب

            وأهلا بكم في مشهد آخر من مشاهد الرحلة إلى المقابر
            في المشهد السابق حدثتكم عن تذكر الموت وتذكر القبر


            وفي هذا المشهد قصة حقيقية يرويها رجل أسرف على نفسه

            وعنوان القصة :

            ( ساعة تحت الأرض تقشعر لها الأبدان )
            أرويها لكم على لسانه مع بعض التغييرات التي اقتضتها الضرورة
            يقول :

            = كانت البداية عندما قرأت عن سفيان الثوري رحمه الله
            أنه احتفر قبراً في منزله
            وكان يرقد فيه وإذا ما رقد فيه حتى يحل عليه الظلام
            وعاش ويلات ظلمته ووحشته
            صاح ( رب ارجعون رب ارجعون )

            ثم يقوم منتفضاً ويقول : ها أنت قد رجعت فماذا أنت فاعل ؟

            = ويكمل راوي القصة

            كنت أحافظ على أداء صلاة الفجر في موعدها في المسجد

            وحدث مرة أن فاتتني صلاة الفجر فأحسست بضيق في صدري طوال ذلك اليوم

            ثم تكرر معي هذا

            فقلت : لا بد من الوقوف مع النفس وقفة حازمة لتأديبها

            حتى لا تركن لمثل هذا فيؤدي ذلك بي الى النار

            فقررت أن أبيت ليلة في القبر حتى أؤدب نفسي

            وأعلمها كيف لا تغفل عن صلاة الفجر
            ولأذكرها بأن هذا هو منزلها ومسكنها إلى يوم البعث

            وأقسمت أن أفعل وأبيت في القبر هذه الليلة ولا أؤجل ذلك الى الليلة التالية

            فلما انتصف الليل قلت لنفسي قومي الآن إلى المقابر
            وكان اختياري لهذا الوقت بالذات حتى لا يراني أحد

            فتوجهت إلى المقابر وتساءلت : هل أدخل من الباب ؟

            لا لئلا يفسد خطتي أحد يراني -
            فقررت أن أتسلق سور المقبرة –

            واقتربت من السور وصعدته وإذ بي بين القبور–

            فدخل الخوف إلى قلبي قبل أن أدخل القبر مع أنني كثيراً ما دخلت المقبرة كمشيع
            ولكنني أحسست وكأنني لأول مرة أرى القبور
            ورغم أنها كانت ليلة مقمرة إلا أنني أقسم :
            ما رأيت أشد سواداً منها تلك الليلة

            – كانت ظلمة حالكة -

            سكون رهيب لا يقطع هذا السكون
            سوى أصوات بعض صراصير الليل
            سكون فظيع هذا هو صمت القبور بحق !
            أما رائحتها فلا يخطئها أنفي

            فيها رائحة الموت – رائحة الحناء وبعض روائح المسك
            التي تصب على بعض الموتى قبل دفنهم -
            شعرت بتعب دونما أتعب

            فاتكأت على السور وأنا أتلفت حولي

            ونبضات قلبي تتصاعد وتعلو وصدري يكاد ينخلع من مكانه
            قلت في نفسي : الرحمة يا رب الرحمة
            واني والله لأشعر بملك الموت قريباً مني
            يريد أن ينقض علي وينهش مني روحي

            فجلست إلى نفسي أحادثها للحظات ريثما تهدأ

            مرت علي كالسنين – إيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ه أيتها القبور – ما أشد صمتك !

            وما أوحشك !
            وما أقسى ما تخفيه تحتك !
            ضحك ونعيم – عذاب وبكاء وعويل –
            آه ما أصعب ما قررت !!!

            هل أتراجع ؟
            لا والله لن أتراجع
            قمت من فوري وسرت بين القبور –لأجد قبرا فارغاً أبيت فيه –

            ها قد وجدت – هذا القبر لي

            الآن سأدخل فيه بسرعة حتى لا يراني أحد
            ويقال عني مجنون

            فلا أحد يصدق أني أعاقب نفسي لأني أضعت صلاة الفجر

            وقبل أن أدخل القبر قلبت بصري يمنة ويسرى
            واذا بقبور مفتوحة تنتظر ساكنيها

            وقبور أخرى سكنها أصحابها

            تأملت القبور الممتلئة بأصحابها
            وراودتني أسئلة متتالية متسارعة

            لمن هذا القبر؟؟
            لعله لرجل كان في عز شبابه أضاع عمره
            في الاستماع الى الأغاني
            وغره شبابه وفي لحظة مرة داهمه الموت

            فلم ينفعه الشباب في شيء
            وهذا لعله قبر رجل ضيع صلاته مثلي

            وهذا القبر لعله لرجل أعمال جمع من الأموال ما جمع
            ولم تغن عنه أمواله شيئا - وهذا وهذا ؟؟؟؟؟؟؟؟
            أرجعت بصري أرضا ونظرت إلى قبري

            وقلت : سبحان من قهر عباده بالموت

            ولشدة خوفي قلت في نفسي سأجلس خارجه قليلاً
            حتى تسكن أعصابي

            كثيراً ما رأيت القبور ولكن هذه المرة تختلف
            – لها طعم آخر –
            لحظة وأحسست همهمة وكأن شخصا يتنفس في أذني –
            قلت هو اذن ملك الموت

            رفعت بصري ولا أرى إلا قبورا وخيالات سوداء

            وكأن أهل القبور خرجت تستقبلني – أين أذهب ؟
            أين سأهرب – ومم أهرب ؟

            وكأني أسمع نفسي تصيح بي : يا مجنون
            كيف تجرأت ووصلت الى هنا ؟

            هذا هو القبر هيا اهبط فيه –
            ألست أنت من أقسمت أن تبيت في القبر الليلة ؟
            انزل لا بد أن أبر بقسمي وأبيت الليلة في القبر
            جلست القرفصاء وبذا اقتربت أكثر فأكثر من القبر

            تأملته وتساءلت : سبحان الله

            كيف تكون هذه الحفرة الصغيرة روضة من رياض الجنة
            أو حفرة من حفر النار ؟
            هل الطقس بارد ويزداد برودة أم أنها قشعريرة الموت
            او هو الإحساس بالموت؟
            أسمع صوت رياح – ما هذه الريح ؟

            لا أرى ذرة من غبار ؟ ما الذي أسمع وما الذي أحس ؟

            يجب أن انزل القبر ولم أتيت إلى هنا أصلاً ؟
            استعذت بالله من الشيطان الرجيم ومن وسوساته اللعينة

            وشمرت عن ثيابي – وهبطت إلى القبر وقلبي يختلج
            يكاد ينخلع من صدري – ومددت نفسي داخل القبر –
            والصقت نفسي بجدار القبر لا أدري أحتمي من ماذا ؟

            أنا لست جباناً لكنني شعرت بالخوف حقاً -
            كل هذا وأنا مغمض العينين –

            فتحت عيوني وأزحت بصري إلى الناحية الأخرى

            فإذ بي أرى جداراً من تراب تتحرك فيه ديدان سوداء

            تقلبت على ظهري ورفعت بصري إلى أعلى

            فلم أر إلا سقفاً من تراب لا يكاد يرتفع عن وجهي بضع سنتمترات

            فقلت : ماذا لو انهال علي التراب فجأة ؟

            يا لشدة الموقف !!
            إنه المكان الذي لابد منه – وبدأت أفكر .........

            سبحان الله ننام على فراش وثير وهذه هي النهاية

            نريد أن نحصل على كل شيء في الدنيا وهذه هي النهاية

            لاشيء لا شيء

            إلى الذين يتنازعون على الدنيا وما فيها هذه هي النهاية
            تعالوا شاهدوا بأم أعينكم – هذا هو القبر-
            وأردد بصوت خافت يا أهل القبور مالكم لا تسمعون ؟؟
            أين أصواتكم التي كانت تجلجل ؟

            تركتم صلاتكم وتنازعتم على مال الدنيا هل تنفعكم الآن ؟

            هل تغنيكم عن هذه الرقدة ؟

            آثرتم الغناء على القرآن –

            صمت للحظة أتفكر بصمت يتناسب وصمت القبور الرهيب

            كيف سيأتي منكر ونكير ؟ من أي ناحية سيأتياني ؟
            كيف سيكون الحساب ؟
            ما هي ضمة القبر ؟ وكيف يكسر الأضلاع ويتداخل فيها ؟

            آه ما أجهلنا نستاء من طعام لا يتوافق مع شهيتنا

            ونصير نحن أكلة دسمة لهذا الدود الذي
            أراه يخرج من بين التراب

            يريد أن يسبح على جسدي

            فكرت أن أنظر الى القبر المجاور فخفت أن أرى عينين تلمعان
            في الظلام وتنظران الي
            فقررت ألا أنظر الى الناحية المجاورة

            فليس بي شجاعة أن أزيح بوجهي من شدة الخوف
            فما زال القلب ينبض بشدة –
            وضعت يدي على صدري

            وتخيلت نفسي محمولاً في النعش وأصحابي يسيرون بي

            ويدخلونني القبر ويرشون الماء عى التراب فوقي
            تخيلت رجلاً كبير السن من أهلي
            وقبل أن يتركوني وحيداً في قبري

            يقول : توقفوا لحظة أدعو لصاحبكم فإنه الآن يسأل

            وراح فكري هنا وهناك - وبكيت إلى ما شاء الله أن أبكي

            ويكأني غبت عن الدنيا وما فيها لأكثر من ساعة

            وأنا أتفكر في الموت –

            وما صحوت من غفلتي إلا والدود قد بدأ يمشي علي

            وكأني أقول له – مهلاً – أنا لست ميتا لتأتي علي تأكلني

            اهتز جسمي وقلت رب ارجعون رب ارجعون

            فأدركت أني على قيد الحياة

            نهضت من مكاني ونفضت ملابسي مما علق بها من تراب
            ودود وغيرها

            وغادرت المقبرة وعدت إلى بيتي أردد قول جبريل عليه السلام
            للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم

            ( عش ما شئت فإنك ميت
            وأحبب من شئت فانك مفارقه
            واعمل ما شئت فانك مجزي به )




            انتهى المشهد

            ألقاكم غداً بنفس الموعد بإذن الله تعالى

            هذا إن عشنا ليوم الغد

            السلام عليكم

            لا تنسوني من الدعاء



            تحياتي لكم ...
            ناريمان الشريف
            sigpic

            الشـــهد في عنــب الخليــــل


            الحجر المتدحرج لا تنمو عليه الطحالب !!

            تعليق

            • ناريمان الشريف
              مشرف قسم أدب الفنون
              • 11-12-2008
              • 3454

              #21
              لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
              أعتقد أننا جميعاً لأن نتذكر هذه المشاهد
              أليس كذلك
              اللهم حسن الختام يا رب
              sigpic

              الشـــهد في عنــب الخليــــل


              الحجر المتدحرج لا تنمو عليه الطحالب !!

              تعليق

              يعمل...
              X