ضبط مصطلح الإسلام السياسي / محمد شعبان الموجي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • mmogy
    كاتب
    • 16-05-2007
    • 11282

    ضبط مصطلح الإسلام السياسي / محمد شعبان الموجي



    السياسة واجب شرعي يترتب عليه واجبات كثيره .. لكن من الخطأ الجسيم اختزال الدين في هذا الواجب .. بل والأكثر خطأ جعل هذا الواجب هو محور التدين .. بل وتفسير أجزاء الدين كله من خلال التوظيف السياسي كما هو الحال عند الشيعة الإمامية مثلا الذين يعتبرون الإمامة والخلافة أس العقيدة وأساسها .. ولاايمان لمن لايؤمن بها .. ويحاولون توظيف عقيدة الإمامة والخلافة توظيفا سياسيا ويفسرون القرآن والسنة والتاريخ وفقا لتلك العقائد والأفكار المسبقة ... مع أن الدين له مقاصد أساسية أوسع كثيرا جدا من
    أن يختزل في واجب من واجباته .. فالدين له مقاصد ثلاثة اساسية .. معرفة الله والطريق إلى الله ( عبادة وأخلاق ) ، والايمان باليوم الآخر .. ومعايشة كل تلك المقاصد في كل صغيرة وكبيرة .. ثم تأتي السياسة أو لاتأتي حسب الظروف المحيطة .. ولذلك معظم الأنبياء والرسل لم يحكموا ولكنهم أقاموا الدين بعناصره الثلاثة .. ولكن عندما يتمكن المسلمون من إقامة مجتمعهم الإيماني كثمرة من ثمرات الدعوة .. فلا بد أن تأتي السياسة كضرورة شرعية وحياتيه .. فالنبي صلى الله عليه وسلم أقام مجتمع الدعوة أولا .. ثم تطورت السياسة في المجتمع الناشىء وفقا لمتطلبات المجتمع في مراحله المختلفة .. ولم ينشىء تنظيما سياسيا ولا جماعة عسكريا ابتداء .. بل جاءت السياسة كضرورة لتنظيم وحكم المجتمع ومن ثم الدفاع عنـــــــــــــه كما قلت .... فاختزال الدين والعقيدة في السياسة وجعلها محور الدين وإنشاء كيانات موازية وجماعات عسكرية مسلحة يختلف جوهريا عن كون السياسة واجبا شرعيا . قد تظهر أسبابه وتتوافر شروطه وتنتفي موانعه فيجب عندئذ القيام به وقد لا تتوافر فيسقط الواجب ويبقى إقامة الدين في النفوس من خلال الدعوة إلى الله هو الأصل الباقي الذي لايعذر أحد بتركه أو التقصير فيه .
    إنْ أبْطـَأتْ غـَارَةُ الأرْحَامِ وابْـتـَعـَدَتْ، فـَأقـْرَبُ الشيءِ مِنـَّا غـَارَةُ اللهِ
    يا غـَارَةَ اللهِ جـِدّي السـَّيـْرَ مُسْرِعَة في حَلِّ عُـقـْدَتـِنـَا يَا غـَارَةَ اللهِ
    عَدَتِ العَادونَ وَجَارُوا، وَرَجَوْنـَا اللهَ مُجـيراً
    وَكـَفـَى باللهِ وَلـِيـَّا، وَكـَفـَى باللهِ نـَصِيراً.
    وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوكيلُ, وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.
  • مصباح فوزي رشيد
    يكتب
    • 08-06-2015
    • 1272

    #2
    أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ؟

    أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ.

    عندما يقرأ الانسان مثل هذه المصطلحات " المُغرضة " يدرك أنّ ثمّة لُبسا.
    الاسلام السيّاسي أم السيّاسة في الاسلام ؟ مسألة احتواء.
    نحن قوم أعزّنا الله بالاسلام .
    لم يهنأ الملاحدة حتّى قتلوا الصّحابة، ونكّلوا بأهل البيت ، وأطاحوا بالشّورى، وجاؤوا بالملك العاض ، ليتقاتل النّاس فيما بينهم.
    بثّوا سمومهم وفتاويهم، مثلما فعلوا مع النّصرانيين فأضلّوهم، كذلك ليضلّوا هؤلاء الذين يّألّهون عليًّا ويلعنون عائشة وأباها.
    قطّعونا دوّلاً مجزّأة .
    وفرضوا علينا أسماء ومسمّيات:
    "علمانية" و"ديمقراطية" و "ليبيرالية" و"ماركسيّة سيوعيّة" و "مدنية" و "تيوقراطية" و "لوغارشيّة" ... ما أنزل الله بها من سلطان.
    ولم لا وربما غدا:
    "إسلام كوميد" أو "إسلام إيدول للفنّانين والفنّانات العربيات، والرّاقصات والمغنّيّات" ... وستجد من سيدافع عنها، وبكل ما أوتي من قوّة.

    وراء مثل هذه الأشياء الغريبة ملاحدة، غايتهم تتمثّل في إبعاد الخلق عن خالقهم، باتّباع الأهواء والشهوات. وجل من قال:
    {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} .
    كيف يمكن للدّين السمح، إذا ما حُوصرت أوامره ونواهيه في طقوس ومحافل " مأسونية "، أن يحمل معاني الشّمولية، التي تشمل كل مظاهر الحياة. والله - عزّ وجل - يقول في محكم تنزيله:{نَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} .
    أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ
    وللكلام بقيّة، ما بقى في العمر بقية.
    هذا {وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}.
    التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 25-02-2018, 08:13.
    لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

    تعليق

    • حسين ليشوري
      طويلب علم، مستشار أدبي.
      • 06-12-2008
      • 8016

      #3
      أسئلة منهجية.

      المشاركة الأصلية بواسطة محمد شعبان الموجي مشاهدة المشاركة

      السياسة واجب شرعي يترتب عليه واجبات كثيرة .. لكن من الخطأ الجسيم اختزال الدين في هذا الواجب .. بل والأكثر خطأ جعل هذا الواجب هو محور التدين .. بل وتفسير أجزاء الدين كله من خلال التوظيف السياسي كما هو الحال عند الشيعة الإمامية مثلا الذين يعتبرون الإمامة والخلافة أس العقيدة وأساسها .. ولا إيمان لمن لا يؤمن بها .. ويحاولون توظيف عقيدة الإمامة والخلافة توظيفا سياسيا ويفسرون القرآن والسنة والتاريخ وفقا لتلك العقائد والأفكار المسبقة ... مع أن الدين له مقاصد أساسية أوسع كثيرا جدا من
      أن يختزل في واجب من واجباته .. فالدين له مقاصد ثلاثة أساسية .. معرفة الله والطريق إلى الله (عبادةً وأخلاقا) ، والإيمان باليوم الآخر .. ومعايشة كل تلك المقاصد في كل صغيرة وكبيرة .. ثم تأتي السياسة أو لا تأتي حسب الظروف المحيطة .. ولذلك معظم الأنبياء والرسل لم يحكموا ولكنهم أقاموا الدين بعناصره الثلاثة .. ولكن عندما يتمكن المسلمون من إقامة مجتمعهم الإيماني كثمرة من ثمرات الدعوة .. فلا بد أن تأتي السياسة كضرورة شرعية وحياتيه .. فالنبي، صلى الله عليه وسلم، أقام مجتمع الدعوة أولا .. ثم تطورت السياسة في المجتمع الناشىء وفقا لمتطلبات المجتمع في مراحله المختلفة .. ولم ينشىء تنظيما سياسيا ولا جماعة عسكريا ابتداء .. بل جاءت السياسة كضرورة لتنظيم وحكم المجتمع ومن ثم الدفاع عنـــــــــــــه كما قلت .... فاختزال الدين والعقيدة في السياسة وجعلها محور الدين وإنشاء كيانات موازية وجماعات عسكرية مسلحة يختلف جوهريا عن كون السياسة واجبا شرعيا قد تظهر أسبابه وتتوافر شروطه وتنتفي موانعه فيجب عندئذ القيام به وقد لا تتوافر فيسقط الواجب ويبقى إقامة الدين في النفوس من خلال الدعوة إلى الله هو الأصل الباقي الذي لا يعذر أحد بتركه أو التقصير فيه.
      السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
      أهلا بأستاذنا الفاضل وبما يعرضه من مواضيع قيمة تحتاج إلى مناقشة ولا تؤخذ مسلمة.

      ثم أما بعد، كلام جميل باديَّ الرأي لكنه يحتاج إلى تدقيق وتفصيل كان على الكاتب أن يبينه أو أن يلمح إليه لأن اختزال القول في قضية كبيرة وخطيرة كهذه، الإسلام السياسي، يوهم أن ما عرض هنا هو الحق المبين وهذا ما لا يسلم به الواقع المعيش في السيرة النبوية الشريفة.
      وقبل أي حديث كان من المفروض أن نحدد مفهوم السياسة وهل هي وجه من وجوه الدين الحنيف، الإسلامَ، كغيره من الوجوه أم هي الدين نفسه؟ وهل كان النبي، صلى الله عليه وسلم، "غير سياسي" في الفترة المكية أم كان هو رئيس الجماعة المسلمة، على قلة عَددها وضعف عُددها؟ وكيف كان يسوس تلك الجماعة المؤمنة وما يأمرها به فتلتزم أوامره؟ هل كان "سياسيا" عندما أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة؟ هل كان "سياسيا" عندما أمرهم مرة أخرى بالهجرة إلى "يثرب"؟ ثم هناك سؤال خطير لا ينتبه له وهو: ما هو التوجيه السياسي الذي جاء به القرآن المكي؟ وهل خلا هذا القرآن المكي من "السياسة"؟
      هذه مجموعة من الأسئلة تثار قبل مناقشة صلب الموضوع والله الموفق.

      sigpic
      (رسم نور الدين محساس)
      (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

      "القلم المعاند"
      (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
      "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
      و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

      تعليق

      • أميمة محمد
        مشرف
        • 27-05-2015
        • 4960

        #4
        إقامة الدين في الأساس أصبحت محل نزاع، فهذا يريد إقامة دين السلفية وهذا دين شيعة وذاك دين علمانية وديمقراطية وذاك دين الوسطية، إنما دين الإسلام واحد.
        أتفق مع.. الدعوة للإيمان بالله والتوحيد أولا، ثم السياسة. فلا يُختزل الدين في السياسة، ولا يختزل بلا سياسة.
        تحية.

        تعليق

        • mmogy
          كاتب
          • 16-05-2007
          • 11282

          #5
          أستاذنا المحترم مصباح فوزي رشيد
          السلام عليكم ورحمة الله
          هون عليك أخي الحبيب .. فالمصطلحات تنشأ لأسباب كثيرة ومنها الانحرفات التي لحقت باعتقادات الناس وفهمهم المغلوط عن الدين وأحكامه .. فوجود المصطلح ليس اقرارا بصحته وإلا لوقع التناقض .. فالخوارج مصطلح والقدرية مصطلح والجبرية والإمامية والمعتزلة والشيعة وأضف إليها أيضا الإسلام السياسي .. فكلها يحمل انحرافا أو أكثر من انحراف .. وكلما انحرفت المسلمون عن فهم دينهم نشأت جماعة جديدة أو فرقة جديدة تتسمى بنقطة الخلاف التي افترقت بها عن التيار الإساسي للإسلام .. وهناك أيضا مصطلحات جوهرية لم ترد نصا في قرآن ولا سنة رغم أهميتها مثل مصطلح التوحيد أو مصطلح العقيدة .. ناهيك عن مئات المصطلحات العلمية والفقهية التي نشأت لأسباب تاريخية .. إذن فالمصطلحات لاتعني بالضرورة اختراعا ولا تعني ضلالا ولاتعني أيضا أنها صحيحة بالضرورة ..
          إن الدين عند الله الإسلام .. وهذا الإسلام المشار إليه في الآية هو الاسلام الحقيقي النقي الصافي الصحيح الذي يقوم على أركان ثلاثة .. معرفة الله والطريق إلى الله والإيمان باليوم الآخر .. وكلما حدث انحراف في مقصد من هذه المقاصد الثلاثة نشأ دين جديد وإله جديد في أذهان المنحرفين .. فتأتي الرسل لإعادة الدين إلى مساره الصحيح .. وكذلك كلما حدثت اختلافات بين المسلمين نشأت فرقة جديدة .. فهناك بالفعل على أرض الواقع إسلام سياسي وإسلام سياحي وإسلام اقتصادي وإسلام صوفي وإسلام معتزلي وإسلام خارجي وإسلام زائف .. وتحت كل راية من هذه الرايات أتباع بالملايين من المؤمنين يقودهم علماء وأئمة على راس كل مذهب وفرقة .. هذا ليس رضا بهذه الفرق والعقائد والديانات التي نشأت نتيجة لانحراف عقدي ما .. وإنما هو رصد للواقع البشري ، ومحاولة للرد على هذه الفرق والجماعات لتجديد الدين وتطهير التوحيد وتصحيح المفاهيم .. أي إعادته إلى مقاصده الأساسية في القرآن الكريم والتي لاتخطئها عين بصيرة ولا قلب مؤمن .
          والإسلام السياسي انحراف عن الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم .. لا من حيث أنه اضاف شيئا أو عنصرا جديدا في البناء الإسلامي وإنما لأنه غير من معمارية هذا الدين .. فتضخمت فروع وتضاءلت أصول .. الدين في أساسه علاقة بين الرب والعبد .. وهذه العلاقة تنعكس بدورها على كل أخلاق وسلوكيات الإنسان وعلى البيئة المحيطة به .. وأما الواجبات الشرعية فتتوقف على ظهور السبب وتوافر الشرط وانتفاء المانع كما هو معروف في أصول الفقه .. والسياسة واجب شرعي محوري يترتب عليه واجبات شرعية أخرى .. لكنه أيضا ككل واجب يجب القدرة عليه للقيام به وإلا سقط عن المسلم .
          الخلاصة أن السياسة المتمثلة اساسا في الحكم والسلطة والخلافة هي واجب شرعي محوري ، ولكنها ليست ضمن مسائل العقيدة ... وإضافة الخلافة في كتب العقائد ليس لأنها من مسائل العقيدة ولكن لأن الأمة اختلفت وتفرقت حولها ..
          وللحديث بقية ومزيد توضيح في التعليقات التالية إن أذن الرحمن .

          المشاركة الأصلية بواسطة مصباح فوزي رشيد مشاهدة المشاركة
          أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ.

          عندما يقرأ الانسان مثل هذه المصطلحات " المُغرضة " يدرك أنّ ثمّة لُبس .
          الاسلام السيّاسي أم السيّاسة في الاسلام ؟ مسألة احتواء .
          نحن قوم أعزّنا الله بالاسلام .
          لم يهنأ الملاحدة حتّى قتلوا الصّحابة ، ونكّلوا بأهل البيت ، وأطاحوا بالشّورة ، وجاؤوا بالملك العاض ، ليتقاتل النّاس فيما بينهم .
          بثّوا سمومهم وفتاويهم ، مثلما فعلوا مع النّصرانيين فأضلّوهم ، كذلك ليضلّوا هؤلاء الذين يّألّهون عليًّا ويلعنون عائشة وأباها.
          قطّعونا دوّلاً مجزّأة .
          وفرضوا علينا أسماء ومسمّيات :
          " علمانية " و" ديمقراطية " و " ليبيرالية " و" ماركسيّة سيوعيّة " و " مدنية " و " تيوقراطية " و " لوغارشيّة " ... ما أنزل الله بها من سلطان .
          ولم لا وربما غدا :
          " إسلام كوميدي" أو " إسلام إيدول للفنّانين والفنّانات العربيات ، والرّاقصات والمغنّيّات " ... وستجد من سيدافع عنها ، وبكل ما أوتي من قوّة .
          وراء مثل هذه الأشياء الغريبة ملاحدة ، غايتهم تتمثّل في إبعاد الخلق عن خالقهم ، باتّباع الأهواء والشهوات . وجل من قال :
          ( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ) .
          كيف يمكن للدّين السمح ، إذا ما حُوصرت أوامره ونواهيه في طقوس ومحافل " مأسونية " ، أن يحمل معاني الشّمولية ، التي تشمل كل مظاهر الحياة . والله - عزّ وجل - يقول في محكم تنزيله : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ) . أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ
          وللكلام بقيّة ، مابقى في العمر بقية .
          هذا ( وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ).
          إنْ أبْطـَأتْ غـَارَةُ الأرْحَامِ وابْـتـَعـَدَتْ، فـَأقـْرَبُ الشيءِ مِنـَّا غـَارَةُ اللهِ
          يا غـَارَةَ اللهِ جـِدّي السـَّيـْرَ مُسْرِعَة في حَلِّ عُـقـْدَتـِنـَا يَا غـَارَةَ اللهِ
          عَدَتِ العَادونَ وَجَارُوا، وَرَجَوْنـَا اللهَ مُجـيراً
          وَكـَفـَى باللهِ وَلـِيـَّا، وَكـَفـَى باللهِ نـَصِيراً.
          وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوكيلُ, وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

          تعليق

          • mmogy
            كاتب
            • 16-05-2007
            • 11282

            #6
            السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
            أهلا بأستاذنا الفاضل وبما يعرضه من مواضيع قيمة تحتاج إلى مناقشة ولا تؤخذ مسلمة.

            ثم أما بعد، كلام جميل باديَّ الرأي لكنه يحتاج إلى تدقيق وتفصيل كان على الكاتب أن يبينه أو أن يلمح إليه لأن اختزال القول في قضية كبيرة وخطيرة كهذه، الإسلام السياسي، يوهم أن ما عرض هنا هو الحق المبين وهذا ما لا يسلم به الواقع المعيش في السيرة النبوية الشريفة.
            الأستاذ الجليل حسين ليشوري
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
            أشكرك بداية على التفاعل السريع مع الموضوع المهم والخطير كما اشرت سيادتك .. ولكنني أعتقد أن الفكرة واضحة وجلية .. فما أشرت إليه هو وضع كل بنة من لبنات البناء الإسلامي في موضعها الصحيح .. فالاصل يجب أن يبقى أصلا والفرع يجب أن يبقى فرعا والعقيدة يجب ألا تتحول إلى فرع والواجب يجب ألا يصبح عقيدة .. وقد اشرت إلى أن الإمامية الإثناعشرية قد جعلت الفرع الذي هو الخلافة والإمامة أس العقيدة وقامت بتوظيف وتفسير القرآن الكريم والسنة المطهرة بما يخدم الفكرة المسبقة بأن الإمامة والحكم والخلافة هي أساس الدين .. وهذه هي الصورة الفجة الواضحة من ظاهرة الإسلام السياسي حيث أصبحت السياسة عقيدة وتراجعت العقيدة بمفهومها القرآني الواسع إلى الوراء .. وقلت أن السياسة الإسلامية هي النتاج الطبيعي لمجتمع إيماني وليست هدفا في حد ذاته .. ولا هي سابقة لمجتمع الدعوة .. قد توجد في مجتمع ما إذا توافرت الظروف الملائمة لها وقد لاتوجد وعند غياب الظروف الملائمة فلا ينقص ذلك من إيمان المؤمن شيئا فليس مطلوبا منه أن يخلق الظروف خلقا .. بل عليه أن يجاهد في إقامة مجتمع الدعوة وعندما تجتمع الخلايا الإيمانية وتتكاثر تأتي السياسة والتمكين والخلافة والإمامة والدولة .. وقلت أن الواجب يجب عند القدرة عليه .. أما عند عدم القدرة فيسقط الوجوب .. ولكن العقيدة لاتسقط أبدا مهما كانت الظروف .. وأضرب لذلك مثلا بالصلاة .. الصلاة فيه جزء عقدي وجزء تشريعي .. فالجزء العقدي لايسقط أبدا مهما كانت الظروف حتى لو صلى المسلم بقلبه فقط عند عدم القدرة .. بينما لو صلى المسلم صلاتا كاملة تامةة الأركان لكن قلبه غافل عن حقيقتها فلا تنفعه تلك الحركات الظاهرية رغم وجوبها .. هكذا هو الدين جزء أساسي لايسقط أبدا وهو العلاقة بين العبد والرب .. وجزء إصافي قد تتوافر الظروف للقيام به وقد لا تتوافر فإذا توافرت وجب عليه القيام بها وإلا صار آثما عاصيا .. هكذا هي السياسة .. حيثيية أضافية إن انعدمت الظروف للقيام بها سقطت دون أن تؤثر في عقيدة المسلم أما العقيدة فهي الحيثية الأساسية التي لاتسقط أبدا ,.. ولذلك نجد أن جميع الأنبياء اشتركوا في الحيثية الأساسية التي هي معرفة الله والإيمان به وسلوك الصراط المستقيم والإيمان باليوم الآخر .. ولكن القليل منهم من وصل إلى الحكم والدولة والخلافة .

            وقبل أي حديث كان من المفروض أن نحدد مفهوم السياسة وهل هي وجه من وجوه الدين الحنيف، الإسلامَ، كغيره من الوجوه أم هي الدين نفسه؟ وهل كان النبي، صلى الله عليه وسلم، "غير سياسي" في الفترة المكية أم كان هو رئيس الجماعة المسلمة، على قلة عَددها وضعف عُددها؟ وكيف كان يسوس تلك الجماعة المؤمنة وما يأمرها به فتلتزم أوامره؟ هل كان "سياسيا" عندما أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة؟ هل كان "سياسيا" عندما أمرهم مرة أخرى بالهجرة إلى "يثرب"؟ ثم هناك سؤال خطير لا ينتبه له وهو: ما هو التوجيه السياسي الذي جاء به القرآن المكي؟ وهل خلا هذا القرآن المكي من "السياسة"؟
            هذه مجموعة من الأسئلة تثار قبل مناقشة صلب الموضوع والله الموفق.
            هناك فرق بين سياسة المجتمع .. وسياسة الجماعة .. سياسة المجتمع تعني المسؤلية الكاملة عن دولة لها حدود يجب حمايتها ولها ثروات يجب صيانتها وتوظيفها لخدمة المجموع ولها قوانين يجب على الجميع الالتزام بها وإلا أقيمت عليه الحدود وكآفة اشكال العقوبات .. كما يقوم الإمام فيها بجمع الزكاة ولو بالقوة وطبعا تجييش الجيوش للقيام بحماية الدولة والدعوة .. وعلى هذا نقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في مكة يدير جماعة إيمانية كنبي ورسول وليس كحاكم أو أمير .. بل كان يحكمها الوازع الإيماني فقط .. بحيث لو خالف مخالف أو ارتد مرتد أو زنى زان لم يكن للرسول صلى الله عليه وسلم اية سلطة سياسية بل سلطة إيمانية فقط .. ولكن عندما انتقل إلى المدينة التي صارت مؤمنة بالدعوة فقط دون القوة .. بدأت الممارسات السياسية والتمكين يظهر شيئا فشيئا كنتاج طبيعي للمجتمع الإيماني الموجود بالفعل.
            تحياتي لحضرتك

            إنْ أبْطـَأتْ غـَارَةُ الأرْحَامِ وابْـتـَعـَدَتْ، فـَأقـْرَبُ الشيءِ مِنـَّا غـَارَةُ اللهِ
            يا غـَارَةَ اللهِ جـِدّي السـَّيـْرَ مُسْرِعَة في حَلِّ عُـقـْدَتـِنـَا يَا غـَارَةَ اللهِ
            عَدَتِ العَادونَ وَجَارُوا، وَرَجَوْنـَا اللهَ مُجـيراً
            وَكـَفـَى باللهِ وَلـِيـَّا، وَكـَفـَى باللهِ نـَصِيراً.
            وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوكيلُ, وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

            تعليق

            • محمود خليفة
              عضو الملتقى
              • 21-05-2015
              • 298

              #7
              موضوع قيم جدا من الأستاذ الأديب/ محمد شعبان الموجي.
              وبادئ ذي بدءٍ، أقول إن الصحابة رضوان الله عليهم لم يدفنوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى تم اختيار (خليفة) يقود الأمة؛ لأنهم فهموا عن الرسول (ص) في مرحلة المدينة المنورة، أن الأمة لا تترك هكذا بدون( قائد) يقودها، ويطبق شرع الله، ويزود بجيش الأمة عن حياضها.
              فإذن لابد للأمة من قائد. ولو طبقنا الديمقراطية مثلا، وجاء حاكم اُكتشف مع الوقت أنه ملحد أو كافر؛ فعلى الأمة أن تسقط بيعته وتثور عليه؛ لأنه ليس للكافرين على المؤمنين سبيلا كما ورد في القرآن الكريم في ذلك.
              والحاكم المسلم يجب عليه أن يطبق الإسلام كاملا ولا يأخذ بجزء ويترك جزءا آخر؛ لأن الله قال في كتابه الكريم في سورة البقرة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً (208) }، وادخلوا في (السلم كافة) أي طبقوا الإسلام كاملا، وقال الله في سورة البقرة أيضا { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)}، وقال الله في سورة المائدة: { وأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ(49) }.
              لذلك حارب أبو بكر الصديق (ض) المرتدين عن دفع الزكاة؛ لأنه قد تربى على الإسلام الشامل الذي لا يفرق بين عبادة وغيرها ولا بين شعيرة وآخرى، أما المرتدون فهم قريبو عهد بالإسلام أو منافقون.
              ولو أتت أحزاب مختلفة وبرامجها الانتخابية لا علاقة لها بتطبيق الإسلام كاملا؛ فلا الإسلام الذي نزل على محمد (ص) يعرفها، ولا تلك الأحزاب تعرف ذلك الإسلام النقي المتكامل حتى وإن تسمت (بالإسلام السياسي) أو الاقتصادي أو أي تسمية منسوبة للإسلام!
              ولو رفعت جماعة أو حزب راية الإسلام وشعارها هو "الإسلام هو الحل"، ولا يزيد برنامجها الانتخابي عن ذلك الشعار، وليس له تطبيق على أرض الواقع ؛ فلا يعرفها الإسلام ولا تعرف الإسلام أيضا.
              ولو ضحكت تلك الجماعة على الناخبين وانتخبوها واُكتشف مع الوقت أن شعارها "الإسلام هو الحل" لم يُطبق منه شيء، فسوف تلفظها تلك الجماهير المسلمة بعد ذلك؛ هذا إن كانت تلك الجماهير عندها وعي بدينها.
              والسياسة (نسبية)، وهي فن الممكن. أما الدين فهو مطلق؛ لذلك المنافسة بين الأحزاب المختلفة في الدولة المسلمة، لا بد وأن تكون كلها لتطبيق الإسلام الشامل، وليس بين أحزاب تدعي الإسلام وأخرى علمانية تجعل الدين مكانه في المسجد فقط.
              والغرب يريد إسلامنا يتركز في المسجد فقط ولا يتزحزح عنه ولا يمس حياتنا بشئ؛ لأنهم يعرفون قدر ديننا جيدا لو طُبق على أرض الواقع، لذلك قال عز وجل في جزء من الآية 217 من سورة البقرة: { ...وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.

              ولم تُذل أمة الإسلام إلا بسبب بعدها عن دينها النقي وتركها للجهاد الذي فرضه الله عليها.
              لذلك قال الإمام حسن البنا عليه رحمة الله: "الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء".
              فمن تلك الجماعة أو الحزب الذي يطبق الإسلام كما أراد الله عز وجل؟
              وهنا لا يعني الأمة شيئا بالنسبة لتسمية تلك الجماعة أو ذلك الحزب؛ فالعبرة بالتطبيق، وليست بالأسماء ولا المسميات ولا الشعارات.
              طبعا، أنا لا أتحدث عن جماعة إرهابية تريد الانقلاب على المجتمع بالسلاح لتطبق الإسلام، ولا أتحدث عن جماعة منحرفة عقائديا كالشيعة ومنْ على شاكلتهم، ,ولا عن حكم ثيوقراطي بغيض، ولا عن ولاية الإمام الفقيه، إنما أقصد الجماعة المسلمة التي تنتهج الإسلام النقي كما كان قبل عصر المذاهب والاختلافات العقائدية، وكما ربى الرسول (ص) أصحابه عليه، وأغلب المسلمين الذين يُسمون (بالسُنة) هم على هذا الإسلام الصحيح؛ لأننا لا نربي أولادنا على مذهبية متعصبة ولا على سب الصحابة كما يفعل الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، إنما على الإسلام الذين يقول فيه الله في كتابه الكريم في سورة الأنعام { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)} ، والذي يقول فيه الله أيضا في سورة الحج { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) }

              والحاكم في الإسلام (حاكم مدني) تختاره الأمة أو منْ ينوب عنها مثل أهل الحل والعقد، ويعزل من الأمة إذا حاد عن الطريق الصحيح أو أعلن الكفر البواح، وقال الفاروق عمر بن الخطاب على المنبر: ما أنتم فاعلون لو حدتُ عن الطريق هكذا؟ وحرف بيده. فقام رجل من آخر الناس وسل سيفه وقال: والله لو حدت عن الطريق لقلنا بالسيوف هكذا. فقال الفاروق: الحمد لله الذي جعل في رعيتي منْ لو حدت عن الطريق لقومني.
              المشكلة في النظم الحاكمة العميلة للغرب والشرق والتي تضطهد كل منْ يرفع راية الإسلام (حتى لو ظاهريا) مثلما حدث مع جبهة الإنقاذ في الجزائر في تسعينيات القرن العشرين من انقلاب على نتائج الانتخابات وما أتبعه من قتل واعتقال وما تُسمى بالعشرية السوداء التي كان شعارها "لا صوت يعلو فوق صوت الدم"، وما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر في عام 2013 والمجازر الدموية والاعتقالات والاغتصاب والترويع حتى الآن...!
              التعديل الأخير تم بواسطة محمود خليفة; الساعة 02-03-2018, 03:43.

              تعليق

              • ناريمان الشريف
                مشرف قسم أدب الفنون
                • 11-12-2008
                • 3454

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة محمد شعبان الموجي مشاهدة المشاركة


                السياسة واجب شرعي يترتب عليه واجبات كثيره ..
                لكن من الخطأ الجسيم اختزال الدين في هذا الواجب .. بل والأكثر خطأ جعل هذا الواجب هو محور التدين .. بل وتفسير أجزاء الدين كله من خلال التوظيف السياسي كما هو الحال عند الشيعة الإمامية مثلا الذين يعتبرون الإمامة والخلافة أس العقيدة وأساسها .. ولاايمان لمن لايؤمن بها .. ويحاولون توظيف عقيدة الإمامة والخلافة توظيفا سياسيا ويفسرون القرآن والسنة والتاريخ وفقا لتلك العقائد والأفكار المسبقة ... مع أن الدين له مقاصد أساسية أوسع كثيرا جدا منأن يختزل في واجب من واجباته .. فالدين له مقاصد ثلاثة اساسية .. معرفة الله والطريق إلى الله ( عبادة وأخلاق ) ، والايمان باليوم الآخر .. ومعايشة كل تلك المقاصد في كل صغيرة وكبيرة .. ثم تأتي السياسة أو لاتأتي حسب الظروف المحيطة .. ولذلك معظم الأنبياء والرسل لم يحكموا ولكنهم أقاموا الدين بعناصره الثلاثة .. ولكن عندما يتمكن المسلمون من إقامة مجتمعهم الإيماني كثمرة من ثمرات الدعوة .. فلا بد أن تأتي السياسة كضرورة شرعية وحياتيه .. فالنبي صلى الله عليه وسلم أقام مجتمع الدعوة أولا .. ثم تطورت السياسة في المجتمع الناشىء وفقا لمتطلبات المجتمع في مراحله المختلفة .. ولم ينشىء تنظيما سياسيا ولا جماعة عسكريا ابتداء .. بل جاءت السياسة كضرورة لتنظيم وحكم المجتمع ومن ثم الدفاع عنـــــــــــــه كما قلت .... فاختزال الدين والعقيدة في السياسة وجعلها محور الدين وإنشاء كيانات موازية وجماعات عسكرية مسلحة يختلف جوهريا عن كون السياسة واجبا شرعيا . قد تظهر أسبابه وتتوافر شروطه وتنتفي موانعه فيجب عندئذ القيام به وقد لا تتوافر فيسقط الواجب ويبقى إقامة الدين في النفوس من خلال الدعوة إلى الله هو الأصل الباقي الذي لايعذر أحد بتركه أو التقصير فيه .
                السلام عليكم

                أعتقد أن الفرق كبير جداً بين الدين والتدين ..
                فالدين هو ذلك المنهاج الذي أنزله الله على سيد الأمة محمد عليه الصلاة والسلام وهو ثابت لا يتغير
                ولا يقبل التبديل
                "إن
                الدين عند الله الإسلام"
                أما التدين : فهو ما يفهمه القارئُ أو المؤوّل أو المجتهد لقول ٍ ما جاء ضمن نصوص هذا الدين ..
                وهذا قد يصيب صاحبه ( المتديِن ) وقد يخطئ وبالتالي فهو يقبل التأويل
                ولا شك أن أي عمل يقوم به المرء .. هو نتاج تفكير وفكر
                والسياسة قول وعمل وفكر ..
                فالسياسي المسلم لا شك أنه يتصرف تبعاً لما يمليه عليه دينه
                وقراراته مستمدة من هذا الدين العظيم .. هكذا ينبغي أن يكون
                الرسول صلوات الله وسلامه عليه .. كان سياسياً معلماً .. لم يفصل الدين عن قراراته السياسية بالمطلق
                وكل قرار اتخذه في إدارته لدولة الاسلام كان مستمداً من دينه
                وبالتالي .. فإنني أرى غير ما ترى ..
                وليس الدين ( دعوة ) فقط .. بل هو ممارسة بما فيها السياسة
                وهذا ما أكدته في كلامك في البداية بقولك ( السياسة واجب شرعي ) ثم عدت لتناقض قولك ب جملك الأخيرة
                أشكرك
                وتحية
                التعديل الأخير تم بواسطة ناريمان الشريف; الساعة 02-03-2018, 01:53.
                sigpic

                الشـــهد في عنــب الخليــــل


                الحجر المتدحرج لا تنمو عليه الطحالب !!

                تعليق

                • حسين ليشوري
                  طويلب علم، مستشار أدبي.
                  • 06-12-2008
                  • 8016

                  #9
                  الإسلام السياسي في نظر الأستاذ محمد شعبان الموجي.

                  الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحاتُ والصلاة والسلام على من به خُتِمت النبواتُ، ثم أما بعد:
                  رأيت أنه من المفيد ذكر مواضيع أستاذنا الموجي عن الإسلام والسياسي وقد كتب فيه:
                  1-
                  الإسلام السياسى .. خصوصية خاطئة !!....( 1 )
                  2- الإسلام السياسى .. خصوصية خاطئة !! ...( 2 )
                  3- الإسلام السياسى خصوصية خاطئة ..... (
                  3) !!
                  4- الإسلام السياسى ... خصوصية خاطئة (4 )
                  5- الإسلام السياسى .. خصوصية خاطئة (5 )
                  6- الإسلام السياسى خصوصية خاطئة .. ( 6 ) !
                  7- نعم ديننا لا يعرف الإسلام السياسى ولكن ؟؟ ردا على الأستاذ عارف عاصي

                  وهذه الكتابات الكثيرة نسبيا تنم عن مدى اهتمام أستاذنا الفاضل بهذا الموضوع الحرج و... المحرج في الوقت نفسه.
                  قراءة ممتعة واستفادة ... مفيدة !!!
                  مع تمنياتي للأخت الفاضلة الأستاذة ناريمان الشريف بالعودة إلى الملتقى سالمة غانمة حتى تستأنف نشاطها الإيجابي المثمر.

                  sigpic
                  (رسم نور الدين محساس)
                  (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                  "القلم المعاند"
                  (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                  "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                  و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                  تعليق

                  • زحل بن شمسين
                    محظور
                    • 07-05-2009
                    • 2139

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة محمد شعبان الموجي مشاهدة المشاركة


                    السياسة واجب شرعي يترتب عليه واجبات كثيره .. لكن من الخطأ الجسيم اختزال الدين في هذا الواجب .. بل والأكثر خطأ جعل هذا الواجب هو محور التدين .. بل وتفسير أجزاء الدين كله من خلال التوظيف السياسي كما هو الحال عند الشيعة الإمامية مثلا الذين يعتبرون الإمامة والخلافة أس العقيدة وأساسها .. ولاايمان لمن لايؤمن بها .. ويحاولون توظيف عقيدة الإمامة والخلافة توظيفا سياسيا ويفسرون القرآن والسنة والتاريخ وفقا لتلك العقائد والأفكار المسبقة ... مع أن الدين له مقاصد أساسية أوسع كثيرا جدا من
                    أن يختزل في واجب من واجباته .. فالدين له مقاصد ثلاثة اساسية .. معرفة الله والطريق إلى الله ( عبادة وأخلاق ) ، والايمان باليوم الآخر .. ومعايشة كل تلك المقاصد في كل صغيرة وكبيرة .. ثم تأتي السياسة أو لاتأتي حسب الظروف المحيطة .. ولذلك معظم الأنبياء والرسل لم يحكموا ولكنهم أقاموا الدين بعناصره الثلاثة .. ولكن عندما يتمكن المسلمون من إقامة مجتمعهم الإيماني كثمرة من ثمرات الدعوة .. فلا بد أن تأتي السياسة كضرورة شرعية وحياتيه .. فالنبي صلى الله عليه وسلم أقام مجتمع الدعوة أولا .. ثم تطورت السياسة في المجتمع الناشىء وفقا لمتطلبات المجتمع في مراحله المختلفة .. ولم ينشىء تنظيما سياسيا ولا جماعة عسكريا ابتداء .. بل جاءت السياسة كضرورة لتنظيم وحكم المجتمع ومن ثم الدفاع عنـــــــــــــه كما قلت .... فاختزال الدين والعقيدة في السياسة وجعلها محور الدين وإنشاء كيانات موازية وجماعات عسكرية مسلحة يختلف جوهريا عن كون السياسة واجبا شرعيا . قد تظهر أسبابه وتتوافر شروطه وتنتفي موانعه فيجب عندئذ القيام به وقد لا تتوافر فيسقط الواجب ويبقى إقامة الدين في النفوس من خلال الدعوة إلى الله هو الأصل الباقي الذي لايعذر أحد بتركه أو التقصير فيه .
                    طرح سليم يا عميد....!!!!
                    الاسلام السياسي هو الوصف الحقيقي لهؤلاء الذين يتاجرون بالدين من كل الحركات والاحزاب الدينية؟؟!!
                    هذه الاحزاب والحركات جلبت لنا الاحتلالات ودمار الاوطان بحجة تطبيق الاسلام ........؟!
                    هل اتى الامريكان للعراق لتطبيق الاسلام؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
                    هل تحالفت امريكا مع دول البدو لتطبيق الاسلام ونشره بافغانستان وبدول البدو ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
                    حتى ننزه الاسلام عن هؤلاء الخونة للاسلام يجب ان نطلق عليهم بالاسلام السياسي ؟!
                    وقال النبي لصحابته : كل يوم بشأن....وان لله بخلقه شؤون....ولكل نبي تشريعه لزمانه ،،
                    ولكل شعب حاجاته المادية لعصره
                    البابلي يقرؤكم السلام

                    تعليق

                    • زحل بن شمسين
                      محظور
                      • 07-05-2009
                      • 2139

                      #11
                      أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها (1/ 5)



                      أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها
                      (1/ 5)
                      الحلقة الأولى:
                      الحركات الإسلامية من مرحلة التبشير إلى مرحلة التنظيم:

                      استناداً إلى مقاطع منتخبة من الفصل السادس من كتاب (الردة في الإسلام) لمؤلفه حسن خليل غريب، المنشور في العام 1999، سننشر خمس حلقات تعالج هذا الموضوع، وقمنا بتقسيمها إلى موضوعين رئيسين، وهما:
                      أولاً: التعريف بأهم حركتين بينها، وقسمناها إلى ثلاث حلقات:
                      -الحلقة الأولى: الحركات الإسلامية من مرحلة التبشير إلى مرحلة التنظيم:
                      -الحلقة الثانية: حركة الإخوان المسلمين
                      -الحلقة الثالثة: حركة ولاية الفقيه مع ملحق فكري.
                      ثانياً: القضايا الخلافية بين حركات الإسلام السياسي:
                      -الحلقة الرابعة: حركـة الإحياء الإسلامي وسيادة مبدأ الاتهام بالردة
                      -الحلقة الخامسة: إشكالية مقاربـة النص الإسلامي مع انتشار العولمـة/ الأنسنـة




                      الحلقة الأولى:
                      الحركات الإسلامية من مرحلة التبشير إلى مرحلة التنظيم:
                      مقدمة: هل يمكن المقاربـة بين الردة وعصرنا الحاضر؟

                      من أين نبدأ ونحن على مشارف القرن الواحد والعشرين الميلادي، وقطعنا شوطاً من أوائل القرن الخامس عشر الهجري؟ ومن غير الجائز، وليس من الواقع في شيء، أن يسود منطق التناقض حول التساؤل التالي: هل أمتنا متخلفة، أم هي غير متخلفة؟
                      تعترف الأمة بالإجماع، أن الأمة متخلفة عربية كانت أم إسلامية- ويتأيد هذا الاعتراف بأقوال كل أبنائها، نقليون وعقليون؛ مؤمنون-متدينون وعلمانيون؛ نخبويون وعاميِّون…
                      وهل تعترف الأمة أنه من الواجب أن تنتقل إلى مصاف الشعوب المتقدمة أم لا؟ ومرة أخرى تعترف الأمة أن الواجب يقضي بضرورة أن تتقدم. فالأمة متخلفة، وقدرها بإرادة أبنائها- أن تتقدم، ولكن كيف؟
                      من هنا تبدأ الإشكالية، ومن هنا يأخذ التناقض مداه بين آراء أبنائها. فكل خلافها، إذاً، يدور حول علامة الاستفهام :«كيف»؟ فأبناء الأمة متَّفِقون حول تشخيص الواقع الراهن، لأنهم يحيون فيه وبه ومعه، فالواقع شاخص واضح تحت السمع والبصر وكل الحواس الأخرى… وفي القلوب والعقول.
                      أما الخلاف فيدور حول تشخيص الماضي، كنقطة انطلاق لتشخيص الأمراض؛ وعلى استشراف المستقبل. فتشخيص الماضي له علاقة وثيقة بتشخيص المستقبل، لماذا؟
                      ينطلق النصوصيون/ السلفيون من أن التخلف الحاصل كان نتيجة للابتعاد عن الدين وتحديداً الابتعاد عن سيرة السلف الصالح- فالشفاء من الأمراض لن يكون إلا بالعودة إلى تقليدهم تقليداً صحيحاً؛ فصورة المستقبل عندهم مرتبطة بالعودة إلى الأصول السلفية التي أثبتت صلاحها لخير الأمة.
                      لم يُنقل الماضي بدقة وموضوعية، بل غلبت على نقله الأهواء المذهبية والسياسية والطبقية؛ فلم يبق منه إلا محطات رئيسة واضحة، ونتائج ملموسة مخيبة للآمال.
                      لقد نقلنا من الماضي، في خطابنا الراهن وليس في بحثنا النقدي والموضوعي-الصورة المشرقة، مع أنه لا ريب في إشراق بعض الصورة. وكان النقل الخطابي ذا علاقة بمرحلة التحرر والاستقلال، فوُضِعَت الصورة الماضية المشرقة في خدمة الخطاب التعبوي؛ وهذه مسألة في غاية الأهمية، إلا أنها ليست الأهمية كلَّها. فلو استمرت -وهي مستمرة حتى الآن- فإنها تتحول، بلا ريب، إلى أحلام وأوهام وسراب…
                      فلو كان الماضي مشرقاً، إلى الدرجة التي وصفه الخطاب التعبوي، لما كان من المنطقي أن تسود الحاضر أية مسحة من الظلام. فالنتائج التي تحصدها الأمة اليوم هي أوضح علامة تؤكِّد أن التاريخ الماضي لم يكن مشرقاً إلى الدرجة التي أوصله إليه ذلك الخطاب.
                      فإذا كان للخطاب السياسي أو الديني أو السياسي-الديني أهدافه المرحلية، فإن البحث الرصين عليه أن يرى صورة التاريخ كما كانت بالفعل.
                      امتنع بعض النخبويين -من أبناء الأمة- وانعكس امتناعهم تضليلاً على وعي الجماهير الواسعة، وهي انفعالية بحكم طبيعتها الثقافية الموروثة، عن النظر إلى الجانب المظلم من الصورة، كرد فعل على ما شاب أبحاث عدد من المستشرقين الأجانب من ضلالات ذات استهدافات مسيئة لأمتنا. ولكن علينا أن لا ننسى أن المادة التي استخدمها المستشرقون حتى استطاعوا الوصول إلى النتائج المسيئة كانت مواداً أولية استخرجوها من عجين التاريخ الذي سجَّله مؤرخو تاريخنا، من جهة؛ ومن الثغرات الموجودة في جدراننا العقائدية-المذهبية، أومن تراثنا السياسي والطبقي والاجتماعي من جهة أخرى؛ فتسللوا منها في سبيل النيل منا…
                      أما الخلاف حول استشراف المستقبل، فلم يكن أقل حِدَّةً من الخلاف الدائر حول تشخيص جزء الصورة القاتم، فبدا والحال كذلك -وهو صحيح كما نحسب-وكأن تقييم الماضي واستشراف المستقبل يرتبطان ارتباطاً جدلياً.
                      أما نحن فنحسب أن العلاقة بين الماضي والمستقبل صحيحة، فأساس الخلاف يستند إلى افتراقات عقائدية: منها المذهبية الدينية، ومنها السياسية الطائفية، ومنها القطرية والقومية والأممية… فالتاريخ، سواء كان في جوانبه العقائدية-الدينية، أو الأيديولوجية السياسية، خضع إلى أهواء هذه أو تلك من الفرق الدينية؛ أو هذا وذاك من المذاهب السياسية الفئوية؛ لذا أخذ كل اتجاه يغرف من التاريخ ما يُدَعِّم اتجاهاته وأهواءه.
                      وكان من أخطر ما دار الخلاف حوله ولا يزال مستمراً حتى الآن- هو البحث العقائدي الديني الإسلامي المذهبي، والذي أسبغ عليه كل فريق صفة القدسية. فكما فرَّخ هذا الخلاف وتفرَّع في الماضي، جاء الحاضر الراهن ليشهد استمرار التفريخ والتفريع.
                      اصطدمت كل دعوات التجديد، والبحث عن أسباب التخلف، بموجات التقديس للماضي -تاريخاً وعقائد- فأصبح المستقبل مرتبطاً بعودة المقدس. ولهذا قُمِعَت كل اتجاهات التجديد بفتاوى الاتهام بالردة. فما زالت الردة -حتى الآن-سلاحاً يمتشقه الأصوليون كلما أعجزهم الرد على كل فكر جديد. فهل يمكن المقاربة بين مبدأ الردة وعصرنا الحاضر؟

                      الانتقـال من التبشير إلى التنظيم في حركة الإحياء الإسلامي.
                      تقلَّصت الدعوة إلى الجامعة الإسلامية، في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وانحسرت، لكنها نشطت من جديد في أوساط جماعة الإخوان المسلمين-بشكل خاص- في عدد من الأقطار العربية؛ ولدى بعض الحركات الإسلامية في الهند-مثل تلك الدعوة التي تزعَّمتها شخصيات من أمثال أبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي- وقد بدت الدعوة إلى الجامعة الإسلامية، هذه المرة، ذات طبيعة متشددة تماماً. ولعلَّ ذلك كان عائداً إلى ظهور دول جديدة إلى الوجود ذات طابع إسلامي خالص، كدولة باكستان مثلاً.
                      تميَّز القرن العشرون بعدة من التحولات التي كان لها تأثير بالغ على مجرى الواقع السياسي والفكري الإسلاميين. فكان من أهمها المسألتان القومية والديموقراطية منذ بداية تأثيرهما في الفكر العربي ابتداء من القرن 19م؛ وقد لحقت بهما مسألة إلغاء الخلافة الإسلامية بعد انهيار الدولة العثمانية، في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وبذلك أخذ العديد من الإشكاليات يواجه المسلمين والدعوة الإسلامية. وانفتحت آفاق الصراع في داخل صفوف النخب العربية، بشكل رئيس، عندما أخذ الفراغ الحاصل في غياب خلافة حكمت العرب والمسلمين أكثر من ألف وثلاثماية سنة.
                      كانت الخلافة تعبيراً عن رمز سلطوي يدير شؤون الدولة الأممية الإسلامية، وكانت تعبيراً عن النظـام السياسي للدعوة الإسلامية. ترك هذا الفراغ المفاجيء بلبلة شديدة في أوساط السياسيين، ووضع النخب المثقفة أمام مأزق كبير لم يكونوا يُعدُّون أنفسهم لمواجهته. فمنذ أواخر مراحل انهيار الدولة العثمانية الإسلامية كانت صورة النظام السياسي البديل غير واضحة لدى تلك النُخَب.
                      انطلاقاً من هذه البداية حصل النزاع بين شكل النظام الإسلامي الأممي وشكل النظام القومي. وفي المقابل حصل نزاع بين شريعة الوحي كقانون إلهي وبين شرائع النُظُم السياسية القادمة من الغرب كقوانين وضعية من صنع البشر.
                      أصبح النزاع، منذ الربع الثاني من القرن20م، قائماً بين الداعين للمحافظة على الأصول الإسلامية والداعين إلى التغريب عن الأصالة؛ ووقفت بينهما تيارات سياسية وفكرية كانت تحاول التوفيق بين الاغتراب والتغريب، التي طغى على مواقفهم شدّ وتجاذب بين الأولويات الحاسمة في عملية التوفيق، حيث لعبت المسألتان القومية والديموقراطية دوراً رئيساً في عملية النزاع.
                      ولأنه ليس من شأننا، في هذا الكتاب، أن نخوض في البحث عن البدائل بمساراتها التفصيلية، فإننا سنكتفي بالإضاءة على أهم الخطوط العامة للإشكاليات الرئيسة السائدة في تلك المرحلة.
                      في مواجهة ما حُسِبَ أنه استفزاز مُوَجَّه، من التغريبيين المنتصرين لحضارة الغرب ضد الأصوليين المنتصرين للتراث التشريعي الإسلامي بكل ما فيه، نشأت عدَّة من الحركات الإسلامية الأصولية المنظمة؛ و برز عدد من المفكرين الإسلاميين، الذين حسبوا أنهم يقومون بدور المجتهدين، وهو حق لهم.
                      ولأن دور الحركات المنظَّمَة هو الأكثر تأثيراً وفاعلية، والأكثر انتشاراً على المستويين العربي والإسلامي، سنسلِّط بعض الأضواء على أهمها، ومنها: حركة الإخوان المسلمين، وحزب التحرير الإسلامي، وحركة الثورة الإسلامية في إيران.
                      «إن إقامة دولة الإسلام هدف ثابت عند معظم الحركات الإسلامية، وهي هدف صريح و مباشر يهيمن على نشاطها ويطبع علاقاتها بالأنظمة الحاكمة بطابع المنافسة والريبة إن لم يكن بطابع العداوة والتصادم؛ وقد يكون عند بعض الحركات هدفاً مقصوداً على مراحل، ومُرجّئاً تحقيقه إلى حين: إما لاستحالة التحقيق في الأمد القريب، بسبب التفاوت الكبير في ميزان القوى بين الحركات الإسلامية والأنظمةوإما أن تتعلل الحركات الإسلامية في إرجائها بأن الهدف لا يمكن طلبه بمعزل عن حالة المجتمع الإسلامي، وما به من أوضاع التخلُّف والانحلال والتبعيةفلا بد من تقديم السعي إلى إصلاح المجتمع على السعي إلى تحكيم الشريعة».
                      انقسمت الحركات الإسلامية المعاصرة إلى فريقين:
                      -فريق المتصلبين الذي يرى أن الجهاد هو الوسيلة الباقية بعد أن فشلَت سائر الوسائل، وإن التغيير لم يبق منوطاً بإصلاح الأوضاعوقد ذهب هذا المذهب جماعة الإخوان المسلمين في سوريا و مصر
                      -فريق المعتدلين الذي يميل إلى العمل الاجتماعي الطويل، الرامي إلى تأهيل الأفراد والجماعات بالتربية الإسلامية و بالتقويم الأخلاقي.
                      انحصرت مواقف تلك الحركات في جدلية رفض الأنظمة الحاكمة وتكفيرها، وكانت المقاصد المطلوبة تغييرها. فمن الطبيعي أن تكون العلاقة مطبوعة بالتصادم حيناً، وبالمهادنة أحياناً أخرىولا يصلح عامل الزمن إلا للتربص وإتمام الاستعداد للإطاحة بالطرف المقابل. وقد تولَّد عن ذلك الصراع ما لا يزال يتجدد من آيات النضال والقمع، ومن مظاهر الإرهاب والإرهاب المضاد، ومن صنوف التعذيب والبطش والإجرام و الاستشهاد، ما لا يمكن القطع بأن حلقاته قد انتهت، وأن زمانه قد ولَّى.



                      مرسلة بواسطة حسن خليل غريب في الخميس, ديسمبر 13, 2012
                      التسميات: أبحاث ودراسات, مقالات إسلامية
                      إرسال بالبريد الإلكترونيكتابة مدونة حول هذه المشاركة‏المشاركة في Twitter‏المشاركة في Facebook‏المشاركة على Pinterest

                      تعليق

                      • زحل بن شمسين
                        محظور
                        • 07-05-2009
                        • 2139

                        #12
                        أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها (2/ 5)



                        أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها
                        (2/ 5)
                        الحلقة الثانية:
                        حركة الإخوان المسلمين


                        استناداً إلى مقاطع منتخبة من الفصل السادس من كتاب (الردة في الإسلام) لمؤلفه حسن خليل غريب، المنشور في العام 1999، سننشر خمس حلقات تعالج هذا الموضوع، وقمنا بتقسيمها إلى موضوعين رئيسين، وهما:
                        أولاً: التعريف بأهم حركتين بينها، وقسمناها إلى ثلاث حلقات:
                        -الحلقة الأولى: الحركات الإسلامية من مرحلة التبشير إلى مرحلة التنظيم:
                        -الحلقة الثانية: حركة الإخوان المسلمين
                        -الحلقة الثالثة: حركة ولاية الفقيه
                        ثانياً: القضايا الخلافية بين حركات الإسلام السياسي:
                        -الحلقة الرابعة: حركـة الإحياء الإسلامي وسيادة مبدأ الاتهام بالردة
                        -الحلقة الخامسة: إشكالية مقاربـة النص الإسلامي مع انتشار العولمـة/ الأنسنـة


                        الحلقة الثانية: حركة الإخوان المسلمين
                        أ - حركـة الإخـوان المسلمـين:
                        ارتبطت نشأة حركة الإخوان المسلمين بالحركة الإصلاحية التي ابتدأت مع الأفغاني؛ وقد أخذ حسن البنَّا (1324-1368هـ=1906-1949م) -مؤسس الحركة- في العام (1345هـ=1927م)، السلفية عن أساتذته في الحركة الإصلاحية، وبشكل خاص عن محمد عبده، وحاول أن يعود بها إلى حماس الأفغاني ونشاطه ونظرته الشمولية وعدائه للاستعمار والتخلف؛ وحاول أن يكمل ما نقص عند الأفغاني محققاً هدفه في تجنيد الجماهير الإسلامية. فأسس جماعة الإخوان المسلمين -كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة- التي خرجت منها الجماعات الإسلامية الحالية.
                        لم تكن الحركة الإصلاحية الدينية هي الوحيدة التي احتلَّت الساحة الفكرية في مواجهة أهم متغيرين: فشل استمرار الدولة الأممية الإسلامية من جهة؛ وانتشار أسس الحضارة الغربية في أوساط النخب المثقفة الإسلامية والعربية من جهة أخرى. فقد سار، إلى جانب تيار الحركة الإصلاحية، تياران آخران، وهما: التيار الليبرالي الذي أسَّسه رفاعة رافع الطهطاوي (1216-1290هـ=1801-1873م)، والتيار العلماني. فشكَّل هذان التياران حافزاً مباشراً في نشأة الحركة الإسلامية الإصلاحية المعاصرة.
                        انفتح التيار الليبرالي على التراث الغربي، وأحيا الفكر. فجاء طه حسين وانكبَّ على منهج الاستنارة العقلية، وتحوَّلت الليبرالية على يديه إلى إعمال للعقل في نقد التراث الأدبي، ونقد الأوضاع الاجتماعية. وهنا خبا الإسلام لصالح الغرب، وأثارت هذه النتيجة السلفيون الإسلاميون، وبدأت موجات التكفير. وثم انتهت الليبرالية تماماً، وظهر كُتَّاب إسلاميون، أقرب إلى السلفية منهم إلى العقلانية، يُكفِّرون طه حسين، ويضعون الإسلام في مواجهة العقل والعلم والنظم الديموقراطية، ويُظهرون جوانبه الإلهية على حساب الجوانب العقلانية. فانتهت الليبرالية وسادت موجات التكفير لكل فكر جديد؛ وأصبح كل اجتهاد بدعة. وقد تاب عدد من الليبراليين مثل علي عبد الرزَّاق وخالد محمد خالد؛ وأعطى هذا الانقلاب في الحركة الليبرالية دفعة جديدة للأصولية الإسلامية.
                        أما التيار العلماني فشطح كثيراً تجاه الحضارة الغربية؛ وبدأت النظم العلمانية الغربية كالإشتراكية أو القومية تظهر كبديل عن النظام الإسلامي. وقد خلَّف هذا التيار ردود فعل لدى الأصولية الإسلامية، فأظهرت العداء الشامل للغرب. وفي المقابل تحوَّل التيار العلماني إلى المادية والإلحاد والطعن على الإسلام والمسلمين؛ وهكذا انتهى فجر النهضة الإسلامية العربية الحديثة لصالح الأصولية الإسلامية، وسادت روح المحافظة الدينية.
                        شقَّت حركة الإخوان المسلمين، بقيادة حسن البنا، طريقها بسهولة، منذ تأسيسها حتى قيام ثورة 23يوليو/ تموز 1952م في مصر؛ وامتازت بعدد من الخصائص، منها:
                        -ارتباطها بالحركة الوطنية المصرية، خاصة في الأربعينات من القرن20م، وكان ينظر الاستعمار إليها على أنها عدوه الرئيس. وشارك أعضاؤها في حرب فلسطين.
                        -اصطدامها بالملكية، لأن الإسلام حسب اعتقادها لا يقبل النظام الملكي، أو يعترف بإمام للمسلمين لا تقوم ولايته بيعة وشورى.
                        -شعبية الدعوة وتغلغلها في أوساط العمال والفلاحين والطلبة والمثقفين. وصياغة برنامج إصلاحي شامل.
                        -نشاط الدعوة وفاعلية تنظيمها.
                        -الانفتاح على العالمين العربي والإسلامي.
                        -مثَّلت دعوة ظاهرة في أذهان الناس بالمقارنة مع الأحزاب التي كانت قائمة.
                        اصطدمت حركة الإخوان مع المَلَكِيَّة في مصر، وقُتِل بنتيجة الصدام حسن البنا، مؤسس الحركة. وفي المرة الثانية مع ثورة 23يوليو/ تموز وذلك على إثر محاولة الاغتيال التي نفَّذتها الحركة ضد جمال عبد الناصر؛ وقد برز نتيجة للصراع سيد قطب (1324-1386هـ=1906-1966م)، الذي مثَّل -قبل إعدامه في العام 1966م-قمة النضج الفكري عند الإخوان المسلمين.
                        اصبح كتاب سيد قطب (معالم في الطريق) يُعبِّر أصدق تعبير عن حال الدعوة الإسلامية في ظروف الاضطهاد. وهو يمثِّل محوراً أساسياً في تطور فكر الإخوان. وفيه يرسم بوضوح منهاج الدعوى القائم على أن هناك تعارض شديد بين فكرتين وتصورين، ومجتمعين و نظامين وحقيقتين: الإسلام والجاهلية، الإيمان والكفر، ولا بقاء لطرف إلا بالقضاء على الطرف الآخر.
                        -فالإسلام هو الحق والخير والعدل؛ هو مجتمع الإيمان حيث تكون فيه الحاكمية لله؛ ونظام الدولة القائم هو مجتمع الكفر. ولا يمكن إحداث التغيير فيه إلا عن طريق الانقلاب، والقضاء على أئمة الكفر، ووضع أئمة الإيمان محلهم؛ ويقوم بهذه العملية الصفوة المؤمنة، وهي مفروضة فرضاً عينياً على كل مسلم ومسلمة.
                        لقد تأثَّر سيد قطب بأبي الأعلى المودودي، الباكستاني الأصل، خاصة في بلورة فكرة الجهاد. وانحصرت مستويات الرؤية للمودودي في الآتي: «إن حاكمية الله هي ضد حاكمية البشر، وإن ألوهية الله في مواجهة ألوهية البشر، ثم ربانية الله في مقابل العبودية لغيره من البشر، وأخيراً وحدانية الله في مقابل الاعتماد على أي مصدر آخر في تيسير أمور الحياة». وقد مثَّلت فكرة (الحاكمية لله) ما يشبه المُسلَّمَة الفكرية والحركية بالنسبة لتنظيمات الإخوان المسلمين، حيث كانت الحاكمية تعني تكفير الحاكم والمؤسسات المحيطة به، وشرعية الانقلاب عليه، لأنه يستند إلى حاكمية أخرى غير حاكمية الله وهي (حاكمية البشر) التي تسمح أحياناً بالديموقراطية، وأحياناً أخرى بالاشتراكية وبالعلمانية.
                        وعلى العموم، انتشرت حركة الإخوان المسلمين -بالإضافة إلى مصر- وبشكل أساسي في كل من سوريا والجزائر. وسيان كانت الأسباب فقد انقسمت الحركة إلى تيارات عدَّة يجمع بينها الدعوة إلى إقامة الدولة الإسلامية، وتتمايز بعضها عن بعض في أسلوب الوصول إلى الهدف. وهذه أهم تياراتهم:
                        « السلفيـون: وهم الداعون بالقلب. ويحسبون أنه لا سبيل إلى مواجهة السلطة؛ فدعوا إلى إنكار ما تفعله، على أن لا تتجاوز الدعوة القلب إلى اليد واللسان؛ وهم يصلون إلى الهدف بالتربية الدينية. ويستندون إلى الآية: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ((المائدة: من الآية105).وانطلقوا من أن السلف الصالح هو النموذج البشري الذي يجب أن يُقتَدى به.
                        « الإخوان المسلمون والدعوة باللسان: تخلَّوا عن أسلوب الحركة الأول في التنظيم السري وأدوات القتال و أساليب الاغتيال. وأصبح سبيلهم في محاربة الانحراف والفساد الدعوة باللسان، أي تعليم الناس، حاكمين ومحكومين، الكتاب.
                        « الإخوان المسلمون: جماعة التكفير والهجرة: تأسست العام (1397هـ =1977م). وتحسب نفسها أنها الفرقة الناجية من النار. ودعت إلى النضال ضد الدولة الكافرة التي تحكم بغير ما أنزل الله. ويمر النضال عندهم بمراحل ثلاث:
                        -مرحلة الدعوة إلى إعلاء كلمة الله، وهي مرحلة علنية.
                        -المرحلة التي يبدأ فيها الصراع، ويشتدُّ البلاء. وفي أثنائها يهاجر المؤمنون إلى أرض تحفظ عليهم إيمانهم وأرواحهم؛ وفيها يتربون تربية قتالية في سبيل العودة لقتال الكافرين.
                        -الثالثة: وهي مرحلة العودة بعد أن يشتدَّ عود المهاجرين، وحينها سوف ينتصرون على جند الشيطان حتماً.
                        وتقوم دعائم دعوتهم-كما وردت في اعترافات أميرهم شكري أحمد مصطفى أمام محكمة أمن الدولة العسكرية العليا في مصر في العام 1977م- على ثلاث:
                        -الأولى: ما يتصل بإيجاب التماس الهدى والعلم من الله وحده.
                        -الثانيـة: ما يتصل بحد الإسلام.
                        -الثالثـة: تحديد الغاية الإسلامية، وأسلوب السعي إليها بالطريقة الشرعية. والحاكمية هي، أيضاً، من فكر هذه الجماعة، ولكنهم يطبِّقونه بأسلوب العزلة وليس القتال. وتُحرِّم الجماعة كل ما يُسمَّى بعلم وليس بعلم إن لم يتصل سنده بالله. ودلائل علم الله عندهم أربعة: الفطرة -خلق السماوات والأرض-الرسل-الكتب.
                        ومنهاج الإسلام-عندهم-يعتمد على المطالبة بالدليل والحجة، وليس على إغلاق باب النقاش/ الاجتهاد. ولذلك -يحسبون- أنه منذ أن تُرِكَ التلقِّي من القرآن والسُنَّة -إقفال باب الاجتهاد- واقتصر الأمر على تقليد الرجال وآرائهم الذين يسمونهم الأئمة، سقط الإسلام. وهنا يحسب أحمد شكري مصطفى -أمير الجماعة- أن أكثر المعاهد الأزهرية الدينية- في ما يتصل بالجوانب الفقهية بالذات -منحرف كل الانحراف، لأنها تقرر دراسة فلسفة ابن سينا والفارابي والكندي وغيرهم على طلبة الكليات بما فيها من انحراف متعمَّد. فالعلم عنده«من الله وحده، وإن ما عداه فهو ظن، وعليه فإننا نُخرِج كل ما لا يتصل سنده بالله من دائرة العلوم -وإن أسموه علوماً- كعلوم الفلسفة والاجتماع… إن العلم الذي أجاز الله تعلمه للناس إنما هو على سبيل الحصر: العلم الذي يربطهم بالتكليف الوحيد الذي لم يكلفهم الله إلا به وهو عبادته سبحانه… وأول سورة أنزلها ]عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ( (العلق:5) …هي نهي عن التعليم إلا للعبودية». و« ثبتَ أن الأعلم بالله والأتقى له هو الأقل علماً بأمور الدنيا». و«يُحرَّم تعليم الكتابة في الجماعة المسلمة إلا بقدر الحاجة العملية الواقعية لما يتصل بالكتابة، وتعلُّم الكتابة الزائدة حرام».وهو يحسب أن مضار العلوم الدنيوية حجة: «إن البشرية كلها الضالة، التي دمرها الله تعالى، لم تكن تزهو إلا بالعلم، ولم تكن تتعالى على الله إلا بثمرة هذا العلم المنعدم الصلة بعبادة الله وحده».
                        تُبطِل جماعة التكفير والهجرة شرعية أي دستور غير قائم على الشريعة الإسلامية، حتى ولو جاء فيه أن الشعب هو مصدر السلطات؛ فإن التشريع لا يمكن أن يكون لأي مخلوق أو أمة أو شعب، فهو لله وحده. فالرسول كما يزعم شكري مصطفى- رفض رفضاً كاملاً أن يكون الشعب هو الذي يختار الخليفة؛ والسبب هو أن الدين الإسلامي يعلم أن عموم الناس لا يملكون الإمكانيات الصحيحة، سواء من القدرات العقلية، ولا من المعلومات الواردة، على اختيار الأصلح لهم.
                        إن مظاهر معصية الله الآن «في الأرض -كل الأرض- وفي المجتمعات -كل المجتمعات…هو مثل الدساتير المُستَمدَّة من غير شرع الله تبارك وتعالى، والمنبثقة من إرادة الشعوب بزعمهم؛ وإننا نقرر الآن [يستطرد شكري مصطفى] أنه لا ظل لدين الله في الأرض… فكان على المؤمنين أن يبعثهم الله…بعد أن يضرب ضربته سبحانه ويبطش بطشته انتقاماً لألوهيته و عزَّته…».
                        ولا تُجيز الجماعة قتال اليهود، ولهذا طلبوا إعفاءَهم من الخدمة العسكرية في الجيش المصري، لأن الجيش لا يقاتل في سبيل الله، و«قتال العرب الآن لليهود لا يمكن بحال أن يُسمَّى قتالاً إسلامياً؛ حيث إن القتال الإسلامي-كما نعرفه-هو القتال في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، يعني لغرض الحكم بما أنزل الله، وليس من الممكن أن يقاتل قوم لا يحكمون أنفسهم بكتاب الله، ليحكموا غيرهم بكتاب الله…».
                        لهذا، حتى لو دخل اليهود مصر -يتابع شكري مصطفى-« فليس بالضرورة أن يكون سلوكي هو تقديم شباب جماعة المسلمين للموت في هذه المعارك، إنما قد يكون سلوكي ترك مصر وينتهي الأمر…». و«خطتنا هي الفرار من العدو الوافد تماماً كالفرار من العدو المحلِّي وليس مواجهته…».
                        أما بخصوص بقاء بعض أفراد الجماعة في الجيش، أحلال هو أم حرام، فيقول: «فإنه عندنا حرام من الناحية الشرعية».
                        تحكم الجماعة بالكفر على كل من لا يقتنع بفكرها ومذهبها، بسبب تكذيبه بآيات الله وسُنَّة رسوله، والتي يزعم شكري مصطفى أنه يسوقها آية تلو آية، ودليلاً تلو دليل.
                        وتحكم، أيضاً، بكفر أي إنسان بعد البلاغ وإقامة الحجة؛ ولكنهم-كما يقول-لا يَحِلُّ لهم قتله الآن، وإذا قتله أحد من جماعته فلا يستحق القود استناداً إلى ما جاء في حديث الرسول « لا يُقتَل مؤمن بكافر».


                        « الإخوان المسلمون: تنظيم الفنية العسكريـة: أُنشيء في العام (1393هـ =1973م)، وأُعدِم أميره صالح سرية في العام 1975م على إثر قيامه بمحاولة لقلب نظام الحكم في مصر.
                        يعتقدون أن الجهاد لتغيير الحكومات الكافرة، وإقامة الدولة الإسلامية، فرض عين على كل مسلم ومسلمة. لكنهم يُجيزون للمسلم أن يشارك في هكذا حكومات على مختلف المستويات إذا كان واحداً من ثلاث:
                        -إذا كان واضحاً في عقيدته مصرِّحاً بأنه يعمل لإقامة الدولة الإسلامية.
                        -أن يدخل في مختلف اختصاصات الدولة بأمر من الجماعة، إذا كان العلن غير ممكن.
                        -إذا وطَّد العزم على أن ينضمَّ إلى الجماعة الإسلامية الحقَّة حين يجدها.
                        يكفر عندهم كل شخص يشترك في الأحزاب والجمعيات ويعتنق مبادئها العقائدية -وكل من يوالي الدولة والأحزاب الكافرة -كل من أعدَّ القوانين المخالفة للإسلام أو أسهم في إعدادها، أو طبَّقها من دون اعتراض -المعارضون لأحكام الإسلام مهما كانت -الاعتزاز بتراث الكفر -حصر الدين بالعبادة -كل من سبَّ الله أو الدين أو النبي -كل من ترك أركان الإسلام، وكل من أنكر إحدى عقائده.
                        أما القواعد التي اعتمدها التنظيم لتكفير الناس فهي ثلاث:
                        -الأولى: إن الإيمان بالله يقتضي بأنه وحده الذي يرسم منهاج الناس وشرائعهم.
                        -الثانية: إن الإسلام كل متكامل، من آمن ببعضه وترك البعض الآخر فهو كافر.
                        -الثالثـة: يتم الحكم على الإيمان بثلاثة أركان، كما يقول السلف: «الإقرار بالجنان، والتكلم باللسان، والعمل بالأركان، فإن اختلَّ ركن واحد من هذه الأركان حكمنا بالكفر».
                        « الإخـوان المسلمون: جماعـة الجهـاد: وقد ظهرت إلى الوجود في العام 1973م؛ وتفرَّع عنها جماعة الجهاد الإسلامي في العام (1399هـ=1979م)، وهي التي نفَّذت اغتيال أنور السادات في العام 1981م.
                        أما جماعة الجهاد الإسلامي فهي جماعات متعددة، لا يضمها إطار تنظيمي واحد، بل تفرَّقت بها السبل إلى عدة تنظيمات صغيرة لا يجمعها إلا (عقيدة الجهاد)، وقتال الحاكم وتكفير مؤسساته المختلفة؛ ولم يعد لقيادة بعينها داخل تنظيم الجهاد الأم سلطان مطلق على شتى جماعات الجهاد الإسلامي.
                        يقوم فكرها على عقيدة الجهاد، تلك الفريضة الغائبة التي تركها المسلمون، وتقوم ممارستها على قتال الحاكم الظالم، فرداً كان أو جماعة، مواجهةً أو اغتيالاً بناءً على تكفير الحاكم. وعماد عقيدة الجهاد يستند إلى فكرة الحاكمية، التي يؤمن بها كل أعضاء الجماعة سواء من يؤيد العنف منهم، أو من يسلك طريق النصيحة.
                        والحاكميـة ليست للسلطة أو للحاكم بل للشريعة؛ أما السلطة فهي مجرد أداة لتنفيذ شرع الله. وعن فكرة الحاكمية ينتج تكفير النظام، وتكفير الحاكم ووجوب الخروج عليه، وجواز قتاله، واغتنام أموال الدولة، ومحاربة الجيش والبوليس لأن الخدمة فيهما كفراً. فلا طاعة إلا لإمام، ويجب عصيان إمارة الكفر والسفه والجاهلية. ويتم تكفير الحاكم استناداً إلى قوله تعالى:)وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ( (المائدة: من الآية47).
                        ترى جماعة الجهاد أن القتال ضد السلطة الكافرة واجباً دينياً لا يمكن التقصير في القيام به. ووجوب قتال الحاكمين عندهم يستند إلى أنهم ارتدُّوا عن دينهم حينما حكموا بغير ما أنزل الله؛ و يُعَدُّ قتل المرتد واجباً دينياً؛ وإنه ليس من حق المسلم أن يتخلَّى أبداً عن قتل المرتد، وعلى هذا الأساس يجب أن يبدأ المسلمون.
                        انتقدت جماعة الجهاد جماعة التكفير والهجرة، وهم يُذكِّرونهم بأنه)كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُم( (البقرة: من الآية216). وانتقدوا، أيضاً، الواقفين بالإسلام عند حدود التقوى والعبادة والنسك،وقالوا بأن قمة العبادة في الإسلام هي الجهاد؛ فأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر؛ ومن يقف عند حدود العبادة فهو إما أنه لايفهم الإسلام أو هو جبان.
                        و يردُّون على الذين يدعون إلى توجيه الطاقات الإسلامية لتحرير مقدَّسات المسلمين وأوطانهم من الاستعمار والصهيونية، بأن الطريق إلى تحرير القدس يمر عبر تحرير البلاد من الحاكم الكافر.
                        إن الطابع الغالب على قراءات الجماعة هو فكر الفقهاء، وفي مقدمهم مجموعة فتاوى ابن تيمية وتلاميذه.
                        يحدد عبود الزمر -أمير جماعة الجهاد-في العام (1406هـ=1986م) وسائل الوصول إلى بناء دولة إسلامية بمرحلتين: مرحلة البناء والتكوين، ومرحلة الحركة.
                        ففي المرحلة الأولى تهتم الجماعة بالتعليم الشرعي والتعليم الواقعي من جهة، وبالتربية الروحية والبدنية من جهة أخرى، وإعداد الأعضاء قتالياً واختصاصاً من جهة ثالثة.
                        أما في المرحلة الثانية، أي الحركة، وهي مجموعة الأعمال التي تقوم بها الجماعة للوصول إلى الغاية العظمى؛ وتتمثَّل بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- ثم الجهاد في سبيل الله وهو ذروة سنام الإسلام.
                        وعن أهمية الجهاد يتكلم محمد عبد السلام فرج -الأمين العام لتنظيم الجهاد في العام1979م/1981م- في وثيقة الفريضة الغائبة، وهي من أهم معتقداتهم، فيقول: إن إقامة الدولة الإسلامية فرض أنكره بعض المسلمين، وتغافل عنه البعض مع أن الدليل على فرضية قيام الدولة واضح بيِّن في كتاب الله: )فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه( (المائدة: من الآية48)؛ ويقول، أيضاً: ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ( (المائدة: من الآية44). ومن أجل ذلك فقد أمر الله المسلمين بالقتال، حيث قال: )كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَال( (البقرة: من الآية216). أي أن القتال فرض، وهو واضح بالنص القرآني: أي المواجهة والدم. فالجهاد، إذن، هو فرض عين.
                        ب - حزب التحرير الإسلامي :تأسس في العام (1371هـ=1952م) «بهدف استئناف الحياة الإسلامية، بإقامة دولة إسلامية؛ أو عودة الخلافة لتطبيق الإسلام، لأن الإسلام لا يمكن أن يعود للحياة إلا بدولة تقوم على تطبيق أحكامه في المجتمع». ويرى الحزب أنه لا بد من مراحل ثلاث، كأساس لتطبيق أفكاره:
                        -تهيئة ناس أكفياء مؤمنين بهذه الفكرة، وعندهم الاستعداد الكامل للتضحية بكل ما يستطيعون لنصرة الإسلام.
                        -تهيئة الأمة لتقبل ما يريد هؤلاء الناس من تطبيقه…
                        -مرحلة إقامة الدولة الإسلامية.
                        حسب الحزب أنه اجتاز بنجاح المرحلتين الأولى والثانية، فأخذ منذ العام (1385هـ =1965م) ينازع السلطة لاستلام الحكم في أي قطر يستطيع الحصول عليه فيه. وقد حاول في الأردن مرتين، وعدة محاولات في العراق، لكنه لم يُوَفَّق في عمله.
                        يدعو الحزب المسلمين كافة إلى إبصار الطريق الذي حدَّده الشرع والرسول، وهو طريق لا يخضع لتغير الزمان والمكان. قال تعالى: )قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي( (لأعراف: من الآية203)، أي لا أقوم ولا أسير بشيء إلا بما يوحيه الله ليسير الناس عليه. فهذه الآيات قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، في بيان وحصر أن ما يأتي به الرسول للناس، وما ينذرهم به، وما يدعوهم إليه، وما ينطق ويتلفَّظ به في تبليغ الرسالة، كله صادر عن الوحي من الله، ولا يحتمل غير ذلك من تأويل أو تفسير. وإن كل من يدعو إلى عدم الأخذ بالسُنَّة النبوية إنما هو عدو للإسلام. ولذلك «فإن إنكار حُجيِّة السُنَّة، قولية كانت أو فعلية، أي إنكار جعلها كالقرآن دليلاُ شرعياً، وأصلاً من أصول الإسلام، التي تُؤخَذ منها العقائد والأحكام الشرعية كفر صُراح».
                        ومع ذلك، فلا يرى الحزب مثلاً أن لبنان يصلح لقيام دولة إسلامية، لأنه لا يوجد فيه مقومات تعيش ولو ليوم واحد. ففي مثل هذه الحالة يعمل الحزب على تهيئة الناس لانضمامه إلى قطر آخر يصلح لهذا. وعلى الرغم من موقف الحزب في شأن لبنان إلا أنه يعلن أن كثيراً مما هو سائد فيه من الأنظمة السياسية والقانونية مخالفة لتعاليم الإسلام:
                        -يشمل مشروع قانون الزواج المدني بعض المسائل التي تؤكد بشكل قاطع أنه قانون كفر. وإن الدعوة إليه كفر. وكل من يرضى به عن طيب نفس هو كافر.
                        -«كان الواجب على المسلمين رفض كل القوانين اللبنانية المخالفة للقرآن».
                        -على العلماء «أن يرفضوا أن يكون رئيس الجمهورية نصرانياً، فالله سبحانه يقول: )وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً( (النساء: من الآية141)».
                        بالإضافة إلى كل ذلك، يتخطَّى حزب التحرير كل ما هو إقليمي، وكل ما هو قومي، وكل ما هو وطني، لأنه-كما يزعم-حزب مبدئي يتخطَّى حتى المذهبية؛ فالبلاد «الإسلامية هي بنظر الحزب بلد واحد، كذلك الحزب في كل الأقطار حزب واحد، بقيادة واحدة، وانتظام واحد، ولا يخرج عن ذلك أحد، كل ما تتبناه قيادة الحزب، الجميع مُلزَمون به» .
                        ج - المذهب الوهابي يبني نظامه السياسي:محمد بن عبد الوهاب (1115-1206هـ=1705-1792م) هو الزعيم الروحي للمذهب الوهابي. انتشر المذهب في منطقة نجد وما حولها في داخل الجزيرة العربية.
                        والوهابية هي من أولى حركات الإصلاح الديني في الوطن العربي. وهي بعث للاتجاه السلفي المحافظ في الفكر الإسلامي، الذي يأخذ بظاهر النصوص الأصلية، ويرفض البدع كلها، وينفر من الفلسفة والتأويل؛ وكان ابن حنبل هو الذي أسس هذا الاتجاه/ المذهب وتابعه فيه أحمد بن تيمية.
                        فالمذهب الوهابي حركة من حركات اليقظة العربية المناوئة للعثمانيين. ولما انتسب إليه محمد بن سعود -أمير الدرعية في الحجاز- أصبح له أمراء يسعون لتكوين دولته، وقد انتصر المسعى بتكوين المملكة العربية السعودية في العام (1342هـ =1924م).
                        لقد شهد تجديد (علم التوحيد) بداياته الأولى على يد محمد بن عبد الوهاب؛ وتُعَدُّ الحركة الوهابية استئنافاً للاحتجاجات الحنبلية، التي عبَّر عنها تقي الدين بن تيمية، وتحقيقاً عملياً لانتقاداته المعارضة للبدع المستحدثة في الحياة الدينية والاجتماعية اليومية. وقد بدا هذا الاحتجاج من خلال مظاهر متعددة، منها: الدعاء والاستغاثة والاستعاذة والحلف بغير الله غير جائز؛ وزيارة القبور إذا كانت مصحوبة ببدع أو إذا كانت لطلب الحوائج أو الشفاعة من أصحابها.
                        لم يُعنَ الوهابيون إطلاقاً بالتدليل على وجود الله أو نبوَّة الرسل أو على إثبات المعاد وما أشبه ذلك من قضايا علم الكلام الإسلامي التقليدي -كما فعل المعتزلة- وهو أمر يلزم بالقول بالتوحيد العقلي. وإنما كان التوحيد الوهابي ذا مضمون نفسي اجتماعي متحرر من الخرافات والأوهام. وعلى الرغم من ذلك، فقد ظلَّت الوهابية حبيسة أطر ثقافية عاجزة أصلاً عن استخدام الينابيع الأولى لأغراض العالم الحديث.
                        دخلت الوهابية ساحة الصراع الدائر بين الفرق الإسلامية حول حيازة موقع الفرقة الناجية من النار. وهنا يُعرِّف عبد الله التركي -أحد كبار مشايخ الوهابية-الطائفة المنصورة (الناجية)، كما يلي: «هي الجماعة القائمة بأمر الله، العاملة بكتابه، المهتدية بسُنَّة رسولهr ، وهي الملَّة المنصورة التي أخبر عنها المصطفىr، والفرقة الناجية من الثلاث والسبعين فرقة التي ذكر الرسول r أن أمته ستفترق عليها». ويقول، أيضاً، إن كثيراً من المسلمين: «انحرفوا عن الجادَّة، وتفرقوا شِيعاً وأحزاباً، وابتعدوا عن الكتاب والسُنَّة، وما عليه سلف الأمة، واستوردوا مناهج عملهم من أعدائهم». أما المملكة العربية السعودية فتتميز بواقعها وخصوصياتها، وأنها «ليست في حاجة لأي فكر وافد أو منهج من أي جماعة أو حزب، فقد أغناها الله بمنهج الإسلام وطريقة رسول الله r عن أي منهج آخر». ولهذا فقد نصح شباب المملكة أن يؤهلوا أنفسهم لحمل الرسالة وفق ما تُدين به المملكة و تسير عليه.
                        ومن دون أن نخوض في ما يوجهه بعض التيارات الإسلامية من نقد للمذهب الوهابي، فلا بد من أن نؤشِّر على تأثيرات المذهب على المسلمين، من خلال ما قاله أحد الصحفيين المصريين نقلاً عن المهاجرين المصريين إلى السعودية، الذين يعودون بأفكار عنصرية تجاه المسيحيين؛ حيث ينقل العائدون ملاحظات كثيرة تنتشر في مصر، وتدل دلالة مباشرة على مكمن الخطورة، وذلك بأن هؤلاء يفتخرون بأنه لا توجد في السعودية أية كنيسة؛ وكأن ذلك مبعث فخر ألا توجد هناك كنائس، بينما توجد القواعد العسكرية الأمريكية، وشركات البترول المتعددة الجنسيات؟!!.





                        مرسلة بواسطة حسن خليل غريب في السبت, ديسمبر 15, 2012
                        التسميات: أبحاث ودراسات, مقالات إسلامية

                        تعليق

                        • زحل بن شمسين
                          محظور
                          • 07-05-2009
                          • 2139

                          #13
                          أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها (3/ 5)


                          أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها
                          (3/ 5)
                          الحلقة الثالثة:
                          حركة ولاية الفقيه
                          مع ملحق فكري يؤصِّل لنشأة النظرية

                          استناداً إلى مقاطع منتخبة من الفصل السادس من كتاب (الردة في الإسلام)، المنشور في العام 1999، لمؤلفه حسن خليل غريب، سننشر خمس حلقات تعالج هذا الموضوع، وقمنا بتقسيمها إلى موضوعين رئيسين، وهما:
                          أولاً: التعريف بأهم حركتين بينها، وقسمناها إلى ثلاث حلقات:
                          -الحلقة الأولى: الحركات الإسلامية من مرحلة التبشير إلى مرحلة التنظيم:
                          -الحلقة الثانية: حركة الإخوان المسلمين
                          -الحلقة الثالثة: حركة ولاية الفقيه
                          ثانياً: القضايا الخلافية بين حركات الإسلام السياسي:
                          -الحلقة الرابعة: حركـة الإحياء الإسلامي وسيادة مبدأ الاتهام بالردة
                          -الحلقة الخامسة: إشكالية مقاربـة النص الإسلامي مع انتشار العولمـة/ الأنسنـة


                          الحلقة الثالثة: حركة ولاية الفقيه
                          د الشيعة الإثني عشرية تتبنَّى خط التنظيم الحزبي الإسلامي:يميِّز مرتضى المطهري (ت في العام 1399هـ=1979م) أحد رجالات الثورة الإيرانية- خصائص الحركات الشيعية عن الحركات الإصلاحية السُنِّيَّة بما يلي: قلما يقتصر المحيط الشيعي على طرح الكلام عن الإصلاح أو النظريات الإصلاحية، وقلَّ ما بُحِثَت مواضيع حول: ما العمل؟ ولكن مع ذلك فقد ظهرت الشيعة في حركات إصلاحية، خصوصاً كحركات مضادَّة للديكتاتورية والاستعمار. وتكلم، في المقابل، علماء الدين السُنَّة عن الإصلاح، ولم يقودوا حركات ثورية في سبيله؛ وعلى العكس من ذلك قاد علماء الدين الشيعة الحركات الثورية من دون أن يطرحوا نظريات إصلاحية.
                          يعيد المطهري أسباب ذلك، فيقول: «هو ارتباط هذه القضية بالنظام الخاص (لرجال الدين الشيعة) و(رجال الدين السًنَّة). يقع جهاز رجال الدين السُنَّة-تقريباً- بيد الحكام الذين يعتبرونهم من (أولي الأمر)… فجهاز رجال الدين السُنَّة جهاز منتمٍ وتابع، والجهاز المنتمي والتابع لا يستطيع أن يقف ضد القوة التي ينتمي إليها… في حين أن جهاز رجال الدين الشيعي هو جهاز مستقل بحد ذاته. فمن الناحية المعنوية يتكئ على قدرة الله، ومن الناحية الاجتماعية يعتمد على قوة الناس، ولهذا السبب كان رجال الدين الشيعة، وعلى طول التاريخ، قوة تعارض وتحارب الظالمين».
                          من الواقعي أن يقف السُنَّة في صف الموالاة لنظام إسلامي كان يتبنَّى المذاهب السُنِّيَّة مذهباً رسمياً، وبشكل خاص في العهود العباسية والعثمانية، وأن يقف الشيعة في صف المعارضة لنظام لم يكن يعترف بمذهبهم. وتنقلب المواقف في العهد الفاطمي. ولو بقي المطهري حياً، بعد انتصار الثورة الإيرانية، لكان من المنطقي أن يقف في صف الموالاة للنظام القائم وليس في صف المعارضة. وإنه على العكس مما قاله المطهَّري فقد وقفت بعض الحركات السُنِّيَّة في صف الثورة ضد النظام السني، وقد مرَّت معنا وقائع في البحث تؤيد هذه النتائج.
                          وعلى العموم، يرى المطهري، أن الثورة هي من فضيلة (نهضات الأنبياء)، أي أنها تقوم على أساس الشعور الإلهي الذي نجد جذوره في أعماق الفطرة البشرية، وينبع من الضمير الباطني للإنسان. أما جذور الثورة فتنبت عندما تقع أحداث تصب في غير مصلحة الأهداف الإسلامية السامية.
                          تعود بداية التفكير الشيعي الإثني عشري بسلوك الخط التنظيمي الحزبي الديني إلى العام (1378هـ؟=1959م؟)؛ وقد كانت البداية في تأسيس حزب الدعوة الإسلامي-الشيعي في العراق، وانتقل إلى لبنان في النصف الثاني من الستينات من القرن20م. وكان قد تمَّ تأسيس الحزب على قاعدة شرعية أن يتسلّم العلماء الحكم ويقومون به، وأن يعتنوا بالسياسة والاقتصاد، وأن يطلبوا قيام دولة إسلامية عالمية.
                          ومن وسائل الحزب التنظيمية أن يجمع طالب العلم بين التحصيل الديني، وبين أنشطة حياة عادية؛ و يُعَدُّ هذا الجمع ضروري للدعوة وحزبها. فالداعي يقوم بنشاط التدريس الديني، ومشاركة الناس في أعمالهم، ومعايشة همومهم و قضاياهم. بالإضافة إلى ذلك، فقد تدرَّب أعضاء الحزب على العمل المسلَّح في أوائل السبعينات من القرن 20م؛ وتخرَّج منهم عدد من الإنتحاريين.
                          عمل حزب الدعوة، ومن بعده «حزب الله» -منذ أوائل الثمانينات من القرن20م- على بناء الشخصية الإسلامية التامة من خلال المدارس والحوزات، وإعداد «الملتزم الرسالي». ويتحصَّن المجتمع الإسلامي عندهم، أي مجتمع «الحكم الشرعي» العامل بولاية الفقيه « الإمام قائد الأمة»، بالمسجد أو بالنادي الحسيني.
                          وبسبب ندرة المعلومات عن حزب الدعوة، وبعد تأسيس حزب الله في أوائل الثمانينات، نحسب أن التنظيمين أصبحا تنظيماً واحداً، بحيث أصبح حزب الله وحيداً في الواجهة السياسية والعقائدية الشيعية. أما المنطلقات الأساسية لحزب الله: «هم أصحاب رسالة، والأساس في بنيتهم العقائدية هو القرآن الكريم. إذن، الرسالة التي يحملونها هي الرسالة التي يجب أن تعمَّ العالم، حتى تعيش الإنسانية مباديء وتشريعات وأخلاق القرآن … من هنا يتحدد نوع العمل، عمل تحكمه الرسالة ولا يحكمه الإنسان».
                          فالإسلام ليس «رسالة تبشيرية فقط، وإنما رسالة تبشيرية ورسالة لإقامة مجتمع العدالة في الأرض»؛ لهذا تعمل جماعة حزب الله «من أجل مجتمع سياسي متجدد، ومستقل في هويته وشخصيته الحضارية؛ وهذا يفرض-بالتأكيد-حالة صراع مع كل التجمعات البشرية التي ترفض أن تتعامل مع الإسلام كرسالة للحياة»، وقد سبقت هذا الهدف «محطات تاريخية مذهلة جداً، وفيها ما يكفي لبناء مجتمع يحمل روحية الثورات».
                          وفي سبيل العمل من أجل هذا الهدف، كما يقول أحد قادتهم: «نحن اليوم ندرس مشروعاً إسلامياً مبنياً على الفكر والرسالة؛ فالمشروع المطروح على العالم اليوم/ هو مشروع الأمة، دولة الإسلام الكبرىنحن مقبلون على حالة وعمل توحيدي للشعوب في المنطقة [وهناك] توجد كل الفرص لاستمرار وتوسيع هذا المشروع، وهذا ما عبَّر عنه الإمام الخميني بتصدير الثورة».
                          وعن قيادة المشروع، يقول: «فالقيادة تتمثل في الرسول وفي الأئمة المعروفين، وبعد الأئمة الفقهاء الأولين. وفي الوقت الحاضر نحن نعيش على غيبة الإمام المنتظر؛ فالقيادة في هذا العصر تتمثَّل في قيادة الفقهاء العدول».
                          أما كيف يمكن للدعوة الإسلامية -حسب وجهة نظر حزب الله- أن تعالج إشكاليات العلاقة بين المذاهب الإسلامية، ومع أصحاب الديانات السماوية الأخرى، ومع الأحزاب والحركات القومية؟
                          -حول العلاقات بين السُنَّة والشيعة: «نستطيع القول إن هناك حالة شكلية طائفية أو مذهبية، أكثر منها حالة اختلاف في خلفيات فكرية عميقةبل نشعر بوجود حدود نفسية، ربما تعود في بعض الحالات إلى ابتعاد السًنَّة عن الشيعة في مجتمعاتهم، جغرافياً وتاريخياًلكن أعتقد أن الزمن يَحِلُّ كثيراً من هذه المشاكل».
                          -وحول العلاقات مع أصحاب الديانات السماوية: «إذا كانت القضية قضية ما تعتبرونه انتقاصاً من كرامة المسيحي في نظام أهل الذمة، فيمكن عندئذ التفكير في هذا، من خلال إدارة الحوار في طبيعة الطرح الإسلامي في هذا الموضوع. وما حدث في التاريخ هل كان مردُّه إلى الخط الإسلامي، أم إلى إساءة في التطبيق؟».
                          -وحول العلاقة مع الحركات القومية: «ربما كان بعض أسباب نجاح الحركات القومية في الساحة العربية على الأقل- مرتبطاً بقضية التحرر من الاستعمار، ومن ضغط الاستبداد الذي كانت تمارسه الخلافة العثمانية». ومع ذلك: «لا نشعر أن القومية العربية كإطار ومضمون- شيء واقعي. ولكن إذا وُجِدَت جماعات تفكر قومياً، فنحن لا نمانع أن نتعاون معها كمسلمين أو كإسلاميين في مواجهة الاستعمارولا يعني تعاونك مع أي فريق في مرحلة ما، أنك تعترف بشرعية فكرتهنحن نشعر أننا لا نستطيع في كل القضايا أن نقوم بها وحدنا».
                          كانت الدعوة إلى مركزية الدولة الإسلامية واضحة في بدايات مراحل تأسيس «حزب الله»، فالدين عند الله الإسلام؛ ولهذا قام الدعاة للحزب على حمل تابعيهم على تجاوز كل ما هو عائلي ووطني، ودعوا إلى الانتساب لله وحزبه من جهة، والإقرار بمركزية الثورة الإسلامية في إيران، كنواة لبناء الدولة الإسلامية، من جهة أخرى.
                          وقد شهد الحزب تحولات في مواقفه، فبعد أن اشترك في تظاهرة ترفع شعار (لا حاكمية إلا لله) ؛ وأخذت تحولات على المواقف تظهر منذ أوائل التسعينات من القرن 20م في اتخاذ مواقف سياسية جديدة، وذلك بالانخراط في المعركة الإصلاحية، والدعوة إلى ضمان الحريات السياسية والفكرية والإعلامية.
                          ومن الحاكمية لله تصبح القيم الإسلامية «قيم واقعية، وليست مثالية، ليست قيماً مطلقة، لأنه ليس في الحياة من مطلق»؛ ويصبح الإسلام والمسيحية والماركسية «طروحات فكرية تتسع لجميع الناس! وكل فكر يمكن أن يقبله بعض الناس ويرفضه بعض الناس».




                          ملحق عن ولاية الفقيه مُستلٌّ من الفصل الأول من كتاب (نحو تاريخ فكري سياسي لشيعة لبنان) لمؤلفه حسن خليل غريب، علماً أن البحث فيه أُنجِزَ في العام 1990. ولمن يريد الاستزادة يمكنه مراجعة الكتاب المذكور المنشور في أكثر من موقع الكتروني ومن أهمها مدونة (العروبة).
                          IV - الاتجاهـات السياسية في الفكر الشيعي
                          بقيت الاتجاهات الفكرية الشيعية موحَّدَة في مصادرها الأساسية، ولكن تباينت عندهم الاتجاهات السياسية حينما ساد -في مرحلتنا المعاصرة- تياران سياسيان يدافع كل منهما عن اتجاهاته بنصوص إسلامية عامة و بنصوص شيعية خاصة:
                          -التيار الأول و يُعرَف «بولاية الفقيه»؛
                          -أما التيار الثاني فهو التيار المحافظ الذي يرفض القول بهذه الولاية، ويستمر برفضه ما دام الإمام المهدي غائباً.
                          فما هي مضامين هذين التيارين ؟


                          -التيـار الأول:بناء الدولة الإسلامية على قاعدة ولاية الفقيه:
                          لقد طال غياب الإمام المهدي المنتظر، و بقي الشيعة في حال انتظار طويلة ملتزمين مبدأ التقية، يمارسون الشعائر الدينية الإسلامية، و يخضعون لسلطات لا يؤمنون بصلاحها. ولأنه «في عصر الغيبة كان الشيعة و فقهاؤهم مشرَّدين غالباً في شدة و تقية، فكانوا آيسين من رجوع الحكومة إليهم، ويرون كأنه بمنزلة أمر ممتنع»([1]). وقد انقرض ملك بني العباس، ولم يظهر أحد من أهل البيت يشير بالتقى، و يعمل بالهدى([2]). و قد أخذت مدة الانتظار تطول، و لطول المدة أخذت تتحول إلى تساؤلات عند بعض فقهائهم، فلجأ هؤلاء الفقهاء إلى اتخاذ مواقف بقيت إلى حد ما مجهولة و محصورة في نطاق ضيق، إلى أن وصلت إلى حدود الإعلان و النشر و المناقشة ثم إلى الدعوة جهراً؛ و كان أبرز ما انبثقت عنه تلك المرحلة هو الدعوة التي أقرت بجواز أن يتولى الفقيه مسئوليات الإمام في فترة غيابه.
                          رأى بعض رجال الدين الشيعة، وأبرزهم الخميني، أن عصر الغيبة الكبرى طال أكثر من ألف و مائتي عاماً تقريباً، و قد يطول أكثر من ذلك؛ ورأى أن للإسلام «أحكامه النظامية والسياسية وقوانينه الإدارية والعسكرية التي لا تزال صالحة للتطبيق على الحياة العامة من غير تحوير شعرة [ولا ينقصها إلا أنها] بحاجة ماسة إلى ضامن إجراء مبسوط اليد، نافذ الكلمة، مُطاع على الإطلاق[وإن الإسلام قد] فوَّض تولي أمور المسلمين إلى الفقهاء العدول[و] إن وظيفة الفقيه العارف بأحكام الشريعة هي النهضة والانتفاضة وإعلاء كلمة الله في الأرض والمجاهدة وتطهير أرض الله من أعداء الله»([3]).
                          أما في المرحلة التي جاءت بعد غيبة الإمام المنتظر، و هي مرحلة انتظار عودته، فيرى الخميني أنه ولدت دعوات مستمرة لفصل الدين عن الدولة وعن السلطة السياسية، وأن المستفيد من ذلك هو المستعمر الذي أراد فصلهما مع أن النبي محمداً، و الخلفاء الراشدين، قد مارسوا بأنفسهم شؤون سياسة البلاد، فالمستعمر يهدف من وراء دعوته «إلى إبعاد رجال الدين عن ساحة السياسة، وعن التدخل في شؤون الدولة إطلاقاً، لكي ينطلق عملاء الاستعمار في أعمالهم التعسفية»([4]). وقد رأى الخميني، كذلك، أن بعض رجال الدين الشيعة قد خضعوا لهذه الدعوات؛ فهم برأيه يحتاجون إلى التقريع، و قد خاطبهم بقوله: «الدعايات الأجنبية هي التي بلغت بكم هذا المبلغ الهابط، وهيأت لكم هذا الوضع المخزي، وعرفتكم إلى الملأ الأعلى شرذمة رجعية مُتزمِّتة تجمَّعت في النجف وقم، وما شأنها والتدخل في سياسة البلاد»([5]).
                          يحصر الخميني أسباب التأخر في بناء الدولة الإسلامية في سببين اثنين: أولهما الاضطهاد الذي عانى منه الشيعة الشيء الكثير عبر التاريخ الإسلامي؛ أما الثاني فتآمر من المستعمر واستجابة من فقهاء الشيعة إلى فصل الدين عن السياسة. وهو إذ يحدد هذين السببين ويحصر المشكلة فيهما، ينسى أن مبدأ التقية قد وضعه الإمام جعفر الصادق-باني الأسس للعقيدة الشيعية ومن بعده ساد الاعتقاد بين فقهاء الشيعة بأن التقية هي من أسس المذهب لأن (من لا تقية له لا دين له)، وهل التقية إلا فصل للدين عن السياسة ؟
                          قبل أن يُحسم الجدل عند الشيعة حول هل يجوز لهم أن يؤسسوا دولة إسلامية ويمارسوا السلطة السياسية في زمن الغيبة أو لا يجوز، يرى الخميني أنه في تأخير تأسيس الدولة الإسلامية حتى ظهور الإمام مؤامرة على الإسلام و المسلمين. لكن مضمون الحكم وأسسه ليس موضوع جدل، و من هنا يرى الخميني أن القوانين «جاءت من عند الله لغاية تطبيقها على الحياة…[و ما على الولاة سوى] … تنفيذ الخطة القائمة من دون مدخلية لآرائهم الشخصية في…- سواءٌ الرئيس أم المرؤوس - التدخل في شؤون أحكام الله على الإطلاق…[و]…إن ولاة الأمر في الإسلام يتبعون الرسول الأعظم، و الرسول يتبع القانون الإلهي الحكيم»([6]).
                          تعرَّض مبدأ التقية عند الشيعة الإثني عشرية للنقد والتقريع والنقض من قبل عدد من رجال الدين الشيعة أنفسهم؛ وقالوا إنه أصبح بغير فائدة أو مغزى، ذلك، بعد أن عرفوا أن المستعمر هو المستفيد من التزام الشيعة به. والحل هو أن يفكَّ الشيعة ارتباطهم بمبدأ انتظار الإمام الغائب، لأن الانتظار مدة أكثر أصبح مسألة لا تجوز.
                          إن قناعة الخميني في وجوب بناء دولة إسلامية لتأمين مصالح المسلمين من خلال تطبيق الشرائع الإسلامية، كان من أهم الأسباب التي دفعت به لتحييد مبدأ انتظار ظهور المهدي، و إنه متى تأسست الحكومة الإسلامية على الفقهاء أن يتولوا السلطات الدينية والزمنية. فما هي الأسس العقيدية والسياسية التي يراها الخميني صالحة وقادرة على تشكيل نظام يدير شؤون المسلمين؟
                          يرى الخميني أنه من غير الجائز على المسلمين أن ينتظروا ظهور المهدي أكثر مما انتظروا. والسبب أن الإسلام يشكل مجموعة من القوانين التي جاءت من عند الله أولاً، ولأنه «لم يختلف أحد من المسلمين في ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية منذ الصدر الأول للإسلام([7]).
                          بعد أن اقتنع رجال الدين الشيعة الإيرانيون، بناء لنظرية الخميني في ولاية الفقيه، بخطأ اتباع مبدأ التقية من جهة، و عدم جواز انتظار ظهور الإمام المهدي إلى ما لانهاية من جهة أخرى، وجدوا أن الوقت أصبح مناسباً لإعلان الدولة الإسلامية، خاصة -كما يحسب منتظري-أنه «بعدما شملت عناية الله المسلمين في إيران الإسلامية، صار البحث في الحكومة الإسلامية بشؤونها المختلفة ضرورياً»([8]).
                          استناداً إلى ذلك لم يكن الاختلاف حول ضرورة تشكيل الحكومة أو عدم تشكيلها هو المشكلة في أثناء غياب المهدي المنتظر، وإنما أصبحت تتعلق في توفر الظروف المناسبة أو عدم توفرها، لهذا بعد أن أصبحت الظروف مؤاتية في إيران أصبح لزاماً على المسلمين-حتى في زمن الغيبة- ضرورة البحث عن الحكومة و فض الاختلاف «في نوعية تشكيلها، وفي الشرائط اللازمة في شخص الحاكم الإسلامي([9])؛لأنه إذا اجتمع فقهاء المسلمين في هذا العصر «وأجمعوا رأيهم لكان بوسعهم تشكيل حكومة إسلامية عادلة من غير ريب»([10]).
                          لكن البحث في الشرائط اللازمة للحاكم، و الشرائط المطلوبة لبناء الدولة الإسلامية يصبح غير ذي مضمون في الحالة التي يظهر فيها الإمام المنتظر، لأنه بظهوره -كما يحسب منتظري-«يغنينا من هذه الأبحاث العريضة»([11]). وكأننا بمنتظري لا يخرج عن دائرة المنطق التخميني، فلا اليقين ثابتاً عنده في مبدأ انتظار الإمام، و ليس يقيناً ثابتاً في نظرية ولاية الفقيه؛ فأيهما الجاهز للتطبيق فهو الأصلح للعمل بمقتضياته.
                          وهنا كيف تنظر الخمينية إلى الشرائط المطلوب توفرها في الحاكم الإسلامي في زمن الغيبة ؟
                          يرى المنتظري : «أن السيادة والحاكمية لله تعالى فقط، وبيده التشريع والحكم (إن الحكم لله). والنبي r أيضاً لم يكن له حق الحكم إلا بعد ما فوَّض الله إليه ذلك، ولم يكن يتَّبِع في حكمه إلا ما كان يُوحى إليه. والأئمة، أيضاً، قد انتُخِبوا من قبل النبي r بأمر الله تعالى بلا واسطة أو مع الواسطة، حتى إن الفقهاء في عصر الغيبة، أيضاً، نُصِبوا من قبل أئمتنا (ع) لذلك، و إلا لم يكن لهم حق الحكم. و ليس لانتخاب الناس أثر في هذا المجال أصلاً. فالحكومة الإسلامية ثيوقراطية محضة»([12]).
                          ولأنه لم يتعيَّن شخص الحاكم الإسلامي بالنص في عصر الغيبة، يحدد منتظري طريقة اختياره وشروطها، فهو يقول : «في عصر الغيبة إن ثَبتَ نصب الأئمة(ع)للفقهاء الواجدين للشرائط بالنصب العام بعنوان الولاية الفعلية، وإلا وجب على الأمة تشخيص الفقيه الواجد للشرائط وترشيحه وانتخابه، إما بمرحلة واحدة أو بمرحلتين: بأن ينتخب أهل كل صقع وناحية بعض أهل الخبرة، ثم يجتمع أهل الخبرة وينتخبون الفقيه الواجد للشرائط والياً على المسلمين»([13]). ولكن إن أشكل أو تعسَّر على الأمة انتخاب الإمام بسبب اتساع البلدان، فيمكن أن يتم الانتخاب على مرحلتين أو عدة مراحل([14]).
                          فانتخاب الحاكم الإسلامي خاضع لشرائط يجب أن تتوفر فيه، منها العلم والعدالة؛ وهما شرطان أساسيان «يجب توفرهما في شخص الزعيم الإسلامي:معرفته الكاملة بالقانون، وعدالته العامة بالتنفيذ»([15]).
                          لكن معرفة الحاكم الإسلامي بالقانون ليست معرفة وضعية، وتنفيذه له ليس خاضعاً لأية قاعدة وضعية؛ وإنما «الأمر الذي يتوافق العقل والشرع عليه:لا حكم لغير القانون، فلا أحد يحكم الآخرين، ولا الجماعة يحكمون هم أنفسهم، إنما القانون الإلهي يتصدى بتنفيذه الحاكم الإسلامي الذي جاء تعيينه من قبل الله، و المتوفر فيه الشرطان الآنفان (العلم والعدالة)»([16]).
                          فللفقيه الجامع للشرائط، الذي هو نائب للإمام، سلطة مُطلَقَة في أصول المعرفة الدينية، وله أيضاً السلطة المطلقة في المعرفة السياسية وتطبيق هذه المعرفة، فهو الذي يتولَّى «الزعامة الكبرى و الرئاسة العليا [وهو] المصدر للقيادة العليا الإسلامية… فالأمراء والقواد هم الممتثلون لأوامر الفقيه الشاغل لمنصب الزعامة، الواقع في قمة الحكم، والبقية مأمورون مؤتَمِرون [وهو] المخوَّل من قبل الله في إجراء الحدود»([17]).
                          يصف المظفر صلاحيات الفقيه بأنه: «نائب الإمام (ع) في حال غيبته، وهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام…والراد عليه راد على الإمام، والراد على الإمام راد على الله تعالى وهو على حد الشرك بالله»([18]).
                          وللفقيه سلطات واسعة غير محدودة، أُعطِيَت إليه من الله تعالى، وهي -كما يراها الخميني : «إجراء الحدود وفصل قضايا الناس، والتصرف في بيت مال المسلمين، وفي شؤون المجتمع، والخلاصة: أن بيده أزمَّة الأمور كلها، الله أعطاه هذا الاختيار، وأوكل إليه أمر الأمة»([19]).
                          إن حاكماً إسلامياً بهذا القدر من الصلاحيات والسلطات المطلقة، والموكولة إليه من الله، كيف يرى القائلون بولاية الفقيه علاقته مع الفقهاء الآخرين ؟
                          يرى الخميني أن من واجب الفقهاء بما هم فقهاء، إذا كانوا في خارج السلطة، أن يجتمعوا ويتشاوروا ويفكروا في حلول لمشكل الأمة الإسلامية. أما إذا استولوا على السلطة فليوكلوها إلى أفراد صالحين حتى و إن لم يكونوا فقهاء، و لكن على أساس أن يكون للزعماء الرئاسة العليا، أما الآخرون فيكونون لهم مشاورين»([20]). ولكن الخميني يحدد علاقة الفقيه الموجود على رأس السلطة مع الفقهاء الآخرين، كما يلي : «إن ولاية الفقيه ليست مطلقة لتكون لكل فقيه الولاية على سائر الفقهاء في زمانه لينصب من يشاء منهم ويعزل من يشاء، وإنما له الولاية العامة دون هذه المرتبة»([21]).
                          وكيف يرى أصحاب نظرية ولاية الفقيه العلاقة بين الفقيه الوالي وبين الإمام ؟ وهل في هذه العلاقة تطابق كامل ومطلق، أم أن هناك ما يستدعي التمييز ؟
                          يرى الخميني أن هناك فرقاً بين الفقيه من جهة وبين النبي و الإمام من جهة أخرى؛ وإن «هذا الفرق يرجع إلى خصوصيات شخصية و ملكات ذاتية ليست تمس جوانب الزعامة في شيء»([22]). و يرى، أيضاً، أن الفقيه لا يداني النبي و الإمام فضيلة أو مكرمة. ولكن يرى من جانب آخر أن هناك حدوداً للتطابق بين النبي والإمام والفقيه، حيث يقول إن: «الزعامة المحدودة بحدود القانون لا يختلف مجال تنفيذها بالنسبة إلى النبيr والإمام (ع) والفقيه. إن الحكومة تكون للعالم العادل: نبياً أم إماماً أم فقيهاً عادلاً»([23]).
                          وهل يعني ذلك أن نصعد بالفقيه إلى مرتبة الإمام، أو النزول بالإمام إلى مرتبة الفقيه؟ هنا يعتقد الخميني أنه، باستثناء الفرق بالخصوصيات الشخصية والملكات الذاتية، «لا فرق بين الإمام و الفقيه في وظيفة القيام بإدارة شؤون المجتمع الإسلامي وفق القانون الإلهي العام»([24]).
                          ولا بد من الإشارة إلى أن للفقيه-من ضمن ولايته، إضافة إلى ولاية أمور الدين والدنيا-مهمة الأمانة على أموال المسلمين، وعلى أموال فقراء السادة من آل الرسول.
                          يهتم الشيعة اهتماماً خاصاً بأموال السادة، التي لها امتياز خاص وقد سُلِّمَت أمانتها للفقيه مباشرة من جهة، و إيداعها في فرع مستقل عن أموال بيت مال المسلمين من جهة أخرى. فحول هذه المسألة يقول الخميني : «إن صندوق الدولة الإسلامية ذو جوانب وفروع:فرع تتجمَّع فيه الأخماس، وفرع تتجمع فيه الزكوات، وفرع تتجمع فيه الخراجات وهلمَّ جرَّاً. فقد (تقرَّر) إعاشة فقراء السادة من آل الرسولr من صندوق الأخماس ترفقاً بمقامهم العلي أن يتناولوا من أوساخ الناس -كما في الحديث-و (تقرر) إعاشة سائر فقراء الناس من صندوق الزكوات»([25]). أما إذا زاد السهم المدفوع للسادة أو نقص، فقد «جاء في الأثر أن فقراء السادة إذا زاد السهم المدفوع إليهم عن كفاية عامتهم يردون الزيادة إلى الإمام، وإذا نقص يكمِّلهم الإمام من نفسه»([26]).
                          بعد أن قمنا بعرضٍ لمقومات نظرية ولاية الفقيه، لا بد من أن نتساءل:أين تلتقي ولاية الفقيه مع النظرية العامة في المعرفة عند الشيعة الإثني عشرية، على المستويين العرفاني، والاتجاهات السياسية وأين تفترق عنهما ؟
                          بما أن نظرية ولاية الفقيه التصقت، تاريخياً وسياسياً، بالخميني، فهي إذاً نظرية خمينية. واعتمدت في وجوب تطبيقها والعمل على هديها على المفاهيم التالية:
                          -لا يجوز انتظار المهدي المنتظر، وهو الذي طالت غيبته أكثر من ألف ومائتي عام، لأن غيبته قد تطول مدة مماثلة أو أكثر.
                          -للاستعمار مصلحة في فصل الدين عن الدولة، وانتظار المهدي لكي يقيم حكومة العدل هو منع رجال الدين من استلام السلطة.
                          -إن في الإسلام قوانين إلهية ثابتة لتنظيم شؤون الحكومة الإسلامية.
                          -إن الإسلام يواجه مشكلة تعيين أحد الفقهاء لتطبيق هذه القوانين.
                          أما بالنسبة إلى مبدأ ظهور المهدي فنجده في صلب نظرية المعرفة عند الشيعة، لأنه لا يجوز أن يطبِّق القوانين الإلهية سوى إمام معصوم، كي لا يقع الحاكم في أخطاء تضعف الثقة في التشريع الإسلامي. لذلك أصبح من الواجب انتظار ظهوره. أما النظرية الخمينية حول ولاية الفقيه فرأت في مسألة الانتظار ثغرتين:
                          -الثغرة الأولـى: حيث يرى الخميني أن الشيعة انتظروا الظهور مدة طويلة و كافية فأصبح من غير الجائز أن ينتظروا أكثر من ذلك. فأصبحت المشكلة و كأنها مسألة نفاذ صبر، وإذا كان ذلك كذلك فهناك احتمالان لتفسير موقفه هذا:
                          الأول: أن يكون نفاذ الصبر من الانتظار هو المشكلة فعلاً.
                          الثاني: أن تكون مسألة الانتظار متعارضة مع القوانين الإلهية، التي توجب تعيين إمام معصوم لتطبيق هذه القوانين، كما تنص عليه العقيدة الشيعية الإثني عشرية.
                          فإذا كان الاحتمال الأول هو الصحيح، فلماذا طال الصبر إلى مئات السنين ؟ أما كان من الأجدر التوفير على مصالح المسلمين الكثير من الوقت المهدور سدى بسبب نظرية الانتظار ؟
                          أما إذا كان الاحتمال الثاني هو الصحيح فكيف ينظر الخميني إلى إيمان الشيعة بوجوب ولاية الإمام المعصوم ؟
                          لا نصوص عند الخميني نستند إليها في التحليل، و إنما طريقنا الوحيد هو تفسير ما يقول، أي قراءة ما بين السطور، فإن ما يريد أن يقوله يُعبِّر عنه بنهج من المداورة و ليس المباشرة كما سنرى.
                          يرى الخميني، كما نحسب، أن النظرية الشيعية في وجوب ولاية الإمام المعصوم كأساس في نظرية الانتظار (انتظار الإمام المعصوم الغائب) لا تخلو من ثغرات، وأهمها:
                          -إن الله تعالى لو أراد أن لا يولِّي الحكم إلا لإمام معصوم لما كان عمل على تأخير ظهور المهدي مئات من السنين، و قد تطول المدة أكثر من ذلك؛ فلماذا الانتظار، إذاً؟ أليست نظرية الوجوب في ولاية الإمام المعصوم، كما يدل نفاذ الصبر عند الخميني، مسألة وهمية أو مستحيلة؟
                          فإذا كان يؤمن فعلاً بوجوب ولاية الإمام المعصوم، وأن ضرورة هذه الولاية ووجوبها منصوص عليه إلهياً، لكان من واجبه كشيعي أن ينتظر ظهور المهدي مهما طال الزمن، وإلا فإن نفاذ الصبر من انتظار تحقق أمر إلهي، هو الوقوع في معصية استعجال أمر الله الذي يكون قد عمل على تأخير الظهور لسبب لا يعلمه إلا هو. و لكن لشك في الإيمان حول نظرية الوجوب في ولاية الإمام المعصوم عجَّل بالتراجع عن ركن من أركان العقيدة الشيعية الإثني عشرية.
                          -يرى الخميني أن المستفيد من الانتظار هو المستعمر نفسه. و هنا نجد أن الخمينية تغلِّف ضعف إيمانها بنظرية ولاية الإمام المعصوم، و نظرية المهدية، مداورة وليس مباشرة، بقولها إن المستعمر هو المستفيد من الانتظار لأنه يريد أن يفصل الدين عن السياسة بإبعاده رجال الدين عن تسلُّم السلطات السياسية.
                          تطرح الخمينية هذا السبب لتبرير انقلابها، مداورة، على قواعد المعرفة الشيعية الأساسية، و هذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل كان الاستعمار، الذي يعنيه الخميني، موجوداً قبل العام 148هـ، حينما وضع الإمام الصادق مبدأ التقية ؟ و هل وضع هذا المبدأ ممالأة ومجاملة للوضع السياسي، الذي كان قائماً آنذاك ؟
                          وهل كان الاستعمار موجوداً في العام 260هـ-التاريخ الذي اختفى فيه الإمام محمد بن الحسن عن الأنظار- أو بعده بقليل ؟ وهل غير الفقهاء الشيعة هم الذين صاغوا نظرية انتظار الإمام المهدي ؟ وهل هناك أي شك بنواياهم السليمة عندما وضعوا هذه النظرية ؟ وهل أسهمت أية جهة معادية للشيعة في وضعها ؟
                          إن نظرية ولاية الفقيه هي انقلاب على أسس المعرفة الشيعية على الرغم من المنطق التبريري الذي حاول أن يوفِّق قواعدها مع أسس المعرفة الشيعية الأساسية حتى لا تبدو متعارضة مع تراث مئات السنين من الحجج الفقهية لبناء نسق معرفي للشيعة يتميَّزون به عن غيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى.
                          إننا من الذين يرون ضرورة التجديد في الفكر الديني العام، ومنه الفكر الشيعي، وهذا التجديد هو مسألة مطلوبة بإلحاح؛ ومن هنا نرى أنه كان الأجدر بالخمينية ان تطرق باب التجديد مباشرة و ليس مداورة، و أن تطرقه بصورة شاملة و ليس بصورة جزئية؛ فالمدخل الجزئي للتغيير قد يردم ثغرات ليخلق ثغرات أخرى. ويأتي مُحاصَراً من اتجاهين: أولهما أنه لا يتوافق مع التيار المطالب بالتجديد الشامل، وثانيهما أنه لا يرضي التيار المحافظ. فسلبيات التجزيئية في التغيير تأتي بنتائج تفتيتية جديدة في داخل المذهب الواحد لتخلق أسباباً جديدة للصراع.
                          إنه بعد أن تشك الخمينية بركن من أركان المعرفة الشيعية من حيث إجازتها الخروج من مبدأ بدأت تتضح استحالته، و هو مبدأ انتظار ظهور المهدي؛ و من حيث تحميلها الاستعمار مسؤولية منع رجال الدين من استلام السلطة السياسية، تنطلق في عملية التنظير لمرحلة البناء الجديدة. فيقوم بناء السلطة السياسية الإسلامية-كما ترسمها نظرية ولاية الفقيه- على مسلَّمتين اثنتين:
                          -وجود الشرائع الإلهية الجاهزة للتطبيق.
                          -وإحلال الفقيه محل الإمام المعصوم و ذلك بإعطائه سلطات مطلقة، تصل إلى مصاف سلطات الإمام.
                          كل شيء جاهز للبناء الجديد، فلن يخشى المسلم، بعد تشكيل الحكومة الإسلامية، من أية مشكلة؛ فهو لن يخشى أن يواجه ظلماً ولا جوراً. فليس عليه إلا أن يُسلِّم مصيره إلى السلطات المطلقة، تشريعاً وسلطة سياسية، من دون نقاش أو جدال أو حتى من دون الحاجة إلى استخدام مقدراته العقلية إذا وُجِدَت، لأن كل شيء مرسوم بدقة متناهية؛ فإن ظُلِم المسلم في ظل هذه الحكومة فلخطأ من جنى يديه، وإن لم يواجه مشاكل فلأنه سلَّم أمره لسلطة الفقيه. وهل ما تقول به نظرية ولاية الفقيه إلا استحالة جديدة وانتظار جديد؟
                          فإذا كان صبر أصحاب نظرية ولاية الفقيه قد نفذ بعد ألف ومائتي عام، فكم هو مطلوب من أعوام الصبر كي تثبت نظرية ولاية الفقيه واقعيتها وصحتها وعدالتها ؟


                          -التيار الثاني:الاتجـاه المحافظ لا يُجيز الولايـة لغير الإمام المهدي المنتظر
                          ترى النظرية الشيعية المحافظة أن الولاية تبقى محصورة بالأئمة المعصومين؛ وعلى الشيعة انتظار عودة الإمام الغائب، الذي هو وحده مُكلَّف بتطبيق أحكام الله. ويُعدُّ هذا التيار الأساس في العقيدة الشيعية، فلماذا قمنا بدراسته كاتجاه ثان، إذاً ؟
                          لأن الأمر كذلك كان من منطق التسلسل أن ندرسه قبل أن نقوم بدراسة نظرية ولاية الفقيه، التي جاءت، زمنياً، بعده. لكن الأسباب المنهجية هي التي دفعت بنا إلى اتخاذ هذا المسلك.
                          لأن نظرية ولاية الفقيه لم تنل موافقة شيعية شاملة، ولأنها تشكل اليوم محوراً أساسياً في المناظرات الدائرة على الصعيدين الإسلامي العام و الشيعي الخاص، فقد وُجِّهت إليها انتقادات واسعة، و أحدثت حركة اعتراض في داخل الدائرة الشيعية، فانقسم الشيعة بين مؤيد لها و معترض عليها، فكان لا بد من أن نسلك الطريق المنهجي الذي سلكناه، وذلك لكي يطلع قارئ البحث على مضمون الإشكالية موضوع الجدال الدائر قبل أن يقرأ النقد الموجَّه إليها.
                          يعتقد فقهاء الشيعة الإثني عشرية، أساساً، أن النص على الإمام المعصوم من جهة، وانتظار ظهور الإمام الغائب من جهة أخرى، نابعان من الإيمان بوجوب تطبيق أحكام الشريعة الإلهية بواسطة إمام معصوم من آل بيت الرسول، و ذلك لكي يشكِّل ضمانة لمنع وجود فساد في التطبيق. ويعتقدون، أيضاً، أن كل راية حكم غير راية الإمام المعصوم هي راية بدعة و جور، بمعنى أن الإمام المنتظر لا يظهر إلا إذا امتلأت الأرض ظلماً و جوراً؛ فكل من يتصدَّى للمنكر و الجور فهو يخفف منهما و لا يستطيع إزالتهما إزالة تامة، فهو كمن يرقِّع الثوب البالي، فيطيل عمره بدل أن يمزقه، والذي يخفف من المنكر يؤخِّر ظهور الإمام الحجة.
                          فالخوئي (ت في أوائل التسعينات من القرن 20 م) -مرجع شيعي أعلى في النجف-مثلاً، لا يجيز القول والعمل بولاية الفقيه العامة، لضعف بعض الأحاديث التي استند إليها الخميني، و البعض الآخر يحسب أن الاستدلال بها لم يكن على الوجه الصحيح.
                          إذا كان الخميني قد أسَّس الجمهورية الإسلامية الإيرانية على قاعدة نظرية ولاية الفقيه، فإن بعض العلماء الشيعة الإيرانيين وقفوا ضده، و حسبوا أن هذه النظرية تتعارض مع العقائد الشيعية، ولهذا فقد أصدر أحدهم فتوى دينية يُحرِّم فيها هذه النظرية، وقد جاء في الفتوى ما يلي:
                          «إن حق إعطاء تشكيل الحكومة الإسلامية عامة من قبل الله تعالى للشخص غير المصون من الخطأ، فمن الممكن أن يصدر الفقيه حكماً غير حكم الله، سهواً وليس عمداً، ومن الطبيعي والقطعي فإن طاعة هذا الحكم غير جائزة». ويضيف، إنه «في كل زمان يوجد عدد من الفقهاء. وإذا تقرَّر أن كل فقيه يشكل حكومة والشعب يطيعه، فإن الأمر سوف لا ينظم المجتمع الإسلامي بل سوف يؤدي إلى ظهور الفوضى في العالم الإسلامي…لأنه في نظر الفقيه فإن المطالب للإسلام و المسلمين مفيدة و واجبة، ومن وجهة نظر الفقيه الآخر مضرَّة وتنفيذها حرام ويجب منعها…ومن وجهة نظر الفقيه الثالث مخالفة لوجهة نظر الآخرين و يجب منعهما، وهكذا في نظر الفقهاء الآخرين. ومثلاً في وجهة نظري [طباطبائي قمي(*)] فإن فتوى ولاية الفقيه، و هذا التوسع والشمول والعمل بها، مضرّ بالإسلام، وهو ضربة للإسلام ووصمة عار لجبين الإسلام والشيعة»([27]).
                          يستند كل من التيارين، قياساً لمواقفهما من ولاية الفقيه، إلى المصادر الأساسية في العقيدة الشيعية، بينما يفترقان حول الموقف من مرحلة الغيبة:
                          فالقائل بضرورة الولاية في أثناء الغيبة يضيف إلى بناء المعرفة الشيعية السياسي واسطة رابعة تتمثل بالفقيه الذي يتولَّى السلطة السياسية في أثناء غياب الإمام؛ و هو أقل مرتبة من المصادر الأخرى فيما يختص بالخصوصيات و الملكات الذاتية، بينما يتمتع بالسلطات والصلاحيات نفسها لمن يفوقه في التراتبية.
                          أما التيار الثاني، أي الاتجاه المحافظ، فإنه لا يجيز أية ولاية سياسية في زمن الغيبة.
                          فالنظرية الشيعية، إذاً-كما يرى محمد أركون-تركِّز على أن السيادة التشريعية العليا «لا تنتمي إلا لله، ولا يمكن لها أن تجيء إلا منه، وذلك بوساطة النبي والولاية. هنا نجد الخميني يُحْدِث انقطاعاً مع النظرية الشيعية الكلاسيكية، التي تريد أن تُبقي الولاية حكراً على الأئمة، مما يعني تعليق ممارسة وظائفها طيلة فترة الغيبة (غيبة الإمام المنتظر).إن الخميني إذ يخلع الولاية على رجل الدين القانوني الثيولوجي (الفقيه) والمعاصر، فإنه يعيد إدخال ممارستها داخل التاريخ، و هو بالتالي يمحو كل الخلافات التي كانت قد أدَّت بالشيعة إلى أن تعارض السُنَّة بخصوص مسألة الإمامة»([28]).
                          من هنا لا بد من توجيه السؤال التالي: هل كانت نظرية ولاية الفقيه متأثرة بهدف الوصول إلى السلطة السياسية ؟
                          من الجائز أن يكون ذلك صحيحاً استناداً إلى أن الفكر السياسي هو جزء أساسي من النظرية العامة للمعرفة عند أي شعب من الشعوب، أو عند أي مجتمع أو جماعة دينية أو سياسية؛ وإن الفكر السياسي يتأثر بالعقيدة الفكرية العامة أو بالعقيدة الدينية، ويؤثِّر فيهما في حركة تفاعلية يغني فيها أحدهما الآخر.
                          و قد يكون ذلك صحيحاً استناداً إلى ما نعرفه من التاريخ الإسلامي، فيما له علاقة بين السلطات السياسية وبين العلماء والفقهاء، في سبيل أن يُدعِّم كل طرف مواقع الطرف الآخر. أما العلماء و الفقهاء فقد قاموا، في سبيل هذا الغرض، بدور مؤثر من خلال مناظراتهم الفقهية والكلامية لتقوية نفوذ عهد سياسي أو العمل على تهديم عهد آخر.
                          ولا بد من التساؤل، أيضاً، عما إذا كنا نستطيع أن نؤشِّر على محطة مهمة في تاريخ الشيعة والفرس، أو بمعنى أدق، العلاقة بين المذهب الشيعي والفرس. ففي هذا الجانب -يحسب مونتغمري وات- أن هذه العلاقة عرفت تطوراً مهماً من الزاوية السياسية والتاريخية والأكثر أهمية، عندما تحول المذهب الشيعي للإمامية، في العام 1502م =907هـ ، إلى دين رسمي للدولة الفارسية الجديدة، التي أنشأها الشاه اسماعيل (1501-1524م= 906-930هـ) الذي زعم أنه من نسل أحد الأئمة الإثني عشر، والموقع الدقيق السياسي الديني لشاه فارس في عهد الدولة الصفوية وغيرها لم يخضع لدراسة وافية، فالعوام يعتبرونه، في بعض الأحيان، مقدَّساً أو شبه مقدَّس وتجسيداً لأحد الأئمة الإثني عشر، وفي أحيان أخرى يُشار إليه على أنه ولي الإمام الغائب([29]).
                          بعد أن استعرضنا مستوى التحولات النظرية التي أحدثتها نظرية ولاية الفقيه في نظرية المعرفة العامة عند الشيعة: إجازتها شرعية الولاية السياسية للفقيه في زمن غيبة الإمام؛ وإلغاؤها مبدأ التقية بعد زوال أسبابه الموجبة في إيران. وهكذا تكون نظرية ولاية الفقيه قد ألغت مبدأين أساسيين تقوم عليهما نظرية المعرفة عند الشيعة الإثني عشرية.
                          لهذه الأسباب لن يكون هدف التغيير -كما نحسب- إلا هدفاً سياسياً يتطلع، بشكل أساسي، إلى استلام مقاليد الحكم في إيران لتطبيق الشرائع الإسلامية كما يراها أصحاب هذه النظرية من وجهة نظرهم المذهبية.
                          والحال فإننا نرى -بعد اطلاعنا على حركة الشيعة الفكرية و السياسية بشكل عام، وعلى مضامين هذه الحركة بشكل خاص-أنه من المفيد أن نستخلص بعض الاستنتاجات.


                          V -إستنتاجـــات
                          أصبح من الواضح أن للاتجاهات السياسية عند الشيعة الإثني عشرية علاقة مع أصول المعرفة عندهم. وليست هذه الأصول نظرية في الدين فحسب، وإنما هي نظرية في السياسة بمضامين دينية أيضاً؛ ويمكننا أن نوجز هذه المضامين بما يلي:
                          -أصل المعرفة إلهي، ومصدرها القرآن الكريم؛ يقابلها في السياسة قانون إلهي مرهون تطبيقه بحكم سياسي إسلامي يضمن منع الخطأ في التطبيق.
                          -ما لم يكن مصدره القرآن في المعرفة، فأحاديث النبي مصدر له؛ يقابله في السياسة أن النبي هو مصدر السلطات كلها.
                          -ما لم ينص عليه القرآن والسُنَّة النبوية، فمعرفة الإمام -ذات الإلهام القدسي- هي المتمم لهما. ويقابله في السياسة أن وارث سلطات النبي هو المعصوم من آل بيت الرسول.
                          -ما لم ينص عليه القرآن و السُنَّة النبوية، و ما لم يقله الإمام المعصوم، فللفقيه-نائب الإمام- حق الاجتهاد فيه. يقابله في السياسة أن الفقيه هو وارث سلطات الإمام في الدين والدنيا؛ وما يميزهما عن بعضهما هو بعض الخصوصيات الشخصية و الملكات الذاتية للإمام، ولكنهما يتساويان بصلاحيات ممارسة السلطات الدينية-السياسية.
                          -يتولَّى الفقيه المجتهد، كما في النظرية الشيعية الإثني عشرية، في عصر غيبة الإمام، شؤون الدين فقط.أما بعد انتشار نظرية ولاية الفقيه فأصبح من صلاحيات الفقيه أن يتولى شؤون الدين والدنيا معاً طالما بقي الإمام غائباً.
                          اتفق التياران الشيعيان الإثنا عشريان-المحافظ والمجدد-على التراتبية المعرفية بمصدريها (الكتاب والسنة)، و اتفقا على وجوب أن يخلف الإمام المعصوم النبي في قيادة الدولة الإسلامية -دينياً ودنيوياً- لأسباب نقل المعرفة ذات المصدر الإلهي وتطبيق الشريعة الإلهية من دون أي خطأ؛ و لكنهما افترقا، لاحقاً بعد أن طال غياب الإمام المعصوم، بالمضمون: فاستقر أحدهما على الاعتقاد التقليدي بأنه لا يجوز لغير المعصوم، بعد ظهوره، أن يحكم الدولة الإسلامية. أما التيار المجدد فأجاز ولاية الفقيه، على الرغم من أنه ليس معصوماً، طالما بقي الإمام غائباً.
                          يعمل كل من التيارين لاستلام السلطة السياسية، لكن لكل منهما طريقه المختلف عن الآخر.فالتيار المحافظ يريده طريقاً مثالياً غيبياً إلى حد الاستحالة؛ أما التيار المجدد فيريده واقعياً وعملياً ليخرج العقيدة الشيعية من الطريق المستحيل، لكنه في الوقت الذي حاول فيه الخروج من نفق الاستحالة، من دون أن يعترف باستحالتها مباشرة بل مداورة، يقع أسير طريق وعر وصعب، إذ وقع في تناقض مع نظرية المعرفة الشيعية التقليدية أولاً، وأوقع الفكر الشيعي في استحالة جديدة ثانياً. فكيف حصل ذلك ؟
                          للخروج من مأزق الغيبة وانتظار ظهور الإمام، لم يكن أمام التيار القائل بولاية الفقيه إلا أن يسلك مسلك التوفيق والتبرير؛ ولهذا وضع للفقيه الوالي شرائط وسلطات وصلاحيات تكاد لا تضع فروقاً بينه وبين الإمام المعصوم.
                          قد يكون واضعو هذه الشرائط فعلوا ذلك منفعلين بصفات النموذج المثالي للحاكم الإسلامي و هو الإمام المعصوم من آل بيت الرسول. و قد يكونون قد فعلوا ذلك تبريراً لانقلابهم على نظرية الانتظار، إذ عليهم أن لا يأتوا بنموذج للحاكم يقل شأناً عن الحاكم المنتظر في محاولة منهم لكي لا يبتعدوا كثيراً عن النظرية الأم التي تشترط وجود إمام معصوم لا يخطئ.
                          ولكي تبرر ذاتها، ولكي لا تُظهِر نفسها أنها ابتعدت عن جوهر العقيدة الشيعية، أغرقت نظرية ولاية الفقيه نفسها في إضفاء صفات على الوالي الفقيه، وإعطائه صلاحيات وتحميله مسؤوليات مطلقة يعجز عن حملها إمام معصوم. ولهذا فإن ما جاءت نظرية ولاية الفقيه لتتجاوزه، وقعت في محاذيره؛ وقد تكون المحاذير أشد وقعاً، فقد حاولت أن تنزل من الغيبية إلى أرض الواقع، فإذا بها تعمل على الارتفاع بالواقع إلى مستوى الغيبية المستحيلة.
                          تبدأ صلاحيات الفقيه باستلام الزعامة العليا، التي تستمد قوتها المعرفية والسياسية من الله تعالى؛ فأمام هذه الصلاحيات الإلهية لا خيار أمام عامة الشعب سوى إطاعة أوامره. أما علم الفقيه، الذي عليه أن يجمع شؤون الدين والدنيا، فلن يكون أقل سعة من اتساع هذه الشؤون؛ وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل لبشر أن يكون جامعاً لهذه الشرائط؟
                          إذا صحَّ ووُجِدَ من يمتلك تلك الشرائط من آل بيت الرسول-كما يعتقد الشيعة-لكنه لم يتسنَّ لأحد منهم أن يصل إلى استلام السلطة السياسية على الرغم من أن سلسلة الأئمة استمرت، قبل غياب آخرهم، أكثر من قرنين و نصف القرن من الزمن. و لأنه لم يصل أحد منهم لولاية أمر المسلمين، وهذا يعني أن نظرية الشيعة في وجوب الإمامة للمعصوم لم تخضع للتجربة، ولهذا فلن نستطيع أن نحكم على أنها واقعية أم غير واقعية.
                          وكل ما نستطيع أن نقوله هو أن بعض هؤلاء الأئمة قد احتلَّ موقعاً مهماً في الفقه؛ فهذا جعفر الصادق، الإمام السادس في السلسلة الإثني عشرية، و على الرغم من أنه كان أستاذاً لمعظم أصحاب المذاهب السُنِّيَّة، فلم يحز الفقه الجعفري على إجماعهم، بل قام كل منهم بتأسيس مذهب إسلامي سني يتناقض مع المذهب الجعفري بأكثر من وجه، ويأتي على رأسها جميعاً مسألة النظر إلى خليفة الرسول.
                          فإذا كان الآخرون منعوا الأئمة من آل بيت الرسول من الوصول إلى موقع الخلافة، وهم بما يمثِّلون من نسب شريف و علم واسع، بالإضافة إلى تميزهم بالعصمة -كما يعتقد الشيعة- فهل يعترف المسلمون، اليوم، لأحد من عامة فقهاء الشيعة أن يتولى السلطة السياسية بمثل الشرائط و الصفات التي وضعها أصحاب نظرية ولاية الفقيه، وبالكاد يبلغ هؤلاء الفقهاء بعض المستوى الذي بلغه الأئمة من آل بيت الرسول.
                          إذا لم تنل نظرية ولاية الفقيه إجماع المسلمين فلن يكتب لها النجاح على المدى الطويل، فكيف بالأحرى وأنها لم تنل إجماع الشيعة الإثني عشرية نفسها ؟
                          وحتى لا يستوقفنا البحث طويلاً أمام الجانب السياسي لنظرية المعرفة عند الشيعة الإثني عشرية، و هو الجانب الحديث فيها، و الذي يبدو أنه استمرار لحالة الخلاف التاريخي منذ نشأة الشيعة حتى اليوم؛ و حيث إن نظرية المعرفة الشيعية لها جانبان: ديني وسياسي؛ ولها وجهتان: وجهة خارجية وأخرى داخلية؛ فلنلق الضوء على أسس الصراع الخارجي بين الشيعة و غيرهم من المذاهب الإسلامية؛ وكذلك على أسس الصراع بين شتى الفرق الشيعية من منظار الأسس العامة للمعرفة لدى هذه المذاهب والفرق.
                          تستند العقيدة الشيعية في المعرفة إلى كتاب الله و سُنَّة رسوله، و إلى المعرفة الإلهامية القدسية للأئمة المعصومين يتوارثها بعضهم عن البعض الآخر، و قدسيتها أنهم أخذوها عن جدهم رسول الله، الذي تلقاها، بدوره، بواسطة جبريل بوحي من الله تعالى.ومعرفة الإمام متميزة بالعصمة، وولايته على المسلمين جاءت بنص من الله ووصية من الرسول.
                          من هنا ينطلق أساس الخلاف بين الفرق الإسلامية حول الأصول المعرفية والأصول السياسية، وهو خلاف مدعَّم بالجدل الفقهي، كان بعضه مستنداً إلى نصوص متفق عليها كنصوص، ومختلف عليها تأويلاً و تفسيراً، سواء كانت نصوصاً من القرآن، أو أحاديث وروايات منسوبة إلى الرسول؛ و كان بعضها الآخر مستنداً إلى نصوص يقبلها طرف ويرفضها الطرف الآخر. ويبرِّر كل طرف حججه بالضرورة والمصلحة الإسلامية، وقد يصل اتهام البعض للبعض الآخر إلى حدود التكفير؛ وتجري أحكام التكفير والإلغاء استناداً إلى مُسلَّمات دينية مستقاة من النصوص الواردة في القرآن والسُنَّة.
                          و في قلب هذا الصراع كان يقف الشيعة طرفاً أساسياً يستلُّون-كما يستل غيرهم-سلاح النص الديني.ولم يقف الخلاف عند حدود فريقين، بل كانت الفرقية متشعبَّة بشكل واضح و لافت للنظر؛ و تسللت الفرقية حتى إلى داخل أسوار التيارات المذهبية المتجانسة؛ فهذا تيار التشيع، الذي ينهل المتشيعون لآل البيت من منهله الواحد، يتشرذم ويتشتت.
                          ومن هنا، لو كانت النصوص واضحة، على الرغم من أنها ذات مصدر إلهي،كما يحسب المسلمون، لما عرف التشيع تعددية و تشرذماً؛ فهذه الزيدية والإسماعيلية والإمامية وعشرات الفرق الشيعية غيرها هي ذات أساس معرفي واحد قائم على وجوب إمامة آل بيت الرسول، وقد نشأت هذه الفرق في أثناء حياة الأئمة أنفسهم، ولم يتدخل-إلى حدود ما وصل من مصادر- أحد من هؤلاء الأئمة إلى حسم الجدل القائم بين الفرق الشيعية؛ فكان الانشقاق يحصل بين الأخوين من أب واحد وأم واحدة، أو بين العم وابن أخيه… فعن الخلاف الذي حصل بين محمد الباقر -الإمام الخامس عند الشيعة الإثني عشرية- وبين أخيه زيد، وكلاهما ولدان لزين العابدين، فنشأت عن هذا الخلاف الفرقة الزيدية([30]).
                          وعلى قاعدة الخلاف بين أصحاب اسماعيل، و أصحاب موسى الكاظم، ابنا جعفر الصادق، الذي أوصى لابنه موسى الكاظم بعد موت ابنه اسماعيل، تأسست الفرقة الإسماعيلية ([31]).
                          لم يكن النص واضحاً في استخلاف الأئمة عند الشيعة و إلا لم يكن الخلاف ليقع بينهم، فتتعدد فرقهم. ونحسب أن الخلاف، حتى بين الأخوة، لم يكن لأسباب دينية خالصة، بل قد تكون وراءه أسباب سياسية أو فكرية أو شخصية أو عدم وضوح في النص -على الأقل غياب وحدة الرؤية في طريقة الاستخلاف عند الأئمة أنفسهم- وهذا يمكن استجلاؤه ببحث مخصص لتاريخ و عقائد مختلف الفرق الشيعية. و إلى أن يحصل ما نتمنى سوف تبقى أسئلة في النفس ليس لها توضيحات تفي بالغرض المطلوب.
                          ففي الصراع الساخن الذي كان دائراً بين شتى المذاهب الإسلامية، أو بينها و بين السلطات الإسلامية السياسية، و الذي كان حاداً و عنيفاً ودموياً، اندفع الشيعة إلى ابتكار مباديء سياسية تتناسب مع حدة الصراع و عنفه، و كانت تسبغ عليها شرعية دينية بالنص و التأويل. فكان من جملة تلك المباديء، التي وضعها جعفر الصادق، مبدأ (التقية). ولقد اختلف أئمة الشيعة حول شرعية هذا المذهب أو لا شرعيته، فهل هذا المبدأ سياسي أم ديني ؟ هل هو مرحلي أم استراتيجي ؟ متى يأخذ الشيعي بهذا المذهب و متى يتخلى عن ممارسته ؟ هل هو مسلَّمة دينية يصلح تطبيقه في كل زمان وكل مكان ؟
                          عدَّ الفكر الشيعي الإمامة مسألة أساسية طبعت اتجاهات الشيعة السياسية بمميزات خاصة سواء على صعيد صراعهم مع الآخرين أو على صعيد منطلقاتهم الفكرية. وحتى إنه لو لم تشكل هذه المنطلقات نظريات متكاملة متفق على كامل أسسها بين شتى الفرق الشيعية، فإن ا لنظر إليها من زاوية معتقداتهم في مسألة الإمامة يعطيها أهميتها و موقعها، وتأتي إشكالية مبدأ التقية في صلب هذا الاهتمام.
                          كانت الزيدية من الفرق التي عدَّت هذا المذهب لا شرعياً. وكانت الأكثر اعتدالاً- بالنسبة إلى مواقفها من صحابة الرسول-بين الفرق الشيعية، فهم قد ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة، سواء كانوا من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين. وأقروا بشرعية خلافة أبي بكر و عمر، وإن كان علي-حسب اعتقادهم-أفضل منهما.ولم يقروا سياسة محمد الباقر، و ابنه جعفر الصادق، بالاكتفاء بالإمامة الروحية من دون إعلان الثورة. و قالت الجارودية، إحدى الفرق الزيدية: «من ادعى منهم الإمامة و هو قاعد في بيته مرخي ستره عليه فهو كافر مشرك؛ وكل من اتبعه على ذلك، وكل من قال بإمامته»([32]). و قال زيد بن علي: «ليس الإمام منا من أرخى عليه ستره، إنما الإمام من أشهر سيفه»([33]).
                          أما الشيعة الإثني عشرية فعدَّت التقية أنها مسلَّمة دينية قال بها جعفر الصادق- ابن أخ زيد-واستناداً لمبدأ طاعة الإمام أصبحت جماهير الشيعة ملزمة بالتقيد بها.
                          فالتقية هي، إذاّ، مبدأ ديني، وتتضمن ضرورة الإلزام حتى لو كان الدافع إليها سياسياً -أمنياً، وهو الاحتماء من الخصوم؛ فكان من أهم تأثيراتها فصل الدين عن الدولة. ولهذا حسب عدد من الفقهاء المعاصرين أن مبدأ التقية يصب في مصلحة الحاكم الجائر، بسبب ابتعاد رجال الدين الشيعة عن التفكير في إقامة حكم إسلامي انتظاراً لظهور الإمام المهدي، كما و يصب في مصلحة الاستعمار الأجنبي؛ لهذا السبب دعوا تلميحاً لمحاربة التقية، وكان الخميني هو رائد هذا الاتجاه؛ و كانت دوافع هذا الاتجاه هي إزالة عوائق النص من على طريق فقهاء الشيعة لإحداث ثورة هدفها استلام السلطة في إيران.
                          فسواء كانت الدوافع للاعتقاد بمبدأ التقية سياسية أم دينية، فهو مبدأ جدير بالمناقشة لما يتضمن من أهمية في مجريات الاتجاهات السياسية عند الشيعة، و لما له من دوافع الرفض الشيعي الدائم لأية سلطة سياسية غير سلطة الإمام المعصوم.
                          فإلى من آمن بها كمبدأ ديني على قاعدة(من لا تقية له لا دين له)، نسأل: هل كان هذا الاعتقاد محدداً بظرف ومكان معيينين ؟ وهل يمكن تجاوزه بعد أن يصبح طريق الثورة سالكاً وشروط نجاحها مضمونة، أم أن إلغاءها مرهون بظهور المهدي المنتظر لأنه من غير المشروع-دينياً-عند الشيعة أن يقوموا بأية ثورة قبل الظهور ؟
                          من هنا نحسب أن هناك تلازماً وثيقاً-عند التيار الشيعي المحافظ-بين مبدأ التقية وبين مبدأ الظهور.لكن هذا الأمر لم يكن واضحاً منذ أن وضع جعفر الصادق هذا المبدأ، لأنه عندما وضعه لم يحدد ظروف إلغائه، بل جاءت صيغته مطلقة غير مقيدة بأية شروط، ويتغير الأمر فيما لو قيل: ( من لا تقية له لا دين له إلا إذا…). فهل في هذا الغموض ما يدفعنا إلى الافتراض التالي: إن إلغاء مبدأ التقية يتم بزوال الظروف التي فرضته ؟ ولكن ما هي تلك الظروف ؟
                          إن ضروب المحن التي تعرَّض لها الشيعة هي التي فرضت القول بالتقية؛ لكن لم تبدو أية نهاية لهذا الصراع منذ ألف أربعماية سنة تقريباً. ولم يكن الصراع يجري، في كل زمان ومكان، بالحدة و العنف ذاتهما، فكان يخف تارة و يعنف تارة أخرى. فإلغاء مبدأ التقية-كما نحسب- مرهون بتوفير الظرف الملائم لاستلام السلطة السياسية، وهذا الظرف الملائم لن يكون ملائماً إلا قياساً إلى نظرية المعرفة الشيعية، وهذه بدورها لم تبق واحدة منذ عصر جعفر الصادق وصولاً إلى العصر الذي اختفى فيه الإمام الثاني عشر.
                          ففي عصر الصادق كان العائق ملموساً ومرتبطاً بإمكانية إسقاط النظام الظالم السارق لحق آل بيت في الخلافة؛ أما في عصر ما بعد غياب آخر الأئمة في السلسلة الإثني عشرية فأصبح مرتبطاً بالغيب الذي لا يعلم إلا الله متى يضع حداً للغيبة ويسمح بالظهور.وهذا ما سوف يعيق الحركة السياسية إلى أجل غير منظور عند التيار الإثني عشري المحافظ. أما عند التيار المجدد-القائل بولاية الفقيه-فمرهون بتوفر الظروف المناسبة للثورة.
                          فإذا كانت الفرقة الزيدية قد هاجمت القول بمبدأ التقية وقامت بثورتها ضد الأمويين في الوقت الذي لم تكن فيه إشكالية الغيبة و الظهور قد بدأت في الفكر الإثني عشري، فها هو التيار المجدد في الوقت الراهن يهاجم مبدأ التقية لكنه مكبًّل اليدين من جراء وجود إشكالية الغيبة والظهور.
                          ففي الحالتين: انتظار نضوج الظروف المناسبة للثورة، أو انتظار ظهور الإمام الغائب، ستبقي حالة الرفض الشيعية لكل نظام إسلامي سياسي أو غير إسلامي قائمة؛ وحالة الرفض تلك ستُبقي على مبدأ التقية أسلوباً من أساليب المواجهة السلبية السياسية المستندة إلى أساس ديني مدعَّمٍ بالنص الإسلامي.
                          وسواء التجأ الشيعة الإثني عشرية إلى الخلاص من هذا المبدأ، بإلغائه، أم استمروا بتثبيته، فالنتائج واحدة، لأنه في اتِّباع إحدى الوسيلتين نكون كمن ينقل الصراع من الأسلوب الصامت إلى الأسلوب الصاخب، و العكس صحيح أيضاً. فليست المشكلة في إلغاء هذا المبدأ أو ذاك من المبادئ المذهبية عند شتى الفرق والمذاهب الإسلامية، لأن المشكلة المذهبية ليست محصورة عند هذا المذهب أو ذاك بمفرده، و إنما المطلوب - كما نحسب- هو النظر الشامل في كل البنى المذهبية الإسلامية على حد سواء؛ و تأتي المضامين الفكرية المذهبية على رأس الأولويات في النقد والمراجعة.













                          ([1]) المنتظري: دراسات في ولاية الفقيه (ج1): الدار الإسلامية للطباعة: بيروت: 1988: ط2: ص421.

                          ([2]) م . ن : ص 422.

                          ([3]) الخميـني: م . س : ص 42.

                          ([4]) م . ن : ص 31-32.

                          ([5]) م . ن : ص 137.

                          ([6]) م . ن : ص 50.

                          ([7]) م . ن : ص 35.

                          ([8]) المنتظري: م . س : ص 423.

                          ([9]) الخمـيني : م . س : ص 35.

                          ([10]) م . ن : ص 54.

                          ([11]) المنتظري: م . س : ص 423.

                          ([12]) م . ن: ص404-405. راجع، أيضاً: الخميني: م. س: ص61.

                          ([13]) م . ن : ص 408.

                          ([14]) م . ن : ص 420.

                          ([15]) الخمــيني: م . س : ص 50.

                          ([16]) م . ن : ص 51.

                          ([17]) م . ن : ص 51.

                          ([18]) المظفر، محمد رضا: م . س : ص 69.

                          ([19]) الخمــيني:م . س : ص 51.

                          ([20]) م . ن : ص 151.

                          ([21]) م . ن : ص 60.

                          ([22]) م . ن : ص 60.

                          ([23]) م . ن : ص 55.

                          ([24]) م . ن : ص 60.

                          ([25]) م . ن : ص 38.

                          ([26]) م . ن : ص 39.

                          * حسن طباطبائي قمي هو من العلماء الشيعة البارزين في إيران؛ وقد اتخذ سلسلة من المواقف المعارضة للخميني؛ وفُرِضَت عليه الإقامة الجبرية في منزله في مشهد. وفي أول تشرين الأول/أوكتوبر1987، أصدر هذه الفتوى باللغتين الفارسية والعربية.

                          ([27]) قمـي، حسن طباطبائي: «نص الفتوى التي أغضبت الخميني»: مجلة الوطن العربي: باريس: العدد (43-569): تاريخ8/1/1988.

                          ([28]) أركـون، محمـد:م . س : ص 184.

                          ([29]) وات، مونتغمري: م . س : ص 150-151.

                          ([30]) اعتقدت الزيدية أن الإمامة تكون لمن أشهر سيفه في وجه البغي والظلم كما فعل زيد، وقُتِل في أثناء قيامه بالثورة على الأمويين في العام 122هـ؛ أما أخوه محمد الباقر فلم يخرج للمعركة.

                          ([31]) اعتقدت الفرقة الإسماعيلية أن الإمامة تكون في الولد الأكبر لحعفر الصادق وهو اسماعيل ولابن اسماعيل من بعد وفاته؛ ولما توفي اسماعيل قبل والده جعفر الصادق أوصى والده بالإمامة، من بعده، لابنه موسى الكاظم.

                          ([32]) الليثي، سميرة مختار: جهـاد الشيعـة: دار الجيل: بيروت: 1978: ط2: ص93.

                          ([33]) المازندراني ، محمد بن علي(ت سنة 588هـ=1192م):مناقب آل أبي طالب:نقلاً عن: إيبش، يوسف: الإمام والإمامة عند الشيعة: دار الحمراء:بيروت:1990:ط1:ص63.



                          مرسلة بواسطة حسن خليل غريب في الاثنين, ديسمبر 17, 2012
                          التسميات: أبحاث ودراسات, مقالات إسلامية

                          تعليق

                          • زحل بن شمسين
                            محظور
                            • 07-05-2009
                            • 2139

                            #14
                            مرحلة الإسلام الأممي وانهيار التجربة السياسية (2/ 2)


                            -->
                            مرحلة الإسلام الأممي وانهيار التجربة السياسية
                            (2/ 2)
                            الحلقة الثانية: الإسلام السياسي وضع الإسلام في مواجهة مع الفكر القومي
                            -->

                            نصوص مستلة من الفصل الثالث من كتاب (في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام)
                            III- استنتاجــــا ت
                            عجزت الدولة العباسية، على الرغم من محاولاتها المتكررة، عن منع الطموحات، المشروعة إسلامياً، للشعوب الإسلامية غير العربية في المشاركة فعلياً بالسلطة.
                            بدأ الاحساس، عند الشعوب الإسلامية غير العربية، بأحقيتها في المشاركة بالسلطة، بدءاً من الفرس، لأسباب جغرافية وتاريخبة، تحت تأثير عاملين: عقيدي وسياسي.
                            فللعقيدي علاقة بالمساواة والعدل بين المسلمين، بغض النظر عن انتمائهم القومي، استناداً إلى أنه «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى».
                            أما السياسي، فلأن الموالي الفرس، كانوا إحدى قوى ثلاث شاركت في الثورة ضد الأمويين وأدَّت إلى انتصار الثورة العباسية.
                            ولما احتل الموالي الفرس مقعد المشارك في السلطة، إلى جانب العباسيين، انفتحت أبواب الطموح، صعوداً إلى الأعلى، حتى وصلت شعوب أخرى، من غير العرب، إلى الاستفراد بالسلطة في العصر العثماني، حيث كانت الشعوب الإسلامية، طوال الفترة التي تفصل نهاية الدولة العباسية عن العصر التركي العثماني تعمل على التخلص، تدريجياً، من العرب وإقصائهم في النهاية حتى عن «إسمية» الخلافة .
                            فالعصر العثماني نظام إسلامي ، انضمَّت إليه العديد من الشعوب مما أكسبه صفة الأممية. لكن، بعد أن انهارت التجربة، كان لا بد من التساؤل عن عوامل الخلل، في النظام العثماني الإسلامي الأممي، التي أدَّت إلى انهيار حلم بناء مثل هذا النظام؟
                            خلقت طبيعة النظام العثماني إشكاليات عديدة، دفعت باتجاه مزالق الضعف، ومنها:
                            -من تأثيرات نظام «أهل الذمة» المتَّبع في النظام العثماني، كإحدى شرائع العقيدة الإسلامية، أنَه قسَّم المجتمع العربي إلى مجتمعين :
                            الأول: تحفظ له الشريعة الإسلامية كل حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
                            أما الثاني : فمنتقصة حقوقه بالمواطنية؛ فهو وإن كانت اعتراضاته على نظام أهل الذمة لا تتجاوز دائرة الشعور بالإجحاف، فإنما جاءت نظريات المواطنة الحديثة لترتفع به من دائرة الشعور إلى دائرة الوعي النظري .
                            رفعت المؤثرات الفكرية والسياسية، والمتغيرات التي حصلت، درجة الوعي بالمشكلة إلى دائرة المطالبة التي حققت نتائج جزئية (نظام المتصرفية في لبنان )، ثم تصاعدت إلى دائرة الدعوة إلى الانفصال، فإلى الانفصال الفعلي بعد الحرب العالمية الأولى. وهي التي شكلت أحد العوامل الدافعة نحو الاتجاهات القطرية في المراحل اللاحقة .
                            -لم يكن الإسلام مُوَحَّداً، كمثل حاله في عصر الأمويين والعباسيين والمماليك، إذ كانت تنخر فيه الفرق والمذاهب المتعددة؛ فلم يكن المسلمون جميعهم يشعرون بأن النظام العثماني، كنظام إسلامي، يمثِّل مرجعيتهم الدينية. فإذا كانت الحروب المذهبية قد استكانت في العصر العثماني، فإنما لأن أطرافها قد أُنهِكَت فىِ العصور السابقة، ولأن النظام العثماني كان قادراً على ردع أية انتفاضات أو ثورات مذهبية.
                            -فعلى الرغم من أن النظام كان يتبنى المذهب السُني، إلا أنه لم ينل تأييد كل المذاهب السُنية. وثورات الوهابيين لهو دليل على صحة ذلك.
                            -ظهر عجزه ، أيضاً، في قيادة الشعوب المتمايزة عرقياً /قومياً. فهو وإن بقي على وفاق مع العرب- المسلمين، فإنما لأنهم بقوا في دائرة الطاعة لسلطته، لكنه كان يلجأ إلى اضطهاد أي اتجاه انفصالي يطفو على السطح. وموقفه من الحركة الوهابية التي أثارت مسألة عروبة الخليفة يدعم هذا الرأي .
                            -إن شعباً يقود نظاماً إسلامياً في الوقت الذي يجهل فيه لغة الشريعة، خاصة وأنه يُحرَّم ترجمة القرآن إلى لغة غير اللغة العربية التي أنزل بها، سوف يقود إلى التنازل عن الجانب العقيدي في الإسلام لغير أهل السلطة السياسية؛ وهذا بحد ذاته سوف يترك ثغرة مهمة في جدار النظام السياسي .
                            لكن النظام العثماني أوجد تسوية ببن السلطتين، السياسية والدينية، عندما سلَّم أمور الشريعة إلى المؤسسة الفقهية برئاسة شيخ الإسلام، وكان هذا التسليم مشروطاً بحدين: أن لا يُسمَح للفقهاء بالتدخل في الشأن السياسي أولاً، وأن يجد الفقهاء غطاءً شرعياً لسلطته السياسية ثانياً. لكن هذه التسوية انعكست سلباً على أوضاع الرعَية عندما أحدثت فجوة واسعة بينها وبين السلطة، فانحاز عندها الفقهاء إلى جانب السلطة.
                            -لم تكن التسوية بين السلطة والفقهاء هي الوجه الوحيد، الذي خلق تحالفاً ضد مصلحة الرعيَّة، و إنما وُجِدَت تسوية أخرى بين الفقهاء والطبقات الاجتماعية المحلية العليا. فكانت هذه التسوية غطاء يحجب عن المؤسسة الدينية عمق استفحال النظام الطبقي الاجتماعي، الذي كان بارزاً في وجهين :
                            -سيطرة الطبقية التركية الحاكمة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على الطبقات الأخرى غير التركية.
                            -سيطرة الطبقة العليا (إقطاعيون، فقهاء...) في المجتمع العربي على الطبقات الاجتماعية العربية الأخرى.
                            لم يكن الوسطاء، من رجال الدين، هم الوجه الوحيد لعلاقة السلطة الحاكمة بالرعية فحسب، و إنما كانت الاقطاعية المحلية، أيضاً، تشكِّل الوجه الوسيط الآخر .
                            فلما تنازلت السلطة عن هذه العلاقة للوسطاء، من إقطاعيين وعلماء دين، لم تنجح هذه الوسيلة لأن الإقطاعيين وعلماء الدين تحولوا إلى أدوات بيد السلطة.
                            وُلِدَت، في مثل تلك الحالة، مساحة فراغ بين الحاكم و المحكوم، إلى أن استطاعٍ مشايخ الطرق الصوفية أن يملأوها. فحاولت الطرق الصوفية أن تكون البديل عن الشريعة أولاً وعن السياسة ثانياً، ولكن ثقافتها لم تكن تتميز بإمكانية التطبيق ، عقيدياً وسياسياً، فهي كانت ثقافة سطحية تنفعل بالأخطاء التي كان يمارسها حراس الشريعة وحراس السياسة معاً؛ فأصبحت الثقافة الصوفية، إذاً، ثقافة تحريضية أكثر منها ثقافة تحمل إمكانيات إيجاد الحلول للمشاكل القائمة.
                            أدخلت هذه الأسباب مجتمعة، جميع التيارات، السلطة والاقطاعيين وعلماء الدين والطرق الصوفية، في نفق المأزق العقيدي والسياسي، فما إن هبَّت رياح التغيير من أوروبا حتى استطاعت أن تحرث أرضاً مليئة بالإشكاليات، تتطلع إلى يد فلاح ماهر، وقد حسبه البعض قادماً من أوروبا. فراحت تلك الرياح تُحْدِث انفجارات متعددة في مختلف الزوايا السياسية والفكرية السائدة، على مستوى الإثنيات الدينِية والقومية.فهل كانت المؤثرات الأوروبية، خاصة الفكر القومي، ذات تأثيرات جذرية ؟
                            حتى تاريخ دخول تلك المؤثرات، كانت مقومات القومية العربية قد تكونت: اللغة الواحدة، التاريخ الواحد، الحضارة الواحدة والتراث الواحد. فانصهرت معها شعوب عديدة لم تكن بالأصل عربية، واستطاعت اللغة العربية والثقافة الإسلامية أن تهزم غيرها من لغات الشعوب وثقافاتها القومية السابقة لإسلامها، فأخذت الثقافة الإسلامية المكانة الأولى في نفوس وحياة تلك الشعوب، خاصة بعد اكتسابها اللغة العربية.
                            جاءت النظرية القومية من عند الأوروبيين لكي تذكِّر العرب بأهمية الروابط القومية التي كانت قد تكوَّنت أصلاً وتحددت معالمها اللغوية والحضارية والثقافية في المراحل التاريخية ا لمتلاحقة .
                            لم تكن المناداة بفكر القومية العربية مجرد تأثر بالأفكار الغربية/الأوروبية، كما يحسب بعض التيارات الإسلامية، وإنما جاءت-كما يحسبون-لتحل مكان الرابطة الدينية، كمشروع استعماري مدروس وموجَّه، أيضاً، بشكل مسبق وموضوع لمثل هذه الغاية .
                            لم يكن الوعي القومي غائباً عن المسلمين العرب، فمعالم التكوين القومي العربي كانت قد أصبحت ناضجة: لغة مشتركة، حضارة عكست إشعاعاتها على أوروبا في مرحلة من المراحل، تاريخ مشترك، مصالح اقتصادية مشتركة، مواجهة خطر خارجي كان ماثلاً بشكل دائم . فانشدادهم إلى اللامركزية لم يكن يتعارض مع قوميتهم ، لأن ما كان يشدّهم إلى التمسك بالوحدة مع الأتراك، هو الرابطة الدينية، التي جمعتهم مع غيرهم من الأقوام الإسلامية بأكثر من رباط ثقافي ونفسي وحضاري؛ وهي، أيضاً، الأساس في الحل الملائم لحماية ما حازوا عليه من مكتسبات حضارية عديدة، وهي القوة التي تحمي الإسلام كعلاقة ثقافية روحية يتجمعون من حولها. ففي ظل هذه الرابطة تتوفر المصالح المشتركة، ومن أهمها توفير الحماية للجميع من الاعتداءات والأطماع الخارجية.
                            -اعتقد الإسلاميون السلفيون والإصلاحيون معاً أن الاشكاليات السابقة قد حصلت لأن النظام العثماني، خاصة، والمسلمين، عامة، ابتعدوا عن جوهر الإسلام، فالحل، إذاً، يتوفر بالعودة إلى الإسلام الصحيح.
                            توقف السلفيون عند هذا الشرط، ودعوا إلى الإصلاح الديني في ظل اللامركزية العثمانية. أما الإصلاحيون، باستثناء قلة منهم، فرأوا أن الإصلاح الديني ليس هو الوجه الوحيد، و إنما الاستفادة من العلم والحضارة هي الوجه الآخر؛ فدعوا إلى تحقيق الإصلاحات الدينية والسياسية والاجتماعية ني ظل اللامركزية العثمانية أيضاً .

                            اتفق التياران على ضرورة الدعوة إلى الجامعة الإسلامية، لكنهما افترقا حول مضامين جوانب الإصلاح، إذ حصر السلفيون دعوتهم بالإصلاح الديني للممارسات الخاطئة، بينما حصر التيار الآخر علاج الإشكاليات في الجوانب الدينية والسياسية والاجتماعية .
                            برز تيار ثالث يرى أن حلَّ الإشكاليات لن يتم سوى باستبدال الرابطة الدينية بالرابطة القومية. لكن هذا التيار كان الأضعف، إلى أن جاءت كثير من المتغيرات في أواخر العصر العثماني، مثل: مظاهر التعصب القومي عند الأتراك، والوعود الأوروبية للعرب بإعطائهم الاستقلال السياسي ...لكي تعطيه شحنات أكثر وتساعده على تعميق اتجاهاته، إلى أن تغلبت هذه الاتجاهات، في النهاية، على الاتجاهات الداعية للجامعة الإسلامية .
                            لم تكن تأثيرات الحضارة الأوروبية هي التي كوَّنت الوعي القومي العربي، ولكنها بالتعاون مع ما ظهر من تصور حول الرابطة الدينية، شدَّت الاهتمام إليه وعملت على إيقاظه. ولأن المبدأ القومي أعطى نتائج إيجابية على الساحة الأوروبية، بينما الرابط الديني بين شعوب متمايزة قومياً، كما هو الحال في الإمبراطورية العثمانية الإسلامية، كانت له سلبياته. فما هو المانع، إذاً، من أن يكون المبدأ القومي/الرابط القومي ميداناً يقتحمه العرب المسلمون ؟ أليس من الجائز أنه يحمل الحل المنشود ؟
                            فشعارات الاتهام للفكر القومي بأنه مستورد من الفكر الغربي هي مسألة لا مضامين واقعية لها، و إنما هي ردَّات فعل ضد الجوانب السلبية في الثقافة الغربية، إذ أصبح كل دواء يأتي من الغرب، حتى لو كان صالحاً لمعالجة أمراضنا، يصبح مرفوضاً لمجرد أنه غربي، وكأن طبيعة الأمراض فينا ومصادرها آتية من الغرب، وكأن جسمنا ليس موطناً لكثير من الأمراض؛ بلى إن جسمنا مريض وجاءت بعض جراثيم الغرب لكي تعشش فيه وتزيده مرضاً على مرض، ولكن ليس كل ما أتى أو يأتي من الغرب هو كذلك .
                            كانت طبيعة اتجاه الأوضاع ، في ظل الدولة العثمانية الإسلامية، تؤشر على عجز الدولة العثمانية عن تطبيق النظام السياسي الأممي الإسلامي، أو عجز هذا النظام ذاتياً عن إيجاد الحلول من جهة، وانحياز الأتراك العثمانببن إلى قَوميتهم من جهة أخرى، كانت من الأسباب التي دفعت بالعرب المسلمين نحو القومية العربية. بقي العرب المسلمون متمسكين بالوحدة مع العثمانيين حتى آخر لحظة، ولكنهم حينما فقدوا الأمل من استحالة استمرار الوضع على ما هو عليه، وبعد أن جاءت ثورة الشريف حسين، التي زيَّن لها الأوروبيون وعوداً خضراء، كانت نقطة الحسم التي اندفع منها العرب المسلمون إلى تأييدها طمعاً بالاستقلال النهائي ، إلا دليل على ذلك.
                            كانت فكرة أممية الإسلام قد أصبحت واقعاً جاء النظام التركي العثماني لكي يخضعه للتجربة، واستمر طوال أربعة قرون، إلى أن ألغيت الخلافة الإسلامية في العام (1343هـ/ 1924م )، فكان استمرارها طوال هذه المدة مرتبطاً بعاملين :
                            - أولهما السياق التاريخي الذي سارت عليه الأمور، والذي اتفق فيه طرفان أساسيان على إدامة هذا المشروع الأممي : وجود نظام سياسي عثماني يعمل في سبيل تدعيم أركانه، مستفيداً من الزخم الديني للإسلام الذي أمَّن له التفافاً شعبياً دينياً واسعاً من جهة؛ والتفاف نخبوي إسلامي، يمثله علماء الدين، يؤمن بضرورة دعم هذا النظام الذي يعمل على حماية الثغورٍ الإسلامية والعقيدة الإسلامية من جهة أخرى .
                            - أما الثاني فتمثَّل في غياب أية تيارات فكرية أو سياسية، غير الإسلام ، تستطيع القيام باستقطاب الاتجاهات والرغبات الشعبية المظلومة والمستغلة اجتماعياً وطبقياً؛ وإذا كانت الطرق الصوفية قدرت على استقطاب هذه الجماهير، فإنما كان سلاحها إسلامياً؛ وبدلاً من أن تعمل على شحذ السلاح باتجاه تطوير النظام السياسي القائم، فقد حرفته، معظم الأحيان، باتجاه الغيبية والبدع والشعوذات .
                            فإذا كان انتهاء الإمبراطورية العثمانية، كآخر نظام سياسي يحكم أممياً باسم الإسلام، هو نهاية لهذه التجربة الطويلة، فإنه يمثل أيضاً حداً فاصلا بين حقبتين تاريخيتين :
                            -حقبة سيادة الإسلام، كنظام سياسي أوحد، أو نظام فكري سائد نسبياً .
                            -وحقبة جديدة، ما زالت قيد النمو باتجاه إثبات وجودها، هي حقبة الفكر القومي، كبذرة، أو إطار لنظام سياسي وفكري بديل للحقبة السابقة .
                            بدقة اكثر، ماذا بقي من الحقبة السابقة، أي حقبة التاريخ الإسلامي بالنسبة للبلدان التي تتكلم اللغة العربية بعد انتهاء النظام الإسلامي الأممي ؟ وهل الإيمان بأحادية الرابطة الدينية يبقى حلاً من الحلول المطروحة ؟ أم أن هناك روابط أخرى علينا أن نعطيها الفرصة للتجربة بعد فشل أحادية الرابطة الدينية ؟
                            صحيح أن هذه الأسئلة، التي تفتش عن تفسيرات وأجوبة لها، تشكل المقدمة الأساسية للباب الثاني من البحث، لكنها في الوقت نفسه تُعَدُّ خاتمة أساسية للباب الأول . أما السبب في ذلك فيعود إلى أن التجربة السابقة قد أصيبت بالفشل بعد أن عجزت عن توحيد شعوب متمايزة قومياً ودينياً. وعلينا أن نؤشر على ذلك السبب ونُعَلِلَه، لكي يكون مدخلاً أساسياً نطل منه على المرحلة القادمة، أو الحقبة التاريخية الجديدة، لئلا نكرِّر الأخطاء مرة أخرى .
                            بعد انهيار تجارب النظام السياسي الإسلامىِ، في أثناء محاولته توحيد مختلف الشعوب التي انضمت، أو أُرغِمت على الانضمام تحت سلطة الدولة الإسلامية، وبعد انهيار آخر نماذجه، التي مثلتها الامبراطورية العثمانية، لا بد من التوقف عند الظواهر التالية :
                            أ- بدأت عوامل التفكك، منذ وصول العباسيين للسلطة في خلال العصور السابقة لهم، تتفاعل داخل الإمبراطورية الإسلامية؛ فمن نماذجها وجود دولة أندلسية في جنوب غرب أوروبا، ودويلات شبه مستقلة في المغرب العربي، وحركات تمرد متواصلة شملت معظم أجزاء الدولة العباسية. وكُتب لها أن تنتهي بفعل حالات الانفصال السياسي المستمرة، والتي كانت ذات أسباب شتى، منها:
                            - المذهبي، كمظهر للصراع بين التيارات العقائدية الإسلامية ذاتها .
                            - ومنها الاجتماعي والطبقي، عندما لم تجد عامة الشعب المسلم حلولاً لمشاكلها الاجتماعية والاقتصادية حيث كان العدل والمساواة من العقائد الغائبة عن برامج النظام السياسي، هذا إذا كان للنظام برامج .
                            - ومنها تنامي طموح الشعوب المسلمة، غير العربية، في المشاركة بالسلطة السياسية ثم الهيمنة على تلك السلطة بشكل كامل .
                            لم تكن مظاهر التفتتت الديني والاجتماعي، والإثني - القومي، تدل على عافية وحدوية فكرية أو سياسية.
                            ب - لما انتهت تجربة الإمبراطورية العباسية، بعد أن نال الموالي الفرس حق المشاركة بالسلطة السياسية، وهي التجربة الأولى التي دخل فيها الجانب الأممي في الإسلام إلى حيز التجربة السياسية،كانت قد نقلت الصراع من مستوى القبليات المحلية إلى مستوى الصراع بين الإثنيات العرقية/القومية، ابتدأ هذا الصراع عربياً - فارسياً، وانتهى فارسياً - تركياً - سلجوقياً، تُوِّج بانتصار الأتراك العثمانيين .
                            أما العرب فقد خسروا دورهم ني السلطة السياسية، وبقي لهم الاسم الذي حكم تحت عباءته المماليك، لكن على أن لا يمس الإسم بالسلطة السياسية من جهة، وأن يسوِّغ للمماليك، أحياناً كثيرة، خروجهم وتجاوزهم لحدود الشريعة كما حددتها معظم المذاهب الإسلامية وتياراتها من جهة أخرى.
                            ومنذ العصر المملوكي ، أخذ الانقسام الإثني، بين رعايا الإمبراطورية الإسلامية، يتفشى، ليس بين العرب والآخرين، و إنما بين الآخرين ذاتهم؛ فتأسست دولة مغولية في بلاد فارس انتمت للإسلام، ودولة عثمانية إسلامية في آسيا الصغرى، بينما سيطر المماليك على بقية الأجزاء التي تُعرَف بالبلدان العربية .
                            ج - ورث الأتراك العثمانيون السلطة من المماليك، وأصبح لزاماً على المسلمين أن يخضعوا لتلك السلطة التي نقلت مركزها من مصر إلى إستانبول أولاً، وقد جُرِّد العرب من سلطتهم الاسمية ثانياً، وانضمت إلى جسم الإمبراطورية العثمانية الإسلامية شعوب أوروبية - مسيحية ثالثاً؛ عندها اكتسبت الدولة الإسلامية محتواها الأممي بالكامل، أي بما لا يُشتمُّ منه أي تفضيل للعرب، رواد الإسلام الأوائل .
                            أصبحت الإمبراطورية واسعة الأرجاء بعد أن ضمَّت إليها أجزاء واسعة من أوروبا، فتكاثرت وازدادت الأعراق المنتسبة إليها، وازدادت أعداد أصحاب الأديان غير الإسلامية، فتوزعت السلطات واتسعت المشاركة بالحكم لغير العرب ولغير المسلمين :
                            - السلطة المركزية العليا (السلطان /الصدر الأعظم ) بأيدي الأتراك العثمانيين.
                            - الديوان أو الجهاز السياسي - العسكري الذي يساعد السلطان في القضايا المهمة، بعض أعضائه من الأناضول وبعضهم الآخر من الروم ، والبعض الثالث من أفريقيا.
                            - المؤسسة الدينية بيد العلماء والفقهاء العرب المسلمين .
                            - السلطة العسكرية بيد الإنكشارية، أي من غلمان النصارى الذين أرغموا على الانتماء للإسلام .
                            - السلطات المحلية في الولايات المختلفة بأيدي الوسطاء من الإقطاعيين وعلماء الدين المحليين تحت إشراف الوالي/الباشا التركي .
                            كان حجم مشاركة الآخرين في السلطة، ونوعية هذه المشاركة، من العلامات الواضحة على أن الأتراك العثمانيين، ليس بناءً على خطة نظرية بقدر ما كان بفعل الأمر الواقع، قد أدخلوا الإسلام السياسي في دائرة تجربة قيادة نظام سياسي عقائدي أممي. تأسسَّت مقدمات التجربة الأولى في العصر العباسي، مروراً بالعصر المملوكي، و وصلت إلى نتائجها الكاملة في العصر التركي العثماني .
                            ما إن أخذ هذا النظام الجديد بالانهيار، بفعل العوامل الداخلية والذاتية - سياسية، وعقائدية، ودينية، واجتماعية واقتصادية وقومية - التي سهَّلت تدخل العوامل الخارجية، حتى بدأت حالات الانفصال العرقي تتسارع : انفصلت وبدون عناء، أجزاء واسعة من القطاع الأوروبي؛ واتجهت الأجزاء الآسيوية التركية نحو مساراتها الخاصة في الطريق القومي - العلماني؛ أما المسلمون العرب فقد اتجهوا في بداية الأمر، وبفعل الأمر الواقع، إلى دائرتهم القومية، بعد أن أصبحت المحافظة على الإمبراطورية العثمانية، كجامع للمسلمين ومدافع عن حياض الإسلام، أمراً مستحيلاً .
                            دلَّ الاستقراء التاريخي لما آلت إليه الأمور بالنسبة للتجربة الإسلامية السياسية على الحالات التالية :
                            -حالة الانفصال الفارسي، عندما تحصَّن الفرس في إيران، متسلحين بالمذهب السني تارة، وبالمذهب الشيعي تارة أخرى، يحدوهم الطموح إلى حكم الإمبراطورية الإسلامية، لكنهم لم يستطيعوا تحقيق هذا الحلم، إلى أن انتهى بانتهاء الدولة الصفوية في العام (1149هـ / 1736 م ).
                            - أما الأجزاء الأوروبية، فلم يحدوها في يوم من الأيام أمل في البقاء تحت قيادة امبراطورية عثمانية إسلامية، لا يجمع بينهما أية رابطة قومية أو دينية .
                            - فأما الأتراك العثمانيون، وعلى الرغم من أنهم كانوا أصحاب النظام الأساسيين، وبعد أن ثبت عجزهم عن توحيد شعوب الإمبراطورية تحصَّنوا وراء حدودهم الآسيوية وراحوا يبنون دولتهم الطورانية .
                            أخيراً، راحت الولايات الناطقة باللغة العربية تتطلع إلى حلم جديد بعد انهيار الحلم السابق ، فكيف ولماذا ؟
                            كان العرب بالأصل سكان شبه الجزيرة العربية، أنزلت الدعوة الإسلامية إليهم وبلسانهم؛ فسواء اتفق المسلمون، أم لم يتفقوا على دور الإسلام، أقومي هو أم أممي، وسواء كان المسلمون العرب ملزمين، بنشر الدعوة خارج حدود الجزيرة، أم غير ملزمين، بالسيف أم بغبره؛ فإن كل ذلك طرح، ولا يزال يطرح، إشكالية لم يستطع أحد أن يثبتها بالنص إلا ووجد من يقدم تأويلاً أو تفسيراً آخر .
                            لكنه على الرغم من ذلك، فقد استطاع العرب الحاملون راية الإسلام، بدافع من إسلامهم أم بدوافع أخرى، أن يؤسسوا إمبراطورية واسعة انتشرت أرجاؤها من بلاد الهند شرقاً إلى جنوب غرب أوروبا غرباً، كما استطاعت في عصر الأتراك العثمانيين أن تصل إلى مشارف فيينا الأوروبية شمالاً.
                            وهنا، فإن أهم ما نريد أن نوجه النظر إليه، ما يلي :
                            - كانت الولايات العربية الموجودة على الأطراف، حديثاً، والمجاورة للجزيرة العربية قديماً، مثل سوريا والعراق ومصر، لها علاقات مع الجزيرة بالمقدار الذي لا يسمح بتحول وتفاعل سريعين، بينها وبين الجزيرة؛أما الأطراف البعيدة كالمغرب العربي، فكانت شعوبها بربرية لغة وتقاليد.
                            فمنذ فتح الشام والعراق أنشأ الخليفة عمر بن الخطاب عدة دواوين تُسَيَّر باللغة العربية؛ وعرَّب الخليفة عبد الملك بن مروان جميع إدارات الدولة الإسلامية؛ ولما فتح المغرب سّيِّرت الإدارة، منذ البداية، باللغة العربية، وذهب جماعة من الفقهاء في أيام عمر بن عبد العزيز لينشروا بين المغارية الإسلام واللغة العربية، وللغاية ذاتها فعلوا في كل الدولة الإسلامية. وفي الهند وأفريقيا، كانت العربية لغتها الرسمية ([1]).
                            لكن لم يُحتِّم الإسلام على سكان البلاد المفتوحة اعتناق الدين الجديد، ومن هنا استعربت جماعات من هؤلاء بدون أن تعتنق الإسلام؛ وفي المقابل دخلت جماعات بشرية كثيرة الدين الإسلامي بدون أن تستعرب، كما حصل في بلاد فارس وآسيا الصغرى والهند وأندونيسيا؛ ولهذا أصبح الواقع : «أن أكثرية العرب اليوم مسلمون، ولكن أكثرية المسلمين ليسوا عرباً»([2]).
                            من الظواهر التي أصبحت واضحة أن كل الشعوب التىِ تعرَّبت ، وليس بالضرورة أن تكون (أسلمت )، لا تنكر انتماءها للعروبة، بل بالأحرى فإنها تطالب بعروبتها، وتدعو إلى المناداة بما اصطُلِح على تَسميته "بالقومية العربية، بينما الشعوب التي انتمت إلى الإسلام ولم تتعرَّب لم تجد أية مشكلة في العودة إلى تسوير نفسها داخل حدودها القومية الخاصة بها، وهذا ما حصل مع الفرس والأتراك، وما هو موجود في أندونيسيا وباكستان وأفغانستان وغيرها .
                            يقودنا هذا الواقع إلى السؤال التالي: إذا كانت كل الشعوب الإسلامية غير الناطقة باللغة العربية قد وجدت ضالتها في قومياتها الخاصة، فإلى ماذا سوف تتجه الشعوب الناطقة باللغة العربية ؟ فهل للعرب قومية خاصة بهم ؟ وتحت ظل أية دولة سوف يجدون ضالتهم ؟ فهل يبقون في داخل قطرياتهم، التي رسمتها اتفاقية سايكس-بيكو،حتى يستعيدوا وحدتهم في ظل دولة إسلامية ؟ وما هو مصير العرب غير المسلمين، هل يُحكَمون بنظام أهل الذمة من جديد ؟ وإذا رفضوا ذلك فما هو الحل ؟ وإذا استطاع المسلمون أن يفرضوا نظامهم السياسي على الأديان الأخرى، فمن أي المذاهب الإسلامية، الشيعة بتياراتهم والسنة بتياراتهم، سوف يكون الخليفة الذي سيبايعونه بالخلافة ؟
                            إن العودة إلى خوض تجربة جديدة، أُعطِيَت فرصة قرون عديدة من الزمن، ولم تستطع إعطاء الحلول الناجحة لمشكلتي الإثنيات العرقية والدينية، لهي تلاعب بمصير الشعوب مهما كانت الأسباب والدوافع. ولماذا امتلأ تاريخنا الإسلامي والعربي بالصراعات بين المذاهب الإسلامية ؟ ولماذا لم ينس أصحاب الأديان السماوية أنهم مسلوبو الحقوق السياسية طوال قرون مديدة ؟ ولماذا انفصلت شعوب إسلامية عن النموذج الأممي للدولة الإسلامية، ثم انتهت الخلافة الإسلامية على أيدي المسلمين أنفسهم ؟
                            قد يقول البعض، من الإسلاميين : إن أخطاء المسلمين وانحرافانهم على مدار التاريخ، إثمها على أصحابها، لا يتحمل الإسلام وزر شيء منها، وهي حجة للإسلام عليهم، وليست حجة لهم على الإسلام ([3]). وكأنه يحمِّل ، بعد تلك التجربة الطويلة، وزر فشل التجربة السياسية الإسلامية للمسلمين، وكأن النظام السياسي الإسلامي كان محدَّداً بدقة، لكن المسلمين هم الذين أخطأوا في تطبيقه .
                            إننا نتساءل: هل إثم ألف وثلاثماية وثلاث وعشرين سنة من عمر الدعوة الإسلامية، لم يستطع المسلمون، في خلالها، أن يحافظوا على دعائم دولة إسلامية تحكم بالعدل بين رعاياها كافة، وتحقق العدالة الاجتماعية والسياسية بين جميع طبقاتهم، تعود إلى قصور في الوعي وحسن النية في القصد عند الآلاف، بل عشرات الآلاف، بعضهم كانوا فقهاء وبعضهم الآخر كانوا متكلمين أو فلاسفة أو زعماء للطرق الصوفية، من جميع المذاهب والملل الإسلامية، ابتداء من الخلفاء الراشدين الذي حصلت في عصرهم أولى مظاهر الانقسام، مروراً بالأئمة والفقهاء وأبرزهم: جعفر الصادق، وأبو حنيفة، ومالك والشافعي وابن حنبل، وهم الذين عاشوا في كنف الدولة الإسلامية الموحدة، وبعضهم كان من أعمدتها ؟ ناهيك عن الذين استنبطوا نماذج عن النظام السياسي الإسلامي مثل: ابن تيمية والحلِّي والسهروردي، وابن سينا والفارابي وابن رشد وابن خلدون والغزالي، هل يتحمَّلون جميعاً إثم الفشل في بناء الدولة الإسلامية الواحدة ؟
                            وهل يلزمنا ألف وثلاثماية سنة أخرى، لكي تنتج الأمة الإسلامية أمثال أولئك، وهي لن تنتج، كي يستطيعوا تطبيق العقيدة الإسلامية الصحيحة في ظل الانقسامات التي كانت وما زالت منتشرة هنا وهناك، وهي حسب ما يُعدِّدها القرضاوي نفسه: الإسلام غير متفق على صورة له، فصورته عند التقليديين المحافظين، هو غير صورته عند المجددين المجتهدين، وهو غير صورته عند فصائل الصحوة الإسلامية المعاصرة، حتى هذه ليست تياراً واحداً، وهناك تيارات تقليدية وأخرى حرفية لفظية، وهناك من يتخذ العنف أسلوباً، وهناك اجتهادات غريبة لأفراد وجماعات ...([4]).
                            فمن موقعه، يرى القرضاوي: أن لا حرج على المسلم أن يحب وطنه ويعتزُّ به «ما دام ذلك لا يتعارض مع حبه لدينه واعتزازه به.وبهذا لا يضيق صدره (صدر الإسلام ) بالوطنية أو القومية، إذا لم يتضمنا محتوى يعادي الإسلام أو ينافيه كالإلحاد والعلمانية، أو النظرة المادية، أو العصبية الجاهلية.. »([5]).
                            وهل حب المسلم لدينه واعتزازه به، يعني هو حب للعقيدة فقط، أم حب للمسلمين كيفما كانت اتجاهاتهم وسلوكياتهم، أم هو حب للإثنين معاً، واعتزاز بهما ؟
                            يرى القرضاوي أن المسلمين- حيثما كانوا -أمة واحدة: إنهم إخوة، جمعتهم العقيدة الواحدة، والقبلة الواحدة، والإيمان بكتاب واحد، ورسول واحد، وشريعة واحدة، وعليهم أن يزيلوا عوامل الفرقة، والمناهج والأنظمة المستوردة، وأن يعملوا في سبيل التضامن الإسلامي، والاتحاد والتكتل، وتحرير الأرض الإسلامية من غاصبيها، يعاونهم المسلمون في كل مكان ([6]).
                            حلم جميل أن تتحقق وحدة جماعة على هذا الشكل من الأطر الفكرية والسياسية والتضامنية والنضالية/ الجهادية، في وحدة متكاملة. لكن أن يكون الحلم في متناول التطبيق أو لا يكون، هنا تكمن الإشكالية .
                            الذي يحدِّد هذه الإمكانية هو مدى التئام جماعة ما حول مفهوم ديني أو فكر واحد، ومدى إمكانية تطبيقه على أرض الواقع. ونحن لن ننتظر مساحة زمنية لكي نعمل فيها على إخضاع هذا الحلم للتجريب لنرى مدى مصداقية تطبيقه، لأن الألف والثلاثماية سنة كانت مرحلة تجريبية أكثر من كافية .
                            دلَّت التجربة الطويلة على أن المفهوم الفكري الديني المتوحِّد، ولوحده ، غير قادر على تحقيق ما يزرعه فينا من أحلام. وما ينطبق على الفكر الديني ينطبق على الفكر الوضعي أيضاً. فالأمة ليست فكرة وحسب، وإنما هي مجموعة من الروابط والعوامل، أيضاً، تسهم في شدِّ أفراد الجماعة إلى بعضهم البعض؛ وهي شعب قبل كل شيء، والله تعالى خلق في الإنسان، بداية، عقلاً بالقوة، وترك له مسافة ينمو فيها بيولوجياً ونفسياً واجتماعياً، على أساسها يتحول العقل بالقوة إلى عقل بالفعل، ويرسم هذا العقل بدوره مناهجه التنظيمية التي على أساسها يحقق المجتمع انسجاماً في العوامل التي تؤمن وحدويته .
                            تمتلك المجتمعات، أيضاً، وحدة بالقوة، ولكي تنتقل إلى وحدة بالفعل شروط ومستلزمات؛ ولأننا لن نغرق في دائرة العقل التجريدي، فإننا نحسب أن تجربة الوحدة الإسلامية، التي هي، حسب مصادر المعرفة الإسلامية، وحدة بالقوة، لم تستطع أن تتحول إلى وحدة بالفعل. فكيف نرى ذلك ؟
                            عرف التاريخ الإسلامي مرحلتين :
                            - الأولى : وحدة إسلامية عربية، تتمايز بصفائها العربي، فالدعوة أنزلت بلغة عربية بواسطة رسول عربي، وفي وسط اجتماعي عربي؛ استطاعت أن توحِّده وتنظِّمُه في ظل نظام سياسي مستند إلى العقيدة الإسلامية. وحتى بعد أن ضمَّ إليه أوساطاً غير عربية، لم يستطع هذا النظام أن يجمع هذه الشعوب في دولة واحدة إلا بشكل نسبي.
                            -الثانية : وحدة إسلامية أممية، تعمل على توحيد الشعوب المتمايزة دينياً وعرقياً تحت ظل نظام سياسي إسلامي . إشتركت جميع هذه الشعوب، بشكل أو بآخر، في قيادة هذا النظام، لكن الانهيار كان النتيجة الأخيرة لهذه الوحدة.
                            كانت جميع حالات الانفصال عن الدولة العثمانية الإسلامية الأممية تنكفئ إلى داخل دوائرها المجتمعية السابقة لانتمائها للإسلام، والتي تميزها لغاتها القومية. فما هو، إذاً، أثر وانعكاس اللغة العربية كناظم وحدوي للعرب والشعوب التي تعرَّبت ؟
                            كانت بعض أجزاء الدولة الإسلامية قد عادت إلى دوائرها القومية على الرغم من محافظتها على العقيدة الإسلامية، لكن البعض الآخر عمل على الاندماج في داخل الدوائر المجتمعية العربية. وهذا ما استوقف الباحثين، ويستوقفنا لمعرفة خلفياته وأسبابه .
                            كان العصر الأموي، ومن بعده العصر العباسي بشكل أوضح، مختبراً حقيقياً تفاعلت في داخله العديد من العوامل. لم يكن هذا التفاعل نتيجة لعوامل داخلية فحسب، و إنما كان ذا مصادر خارجية أيضاً. فالمصادر الخارجية أتت من اللغة والتراث الروحي والاجتماعي، كإطار ثقافي، لتلك المجتمعات التي انضمَّت إلى الإسلام كعقيدة أو انضوت تحت ظل الدولة الإسلامية كإطار سياسي .
                            فبالنسبة إلى اللغة العربية، لغة الفاتحين العرب المسلمين، استطاعت أن تحل مكان اللغات الأساسية لعدد من شعوب الدولة الإسلامية في العهد العباسي، لكنها لم تستطع أن تلعب الدور ذاته عند شعوب أخرى.
                            ففي شمال الجزيرة العربية: ترافق تاريِخ الفتوحات، قبل الإسلام، في (لبنان وفلسطين وشرق الأردن والعراق وبلاد الشام )، بتفاعلات واختلاطات إثنية كثيفة، مع توحيد لغوي، إذ تبنىّ هذا الجزء اللغة الآرامية؛ ومع النزاع الفارسي والرومانى، على هذه المنطقة، سادت اللغة اليونانية فيها طيلة قرون، وعرفت هذه المنطقة تفاعلاً وتغالباً ثقافياً، هيليِّنياً وشرقياً([7]).
                            بدأ التغلغل العربي في كل هذه الأجواء، منذ القرن الثاني للميلاد، وتبدَّل طابعه مع مرحلة الفتوحات العربية الإسلامية، ما بين الأعوام (11-22هـ /633-643م)، حينما أصبح العرب سادة الدولة والعقيدة. حينئذ أصبحت الاتصالات تتم بالعربية على صعيد: التجارة، الإدارة، التعليم الديني، وهذا ما أسهم في تعريب هذه المنطقة([8]).
                            وفي مصر: تغلغلت في داخلها قبائل عربية متعددة قبل مرحلة الفتح الإسلامي، لكن هذا الطابع تغيَّر تغييراً جذرياً مع الفتح العربي منذ العام (19هـ / 640 م )؛ فمع الفتح بدأ مسار التعريب بطيئاً ثم تصاعد بقوة كبيرة بسبب هجرة عشائر وقبائل بدوية عديدة من الجزيرة العربية نحو الأرياف والمدن؛ وتقدَّمت الأسلمة، وبقي القبطيون أوفياء للغتهم إلى ما قبل القرن (5هـ / 11م) ([9]).
                            أما في السودان وليبيا وشمال أفريقيا: فعلى الرغم من انتساب شعوبها إلى قبائل غير عربية، لها لغاتها الخاصة، أيضاً؛ إلا أنه بفعل الفتح الإسلامي العربي، وهجرة العديد من القبائل العربية إليها، وضرورة اكتساب اللغة العربية لاستيعاب مضامين الدعوة الإسلامية، استطاعت شعوب هذه المناطق، ولو ضمن فترات متباعدة ومختلفة، أن تكتسب اللغة العربية، وتحلَّ هذه محل اللغات الأصلية لتلك الشعوب([10]).
                            أما التخوم الأوروبية: مع أن (جنوب غربي أوروبا) استعربت أو تبربرت، جزئياً، فإنها مع سقوط آخر دولة إسلامية، أي مملكة غرناطة، في العام (897هـ / 1492م ) قد زال استعمال اللغة العربية فيها([11]).
                            أما في إيران وتركيا: وعلى الرغم من وجود من يتكلمون اللغة العربية فيهما، إلا أنه لم يكن بالعدد والنسبة التي تؤدي إلى إحداث تغيير يذكر ([12]). فإيران انفصلت عن جسم الدولة الإسلامية منذ أواخر القرن (9هـ / 15 م )، والنخبة المثقفة فيها هي التي تعلمت اللغة العربية وأنتجت فيها بالحجم الذي أعطى إضافات نوعية إلى الحضارة العربية الإسلامية؛ أما من تعلَّم أو اكتسب اللغة العربية من العامة فلم يكن بالمستوى الذي يستطيع إحداث نقلة نوعية في عوامل الدمج والانصهار داخل المجتمعين العربي والفارسي.
                            أما في تركيا ، فلم يكن للأتراك العثمانيين، في المراحل الأولى، هدف تعريب الأتراك، أو تتريك العرب، مع أنهم في مراحل ولادة النزعة الطورانية، أوائل القرن العشرين، برزت لديهم نوايا لتتريك العرب؛ ولن ننسى أنهم كانوا يعملون، منذ تأسيس دولتهم، على تعزيز لغتهم الخاصة لكي تصبح لغة ثقافة .
                            كانت الثقافة الإسلامية، الثقافة الأم ، هي المعوَّل عليها في إحداث حالة الانصهار؛ والثقافة لن تصبح جزءاً مؤثراً في حياة المجتمعات إلا عبر مراحل طويلة. وكانت تواجه انتشار الثقافة الإسلامية عقبتان: الأولى أنها جاءت لتعالج في كثير من تعاليمها، المشاكل الخاصة بالمجتمع القبلي العربي في الجاهلية؛ والثانية أنها أُنزِلت باللغة العربية. ولكي تأخذ هذه الثقافة مداها، المعقول والمقبول عملياً، في التأثير على الشعوب غير العربية، فلا بد للمشترع الإسلامي أن يلَّم بطبيعة مشاكلها التي لم يكن لجميعها ما يشابهها في المشاكل التي عالجها الشرع الإسلامي سابقاً؛ وإذا لم يكن المشترع الإسلامي مُلمَّاً بطبائع الشعوب وتقاليدها وعاداتها، فقد يخطئ في معالجة مشاكلها الخاصة. فمن هنا نشأت مشكلتان :
                            - كان الفقهاء العرب هم الوحيدون الذي يُلمُّون بالأصول والشريعة الإسلامية أكثر من غيرهم، لكنهم كانوا يجهلون تقاليد الشعوب غير العربية .
                            - لم تكن قد نشأت طبقة من الفقهاء المسلمين من غير العرب، وهم الأجدر من غيرهم بأن يلمَّوا بجوهر مشاكل شعوبهم. وعلى هؤلاء أن يتضلَّعوا باللغة العربية ليستوعبوا جيداً أصول الفقه والتشريع الإسلامي .
                            والى أن يحصل تأمين فقيه عربي يفهم مشاكل الشعوب الأخرى فهماً صحيحاً، أو أن تنشأ طبقة من الفقهاء غير العرب لمعالجة تلك المشاكل، لا بد من وقت طويل يقتضيه بناء هذه النوعية من الفقهاء وتقتضيه ضرورة التشريع الصحيح .
                            فاكتساب اللغة العربية للمسلمين غير العرب، خاصة منهم العلماء و الفقهاء، يُعَدُّ حاجة ضرورية وأساسية، والسبب الرئيس هو تحريم ترجمة القرآن إلى اللغات الأخرى، والقرآن هو مصدر من مصدرين أساسين في المعرفة الإسلامية.
                            إن اللغة استعمال يتميز به الإنسان ، والإنسان يتميز "إلى جانب بعده التاريخي الناسج للثقافة والحضارة، بأنه كائن معياري يتعامل مع قيم الأشياء ودلالاتها لا معِ الأشياء بحد ذاتها [والتي] تأخذ أهميتها من السلم المعياري الاجتماعي،أي من سلَّم في الثقافة الاجتماعية التي يتدامج الشخص معها اجتماعياً عبر غيره. وشخصية الإنسان نسق من التدامج الاجتماعي ...يضاف [إليه ] تاريخية الشخصية التي تحيك فرادة الشخص وتمايزه... فحينما تتكون ملامح الشخصية وتتمايز يمكنها أن تتدامج. وخلاصة هذه الجدلية: (تمايز - تدامج ) هوية تتفاعل في مجتمع معين". فاللغة كمؤسسة اجتماعية،تؤثر في رؤية الجماعة للواقعِ وفي إدراكها له، وينعكس ذلك على التفكير والسلوك وتكوين العقلية، كما تؤثر تأثيراً بالغا في الثقافة الاجتماعية والانتماء الاجتماعي والهوية الوطنية". فاللغة «اجتماعية بمعنى أن الصلات الاجتماعية تحدد الطريقة التي يعبِّر بها الأفراد عن أنفسهم ويمثُّل الكلام شكلاً من التفاعل الاجتماعي»([13]) .
                            فاللغة، كما هي وسيلة ضرورية للتدامج الاجتماعي فهي تلعب دوراً حيوياً فيما يسمى البناء الاجتماعي، فالنتيجة هي أنها أداة لنقل المعرفة.
                            فأبناء اللغة الواحدة، يتبادلون فيما بينهم الخبرات بسهولة اكثر مما يحصل بين من تختلف لغاتهم ؟ وليس غريباً أن لكل أمة رسالة بلغتها، لكي يتيسر لأبنائها أن يفقهوها ، وأن يكون لكل أمة رسول من أبنائها، لكي يحصل التدامج الاجتماعي بصورة أسهل، وحيث إن اللغة تشكل عنصر الاتصال الأساسي بين أفراد أمة واحدة؛ ولها، بالتالي، تأثير بالغ في تجانس الثقافة الاجتماعية والانتماء الاجتماعي الواحد، فالثقافة بشكل عام والثقافة الإسلامية، بشكل خاص، لن تلعب دورها التوحيدي إلا إذا انتقلت إلى جميع أفراد مجتمع ما؛ لهذا، ولسبب الفارق باللغة بين لسان الدعوة الإسلامية وبين المسلمين غير العرب فإنها لم تصل، في معظم الأحيان، إلى أعماق الإثنيات غير العربية.
                            كان انتشار اللغة العربية، مرحلة من مراحل الفتوحات الإسلامية، وبدون هذه الانتشار لا بمكن للثقافة الجديدة، الثقافة الإسلامية، أن تصل إلى أعماق المجتمعات الإثنية التي دخلت الإسلام وانضمت إلى الدولة المترامية الأطراف. لقد انتصرت اللغة العربية على بعض لغات الشعوب المغلوبة، لكن بعد صعوبات جمَّة.
                            كانت عملية الانتقال بطيئة، لأن التخلي عن اللغة الأم ليس بالأمر اليسير الذي يتطلبه التخلي عن الكيان السياسي أو الديانة القومية، ولم يتحقق الفوز الأخير للغة العربية حتى أواخر العصر العباسي. وعلى الرغم من ذلك فإنه تسنى للغة العربية أن تنتصر كلغة علم قبل انتصارها كلغة تخاطب، لذا أصبحت تُستَخدَم للأغراض العلمية كأداة للتعبير عن مظاهر الحضارة الإسلامية ([14]) .
                            فإذا كانت الثقافة من الأسس المهمة لتجانس أبناء المجتمع الواحد وتدامجهم، فإن اللغة هي وسيلة انتقالها من فرد إلى آخر. شكَّلت الثقافة الإسلامية، عبر التاريخ، دائرة توحيدية في داخل المجتمعات التي اعتنقتها والتي استطاعت فيها اللغة العربية أن تحل مكان لغاتها الاصلية؛ ولهذا لم يكن من المستغرب أن يلعب عامل اللغة دوراً أساسياً في نشأة العروبة واتساعها إلى خارجٍ الجزيرة العربية في كل من أقطار الهلال الخصيب مشرقاً، وني أقطار الشمال الأفريقي مغرباً، حينما حلَّت محل اللغات الآرامية واليونانية والبربرية ... لكن هذه العروبة، التي اكتسبت ميزاتها القومية العربية، بقيت في خارج أسوار فارس وتركيا والأطراف الأوروبية، لسبب ما أكدته الوقائع التاريخية في الماضي والحاضر، كما أن اللغة العربية لم تستطع أن تحل مكان اللغات الفارسية والتركية والأوروبية .
                            كان اكتساب اللغة العربية، إذاً، عاملاً أساسياً في تعريب ثقافة بعض الشعوب التي انضمت إلى الإسلام؛ وبفعل تراكم التجارب المشتركة، استمرت في لعب دور عملية الاتصال والتواصل والتدامج الاجتماعي .
                            فاللغة، كمؤسسة اجتماعية، أثَّرت في كيفية رؤية الجماعة للواقع وفي إدراكها له مما انعكس على طريقة تفكيرها وسلوكها وتكوين عقليتها؛ وأثرت، أيضاً، تأثيراً بالغاً في تكوين ثقافتها الاجتماعية، ووحَّدت انتماءها الاجتماعي وهويتها القومية ([15]).
                            بعد أن تكوَّنت دولة إسلامية أممبة على مر قرون عديدة، ضمَّت إثنيات قومية ودينية متعددة، وأخذت قسطها الوافر من التجربة في التاريخ، أخذت عوامل التنافر القومي والديني ، في داخل هذه الدولة، تقوم بدور سلبي. وفي النهاية أدت هذه العوامل إلى انفصال الإثنيات القومية التي لم تتعرَّب ، واتَّخذت وجهة انتماءاتها القومية السابقة لإسلامها، فراحت تبني حدودها الجغراسية، بغض النظر عن الرابطة الإسلامية .
                            أما ما بقي من تلك الإمبراطورية، ولم تتحدَّد جغراسيته، فهي تلك الشعوب التي تعربت؛ وفي هذا الجزء الباقي انصهرت عرقيات وأديان مختلفة، وما جمعها كان عامل اللغة العربية. هذه هي الصورة التي رست فيها مراكب الجزء الباقي من الإمبراطورية الإسلامية الأممية . فماذا نسمي هذا الجزء ؟ وكيف نفسر توق مجتمعاته نحو التوحُّد ؟ وهل هناك رابطة خاصة تجمعها ؟
                            تُعَدُّ، في المنطق الإسلامي السائد، أية رابطة غير رابطة الإسلام تآمراً على الإسلام. أما إمكانية التوحد على أساس الرابطة الإسلامية، فتواجهها إشكاليتان قديمتان / جديدتان: وجود أديان غير الإسلام من جهة، وتعددية في المذاهب الإسلامية، التي لا تتفق على رؤية دينية وسياسية موحَّدة من جهة أخرى.
                            فاستحالة الحلول المطروحة، كما أثبت التاريخ، لا يمكن إلا أن تُبقي هذا الجزء مفتتاً كما أرادته اتفاقية سايكس - بيكو. فلنلجأ، على الأقل ، إلى اعتماد الحل الذي ارتضته الشعوب الإسلامية غير العربية، والتي انفصلت عن جسم الدولة الإسلامية الأممية.
                            تلك الرابطة هي القومية، التي أثبتت حتى الآن أنها حل ممكن، فالأحرى بنا ونحن الذين نفتش عن حلول لرأب تمزقنا، أن لا نقف في الخندق المضاد لها قبل أن نعطي أنفسنا فرصة إخضاعها للتجربة، كما أخضعنا الرابطة الدينية عشرات القرون .
                            فالجزء الباقي من الدولة الإسلامية الأممية، وهو الجزء الذي يتكلم باللسان العربي قد امتلك تراثاً غنياً مشتركاً؛ وهو منذ بداية تكوينه التاريخي، صهر مجتمعات إثنية، عرقية ودينية، واكتسب من خلالها شخصية خاصة تميزه عن الشخصيات الخاصة للشعوب الأخرى. فلنطلق على هذا الجزء اسم المجتمع القومي العربي ، الذي لعب الإسلام في تكوينه دوراً مميزاً .





                            ([1]) زبادية، عبد القادر: «دور الإسلام والعربية، لغة وثقافة، في تكوين مقومات العربية وفي بعث الوعي القومي العربي» (111-143): نقلاً عن: القومية العربية والإسلام: مركز دراسات الوحدة العربية: بيروت: 1982: ط2: ص 111.

                            ([2]) الحصري، خلدون ساطع: م . ن: ص120.

                            ([3]) القرضاوي، يوسف: الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه: مؤسسة الرسالة: بيروت: 1992: ط3: ص 32.

                            ([4]) م . ن: ص32و35. استندنا إلى هذا المرجع دون غيره، لأنه نموذج لمجموعات واسعة من الكتابات المماثلة.

                            ([5]) م . ن : ص 44.

                            ([6]) م . ن : ص47.

                            ([7]) رودنسون، مكسيم: م . س: ص 61.

                            ([8]) م.ن: ص 63.

                            ([9]) م.ن: ص 67-70.

                            ([10]) م.ن: ص 70-76.

                            ([11]) م.ن: ص 85.

                            ([12]) م.ن: ص 91.

                            ([13]) الزين، نزار: «لغة التعليم والوحدة الوطنية»: ملحق جريدة النهـار: العدد 59: تاريخ 24/4/1993.

                            ([14]) حتي، د. فيليب: تاريخ العرب: م . س: ص430-431.

                            ([15]) الزيـن، نزار: م . س: عامود 1.



                            مرسلة بواسطة حسن خليل غريب في الأربعاء, يناير 16, 2013
                            التسميات: أبحاث ودراسات, إنتاج 2013, مقالات إسلامية

                            تعليق

                            • زحل بن شمسين
                              محظور
                              • 07-05-2009
                              • 2139

                              #15
                              الطائفية السياسية: مفاهيم ومصطلحات


                              الطائفية السياسية: مفاهيم ومصطلحات

                              كُتب المقال في تشرين الثاني 2013

                              مدخل:

                              كثيراً ما يتردد في قاموسنا السياسي مصطلحات كـ(نظام الطائفية السياسية)، أو (أمراء الطوائف)، أو (الديني السياسي)، أو (الحركات الدينية السياسية)، أو (الحركات السياسية المغلفة بغطاء الدين). ومصطلح الطائفية السياسية هو مصطلح جامع لكل تلك التسميات.

                              ابتدأ استخدام هذا المصطلح في لبنان منذ عشرات السنين، وتعود أصوله التاريخية إلى العام 1864، وهو تاريخ إنشاء متصرفية جبل لبنان في أعقاب أكبر فتنة طائفية شهدها، ومن أجل احتوائها تم تشكيل مجلس إدارة للحكم تمثَّلت فيه طوائف الجبل، وكان متصرف تركي يديره، وترعاه الدول الأجنبية التي أعلنت كل منها حمايتها لطائفة من تلك الطوائف.

                              وبدأ يعرفه الخطاب السياسي العراقي بعد الاحتلال، خاصة أن الدستور العراقي الذي كان من صياغة أميركية، ورعاية إيرانية، ومشاركة من عملائهما، وفيه أُدخلت نصوص تعترف بحقوق الطوائف. وأخذ استخدام تلك المصطلحات يتوسَّع ويتعمَّق أكثر فيما يجري من انتفاضات وحراك شعبي في الوطن العربي، إذ مرَّ على الساحة المصرية بعد وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم. وهو يتفاعل ويتعمَّق في ليبيا إلى جانب مصطلح (نظام العشائر). وتبرز تأثيراته في تونس بوصول (حزب النهضة) إلى استلام الحكم. وتوسَّع استخدامه في الحراك الدائر في سورية في ظل سيادة (حركة النصرة) و(الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش) بشكل رئيسي، بالإضافة إلى تنظيمات أخرى بمسميات أخرى.

                              كل ذلك أدى إلى رفع الكثير من علامات الاستفهام عن مآل الحراك ونتائجه في تلك الأقطار، ولا تزال أصداؤه تتفاعل وتنتشر حيثما يحصل حراك شعبي هنا أو هناك. وأصبح المصطلح أكثر خطورة بعد أن أكدت التقارير وجود صلات وثيقة بين تلك الحركات والقوى المعادية لأهداف الأمة العربية، خاصة منها أميركا وإيران.

                              وبانتشار استخدام هذه المصطلحات، يقف المراقب متسائلاً:

                              -ما هي طبيعة القوى الدينية التي تلعب دوراً لافتاً على مساحة الوطن العربي؟ ما هو حجمها؟ وما هي مشاريعها؟ وما هي أهدافها؟

                              -كيف يمكن استشراف مستقبل الحراك الشعبي في ظل مشاركة تلك الحركات في تفصيلاته ويومياته؟

                              ويزداد القلق أكثر إذا عرفنا أن تلك الحركات تقود بشكل لافت الحراك الشعبي هنا وهناك، وخاصة إنه حيثما سقط نظام ديكتاتوري تصل تلك الحركات الدينية إلى مواقع الحكم، بينما حركات التغيير التي تعتنق الفكرين الوطني والقومي تبقى على هامش الأحداث، مشاركة وقيادة.

                              وبالتالي، تقود كل تلك التساؤلات، وغيرها الكثير، إلى ضياع وحيرة في المواقف السياسية منها، وإلى خوف من المصير المجهول. وزاد الغموض أكثر خاصة أن بعض المواقف السياسية تسكت عن دور تلك الحركات. وسبب هذا السكوت يأتي من زاوية ضيقة باعتبارها وسيلة من وسائل إسقاط الأنظمة الديكتاتورية. وطالما أنها تشارك في الإسقاط، تعتبر تلك المواقف أنه لا ضير من مشاركتها، تحت حجة أنه لا مستقبل لها إذ أن الجماهير الشعبية لن تلبث طويلاً حتى تنقلب عليها.

                              إزاء كل ذلك، كان لا بد من تمهيد نظري مبني على الواقع وعلى الإيديولوجيات الدينية المختلفة التي تحدد أهداف تلك الحركات، وتفصح عن مشاريعها. والتمهيد سيُعنى بصياغة تعريفات أساسية، لا بد للمتابع السياسي من أن يُلمَّ بها قبل الولوج إلى تحديد مواقف مبدئية من نشاط حركات (الطائفية السياسية) ودورها.

                              ولأن لمصطلح الطائفية ارتباط وثيق بمفهومنا للدين، سيتركز اهتمامنا في تعريف (الطائفية السياسية) على جوانبها وزواياها الدينية.

                              تعريف الدين: الدين مسألة إنسانية قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض. نشأ منذ أن فرض على الإنسان مواجهة ظواهر طبيعية أقوى منه، فعبدها وصنع لها رموزاً على شكل أوثان قدَّم لها فروض الطاعة والعبادة. ولما لم تكن تلك القوة الخارقة التي تخيف الإنسان ظاهرة ولا تدركها الحواس، ولما أثارت ظاهرة الموت مدارك الإنسان باعتبار ما هو مصيره بعد الموت، اعتُبِر الدين اعتقاد ما ورائي، أي جاء على قاعدة افتراض وجود حياة بعد الموت، ولذا أغرقت الديانات فكر الإنسان بتفسير ما قد يحصل له بعد مفارقة الروح الجسد، وما هو مصير روحه.

                              وعبر آلاف السنين من معرفة الأديان تباينت تفسيرات البشر حول طرق خلاص نفس الإنسان في الآخرة، واختطت كل جماعة لنفسها تشريعاتها الخاصة بالطقوس والعبادات التي يعتبرها إجازة مرور آمنة إلى الحياة الأخرى فاعتبرتها من المقدسات التي لا يجوز نقدها أو تغييرها. وبناء على طرائق فهمها تلك قامت بتنظيم شؤونها الدنيوية، ففرقتها ساعتئذ التشريعات الخاصة، واعتبرتها مقدسة أيضاً، لأنها جاءت بأوامر ممن تعتبره (إلهاً) لها. فالمقدَّس يختلف من دين لآخر. وكما أن هناك ما يفرق الأديان والمذاهب، فهناك أيضاً ما يجمعها، فتلاقت حول الدعوة إلى تطبيق المثل العليا.

                              لم تكن الأديان السماوية سبَّاقة في محاولة تفسير مصير الإنسان بعد الموت، بل سبقتها إلى ذلك الديانات الوثنية. ثم جاءت النظريات الفلسفية التي اهتمت بتفسيرها أيضاً. ومن بعدها جاءت الأديان السماوية لتلعب دوراً كبيراً في ذلك التفسير على اعتبار وجود إله واحد بنى الكون وخلق الإنسان، وسوف يحاسبه على أعماله في الحياة الآخرة، أي الحياة بعد الموت. ولذا فقد انتشرت الديانات السماوية في معظم أصقاع الأرض، ويُعدُّ معتنقوها اليوم بالمليارات، إلاَّ أن ذلك لم يلغ الأديان الأخرى، كالديانة البوذية التي يبلغ تعدادها المليارات أيضاً.

                              ومن بين كل تلك الديانات، السماوية وغيرها، تزخر الدول ذات الأكثرية الإسلامية بحركة لافتة من الصراعات الفقهية التي تصل إلى حدود الصراعات الدموية. ولكن هذا لا يعني أن الديانات الأخرى لم تعرف تاريخاً دموياً، بل أغرقت في محطات تاريخية في صراعات دموية مبنية على التكفير والتكفير المضاد بين مذاهبها.

                              فالدين، في مفهومنا، حاجة روحية ضرورية للإنسان، وقلَّما تجد إنساناً لا ينتمي إلى دين يؤمن بخالق للكون، باستثناء بعض الفلسفات التي لا تؤمن بوجود هذا الخالق، كالفلسفة الماركسية، ولهذا نُسبت هذه الفلسفة إلى الإلحاد. ولكن بدلاً من أن يكون الدين حاجة تغرس في نفس الإنسان محبة القيم العليا وممارستها، فإنه تحول بفعل وجود التكفير المتبادل بين الأديان والمذاهب، إلى محنة مخيفة، وتحوِّلت علاقات أبناء (المجتمع الوطني الواحد) إلى جحيم لا يتورع فيه من أن يقتل الإنسان أخاه الإنسان بدم بارد. وكان مبدأ التكفير هو السبب في الصراعات الدموية بين الأديان من جهة، والمذاهب حتى المنبثقة منها من دين واحد من جهة أخرى.

                              تعريف التكفير: حَكَمَ بِتَكْفيرِهِ: أي حكم عَلَيْهِ بِالإِلْحادِ، أَيْ أبعده وأخرجه عَنْ مَبادِئ دِينِ الجَماعَةِ .وعادة ما يَتَّهم الإنسان الآخرين بالإلحاد لأنهم لا يؤمنون بالدين، أو المذهب، الذي آمن به، أو أنه يكفِّرهم للسبب ذاته، هذا ناهيك عن أن الفرق الإسلامية ذات الأهداف السياسية تتهم المذاهب الأخرى بالارتداد عن الإسلام. لذا نصَّت الأديان السماوية على قتال الملحدين، أو المرتدين. ولا يخلو دين أو مذهب ما من نصوص تدعو إلى تكفير الأديان والمذاهب الأخرى. ويحمل اعتقاد المنتسبين إلى الأديان بصحة معتقداتهم، وخطل معتقدات الآخرين، أمراً بقتالهم. وهذا الأمر، كما يعتقد جميع الطائفيين والمتمذهبين، بمثابة (توكيل إلهي) لهم بقتال الفرق الدينية الأخرى، حتى يعودوا عن كفرهم وغيهم، بتطبيق (حكم الله) كما يحسبون.

                              تعريف الطائفي: ويمكننا معرفة مفهوم الطائفي من خلال تحديد طريقته بالتدين، فالمتدين نوعان:

                              -الأول يحترم معتقدات الآخرين الدينية على قاعدة أن هناك أكثر من طريق لخلاص الأنفس في الآخرة.

                              -والثاني ينكر على الآخرين حقهم بالاعتقاد الديني ويسفِّه معتقداتهم بذريعة أن طريقته لخلاص نفسه في الآخرة هو الطريق الصحيح وما عداه من معتقدات ليست صحيحة، وهنا يتحول المتدين إلى طائفي.

                              الديني يجمع والطائفي يفرِّق:

                              بعد التعريفات والمفاهيم أعلاه، يصبح الفرق بين الديني والطائفي واضحاً. فالدين باختصار اعتقاد روحي يجمع البشر ولا يفرقهم إذا أُخذت القيم العليا بعين الاعتبار، كجامع بين الأديان، ومن تلك القيم يأتي واجب الدفاع عن الأرض والعرض، وحول هذا يجتمع أبناء الوطن الواحد على تعدد انتماءاتهم الدينية. وإذا تحوَّل الاعتقاد الديني إلى اعتقاد بقدسية شرائع الدين الخاصة أو المذهب الخاصة، مما يُحلُّ العلاقات بين أبناء الوطن الواحد إلى مستوى التوتر على قاعدة (نصرة أبناء المذهب) على حساب نصرة (أبناء الوطن الواحد)، وبذلك يتحول الاعتقاد الديني أو المذهبي إلى عامل تفريق وتمزيق واقتتال.

                              فالشعور الطائفي، في مثل هذه الحالة، يحوِّل الاعتقاد الديني إلى عامل تفتيتي، يتميز بخطورتين على المجتمع الواحد:

                              -فهو سلاح يكون مستعداً لافتعال الخصومة والاحتراب مع المعتقدات الدينية الأخرى.

                              -وهو تفتيتي لأنه يعمل على بناء دولة دينية تفرض على مواطنيها شرائع المذهب الحاكم.

                              إن أخطر أنواع الصراعات بين المذاهب تلك التي تنشأ من عقيدة دينية متزمتة، وهي عادة ما تؤمن بنظرية (الفرقة الناجية من النار)، أو (الطائفة المنصورة)، أو (الفرقة الضالة)، وما إلى هناك من تصنيفات تراكمت عبر مئات السنين داخل الدين الواحد. وعاشت كل من المسيحية والإسلام تجارب مريرة على هذا الصعيد. ولذلك عرف التاريخ الإسلامي والمسيحي الكثير من الدول الدينية، التي أسَّستها الفرق الدينية، سواءٌ أكان في أوروبا، أم تلك الدويلات الطائفية التي نشأت في كنف الإمبراطورية الإسلامية. ولهذا تشكل الدول الدينية واقعاً سياسياً تحكمها نخب من دين واحد أو من مذهب واحد، تزعم أنها تطبِّق (شرع الله)، فتظهر وكأنها تحكم بـ(اسم الله)، وتطبق شرائعه. ولهذا لا تحرم الأديان والمذاهب الأخرى من المشاركة في الحكم فحسب، بل تنتقص من حقوقهم أيضاً.

                              من هنا تتمثَّل خطورة المذاهب والأديان، خاصة عندما تحوِّل الدين أو المذهب إلى مشاريع سياسية، وهذا ما عرَّفته أدبيات حزب البعث العربي الاشتراكي، بـ(الحركات الدينية السياسية) أي تلك الحركات التي تستغل الدين من أجل مآربها الدينية أو المذهبية، ومن أجل عقائدها التي تعتبرها مقدَّسة.

                              فالفرق بين الديني، والديني السياسي، إذن: الديني هو اعتقاد بطريق للوصول الى خلاص الأنفس في الآخرة وهذه ظاهرة اجتماعية فردية. أما الديني السياسي فهو يعمل من أجل بناء دولة دينية. والدولة الدينية ترفض الدول والأشخاص والأحزاب التي تخالفها بالعقيدة وتكفِّرها.

                              فالحركات الدينية السياسية: هي تلك الحركات الدينية والمذهبية التي تعمل من أجل بناء دولة تتبنى الشرائع الدينية الخاصة بها، أي ما تعتبره (أحكاماً إلهية). وقد عرف التاريخ العربي الإسلامي الكثير من مراحل الصراع والتذابح بين المذاهب الإسلامية التي سعت لبناء دول دينية. ولعلنا نذكر تاريخ الدويلات السنية والشيعية، ومنها الخلافة العباسية من جانب، والدولة الفاطمية من جانب آخر. وعلى القاعدة ذاتها حصل الصراع بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية.



                              حركتا (الإخوان المسلمين) و(ولاية الفقيه) حركتان دينيتان سياسيتان، تستأنفان الصراع التاريخي بين السنة والشيعة:

                              أما في تاريخنا المعاصر فنذكر مشروعين دينيين سياسيين رئيسيين، هما: حركة الإخوان المسلمين، وحركة ولاية الفقيه، ومن أهم أهداف كل منهما إقامة دولة دينية على أساس فقهها الخاص. وإن كانت كل منهما تنسب نفسها إلى الإسلام، إلاَّ أنهما حركتان متناقضتان من حيث الفقه الإسلامي، ومضامين تشريعات الدولة الإسلامية. وإذا لم تكونا قد استبقتا التفجير بينهما بشكل مباشر في هذه المرحلة، أي مرحلة ما تُسمَّى بـ(الربيع العربي)، فلأنهما يتحاربان بالواسطة، وإن بذور صراعهما التكفيري الدامي جاهزة إذا ما حققت كل منهما مشروعها، والتناقضات بينهما قائمة على قواعد فقهية تكفيرية.

                              والمتابع لحالة الصراع الراهن بين المشروعين يبدو واضحاً أنهما يسيران بالوطن العربي إلى صراع شبيه بالصراع العثماني الصفوي، بحيث تستعيد العاصمتان: طهران واستنبول، التاريخ الدموي منذ ما قبل أكثر من ثلاثة قرون من الزمن.

                              لم تتفجر الصراعات المباشرة بينهما حتى الآن، لأن حالة العداء للقومية العربية تجمعهما. وبعد إسقاط كل ملامحها وأشخاصها وأحزابها ينتقلان إلى مرحلة اقتسام مناطق النفوذ في الوطن العربي على قاعدة أن كلاً منهما يشد إلى جانبه من ينتمي مذهبياً لمشروعه الديني السياسي، لذا فهما يتصارعان تحت غطاء ما يسمى بـ(الربيع العربي). ومن ضمن هذا السياق فإن كلاً منهما تعمل بوعي ودراية، أو بدونهما، من أجل تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يقوم على عقيدة إعادة تقسيم الأقطار العربية إلى دويلات طائفية. وأما السبب فلأنهما لن تستطيعا أن تقتطعا حصصهما إلاَّ بناء على تقسيم تلك الأقطار على أسس مذهبية، بحيث تستقوي الدويلات التي ستنشأ، إذا ما كُتب النجاح لذلك المشروع، بالنظامين الإقليميين إيران وتركيا.

                              وأما البرهان على عملهما في سبيل إنجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد فهو واضح من خلال التحالفات التي جمعتهما في العراق بعد الاحتلال، فلكل منهما قواعده الحزبية المتمثلة بشكل أساسي في (حزب الدعوة)، وفي (الحزب الإسلامي في العراق).



                              نظام الطائفية السياسية لا يعيش خارج عوامل الاستقواء بالخارج:

                              لقد حُكم لبنان، من بين كل الأقطار العربية، بنظام الطائفية السياسية. إذ تعود أصوله التاريخية إلى العام 1860. وأطلق على تأسيسه الأول بـ(متصرفية جبل لبنان).

                              فنظام المتصرفية هو نظام حكم أقرته الدولة العثمانية، بمشاركة عدد من الدول الأوروبية، بعد مذابح حصلت بين الدروز والموارنة في جبل لبنان، وعُمل به من العام 1860 إلى العام 1918. وقد جعل هذا النظام جبل لبنان منفصلاً من الناحية الإدارية عن باقي بلاد الشام، تحت حكم متصرف أجنبي مسيحي عثماني غير تركي وغير لبناني، تعينه الدولة العثمانية بموافقة الدول الأوروبية العظمى: بريطانيا وفرنسا وبروسيا والنمسا وإيطاليا. وكان كل مندوب في اللجنة الدولية يسعى إلى جعل مقرراتها تخدم مصالح بلاده في لبنان. ويكون للجبل مجلس من إثني عشر عضواً: 4 عن الموارنة، و3 عن الدروز، و2 عن الروم الأرثوذكس، وواحد عن كل من السنة والشيعة والروم الملكيين الكاثوليك.

                              وبعد مرور قرن ونصف القرن تقريباً، ما يزال النظام في لبنان يعيش عصر (المتصرفية)، وإن كان بثوب حديث. يتم اختيار رجالاته بطريقة ديموقراطية، ولكنها محكومة بثابتين، وهما:

                              -الثابت الأول: توزيع المسؤوليات على قواعد المحاصصة الطائفية، بدءاً من رئاسة الجمهورية، مروراً بتشكيل الحكومة ورئاستها، وبعدد أعضاء مجلس النواب ورئاسته، انتهاء بتوزيع الوظائف بكل مستوياتها.

                              -الثابت الثاني: كل طائفة في لبنان مرتبطة بعوامل الاستقواء الخارجي الدولي والإقليمي من جهة، وعوامل الاستقواء العربي بامتداداته الطائفية من جهة أخرى.

                              وعلى هذا الأساس، صعد نجم طائفة من الطوائف اللبنانية في مرحلة وأفل في مرحلة أخرى، بشكل يتناسب مع عوامل الاستقواء الخارجية. فعرف السنة مرحلة من القوة في ظل الحكم العثماني، والموارنة في مرحلة الانتداب الفرنسي، والشيعة في المرحلة الراهنة.

                              وأما الحل كما يشخصه حزب البعث العربي الاشتراكي، فلن يكون بمعزل عن مفاهيم المواطنة التي تساوي بين جميع مكونات الوطن الاجتماعية، الدينية والعرقية. وإحلال عقيدة الدفاع عن الوطن، وحمايته، واعتبار الاعتقاد الديني والمذهب حرية فردية. فعلي أرض الوطن تسكن مجموعات متباينة بالعقائد الدينية أو الإثنية العرقية، وهذا ما هو حاصل بأقطار الأمة العربية بشكل خاص، ولن يجمعها إلاَّ تشريع موحد يضمن العدالة والمساواة وحرية الاعتقاد الديني لكل أبنائه. لذا تبقى الأوطان موحَّدة إذا اجتمع سكانها حول هدف واحد هو الولاء للوطن، وتتفتت إذا كان الولاء للدين أو المذهب هو البديل.

                              إن الولاء للدين أو للمذهب، كبديل للولاء للوطن، يدفع بأتباع كل منها إلى الحلم ببناء دويلته الدينية، فتتعدد الرؤى ويسود الاختلاف. وإذا ما حصل هذا الواقع، تصبح كل فئة دينية بغاية من الضعف، الأمر الذي يدفعها للاستقواء بالخارج، والخارج بدوره، مدفوعاً بضمان مصالحه سوف يوفر الدعم لأية مجموعة تستنجد به. والأمثلة على ذلك كثيرة في التاريخ الحديث والمعاصر. وتجربة جبل لبنان في ظل نظام (المتصرفية) في العهد العثماني أوضح دليل على ذلك. حينذاك أعلنت الدول الأجنبية حمايتها للأقليات الدينية حتى من دون أن يجمعها حتى عامل الدين أو المذهب.



                              مرسلة بواسطة حسن خليل غريب في الأربعاء, نوفمبر 25, 2015
                              التسميات: إنتاج 2013, مقالات إسلامية, مقالات قومية, مقالات لبنانية

                              تعليق

                              يعمل...
                              X