نقدالعقل المجرد
شكرا على تتبعكم لهذا العمل غير المفصّل.
ينطلق طه من تعريف أريسطو الذي يعتبر العقل جوهرا به يتميز الإنسان عن الحيوان.
عند تطبيق معيار الفاعلية فهذه الجوهرية تعدّ عائقا فعليا، فالجوهرية ثبات واستقرار وهو مخالف للظرفية والنسبية والتاريخية التي يتسم بها العقل الذي هو فعل من الأفعال.
وفي معيار التقويم رغم أنه موفق في اختيار مقصد التمييز بين الإنسان والحيوان فهو موفق جزئيا، ذلك أن العقول العشرة التي نزلت منزل الآلهة تخاف الإنسية، فتأليه العقل يخالف المقصد الأساس الذي وضع له.
وبما أن هذا التعريف للعقلانية يخل بالمعيارين السابقين فهو بالضرورة مخل بالتكامل، إذ لو جاز اعتبار الذات عقلا فما المانع من اعتبار التجربة ذاتا و كذلك اعتبار العمل ذاتا فهو إذن بدل الوحدة الإنسانية فهو يؤدي إلى التجزيء.
أما اعتبار ديكارت للعقل هو المنهج العلمي فهو يقود إلى صفات ثلاث أولا الاسترقاقية بدل التحرّر وثانيا النسبية بدل الوحدة وثالثا الفوضوية بدل النظام.
اختلاف النظريات التجربية، والرياضية وورود القطائع الإبيستيمولوجية واختلاف المنطق المتبع في كل مجال يجعل العقل ليس مقصدا إنسانيا مشتركا. فهو ليس موضوع وحدة بل موضع اختلاف ونسبية.
وكون المنهاج العلمي تقنيا فتحرر الإنسان مستبعد، فهو خاضع لشروط المنهاج التجريبي الآليّ، والآلة تدمر الإنسان، كما أنه لا يدخل الأخلاق في اعتباراته، فهو بذلك يتبنى كلّ شيء ممكن، وكلّ ما هو ممكن وجب صنعه.
ولما كانت النظريات العلمية لا تنمو خطوة خطوة نحو الكمال بل كلّ منها تهدّم الأخرى أي أن العقل يهدّم ما بناه ليقيم بنيانا جديدا، في الرياضيات كما في الفزياء.
مادام الثبات والشمول غائبا فمعيار التقويم لا يتحقق في التعريف الديكارتي.
وما دامت الوسائل كلها مادية فيقتصر العقل التجربيّ على المادة ويغفل الروح، فمعيار الوسائل الناجعة أيضا لا يتحقق، وبهذا لا يتحقق معيار الفاعلية، وبذلك ينهار معيار التكامل لكون العقل هنا يقتصر على الظاهر ويغفل الباطن فلا يتكامل الإنسان.
لذلك يقول طه وجب القول أن العقل النظري هو أدنى مراتب العقلانية.
العقلانية المسدّدة:
العقل المسددّ عند طه عبد الرحمان هو عقل يستمدّ مقاصده من الشرع فلذلك تكون المقاصد ثابتة لذلك فهو مستوف لمعيار التقويم، لكن تنقصه نجاعة الوسائل لأنه يقتصر على المقاصد ولا يبحث عن الوسائل الناجعة، لتحقيق هذه المقاصد وهنا افتح قوسا فطه يريد عقلانية داخل الدين بمعنى أن تكون العقلانية الإسلامية مرتكزة على مجال تداولي و ليس بيئة ثقافية فقط، فالبئية الثقافية يمكن أن تكون فيها أفكار ومصطلحات دخيلة والمجال التداولي محصّن بمصطلح ومعنى يحكمه ويستند هذا المجال التداولي على اللغة والعقدية والمعرفة "المعرفة بمعنى الفلسفة المحلية، أي فلسفة نابعة من المجال التداولي نفسه وليس الفلسفة "الكونية"، لذلك تجد طه يبدع الكثير من المصطلحات "إسوة بالغزالي" وبقدرما يجعل ذلك خصوصية لفكر طه فهو قد يكون عائقا في الفهم عند الكثيرين، فليس من السهل قراءة طه.
لذلك يرى طه عبد الرحمان أن آفة العقل المسدّد تكمن في التظاهر والتقليد.
والتظاهر يكون عند تفاوت ظاهر الفعل مع القصد وقد يكون تكلّفا عند خروج الفعل من قصد التقرب به إلى الله وجعله قصد التقرب به إلى غيره، وقد يكون تزلّفا أي إشراك الغير بالله في القصد، أو يكون تصرّفا حين تشرك النفس بالله في القصد.
أمّا التقليد فهو العمل بقول الغير دون الحصول على دليل عملي يفيد ويثبت فائدة القول، من أنواعه التقليد الاتفاقي، أي العمل بقول دون الحصول على دليل نظري لصحة القول والتقليد النظري وهو أن تعمل مع حصول الدليل النظري دون العملي لصحة فائدة هذا القول، والتقليد العادي وهو العمل بقول الغير مع حصر الدلالة العملية لهذا القول في الحركات الظاهرة، سواء تم الاستناد إلى دليل أو لا.
وبذلك تكون العقلية المسددة مخلّة بمعيار الفاعلية. ويكون الحل هو العقلية المؤيدة.
العقل المؤيد.
شروط نجاعة الوسائل
ـ الجمع بين المقال والسلوك أي الانتقال من مستوى التمييز المجرد إلى التلبّس السلوكي بهذه المعرفة.
ـ الجمع بين موضوع المعرفة والله. فالموجودات هي مجلى قدرته ومظهر صنعه وبذلك تدرك الله في هذه المواضيع.
ـ أن يكون في التخلق متّسع للاستزادة الدائمة.
ومن آثار حصول النجوع في الوسائل:
ـ تلقي الخطاب
أن يعلم المتخلق أن الله يخاطبه في كلذ شيء وأن هذه المخاطبة مستمرة طيلة حياته وإن حفظ في رسوم الصحف المطهرة، فما استقام الكون إلا بهذه المعاني.
ـ تحمل الرؤية:
أي أن يعلم المتخلق أن الله يراه فإن جاءته الرؤية بالرضى سعد سعادة لا يشقى بعدها، وإن جاءته بالسخط شقي شقاوة لا يسعد بعدها، لذلك فهو مطالب أن يراقب نفسه ويراقب الله في كلّ أفعاله
وهكذا انطلق طه لتأسيس مشروع التخلق المؤيد.
ويمكن لمن يريد الاستزادة أن يراجع كتاب روح الحداثة وكذا كتاب روح الدين لاستكمال المشروع الطاهوي أو الطهائي.
تعليق