النّص : طبقيّة
النّاص : محمد مزكتلي
القراءة : جهاد بدران
..........................
النّص :
أقامَ رأسمالي مأدبةَ عشاء فاخرة للأهل والأصحاب.
بعدَ العشاء,جمعَ الكثيرَ المتبقي منَ الطعام,أستغربَ من هذا شريكَهُ.
فأخبرهُ بأنهُ غداً سيوزعهُ على عُمَّالِ المصْنع.
نَهرهُ بشدة:إياكَ أن تفعَلْ ,وارمهِ في الزِبالة.
لو أكَلَوا من هذا الطعام سَيمرَضون,ويتغيَبون عن العمل.
القراءة :
طبقية...
يا سلام كم هذه القصة القصيرة جدا ..عميقة وعميقة جداً
هي ليست مجرد طعامٍ وكرم ..بل هي لغة ناقدة لصورة المجتمع اليوم..ووصف عميق ساخر لاذع الذي تقوم فيه الرأسمالية بنفوذها وخططها وفكرها الإستبدادي على المحافظة على وجود طبقتهم الرأسمالية التي تنظر من منظار الأعلى والغلبة للمال..
الكاتب أراد أن يوجه الفكر للنضوج وتوجيهه لأساليب الغزو الفكري والتخطيط المسبق لتبقى هناك طبقية واضحة المعالم تسيطر على الفئة الفقيرة بالحرمان والتجويع حتى تبقى خاضعة لمآربهم وحكمهم وتنفيذ نواياهم الظالمة...وهذه سياسة متبعة في دول كثيرة بهدف احتلال الإنسان وإخضاعه لهم بالمال والسيطرة عليه ليبقى المال بين يدي هذه الفئة الظالمة..وطبعاً هذه السياسة تهدف لقتل معالم الإنسانية وتقطع الصلة بين الأفراد من ود وتراحم وإنسانية...وازدياد الفقر ليسهل السيطرة على الشعب ويسهل تكميم الأفواه وتزداد نسبة الصمت التي تخدم كل المصالح السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية والإدارية..ويرتكز هذا النظام على الأنانية إذ يحافظون على الأموال أن تبقى بين يدي فئة معينة من التجار وأصحاب الأموال..وتبقى شريحة الفقر طاغية في المجتمع لتسهيل عملية السيطرة بكل أبعادها..لنتج عالماً أشبه بغابة ..القوي فيها يأكل الضعيف..
يبدأ الكاتب قصته بقوله:
( أقامَ رأسمالي مأدبةَ عشاء فاخرة للأهل والأصحاب)
طبعاً من وبشكل عادي جدا وكثير أن يقيم هؤلاء أصحاب الثروات مأدبة فاخرة للأغنياء أمثالهم..من الأهل والأصحاب..
جملة ومقدمة استهل بها الكاتب قصته لتكون عملية توضيح لما بعد ذلك لتفتح مجال الرؤيا والخيال بلا حدود..
يكمل بقوله:
( بعدَ العشاء,جمعَ الكثيرَ المتبقي منَ الطعام)
طبعاً هنا يرينا الكاتب طريقة المعاملة وخلاصة السلوك الذي يسلكه رأسمالي فيه بعض الرحمة..ولكن بطريقة السخرية والنقد اللاذع...إذ عملية التجثيع للطعام تدل على احتقار الإنسان وليس بهدف الرحمة ..لأنه عادة ما تكون طريقة جمع الطعام المتبقي للحيوانات وليس للبشر..وهذا قمة الذل والقهر ..ولكشف أساليب هذه الفئات البشرية...
سخرية وتصوير واقع مؤلم تحزّ النفوس غضباً وغيرة..
ثم يتابع قوله:
( أستغربَ من هذا شريكَهُ. فأخبرهُ بأنهُ غداً سيوزعهُ على عُمَّالِ المصْنع.)
هذا سلوك تلقائي وليس فيه غرابة لفرد رأسمالي لا ينظر من منظار الرأفة والرحمة والإنسانية..بل ينظر من باب المصالح الذاتية
والسيطرة العمياء على الأفراد الفقراء العاملين تحت سيوفهم..
فكان نتيجة الطمع وحب الذات والمال..ما وصفه الكاتب بقوله:
(نَهرهُ بشدة:إياكَ أن تفعَلْ ,وارمهِ في الزِبالة.
لو أكَلَ العُمَّالُ من هذا الطعام سَيمرَضون,ويتغيَبون عن العمل.)
عملية ( نهره) هذه تدل على التدريب في كيفية السيطرة على الطبقة الكادحة الفقيرة دون وجه حق ووجه رحمة..ينزعون الرحمة ليبقى المال رأسهم المسيطر ..
توجيه وتدريب فيما بينهم ليبقى لهم نفوذ وحكمهم الظلم لتحقيق مآربهم الأنانية..
وفضّل رمي الطعام بالزبالة على أن تسود معالم الإنسانية هذا المجتمع...
وأما قوله :
( سيمرضون.. ويتغيبون عن العمل)
هنا ليس القصد المرض بعينه..بل هو الصحوة على الظلم والثورة عليه حين يشتد ساعدهم وتقوى بطونهم عند الشبع ..بإعادة فكرهم واتزان عقلهم وفك الحصار عن صمتهم...
فهذا هو المرض بنظر الرأسمالي..عملية الصحوة هي مرض لهذه الفئة الطاغية..وعملية تغيبهم عن العمل ..إنما عدم الرضا تحت نصل التبعية والعمل لحساب أطماع هؤلاء الظلمة..
ولمثل هذه السياسة ..سياسة التجويع وإخضاع الشعوب بتنويم تفكيرهم بوسائل مدروسة لتبقى الثورة على الظلم موؤودة تحت اللسان وتحت قيود الحقيقة...
...
الأستاذ الكبير الكاتب الأديب الراقي
أ.محمد مزكتلي
كتبت لنا قصة قصيرة جداً ..بارعة النسج ..عميقة الدلالة ..تحمل أبعاداً مختلفة ..وترمز لسلوكيات بشرية وطبقات إجتماعية تخطط وتعمل وفق الأنا والذات الإنانية بهدف تحقيق مصالحهم بسهولة دون عوائق تحيطهم..
قصة حبكتها محكمة وهدفها بليغ ..نستطيع من خلالها فتح آفاق الخيال والفكر لتدوين مجلدات كثيرة تخدم ما حوته هذه الألفاظ القليلة..
براعة في النسج ..إتقان محكم في تجميع الحروف وفق أسلوب مدهش..ووفق هدف أسمى يدل على عبقرية الكاتب في تدوين حرفه في قالب سياسي هو ما يجلد مجتمعاتنا اليوم..
كل التقدير والتبجيل لهذا القلم الذي يشرّح الواقع المؤلم بعبارات قليلة ومعاني بليغة كثيرة...
وفقكم الله لنوره ورضاه وأسعدكم في الدنيا والآخرة...
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية
النّاص : محمد مزكتلي
القراءة : جهاد بدران
..........................
النّص :
أقامَ رأسمالي مأدبةَ عشاء فاخرة للأهل والأصحاب.
بعدَ العشاء,جمعَ الكثيرَ المتبقي منَ الطعام,أستغربَ من هذا شريكَهُ.
فأخبرهُ بأنهُ غداً سيوزعهُ على عُمَّالِ المصْنع.
نَهرهُ بشدة:إياكَ أن تفعَلْ ,وارمهِ في الزِبالة.
لو أكَلَوا من هذا الطعام سَيمرَضون,ويتغيَبون عن العمل.
القراءة :
طبقية...
يا سلام كم هذه القصة القصيرة جدا ..عميقة وعميقة جداً
هي ليست مجرد طعامٍ وكرم ..بل هي لغة ناقدة لصورة المجتمع اليوم..ووصف عميق ساخر لاذع الذي تقوم فيه الرأسمالية بنفوذها وخططها وفكرها الإستبدادي على المحافظة على وجود طبقتهم الرأسمالية التي تنظر من منظار الأعلى والغلبة للمال..
الكاتب أراد أن يوجه الفكر للنضوج وتوجيهه لأساليب الغزو الفكري والتخطيط المسبق لتبقى هناك طبقية واضحة المعالم تسيطر على الفئة الفقيرة بالحرمان والتجويع حتى تبقى خاضعة لمآربهم وحكمهم وتنفيذ نواياهم الظالمة...وهذه سياسة متبعة في دول كثيرة بهدف احتلال الإنسان وإخضاعه لهم بالمال والسيطرة عليه ليبقى المال بين يدي هذه الفئة الظالمة..وطبعاً هذه السياسة تهدف لقتل معالم الإنسانية وتقطع الصلة بين الأفراد من ود وتراحم وإنسانية...وازدياد الفقر ليسهل السيطرة على الشعب ويسهل تكميم الأفواه وتزداد نسبة الصمت التي تخدم كل المصالح السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية والإدارية..ويرتكز هذا النظام على الأنانية إذ يحافظون على الأموال أن تبقى بين يدي فئة معينة من التجار وأصحاب الأموال..وتبقى شريحة الفقر طاغية في المجتمع لتسهيل عملية السيطرة بكل أبعادها..لنتج عالماً أشبه بغابة ..القوي فيها يأكل الضعيف..
يبدأ الكاتب قصته بقوله:
( أقامَ رأسمالي مأدبةَ عشاء فاخرة للأهل والأصحاب)
طبعاً من وبشكل عادي جدا وكثير أن يقيم هؤلاء أصحاب الثروات مأدبة فاخرة للأغنياء أمثالهم..من الأهل والأصحاب..
جملة ومقدمة استهل بها الكاتب قصته لتكون عملية توضيح لما بعد ذلك لتفتح مجال الرؤيا والخيال بلا حدود..
يكمل بقوله:
( بعدَ العشاء,جمعَ الكثيرَ المتبقي منَ الطعام)
طبعاً هنا يرينا الكاتب طريقة المعاملة وخلاصة السلوك الذي يسلكه رأسمالي فيه بعض الرحمة..ولكن بطريقة السخرية والنقد اللاذع...إذ عملية التجثيع للطعام تدل على احتقار الإنسان وليس بهدف الرحمة ..لأنه عادة ما تكون طريقة جمع الطعام المتبقي للحيوانات وليس للبشر..وهذا قمة الذل والقهر ..ولكشف أساليب هذه الفئات البشرية...
سخرية وتصوير واقع مؤلم تحزّ النفوس غضباً وغيرة..
ثم يتابع قوله:
( أستغربَ من هذا شريكَهُ. فأخبرهُ بأنهُ غداً سيوزعهُ على عُمَّالِ المصْنع.)
هذا سلوك تلقائي وليس فيه غرابة لفرد رأسمالي لا ينظر من منظار الرأفة والرحمة والإنسانية..بل ينظر من باب المصالح الذاتية
والسيطرة العمياء على الأفراد الفقراء العاملين تحت سيوفهم..
فكان نتيجة الطمع وحب الذات والمال..ما وصفه الكاتب بقوله:
(نَهرهُ بشدة:إياكَ أن تفعَلْ ,وارمهِ في الزِبالة.
لو أكَلَ العُمَّالُ من هذا الطعام سَيمرَضون,ويتغيَبون عن العمل.)
عملية ( نهره) هذه تدل على التدريب في كيفية السيطرة على الطبقة الكادحة الفقيرة دون وجه حق ووجه رحمة..ينزعون الرحمة ليبقى المال رأسهم المسيطر ..
توجيه وتدريب فيما بينهم ليبقى لهم نفوذ وحكمهم الظلم لتحقيق مآربهم الأنانية..
وفضّل رمي الطعام بالزبالة على أن تسود معالم الإنسانية هذا المجتمع...
وأما قوله :
( سيمرضون.. ويتغيبون عن العمل)
هنا ليس القصد المرض بعينه..بل هو الصحوة على الظلم والثورة عليه حين يشتد ساعدهم وتقوى بطونهم عند الشبع ..بإعادة فكرهم واتزان عقلهم وفك الحصار عن صمتهم...
فهذا هو المرض بنظر الرأسمالي..عملية الصحوة هي مرض لهذه الفئة الطاغية..وعملية تغيبهم عن العمل ..إنما عدم الرضا تحت نصل التبعية والعمل لحساب أطماع هؤلاء الظلمة..
ولمثل هذه السياسة ..سياسة التجويع وإخضاع الشعوب بتنويم تفكيرهم بوسائل مدروسة لتبقى الثورة على الظلم موؤودة تحت اللسان وتحت قيود الحقيقة...
...
الأستاذ الكبير الكاتب الأديب الراقي
أ.محمد مزكتلي
كتبت لنا قصة قصيرة جداً ..بارعة النسج ..عميقة الدلالة ..تحمل أبعاداً مختلفة ..وترمز لسلوكيات بشرية وطبقات إجتماعية تخطط وتعمل وفق الأنا والذات الإنانية بهدف تحقيق مصالحهم بسهولة دون عوائق تحيطهم..
قصة حبكتها محكمة وهدفها بليغ ..نستطيع من خلالها فتح آفاق الخيال والفكر لتدوين مجلدات كثيرة تخدم ما حوته هذه الألفاظ القليلة..
براعة في النسج ..إتقان محكم في تجميع الحروف وفق أسلوب مدهش..ووفق هدف أسمى يدل على عبقرية الكاتب في تدوين حرفه في قالب سياسي هو ما يجلد مجتمعاتنا اليوم..
كل التقدير والتبجيل لهذا القلم الذي يشرّح الواقع المؤلم بعبارات قليلة ومعاني بليغة كثيرة...
وفقكم الله لنوره ورضاه وأسعدكم في الدنيا والآخرة...
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية
تعليق