قطرتان من نهر الحياة !

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    قطرتان من نهر الحياة !

    قطرتان من نهر الحياة !

    كان النهر الجاري ينساب بهدوء أحيانا و بصخب أحيانا أخرى حسب تضاريس سريره، ينعطف مرة و يستقيم مرة، يتسارع في المنحدر و يتوانى في المنبسط، وهكذا إلى مصبه في البحر ! و بينما هو هكذا يجري و إذا بقطرتين تندان منه عند الشلال و تحطان على ورقة التوت البري فاهتزت لاستقبالهما مسرورة مستبشرة بقدومهما !
    نظرت قطرة منهما و هي تضطرب بعصبية: أف من هذا النهر الجاري، إنه لم يرض بسحبنا في كل اتجاه من قمة الجبل خافضا رافعا لنا رغما عنا فقذفنا هنا على هذه الورقة التافهة ! أما كان جديرا به أن يتركنا نسبح مع أخواتنا حتى نصل البحر فنرى ما تراه و نذوق ما تذوقه ؟
    التفتت إليها أختها بهدوء تام و قالت و هي تبتسم : هوني عن نفسك يا أُخية ! فهل استُشِرت قبلا لما نزلت من السماء قطرة بين ما لا يحصى من القطرات ثم ساقك السيل إلى هذا النهر الجاري ؟ هلا بقيتِ في السحاب هناك في العلا و منه يمكنك النظر إلى أبعد ما تصل إليه رؤيتك ؟
    التفتت العصبية و قد زاد اضطرابها درجة و قالت: و هل كنت أستطيع ذلك و هذه الأرض تجذبني إليها بإلحاح لا أستطيع مقاومته ؟ إنني لا أحدثك عن ذلك و إنما عن هذا النهر الجارف كيف لم يرع لنا حرمة و قذفنا بعيدا عن أخواتنا. أيرضيك ما صرنا إليه و لا ندري عن مستقبلنا شيئا !
    ابتسمت العاقلة و سرحت بنظرها بعيدا إلى الأفق و قالت : أما أنا فإنني رضيت بنصيبي فاطمأننت، فلعل في وجودي ها هنا ما ينفعني أو ينفع غيري مما هو في حاجة إلى قطرة ماء فأنديه أو أسقيه أو أحييه، إنني لن أعدم فائدة مهما كان الأمر ! إنني لن أفكر فيما مضى و انقضى، و لا فيما هو قادم، المهم عندي الساعة كيف أحيا و كيف أنفع ؟
    كادت العصبية تتبخر من الغيظ فقالت: كيف تقولين أن في وجودنا هنا ما ينفعنا ؟ قد أفهم نفعنا لغيرنا و هذا مسلم به، أما ما ننتفع نحن به فإنني لا أراه، كفاك غرورا و استسلمي لمصيرك المشئوم و امكثي مثلي حتى تتبخري فتنعدمي تماما، اسكتي اسكتي !
    ضحكت العاقلة ضحكة الشفقة على أختها الجاهلة و قالت : إنني تحدثت عن نفسي أنا و لم أتحدث عنك، و لم أرِد إقحامك فيما لا تؤمنين به و كل ما في الأمر هو أنني حاولت التخفيف عنك فقط !
    و عند سماع الغضبى هذا الكلام ظنته انتقاصا من شأنها أو تجهيلا لها فلم تتماسك و كادت – هذه المرة – تنفجر فعلا لولا بقية برودة لا تزال تمسكها عن الطيش و قالت: ما هذا التعريض المزري ؟ هل تظنين نفسك أدرى مني و أعقل فلا أفهم تلميحاتك المغرضة ؟ هل نسيتِ أننا كنا معا على قمة الجبل ثم انحدرنا في هذا النهر و ها نحن على هذه الورقة ؟ فهل عندك من العلم بحالنا و مصيرنا أكثر مني ؟
    سكتت العاقلة مدة و لم ترد ثم تنهدت تنهيدة حارقة كادت تتبخر منها هي و أختها لولا لطف الله بهما ثم قالت : يا مسكينة ، لو كنت تعلمين من حالك ما تدعين لما عتبت على النهر الذي قذفنا هنا، ألم تعلمي أن هذا النهر إنما هو مجموع أمثالنا من القطرات و لولانا لما كان و لما سال ؟ كل ما في الأمر أنني حدثتك عن قناعتي أنني حيثما كنت فأنا في خير، فإن كنت في النهر مع أخواتي كنت للري أو للسقي أو للشرب أو للطهي، و إن سرت إلى البحر كنت في خدمت السفن و المراكب و الناس، و إن تبخرت تحولت إلى مطر أو بَرَد أو ثلج ثم عدت إلى الأرض و هكذا على الدوام، أحول و لا أزول، فهل أدركت الآن لماذا أنا هادئة مطمئنة راضية ؟ فإن فهمتِ قولي فاهدئي أرجوك و دعيني أفكر كيف سأنفع الكائنات مهما كانت، ففي نفعي لها نفع لي أيضا ! أششششت ! أنصتي، أليس هذا طنين نحلة تقترب منا ؟ ليتها تمتصني فأكون عسلا فيه لذة و شفاء للناس !
    بهتت العصبية و لم تحر ردا ثم حاولت الاعتراض كعادتها غير أن النحلة لم تمهلهما فارتشفتهما معا غير عابئة بعقلهما أو جهلهما و طارت بينما واصل النهر جريانه إلى البحر !

    _________
    رجاء : رحم الله امرأ أهدى إلي أخطائي مهما كانت!
    التعديل الأخير تم بواسطة حسين ليشوري; الساعة 08-07-2009, 12:48.
    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

  • حورية إبراهيم
    أديب وكاتب
    • 25-03-2009
    • 1413

    #2
    http://www.youtube.com/watch?v=aEC0P9Sosh0.
    إليك يا أبا الحسن هذا النشيد وأرجو أن تقرأ محتواه وتتفرج على عرضه الشيق
    وسوف يكون في صحبتك الجميل حمزة وقطرة ماء ..فرجة ممتعة يا أبا الحروف

    ولكم أمتعتني رحلة القطرتين تلك .وجميل نهايتها عسل في عسل ...
    إذا رأيت نيوب الليـث بارزة <> فلا تظنـــن ان الليث يبتســم

    تعليق

    • حورية إبراهيم
      أديب وكاتب
      • 25-03-2009
      • 1413

      #3
      [gdwl]قطرة ماء = الحياة ..[/gdwl]
      إذا رأيت نيوب الليـث بارزة <> فلا تظنـــن ان الليث يبتســم

      تعليق

      • حورية إبراهيم
        أديب وكاتب
        • 25-03-2009
        • 1413

        #4
        [gdwl]موضوع حيوي .......
        موضوع الساعة ....
        الحرب على الماء .......[/gdwl]
        إذا رأيت نيوب الليـث بارزة <> فلا تظنـــن ان الليث يبتســم

        تعليق

        • حسين ليشوري
          طويلب علم، مستشار أدبي.
          • 06-12-2008
          • 8016

          #5
          [align=center]أختي الأستاذة المبدعة و الذواقة : أم نزار، حورية إبراهيم، أهلا بك و سهلا بعد طول الغياب و مطل الجواب (غيابي و تماطلي) !
          أشكرك على الهدية و التعليق الغالي و أهنئك على الوعي العالي !
          لعلك لم تطلعي على قصتي الأخرى "القطيع" فهي خطيرة !!!

          القطيعُ ! هل رأيتم، يا أصدقائي، قطيعا من الغنم قام بثورة على حارسه أو أحدث انقلابا ضد راعيه؟ أظن أنكم لم تروا هذا و لا ذاك، فهل أنتم مُصَدِّقِيَّ إذا قلت لكم أنني رأيت ما سأقصه عليكم؟ رأيت قطيعا من الأغنام الوديعة، المسالمة، يخرج بها راعيها كل صباح، في الغلس، رفقة كلبه الوفي &quot;بوبي&quot; الذي يقوم بالحراسة على أحسن


          دمت على التواصل البناء الذي يغني و لا يلغي.[/align]
          sigpic
          (رسم نور الدين محساس)
          (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

          "القلم المعاند"
          (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
          "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
          و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

          تعليق

          • زينا نافذ
            عضو الملتقى
            • 09-03-2009
            • 212

            #6
            اصحبك سيدي دائما بشغف , اقرأك اتباعك من حين لاخر اجدني و قلمك متعه حقيقيه انهل من عبق قلمك الكثير ,,,اشكرك بحق امتاعنا بهكذا روح و هكذا فكر ...
            للجميع وكل من يمر هنا اقامه طيبه في جنان الليشوري ...

            تقديري
            زينا نافذ بركات
            عمان - الاردن

            مدونتي
            طباشير ..وخربشات (زينا بركات ) ..[URL="http://zinanafez.blogspot.com/"]http://zinanafez.blogspot.com/[/URL]
            مدونتي مكتوب_لافته حرة [URL="http://zina.maktoobblog.com/"]http://zina.maktoobblog.com/[/URL]




            [COLOR="DarkRed"]يضع التعب يده على أهدابي ...[/COLOR]كأنه يفرض عليها النوم ...
            لكن ما من شيء يستطيع أن يضع يده على [COLOR="darkred"]أحلامي[/COLOR]

            جبران خليل جبران

            تعليق

            • حسين ليشوري
              طويلب علم، مستشار أدبي.
              • 06-12-2008
              • 8016

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة زينا نافذ مشاهدة المشاركة
              اصحبك سيدي دائما بشغف , اقرأك اتباعك من حين لاخر اجدني و قلمك متعه حقيقيه انهل من عبق قلمك الكثير ,,,اشكرك بحق امتاعنا بهكذا روح و هكذا فكر ...
              للجميع وكل من يمر هنا اقامه طيبه في جنان الليشوري ...

              تقديري
              [align=center] أهلا بك يا زينا.
              أشكرك على جميل كلامك هنا و هناك و كلك سكر و أكثر !!!
              لست أدري إن كانت شيخوختي تتحمل إطراءك الكريم، لكنني سأحاول توطينها على تحمله !
              و إقامتك أطيب حيثما حللت أو زرت !
              تحيتي و مودتي.
              [/align]
              sigpic
              (رسم نور الدين محساس)
              (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

              "القلم المعاند"
              (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
              "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
              و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

              تعليق

              يعمل...
              X