لقد كثر القيل والقال وسال كثيرٌ من الحبر وضاع كثيرٌ من الوقت بسبب الاستقطاب السياسي في المجتمع العربي ككلّ (منذ السبعينات من القرن المنقضي)، وهو استقطاب كان قد أفضى إلى تقسيم هجين بقي قائما إلى اليوم : إما أنك علماني أو إسلامي.
فأين المسلم الوسط وأمّة الوسط في هذا التقسيم الشبيه بمرض الفُصام السريري، لا سيما أنّ حالة الاستقطاب تلك لم تعُد تُؤخذ على أنها من أعراض المرض، بل للأسف الشديد صارت تفرِضُ نفسها على العقل العربي كأداة للنضال السياسي والتعبير الفكري ؟!
و في ضوء ما آلت إليه، هكذا، أحوال المسلمين من استلاب وُجودي لا يزيد أحواله المتبَقية،التربوية منها والمعرفية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها إلاّ تدهورا ولفّا ودَوَرانا، حَول الذات وفي العدم، فلا يسع المثقف العربي إلاّ أن يحاول المساهمة بمنهجيةٍ ما أو بطريقةِ ما قد تكون جزءا لا يتجزّأ من الحل الأكبر الذي لم تبرز سماته العامة بعدُ.
أمّا مبادرتي في هذا السياق فهي تتِمّة للموضوع الذي نشرتُه في "الملتقى الإسلامي" (رقم 14) بركن "الفكر الإسلامي وسبل النهوض" بمشاركة عنوانها " نحن نعيش خارج التاريخ بسبب"الاحتباس التواصلي"، والحلّ هو الاجتهاد الدائري ".
و لمواصلة الحوار الذي بدأ منذ نشر تلك المشاركة، كم أودّ أن نرفع مستوى المناقشة إلى مرتبة أرقى. والطرح الذي أراه مُلائما للمرحلة التي بلغها الحوار بعدُ يتلخّص في ما يلي:
قبل الخوض في تحديد أدوات الاجتهاد لا بدّ لنا أن نتّفق على المنهجية، أو لمزيد التوضيح، على التعددية المنهجية.
فالعائق الأساسي الذي يحُول دون الفكر العربي ودون التدرج نحو الحل لِما سمّيتُه الاحتباس التواصلي هو، برأيي،الاختلاف المنهجي في تناول الاجتهاد وفي بلورة اي عمل اجتهادي.
فبينما يرى الأصوليون أن ليس هنالك من الاجتهاد سوى الاجتهاد التقليدي المتمثل في علم الكلام بفروعه، يبدو لي أنّ ذلك الاعتقاد أكل عليه الدهر وشرب. والحجّة: هل منع ذلك الاعتقاد بانفراد الاجتهاد الأصلي والذي سأسميه "الاجتهاد الأوّل" من بروز حركة اجتهاد تحديثي وحداثوي إبّان عهد الاستقلال، وهو المتواصل إلى اليوم والذي سأسميه "الاجتهاد الثاني"، هل منعه ذلك من البروز؟ طبعا لا. وبأيّ خطة يعيش المسلمون اليوم إذا كان الاجتهاد غائبا حقّا كما يزعم السلفيون؟
أمام تلك الحتمية الاجتهادية إن صح التعبير، أقترح أن نبحث للاجتهاد المعاصر عن مشروعية من داخل الفكر العربي المعاصرعوضا عن الهروب من الاضطلاع بالمسؤولية الفكرية. لكن وجب علينا، لهذا الغرض، تحديد ملامح هذا الفكر.
هنالك، باختصار شديد، فرضيتان لا ثالث لهما لتحديد فكرنا المعاصر:
1.إمّا أننا نعتبر أنفسنا من المسلمين الأوائل الذين لا بدّ أن يعيشوا على طريقة مسلمي صدر الإسلام، فنكتفي بالاجتهاد التقليدي منهجية لنا في الحياة. وعندها يكون السؤال : مالذي ومن غلق باب الاجتهاد منذ قرون ولماذا لم يُفتح بعدُ وإلى متي سيبقى موصدا في وجه المسلمين؟
2.إمّا أننا ارتقينا إلى مراتب إنسانية جعلت منّا أناسا آخرين لا نكتفي بالقديم من الوسائل،كما لا ننوي رمي ذلك القديم عرض الحائط.بل غاية ما في الأمر أننا نبغي انتهاج اجتهاد تكميليّ لكنه أساسيّ، اجتهاد "ثالث" يمكّن المسلمين من الاندماج مع الذات للقضاء على الداء عوضا عن التبجّح بأعراض الداء (علماني/ إسلامي) و يُدمِج رموز"الأول" برموز"الثاني"، مع الإبقاء على استقلالية الاجتهادين من الناحية العلمية والمعرفية.
وفي هاته الوضعية، وهي التي أدافع عنها، لن تكون فرضية الاجتهاد واحدة بل اثنتين: الاجتهاد التقليدي وهو اجتهاد في الدين،والاجتهاد الآخر وهو اجتهاد في التجربة الدينية.والله أعلم.
ولكي أعطيكم بسطة عن أوجه أخرى متمّمة لحيثيات الموضوع، أحيل الأساتذه الكرام المشاركين والإخوة والأخوات القرّاء على مقال نشرناه قبل يومين على الرابط التالي:
فأين المسلم الوسط وأمّة الوسط في هذا التقسيم الشبيه بمرض الفُصام السريري، لا سيما أنّ حالة الاستقطاب تلك لم تعُد تُؤخذ على أنها من أعراض المرض، بل للأسف الشديد صارت تفرِضُ نفسها على العقل العربي كأداة للنضال السياسي والتعبير الفكري ؟!
و في ضوء ما آلت إليه، هكذا، أحوال المسلمين من استلاب وُجودي لا يزيد أحواله المتبَقية،التربوية منها والمعرفية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها إلاّ تدهورا ولفّا ودَوَرانا، حَول الذات وفي العدم، فلا يسع المثقف العربي إلاّ أن يحاول المساهمة بمنهجيةٍ ما أو بطريقةِ ما قد تكون جزءا لا يتجزّأ من الحل الأكبر الذي لم تبرز سماته العامة بعدُ.
أمّا مبادرتي في هذا السياق فهي تتِمّة للموضوع الذي نشرتُه في "الملتقى الإسلامي" (رقم 14) بركن "الفكر الإسلامي وسبل النهوض" بمشاركة عنوانها " نحن نعيش خارج التاريخ بسبب"الاحتباس التواصلي"، والحلّ هو الاجتهاد الدائري ".
و لمواصلة الحوار الذي بدأ منذ نشر تلك المشاركة، كم أودّ أن نرفع مستوى المناقشة إلى مرتبة أرقى. والطرح الذي أراه مُلائما للمرحلة التي بلغها الحوار بعدُ يتلخّص في ما يلي:
قبل الخوض في تحديد أدوات الاجتهاد لا بدّ لنا أن نتّفق على المنهجية، أو لمزيد التوضيح، على التعددية المنهجية.
فالعائق الأساسي الذي يحُول دون الفكر العربي ودون التدرج نحو الحل لِما سمّيتُه الاحتباس التواصلي هو، برأيي،الاختلاف المنهجي في تناول الاجتهاد وفي بلورة اي عمل اجتهادي.
فبينما يرى الأصوليون أن ليس هنالك من الاجتهاد سوى الاجتهاد التقليدي المتمثل في علم الكلام بفروعه، يبدو لي أنّ ذلك الاعتقاد أكل عليه الدهر وشرب. والحجّة: هل منع ذلك الاعتقاد بانفراد الاجتهاد الأصلي والذي سأسميه "الاجتهاد الأوّل" من بروز حركة اجتهاد تحديثي وحداثوي إبّان عهد الاستقلال، وهو المتواصل إلى اليوم والذي سأسميه "الاجتهاد الثاني"، هل منعه ذلك من البروز؟ طبعا لا. وبأيّ خطة يعيش المسلمون اليوم إذا كان الاجتهاد غائبا حقّا كما يزعم السلفيون؟
أمام تلك الحتمية الاجتهادية إن صح التعبير، أقترح أن نبحث للاجتهاد المعاصر عن مشروعية من داخل الفكر العربي المعاصرعوضا عن الهروب من الاضطلاع بالمسؤولية الفكرية. لكن وجب علينا، لهذا الغرض، تحديد ملامح هذا الفكر.
هنالك، باختصار شديد، فرضيتان لا ثالث لهما لتحديد فكرنا المعاصر:
1.إمّا أننا نعتبر أنفسنا من المسلمين الأوائل الذين لا بدّ أن يعيشوا على طريقة مسلمي صدر الإسلام، فنكتفي بالاجتهاد التقليدي منهجية لنا في الحياة. وعندها يكون السؤال : مالذي ومن غلق باب الاجتهاد منذ قرون ولماذا لم يُفتح بعدُ وإلى متي سيبقى موصدا في وجه المسلمين؟
2.إمّا أننا ارتقينا إلى مراتب إنسانية جعلت منّا أناسا آخرين لا نكتفي بالقديم من الوسائل،كما لا ننوي رمي ذلك القديم عرض الحائط.بل غاية ما في الأمر أننا نبغي انتهاج اجتهاد تكميليّ لكنه أساسيّ، اجتهاد "ثالث" يمكّن المسلمين من الاندماج مع الذات للقضاء على الداء عوضا عن التبجّح بأعراض الداء (علماني/ إسلامي) و يُدمِج رموز"الأول" برموز"الثاني"، مع الإبقاء على استقلالية الاجتهادين من الناحية العلمية والمعرفية.
وفي هاته الوضعية، وهي التي أدافع عنها، لن تكون فرضية الاجتهاد واحدة بل اثنتين: الاجتهاد التقليدي وهو اجتهاد في الدين،والاجتهاد الآخر وهو اجتهاد في التجربة الدينية.والله أعلم.
ولكي أعطيكم بسطة عن أوجه أخرى متمّمة لحيثيات الموضوع، أحيل الأساتذه الكرام المشاركين والإخوة والأخوات القرّاء على مقال نشرناه قبل يومين على الرابط التالي:
http://www.alarab.co.uk/alarabftp/pdf-weekly/p09.pdf
تعليق