طبيعة العلاقة الزوجية.
يتصور كثير من الناس العلاقة الزوجية على أنها علاقة صراع و خصام، أو علاقة سيطرة و نفوذ، أو علاقة تنافس و تسابق للتسلط، و قد بنوا تلك العلاقة على هذه التصورات الخاطئة و راحوا يتصرفون على أساسها و انطلاقا منها و هم يظنون أنهم على صواب و يعتقدون أن ´´الشاطر´´ من يخضع الطرف الآخر لسلطانه و هيمنته.
و القضية في نظري ليست كذلك إطلاقا، إن العلاقة الزوجية ليست علاقة سيطرة و نفوذ و إنما علاقة تعاون و إحسان، و ليست علاقة صراع و خصام بل علاقة سلم و أمان، و ليست علاقة ظلم و عدوان و إنما علاقة عطف و حنان، و ليست علاقة تنافر و اصطدام و إنما علاقة تكامل و انسجام، و ليست علاقة بغضاء و شحناء و إنما علاقة مودة و وئام، فالذين يحاولون جعلها، بجهل أو بقصد، علاقة سيطرة و تسلط إنما يحوِّلونها من طبيعتها السوية إلى طبيعة منحرفة، و قد تراهم يسعون جاهدين في البحث عن نصائح و وصفات وكيفيات جاهزة غريبة عن ديننا و قيّمنا وهم بهذا يبتعدون عن الصواب بقدر استمرارهم في البحث عن سعادتهم الزوجية خارجا عن الإسلام الحنيف، الإسلام كدين بنصوصه الشرعية الصحيحة و ليس كتطبيق منحرف خاطئ لتلك النصوص من طرف المجتمع الجاهل أو من طرف بعض المتدينين الأميين، أما النصائح التي قد يجدونها فإنها لا تساعدهم في بناء البيت السعيد الذي يطمح إليه العقلاء، البيت الذي تغشاه السكينة و تحفه الرحمة و يغبط الناس بعضهم بعضا عليه، أما الأساليب التي ينصح بعضُ "الخبراءِ" النّاسَ بها، و لاسيما الرجال الضعفاء ليبسطوا نفوذهم على زوجاتهم أو ليسيطروا عليهن، كالإهانة و الإغواء و الإغراء و الكذب و التهديد و غيرها من الأساليب الشائنة التي يستعملها الخصوم و الفرقاء و رجال العصابات بينهم لا تصنع زواجا ناجحا و لا تبني بيتا سعيدا و لا تنشئ جيلا متزنا.
و قد تسربت مفاهيم خاطئة عن الزواج و عن العلاقة الزوجية إلى عقول الشباب بسبب التربية السقيمة و التوجيه المعتل و "النصائح" الفاسدة، و راح الشباب يتوجسون خيفة من الزواج أو يكنون في ضمائرهم رهبة منه ، و راحوا يتصورون الزواج على أنه علاقة صعبة و مغامرة خطيرة فراحوا يبحثون عن "سعادتهم" في غير الزواج الشرعي لأنه غير مكلف لا ماديا و لا معنويا، حسب زعمهم و جهلهم و غرورهم، أو تراهم يسعون للزواج بغير بنات جلدتهم و هذان الأمران هما وجها الطامة الكبرى و المصيبة العظمى.
لا ! ليست العلاقة بين الرجل و زوجته علاقة صعبة و معقدة و واهنة كما يتصورها الشباب، إنما هي علاقة سهلة و بسيطة و متينة إذا صح العلم و تم الفهم، و ليس الزواج مغامرة خطرة فيرهبونها، إنما هي رحلة في الحياة يتصاحب فيها الزوجان فيقطعانها معا بسلامة و تعاون إذا صح العزم و حل الحلم، هكذا يجب أن تفهم العلاقة الزوجية في رأيي و ليس كما يحاول بعض الناس تصورها في أنفسهم و تصويرها لغيرهم.
يذهب بعض المفكرين الهتمين بقضايا المجتمع والمشغولين بترقيته إلى استيراد نصائح غريبة عنا في أصلها و غربية في فلسفتها و تصورها للحياة عموما و يجعلونها معالم يهدون الناس بها لبناء حيواتهم المختلفة، و لاسيما الحياة الزوجية، و هي قطب رحى الحياة كلها، أو تراهم يصفونها كعقاقير ناجعة لمداواة المشاكل الزوجية وهي لا تلائم أمزجتنا و لا توافق أجسامنا، فإذا استعملناها سممتنا و أسقمتنا بدلا من أن تداوينا، أو تراهم يجعلونها قواعد مرجعية ليس لسبب سوى أنها جاءتهم من هناك من وراء البحر، من العلماء و المفكرين و العباقرة المختصين (؟!) و تراهم يعملون بها و يطمئنون إليها كأنها وحي من الوحي أوكأنها تنزيل من التنزيل و لو كان فيها السم الزعاف و الموت الزؤام.
لقد غزتنا في عقر دارنا عقليات و مناهج تفكير و أساليب حياة غريبة عنا فشقينا و كنا نظن أننا سنسعد بها و إذا هي تُذهب سعادتنا و تغرقنا في البؤس و الشقاء و ستزيدنا بؤسا و شقاء و تعاسة كلما استبقيناها و عملنا بها و هي لم تسعد أصحابها: مولديها و مورديها على السواء.
ما أحوجنا في تعاملنا مع بعضا إلى الإحسان رجالا و نساء، أزواجا و عزابا، كبارا و شبانا و قديما قيل:
"أحسن إلى الناس تستعبدْ قلوبهمُ *** فلطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ"
فإن صح هذا بين الناس جميعا سواء الأقارب منهم و الأباعد فإنه بين الأزواج أصح . هكذا يجب أن نتصور العلاقة الزوجية و ليس كما يتصورها كثير من الناس رجالا و نساء، كما يجب على الزوجين كليهما أن يفهما هذا كله حتى يتعاونا معا لتشييد البيت السعيد فإنه لا يكفي لبلوغ المرام الاعتماد على طرف واحد فقط ، و المثل الشعبي عندنا يقول :"يد واحده ما تصفق ".
--------
ملحوظة :نشر أصل هذه المقالة في جريدة "المساء" المعربة الجزائرية عام 1989.
تعليق