الأخت الفاضلة الأستاذة آسيا
شكر الله مرورك وتعليقك.
وأرى في تعليقك نقطة مهمة هي في صميم ما تناولتُه في تعليقي أعلاه على مداخلة أخينا الفاضل الأستاذ الحلبي، وهي تلك المتعلقة بفهم القارئ للنص من جهة، وما يقصده الكاتب من جهة أخرى. فما كتبته بيدي لم يكن يتعلق في أصل فكرته بدفن مسلم، ولذلك فإن كلمة ثوب فقط لا تفي بالغرض الذي قصدته. أما كلمة "تفرقوا" فإن كلمة "انصرفوا" حضرتني وقت الكتابة، ولكني عدلت عنها لأن القيام بفعل إهالة التراب بعد الدفن يتضمن أنه لم يبق شيء يفعلوه للميت بعد ذلك. وتأتي عبارة "لم يلبث" لتخبرنا بمرور فترة زمنية قصيرة جدًا. ومن هنا فإهالة التراب واللبث اليسير تغني عن "انصرفوا" أو تفرقوا، ومن هنا عدلت عنها.
أما "الواوات" فكما أسلفت لها غرضها في اللغة ومنها انضمام الأفعال والتحامها بعضها ببعض، وليس على سبيل الانفصال أو التفريق أو التراخي. وهو غرض بلاغي، إن لم يتضح في ذهن القارئ من الناحية اللغوية فهذا لا يمكن لي أفعل له شيئًا. ويكفي في هذا المقام حديث أبي أمامة الذي اقتبست منه عبارتين أعلاه. وجاء فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
سبحان الله عدد ما خلق، وسبحان الله ملء ما خلق، وسبحان الله عدد ما في السماوات وما في الأرض، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه وسبحان الله ملء ما أحصى كتابه، وسبحان الله عدد كل شيء، وسبحان الله ملء كل شيء" وجاء مثله في الحمد لله، في الحديث نفسه. وهنا تتضح الفائدة العظيمة من استخدام الواو، من إضافة كل عبارة ذكر إلى الأخرى على سبيل الانضمام وليس الانفصال. وهذا هو الغرض ذاته الذي قصدتُ إليه في سردي المتواضع. ومن ناحية أخرى فعدم وجود "الواو" في إعادة طرحك للسرد أعلاه قبل "لم يلبث" هو في الحقيقة خطأ لا مسوِّغ له. فحين تكون هناك حاجة وضرورة لوسيلة ربط بين أجزاء الكلام يصبح عدم وجودها نقص لا يمكن تبريره؛ لأن اللغة تدحضه. فالغرض من الروابط (حروف العطف وأشباهها) هو "ربط" الكلام حين توجد الحاجة لذلك. وبدونها يصبح الكلام منقطعاً، فينتفي الغرض من الخطاب.
واسمحي لي بالقول إن استشهادك "نحن نقول : إذا كان بيتك من زجاج فلا تقذف بيوت الناس بالحجارة / لا نقول..إذا كانت جدران بيتك من زجاج" تعوزه الدقة؛ لأن المقصود من القول هو البيت بكامله، أي بأعمدته وجدرانه وأساسه ... إلخ. فإذا ألقى الناس عليه الحجارة تهدم كله، وليس جزءًا منه. أما إذا كانت الجدران فقط من زجاج، ذهب المعنى إلى التخصيص بسبب التصريح بالجزء. فتكون الجدران من الزجاج، ويكون الراجح أن الأعمدة والأساس من غير الزجاج. وحين يلقيه الناس بالحجارة لا تتهدم من البيت سوى الجدران، ويبقى الهيكل بأعمدته، والبيت بأساسه فيمكن إعادة بناء جدرانه ثانية إذ لم يتضرر سواها. وهذا المعنى الأخير غير مقصود في المثل. وكذا القبر، لا يكون من المرمر إلا إذا كانت القبور تُحفَر في قلب جبل من المرمر. وهذا غير صحيح. والحقيقة إني أردت معنى آخر أيضًا وهو عدم الكمال الإنساني حتى في أرقى صناعة. كأن يبني المرء بيتاً ويكلفه الملايين، ثم يترك فيه قدر قلامة ظفر دون طلاء مثلاً. وهذه المعاني والأفكار التي تتولد في ذهن الكاتب ليست كلها انفعالية، وإنما حين تنتقل الفكرة إلى منطقة الوعي الكامل بها تصبح المسألة هي مسألة اختيار للألفاظ وللقوالب اللغوية التي تعبر عن المعنى الدقيق في وعي الكاتب، أي مسألة نحو وصياغة. أما حين يكون التعبير نتيجة تولد المعنى في اللاوعي يصبح النقاش حولها غير ذي جدوى؛ لأن الكاتب نفسه لن يتمكن من الدفاع عن قالب فكرته. وما لا يمكننا إدراك كنهه بحيث نستطيع تكوين صورة ذهنية له يصعب التحدث عنه.
دمتِ في طاعة الله.
شكر الله مرورك وتعليقك.
وأرى في تعليقك نقطة مهمة هي في صميم ما تناولتُه في تعليقي أعلاه على مداخلة أخينا الفاضل الأستاذ الحلبي، وهي تلك المتعلقة بفهم القارئ للنص من جهة، وما يقصده الكاتب من جهة أخرى. فما كتبته بيدي لم يكن يتعلق في أصل فكرته بدفن مسلم، ولذلك فإن كلمة ثوب فقط لا تفي بالغرض الذي قصدته. أما كلمة "تفرقوا" فإن كلمة "انصرفوا" حضرتني وقت الكتابة، ولكني عدلت عنها لأن القيام بفعل إهالة التراب بعد الدفن يتضمن أنه لم يبق شيء يفعلوه للميت بعد ذلك. وتأتي عبارة "لم يلبث" لتخبرنا بمرور فترة زمنية قصيرة جدًا. ومن هنا فإهالة التراب واللبث اليسير تغني عن "انصرفوا" أو تفرقوا، ومن هنا عدلت عنها.
أما "الواوات" فكما أسلفت لها غرضها في اللغة ومنها انضمام الأفعال والتحامها بعضها ببعض، وليس على سبيل الانفصال أو التفريق أو التراخي. وهو غرض بلاغي، إن لم يتضح في ذهن القارئ من الناحية اللغوية فهذا لا يمكن لي أفعل له شيئًا. ويكفي في هذا المقام حديث أبي أمامة الذي اقتبست منه عبارتين أعلاه. وجاء فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
سبحان الله عدد ما خلق، وسبحان الله ملء ما خلق، وسبحان الله عدد ما في السماوات وما في الأرض، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه وسبحان الله ملء ما أحصى كتابه، وسبحان الله عدد كل شيء، وسبحان الله ملء كل شيء" وجاء مثله في الحمد لله، في الحديث نفسه. وهنا تتضح الفائدة العظيمة من استخدام الواو، من إضافة كل عبارة ذكر إلى الأخرى على سبيل الانضمام وليس الانفصال. وهذا هو الغرض ذاته الذي قصدتُ إليه في سردي المتواضع. ومن ناحية أخرى فعدم وجود "الواو" في إعادة طرحك للسرد أعلاه قبل "لم يلبث" هو في الحقيقة خطأ لا مسوِّغ له. فحين تكون هناك حاجة وضرورة لوسيلة ربط بين أجزاء الكلام يصبح عدم وجودها نقص لا يمكن تبريره؛ لأن اللغة تدحضه. فالغرض من الروابط (حروف العطف وأشباهها) هو "ربط" الكلام حين توجد الحاجة لذلك. وبدونها يصبح الكلام منقطعاً، فينتفي الغرض من الخطاب.
واسمحي لي بالقول إن استشهادك "نحن نقول : إذا كان بيتك من زجاج فلا تقذف بيوت الناس بالحجارة / لا نقول..إذا كانت جدران بيتك من زجاج" تعوزه الدقة؛ لأن المقصود من القول هو البيت بكامله، أي بأعمدته وجدرانه وأساسه ... إلخ. فإذا ألقى الناس عليه الحجارة تهدم كله، وليس جزءًا منه. أما إذا كانت الجدران فقط من زجاج، ذهب المعنى إلى التخصيص بسبب التصريح بالجزء. فتكون الجدران من الزجاج، ويكون الراجح أن الأعمدة والأساس من غير الزجاج. وحين يلقيه الناس بالحجارة لا تتهدم من البيت سوى الجدران، ويبقى الهيكل بأعمدته، والبيت بأساسه فيمكن إعادة بناء جدرانه ثانية إذ لم يتضرر سواها. وهذا المعنى الأخير غير مقصود في المثل. وكذا القبر، لا يكون من المرمر إلا إذا كانت القبور تُحفَر في قلب جبل من المرمر. وهذا غير صحيح. والحقيقة إني أردت معنى آخر أيضًا وهو عدم الكمال الإنساني حتى في أرقى صناعة. كأن يبني المرء بيتاً ويكلفه الملايين، ثم يترك فيه قدر قلامة ظفر دون طلاء مثلاً. وهذه المعاني والأفكار التي تتولد في ذهن الكاتب ليست كلها انفعالية، وإنما حين تنتقل الفكرة إلى منطقة الوعي الكامل بها تصبح المسألة هي مسألة اختيار للألفاظ وللقوالب اللغوية التي تعبر عن المعنى الدقيق في وعي الكاتب، أي مسألة نحو وصياغة. أما حين يكون التعبير نتيجة تولد المعنى في اللاوعي يصبح النقاش حولها غير ذي جدوى؛ لأن الكاتب نفسه لن يتمكن من الدفاع عن قالب فكرته. وما لا يمكننا إدراك كنهه بحيث نستطيع تكوين صورة ذهنية له يصعب التحدث عنه.
دمتِ في طاعة الله.
تعليق