خيانة
يعاندني رأسي المتخم بالشكوك للإنصياع؛ أتقلب في فراشي؛ كأني أحتضن أفعى تعض جلدي بلؤم دون أن تغرز أنيابها عميقا؛ الظنون تنفث سمها بجمجمتي فتملؤها بخبث صور شتى ماخلق الله بها من سلطان؛ وزوجي يغط بنوم ملائكي؛ جعلني أحترق غيظا منه!!
أفكاري السوداء تدفعني بين الحين والحين للنظر فى ملامح هذا الملاك الساحر الذي يضطجع بجانبي دون أن يشعر بما أعانيه ؛ وشيطان الغيرة يتلاعب بأعصابي؛ يغمد سيفه بصدري ؛ فأنفث الزفرات عالية . أحسها كرياح جهنمية تكاد تحرقني!!
أينام قرير العين بعد أن خانني !!؟ يداعب جسد امرأة غيري؛ لا تشبهني بشيء ..امرأة لها طعم آخر، عطر مختلف ، جسد أنثوي ربما أكثر إثارة، وربما ثديان ناتئان كحبتي رمان؛ ملأهما جراح ماهر بالسيليكون كي يبدوا عارمين مثل نهود ممثلات الإثارة!!
أعرفه جيدا مغرم بتلك الأشياء الناهضة التي تصدم عينيك حين تراهما؛ لتدفعك رغبة جنونية بأن تلمسهما بيديك ، لتجرب سر ذاك السحر الذي يغلفهما!
تأففت بصوت مسموع لعله يستيقظ ، حين وصلت بي أفكاري الحمراء ، وأنا أتخيله يدفن وجهه الوسيم بين نهدي إحداهن ، ويضيع في لحظات العبث الرجولي والرغبة العارمة!!
أزحت الغطاء متعمدة أن أعرضه للبرد ، فانكمش جسده بحركة لا شعورية ، متخذا وضع الجنين؛ وأنا أمعن النظر في وجهه ، أحاول ان أستشف منه البراءة أو الذنب الكبير ، أبحث عن آثار أمسية ضاع أثره فيها مني!
أشم رائحة ملابسه ، أبحث عن بقايا عطر ، أو شعرة التصقت .
تأنق كعادته ، تعطر ككل يوم . لكن المختلف الليلة أنه وقف طويلا أمام المرآة حين حلق ذقنه التي حلقها صباحا ، احتار في اختيار ربطة العنق..لون الجوارب..
وبريق عجيب يشع من عينيه يصاحب رنين هاتفه.. من رقم غريب!!
ثم .. لم يقل لي أين سيذهب!!
دقت صافرة الإنذار تدوي برأسي . أدخلت نفسي في حالة تأهب شديد ، وعلى الفور قلت له:
- حبيبي.. سأخرج لأشتري بعض حاجيات المنزل ، أتأخذني معك أم أذهب لوحدي ؟!
قطع صفيره يعدل هندامه ،أجابني دون أن يلتفت لي:
- اذهبي أنت حبيبتي لأني سأتأخر على موعدي.
خرجت مسرعة ،استدرت بسيارتي ، كمنت له في شارع جانبي لا يبعد عن البيت كثيرا ؛ كي أراه حين يخرج!
لم يطل مكوثي حتى رأيته يسابق الطريق ، ينظر بين الفينة والأخرى للمرآة ؛ يعدل هيئته .. مع أنه يملك أوسم وجه رأيته ، وجاذبية لطالما حسدتني رفيقاتي عليها!
ويغمزنني بأن الرجل الوسيم ، لايمكن الوثوق فيه!!
زاحمتني سيارة تقل شابين ؛ أثارا ضجة كبيرة وهما يطلقان بوق سيارتهما.. يتقافز أحدهما مثل القردة من مقعد لآخر، يصيح بصوت مرتفع:
- اعطفي على قلبي أيتها الجميلة.. اعطني رقم هاتفك!
ارتبكت ، خفت أن تلفت تلك الأصوات النشاز انتباه زوجي ، فأبطأت سرعتي ، ثم توقفت نهائيا، حاولت استرجاع هدوئي الذي طار أغلبه بسبب زوجي ، والباقي تكفل به هذان المشاغبان!
فعدت أدراجي وهوس شديد يعتريني بأنه يخونني!!
لم يغمض لي جفن ..
لكني قررت أن أمسكه بالجرم المشهود !
حاولت جاهدة في الصباح أن أبدو طبيعية ، بالرغم من إلحاحه الشديد وهو يسألني عما بي ، وأني أبدو كمن تلقت لكمة على عينيها ، كما وصفني حين قبلني قبل أن يخرج!
وقنبلة أخرى فجرها بوجهي ..
بأنه لن يعود ظهرا لأنه سيكون مشغولا!!
ضاقت بي جدران البيت ؛ فاندفعت مسرعة للحديقة ، أحاول ترتيب أفكاري المشتتة ، وسلسلتها لتبدو كمسار الطريق الذي ساره زوجي .. يوم أمس.. وأين يمكن أن يكون قد ذهب ؟!
خاصة أنه لم يتأخر؛ فقد أتى بعد عودتي من مطاردته بساعتين!!
زلزلت كياني تلك التفصيلة الصغيرة ، أشعلت فتيلا جديدا أمامي ..
هو لم يبتعد إذن أكثر مما لحقته !
ضربت جبهتي بيدي ؛ وأنا أتذكر أن لنا شقة صغيرة في ذاك الشارع بالتحديد ، وأنها فارغة مذ تركها المؤجرون .. قبل شهرين!
انهارت أعصابي تماما هنا ، بكيت بحرقة ..
دموع خرساء ، والحيرة تتملكنى ، أظلم العالم من حولي ، صرت كمن أصيب بمس من الجنون!
الدقائق تضج برأسي.. أنتظر خروجه من دائرته.. أقف قرب بائع الجرائد في الشارع المقابل ، أتلفع خمارا كي لا يلمحني أحد ، أغطي وجهي بالجريدة..
حين رأيته ينطلق بسيارته ، انطلقت أعبر الشارع مسرعة ، كي ألحق به..
يالدهشتي حين توقف أمام أسواق كبيرة ، وخرج يحمل أكياسا لاتعد ولاتحصى؛ غطت حتى وجهه .
توقف أمام باب بناية شقتنا.. دقات قلبي الذي أصبح بين قدمي تدق طبولها بعنف ، كادت أن تقتلني بجلطة !!
سحبت أنفاسا طويلة ، وزفرتها عدة مرات .. قبل أن أنزل من سيارتي ، لأرتقي سلم البناية.
رن هاتفي .
ارتجف جسدي ، ارتعشت يداي ، حتى أني كدت أسقط مرتين قبل أن أجيب.. صوته يصل أذني مرحا بأنه سيعود بعد التاسعة ومعه هدية لي !!
تمتمت بحنق:
- يهدي الأزواج الخونة زوجاتهن ؛ كي يغطوا على خياناتهم .. ليمنحوا أنفسهم راحة تأنيب الضمير.
أصخت السمع من خلف الباب.. أصوات الضحكات الرنانة كسكاكين تقطع أحشائي ، ومغص شديد يعصف بأمعائي .. يخنق أنفاسي!
لم تعد ساقاي تحتملان ثقل جسدي . لكني تحاملت على نفسي .. شددتهما ،
ضغطت على الجرس!!
وما أن فتح الباب
حتى اخترقت الشقة مثل العاصفة الهوجاء.. يرمقني زوجي في ذهول فاغرا فاه. وأنا أصرخ بوجهه:
- أين هي ...
لم أكمل جملتي.
كاد أن يغمى علي .
وضحكات أخي وزوجته العائدين من خارج القطر.. تصفع وجهي المصفر!!
5/4/2010
نحن والنصوص القصصية/ وحديث اليوم
تعليق