حين شاهدهم يأخذون أماكنهم فى الشارع ، كمشهد أسطوري بين المبانى القائمة ، كان مايزال بين أنياب تلك الرواية ، يعانى مع أبطالها ، يغوص بين جموعها ، وضربات كعوب جنود الأمن المركزي تدق الآذان ، تدق رأسه ، بين طلقات تدوي هنا وهناك ، محاصرة الميدان بكتل كثيفة من الدخان !
كان خلف مكتبه ، يتصفح إحدى الروايات ، وبالصدفة كانت تخوض بأسلوب ساخر ، فى انتفاضات بدت له عبثية ، فى مواجهة قوات الأمن ، و فرق الردع السريعة .. وحين كانت المواجهة تحتدم تناهت إلى أذنيه أصوات ، كأنها آتية من جوف مقبرة ، من قعر هذه الرواية ، من أخاديد نار مفخخة ، كأنها استغاثات تترنح ، فانتفض مسلوب الرأس ، صوب النافذة ؛ ليقف على حقيقة أمره ، أكابوس هو ، أم هى الحقيقة تدور رحاها ؟!
كانت كوشيش صاخب ، شده بشكل لا إرادي ، إلى حيث النافذة ، وكلما تحرك في اتجاهها ، زادت وضوحا ، بل وبدت بينها حنجرة مكبر صوت ، ودبدبات حانطور - فى تلك الأغنية - تتلاعب بأعصابه !
بحرص زائد مزق التحام الضلفتين ، واربهما ، ليرى أغرب مشهد ، ما رأى له مثيلا ، في كل حياته ، لم يشهده حتى خيالا ، حلما أو كابوسا .. سينما أو مسرحا .. كان الشارع تحول إلى مهرجان . زرعت طاولات على ضفتيه ، عليها أطباق وأوعية بها مخللات ، ترمس ، فول سوداني ، حمص ، و أوراق خضراء . حولها وقفت جموع غفيرة من شباب و رجال غريبي الملامح و الوجوه !
برغمه حدق في الرواية المطوية بين أصابعه ، وفى المشهد العجيب ، وزجاجات البيرة و الكحول الأحمر تأخذ أماكنها على الطاولات ، بينما مكبر الصوت يرسم حدود المتاهة !
كان إحساس بالإهانة ، يلتف حول رقبته ، وهو يعاين حدود البنايات المحاصرة . إحساس مقيت بالضآلة ، وقلة الحيلة . المسكن يختلج بالهواتف ، و الرقم يرن في ضميره ، أن هيا ، فيضيق بنفسه ، براكين تشتعل ، يسخر من نفسه ، ومن أدراك أنهم لا يعلمون .. بل من أدراك أن هؤلاء ليسوا هم من ستهاتفهم ؟
حين تمكنت قوات الأمن من تطويق المظاهرة ، كانت العصى تلهب ظهور ورؤوس البنات و الشبان ، فيتلون المشهد ، يصبح شفيقا ، تعلو الضربات ، الصرخات ، الهتافات ، العناد ، تتناثر قطع اللحم ، تتعانق الأكف ، تتشابك ، فتجرى دماء جديدة .
متعة الرؤية لعالم عبثي ، لا تدانيها متعة . كل أخرج من صدره وجيوبه مؤونة الليلة ، من بانجو و حشيش و أفيون ، وأنبولات موروفين ..
تتلاقى سحب الدخان والقهقهات .. والتجشؤات ..النكات الفاضحة . سيحان غريب ، له رائحة الفجيعة ، يشحذها صوت المغنى ، وأجساد ترتقى الطاولات ، تؤدى رقصاتها في إعجاز ، على اصطكاك نصال قرن الغزال البيضاء !
جن المتآمر داخله ، تفنن فى حلوله ، أغلق باب غرفة الصغار جيدا . تهالكت دمعة ، تتضرع إلى هباء ، الأولاد .. ماذا لو أتى أحدهم ؟
يرتجف هلعا ، يتخبط في معنى سكوته ، في معنى ما يحمل برأسه ، وأوراقه .. يصرخ .. تضمه سيدة الدار ، يهتز بقوة ، يتمتم :" جبان .. جبناء .. جبان .. جبناء ".
حين كانت قوات الأمن تفلح فى شحن مدرعاتها وشاحناتها بالشبان و الشابات ، ظهرت حشود هائلة من الأطفال ، من جهات الميدان الأربع ، تصرخ ، تلقى حجارتها .. أكياس ترابها ؛ كأنها طيور فقس بيضها الأسطورى فجأة ؛ فيلتحف الجنود بمصداتهم وخوذاتهم ، تتداخل ، تتجمد كتماثيل من حجارة!
ياللرواية اللعينة ، التى لم يجد مؤلفها رجالا ، و لا حتى نساء ، ليوفر لهم دور البطولة .. ضجر مميت و قاس .. نظراته تنكسر أمام عيني
المرأة ؛ فتشتعل النار فى بدنها ، تترقص شفتاها ألما ، تختفي من أمامه بجسد مزلزل !
بعد انهيار تام ، و سقوط ما حققوا ، باطلاق سراح الطلبة و الطالبات ، فجأة طوقت جيوش الأطفال قبضات رجال ، ووجوه تشبه هؤلاء ، تحمل سنج و عصى و سيوفا لامعة . علت كعوب الموت من جديد .. وأعتم المشهد تماما !
حين أعلنت سيدة الدار عن رغبتها ، فى كسر حالة الموت ، ومحاربة هؤلاء ، ولو بماء الغسيل ، أو بأي شيء تطوله يداها ، طوقها :" ولم أنت .. لم ؟ ". ثم أكمل :" والأولاد .. أنسيت ؟!".
على رجوات البلادة ، سحبها، أطلق كل براكينه ، أغمد نصالها في حشاشتها .. روحها ؛ لينطفئ وتخمد حرائقه !
دام احتلالهم لساعات ، حتى تلاطمت زجاجات البيرة والكحول ، تشاجرت بحثا عن أرض ، وعلى امتداد الشارع والبيوت و الأعمار و المقامات . شبعوا تقتيلا فى أرانب الجحور ، وطاردتهم سماء من دخان الجريمة وحموضة ما يتقيئون ، فترنحوا متسللين جماعات وفرادى ، معلنين جلاءهم ؛ بينما عقيرة المغنى ، تعلن معرفتهم وخباياهم الساقطة ، بما يمور فى صدور الأرانب و جحورها .
مخلفين الشارع ميدان قتال ، يضج بالأشلاء و القمامة ، والأنفاس النتنة ، كمدينة أتاها سخط السماء ، فأصبحت أثرا بعد عين !!
هنا فقط فتحت النوافذ و الشبابيك المغلقة ، و أمطرت السماء لعنات و ماء وبعض زفرات ، و آنية من فخار !!
كان خلف مكتبه ، يتصفح إحدى الروايات ، وبالصدفة كانت تخوض بأسلوب ساخر ، فى انتفاضات بدت له عبثية ، فى مواجهة قوات الأمن ، و فرق الردع السريعة .. وحين كانت المواجهة تحتدم تناهت إلى أذنيه أصوات ، كأنها آتية من جوف مقبرة ، من قعر هذه الرواية ، من أخاديد نار مفخخة ، كأنها استغاثات تترنح ، فانتفض مسلوب الرأس ، صوب النافذة ؛ ليقف على حقيقة أمره ، أكابوس هو ، أم هى الحقيقة تدور رحاها ؟!
كانت كوشيش صاخب ، شده بشكل لا إرادي ، إلى حيث النافذة ، وكلما تحرك في اتجاهها ، زادت وضوحا ، بل وبدت بينها حنجرة مكبر صوت ، ودبدبات حانطور - فى تلك الأغنية - تتلاعب بأعصابه !
بحرص زائد مزق التحام الضلفتين ، واربهما ، ليرى أغرب مشهد ، ما رأى له مثيلا ، في كل حياته ، لم يشهده حتى خيالا ، حلما أو كابوسا .. سينما أو مسرحا .. كان الشارع تحول إلى مهرجان . زرعت طاولات على ضفتيه ، عليها أطباق وأوعية بها مخللات ، ترمس ، فول سوداني ، حمص ، و أوراق خضراء . حولها وقفت جموع غفيرة من شباب و رجال غريبي الملامح و الوجوه !
برغمه حدق في الرواية المطوية بين أصابعه ، وفى المشهد العجيب ، وزجاجات البيرة و الكحول الأحمر تأخذ أماكنها على الطاولات ، بينما مكبر الصوت يرسم حدود المتاهة !
كان إحساس بالإهانة ، يلتف حول رقبته ، وهو يعاين حدود البنايات المحاصرة . إحساس مقيت بالضآلة ، وقلة الحيلة . المسكن يختلج بالهواتف ، و الرقم يرن في ضميره ، أن هيا ، فيضيق بنفسه ، براكين تشتعل ، يسخر من نفسه ، ومن أدراك أنهم لا يعلمون .. بل من أدراك أن هؤلاء ليسوا هم من ستهاتفهم ؟
حين تمكنت قوات الأمن من تطويق المظاهرة ، كانت العصى تلهب ظهور ورؤوس البنات و الشبان ، فيتلون المشهد ، يصبح شفيقا ، تعلو الضربات ، الصرخات ، الهتافات ، العناد ، تتناثر قطع اللحم ، تتعانق الأكف ، تتشابك ، فتجرى دماء جديدة .
متعة الرؤية لعالم عبثي ، لا تدانيها متعة . كل أخرج من صدره وجيوبه مؤونة الليلة ، من بانجو و حشيش و أفيون ، وأنبولات موروفين ..
تتلاقى سحب الدخان والقهقهات .. والتجشؤات ..النكات الفاضحة . سيحان غريب ، له رائحة الفجيعة ، يشحذها صوت المغنى ، وأجساد ترتقى الطاولات ، تؤدى رقصاتها في إعجاز ، على اصطكاك نصال قرن الغزال البيضاء !
جن المتآمر داخله ، تفنن فى حلوله ، أغلق باب غرفة الصغار جيدا . تهالكت دمعة ، تتضرع إلى هباء ، الأولاد .. ماذا لو أتى أحدهم ؟
يرتجف هلعا ، يتخبط في معنى سكوته ، في معنى ما يحمل برأسه ، وأوراقه .. يصرخ .. تضمه سيدة الدار ، يهتز بقوة ، يتمتم :" جبان .. جبناء .. جبان .. جبناء ".
حين كانت قوات الأمن تفلح فى شحن مدرعاتها وشاحناتها بالشبان و الشابات ، ظهرت حشود هائلة من الأطفال ، من جهات الميدان الأربع ، تصرخ ، تلقى حجارتها .. أكياس ترابها ؛ كأنها طيور فقس بيضها الأسطورى فجأة ؛ فيلتحف الجنود بمصداتهم وخوذاتهم ، تتداخل ، تتجمد كتماثيل من حجارة!
ياللرواية اللعينة ، التى لم يجد مؤلفها رجالا ، و لا حتى نساء ، ليوفر لهم دور البطولة .. ضجر مميت و قاس .. نظراته تنكسر أمام عيني
المرأة ؛ فتشتعل النار فى بدنها ، تترقص شفتاها ألما ، تختفي من أمامه بجسد مزلزل !
بعد انهيار تام ، و سقوط ما حققوا ، باطلاق سراح الطلبة و الطالبات ، فجأة طوقت جيوش الأطفال قبضات رجال ، ووجوه تشبه هؤلاء ، تحمل سنج و عصى و سيوفا لامعة . علت كعوب الموت من جديد .. وأعتم المشهد تماما !
حين أعلنت سيدة الدار عن رغبتها ، فى كسر حالة الموت ، ومحاربة هؤلاء ، ولو بماء الغسيل ، أو بأي شيء تطوله يداها ، طوقها :" ولم أنت .. لم ؟ ". ثم أكمل :" والأولاد .. أنسيت ؟!".
على رجوات البلادة ، سحبها، أطلق كل براكينه ، أغمد نصالها في حشاشتها .. روحها ؛ لينطفئ وتخمد حرائقه !
دام احتلالهم لساعات ، حتى تلاطمت زجاجات البيرة والكحول ، تشاجرت بحثا عن أرض ، وعلى امتداد الشارع والبيوت و الأعمار و المقامات . شبعوا تقتيلا فى أرانب الجحور ، وطاردتهم سماء من دخان الجريمة وحموضة ما يتقيئون ، فترنحوا متسللين جماعات وفرادى ، معلنين جلاءهم ؛ بينما عقيرة المغنى ، تعلن معرفتهم وخباياهم الساقطة ، بما يمور فى صدور الأرانب و جحورها .
مخلفين الشارع ميدان قتال ، يضج بالأشلاء و القمامة ، والأنفاس النتنة ، كمدينة أتاها سخط السماء ، فأصبحت أثرا بعد عين !!
هنا فقط فتحت النوافذ و الشبابيك المغلقة ، و أمطرت السماء لعنات و ماء وبعض زفرات ، و آنية من فخار !!
تعليق