[align=center]
اعترافات امراة خائنة
[/align]
[align=right]
فجأة شعرت بانقباض يسري مع أوردتي الواجفة في تلك الصالة الملكيّة التي كانت تضمّ حفل عشاء أسطوريّ لكبار رجال الأعمال، كان زوجي واحداً منهم، وكان الأكثر تألقاً وتوهّجاً، والأكثر إتقاناً للغة الأسياد، ولصيغة العجرفة والمجاملة المفضوحة، الممزوجة مع رائحة المكان المتصاعدة من كؤوس الشراب، والمائدة المفتوحة التي تفيض بأطباقها، وسحب الدخان الصادرة عن السجائر الفاخرة العابثة بأنفاس كل الحاضرين، المبتهجين بغباء بهذا الإطار المتصنّع الذي يجمعهم.
كل شيء مرسوم بزيف: الكلمة.. الضحكة.. الالتفاتة.. الجلوس.. النهوض.. الإيماءة.. طريقة نفث الدخان والسيجار.. وطريقة ارتشاف الكؤوس بفم مزموم.. وتناول لقيماتٍ من الطعام بطرف الشوكة بأصابع كأنها غريبة عن الجسد.
. انفلتُّ من المكان إلى الحديقة الخارجية.. داعبني الهواء المنعش.. أحسست أن شلّالاً من قطرات الندى تتغلغل إلى رئتي.. تنفّستُ عميقاً وكأني أُدخل مع الهواء عطور الياسمين والفلّ والجوري..
أغمضتُ عينيّ ومشيتُ كالمسحورة إلى حيث لا أدري، قادني قلبي إلى الشاطئ الرمليّ القريب من المكان، وعندما ارتطمتْ برجليَّ دفقاتٌ من الموج، وشوشني البحر بهمس مبحوح: أن اقتربي...
خلعت نعليّ، أغرتني الرمال بعودتي للطفولة الهاربة مني، نزعتُ الأمشاط عن شعري الطويل الذي رفعته للأعلى مشدوداً على الطريقة الصينية فانسدل برشاقةٍ على أكتافي يتأرجح ممزوجاً مع عبق نسائم البحر، أغرتني الأعماق الكامنة وراء الأمواج، أن أبوح بأنّات قلبي الذي مزّقته السنون.. مزّقته الخيانات.. الواحدة تلو الأخرى.. حتى باعدتني الأيام عن نفسي.. عن ملامحي.. عن ذاتي.
. أردت أن أتحرّر من عبوديتي.. وأعترف بذنوبي وأقدّم صكّ الغفران لنفسي التي عذّبتني وساءلتني مراراً وأحرجتني.. فتهرّبت منها.. من مواجهتها، وأصمّيت أذني عنوةً عن سماع لومها..!!!
مع كل موجةٍ تأتيني ذكرى ثمَّ تغيب، محرّضةً ذاكرتي على تقديم الاعتراف تلو الاعتراف، لأول مرةٍ أحسست بقوةٍ تدفعني للمواجهة...
طفتْ على سطح الماء الخيانة الأولى:
عاد بي الزمن إلى الوراء، عندما نلتُ الشهادة الثانوية وتقدّمت بأوراقي مستبشرة إلى كلية الفنون الجميلة.
لن أنسى كيف ارتعدتْ فرائصي وجدائلي وأنا أنظر إلى سباّبة أبي وهي ترتفع وتنخفض في وجهي، متّسقة الحركة مع شاربيه وشفتيه القاسيتين الجافّتين، وهو يجبرني على الانتساب إلى كلية الهندسة المدنية ليتباهى بي على أبناء عائلته من الذكور، ليدفع عنه ذلك التواري عن سوء ما بُشّر به وهو كظيم لبناتٍ خمسٍ أتين تباعاً وتمَّ وأدهنَّ تباعاً، وتساءلن بأي ذنب يقتلن دون جواب .
يومها انهمرتْ دموعي وكأنّ خرساً أصابني.. ألجمني.. طويتُ اللّوحات الفنيّة الأسطوريّة التي كنت اختزنتها في خيالي.. مزّقتها خنتُها.. وقدّمتُ شهادتي العلميّة.. القربان الأول عند مذبح معبد أبي.
الخيانة الثانية:
عندما هزمتُ حبي الأول ، قزّمت ذاك العملاق الذي سكن قلبي أدرتُ له ظهري أتغابى عن نداءاته .. كنت أضعف من أن أدافع عنه .. حين تقدّم بحماسة الملهوف إليّ مادّاً لي يداً سخيّةً .. عطوفةً .. صادقةً .. قوّيةً ..
خذلتُ تلك اليد ، رددتهُا فارغةً .. وضعت كفّي بأناملَ أخرى باردةٍ كالثلج .. صفراءَ كالموت .. ولكنها مُترفة تدفع بلا حساب .. وتوقع الشيكات باستعلاء ..
قدّمتُ القربان الأخر على مذبح أبي الذي رفض الأول باحتقارٍ وعانق الأخر بانكسار مقدّماً له دميته الجميلة عن طيب خاطر..
يوم دخلتُ بيت الأخر .. أحسستُ أنه ما عادت لي جدائل ترتعش أحسست شعري قد جُزًّ إلى الأبد .. وأن أنوثتي المتفتّحة تأطّرتْ في صورة سيدة البيت الأنيقة في كل الظروف والتي تعقص شعرها بجدّيةٍ للخلف والتي تنطق كالببغاوات بشكل آليّ دون نبضٍ ، وتُطالع الصحف الرسميّة وتحتسي الشاي أمام التلفاز بسلبيّة تامّةٍ في هذا السجن الأنيق الذي لا يعترف بالعفويّة والانسيابيّة والتعبير الحرّ...
محاصرةٌ أنا.. إن لبستُ.. إن ضحكتُ.. إن صافحتُ.. إن دُعيتُ.. إن سهرتُ.. إن أكلتُ.. وحتى إن تسربلتُ بملاءة النّوم البيضاء الشاحبة.
عاد بي الحنين يوماً إلى الرّسم.. اشتريتُ بفرحٍ طفوليّ بعضاً من الألوان والريشات ، ورحت أغوص بنهَم المشتاق لأدخل مسامات اللوحات من خلال القماش الذي شددتُه بلهفة وأنا أُدمْدِم على صوت الموسيقا الحالمة التي أحبّ..
انتابني الذّعر وأنا أرى صورة أبي قد تداخلتْ مع ملامح زوجي وهو يتلف لوحاتي بقسوة بتهمة الفوضى والتقصير في حقّ الأولاد وحقّ البيت وحقّ السيد الأول الأوحد، لم يعرفْ أن تمزيقها كان ينزف في قلبي دماً وعلقماً.
خنت نفسي من جديد.. وتلفّحت بضعفي من جديد.. وتحوّلتْ القرابين إلى مذبح معبد قرش المنزل وتخلّيت عن موهبتي وهوايتي وعشقي للفن الذي يسكنني...
لن أنسى ذلك اليوم الذي كنتُ فيه أضحك هاربة من أغلالي عبر أسلاك الهاتف مع زميلة الدراسة وصديقة العمر-آمال- وهي تروي لي الأشياء على طريقتها العبقريّة التي تقوى على انتزاع الضحكات مني مهما كانت الظروف النفسيّة.
أشتاقها في كلّ حينٍ.. فرجْع قفشاتها وتعليقاتها الساخرة حتى على الألم وعلى خيبة ذاتها.. تجعلني سعيدة للحظات، وكأني بها حديقة حلوة أحتسي عندها قهوتي وأنا وحيدة..
لن أنسى حينها كيف انقضّ على أسلاك الهاتف يقطّعها مزمجراً حانقاً.. متوعّداً بأن لا أعود إلى تلك الترّهات مع إنسانة فاشلة ضحْلة، سخيفة مثلها.
منعني عنها، احتبس الهواء بعدها عن رئتي.. وتوَحّدتُ مع غربتي وتشرنقتُ على نفسي.
وفي هذه اللحظة لست أدري كيف امتدّتْ يدي إلى هاتفي الجوّال أطلبها سريعاً لأمر هام..
حدّدتُ لها مكان الشاطئ، ازداد شوقي لها بعد سماع صوتها الشجيّ الضاحك أبداً.
انتظرتها بعد أن افترشتُ الرمل تحت شادرٍ مُتعَب بانتْ أخشابه وتمزّقتْ أنسجته فتمايلتْ بقاياها مع نسائم البحر بحميميّة متآلفة، أتأمل زورقاً صغيراً مركوناً على طرف الشاطئ تداعبه الأمواج في نومه الهادئ بعد يوم عمل شاق.
أتتني بسرعة مدهشةٍ كعادتها.. عانقتها طويلاً.. وكتمتُ عنها دموعي التي استشعرتها بقلبها رغم أني احتبستها بزيفٍ مفضوحٍ.. كنت أستمدّ منها ذلك التوهّج الذي ينهمر دون خوف من الأخطاء والمطبّات.. كان بلا مقدّمات بلا مبرّرات، فقد أتعبني ذلك الامتحان المتواصل لحديثي، والذي كان مطلوباً مني أن أجتازه دائماً بجدارة.
قهقهت طويلاً وأنا أضربها على كتفها بخفّةٍ كما كنت أفعل دائماً عندما تنساب دموعي وأنا أغرق من الضحك.. دون التحكّم في التوقف .
تقاسمتُ معها حبّات الذرة المشويّة والعصائر الباردة
و فجأة تسمرتْ عيناي عندما وقعتا على الحذاء اللامع قبالتهما فارتفع نظري للأعلى رويدا ... رويدا حتى ارتطم بعينيه .
طلب مني النهوض بسرعة أُسقط في يد صديقتي الحائرة بيني و بينه بخوفٍ واضحٍ عليّ
استمهلتُه للحظات أردتُ أن أكون بطلة الموقف للحظات.. وضعتُ وشاحي الفاخر على الأرض قربي طلبت منه الجلوس ليرى سحر المكان ويستمتع مثلي بجو البحر الساحر.
ازدادتْ نظرته حدّة وتوعداً واتقاداً.. انسحبتْ صديقتي.. خرجتْ جراحاتي كلها كحجارة ترجمني تريدني أن أكون أنا ذاتي.. وقفتُ والرمال تتناثر من ملابسي الباريسية الراقية وأنا حافية القدمين.. وفي لحظة عرفت فيها أني غير متوازنة وأن إسقاطاً نفسياً مؤلماً كان يستصرخ من شروخ نفسي المقهورة..
أمسكتُ بيده وأنا أقهقه عالياً أركض وأجذبه وأدعوه للمشاركة في دبكة كانت تبعد عنّا أمتاراً عديدة.. تضجّ بحيوية الشباب ونضرة الحياة.
تطايرتْ شظايا نظراته أكثر شراسة.. هزّني بقوة كمن يحاول أن يوقظ النائم أفقتُ على سبّابته وهي ترتفع بوجهي صعوداً وهبوطاً ومع شاربيه وشفتيه القاسيتين الجافتين.. استحضرتُ به ملامح أبي من جديد، ارتعدتْ فرائصي من جديد، وخصلات شعري عادت ترتجف.. تأرجحتُ بين العودة إلى مذبح المعبد واللاعودة استجمعتُ شتاتي للحظات حاولت أن أتكلّمَ.. أن أعترضَ.. لم تساعدْني شفتاي، لم تسكُنْ جوارحي، لم يهدأْ قلبي.
مشى قبلي وقال اتبعيني.. أطرقتُ- نظرتُ إلى البحر الذي أودعتُ عنده أسراري، تقاطرتْ الدموع من خلال أصابعي فامتزجتْ بأمواجه فأحسست بطعمها المالح في حلقي.. فكّرتُ قليلاً.. وجدتُ نفسي عاجزة عن أي قرار..
تبعتُه .....وغرقتُ في بحر الخيانة من جديد....
[/align]
اعترافات امراة خائنة
[/align]
[align=right]
فجأة شعرت بانقباض يسري مع أوردتي الواجفة في تلك الصالة الملكيّة التي كانت تضمّ حفل عشاء أسطوريّ لكبار رجال الأعمال، كان زوجي واحداً منهم، وكان الأكثر تألقاً وتوهّجاً، والأكثر إتقاناً للغة الأسياد، ولصيغة العجرفة والمجاملة المفضوحة، الممزوجة مع رائحة المكان المتصاعدة من كؤوس الشراب، والمائدة المفتوحة التي تفيض بأطباقها، وسحب الدخان الصادرة عن السجائر الفاخرة العابثة بأنفاس كل الحاضرين، المبتهجين بغباء بهذا الإطار المتصنّع الذي يجمعهم.
كل شيء مرسوم بزيف: الكلمة.. الضحكة.. الالتفاتة.. الجلوس.. النهوض.. الإيماءة.. طريقة نفث الدخان والسيجار.. وطريقة ارتشاف الكؤوس بفم مزموم.. وتناول لقيماتٍ من الطعام بطرف الشوكة بأصابع كأنها غريبة عن الجسد.
. انفلتُّ من المكان إلى الحديقة الخارجية.. داعبني الهواء المنعش.. أحسست أن شلّالاً من قطرات الندى تتغلغل إلى رئتي.. تنفّستُ عميقاً وكأني أُدخل مع الهواء عطور الياسمين والفلّ والجوري..
أغمضتُ عينيّ ومشيتُ كالمسحورة إلى حيث لا أدري، قادني قلبي إلى الشاطئ الرمليّ القريب من المكان، وعندما ارتطمتْ برجليَّ دفقاتٌ من الموج، وشوشني البحر بهمس مبحوح: أن اقتربي...
خلعت نعليّ، أغرتني الرمال بعودتي للطفولة الهاربة مني، نزعتُ الأمشاط عن شعري الطويل الذي رفعته للأعلى مشدوداً على الطريقة الصينية فانسدل برشاقةٍ على أكتافي يتأرجح ممزوجاً مع عبق نسائم البحر، أغرتني الأعماق الكامنة وراء الأمواج، أن أبوح بأنّات قلبي الذي مزّقته السنون.. مزّقته الخيانات.. الواحدة تلو الأخرى.. حتى باعدتني الأيام عن نفسي.. عن ملامحي.. عن ذاتي.
. أردت أن أتحرّر من عبوديتي.. وأعترف بذنوبي وأقدّم صكّ الغفران لنفسي التي عذّبتني وساءلتني مراراً وأحرجتني.. فتهرّبت منها.. من مواجهتها، وأصمّيت أذني عنوةً عن سماع لومها..!!!
مع كل موجةٍ تأتيني ذكرى ثمَّ تغيب، محرّضةً ذاكرتي على تقديم الاعتراف تلو الاعتراف، لأول مرةٍ أحسست بقوةٍ تدفعني للمواجهة...
طفتْ على سطح الماء الخيانة الأولى:
عاد بي الزمن إلى الوراء، عندما نلتُ الشهادة الثانوية وتقدّمت بأوراقي مستبشرة إلى كلية الفنون الجميلة.
لن أنسى كيف ارتعدتْ فرائصي وجدائلي وأنا أنظر إلى سباّبة أبي وهي ترتفع وتنخفض في وجهي، متّسقة الحركة مع شاربيه وشفتيه القاسيتين الجافّتين، وهو يجبرني على الانتساب إلى كلية الهندسة المدنية ليتباهى بي على أبناء عائلته من الذكور، ليدفع عنه ذلك التواري عن سوء ما بُشّر به وهو كظيم لبناتٍ خمسٍ أتين تباعاً وتمَّ وأدهنَّ تباعاً، وتساءلن بأي ذنب يقتلن دون جواب .
يومها انهمرتْ دموعي وكأنّ خرساً أصابني.. ألجمني.. طويتُ اللّوحات الفنيّة الأسطوريّة التي كنت اختزنتها في خيالي.. مزّقتها خنتُها.. وقدّمتُ شهادتي العلميّة.. القربان الأول عند مذبح معبد أبي.
الخيانة الثانية:
عندما هزمتُ حبي الأول ، قزّمت ذاك العملاق الذي سكن قلبي أدرتُ له ظهري أتغابى عن نداءاته .. كنت أضعف من أن أدافع عنه .. حين تقدّم بحماسة الملهوف إليّ مادّاً لي يداً سخيّةً .. عطوفةً .. صادقةً .. قوّيةً ..
خذلتُ تلك اليد ، رددتهُا فارغةً .. وضعت كفّي بأناملَ أخرى باردةٍ كالثلج .. صفراءَ كالموت .. ولكنها مُترفة تدفع بلا حساب .. وتوقع الشيكات باستعلاء ..
قدّمتُ القربان الأخر على مذبح أبي الذي رفض الأول باحتقارٍ وعانق الأخر بانكسار مقدّماً له دميته الجميلة عن طيب خاطر..
يوم دخلتُ بيت الأخر .. أحسستُ أنه ما عادت لي جدائل ترتعش أحسست شعري قد جُزًّ إلى الأبد .. وأن أنوثتي المتفتّحة تأطّرتْ في صورة سيدة البيت الأنيقة في كل الظروف والتي تعقص شعرها بجدّيةٍ للخلف والتي تنطق كالببغاوات بشكل آليّ دون نبضٍ ، وتُطالع الصحف الرسميّة وتحتسي الشاي أمام التلفاز بسلبيّة تامّةٍ في هذا السجن الأنيق الذي لا يعترف بالعفويّة والانسيابيّة والتعبير الحرّ...
محاصرةٌ أنا.. إن لبستُ.. إن ضحكتُ.. إن صافحتُ.. إن دُعيتُ.. إن سهرتُ.. إن أكلتُ.. وحتى إن تسربلتُ بملاءة النّوم البيضاء الشاحبة.
عاد بي الحنين يوماً إلى الرّسم.. اشتريتُ بفرحٍ طفوليّ بعضاً من الألوان والريشات ، ورحت أغوص بنهَم المشتاق لأدخل مسامات اللوحات من خلال القماش الذي شددتُه بلهفة وأنا أُدمْدِم على صوت الموسيقا الحالمة التي أحبّ..
انتابني الذّعر وأنا أرى صورة أبي قد تداخلتْ مع ملامح زوجي وهو يتلف لوحاتي بقسوة بتهمة الفوضى والتقصير في حقّ الأولاد وحقّ البيت وحقّ السيد الأول الأوحد، لم يعرفْ أن تمزيقها كان ينزف في قلبي دماً وعلقماً.
خنت نفسي من جديد.. وتلفّحت بضعفي من جديد.. وتحوّلتْ القرابين إلى مذبح معبد قرش المنزل وتخلّيت عن موهبتي وهوايتي وعشقي للفن الذي يسكنني...
لن أنسى ذلك اليوم الذي كنتُ فيه أضحك هاربة من أغلالي عبر أسلاك الهاتف مع زميلة الدراسة وصديقة العمر-آمال- وهي تروي لي الأشياء على طريقتها العبقريّة التي تقوى على انتزاع الضحكات مني مهما كانت الظروف النفسيّة.
أشتاقها في كلّ حينٍ.. فرجْع قفشاتها وتعليقاتها الساخرة حتى على الألم وعلى خيبة ذاتها.. تجعلني سعيدة للحظات، وكأني بها حديقة حلوة أحتسي عندها قهوتي وأنا وحيدة..
لن أنسى حينها كيف انقضّ على أسلاك الهاتف يقطّعها مزمجراً حانقاً.. متوعّداً بأن لا أعود إلى تلك الترّهات مع إنسانة فاشلة ضحْلة، سخيفة مثلها.
منعني عنها، احتبس الهواء بعدها عن رئتي.. وتوَحّدتُ مع غربتي وتشرنقتُ على نفسي.
وفي هذه اللحظة لست أدري كيف امتدّتْ يدي إلى هاتفي الجوّال أطلبها سريعاً لأمر هام..
حدّدتُ لها مكان الشاطئ، ازداد شوقي لها بعد سماع صوتها الشجيّ الضاحك أبداً.
انتظرتها بعد أن افترشتُ الرمل تحت شادرٍ مُتعَب بانتْ أخشابه وتمزّقتْ أنسجته فتمايلتْ بقاياها مع نسائم البحر بحميميّة متآلفة، أتأمل زورقاً صغيراً مركوناً على طرف الشاطئ تداعبه الأمواج في نومه الهادئ بعد يوم عمل شاق.
أتتني بسرعة مدهشةٍ كعادتها.. عانقتها طويلاً.. وكتمتُ عنها دموعي التي استشعرتها بقلبها رغم أني احتبستها بزيفٍ مفضوحٍ.. كنت أستمدّ منها ذلك التوهّج الذي ينهمر دون خوف من الأخطاء والمطبّات.. كان بلا مقدّمات بلا مبرّرات، فقد أتعبني ذلك الامتحان المتواصل لحديثي، والذي كان مطلوباً مني أن أجتازه دائماً بجدارة.
قهقهت طويلاً وأنا أضربها على كتفها بخفّةٍ كما كنت أفعل دائماً عندما تنساب دموعي وأنا أغرق من الضحك.. دون التحكّم في التوقف .
تقاسمتُ معها حبّات الذرة المشويّة والعصائر الباردة
و فجأة تسمرتْ عيناي عندما وقعتا على الحذاء اللامع قبالتهما فارتفع نظري للأعلى رويدا ... رويدا حتى ارتطم بعينيه .
طلب مني النهوض بسرعة أُسقط في يد صديقتي الحائرة بيني و بينه بخوفٍ واضحٍ عليّ
استمهلتُه للحظات أردتُ أن أكون بطلة الموقف للحظات.. وضعتُ وشاحي الفاخر على الأرض قربي طلبت منه الجلوس ليرى سحر المكان ويستمتع مثلي بجو البحر الساحر.
ازدادتْ نظرته حدّة وتوعداً واتقاداً.. انسحبتْ صديقتي.. خرجتْ جراحاتي كلها كحجارة ترجمني تريدني أن أكون أنا ذاتي.. وقفتُ والرمال تتناثر من ملابسي الباريسية الراقية وأنا حافية القدمين.. وفي لحظة عرفت فيها أني غير متوازنة وأن إسقاطاً نفسياً مؤلماً كان يستصرخ من شروخ نفسي المقهورة..
أمسكتُ بيده وأنا أقهقه عالياً أركض وأجذبه وأدعوه للمشاركة في دبكة كانت تبعد عنّا أمتاراً عديدة.. تضجّ بحيوية الشباب ونضرة الحياة.
تطايرتْ شظايا نظراته أكثر شراسة.. هزّني بقوة كمن يحاول أن يوقظ النائم أفقتُ على سبّابته وهي ترتفع بوجهي صعوداً وهبوطاً ومع شاربيه وشفتيه القاسيتين الجافتين.. استحضرتُ به ملامح أبي من جديد، ارتعدتْ فرائصي من جديد، وخصلات شعري عادت ترتجف.. تأرجحتُ بين العودة إلى مذبح المعبد واللاعودة استجمعتُ شتاتي للحظات حاولت أن أتكلّمَ.. أن أعترضَ.. لم تساعدْني شفتاي، لم تسكُنْ جوارحي، لم يهدأْ قلبي.
مشى قبلي وقال اتبعيني.. أطرقتُ- نظرتُ إلى البحر الذي أودعتُ عنده أسراري، تقاطرتْ الدموع من خلال أصابعي فامتزجتْ بأمواجه فأحسست بطعمها المالح في حلقي.. فكّرتُ قليلاً.. وجدتُ نفسي عاجزة عن أي قرار..
تبعتُه .....وغرقتُ في بحر الخيانة من جديد....
[/align]
تعليق