ليلة تشرينية !!
كان الغضب فى طريقه للزوال ، حين شاهدتها أمامي ، وضحك الصحاب ، وهزرهم ، يأخذ شكلا عنيفا ، ليس جديدا عليّ ، هكذا ينتهى جدنا و بكاؤنا إلى صخب هادر ، و ربما إلى تبول سعيد أو تبرزه دون حياء ، فنغادره متأففين !!
كانت ليلة موعودة للفرح ، واجتياز عنق الزجاجة ، من غباء الريفي المحض ، إلى ذكاء و تنور ، و قيمة ربما تأتي مع كل هذا الإهمال !
تلك الليلة التشرينية ، الأكثر برودة . كان العرض الفلكولوري على المسرح الكبير ، الليلة فقط سمحت لى جدتي ، بارتداء الاسموكنج الخاص بعمي الأصغر ، بعد أن ألححت عليها طيلة الأسبوع الماضي ، و الذي حاولت و ما افلحت ، فى كسر طوله وحجمه الكبير و الظاهر ، أمام نظرات الناس ، ولم يستقم الحال ، إلا بتعمد نسيان هذا الأمر ، و إن لم يكن ؛ فعلى ما يبدو كنت مادة غنية للسخرية ، و أنا أبدو تحته كمهرج بليد !
قمت وسط دهشة و صخب الرفيقين ، وأمسكت بها ، تأملت لمرة أخيرة المكتوب على جذعها ، أومأت برأسي لسعيد :" حقا ؟!".
هتف وقد امتلأ وجهه بدموع ، كما هي عادته ، حين يطول ضحكه وفرحه :" نعم .. هيا ". اندفع فى ضحك أشد ، بينما محمد يتواطأ معه ، فحسبت أن فى الأمر خدعة ، لكن حين هاجمني ليخطفها مني ، تأكد لي أنها كما تحمل دمغتها .
الليلة سوف أعلن على رؤوس المدينة كأصغر شاعرعرفته البلاد ، يعرفني القاصي و الداني ، القريب و البعيد ، الغريب و الصديق ، ليعرف الأهل ، خاصة أبي الذى يمزق كتبي دائما ، حين تأخذنى القراءة ، وتسيطر على ، و لكم فعلها .. آن أن يعرف أن ولده ، الذى لا يقيم له وزنا شاعر ، يعلو اسمه فى كل المدينة ، هو ابن الخامسة عشرة ، يحترمه من هو أعلى مكانة منه ، هو العامل المتشرد ، الذى لا يجد اللقمة و لا الهدمة لأولاده .
بسرعة عجيبة كنت أفرغها فى فمي ، فتحركت جدران الغرفة ، تحت فيوض ضحك زلزلتنى ، فطاولت السحاب ، و تحلقت رؤوس الجميع .
أبعدتها ، لأحس بلذعات صعبة ، ولهب فظيع غير متحمل
هتفت بحنجرة مذبوحة : ليس روم .. ليس ..... ".
من بين دموعه و ضحكه :" شربت السبرتو .. تلقي وعدك من أم سعيد يا حلو ".
كنت أتأرجح ، و أنا أردد :" سبرتو ". كدت أبكي ، من حرقة النار فى صدري ، فأطحت بالزجاجة جانبا ، و بكتلة من الكتب تساقطت مني ، قبل أن ألطم بها وجه سعيد ، مندفعا إلى الخارج ، باكيا برغمي ، أتقيؤني ، و المطر يصفع وجهى بقسوة ، و قد أصبح الطوار فى صدري ، و امتلأت الأرض بأخاديد مرتفعة ، صنعت كتلا من حواجز ، فأدور حول نفسي ، و الضحكات تلاحقني ، صوت الأستاذ ، وهو يعلن عن أسماء المشاركين فى العرض : قامت بجمع الأغانى و تأليفها الأستاذة نادية عبد الرحمن .
فجأة ابتلعتني الأرض . صعقت ، درت بعيني هنا وهناك ، أحدد أي العيون رأيت سقطتي ، لا أحد .. فزعت ، خلصت نفسي مذعورا كلص ككتكوت مسلوخ . كانت رائحة البركة رهيبة ، تحمل مخلفات أدمية .. تحركت ، جريت فى ظلمة ليل تشرين ، تطاردني الأصوات .. الأشباح .. مكبر الصوت .. نادية عبد الرحمن .
عندما أصبحت أمام الدار توقفت ، الرائحة نفاذة ، قوية ، و الاسموكنج انتهى أمره ، ما على الآن إلا خلعه ، وغسله ، وإلقاء ما وقع على شماعة المطر ، الذى أغرق المدينة . الجدران تتمايل بي ، وبطني فى حلقي !
بمجرد التخلص منه ، لا أدري ما وقع لي ، كل ما أذكره أنني ظلت أياما ملازما الفراش ، وحين أفقت صرخت فى أمي باكيا :" مزقي كل الكتب .. مزقيها لا تتركي شيئا ".
السبرتو : الكحول الأحمر الذى يستخدم كوقود
كان الغضب فى طريقه للزوال ، حين شاهدتها أمامي ، وضحك الصحاب ، وهزرهم ، يأخذ شكلا عنيفا ، ليس جديدا عليّ ، هكذا ينتهى جدنا و بكاؤنا إلى صخب هادر ، و ربما إلى تبول سعيد أو تبرزه دون حياء ، فنغادره متأففين !!
كانت ليلة موعودة للفرح ، واجتياز عنق الزجاجة ، من غباء الريفي المحض ، إلى ذكاء و تنور ، و قيمة ربما تأتي مع كل هذا الإهمال !
تلك الليلة التشرينية ، الأكثر برودة . كان العرض الفلكولوري على المسرح الكبير ، الليلة فقط سمحت لى جدتي ، بارتداء الاسموكنج الخاص بعمي الأصغر ، بعد أن ألححت عليها طيلة الأسبوع الماضي ، و الذي حاولت و ما افلحت ، فى كسر طوله وحجمه الكبير و الظاهر ، أمام نظرات الناس ، ولم يستقم الحال ، إلا بتعمد نسيان هذا الأمر ، و إن لم يكن ؛ فعلى ما يبدو كنت مادة غنية للسخرية ، و أنا أبدو تحته كمهرج بليد !
قمت وسط دهشة و صخب الرفيقين ، وأمسكت بها ، تأملت لمرة أخيرة المكتوب على جذعها ، أومأت برأسي لسعيد :" حقا ؟!".
هتف وقد امتلأ وجهه بدموع ، كما هي عادته ، حين يطول ضحكه وفرحه :" نعم .. هيا ". اندفع فى ضحك أشد ، بينما محمد يتواطأ معه ، فحسبت أن فى الأمر خدعة ، لكن حين هاجمني ليخطفها مني ، تأكد لي أنها كما تحمل دمغتها .
الليلة سوف أعلن على رؤوس المدينة كأصغر شاعرعرفته البلاد ، يعرفني القاصي و الداني ، القريب و البعيد ، الغريب و الصديق ، ليعرف الأهل ، خاصة أبي الذى يمزق كتبي دائما ، حين تأخذنى القراءة ، وتسيطر على ، و لكم فعلها .. آن أن يعرف أن ولده ، الذى لا يقيم له وزنا شاعر ، يعلو اسمه فى كل المدينة ، هو ابن الخامسة عشرة ، يحترمه من هو أعلى مكانة منه ، هو العامل المتشرد ، الذى لا يجد اللقمة و لا الهدمة لأولاده .
بسرعة عجيبة كنت أفرغها فى فمي ، فتحركت جدران الغرفة ، تحت فيوض ضحك زلزلتنى ، فطاولت السحاب ، و تحلقت رؤوس الجميع .
أبعدتها ، لأحس بلذعات صعبة ، ولهب فظيع غير متحمل
هتفت بحنجرة مذبوحة : ليس روم .. ليس ..... ".
من بين دموعه و ضحكه :" شربت السبرتو .. تلقي وعدك من أم سعيد يا حلو ".
كنت أتأرجح ، و أنا أردد :" سبرتو ". كدت أبكي ، من حرقة النار فى صدري ، فأطحت بالزجاجة جانبا ، و بكتلة من الكتب تساقطت مني ، قبل أن ألطم بها وجه سعيد ، مندفعا إلى الخارج ، باكيا برغمي ، أتقيؤني ، و المطر يصفع وجهى بقسوة ، و قد أصبح الطوار فى صدري ، و امتلأت الأرض بأخاديد مرتفعة ، صنعت كتلا من حواجز ، فأدور حول نفسي ، و الضحكات تلاحقني ، صوت الأستاذ ، وهو يعلن عن أسماء المشاركين فى العرض : قامت بجمع الأغانى و تأليفها الأستاذة نادية عبد الرحمن .
فجأة ابتلعتني الأرض . صعقت ، درت بعيني هنا وهناك ، أحدد أي العيون رأيت سقطتي ، لا أحد .. فزعت ، خلصت نفسي مذعورا كلص ككتكوت مسلوخ . كانت رائحة البركة رهيبة ، تحمل مخلفات أدمية .. تحركت ، جريت فى ظلمة ليل تشرين ، تطاردني الأصوات .. الأشباح .. مكبر الصوت .. نادية عبد الرحمن .
عندما أصبحت أمام الدار توقفت ، الرائحة نفاذة ، قوية ، و الاسموكنج انتهى أمره ، ما على الآن إلا خلعه ، وغسله ، وإلقاء ما وقع على شماعة المطر ، الذى أغرق المدينة . الجدران تتمايل بي ، وبطني فى حلقي !
بمجرد التخلص منه ، لا أدري ما وقع لي ، كل ما أذكره أنني ظلت أياما ملازما الفراش ، وحين أفقت صرخت فى أمي باكيا :" مزقي كل الكتب .. مزقيها لا تتركي شيئا ".
السبرتو : الكحول الأحمر الذى يستخدم كوقود
تعليق