تراتيلٌ جدليةٌ..........جديد يوسف أبوسالم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • يوسف أبوسالم
    أديب وكاتب
    • 08-06-2009
    • 2490

    #31
    المشاركة الأصلية بواسطة توفيق الخطيب مشاهدة المشاركة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الأستاذ يوسف أبو سالم
    دائما لديك شيء جديد ومتجدد , وفي كل مرة نقول ماذا بقي في جعبة يوسف أبو سالم بعد هذا الإبداع لتفاجئنا بالجديد المبتكر من عالمك الشعري الساحر .
    يحب الشاعر الكبير يوسف أبو سالم أن يصدم المتلقي بالبداية المباشرة البديعة من غير مقدمات وها نحن أمام هذه القصيدة وقد بدأت من خلال عنوانها في أول بيت فيها وبصيغة استفهامية تعبر عن الحيرة والدهشة التي تحمل في طياتها إعجابا بالحبيبة يصبح الغزل فيه تراتيل بديعة .
    تراتيــــــــلُ أم فجـــــــــــرُكِ المُبهرُ
    أم الوجــــــــــهُ مبتسمٌ مُقْمِـــــــــــرُ
    ويسعفنا الشاعر مباشرة بتعريف التراتيل بصورة شاعرية كما يراها في خياله الشاعري
    نداء البلابــــــــــل وهي تغنـــــــــي
    تموسقــــــــــه الشمـــــس والشجر


    وبـــــــــوْحٌ إلى اللانهائيّ راحــتْ
    تدوْزنـــــــــه وهي لا تشعـــــــــــرُ
    لقد أصبحت هذه التراتيل أكثر تأثيراً في ذات الشاعر وأكثر شمولية لتشمل لحظها الفتاك الذي له التأثيرالمعنوي الشعوري للسيف في قلبه وكذلك ماتفعله مقلتا حبيبته في نفسه فتحرمه نوم الليل, وكل ذلك يسوقه الشاعر في خطاب استفهامي جميل ليعطي النص حيوية ويبعده عن السرد الممل
    فكيف وقد مرّ لحظُـــــــــــكِ سيفــاً
    يموجُ بقلبــــــــي ولا يشطــــــــــــرُ


    وكيف تمارسنــــــي مقلتـــــــــــــاك
    وتمخــــــــــــر ليلي ولا أسهـــــــــرُ

    لينتقل الشاعر إلى وصف حبه مستعيناً كما عودنا بعناصر الطبيعة التي تنسجم وتتمازج مع بعضها بصورة سريالية بديعة
    أحبـــــــــك والبتــــــــــلات ترنـــدح
    لـــــــــون الورود وتستمطــــــــــــرُ


    أحبـــــــك والأقحـــــــــوان يصلّـــي
    ومحــــــــــراب عطرِك يستغفـــــــر


    أحبــــــــك والآه فـــــي شفتيـــــــك
    تلـوب تصـــــــــــوم ولا تفطـــــــــر

    لتنعطف القصيدة الغزلية بصورة مفاجئة إلى ذات الشاعر متفحصة أعماقه مبحرة في أفكاره ومشاعره لتصوغها لنا أسئلة حائرة الجواب ولكنها مع ذلك ترسم لنا صورة بديعة عما يحس به الشاعر في لحظات الحب التي تؤجج في داخله جذوة الإبداع
    أنا المستحيـــــــــل فهل ممكناتــــي
    رؤىً تتلــــــــوّى ولا تزهـــــــــــــر


    وهل ممكناتـــــــــــي تواشيــح غيمٍ
    تضاجع ريحــــــــــاً ولا تقطُـــــــــرُ

    إنه يحاول أن يعبر عن حبه باستخدام أدواته الإبداعية التي نادراً ماتخذله , ومع ذلك فهو لايعرف إذا ماكان الشعر سيقبل رجاءه ويحمله على مطيته ليصل إلى قلب محبوبته بالمعنى المطلوب أم سيرفض أن يمسك بيده في هذه الرحلة القلبية , ولايعرف إذا ماكانت حروفه قادرة على فك شفرة حبه , ومهما حاول أن يهرب من محبوبته فإن مهربه ينتهي إليها دائماً
    أسوق القوافي إليك ابتهـــــــــــــالا
    فيصبؤني الشعـــــــــــر أو يغفـــــر


    ويشعلنـــــــي الحــرف قنديل حـب
    يفســــــــر ليلك أو ينكــــــــــــــــــرُ


    وأهـــــــربُ منّـــي ولكن إليــــــــكِ
    فهل يفضح الســـــر أم يجهـــــــــر

    ولابد في النهاية من الاستسلام إلى نيران حبه لتحرقه عشقاً وتأكل منه رويداً رويداً فلا تنفعه خمر لتلهيه إلا المدى المسكر من شفتي محبوبته
    ذرينــــي بنـــارك تأكـــل منـــــــي
    رويـــــــداً رويـــــــداً فلا أكبــــــر


    أفي الخمر ما يرتجى من شـرودٍ
    وفي شفتيك المـــــــدى يسكـــــــر

    إن كل الموجودات من هدير البحر وحرير الحور وأغنية خرير النهر لاتعوض عن موجودات الحبيبة المادية والمعنوية
    وفي البحر ما يبتغي من هديــــرٍ
    وفي ضفّتيــــكِ الصـــدى يهــــدرُ


    أفي الحور ما يشتهى من حريـرٍ
    وفي صـــدرك النــــار والمرمـــرُ


    وفي النهــــر أغنيـــة من خريــر
    ونوتــــات صوتـــك قــــد ذرذروا


    لقد جاء وصف مشاعر الحب التي تتنازع قلب الشاعر في نهاية القصيدة عميقا حاراً في صور بديعة رقيقة رائقة ليشكل أجمل نهاية لهذه القصيدة البديعة :
    أحسُّكِ فـــي كـــل نفثـــة عطــــرٍ
    تخدّرُنــــــي وهـــــي لا تخـــــدرُ


    وضـــــوع شميمـــك والله يعلــم
    كـــم يصطلينــــي وكـــم يغمــــرُ


    وكيف يعبىء مشكـــاة روحــي
    ويأسرنــــــي حيـــن لا يأســــرُ


    تراتيل عطرِك صارت نصـــالا
    هي المســك والعــــود والعنبــر


    فلا غرْوَ أن الحـــلا يتمطـــــى
    به الشهد والـراح والسكّــــــــرُ


    ولا عجبٌ أن شوقــــي إليـــكِ
    عصافير يلهــو بها البيـــــــدر


    فإن طاولتْ بضع حبات قمحٍ
    تصيح بأسرابها ثرثــــــــروا


    لقد أجاد الشاعر في عمله على الصور الإبداعية وعلى البديع الذي يزينها , فلم يخلُ بيت من القصيدة من صورة شعرية جميلة أو استعارة بديعة , وأختار منها هذين البيتين الذي يصلي فيهما الأقحوان ,ويستغفر محراب عطر الحبيبة ,وتلوب الآه في شفتيها عطشا ومع ذلك لاتفطر :
    أحبـــــــك والأقحـــــــــوان يصلّـــي
    ومحــــــــــراب عطرِك يستغفـــــــر


    أحبــــــــك والآه فـــــي شفتيـــــــك
    تلـوب تصـــــــــــوم ولا تفطـــــــــر
    لقد أدى استخدامه المتطرف لبعض الكلمات إلى إعطاء المعنى قوة لتستفز المتلقي ويقع وقعها عليه كالصدمة المدهشة كاستعماله لكلمة تمارسني في هذا البيت :
    وكيف تمارسنــــــي مقلتـــــــــــــاك
    وتمخــــــــــــر ليلي ولا أسهـــــــــرُ
    وكان بإمكانه أن يقول عوضا عنها تغازلني أو تعاكسني على سبيل المثال ولكنه اختار الكلمة التي تحدث تأثيراً وصدمة , وهذا يشابه إلى حد ما مع اختلاف المثل ولله المثل الأعلى استعمال الذكر الحكيم لكلمة اثاقلتم عوضاً عن تثاقلتم في الآية الكريمة (( يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل )) التوبة : 38
    فإن كلمة اثاقلتم أكثر تأثيراً وأوضح معنى من تثاقلم .
    لقد حافظ المبدع يوسف أبو سالم على على أسلوبه المميز في بناء الجمل الشعرية المبهرة واستخدام الكلمات المستفزة فجاء بعضها في مكانه الصحيح ليزيد البيت الشعري قوة وجمالاً مثل قولك تموسقه وتدوزنه مع صعوبة دوزنة بوح يمتد إلى اللانهائي أو استحالته حسابياً مع إمكانه شعريا حيث يخترق الإبداع والخيال حاجز المستحيل , إن استعمال كلمة رمزية جامعة ككلمة ممكناتي قد أعفى الشاعر من تعداد هذه الممكنات وكان بديعا ومبتكراً , بينما جاء استعمال كلمة ترندح في هذا البيت :
    أحبـــــــــك والبتــــــــــلات ترنـــدح
    لـــــــــون الورود وتستمطــــــــــــرُ
    بعيدا عن السياق الفصيح الجميل للأبيات , فبالرغم من غرابتها ومعناها الموافق لسياق البيت إلا أنها كلمة عامية تستعمل أصلا في الشعر العامي اللبناني , ومع أنني أجيز استعمال الكلمات العامية في الشعر الفصيح إلا أنني أشترط أن تخدم المعنى المراد في السياق وأن لايكون لها مرادف من الفصحى يحل محلها .
    لقد تمكن الشاعر أن يعزف مقطوعته الشعرية على إيقاع البحر المتقارب بحرفية وأن يتخطى الرتابة التي تعيب هذا البحر باستعمال زحاف القبض في مكانه المناسب.
    الشاعر المبدع يوسف أبو سالم
    أبدعت وأمتعت بأسلوبك المميز
    دمت للشعر والإبداع

    توفيق الخطيب
    الشاعر المبدع
    توفيق الخطيب

    أعتذر عن التأخير في الرد
    بسبب انشغالي في الغرفة الصوتية
    وبعد

    كعادتك دوما تطوف في رحلة شيقة في أرجاء القصيدة
    فتحسن القراءة في كل ما تتوقفف عنده
    من صور شعرية وتوظيف للمفردات ونقد بناء
    ينم عن ذائقة شعرية وموضوعية قل أن نجدها في كثيرين من النقاد
    الأمر الذي يجعل من قراءاتك للقصيدة دراسة بحد ذاتها
    ترتبط بالقصيدة وتظل ملازمة لها
    ولعل هذا هو دور الناقد الحقيقي
    أن يضع يده على مكامن الإبداع في النص الشعري
    دمشيرا إلى ما يعتبره سلبيا ايضا
    وبذلك يطبق مبدأ التقييم للنص الإبداعي
    والتقييم هو القراءة الموضوعيى للإيجابيات والسلبيات في النص
    وهذا ما أجدك تفعله مشكورا
    فلا أملك إلا أن أثمن لك هذا المرور العميق
    والعابق بالشعر والمودة

    ودمت مبدعا

    تعليق

    يعمل...
    X