المشاركة الأصلية بواسطة جلاديولس المنسي
مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذة الفاضلة جلاديولس المنسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحجاب: هو الستر بساتر؛ فكل ما هو مستور عنا فهو محجوب.
والحجاب يكون لشيء موجود، واضح، جليّ، ثم يُستر؛ كالعلم، والسمع، والبصر.
وقد يكون الحجاب تاماً أو جزئياً؛ وقد يكون عاماً أو خاصاً.
وفي موضوعنا، عالم "اللاشعور"، نتحدث عن عالم موجود، واضح، جليّ، لكنه محجوب عنا.
وهنا سنعود لآدم عليه السلام، وكيف أنه كان يرى ويسمع ما هو محجوب عنا الآن رؤيته وسمعه.
{وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}. البقرة.
أليس مفهوماً من هذه الآيات أن آدم عليه السلام كان بين الملائكة يراهم ويسمعهم؟
وكيف ينبئهم إن لم يكن بينهم إمكانية التواصل؟
وقد أنبأهم بما علَّمه الله من الأسماء: {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ}.
هذه الآيات قطعية الثبوت بلا شك، ومن يظن أنها ليست قطعية الدلالة، فهاهو النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام ينبئنا عن ذلك بنص قطعي الدلالة، صحيح الثبوت:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:
"خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ".البخاري؛ ج:11؛ ص: 484
وأفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: "فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ" أن النقصان شامل هنا؛ وهذا ما عنيت بقولي في مشاركتي الأولى:
(كان سيدنا آدم قبل قصة "الشجرة"، يمتلك من القدرات ما يمكِّنه من الاتصال بجميع العوالم؛ فقد كان يتواصل مع الملائكة والجن وكل المخلوقات والعوالم.
وكانت أداة التواصل هي "نفسه" التي لم تكن بعد ملهَمةً للفجور؛ وبعد أن أُلهمت ذاك الفجور كان الوقوع في "الشجرة" . ثم كان أول حجاب لتلك النفس!
ولا تزال الحجب تتتالى بتتالي المعاصي)
وعندما قلت بأن أداة التواصل هي "نفسه" فأنا أعني تماماً ما أقول، والدليل القطعي بين يدي وسيأتي في حينه إن شاء الله.
أما ما قصدتُه بقولي:
(ومن هنا، نرى أن بعض الأنفس التي تتطهر تمتلك من القدرات ما ليس في غيرها، وذلك لأن بعض الحجب قد رُفعت عنها؛ وإن كانت في بعض الأحيان لا تدرك كثيراً مما يجري)
فكلامي واضح بأن بعض الحجب تُرفع بالقدر الذي تتطهر به أنفس المجاهدين في سلوكهم، المتقين لله في أقوالهم وأفعالهم، المخلصين لله في نيّاتهم. فقد يُرفع عن بعضهم حجاب العلم، فيعلِّمهم الله {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}
وقد يُرفع عن بعضهم حجاب البصر:
عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِى عَمَّارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِى عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ فَكَانَ كَالْمُعْرِضِ عَنْ أَبِى. فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَقَالَ لِى أَبِى: أَىْ بُنِىَّ، أَلَمْ تَرَ إِلَى ابْنِ عَمِّكِ كَالْمُعْرِضِ عَنِّى؟ فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ إِنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ. قَالَ فَرَجَعْنَا إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبِى: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ كَذَا وَكَذَا فَأَخْبَرَنِى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَكَ رَجُلٌ يُنَاجِيكَ، فَهَلْ كَانَ عِنْدَكَ أَحَدٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَهَلْ رَأَيْتَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟" قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَإِنَّ ذَاكَ جِبْرِيلُ وَهُوَ الَّذِى شَغَلَنِى عَنْكَ". مسند أحمد؛ ج:55؛ ص:39.
أما عن سؤالك:
(ولكن يقال أن رفع الحجب أو كشف الحجب هو رؤية المولى عزَّ وجلَّ ، فما صحة هذا التعريف؟)
فهذا تقييد وتخصيص؛ وإن كان سيُكشف الحجاب للمؤمنين يوم القيامة فيروا ربهم كما نرى الشمس في يوم لا غمام فيه.
أما إن كان المقصود هو رؤية المولى عزَّ وجلَّ في هذه الدنيا؛ فهذا لا طائل من الحديث فيه؛ وقد اختُلف في رؤية النبي الأكرم -صلى الله عليه وسلم- ربه رغم وجود النصوص المؤكِّدة، فكيف نُثبت ذلك بحق غيره دون دليل بيِّن؟
أسأل المولى عزَّ وجلَّ أن يجعلنا من عباده الطائعين له ولرسوله:
{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} النساء.
تعليق