وداعا للتطرف
الضحية الأولى لثورات المواطنة الديمقراطية العربية، إذاً، ستكون الطائفية والمذهبية والعشائرية . فهل ستكون ثمة ضحية ثانية؟
أجل حتماً: التطرف الديني . لماذا؟
لأن هذه الظاهرة التي ابتليت بها المنطقة العربية منذ عقود عدة، ثم استُخدمت ك “قميص عثمان” لتبرير كل الاجتياحات العسكرية الغربية للشرق الأوسط، ولترسيخ السلطات الاستبدادية كذلك، لن تكون لها بعد حين بيئة ملائمة تترعرع فيها .
هذه البيئة كانت، كما هو معروف، من جراء قيام الأنظمة السلطوية العربية بسد كل أبواب ونوافذ الهواء النقي التي كان يمكن للمواطن العربي أن يتنفّس عبرها، ويُنفّس من خلالها عن شكواه وألمه وتظلماته . وحين يكون الأمر على هذا النحو، يصبح من الطبيعي أن يبحث الشباب والجيل الجديد عن منافذ أخرى للتعبير عن الكرب .
وهكذا، ولدت في تلك الفترة “ديمقراطية العنف الانتحاري” التي جذبت إلى أتونها العديد من أفراد الجيل الجديد، إن لم يكن نحو ميادين القتال والفعل فإلى توفير البيئة المناسبة، المالية والثقافية والوجودية، لهذا العنف .
وسرعان ما تلقّف الغرب الخارج لتوّه من أتون الحرب الباردة والباحث بلهفٍ عن عدو عالمي جديد، هذه الظاهرة بحماسة شديدة، فدخلت كل أنواع أجهزة المخابرات على الخط لتغذي أو تموّل أو حتى تؤسس العديد من المنظمات “الإرهابية” . وتبعها النظام الأمني الاستخباري العربي الذي وجد في هذا التطور هبة من السماء لتجديد دمائه، وللحصول على المزيد من دروع التثبيت الغربية لأنظمته السلطوية .
لكن الآن، وبعد انتصار ثورات الشباب في تونس ومصر (والعد مستمر بسرعة)، بدأ الستار يُسدل على هذه اللوحة الدموية المُرعبة . الآن ثمة ثقافة سياسية ووجودية جديدة تسمح بتفتّح ألف وردة وألف ياسمينة أمام الجيل الجديد، ثقافة حياة وتقدم بدل ثقافة موت وانتحار عبثي .
قارنوا، على سبيل المثال، بين الاستشهاد الرائع لمحمد بوعزيزي ورفاقه في مصر والمغرب وموريتانيا الذي أدى إلى هدم أسوار أعتى قلاع الاستبداد وإلى إجبار الغرب (أخيراً) على سماع الصوت العربي المستقل، وبين الانتحار العبثي والبشع الذي يدُفع فيه بعض الفتية إلى تمزيق أنفسهم وأجساد الآخرين في العراق .
قارنوا أيضاً انحسار، أو بدء انحسار، الحركات السياسية الدينية التكفيرية المغلقة في كل أرجاء المنطقة، من الجزائر إلى مصر، وبروز التيارات الإسلامية العقلانية التي دخلت هي الأخرى في “مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية” .
بالطبع، لا يعني كل ذلك أن المنطقة العربية قد طوت نهائياً سيرة هذا الانحراف العنفي والانغلاقي الأعمى، وشقّت طريقها نهائياً أيضاً نحو جنة الاستقرار والتفتح الديمقراطي، فالشوط لايزال طويلاً، وتغيير المفاهيم والأفكار يحتاج إلى مئة ضِعف الجهود لتغيير الأنظمة السياسية والاقتصادية .
لكن المسيرة بدأت، وعما قريب سنسمع حتماً عن “ثورات ثقافية ليبرالية” في الحركات الإسلامية، لا سيما في تلك التي تهاوت فيها أسوار الاستبداد، تُعيد الاعتبار إلى مرحلة النهضة العربية في أوائل القرن العشرين على يد عبدالرحمن الكواكبي ومحمد عبده وعلي عبدالرازق وشكيب أرسلان وأقرانهم .
قد تحدث انتكاسات، وتراجعات، و”ثورات مضادة” . بيد أن هذه كلها لن تؤثر في المسيرة التاريخية الجديدة التي باتت الآن في حراسة الشباب العربي، تماماً كما أن “موقعة الجمل” في ميدان التحرير لم توقف ثورة شباب ال “فيسبوك” .
وبين الجمل والإنترنت ثمة فرق شاسع، كما نعتقد .
الضحية الأولى لثورات المواطنة الديمقراطية العربية، إذاً، ستكون الطائفية والمذهبية والعشائرية . فهل ستكون ثمة ضحية ثانية؟
أجل حتماً: التطرف الديني . لماذا؟
لأن هذه الظاهرة التي ابتليت بها المنطقة العربية منذ عقود عدة، ثم استُخدمت ك “قميص عثمان” لتبرير كل الاجتياحات العسكرية الغربية للشرق الأوسط، ولترسيخ السلطات الاستبدادية كذلك، لن تكون لها بعد حين بيئة ملائمة تترعرع فيها .
هذه البيئة كانت، كما هو معروف، من جراء قيام الأنظمة السلطوية العربية بسد كل أبواب ونوافذ الهواء النقي التي كان يمكن للمواطن العربي أن يتنفّس عبرها، ويُنفّس من خلالها عن شكواه وألمه وتظلماته . وحين يكون الأمر على هذا النحو، يصبح من الطبيعي أن يبحث الشباب والجيل الجديد عن منافذ أخرى للتعبير عن الكرب .
وهكذا، ولدت في تلك الفترة “ديمقراطية العنف الانتحاري” التي جذبت إلى أتونها العديد من أفراد الجيل الجديد، إن لم يكن نحو ميادين القتال والفعل فإلى توفير البيئة المناسبة، المالية والثقافية والوجودية، لهذا العنف .
وسرعان ما تلقّف الغرب الخارج لتوّه من أتون الحرب الباردة والباحث بلهفٍ عن عدو عالمي جديد، هذه الظاهرة بحماسة شديدة، فدخلت كل أنواع أجهزة المخابرات على الخط لتغذي أو تموّل أو حتى تؤسس العديد من المنظمات “الإرهابية” . وتبعها النظام الأمني الاستخباري العربي الذي وجد في هذا التطور هبة من السماء لتجديد دمائه، وللحصول على المزيد من دروع التثبيت الغربية لأنظمته السلطوية .
لكن الآن، وبعد انتصار ثورات الشباب في تونس ومصر (والعد مستمر بسرعة)، بدأ الستار يُسدل على هذه اللوحة الدموية المُرعبة . الآن ثمة ثقافة سياسية ووجودية جديدة تسمح بتفتّح ألف وردة وألف ياسمينة أمام الجيل الجديد، ثقافة حياة وتقدم بدل ثقافة موت وانتحار عبثي .
قارنوا، على سبيل المثال، بين الاستشهاد الرائع لمحمد بوعزيزي ورفاقه في مصر والمغرب وموريتانيا الذي أدى إلى هدم أسوار أعتى قلاع الاستبداد وإلى إجبار الغرب (أخيراً) على سماع الصوت العربي المستقل، وبين الانتحار العبثي والبشع الذي يدُفع فيه بعض الفتية إلى تمزيق أنفسهم وأجساد الآخرين في العراق .
قارنوا أيضاً انحسار، أو بدء انحسار، الحركات السياسية الدينية التكفيرية المغلقة في كل أرجاء المنطقة، من الجزائر إلى مصر، وبروز التيارات الإسلامية العقلانية التي دخلت هي الأخرى في “مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية” .
بالطبع، لا يعني كل ذلك أن المنطقة العربية قد طوت نهائياً سيرة هذا الانحراف العنفي والانغلاقي الأعمى، وشقّت طريقها نهائياً أيضاً نحو جنة الاستقرار والتفتح الديمقراطي، فالشوط لايزال طويلاً، وتغيير المفاهيم والأفكار يحتاج إلى مئة ضِعف الجهود لتغيير الأنظمة السياسية والاقتصادية .
لكن المسيرة بدأت، وعما قريب سنسمع حتماً عن “ثورات ثقافية ليبرالية” في الحركات الإسلامية، لا سيما في تلك التي تهاوت فيها أسوار الاستبداد، تُعيد الاعتبار إلى مرحلة النهضة العربية في أوائل القرن العشرين على يد عبدالرحمن الكواكبي ومحمد عبده وعلي عبدالرازق وشكيب أرسلان وأقرانهم .
قد تحدث انتكاسات، وتراجعات، و”ثورات مضادة” . بيد أن هذه كلها لن تؤثر في المسيرة التاريخية الجديدة التي باتت الآن في حراسة الشباب العربي، تماماً كما أن “موقعة الجمل” في ميدان التحرير لم توقف ثورة شباب ال “فيسبوك” .
وبين الجمل والإنترنت ثمة فرق شاسع، كما نعتقد .
تعليق