اشراقات على الحضارات..أبطال غيروا التاريخ
تقليص
X
-
شكرا أستاذنا القدير المختار محمد الدرعي على هذا التاثيث التاريخي القيم
و سنتحدث اليوم عن قائد عظيم عرفه البربر و العرب
هــــُــــــــــــــــوَ
عقبة ابن نافع الفهري
هو عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري، ولد قبل الهجرة بسنة، وكان أبوه قد أسلم قديماً، لذلك فقد ولد عقبة ونشأ في بيئة إسلامية خالصة،
وهو صحابي بالمولد، لأنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وهو يمت بصلة قرابة للصحابي الجليل 'عمرو بن العاص' من ناحية الأم، وقيل أنهما ابني خالة .
ولقد برز اسم 'عقبة بن نافع' مبكراً على ساحة أحداث حركة الفتح الإسلامي التي بدأت تتسع بقوة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه،
حيث اشترك هو وأبوه 'نافع' في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة 'عمرو بن العاص' رضي الله عنه، ولقد توسم فيه 'عمرو' أنه سيكون له شأن كبير
ودور في حركة الفتح الإسلامي على الجبهة الغربية، لذلك أسند إليه مهمة صعبة وهى قيادة دورية استطلاعية لدراسة إمكانية فتح الشمال الأفريقي،
ومعلوم عند العسكريين أن سلاح الاستطلاع هو أخطر وأهم سلاح في أي جيش، لأنه هو الذي يحدد طريقة الهجوم
بين الشجاعة والقوة والذكاء الشديد وحسن التصرف في المواقف الصعبة، وكلها خصال توفرت في 'عقبة' وأدركها 'عمرو' فيه،
لذلك عندما عاد 'عمرو' إلى مصر بعد فتح تونس، جعل 'عقبة بن نافع' والياً عليها على الرغم من وجود العديد من القادة الأكفاء والصحابة الكبار،
مما يدل على نجابة هذا البطل الشاب .
أرسل 'عمرو بن العاص' والى مصر البطل الشاب 'عقبة بن نافع' إلى بلاد النوبة لفتحها، فلاقى هناك مقاومة شرسة من النوبيين،
ولكنه مهد السبيل أمام من جاء بعده لفتح البلاد، ثم أسند إليه 'عمرو' مهمة في غاية الخطورة،
وهي تأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر ضد هجمات الروم وحلفائهم البربر، فقاد 'عقبة' كتيبة قتالية على أعلى مستوى قتالي
للتصدي لأي هجوم مباغت على المسلمين وتعاقبت عدة ولاة على مصر بعد 'عمرو بن العاص' منهم عبد الله بن أبى السرح
ومحمد بن أبى بكر ومعاوية بن حديج وغيرهم، كلهم أقر 'عقبة بن نافع' في منصبه كقائد لحامية 'برقة'
عقبة قائد الفتح الشمالى
ظل 'عقبة' في منصبه الخطير كقائد للحامية الإسلامية 'ببرقة' خلال عهدي عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب رضي الله عنهما،
ونأى بنفسه عن أحداث الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وجعل شغله الشاغل الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام بين قبائل البربر ورد عادية الروم،
فلما استقرت الأمور وأصبح معاوية رضي الله عنه خليفة للمسلمين، أصبح 'معاوية بن حديج' والياً على مصر،
وكان أول قرار أخذه هو إرسال عقبة بن نافع إلى الشمال الأفريقي لبداية حملة جهادية قوية وجديدة
لمواصلة الفتح الإسلامي الذي توقفت حركته أثناء الفتنة وذلك سنة 49 هجرية .
كانت هناك عدة بلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد اشتعال الفتنة بين المسلمين، منها 'ودان' و'أفريقية' و'جرمة' و'قصور خاوار'،
فانطلق الأسد العنيف عقبة ورجاله الأشداء على هذه القرى الغادر أهلها وأدبهم أشد تأديب،
فقطع أذن ملك 'ودان' وأصبع ملك 'قصور كوار' حتى لا تسول لهم أنفسهم محاربة المسلمين مرة أخرى
(مع العلم أن هذا الأمر لا يجوز شرعاً لأنه مثّله ولكن عقبة اجتهد في تأديبهم بما يردعهم عن المعاودة للخلاف).
بعد أن طهر عقبة المنطقة الممتدة من حدود مصر الغربية إلى بلاد أفريقية 'تونس' من الأعداء والمخالفين،
أقدم عقبة على التغلغل في الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشن حرب عصابات خاطفة في أرض الصحراء الواسعة ضد القوات الرومية النظامية الكبيرة
التي لا تستطيع مجاراة المسلمين في حرب الصاعقة الصحراوية، واستطاع عقبة وجنوده أن يطهروا منطقة الشمال الأفريقي
من الحاميات الرومية المختلفة ومن جيوب المقاومة البربرية المتناثرة .
و سنواصل الحديث عن هذا القائد البطل في المرة القادمة
إن شاء الله
تعليق
-
-
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
صباح الخير إخوتي الكرام
سنواصل الحديث عن القائد البطل
عقبة ابن نافع الفهري
تأسيس مدينة القيروان
لم يكن عقبة بن نافع قائداً عسكرياً محضاً فقط، بل كان صاحب عقلية مبدعة وفكر استراتيجي فذ وهو يصح أن يطلق عليه خبير بشؤون المغرب والشمال الأفريقي، ومن خلال حملاته الجهادية المستمرة على الشمال الأفريقي، أدرك أهمية بناء مدينة إسلامية في هذه البقاع وذلك لعدة أسباب من أهمها :-
1. تثبيت أقدام المسلمين والدعوة الإسلامية هناك وذلك أن عقبة قد لاحظ أمراً هاماً أن أهل الشمال الأفريقي إذا جاءهم المسلمون يظهرون الإسلام وإذا انصرفوا عنهم رجعوا مرة أخرى إلى الكفر، فكان بناء مدينة إسلامية خير علاج لهذه الظاهرة الناجمة عن غياب قاعدة إسلامية ثابتة للإسلام لنشر الهدى والنور وسط ظلمات البربر.
2. ضرورة تكوين قاعدة حربية ثابتة في مواجهة التهديدات الرومية المتوقعة بعد فتح الشمال الأفريقي .
3. أن تكون هذه المدينة دار عزة ومنعة للمسلمين الفاتحين، ذلك لأنهم تفرقوا في البلاد كحاميات على المدن المفتوحة، وهذا التفرق قد يورث الضعف والوهن مع مرور الوقت خاصة لو دهم عدو كبير العدد هذه البلاد.
لهذه الأسباب وغيرها قرر 'عقبة بن نافع' بناء مدينة القيروان في القرن الشمالي لإفريقية في مكان تتوافر فيه شروط الأمن الدعوي والحركي للمسلمين بحيث تكون دار عزة ومنعة وقاعدة حربية أمامية في القتال، ومنارة دعوية علمية لنشر الإسلام، وانطبقت كل الشروط المطلوب توافرها في منطقة أحراش مليئة بالوحوش والحيات، فقال له رجاله: "إنك أمرتنا بالبناء في شعاب وغياض لا ترام، ونحن نخاف من السباع والحيّات وغير ذلك من دواب الأرض"، وكان في عسكره خمسة عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم وقال "إني داع فأمّنوا"، وبالفعل دعا الله عز وجل طويلاً والصحابة والناس يأمّنون، ثم قال عقبة مخاطباً سكان الوادي: "أيتها الحيّات والسباع، نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتحلوا عنا فإنا نازلون، ومن وجدناه بعد ذلك قتلناه".
فحدثت بعدها كرامة هائلة حيث خرجت السباع من الأحراش تحمل أشبالها والذئب يحمل جروه، والحيّات تحمل أولادها، في مشهد لا يرى مثله في التاريخ، فنادى عقبة في الناس: "كفوا عنهم حتى يرتحلوا عنا" وهكذا يصل الإيمان والثقة بالله عز وجل لهذا المستوى الفائق من اليقين بنصرة الله عز وجل وتأييده ومدده، فهذا هو البطل المجاهد يصل به الإيمان والكرامة لئن يتكلم مع الحيوانات البهائم التي لا تعقل ولا تفهم، فيطيعونه ويسمعون أوامره، وهكذا يصبح الكون كله ومن فيه مسخراً لخدمة المجاهدين وغايتهم السامية.
استمر بناء مدينة القيروان قرابة الخمس سنوات، حتى أصبحت القيروان درة المغرب، وشيّد 'عقبة' بها جامعاً كبيراً أصبح منارة العلم وقبلة طلاب العلم والشريعة من كل مكان، وملتقى للدعاة والعلماء والمجاهدين، وأصبح جامع القيروان أول جامعة إسلامية على مستوى العالم وذلك قبل الأزهر بعدة قرون.
المجاهد المخلص
بعدما انتهى عقبة بن نافع من بناء القيروان ومسجدها الجامع، جاءه الأمر الخليفي بالتنحّي عن ولاية إفريقية، وتولية رجل من جنود عقبة اسمه 'أبو المهاجر دينار'، وهو رجل مشهور بالكفاءة وحسن القيادة.
فما كان رد فعل القائد المظفر الذي فتح معظم الشمال الأفريقي وحقق بطولات فائقة عندما جاءه خبر العزل ؟ هل تمرّد ؟ هل امتنع أو حتى تذمر ؟
كلا والله.. إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلا المناصب تبهرهم ولا الدنيا تفتنهم ولا الأحقاد تعرف إلى قلوبهم طريقاً، إنهم خالصين مخلصين لا يريدون إلا وجه الله عز وجل، امتثل عقبة فوراً للأمر وانتظم في سلك الجندية.
استطاع أبو المهاجر القائد الجديد أن يحقق عدة مكاسب إستراتيجية في الشمال الأفريقي على حساب التواجد الرومي بهذه المناطق، واستطاع أيضاً، يستميل زعيم قبائل البربر 'كسيلة بن لمزم' وكان كسيلة شديد التأثير على قومه، قوى الشخصية،محبوباً في قومه، مطاعاً منهم، وكان نصرانياً متمسكاً بدينه وكان نجاح أبى المهاجر في إقناعه بالإسلام مكسباً كبيراً للإسلام والمسلمين، ولكن القائد المحنك عقبة صاحب النظرة الثاقبة الخبيرة بطبائع البربر، لم يطمئن لإسلام 'كسيلة' خاصة وأنه قد أسلم بعد وقوعه في أسر المسلمين وبعدما ذاق حر سيوفهم، وقد صدق هذا الحدس فيما بعد كما سنعلم .
عودة الأسد
لم يمض كثيراً من الوقت حتى عاد الأسد الضاري عقبة بن نافع إلى قيادة الجهاد ببلاد المغرب وانتقل أبو المهاجر في صفوف الجنود مجاهداً مخلصاً، وهكذا نرى خير الأمة ينتقل الواحد منهم من الرئاسة إلى عامة الجند بمنتهى اليسر والسهولة، بلا مشاكل أو اعتراض، وبلا أحقاد وأضغان، وذلك لأن الكل يبتغى مرضات الله ولا يريد شيئاً من عرض الدنيا الزائل .
قرر عقبة بن نافع استئناف مسيرة الفتح الإسلامي من حيث انتهى أبو المهاجر، وكانت مدينة 'طنجة' هي أخر محطات الفتح أيام أبي المهاجر، وهنا أشار أبو المهاجر على عقبة ألا يدخل مدينة طنجة لأن 'كسيلة' زعيم البربر قد أسلم، ولكن عقبة كان يشك في نوايا وصحة إسلام كسيلة، فقرر الانطلاق لمواصلة الجهاد مروراً بطنجة وما حولها، خاصة وأن للروم حاميات كثيرة في المغرب الأوسط .
الإعصار المدمر
انطلق عقبة وجنوده من مدينة القيروان، لا يقف لهم أحد ولا يدافعهم أي جيش، فالجميع يفرون من أمامهم، وكلما اجتمع العدو في مكان، انقض عقبة ورجاله عليهم كالصاعقة المحرقة ففتح مدينة 'باغاية'، ثم نزل على مدينة 'تلمسان'، وهي من أكبر المدن في المغرب الأوسط، وبها جيش ضخم من الروم وكفار البربر، وهناك دارت معركة شديدة استبسل فيها الروم والبربر في القتال وكان يوماً عصيباً على المسلمين، حتى أنزل الله عز وجل نصره على المؤمنين، واضطر الأعداء للتراجع حتى منطقة 'الزاب'.
سأل عقبة عن أعظم مدينة في الزاب فقيل له 'أربة'، وهي دار ملكهم وكان حولها ثلاثمائة وستون قرية عامرة، ففتحها عقبة، والروم يفرون من أمامه كالفئران المذعورة، ورحل عقبة بعدها إلى مدينة 'ثاهرت' فأرسلت الحامية الرومية استغاثة لقبائل البربر الوثنية فانضموا إليهم فقام عقبة في جيشه خطيباً بارعاً بعبارات فائقة تلخص رسالة المجاهد في سبيل الله فقال: "أيها الناس إن أشرفكم وخياركم الذين رضي الله تعالى عنهم وأنزل فيهم كتابه، بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان على قتال من كفر بالله إلى يوم القيامة، وهم أشرفكم والسابقون منكم إلى البيعة، باعوا أنفسهم من رب العالمين بجنته بيعة رابحة، وأنتم اليوم في دار غربة وإنما بايعتم رب العالمين، وقد نظر إليكم في مكانكم هذا، ولم تبلغوا هذه البلاد إلا طلباً لرضاه وإعزازاً لدينه، فأبشروا فكلما كثر العدو كان أخزى لهم وأذل إن شاء الله تعالى، وربكم لا يسلمكم فالقوهم بقلوب صادقة، فإن الله عز وجل قد جعل بأسه على القوم المجرمين".
وبهذه الكلمات الموجزة استثار عقبة حمية رجاله، وأعطى درساً بليغاً للأجيال من بعده عن حقيقة دعوة المجاهد .
التقى المسلمون بأعدائهم وقاتلوهم قتالاً شديداً، وكانت نتيجته معروفة بعدما وصلت معنويات المسلمين لقمم الجبال، وانتصر المسلمون كما هي عادتهم، وسار عقبة حتى نزل على 'طنجة' فلقيه أحد قادة الروم واسمه 'جوليان' فخضع لعقبة ودخل له الجزية، فسأله عقبة عن مسألة فتح الأندلس فقال له 'جوليان' أتترك كفار البربر خلفك وترمى بنفسك في بحبوحة الهلاك مع الفرنج ؟ فقال عقبة وأين كفار البربر ؟ فقال في بلاد السوس وهم أهل نجدة وبأس فقال عقبة وما دينهم ؟ قال ليس لهم دين فهم على المجوسية .
فتوجه إليهم عقبة كالإعصار الكاسح الذي يدمر كل شيء بإذن الله، واخترق هذه البلاد كلها هازماً لكل قبائل البربر حتى وصل بخيله إلى المحيط الأطلنطى فاخترق عقبة بفرسه ماء المحيط ثم قال بقلب المؤمن الصادق الغيور الذي بذل واستفرغ كل جهده وحياته لخدمة الإسلام: "يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك، اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد دونك".
وبهذه النفوس الصادقة والقلوب المؤمنة والعزائم الفائقة انتشر الإسلام في ربوع الأرض.
استشهاد البطل
حقق عقبة غايته من حركة الفتح الإسلامي بالشمال الإفريقي، فلقد أخضع قبائل البربر وأوقع بها بأساً شديداً، حتى وصل إلى أقصى بلاد المغرب واقتحم المحيط بفرسه، وبعدها قرر عقبة العودة إلى القيروان، فلما وصل إلى طنجة أذن لمن معه من الصحابة أن يتفرقوا ويقدموا القيروان أفواجاً ثقة منه بما نال من عدوه، ومال عقبة مع ثلاثمائة من أصحابه إلى مدينة 'تهوذة'، فلما رآه الروم في قلة من أصحابه طمعوا فيه، وأغلقوا باب الصحن وشتموه وهو يدعوهم إلى الإسلام وعندها أظهر 'كسيلة' مكنون صدره الذي كان منطوياً على الكفر والغدر والحسد، واستغل قلة جند عقبة واتفق مع الروم على الغدر بعقبة وأرسل إلى إخوانه البربر الوثنيين وجمع جموعاً كثيرة للهجوم على عقبة ومن معه.
كان أبو المهاجر في ركب عقبة ولكن عقبة قد غضب منه فقيده، فلما رأى أبو مهاجر هجوم كسيلة ومن معه، أنشد أبيات أبي محجن الثقفي المشهورة
كفى حزناً أن ترتدي الخيل بالقنا
وأترك مشدوداً علـى وثاقـيـــا
إذا قمت عنأأاني الحديد وأغلقن
مصارع دوني قد تصم المناديا
ففك عقبة وثاقة وقال له: "الحق بالقيروان وقم بأمر المسلمين وأنا أغتنم الشهادة"، فقال أبو المهاجر: "وأنا أيضا أريد الشهادة".
وكسر عقبة والمسلمين أجفان سيوفهم واقتتلوا مع البربر حتى استشهد عقبة وكل من معه في أرض الزاب بتهوذة وذلك سنة 63 هجرية .
كان عقبة بن نافع رضي الله عنه مثالاً في العبادة والأخلاق والورع والشجاعة والحزم والعقلية العسكرية الإستراتيجية الفذة، والقدرة الفائقة على القيادة بورع وإيمان وتقوى وتوكل تام على الله عز وجل فأحبه رجاله وأحبه أمراء المؤمنين، وكان مستجاب الدعوة، ميمون النقيبة، مظفر الراية، فلم يهزم في معركة قط، طبق في حروبه أحدث الأساليب العسكرية والجديدة في تكتيكات القتال مثل مبدأ المباغتة وتحشيد القوات وإقامة الحاميات وتأمين خطوط المواصلات واستخدام سلاح الاستطلاع.
ونستطيع أن نقول بمنتهى الحيادية أن البطل عقبة بن نافع قد حقق أعمالاً عسكرية باهرة بلغت حد الروعة والكمال وأنجز في وقت قليل ما لا يصدقه عقل عند دراسته من الناحية العسكرية البحتة، وترك باستشهاده أثراً كبيراً في نفوس البربر وأصبح من يومها يلقّب بـ "سيدي عقبة"
إلى اللقاء مع بطل آخر من أبطال غيروا التاريخ.
تعليق
-
-
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بطلنا اليوم هو رائد حقوق المرأة و حريتها و كرامتها في تونس
الطاهر الحداد
فمن هو الطاهر الحداد؟
الطاهر الحداد هو أصيل بلدة الحامة التي أنجبت العديد من الرموز في مجالات السياسة والنضال النقابي والمقاومة. وقد نزح والده إلى مدينة تونس حيث ولد سنة 1899.
تعلّم الحداد القراءة والكتابة ونصيبا من القرآن والعلوم الدينية في الكتاب قبل أن يلتحق بالجامعة الزيتونية حيث تحصل بامتياز على شهادة التطويع سنة 1919.
غير أنّ آفاق التعليم بجامع الزيتونة كانت عندئذ محدودة إذ كان يعتمد أساسا على العلوم الدينية كالقرآن والتفسير والتجويد والحديث والفقه واللغة العربية باعتبارها لغة القرآن.
كما كان يقوم على الحفظ والذاكرة .
و لكن الطاهر الحداد كان يتوق لشيء آخر يخول له النقد و التحليل و التفكير في كل أدبيات العصر
لذلك ثابر الطاهر الحداد على الإطلاع على الأفكار الإصلاحية الحديثة ونهله من أدبيات تختلف كل الاختلاف عن مرجعيات التعليم بجامع الزيتونة.
فأصبحت له ثقافة عصرية نجمت عن اطلاعه على ركائز الفكر الغربي من خلال رواد الحداثة والإصلاح في العالم العربي.
تأثّر الحداد بفكر عبد الرحمان بن خلدون ومناهجه ومبادئه وتعلّم عنه العقلانية وبالتالي المصالحة بين الإيمان والعقل وكذلك المبادئ المناهضة للاستبداد والظلم والتي تقوم على فكرة »العدل أساس العمران« و»الظلم مُؤذِنٌ بخراب العمْران«.
كما اطلع على الفكر الإصلاحي بمصر من خلال روّاده كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده اللذين ناضلا من أجل ملاءمة الإسلام مع مقتضيات العصر وذلك بعدم الاقتصار على أحكام وردت عن علماء القرون الوسطى والتي لم تعد صالحة لهذا الزمان، والاجتهاد طبقا لمتطلبات المجتمعات الإسلامية في عصرهما. وتشبّع كذلك بأفكار المصلح المصري قاسم أمين التي وردت في كتابيه تحرير المرأة (1999) والمرأة الجديدة (1900) وقد عثر فيها الحداد على الأدلة الدينية حول حقوق المرأة المسلمة ومساواتها مع الرجل.
كما تشبّع بالفكر الإصلاحي الذي برز بالبلاد التونسية منذ أربعينات القرن التاسع عشر والذي يقوم على الحداثة والتفتح على الغرب لكسب أسباب قوته لمواجهة تحدياته والدفاع عن الاستقلال والسيادة.
وتونس كانت سبّاقة في الإصلاح. فهي أول بلاد عربية إسلامية قامت بإلغاء الرق وذلك منذ 1846 أي قبل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
يتبع
تعليق
-
-
ابن خلدون (الاسم الكامل : ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي)(غرة رمضان 732هـ/27 مايو 1332 - 19 مارس 1406م/26 رمضان808هـ) مؤسس علم الاجتماع ومؤرخ مسلم من إفريقية في عهد الحفصيين وهي تونس حالياً ترك تراثاً مازال تأثيره ممتداً حتى اليوم. ولد ابن خلدون في تونس عام 1332م (732هـ) بالدار الكائنة بنهج تربة الباي رقم 34. أسرة ابن خلدون أسرة علم وأدب، فقد حفظ القرآن الكريم في طفولته ، وكان أبوه هو معلمه الأول [1], شغل أجداده في الأندلس وتونس مناصب سياسية ودينية مهمة وكانوا أهل جاه ونفوذ، نزح أهله من الأندلس في منتصف القرن السابع الهجري، وتوجهوا إلى تونس ، وكان قدوم عائلته إلى تونس خلال حكم دولة الحفصيين .
حياته
قضى أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب الأقصى وكتب الجزء الأول من المقدمة بقلعة أولاد سلامة بالجزائر، وعمل بالتدريس، في جامع الزيتونة بتونس وفي المغرب بجامعة القرويين في فاس الذي أسسته الأختان الفهري القيروانيتان وبعدها في الجامع الأزهر بالقاهرة، مصر والمدرسة الظاهرية وغيرهم [2]. وفي آخر حياته تولى القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيهاً متميزاً خاصة أنه سليل المدرسة الزيتونية العريقة و كان في طفولته قد درس بمسجد القبة الموجود قرب منزله سالف الذكر المسمى "سيد القبّة". توفي في القاهرة سنة 1406 م (808هـ). ومن بين أساتذته الفقيه الزيتوني الإمام ابن عرفة حيث درس بجامع الزيتونة المعمور ومنارة العلوم بالعالم الإسلامي آنذاك.
المسجد الذي درس فيه ابن خلدون خلال صباه بالعاصمة التونسيةيعتبر ابن خلدون أحد العلماء الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية، فهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة، وقد توصل إلى نظريات باهرة في هذا العلم حول قوانين العمران ونظرية العصبية، وبناء الدولة و أطوار عمارها وسقوطها. وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه لاحقاً بعدة قرون عدد من مشاهير العلماء كالعالم الفرنسي أوجست كونت.
عدّدَ المؤرخون لابن خلدون عدداً من المصنفات في التاريخ والحساب والمنطق غير أن من أشهر كتبه كتاب بعنوان العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، وهو يقع في سبعة مجلدات وأولها المقدمة وهي المشهورة أيضاً بمقدمة ابن خلدون، وتشغل من هذا الكتاب ثلثه، وهي عبارة عن مدخل موسع لهذا الكتاب وفيها يتحدث ابن خلدون ويؤصل لآرائه في الجغرافيا والعمران والفلك وأحوال البشر وطبائعهم والمؤثرات التي تميز بعضهم عن الآخر.
اعتزل ابن خلدون الحياة بعد تجارب مليئة بالصراعات والحزن على وفاة أبويه وكثير من شيوخه إثر وباء الطاعون الذي انتشر في جميع أنحاء العالم سنة 749هجرية (1348 م) وتفرغ لأربعة سنوات في البحث والتنقيب في العلوم الإنسانية معتزلاً الناس في سنوات عمره الأخيرة، ليكتب سفره الخالد أو ما عرف بمقدمة ابن خلدون ومؤسسا لعلم الاجتماع بناء على الاستنتاج والتحليل في قصص التاريخ وحياة الإنسان. واستطاع بتلك التجربة القاسية أن يمتلك صرامة موضوعية في البحث والتفكير.
وفاته
توفي في مصر عام 1406 م، و دفن في مقابر الصوفية عند باب النصر شمال القاهرة. وقبره غير معروف. والدار التي ولد بها كائنة بنهج تربة الباي عدد 34 بتونس العاصمة بالمدينة العتيقة.
له قصيدة في الحنين لموطنه تونس
أحن إلى ألفي وقد حال دونهم مهامه فيح دونهن سباسب
ويبقى ابن خلدون اليوم شاهدا على عظمة الفكر الإسلامي المتميز بالدقة والجدية العلمية والقدرة على التجديد لاثراء الفكر الإنساني.
كتبه ومؤلفاته
تاريخ ابن خلدون, واسمه: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.
شفاء السائل لتهذيب المسائل، نشره وعلق عليه أغناطيوس عبده اليسوعي.
مقدمة ابن خلدون
التعريف بابن خلدون ورحلاته شرقا وغربا
هو أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الذي ولد وتوفي في الفترة بين (732 – 808 هـ) وهو مؤرخ وفيلسوف اجتماعي، عربي مسلم، ينتمي نسبه إلى وائل بن حجر من عرب اليمن. وفي وصف المؤرخين لشخصية ابن خلدون يتجلّى: بأنه كان واسع الاطلاع، غزير العلم، عميق الاستقراء والاستنتاج، كما كان قوي الحدس في التحليل والمقارنة، موفقاً في ضبط العلل والعوامل، وإقرار الأصول والأحكام والقواعد والأسس. ولقد جرى الباحثون، والمعنيون بالدراسات الخلدونية على تقسيم أطوار حياة ابن خلدون كما يلي:
أ - مرحلة التلمذة: تونس 732 – 753 هـ.
ب - مرحلة المغامرات السياسية: المغرب والجزائر والأندلس 754 – 776 هـ.
ج - مرحلة العزلة والتأليف: قلعة ابن سلامة في الجزائر 776 – 780 هـ.
د - مرحلة التدريس والقضاء وتنقيح وتتميم مؤلفه: تونس 780 – 784 هـ ثم القاهرة 784 – 808 هـ (سنة وفاته).
أشهر مؤلفاته:
ألف ابن خلدون العديد من المؤلفات الهامة نذكر منها:
• ديوان العبر: يتحدث فيه ابن خلدون عن حياة الأغالبة وتاريخ تعمير صقلية، وقد تُرجم هذا الكتاب إلى عدة لغات أجنبية وبالأخص: الفرنسية.
• كتاب تاريخ ابن خلدون ذو المقدمة الشهيرة: اشتهر ابن خلدون بمقدمته التي هي جزء من كتابه الضخم الذي ألفه في التاريخ العام وسماه: "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، وهذا الكتاب يشمل المقدمة ومعها:
o الكتاب الأول: في العمران وطبيعته.
o الكتاب الثاني: ويشتمل على أخبار العرب وأجيالهم.
o أما الكتاب الثالث: فيعرض لنا أخبار البربر ومن يليهم.
وقد عالج ابن خلدون في هذه المقدمة واقعات العمران البشري، التي تشمل كل القواعد في الاتجاهات العامة التي يسلكها أفراد المجتمع في تنظيم شؤونهم الجماعية، وضبط العلاقات وتنسيقها أي بعبارة أخرى الظواهر الاجتماعية.[youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف
تعليق
-
-
مقدمة ابن خلدون
إن الكلام عن عبقرية الإنسانية الممثلة بابن خلدون وعن رسالته في تاريخ العالم ومظاهر عظمته فيما خلّفه من آثار وبصمات في عقول العلماء وخاصة في مقدمته، التي نقلب صفحاتها، والتي أنشأ فيها علماً جديداً وهو ما يسمى الآن علم الاجتماع أو السوسيولوجيا وأتى فيها بما لم يستطع أحد من قبله أن يأتي بمثله، بل عجز كثير ممن جاء بعده من الأئمة والباحثين وعلم الاجتماع أن يصلوا إلى رتبته. وهذا إن دلّ على شيء إنما يدلّ على رسوخ قدمه في كثير من العلوم، حتى لم يغادره فرع من فروع المعرفة إلا ألمّ به ووقف على كنهه.
وتتوضح نقاط المقدمة الأساسية في عنوانها، فهي بحث تمهيدي للمعالجات الواسعة التي ضمتها مؤلفات ابن خلدون اللاحقة، أي أنها تقع بالنسبة للعمل قبل المقاطع الأخرى بل تتعلل أولوياتها بشكل أساسي بالنتيجة المنطقية التي تتركها على بنية البحث التالي ذاتها. وهذا يفترض فيها مبتدأ في النحو لأي خبر، والواقع أن التاريخ هو خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم.
فلقد استهلّ ابن خلدون كتابته بموضوع علم العمران وفي الوقت ذاته يستمد من هذا العرض الذاتي الموضوع الذي تتوجه المقدمة بأسرها تجاهه وهو الملك، فعلى البشر الاجتماع كي يكون باستطاعتهم تأمين ضرورياتهم من طعامهم وشرابهم والدفاع عن أنفسهم ضد وحوش الفلاة ثم إن تشكل التجمعات البشرية يفسح المجال لإمكانية زراعة المحاصيل وصناعة الأسلحة، لذا فإن الحياة البشرية نوعاً من المحال دون اجتماع البشر.
وبطريقة التسلسل المنطقي يتكلم ابن خلدون أن التاريخ يتضمن تسلسلاً نصياً بين اللاحق على السابق. إنه يبدأ بالحديث عن الشروط التي تضع أحداث التاريخ من ثمَّ يقوم بسرد أحداثه، وهذا ما دفعه لطرح مشكلة التاريخ بالدرجة الأولى. إنه يقوم بدور المعيار الذي تُقوّمُ وفقه الأخبار التاريخية المتوارثة من الماضي، مع الاتجاه لتأكيد معقوليتها أو عدم معقوليتها.
(منقول للفائدة)
تعليق
-
-
المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد
ولدت جميلة بوحيرد(1935في حي القصبة،الجزائر العاصمة) هي مجاهدة جزائرية من أكبر المناضلات الائي ساهمن بشكل مباشر في الثورة الجزائرية على الاستعمار الفرنسي لها، في منتصف القرن الماضي.حياتها
ولدت جميلة من أب جزائري مثقف وأم تونسية من مدينةصفاقس وكانت البنت الوحيدة بين أفراد أسرتها فقد أنجبت والدتها 7 شبان، كان لوالدتها التاثير الأكبر في حبها للوطن فقد كانت أول من زرع فيها حب الوطن وذكرتها بأنها جزائرية لا فرنسية رغم سنها الصغيرة آنذاك واصلت جميلة تعليمها المدرسي ومن ثم التحقت بمعهد للخياطة والتفصيل فقد كانت تهوى تصميم الأزياء. مارست الرقص الكلاسيكي وكانت بارعة في ركوب الخيل إلى أن اندلعت الثورة الجزائرية عام1954حيث انضمت إلىجبهة التحرير الوطني الجزائرية للنضال ضد الاحتلال الفرنسي وهي في العشرين من عمرها ثم التحقت بصفوف الفدائيين وكانت أول المتطوعات لزرع القنابل في طريق الاستعمار الفرنسي، ونظراً لبطولاتها أصبحت المطاردة رقم 1. تم القبض عليها عام1957عندما سقطت على الأرض تنزف دماً بعد إصابتها برصاصة في الكتف وألقي القبض عليها وبدأت رحلتها القاسية من التعذيب وجملتها الشهيرة التي قالتها آنذاك" أعرف أنكم سوف تحكمون علي بالإعدام لكن لا تنسوا إنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة". بعد 3 سنوات من السجن تم ترحيلها إلى فرنسا وقضت هناك مدة ثلاث سنوات ليطلق سراحها مع بقية الزملاء عام1962.قصة نضالها ضد الاستعمار
كان الطلاب الجزائريون يرددون في طابور الصباح فرنسا أُمُنا لكنها كانت تصرخ وتقول:الجزائرأًمُنا، فأخرجها ناظر المدرسةالفرنسي من طابور الصباح وعاقبها عقاباً شديداً لكنها لم تتراجع وفي هذه اللحظات ولدت لديها الميول النضالية. إنضمت بعد ذلك الى جبهة التحرير الجزائرية للنضال ضد الاستعمار الفرنسيون تيجة لبطولاتها أصبحت الأولى على قائمة المطاردين حتى أصيبت برصاصة عام1957وألقي القبض عليها.من داخل المستشفى بدأ الفرنسيون بتعذيب المناضلة، وتعرضت للصعق الكهربائي لمدة ثلاثة أيام كي تعترف على زملائها، لكنها تحملت هذا التعذيب، وكانت تغيب عن الوعي وحين تفيق تقول الجزائرأُمُنا. حين فشل المعذِّبون في انتزاع أي اعتراف منها، تقررت محاكمتها صورياً وصدر بحقها حكماً بالإعدام عام1957، وتحدد يوم7 مارس1958لتنفيذ الحكم، لكن العالم كله ثار واجتمعت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقت الملايين من برقيات الاستنكار من كل أنحاء العالم. تأجل تنفيذ الحكم، ثم عُدّل إلى السجن مدى الحياة، وبعد تحرير الجزائر، خرجت جميلة بوحيرد من السجن، وتزوجت محاميها الفرنسي.من الأشعار التي قيلت فيها:قالو لها بنت الضياء تأملي ما فيك من فتن ومن انداءسمراء زان بها الجمال لونه واهتز روض الشعر للسمراء[youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف
تعليق
-
-
دلال المغربي .. عروس يافا التي أفزعت إسرائيل
دلال قدوة للمرأة الفلسطينية والعربية
"أطلب منكم التمسك بالبندقية وتوجيهها دائما إلى صدر العدو الصهيوني ، عليكم تجميد خلافاتكم وتعزيز النضال ضد إسرائيل " ، تلك كانت أبرز كلمات الوصية التي تركتها المناضلة دلال المغربي قبل تنفيذها عملية الساحل الفدائية ويبدو أن الفلسطينيين ما أحوجهم إليها اليوم في ظل الانقسامات والاتهامات المتبادلة بين فتح وحماس والتي تهدد في حال استمرارها بتصفية القضية الفلسطينية نهائيا.
محيط - جهان مصطفى
وكان اسم دلال المغربي قد تصدر بؤرة الأحداث مجددا مع الإعلان عن وجود رفاتها ضمن جثامين الشهداء اللبنانيين والعرب الذين تسلمهم حزب الله في عملية الرضوان ( صفقة التبادل الأخيرة مع إسرائيل ) .
ونظرا لما يحمله هذا الإسم من شجاعة وبطولة وتضحية ، كان لابد من إعادة تسليط الضوء عليها ، لكي يتعرف الجيل الجديد من الفلسطينيين والعرب على المناضلة التي احتلت تل أبيب لمدة 16 ساعة وأقامت الدولة الفلسطينية مثلما جاء في الصحف الإسرائيلية التي صدرت بعد يوم من عملية الساحل.
من يافا لبيروت
ولدت دلال المغربي في مخيم صبرا للاجئين الفلسطينيين في بيروت في العام 1958 لأم لبنانية وأب فلسطيني لجأ من مدينة يافا التي تقع ضمن الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948 .
تلقت تعليمها الابتدائي والإعدادي في مدارس وكالة غوث للاجئين الفلسطينيين انضمت الى صفوف حركة فتح أثناء دراستها الثانوية في مدرسة " حيفا " ببيروت ومنذ ذلك الوقت دخلت عدة دورات عسكرية وتدربت على جميع أنواع الأسلحة وحرب العصابات وعرفت بجرأتها وحماسها الثوري والوطني.
كان من المقرر عقد قرانها نهاية عام 1978 ولكن قبل وقت قليل من إقامة حفل الزفاف جرى اختيارها لتنفيذ عملية الساحل لتكون أول فلسطينية تقود مجموعة مسلحة داخل إسرائيل ، الأمر الذي أبرز قصتها وجعلها جزءا من الذاكرة الجماعية الفلسطينية.
عملية الساحل
عملية الساحل خطط لها خليل الوزير (أبو جهاد) الذراع الأيمن للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، ففي عام 1978 ، تعرضت الثورة الفلسطينية إلى عدة ضربات وفشلت لها عدة عمليات عسكرية وتعرضت مخيماتها في لبنان إلى مذابح وأصبح هناك ضرورة ملحة للقيام بعملية نوعية وجريئة لضرب إسرائيل في قلب عاصمتها فكانت عملية الساحل وفقا لأدبيات حركة فتح أو عملية كمال العدوان كما أطلق عليها أبو جهاد.
العملية نفذت في ذكرى مرور خمس سنوات على استشهاد قادة فتح كمال عدوان وكمال ناصر ومحمد يوسف النجار في بيروت عام 1973 .
وكانت فرقة إسرائيلية يقودها إيهود باراك قد تسللت إلى بيروت وقامت باغتيال أبرز ثلاثة من قادة الثورة الفلسطينية في شارع السادات بالعاصمة اللبنانية.
وتشير أدبيات فتح إلى أن اختيار دلال المغربي كان يحمل رمزية هامة في ذلك الوقت ، إذ أنه كان يعتبر ردا على تنكر إيهود باراك بزي امرأة أثناء مشاركته المجموعة التي قتلت القادة الفلسطينيين الثلاثة ، فالرسالة كانت وضاحة وهى أن المقاتلات الفلسطينيات قادرات على العمل المسلح وداخل اسرائيل نفسها.
ملحمة بطولية
خطة القائد الفلسطيني أبو جهاد كانت تقوم على أساس القيام بإنزال على الشاطئ الفلسطيني والسيطرة على حافلة عسكرية إسرائيلية والتوجه إلى تل أبيب لمهاجمة مبنى الكنيست .
تسابق الشباب الفلسطيني للمشاركة في العملية وكان على رأسهم دلال المغربي ابنة العشرين ربيعا وتم فعلا اختيارها رئيسة للمجموعة التي ستنفذ العملية والمكونة من أحد عشر فدائيا .
في صباح 11 مارس 1978 ، نزلت دلال مع فرقتها من قارب كان يمر أمام الساحل الفلسطيني واستقلت مع مجموعتها قاربين مطاطيين ليوصلاها إلى الشاطئ في منطقة غير مأهولة ونجحت عملية الإنزال والوصول إلى الشاطئ ولم يكتشفها الإسرائيليون خاصة وأن إسرائيل لم تكن تتوقع أن تصل الجرأة بالفلسطينيين للقيام بإنزال على الشاطئ .
وبالفعل نجحت دلال وفرقتها في الوصول إلى الشارع العام المتجه نحو تل أبيب وقامت بالاستيلاء على باص إسرائيلي بجميع ركابه من الجنود كان متجها إلى تل أبيب حيث اتخذتهم كرهائن واتجهت بالباص نحو تل أبيب وكانت تطلق خلال الرحلة النيران مع فرقتها على جميع السيارات العسكرية التي تمر بقربها ، مما أوقع مئات الإصابات في صفوف جنود الاحتلال خاصة وأن الطريق الذي سارت فيه دلال كانت تستخدمه السيارات العسكرية لنقل الجنود من المستوطنات في الضواحي إلى العاصمة تل أبيب.
بعد ساعتين من النزول على الشاطيء وبسبب كثرة الإصابات في صفوف الجنود الإسرائيليين وبعد أن أصبحت دلال على مشارف تل أبيب كلفت الحكومة الإسرائيلية فرقة خاصة من الجيش يقودها باراك بإيقاف الحافلة وقتل واعتقال ركابها من الفدائيين .
باراك يسحل جثمان دلال
قامت وحدات كبيرة من الدبابات وطائرات الهليوكوبتر برئاسة باراك بملاحقة الحافلة إلى أن تم إيقافها وتعطيلها قرب مستعمرة هرتسليا وهناك اندلعت حرب حقيقية بين دلال والقوات الإسرائيلية ولما فرغت الذخيرة من دلال وفرقتها أمر باراك بحصد الجميع بالرشاشات ، ففجرت حينها دلال الحافلة ، ما أدى إلى قتل ركابها الإسرائيليين الـ 35 ، والعشرات من الجنود المهاجمين ، بالإضافة إلى استشهادها هى ورفاقها.
وجه باراك القبيح
فداحة خسائر إسرائيل على يد المجموعة الفدائية زلزلت الكيان الصهيوني من الداخل ، ولذا وفي محاولة للتغطية على هذا الإخفاق ، قام باراك بالتمثيل بجثمان دلال وشد شعرها ورش جسدها بالرصاص ولم يكتف بذلك ولم يخجل بل سحلها أيضا أمام عدسات المصورين.
ورغم ذلك ، فإن الصحف الإسرائيلية نشرت صباح اليوم التالي أن دلال احتلت تل أبيب وأعلنتها دولة فلسطينية على مدى 16 ساعة .
كلمات من ذهب
نجحت دلال قبل استشهادها بقول عبارة " النضال سيستمر حتى تحرير كامل فلسطين " ، وكانت قبل خروجها لتنفيذ العملية تركت رسالة توصي بها عائلتها بدفنها داخل الأرض الفلسطينية ، كما أوصت الفلسطينيين عموما ، قائلة :" أطلب منكم التسمك بالبندقية وتوجيهها دائما إلى صدر العدو الصهيوني ، عليكم تجميد خلافاتكم وتعزيز النضال ضد إسرائيل ".
تخليد ذكراها
تحولت دلال المغربي إلى أسطورة في عيون الفلسطينيين ليس فقط لدورها في عملية الساحل التي استقرت في الذاكرة والوعي الجماعي الفلسطيني كإحدى عمليات فتح البطولية ، ولكن لكونها أيضا أولى مقاتلات فتح التي اشتركت إلى جانب الرجال في عملية مركبة ومعقدة ، ولذا لم يكن مستغربا أن تزين الصورة الأشهر لها والتي ترتدي فيها زيا عسكريا وكوفية فلسطينية وتحمل رشاشا روسيا من طراز كلاشينكوف كل بيت فتحاوي وكل مكتب من مكاتب الحركة ، تخليدا واحتراما لها.
أيضا الزعيم الراحل ياسر عرفات دأب في معظم خطاباته على ذكر أسماء الشهداء ولم ينس أبدا ذكر اسم دلال المغربي ، كما كانت صورتها تغطي أحد جدران مكتبه وأطلق اسمها على مدارس عديدة في المناطق الفلسطينية ، وحتى أحد أجنحة فتح العسكرية العاملة في غزة والضفة الغربية اختصت نفسها باسم " كتائب الشهيدة دلال المغربي ".
قالوا عنها
خصها الشاعر السوري الكبير الراحل نزار قباني بلقب " الرئيسة الفلسطينية " ، وقال عنها :" إن دلال أقامت الجمهورية الفلسطينية ورفعت العلم الفلسطيني ، ليس المهم كم عمر هذه الجمهورية ، المهم أن العلم الفلسطيني ارتفع في عمق الأرض المحتلة ، على طريق طوله (95) كم في الخط الرئيس في فلسطين ".
عرفات طالما أشاد ببطولة دلال
ومع اندلاع الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس ، شعر الفلسطينيون بالحنين لعودة أيام دلال المغربي ، وتصاعدت الإدانات للتيار الإنقلابي داخل فتح والذي يسيء لتضحيات شهداءها وللدور الوطني الذي تقوم به لتحرير فلسطين ، كما تصاعدت الإدانات لصراع حماس وفتح على سلطة واهية في ظل استمرار الاحتلال ، وفي هذا الصدد يقول الشاعر الفلسطيني سامي خلف من طولكرم :" قومي مجددا واصرخي في وجههم لأننا بحاجة إليك".
ومن جانبه ، وفي تعليقه على صفقة الأسرى الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل ، كتب الصحفي الإسرائيلي روني شاكيد مقالا في صحيفة "يديعوت أحرونوت" بعنوان "عروس يافا ...دلال المغربي في طريقها للحرية" ، تناول فيها حياة الشهيدة وكيف ينظر إليها الفلسطينيون باعتبارها رمزا من رموز البطولة ، مشيرا إلى أن عروس يافا كما كان يلقبها رجال فتح تحرر جثمانها أخيرا من قبضة إسرائيل ونال الحرية.
واستطرد يقول :" في بيت عائلة المغربي في بيروت ، أجريت التحضيرات لاستقبال البنت العائدة ونظم اللاجئون الفلسطينيون وبالتعاون مع حزب الله جنازة جماهيرية مهيبة تليق بها ، الشارع الفلسطيني أيضا كان ينتظر عودة دلال منفذة العملية الأخطر والأقسى في تاريخ إسرائيل بفارغ الصبر ، كما تعهد بإقامة حفل زفافها الذي كان مقررا بعد عودتها من العملية ، لكنه تأخر لثلاثين عاما والآن يخططون في رام الله لزفاف عروس يافا إلى فلسطين وتنفيذ وصيتها بدفنها في أراضيها ".
وبعد وصول جثمان دلال لبيروت ، كان بين المعزين الفلسطينية رائدة أبو شعر التي غادرت لبنان مع المقاتلين الفلسطينيين خلال الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في عام 1982 وأقامت بعد اتفاق أوسلو في رام الله .
رائدة كانت تعمل في جهاز اتصالات فتح يوم نفذت دلال المغربي عمليتها وظلت على اتصال معها حتى دخولها الأراضي الفلسطينية، وتذكر أن جهاز الاتصال كان ينقل لها أغنيات وطنية كانت تنشدها في المركب لتشد من عزيمة رفاقها في البحر ، مشيرة إلى أن محاولة استرداد جثمانها كي يتم دفنها في القدس ، بدأت منذ أيام القيادي الفلسطيني أبو جهاد ، إلا أن اليهود كانوا يرفضون الأمر.
وأضافت أنها حملت في حقيبتها أمانة لدلال، سلمتها إلى العائلة ، قائلة: "هذه حفنة من تراب الوطن أخرجتها من ضريح أبو عمار ممزوجة بالورد انثروها على رفات دلال ، فنكون قد نفذنا وصيتها ".
والخلاصة أن دلال المغربي ستظل دوما أسطورة التضحية والنضال ، وكلنا أمل أن يأتي اليوم الذي يجيب فيه الفلسطينيون والعرب على التساؤل الذي وجهته عائلتها بعد عودة رفاتها :"لماذا نأتي بالشهداء إلى وطن ليس لهم؟".[youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف
تعليق
-
-
الشهيد عمر المختار
مولده ونشأته
ولد عمر المختار يوم 20 أغسطس عام 1861 م في قرية جنزور الشرقية منطقة بنر الأشهب شرق طبرق في بادية البطنان في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا.
تربى يتيما، لذلك كان كفله حسين الغرياني، عم الشارف الغرياني حيث وافت المنية والده المختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكة المكرمة وكانت بصحبته زوجته عائشة.
تلقى تعليمه الأول في زاوية جنزور على يد امام الزاوية الشيخ العلامه عبد القادر بوديه العكرمي أحد مشايخ الحركه السنوسية، ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام محمد المهدي السنوسي قطب الحركة السنوسية، فدرس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.
ظهرت عليه علامات النجابة ورزانة العقل، فاستحوذ على اهتمام ورعاية أستاذه السيد المهدي السنوسى مما زاده رفعة وسمو، فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن حتى قال فيه السيد المهدي واصفاً إياه " لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم". لثقة السنوسيين به ولوه شيخا على زاوية القصور بالجبل الاخضر.
اختاره السيد المهدي السنوسي رفيقا له إلى السودان الأوسط (تشاد) عند انتقال قيادة الزاوية السنوسية إليها فسافر سنة 1317 هـ. وقد شارك عمر المختار فترة بقائه بتشاد في الجهاد بين صفوف المجاهدين في الحرب الليبية الفرنسية في المناطق الجنوبية (السودان الغربي،تشاد) وحول واداي. وقد استقر المختار فترة من الزمن في قرو مناضلاً ومقاتلاً، ثم عين شيخاً لزاوية (عين كلكه) ليقضي فترة من حياته معلماً ومبشراً بالإسلام في تلك الأصقاع النائية. بقي هناك إلى ان عاد إلى برقة سنة 1321 هـ واسندت اليه مشيخة زاوية القصور للمرة الثانية.
معلم يتحول إلى مجاهد
عاش عمر المختار حرب التحرير والجهاد منذ بدايتها يوماً بيوم، فعندما أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية في 29 سبتمبر 1911 م، وبدأت البارجات الحربية بصب قذائفها على مدن الساحل الليبي، درنة وطرابلس ثم طبرق وبنغازي والخمس، كان عمر المختار في تلك الأثناء مقيما في جالو بعد عودته من الكفرة حيث قابل أحمد الشريف السنوسي، وعندما علم الغزو الإيطالي لليبيا|بالغزو الإيطالي فيما عرف بالحرب العثمانية الإيطالية سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين حيث ساهم في تأسيس دور بنينه وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة إلى أن وصل السيد أحمد الشريف قادماً من الكفرة. وقد شهدت الفترة التي أعقبت انسحاب الدولة العثمانية|العثمانيين من ليبيا سنة 1912م وتوقيعهم "معاهدة لوزان" التي بموجبها حصلت إيطاليا ليبيا، أعظم المعارك في تاريخ الجهاد الليبي، منها على سبيل المثال معركة يوم الجمعة عند درنة في 16 مايو 1913م حيث قتل فيها للأيطاليين عشرة ضباط وستين جنديا وأربعمائة فرد بين جريح ومفقود إلى جانب انسحاب الإيطاليين بلا نظام تاركين أسلحتهم ومؤنهم وذخائرهم، ومعركة بو شمال عن عين ماره في 6 أكتوبر 1913، وعشرات المعارك الأخرى.
وحينما عين أميليو حاكماً عسكريا لبرقة، رأى أن يعمل على ثلاث محاور:
- الأول: قطع الإمدادات القادمة من مصر والتصدي للمجاهدين في منطقة مرمريكا.
- الثاني: قتال المجاهدين في العرقوب وسلنطه والمخيلي
- الثالث: قتال المجاهدين في مسوس واجدابيا.
لكن القائد الإيطالي وجد نار المجاهدين في انتظاره في معارك أم شخنب وشليظيمة والزويتينة في فبراير 1914م، ولتتواصل حركة الجهاد بعد ذلك حتى وصلت إلى مرحلة جديدة بقدوم الحرب العالمية الأولى.
الفاشية والمجاهدون
بعد الانقلاب الفاشي في إيطالي في أكتوبر 1922، وبعد الانتصار الذي تحقق في تلك الحرب إلى الجانب الذي انضمت إليه إيطاليا. تغيرت الأوضاع داخل ليبيا واشتدت الضغوط على السيد محمد إدريس السنوسي، واضطر إلى ترك البلاد عاهداً بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار في الوقت الذي قام أخاه الرضا مقامه في الإشراف على الشئون الدينية.
بعد أن تأكد للمختار النوايا الإيطالية في العدوان قصد مصر عام 1923م للتشاور مع السيد إدريس فيما يتعلق بأمر البلاد، وبعد عودته نظم أدوار المجاهدين، فجعل حسين الجويفي على دور البراعصة ويوسف بورحيل المسماري على دور العبيدات والفضيل بوعمر على دور الحاسة، وتولى هو القيادة العامة.
بعد الغزو الإيطالي على مدينة اجدابيا مقر القيادة الليبية، أصبحت كل المواثيق والمعاهدات لاغية، وانسحب المجاهدون من المدينة وأخذت إيطاليا تزحف بجيوشها من مناطق عدة نحو الجبل الأخضر مثل وفي تلك الأثناء تسابقت جموع المجاهدين إلى تشكيل الأدوار والانضواء تحت قيادة عمر المختار، كما بادر الأهالي إلى إمداد المجاهدين بالمؤن والعتاد والسلاح، وعندما ضاق الإيطاليون ذرعا من الهزيمة على يد المجاهدين، أرادوا أن يمنعوا عنهم طريق الإمداد فسعوا إلى احتلال الجغبوب ووجهت إليها حملة كبيرة في 8 فبراير 1926م، وقد شكل سقوطها أعباء ومتاعب جديدة للمجاهدين وعلى رأسهم عمر المختار، ولكن الرجل حمل العبء كاملاً بعزم العظماء وتصميم الأبطال.
لاحظ الإيطاليون أن الموقف يملي عليهم الاستيلاء على منطقة فزان لقطع الإمدادات على المجاهدين، فخرجت حملة في يناير 1928م، ولم تحقق غرضها في احتلال فزان بعد أن دفعت الثمن غاليا. ورغم حصار المجاهدين وانقطاعهم عن مراكز تموينهم، إلا أن الأحداث لم تنل منهم وتثبط من عزمهم، والدليل على ذلك معركة يوم 22 أبريل التي استمرت يومين كاملين، انتصر فيها المجاهدون وغنموا عتادا كثيرا.
مفاوضات السلام في سيدي ارحومة
توالت الانتصارات، الأمر الذي دفع إيطاليا إلى إعادة النظر في خططها وإجراء تغييرات واسعة، فأمر موسوليني بتغيير القيادة العسكرية، حيث عين بادوليو حاكماً عسكريا على ليبيا في يناير 1929م، ويعد هذا التغيير بداية المرحلة الحاسمة بين الإيطالين والمجاهدين.
تظاهر الحاكم الجديد لليبيا في رغبته للسلام لإيجاد الوقت اللازم لتنفيذ خططه وتغيير أسلوب القتال لدى جنوده، وطلب مفاوضة عمر المختار، تلك المفاوضات التي بدأت في 20 أبريل 1929م،
استجاب الشيخ لنداء السلام وحاول التفاهم معهم على صيغة ليخرجوا من دوامة الدمار. فذهب كبيرهم للقاء عمر المختار ورفاقه القادة في 19 يونيو 1929م في سيدي ارحومه. ورأس الوفد الإيطالي بادوليو نفسه، الرجل الثاني بعد بنيتو موسليني، ونائبه سيشليانو، ولكن لم يكن الغرض هو التفاوض، ولكن المماطلة وشراء الوقت لتلتقط قواتهم أنفاسها، وقصد الغزاة الغدر به والدس عليه وتأليب أنصاره والأهالي وفتنة الملتفين حوله.
عندما وجد المختار أن تلك المفاوضات تطلب منه اما مغادرة البلاد إلى الحجاز أو مصر أو البقاء في برقة وانهاء الجهاد والاستسلام مقابل الأموال والإغراءات، رفض كل تلك العروض، وكبطل شريف ومجاهد عظيم عمد إلى الاختيار الثالث وهو مواصلة الجهاد حتى النصر أو الشهادة.
تبين للمختار غدر الإيطاليين وخداعهم، ففي 20 أكتوبر 1929م وجه نداء إلى أبناء وطنه طالبهم فيه بالحرص واليقظة أمام ألاعيب الغزاة. صحت توقعات عمر المختار، ففي 16 يناير 1930م ألقت الطائرات بقذائفها على المجاهدين.
غرتسياني
دفعت مواقف المختار ومنجزاته إيطاليا إلى دراسة الموقف من جديد وتوصلت إلى تعيين غرتسياني وهو أكثر جنرالات الجيش وحشية ودموية. ليقوم بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ في وحشيتها وفظاعتها وعنفها وقد تمثلت في عدة إجراءات ذكرها غرسياني في كتابه "برقة المهدأة":
- - قفل الحدود الليبية المصرية بالأسلاك الشائكة لمنع وصول المؤن والذخائر.
- - إنشاء المحكمة الطارئة في أبريل 1930م.
- - فتح أبواب السجون في كل مدينة وقرية ونصب المشانق في كل جهة.
- - تخصيص مواقع العقيلة والبريقة من صحراء غرب برقة والمقرون وسلوق من أواسط برقة الحمراء لتكون مواقع الاعتقال والنفي والتشريد.
- - العمل على حصار المجاهدين في الجبل الأخضر واحتلال الكفرة.
إنتهت عمليات الإيطاليين في فزان باحتلال مرزق وغات في شهري يناير وفبراير 1930م ثم عمدوا إلى الإشباك مع المجاهدين في معارك فاصلة، وفي 26 أغسطس 1930م ألقت الطائرات الإيطالية حوالي نصف طن من القنابل على الجوف والتاج، وفي نوفمبر اتفق بادوليو وغرسياني على خط الحملة من اجدابيا إلى جالو إلى بئر زيغن إلى الجوف، وفي 28 يناير 1931م سقطت الكفرة في أيدي الغزاة، وكان لسقوط الكفرة آثار كبيرة على حركة الجهاد والمقاومة.
المختار في الأسر
في معركة السانية في شهر أكتوبر عام 1930م سقطت من الشيخ عمر المختار نظارته، وعندما وجدها أحد جنود الطليان وأوصلها لقيادته، فرائها غراتسياني فقال: "الآن أصبحت لدينا النظارة، وسيتبعها الرأس يوماً ما".
وفي 11 سبتمبر من عام 1931م توجه عمر المختار بصحبة عدد صغير من رفاقه، لزيارة ضريح الصحابى الجليل رويفع بن ثابت بمدينة البيضاء. وكان أن شاهدتهم وحدة استطلاع إيطالية، وأبلغت حامية قرية اسلنطة التي أبرقت إلى قيادة الجبل باللاسلكى، فحرّكت فصائل من الليبيين والإرتريين لمطاردتهم. وإثر اشتباك في أحد الوديان قرب عين اللفو، جرح حصان عمر المختار فسقط إلى الأرض. وتعرّف عليه في الحال أحد الجنود المرتزقة الليبيين فيقول المجاهد التواتي عبد الجليل المنفي الذي كان شاهدا علي لحظه التي اسر فيها عمر المختار من قبل الجيش الإيطالي "كنا غرب منطقة سلنطة...هاجمنا الأعداء الخيالة وقتل حصان سيدي عمر المختار، فقدم له ابن اخيه المجاهد حمد محمد المختار حصانه وعندما هم بركوبه قُتل أيضاً وهجم الأعداء عليه.. ورآه أحد المجندين العرب وهو مجاهد سابق له دوره.. ذُهل واختلط عليه الأمر وعز عليه أن يقبض على عمر المختار فقال: يا سيدي عمر.. يا سيدي عمر !! فعرفه الأعداء وقبضوا عليه... ورد عمر المختار على العميل العربي الذي ذكر اسمه... واسمه عبد الله... بقوله: عطك الشر وابليك بالزر".[4] نقلت برقية من موريتي، النبأ إلى كل من وزير المستعمرات دي بونو ووالي ليبيا بادوليو والجنرال غراتسياني، جاء فيها: "تم القبض على عمر المختار.. في عملية تطويق بوادي بوطاقة جنوب البيضاء. وقد وصل مساء الأمس إلى سوسة الكومنداتور دودياتشي الذي تعرف عليه ووجده هادئ البال ومطمئنا لمصيره، الخسائر التي تكبدها المتمردون هي 14 قتيلا".[5]
وتم استدعاء أحد القادة الطليان، متصرف الجبل الأخضر دودياتشى الذي سبق أن فاوض عمر المختار للتثبت من هوية الأسير. وبعد أن التقطت الصور مع البطل الأسير، نقل عمر المختار إلى مبنى بلدية سوسة، ومن هناك على ظهر طراد بحري إلى سجن بنغازى.
وفي 11 سبتمبر من عام 1931م، وبينما كان الشيخ عمر المختار يستطلع منطقة سلنطة في الجبل الاخضر في كوكبة من فرسانه، عرفت الحاميات الإيطالية بمكانه فأرسلت قوات لحصاره ولحقها تعزيزات، واشتبك الفريقين في وادي بوطاقة ورجحت الكفة للعدوفأمر عمر المختار بفك الطوق والتفرق، ولكن قُتلت فرسه تحته وسرعان ماحاصره العدو من كل الجهات وتعرفوا على شخصيته، فنقل على الفور إلي مرسى سوسه في الجبل الاخضر ومن ثم وضع على طراد الذي نقله رأسا إلي بنغازي حيث أودع السجن الكبير بمنطقة سيدي اخريبيش. ولم يستطع الطليان نقل الشيخ براً لخوفهم من تعرض المجاهدين لهم في محاولة لتخليص قائدهم.
كان لاعتقاله في صفوف العدو، صدىً كبيراً، حتى أن غراسياني لم يصدّق ذلك في بادئ الأمر، وكان غراتسياني في روما حينها كئيباً حزيناً منهار الأعصاب في طريقه إلي باريس للاستجمام والراحة تهرباً من الساحة بعد فشله في القضاء على المجاهدين في الجبل الأخضر، حيث بدأت الأقلام اللاذعة في إيطاليا تنال منه والانتقادات المرة تأتيه من رفاقه مشككة في مقدرته على إدارة الصراع. وفي حينها تلقى برقية مستعجلة من بنغازي مفادها إن عدوه اللدود عمر المختار وراء القضبان. فأصيب غراتسياني بحالة هستيرية كاد لا يصدق الخبر. فتارة يجلس على مقعده وتارة يقوم، وأخرى يخرج متمشياً على قدميه محدثاً نفسه بصوت عال، ويشير بيديه ويقول: "صحيح قبضوا على عمر المختار ؟ ويرد على نفسه لا، لا اعتقد." ولم يسترح باله فقرر إلغاء أجازته واستقل طائرة خاصة وهبط ببنغازي في نفس اليوم وطلب إحضار عمر المختار إلي مكتبه لكي يراه بأم عينيه.
لم يصدق وزير المستعمرات الخبر في البداية. وغراتسيانى الذي كان متوجها إلى باريس نزل من قطاره ليعود مسرعًا إلى بنغازى. ثم انقلبت دهشتهم إلى فرح هستيرى، والإصرار على "محاكمة فورية والإعدام بصورة صاخبة ومثيرة" كما جاء في برقية دى بونو وزير المستعمرات إلى بادوليو حاكم ليبيا. لكن ما فاجأ الطليان حقا، هو هدوء الأسير وصراحته المذهلة في الرد على أسئلة المحققين، بثبات تام ودون مراوغة: "نعم قاتلت ضد الحكومة الايطالية، لم أستسلم قط. لم تخطر ببالى قط فكرة الهرب عبر الحدود. منذ عشر سنوات تقريبا وأنا رئيس المحافظية. اشتركت في معارك كثيرة لا أستطيع تحديدها. لا فائدة من سؤالى عن وقائع منفردة. وما وقَع ضد إيطاليا والطليان، منذ عشر سنوات وحتى الآن كان بإرادتي وإذني. كانت الغارات تنفذ بأمري، وبعضها قمت به أنا بنفسي. الحرب هى الحرب. أعترف بأنه قبض علىّ والسلاح بيدى، أمام الزاوية البيضاء(مدينة البيضاء)، في غوط اللفو، هل تتصورون أن أبقى واقفا دون إطلاق النار أثناء القتال؟ ولا أشعر بالندم عما قمت به."[5] كما يذكر غرسياني في كتابه، وصل غرسياني إلى بنغازي يوم 14 سبتمبر، وأعلن عن انعقاد "المحكمة الخاصة" يوم 15 سبتمبر 1931م، وفي صبيحة ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غرسياني في الحديث مع عمر المختار، يذكر غرسياني في كتابه (برقة المهدأة):
"وعندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أن أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية. يداه مكبلتان بالسلاسل، رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة، وكان وجهه مضغوطا لأنه كان مغطيا رأسه (بالَجَرِدْ) ويجر نفسه بصعوبة نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر، وبالإجمال يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر، ها هو واقف أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح."
غراتسياني: لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة لفاشستية ؟أجاب الشيخ: من أجل ديني ووطني.غراتسياني:ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه ؟فأجاب الشيخ: لا شيء إلا طردكم … لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله.غراتسياني: لما لك من نفوذ وجاه، في كم يوم يمكنك إن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم ؟.فأجاب الشيخ: لا يمكنني أن أعمل أي شيء … وبدون جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الأخر، ولا نسلم أو نلقي السلاح…ويستطرد غرسياني حديثه "وعندما وقف ليتهيأ للانصراف كان جبينه وضاء كأن هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من جلالة الموقف أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية ولقبت بأسد الصحراء. ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد، فانهيت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحاكمة في المساء، وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمصافحتي ولكنه لم يتمكن لأن يديه كانت مكبلة بالحديد."
المحاكمة
عقدت للشيخ الشهيد محكمة صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع في 15 سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديداً صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت،
عندما ترجم له الحكم، قال الشيخ "إن الحكم إلا لله … لا حكمكم المزيف... إنا لله وإناإليه راجعون".
وهنا نقلا حرفيا لمحضر المحاكمة كما ورد في الوثائق الإيطالية:
إنه في سنة ألف وتسعمائة وواحدة وثلاثين ؛ السنة التاسعة، وفي اليوم الخامس عشر من شهر سبتمبر، ببنغازي، وفي تمام الساعة 17 بقصر "الليتوريو" بعد إعداده كقاعة لجلسات المحكمة الخاصة بالدفاع عن أمن الدولة، والمؤلفة من السادة :
- المقدم الكواليير اوبيرتو فانتيري مارينوني، رئيسا بالوكالة، نيابة عن الرئيس الأصيل الغائب لعذر مشروع.
- المحامي د. فرانشيسكو رومانو (قاضي مقرر).
- الرائد الكاواليير قوناريو ديليتلو (مستشار، أصيل).
- رائد "الميليشيا التطوعية للأمن الوطني (الكواليير جوفاني منزوني، مستشار أصيل).
- رائد "الميليشيا التطوعية للأمن الوطني (الكواليير ميكيلي مندوليا، مستشار أصيل)، والرئيس بالنيابة عن الرئيس الأصيل، الغائب بعذر مشروع.
- بمساعدة الملازم بسلاح المشاة، ايدواردو ديه كريستوفانو (كاتب الجلسة العسكري بالنيابة).
للنظر في القضية المرفوعة ضد: عمر المختار، بن عائشة بنت محارب، البالغ من العمر 73 سنة، والمولود بدفنة، قبيلة منفة، عائلة بريدان، بيت فرحات ؛ حالته الاجتماعية : متزوج وله أولاد، يعرف القراءة والكتابة، وليست له سوابق جنائية، في حالة اعتقال منذ 12 سبتمبر 1931.
المتهم بالجرائم المنصوص عليها وعلى عقوباتها في المواد 284-285-286-575-576 (3)، والمادة 26، البنود: 2 - 4 - 6 - 10، وذلك أنه قام، منذ عام 1911م وحتى القبض عليه في جنوب سلنطة جنوب الجبل الاخضر في 11سبتمبر 1931، بإثارة العصيان وقيادته ضد سلطات الدولة الإيطالية، داخل أراضي المستعمرة، وباشتراكه في نصب الكمائن للوحدات المعزولة من قواتنا المسلحة وفي معارك عديدة وأعمال الإغارة للسلب والنهب واللصوصية مع ارتكاب جرائم قتل بدافع نزعته إلى القسوة والتوحش، وأعمال البطش والتنكيل، بقصد إحداث الدمار وسفك الدماء لفصل المستعمرة عن الوطن الأم.
بعد ذلك سمح للجمهور بدخول قاعة الجلسات، بينما جلس المتهم في المكان المخصص للمتهمين، تحت حراسة عسكرية، وهو طليق اليدين وغير مكبل بأغلال من أي نوع.
كما حضر وكيل النيابة العامة السينور "كواليير" أوفيتشالي جوسيبي بيديندو، كمدعي عسكري، والمكلف بالدفاع عن المتهم، المحامي، النقيب في سلاح المدفعية، روبيرتو لونتانو.
يعلن الرئيس افتتاح الجلسة. فيحضر أيضا المترجم السيد نصري هرمس الذي يطلب إليه الرئيس الادلاء ببيانات هويته فيجيب:
- نصري هرمس، ابن المتوفى ميشيل، وعمري 53 سنة، ولدت في ديار بكر ببلاد ما بين النهرين (العراق) رئيس مكتب الترجمة لدى حكومة برقة.
يكلفه الرئيس بأداء اليمين المقررة، بعد تحذيره حسبما هو مقرر، فيؤديها بصوت عال وبالصيغة التالية: (أقسم بأنني سأنقل الأسئلة إلى الشخص المقرر استجوابه بواسطتي بأمانة وصدق، وبأن أنقل الردود بأمانة).
فيوجه الرئيس، عن طريق الترجمان، أسئلة للمتهم حول هويته، فيدلي بها بما يتفق مع ما تقدم، ومن ثم ينبه عليه بالانصات إلى ما سيسمع. وعند هذه النقطة، يثبت في المحضر طلب وكيل النيابة بإعفاء المترجم نصري من المهمة بسبب وعكة ألمت به والاستعاضة عنه بالكواليير لومبروزو ابن آرونه وماريا قاندوس، المولود بتونس في 27 - 2 - 1891م، ومهنته صناعي.
فيكلفه الرئيس بأداء اليمين المقررة، بعد تحذيره نظاميا؛ يتلو كاتب الجلسة صحيفة الاتهام، فيتولى الترجمان ترجمتها للمتهم، ويسرد بعدها قائمة المستندات والوثائق المتصلة بالدعوى، وبعد سردها يكلف الرئيس الترجمان بترجمتها، حيث إن المتهم غير ملم باللغة الإيطالية، ومن ثم يبدأ استجوابه حول الأفعال المنسوبة إليه؛ فيرد عليها، ويتولى الترجمان ترجمة ردود المتهم عليها.
يثبت بالمحضر أن المتهم يرد بانتظام عن كل اتهام حسب ما جاء في محضر استجوابه المكتوب، معترفا بأنه زعيم المقاومة في برقة وبهذه الصفة فهو الفاعل والمحرض لجميع الجرائم التي اقترفت في أراضي المستعمرة خلال العقد الأخير من الزمن، أي الفترة التي ظل خلالها الرئيس الفعلي للمقاومة.
وردا عن سؤال، يجيب: منذ عشر سنوات، تقريبا، وأنا رئيس المحافظية. ويثبت هنا أن المتهم ظل يرد عن كل سؤال محدد حول تهمة بعينها، بقوله: (لا فائدة من سؤالي عن وقائع منفردة، وما أرتكب ضد إيطاليا والإيطاليين، منذ عشر سنوات وحتى الآن، كان بإرادتي وإذني، عندما لم أشترك أنا نفسي في تلك الأفعال ذاتها).
وردا عن سؤال، يجيب: (كانت الغارات تنفذ أيضا بأمري وبعضها قمت بها أنا نفسي). يعطي الرئيس الكلمة لوكيل النيابة: بعد أن تناول الكلمة، أوجز مطلبه في أن تتكرم المحكمة، بعد تأكيد إدانة المتهم بالجرائم المنسوبة إليه، بإصدار حكم الإعدام عليه وما يترتب عليه من عواقب.
ينهي الدفاع بدوره مرافعته بطلب الرأفة بالمتهم. وبعدما أعطى المتهم الكلمة كآخر المتحدثين، يعلن الرئيس قفل باب المناقشة، وتنسحب هيئة المحكمة إلى حجرة المداولة لتحديد الحكم. عادت المحكمة بعد قليل إلى قاعة الجلسات؛ لينطق الرئيس بصوت عال بالحكم بالإدانة، بحضور جميع الأطراف المعنية. فيقوم الترجمان بترجمة منطوق الحكم. أثبت تحريريا كل ما تقدم بهذا المحضر الذي وقع عليه: كاتب المحكمة العسكري.
الإمضاء: ادواردو ديه كريستوفانو، الرئيس (المقدم الكاواليير أوميركو مانزولي). كاتب المحكمة العسكرية، الإمضاء: ادواردوديه كريستوفاني (Edoardo De Cristofano). الرئيس: (المقدم الكاواليير أوميركو مانزوني) الإمضاء: أومبيرتو مانزوني (Umberto Marinoni). كاتب المحكمة العسكرية بالنيابة
اعدام الشيخ
في صباح اليوم التالي للمحاكمة الأربعاء، 16 سبتمبر 1931 الأول من شهر جمادى الأول من عام 1350 هـ، اتخذت جميع التدابيراللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، واحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين خصيصاً من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم. واحضر الشيخ عمر المختار مكبل الأيدي، وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر، وبدأت الطائرات تحلق في الفضاء فوق المعتقلين بأزيز مجلجل حتى لا يتمكن عمر المختار من مخاطبتهم،نشر الاهرام نبأ اسر وقتل عمر المختار في 18/9/1931
في تمام الساعة التاسعة صباحاً سلم الشيخ إلي الجلاد، وكان وجهه يتهلل استبشاراً بالشهادة وكله ثبات وهدوء، فوضع حبل المشنقة في عنقه، وقيل عن بعض الناس الذين كان على مقربة منه انه كان يأذن في صوت خافت آذان الصلاة، والبعض قال انه تتمتم بالآية الكريمة "يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية" ليجعلها مسك ختام حياته البطولية.
سبق إعدام الشيخ أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أويظهر البكاء عند إعدام عمر المختار، فقد ضرب جربوع عبد الجليل ضرباً مبرحاً بسبب بكائه عند إعدام عمر المختار. ولكن علت أصوات الاحتجاج ولم تكبحها سياط الطليان، فصرخت فاطمة داروها العبارية وندبت فجيعة الوطن عندما علا الشيخ شامخاً مشنوقاً، ووصفها الطليان "بالمرأة التي كسرت جدار الصمت".
أما المفارقة التاريخية التي أذهلت المراقبين فقد حدثت في سبتمبر 2008 عندما انحنى رئيس الوزارء الإيطالي برلسكوني، ]]، أمام ابن عمر المختار معتذراً عن المرحلة الاستعمارية وما سببته إيطاليا من مآسٍ للشعب الليبي، وهي الصورة التي قورنت بصورة تاريخية أخرى يظهر فيها عمر المختار مكبلاً بالأغلال قبيل إعدامه.
اخر كلمات الشهيد
كانت اخر كلمات عمر المختار قبل اعدامه:
"نحن لا نستسلم... ننتصر أو نموت.... وهذه ليست النهاية... بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والاجيال التي تليه... اما أنا... فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي."
المختار في الشعر والادب
عمـــر المختـــــار
للشاعر المرحوم الشيخ حسين الاحلافي
عنـــدما نشرت صورة الشهيد عمرالمختار وهو مكبل
بالحـديد ليدفع إلى الجلاد بقرية " سلوق "، وقد ظهر
بالصورة ضباط الطليــان يبدو على وجوههم السرور
بهــــذا الانتصـــار والقضــاء على المقـاومــة، رأيت أن أعبـّر عمــّـا يجيــش بنفســي مـن شعـور
ونظمت هذه الأبيات.
يــا للوقــاحة صــــوروك مكبـــّلا
واستحقـــروك وأنـــت أعظـــم شـــاناوقفوا إزائــك مظهــرين سرورهم
فــي موقــــف يستجلــــــب الأحــزاناأمنــوا يمينـــك وهي موثقــة ولـو
طلقــــت يمينـــك وامتطيــــت حصاناورأوا سلاحك مصلتــا لتأخـّـــروا
وتهيّبــوك وغـــــادروا الميـــــــــداناكالليث تسحــب في حديــدك بينهم
ولأنــــــت أثبــــت في اللقـــــاء جناناكم مــرة زحفـــوا عليـــك بجحفل
يكســــو الجبــــال ويمــــــلأ الوديــانافـفللــت جيشهــــم العظيـــم بقـــوة
جبــــّارة لا تعـــــــــرف الإذعــــــانايا عصبـة الطليـــان مهـــلا إننــــا
عـــــرب كـــــــرام لـــن تضيـع دمانالن تستريحـــوا بثأرنــا أبـــدا ولن
ننـــــسى وإن طــــال الزمـــان حماناسليمان العيسى يمدح المختار في مهرجان بنغازي لاتحاد المؤرخين العرب عام 1979 م
دمك الطريق، وما يزال بعيدا
علق برمحك فجرنا الموعودادمك الطريق ولو حملنا وهجه
أغنى وأرهب عدة وعديدادمك الطريق فما تقول قصيدة
أنت الذي نسج الخلود قصيداشيخ الرمال يهزهن عروبة
وعقيدة تسع الوجود وجودااضرب بحافر مهرك النير الذي
ما زال في أعماقنا مشدوداجئت القبور ونحن في أعماقها
فأريتها المتحدي الصنديداوفتحت باب الخالدين فمن يشأ
صنع الحياة مقاتلا وشهيداانزل على المختار في شهقاته
واحمل بقية نزعه تصعيداانزل على دمه ستعرف مرة
درب الخلاص الأحمر المنشوداأحمد شوقي ينعى عمر المختار:
ركزوا رفاتك في الرمال لواء
يستنهض الوادي صـباح مساءيا ويحهم نصبوا منارا من دم
يوحي إلى جيـل الغد البغضاءما ضر لو جعلوا العلاقة في غد
بين الشعوب مودة وإخاءجرح يصيح على المدى وضحية
تتلمس الحـرية الحمراءيأيها السيف المجرَّد بالفلا
يكسو السيوف على الزمان مضاءتلك الصحارى غمد كل مهند
أبلى فأحسن في العدو بلاءوقبور موتى من شـباب أمية
وكهولهم لم يبرحوا أحياءلو لاذ بالجـوزاء منهم معقل
دخلوا على أبـراجها الجوزاءفتحوا الشمال سهـوله وجباله
وتوغلوا فاستعمروا الخضراءوبنوا حضارتهم فطاول ركنها
دار السلام وجلّق الشماءخُيّرت فاخترت المبيت على الطوى
لم تبن جاها أو تلم ثراءإن البطولة أن تموت مـن الظما
ليس البطولة أن تعـب الماءأفريقيا مهد الأسود ولحدها
ضجت عليك أراجلا ونساءوالمسلمون على اختلاف ديارهم
لا يملكون مع المصاب عزاءوالجاهلية مـن وراء قبورهم
يبكون زيد الخيل والفلحاءفــي ذِمَّــة اللهِ الكريمِ وحفظِـه
جَسَــدٌ ببرْقة وُسِّــدَ الصحراءَلـم تُبْـقِ منـه رَحَى الوقائِع أَعظُمًا
تَبْلَى، ولم تُبْـقِ الرِّماحُ دِمـاءَكَرُفاتِ نَسْرٍ أَو بَقِيَّةِ ضَيْغَـمٍ
باتا وراءَ السَّـافياتِ هَباءَبطـلُ البَداوةِ لم يكن يَغْـزو على
"تَنْكٍ"، ولم يَـكُ يركبُ الأَجواءَلكـنْ أَخو خَـيْلٍ حَـمَى صَهَواتِها
وأَدَارَ من أَعرافها الهيجاءَلَبَّـى قضاءَ الأَرضِ أَمِس بمُهْجَـةٍ
لم تخْـشَ إِلاَّ للسماءِ قَضاءَوافاهُ مَرْفوعَ الجبينِ كأَنه
سُـقْراطُ جَـرَّ إِلى القُضاةِ رِداءَشَــيْخٌ تَمالَكَ سِـنَّهُ لم ينفجرْ
كالطفل مـن خوفِ العِقابِ بُكاءَوأَخـو أُمورٍ عاشَ فـي سَـرَّائها
فتغيَّرَتْ، فتـوقَّع الضَّراءَالأُسْـدُ تزأَرُ في الحديدِ ولن ترى
في السِّجنِ ضِرْغامًا بكى اسْتِـخْذاءَوأَتى الأَسـيرُ يَجُـرُّ ثِقْلَ حَـديدِهِ
أَسَدٌ يُجَــرِّرُ حَيَّـةً رَقْطاءَعَضَّـتْ بسـاقَيْهِ القُيـودُ فلم يَنُؤْ
ومَشَـتْ بهَيْكله السّنون فناءَتِسْعُونَ لو رَكِـبَتْ مَنـاكِبَ شاهقٍ
لترجَّلَتْ هَضَباتُه إِعياءَخَـفِيَتْ عـن القاضي، وفات نَصِيبُها
مـن رِفْق جُـنْدٍ قادةً نُبَلاءَوالسِّـنُّ تَعْصِـفُ كُـلَّ قَلْـبِ مُهَـذَّبٍ
عَـرَفَ الجُدودَ، وأَدرَكَ الآباءَدفعوا إِلى الجـلاَّدِ أَغلَبَ ماجدًا
يأْسُو الجِراحَ، ويُطلِق الأُسَراءَويُشاطرُ الأَقرانَ ذُخْرَ سِـلاحِهِ
ويَصُـفُّ حَوْلَ خِوانِه الأَعداءَوتخيَّروا الحبلَ المَهينَ مَنيّـةً
للَّيْـثِ يلفِظ حَوْلَهُ الحَوْباءَحَرموا المماتَ عـلى الصَّوارِم والقَنا
مَـنْ كـان يُعْطِـي الطَّعْنَـةَ النَّجْلاءَإِنـي رأَيتُ يَدَ الحضارةِ أُولِعَـتْ
بالحقِّ هَدْما تارةً وبِناءَشرَعَتْ حُـقوقَ الناسِ فـي أَوطانِهم
إِلاَّ أُباةَ الضَّيْمِ والضُّعَفاءَيا أَيُّهَا الشـعبُ القريبُ، أَسـامعٌ
فأَصوغَ في عُمَرَ الشَّهِيدِ رِثاءَأَم أَلْجَـمَتْ فاكَ الخُطوبُ وحَـرَّمت
أُذنَيْـكَ حينَ تُخاطِبُ الإِصْغاءَ?ذهـب الزعيمُ وأَنـتَ باقٍ خـالدٌ
فانقُد رِجالَك، واخْـتَرِ الزُّعَماءَوأَرِحْ شـيوخَكَ مـن تكاليفِ الوَغَى
واحْـمِلْ عـلى فِتْيانِكَ الأَعْباءَ[youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف
تعليق
ما الذي يحدث
تقليص
الأعضاء المتواجدون الآن 89209. الأعضاء 7 والزوار 89202.
أكبر تواجد بالمنتدى كان 489,513, 25-04-2025 الساعة 07:10.
تعليق