لـيـتـني كنت أكبر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    لـيـتـني كنت أكبر

    ليتني كنت أكبر

    ليتني كنت أكبر، ليتني كنت بعمرها.......ليت أبي وأمي تزوجا أبكر بعشرة أعوام وأنجباني، ثم أجّلا إنجاب إخوتي لوقتهم المحدد، لكن كما يقول إخواننا الشوام "ياليت ما بتعمر بيت".

    انته فين والحب فين
    ظالمه ليه دايماً معاك
    دا انته لو حبيت يومين
    كان هواك خلّاك ملاك

    تلك كانت كلمات أغنية الست أم كلثوم، وهي أول ما سمعته من فم قطعة السكر، هكذا سميتها بعد ذلك "قطعة سكر".......وهي أحلى بكثير من كل سكّر الدنيا.

    كنت في السنة الثانية في الجامعة، وذات اليوم كنت في المكتبة أبحث عن كتاب في الفجوال بيسك، كنت أول زبون.....اتجهت للرف المخصص لكتب الكمبيوتر، كنت أتأملها بهدوء، ويبدو أنها دخلت بعدي واعتقدت أن المكان خالي.....من الجانب الآخر من الرف الذي أقف أمامه جائني أعذب صوت سمعته في حياتي...

    انته فين والحب فين......
    ظالمه ليه دايماً معاك....

    كانت تغني بنشوة هامسة، وتعزف اللحن بطقطقة لسانها، تعمدت أن أبقى هادئاً لكي لا أزعجها وأظل أستمتع بالصوت، وغنّت قطعة السكر......وأعادت المقطع وهي تأخذ الكتب وتعيدها للرف....وأنا ووجهي للكتب و أكاد لا أتنفس.......وفجأة ....سحبت الكتاب المقابل للكتاب الذي كنت قد سحبته أنا من جهتي......وتلاقت عيني بعينها من بين الكتب......وتجمد الصوت في فمها، واتسعت عينها من المفاجأة وراء نظارتها الدائرية ذات الإطار الإرجواني.......تواصلت عينانا لثانيتين أو ثلاث ثم أعادت الكتاب لتسد ما بيني وبينها........نكست رأسي لأسفل وأنا أشعر بحرج ، خشيت أن تعتقد أني كنت أتلصص عليها.

    أحسست بها تنسحب باتجاه الممر بين الأرفف، ألقيت نظرة بحذر على الممر ......رأيتها تمشي باتجاه المحاسب وتنظر للوراء وكأنها تهرب، ولمّا التفتت كانت نظرتها تقول بفضاضة "تأدب يا هذا".......وددت حينها أن أصرخ بها "ماذا فعلت أنا؟.....أنا كنت هنا قبلكِ"

    مع خروجي من المكتبة كنت أحمل معي إحساس السعادة، وهذا أمر استغربت منه كثيراً، فأنا عادةً شديد الخجل وأحس بحرج شديد من هذه المواقف، ولم يخطر على بالي تفسير محدد سوى أن صوتها وجمالها الواثق غمراني بهذا الإحساس.

    مضت بضعة أيام وذكرى تلك الثواني القليلة في المكتبة مازالت بقلبي لذيذة وبرائحة الورد وتدفعني للتبسم، ولم أعلم أني على موعد آخر معها.......بعد الظهر جائت أمي تطلب مني أخذ أختي الصغيرة لموعد طبيب الأسنان، وهناك كانت المفاجأة......أول دخولي غرفة الطبيبة كان أول ما وقع عليه بصري ......عينها....ذات العين التي رأيتها من وراء الرف، محاطة بذات الإطار الإرجواني.....كانت ترتدي الكمامة الطبية وكنت قادراً على سماع صوت الهواء الخارج من أنفها وهو يصطدم بالكمامة.......هي لم تتكلم على الإطلاق، وتمنيت لو أني سمعت صوتها العذب، كانت مساعدتها تقوم بكل الكلام نيابة عنها.......

    لكن دار بين عيوننا وبنظرات خاطفة الحوار التالي

    -أنت الذي كنت تتلصص عليّ في المكتبة ........ شابّ متذاكي وقليل الأدب.

    -صدقيني أنا لم أفعل هذا عن قصد وليس هذا من أدبي......أنا كنت واقفاً بهدوء وسحرني صوتك.

    -ولماذا إذن كنت تنظر لي وأنا أغادر؟

    -لأني ...... لأني.....

    -لأنك ماذا؟!؟!......لأنك كنت تتلصص......جيّد أنك أتيت لتعرف أني طبيبة محترمة ولست ممن تبحث عنهن في الأسواق.

    مع تلك الجملة الأخيرة التي قالتها عيناها أطرقت للأرض ولم أرفع عيني بعينها حتى انتهت من علاج سنّ أختي......ثم جلست أمام حاسوبها لتدخل البيانات........كان المفترض بها أن تشرح لي بعدها عن حالة أختي، وكنت أنا أتوجس من اللحظة التي ستزيح فيها الكمامة عن وجهها لتتكلم......وطال الوقت وهي تدخل البيانات، حتى المساعدة استغربت واقتربت منها لترى ماذا كانت تفعل......وحينها أزاحت الكمامة، وكنت بالطبع ملزماً بالنظر لوجهها......وفتحت عيني على آخرهما........وقلت في نفسي "سبحان الله".....وقلتها بإطالة "سبحااااااااان الله"......سبحان من خلق فأبدع، كل شيء فيها يقول أنا أجمل، وهي بكلها تقول أنا الأجمل.....

    تكلمت بصوت متردد في البداية ثم استعادت شجاعتها

    -أخي.....هذه أختك؟

    -نعم.

    -مافعلته للتو أني أزلت الحشوة المؤقتة التي وضعتها قبل ذلك واستبدلتها بحشوة دائمة، بقية الأسنان تبدو جيدة لكن لا تهملوها بحجة أنها أسنان لبنية، فوضعها سيؤثر على أسنانها الدائمة بعد ذلك.

    ثم أقفلت الملف الذي أمامها وقامت من أمامي وكأنها تقول "من غير مطرود".....قمت وأمسكت بيد أختي وخرجت، كنت أحس أنها هزمتني مرتين، الأولى في حوار العيون والثانية عندما كلمتني بكل شجاعة ثم قامت من أمامي وكأني شيء أو لا شيء........ولست أنا من يرضى بالهزيمة بهذه السهولة، كانت أختي تريد التوجه لباب الخروج وأنا أجرها صوب مكتب الإستقبال.....توجهت للموظف أطلب منه موعداً لعلاج أسناني، فاجأني الموظف بقوله

    -أقرب موعد بعد ثلاثة أشهر.

    -ماذا!!!.....مشكلتي ملحة ولا أتحمل حتى ثلاثة أيام......أرجوك.

    -ليس بيدي حيلة صدقني، كلهم يريدون الدكتورة جواهر....اسمع، عندي لك حل، ما رأيك أن أحولك لعيادة أخرى؟.

    -لا لا.....أنا أيضاً أريد الدكتورة جواهر، احجز لي موعداً عندها حتى لو بعد ثلاثة أشهر....أمري لله....... منذ متى هذه الدكتورة تعمل في هذه العيادة؟

    -أنا أعمل هنا منذ خمس سنوات، وهي كانت هنا قبلي لكني لست أعلم بكم من السنوات.

    -هل هي متزوجة؟

    -عجيب أمرك يا أخي، ماذا يهمك من المرأة أهي متزوجة أم لا؟!؟!....وهل أنا أبوها أو أمها؟!!.....اذهب واسألها هي......خذ هذا موعدك بعد ثلاثة أشهر..... الحمد لله على نعمة العقل!!!

    أخذت الورقة منه وخرجت غير عابئ بما قاله، في الحقيقة لم أدرِ أنا نفسي حينها كيف سألته ذلك السؤال، ولماذا.....يبدو أني كنت تأثير سحرها الطاغي، كل ما كنت أتذكره وأفكر فيه هو قوله "كلهم يريدون الدكتورة جواهر".....كنت أحس بغيرة شديدة.



    للقصة بقية
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    #2
    عدت للبيت ووجدت إجابة السؤال عند أمي، عندما دخلنا أنا وأختي سألتني مبتسمة....

    -أرجو أنكم وجدتم الدكتورة جواهر؟!.


    -نعم يا أمي......يبدو أنها مشهورة والكل يريدها!

    -لم أرَ يداً خفيفة كيدها !.....خصوصاً على الأطفال، لكنها مسكينة، مادام ذلك البخيل بائع الحمير حياً فلن يعتقها.

    -ماذا تعنين يا أمي؟!

    -أبوها يرفض تزويجها طمعاً في راتبها، هو بخيل إلى أقصى ما يمكنك أن تتصور، تقدم لخطبتها كثيرون ودوماً يعيبهم بسبب وبدون سبب، فقط لتبقى تسلمه راتبها أول كل شهر........آخر من خطبها كان ابن عمَها، ولمّا لم يستطع أن يعيبه في شيء اشترط عليها أن تأخذ سلفة كبيرة من البنك وتسلّمه المبلغ ليوافق على زواجها.........ووافقت المسكينة أملاً منها أن تتزوج، وأخذت أقصى ما يسمح به البنك من قرض وسلمته له ، لكن توقع ما فعل بعدها.......لقد افتعل مشكلة مع أخيه والد الخاطب، وخاب أمل المسكينة......وها هي ما تزال بدون زواج.....لابد أنها بلغت الخامسة الثلاثين أو أكثر الآن.......اللهم يسّر لها.

    -ومن هو أبوها هذا.....قلتِ بائع حمير؟

    -هو من عائلة محترمة لكن بخله جعله يفعل أي شيء من أجل المال، كان فيما مضى يتصيّد الحمير الشاردة ويبيعها أو يؤجرها ، ألا تذكر عندما كنت صغيراً كان أبوك يأخذك أنت وإخوتك لتركبوا الحمير عند رجل يقال له مسعود الحمَار؟

    -آهـ.......مسعود الحمّار، قولي لي مسعود الحمّار من قبل لأعرفه........وهذه الجميلة الرقيقة تخرج من صلب مسعود الحمّار!!!!!....أذكره جيداً....فكّه الأسفل مستدير قليلاً نحو اليمين وبه حول مزدوج....مثله لا ينسى أبداً......سبحان الله يخرج الحي من الميّت.


    للقصة بقية......

    تعليق

    • سالم الجابري
      أديب وكاتب
      • 01-04-2011
      • 473

      #3
      تركت أمي وأختي وذهبت لغرفتي وأنا أحدث نفسي

      "ليتني كنت أكبر....على الأقل بعشر سنوات.....أنا في الحادية والعشرين وهي في الخامسة والثلاثين، لن يقبل مني أحد فكرة الزواج بها، خصوصاً والديّ، لا أستطيع التفكير في ردة فعل أبي لو ...لو....أبي متشدد في هذه الأمور، سيقول لي مستهجناً (تريد أن تتزوج بنت الحمّار).......يا لهف قلبي عليها بنت الحمّار......


      لكن قبل كل شيء كيف ستتعامل مع ذلك الغول مزدوج الحول الذي تخلّص من كثيرين قبلك.....ماذا ستفعل به!؟!؟......لقد ترك صنعة الحمير وإلا ربما رشوته ببعضها......ها ها.....ماذا ستفكر جواهر الآن لو عرفت أني عرفت قصة أبيها والحمير.....هل ستحتفظ بنظرة الدكتورة المحترمة التي كانت تكويني بها في العيادة......ها ها ها......

      لكن جمال عينيها يكوي قلبي بأشد من النار، أنا مستعد للقبول بأبيها وحميره وحَوَله.....فقط وأحظى بها...."



      من كثرة ما فكرت ليلتها في كيفية التوصل لها ولفت نظرها لي خطرت لي أفكار كثيرة، أكثرها جنوناً كانت أن أبحث عن حمار وأركبه وأتجول به بالقرب من العيادة......لابد أنها ستلاحظني من النافذة.....لكني استبعدت هذه الفكرة بسبب زحام السيارات الذي يحصل بالقرب من العيادة.

      ثم خطرت لي فكرة أخرى، هي أن أحاول التواصل مع أبيها الأحول بطريقة ما، ولا شك أن ذلك سيقود في النهاية للتواصل معها.



      للقصة بقية......

      تعليق

      • سالم الجابري
        أديب وكاتب
        • 01-04-2011
        • 473

        #4
        يوم الجمعة التالي خرجت من الصباح في رحلة استكشافية، قصدت عزبة أبوها مسعود راعي الحمير التي كان أبي يأخذنا لها ونحن صغار، لم أفاجأ حين وجدت العزبة مهجورة ولم يتبقى منها غير السياج الخارجي المعتمد على أعمدة خشبية، ومن العجيب أن اللوح الذي كتب عليه مسعود أسعار الحمير مازال مثبتاً على أحد تلك الدعائم الخشبية.....

        أجرة حمار نصف ساعة- 5 دراهم
        ساعة- 10 دراهم
        سعر الحمار الكبير مؤدب-200 درهم
        الجحش الصغير- 100 درهم
        تأديب حمار-100 درهم
        لسنا مسئولين عن أي إصابات و لا ضمانات للحمير

        والعجيب أيضاً أن مسعود ترك السياج والأعمدة ولم يأخذها، وعلى ما وصفت أمي من بخله فلايجدر به ترك شيء. وأنا أتأمل المكان إذا بسيارة متجهة نحوي، توقفت وأطل منها أحد العمال الآسيوين الذين يعملون في العزب القريبة يسأل إن كنت موظفاً في البلدية، أجبته بالنفي ثم سألته

        -لماذا اعتقدت أني من البلدية؟

        -لقد جاؤا لهذه العزبة عدة مرات يطالبون بإزالتها ومسعود يرفض، إنه يدعي ملكية الأرض.....ولهذا هو مصر على عدم إزالة السياج كما ترى.

        -أين هو مسعود الآن؟

        -مسعود منذ أن ترك العزبة لديه دكان في سوق الحرفيين يبيع فيه الأشياء القديمة والأعشاب الطبية.

        وهكذا عرفت أين هو مآل مسعود، في سوق الحرفيين، يبيع الأعشاب الطبية......ليس بعيداً عن مجال عمل جواهر....هو أيضاً يعمل في الطب.

        تلك كانت نقطة مشجعة، فلم يعد أبوها "راعي الحمير"، فقد أصبح عشّاباً....لعل هذا ينفع مع أبي. على كل حال توجهت لسوق الحرفيين، لكنه كان مغلقاً.....تذكرت أنه يوم جمعة وقررت العودة في الغد.

        للقصة بقية....

        تعليق

        • مباركة بشير أحمد
          أديبة وكاتبة
          • 17-03-2011
          • 2034

          #5
          واصل أيها الكاتب القدير / سالم الجابري
          ننتظر البقية .."وهل سيجنى من وراء مقابلة والدها ،"قطعة السكر"،
          سعادة أم خيبة وانكسارا "؟؟
          مع التحية والتقدير، لقلمك الرائع وخيالك الواسع .

          تعليق

          • سالم الجابري
            أديب وكاتب
            • 01-04-2011
            • 473

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة مباركة بشير أحمد مشاهدة المشاركة
            واصل أيها الكاتب القدير / سالم الجابري
            ننتظر البقية .."وهل سيجنى من وراء مقابلة والدها ،"قطعة السكر"،
            سعادة أم خيبة وانكسارا "؟؟
            مع التحية والتقدير، لقلمك الرائع وخيالك الواسع .
            جزيتِ الجنة أيتها الأخت الطيبة

            تباركت الصفحة باسمك.......شكرا لك
            التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 17-03-2012, 16:00.

            تعليق

            • سالم الجابري
              أديب وكاتب
              • 01-04-2011
              • 473

              #7
              لحسن الحظ لم يكن لدي على جدول السبت سوى ثلاث محاضرات صباحية، كنت خلالها حاضر الجسم غائب الروح، كانت روحي هائمة بطيف تلك السكّرة، وما إن فرغت من المحاضرات حتى اتجهت لسوق الحرفيين، بالضبط لم أكن أعرف ماذا سأفعل....... الحب يسلب العقل.......وصلت سوق الحرفيين، كانت مواقف السيارات شبه خالية كعادتها بسبب قلّة الزبائن، تخيرت موقفاً قريباً من الدكاكين ...... تمعنت في الشخوص الجالسة أمام الدكاكين حتى وقعت عليه .....مسعود الحمّار أو العشّاب حالياً، كان دكانه ثاني دكان، وكان يجلس أمامه على كرسي متهالك يبدو أنه صنع من بقايا خشب المناجر القريبة......في الحقيقة كان هو وكرسيه يبدوان كأنهما من عصر قديم ...... ربما من عصر القشريات.

              أمامه أكياس كبيرة مصفوفة عرفت أنها تحتوي على أدوية شعبية ، وعلى الباب معلقة مفارش ملونة من سعف النخيل، ومجزّات من النوع القديم تستخدم لجزّ البرسيم.

              المثير في الأمر أن ملامحه الحادة القوية التي كنت أحملها عنه منذ الطفولة حلّت محلها ملامح طيبة سمحة، وجهه كان للأرض وكأنه يتأمل......قلت في نفسي "لابد أن السنين علّمته أشياء كثيرة......ربما هو أفضل بكثير مما صورته لي أمي".

              أحسست بالتفاؤل وبالنشاط للنزول والسلام عليه، كانت خطتي أني أريد شراء عشبة للعلاج من الإمساك، ثم سأسلم عليه بحرارة شديدة عندما أتذكر أني كنت أركب عنده الحمير..........نزلت ومشيت نحو دكانه، عند اقترابي لمحت شاباً يجلس بأقصى داخل الدكان هيئ لي أنه ابنه، تظاهرت بالتلقائية والعفوية، وقفت عند أول دكان وسألته عن أسعار بعض بضاعته.....ثم انتقلت لهدفي الرئيس...وأنا أقترب من بضاعته كان ينظر لي بطرف عينه، توجهت له بالسؤال

              -أيّ هذه الأعشاب لعلاج الإمساك يا عمّ؟

              رفع رأسه.... لايمكن أن تعرف أين ينظر بسبب حوله المزدوج، حرّك فكّه للجهة اليمنى ثم أجابني

              -هذا......هذا هو الحلول، والأفضل أن تأخذ معه من هذا وهذا ليكون أثره لطيفاً على أمعائك.

              وهنا تظاهرت أني تذكرته

              -عمّي مسعود!!!......ألا تذكرني!!!.....كنّا نأتي عندك للعزبة منذ سنين، أنا سالم إبن خليفة......بيتنا في الحارة الغربية ، ألا تذكرني؟

              -تذكرتك.....نعم أنت سالم أكبر أبناء خليفة......قل لي هل ذهب أبوك لأداء فريضة الحج؟

              -نعم يا عمّي ، لقد حجّ قبل عامين.......لماذا تسأل؟

              -قل له أن حجّه غير مقبول......كيف يحجّ وفي ذمته دين لي؟!؟!......قل له أن لي عليه خمسة عشر درهماً، استأجر مني حماراً ولم يدفع لي......إن كان يريد أن يبرّ حجّه فليؤديهن.

              لم أكن واثقاً من جديّته، حسبته يمزح معي ليتودد لي، لكنه استدرك بعد ثوانٍ قليلة

              -إن كان هو أبوك فيمكنك أنت أن تدفع عنه......أليس كذلك.

              وحتى أخرجت من جيبي المبلغ وقبضه في يده كان عندي شك أنه سيعيده لي وهو يضحك ويكون الأمر مزحة، لكنه أخذ المبلغ ووضعه في جيبه ثم أخذ ينصحني بأنواع من الأعشاب..........أنا كنت أسبح في حيرة من العجب، كيف يتذكر ذلك المبلغ ويطالب به بعد تلك السنين......وكيف لتلك السكّرة أن تعيش مع أبٍ كهذا........هذا ليس إنسان، هذا عقاب وعذاب.

              للقصة بقية.....
              التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 17-03-2012, 16:02.

              تعليق

              • سالم الجابري
                أديب وكاتب
                • 01-04-2011
                • 473

                #8
                صار في نظري بغيضاً ذلك العجوز، وتخيلت كيف تعيش معه جواهر.....تخيلتها عيشة ضنكا لا تستحقها تلك التي تغرد العصافير لرؤية خديها، كأن أبوها القمر وأمها زهرة ليمون......ليتها عندي .......ليتها عندي وأضعها في مهد وأهزّ بها علّها ترتاح من معاملة هذا المخلوق الآتي من عصر القشريات المنقرضة.

                في المساء كاد الشوق يقتلني، وكلما فترت عني عبرة خنقتني عبرة بعدها، عرفت رجفة الحب وشرود العاشق الطويل ولم أصدق طلوع الصباح، عندما نظرت لنفسي في المرآة رأيت شخصاً منهكاً......يا ويلي وهذه ليلة واحدة فقط، يا ويلي من حبك يا أحلى ما خلق ربي.

                لم أفكر في حضور المحاضرات في الجامعة، بل كنت أبحث عن حيلة لأراها، لعلّ الحياة تدب في شرايني.......وبعد تفكير اهتديت لحيلة، حيلة ساذجة ومكشوفة، لكني لم أكن أبالي.......قررت التوجه للمركز الطبي والجلوس مع المرضى أمام باب عيادة الأسنان، بالتأكيد سأحظى بنظرة كلّما دخل مريض أو خرج آخر.

                كانت الساعة التاسعة، وتوقعت أن أجد مقعداً خالياً بسهولة أمام عيادتها، لكني فوجئت بامتلاء صف الكراسي عبر كل الممر بالمراجعين للعيادات المختلفة.......انتظرت أن يشغر أحد الكراسي المقابلة لباب سكرتي، وطال انتظاري، ثم حانت لي فرصة حين قام طفل صغير كان كان يجلس بجوار أبيه بمقابل الباب ليلتقط لعبته التي سقطت منه......ولم أضع الفرصة، أسرعت وجلست مكانه بجوار أبيه، رمقني الأب بنظرة استهجان لم تكن تهمني حينها، وجاء الطفل الصغير ووقف بين رجلي كأنه يطلب مني أن أترك مكانه لكني لم أنظر له وركزّت نظري على باب العيادة.


                للقصة بقية.....
                التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 18-03-2012, 14:24.

                تعليق

                • سالم الجابري
                  أديب وكاتب
                  • 01-04-2011
                  • 473

                  #9


                  وانتظرت بلهفة شديدة متى يفتح الباب ليخرج المريض الذي بالداخل ويشرق عليّ نورها.....ودار قفل الباب أخيرا.....واشرأبت روحي قبل بصري لأنظر لها، أحسست وكأن صدري صار فارغاً.......وفتح الباب، ويا لحسد ذلك المريض، ففوق أنه كان بديناً لدرجة يسد معها أوسع الأبواب فقد كان مصراً على إغلاق الباب وراءه وبإحكام.

                  الآن أنتظر المريض الذي سيدخل، تفرست في الجالسين والغيرة تملأني.....أتخيلهم وهم يحدثونها .....وهي تلمس وجوههم.....وهم ينظرون لها مستلقين......آهـ ........ ولم أدرِ بنفسي إلا وأنا أندفع نحو الباب وأفتحه.......والتحم بصري بوجهها المندهش من اندفاعي للداخل، وأحسست كأني دخلت وسط بيت من بيوت الأسكيمو.....تجمدت أمامها، فإذا بها تبتسم، وإذا بي أعود للحياة بعد سبات لثوان.

                  تناولت شيئاً كان بجانبها ومدت لي يدها به وهي تقول " توقعتك أن ترجع بالأمس.......تأخرت كثيراً "......ومددت لها يدي وأخذت ماكانت تناولني إياه وأنا في سكرة من الرضى والنشوة......ثم دخل ورائي المريض وأشارت لي مبتسمة أنها تريد إغلاق الباب، خرجت وأنا أضم يدي بشدة على ما أعطتني إياه........لم يكن يخطر ببالي أنه سوى رسالة حب أو ربما رقم هاتفها لأتصل بها، وصلت سيارتي وأنا مازلت أترنح من السكرة، ركبت سيارتي وأغلقت الباب......وفتحت يدي......مسكين هو العاشق، هو أعمى أمام من يعشق.....لم يكن ما أعطتني إياه رسالة حب، أو رقم هاتفها.......لقد كان بطاقة أختي الطبية التي يبدو أنها وقعت مني بالأمس.


                  للقصة بقية.......

                  تعليق

                  • سالم الجابري
                    أديب وكاتب
                    • 01-04-2011
                    • 473

                    #10
                    الإحباط الشديد سبب لي غضباً شديداً، ولم يكن هناك من ألقي عليه اللوم سوى أبيها، بشكل لا شعوري كنت أسوق سيارتي نحو سوق الحرفيين.....كنت أتخيل نفسي أصعد بسيارتي على الرصيف المقابل لدكانه، ثم أجعل مؤخرة السيارة مواجهة لباب الدكان حيث يجلس، ثم أضغط على دوّاسة البنزين حتى آخرها ، فيمتلئ هو ودكانه وأعشابه بالتراب والغبار، ثم أدور من الجهة الأخرى وأفتح النافذة وأصرخ عليه "أووووووو......مسعود ابو الحمير".


                    وأنا منطلق نحوه لأنفس عن غضبي لم يكن يهمني أي شيء......لا شرطة ولا غير الشرطة......وصلت لمواقف السيارات أمام الدكان، وبعد محاولتين استطعت في الثالثة أن أصعد الرصيف المرتفع، استدرت بالسيارة لأوجه مؤخرتها لدكانه، ثم رجعت للوراء لأقترب قدر المستطاع من بابه.....كنت على وشك إطلاق العنفوان لكامل قوة السيارة لتدكه هو وأعشابه......لكن في آخر لحظة فاجئني شيء......عند نظري في المرآة العاكسة فوجئت بذلك القشري يحمله إبنه ورجل آخر وهم يجرون به نحو سيارتي........وإذا بهم يفتحون الباب الخلفي ويلقونه لي في السيارة، كنت في ذهول من الموقف وأنا أنظر له ممدداً على الكرسي الخلفي، جاء ابنه وركب بجانبي وهو يقول

                    -بسرعة للمستشفى أرجوك.......لقد سقط من على كرسيه وأغمي عليه، الحمد لله أنك جئت في الوقت المناسب.

                    ولم يكن بيدي سوى التوجه بذلك القشري للمستشفى، لابد أن غضبي عليه وصله قبلي وأطاح به من على كرسيّة......قبلاً منيت نفسي أن يموت قبل أن نصل للمستشفى ونتخلص منه، ثم فكرت أنه من الأفضل أن يبقى حيّاً وتأتي جواهر وتراني بقربه وتعرف أني أنا من أنقذه.

                    للقصة بقية......
                    التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 19-03-2012, 09:55.

                    تعليق

                    • سالم الجابري
                      أديب وكاتب
                      • 01-04-2011
                      • 473

                      #11
                      خلال الطريق لا حظت أن ردود فعل الإبن ليست طبيعة بالكامل، وكأنه يعاني إعاقة عقلية بسيطة ، لكني لم أستغرب أن تكون فيه عقد الدنيا كلها إن كان أبوه من فصيلة القشريات، لا أدري كيف تلبسني شعور الخوف والحزن على ذلك العجوز، كنت متلهفاً لإنقاذه، وكلما التفت لأطمئن عليه لم أجد فيه إشارات للحياة سوى فكّه الذي كان يتحرك بحركة منتظمة كدقات الساعة.

                      وصلنا لطوارئ المستشفى ونزلت بسرعة أبحث عن كرسي متحرك لأحمله عليه، عدت ومعي أحد الممرضين ، توقعت أن أجد ابنه مستعداً لمساعدتنا على إنزاله من السيارة لكنه لم يكن كذلك، تأكدت حينها أنه ليس طبيعياً.

                      عندما أنزلناه للداخل طلب مني الممرض بطاقته الصحيّة أو بطاقة هويته، مددت يدي في جيبه علّي أجد محفظته......حتى وهو في تلك الحالة من الإغماء أنتفض كالأفعى عندها......ما أشد حرصه !!!.

                      أخرجت من جيبه صرّة مربوطة بخرقة قديمة قذرة، لو كنت في ظرف آخر لتقززت من لمسها، فككت الصرّة الأولى فإذا بداخلها صرّة أخرى......ثمّ أخرى......ثم وجدت أوراقاً نقدية ملفوفة بعناية كبيرة لكني لم أجد شيئاً آخر........لمعت في رأسي فكرة عبقرية عزف لها قلبي لحناً احتفالياً......أسرعت لابنه الذي مازال بالسيارة ينتظر ، سألته عن هويّة أبيه وأنا أتمنّى أن يقول لي "لا أعرف"......وحين قال "لا أعرف " ابتسم قلبي وقفز ودار دورتين في الهواء قبل أن يعود لمكانه......قلت له

                      -أعطني رقم هاتف جواهر.....لابد أن تأتي وتتصرف.

                      -خذ.....هذا رقمها مكتوب هنا على هذه الورقة.

                      كانت ورقة قديمة ومهترئة من طول بقائها في جيبه.......لكن....لكن.....قفز قلبي مجدداً ، طار بجناحين وحطّ على الورقة يقرأ الرقم.....رأيته ينتقل من رقم لآخر ....... يقبل الأرقام ويتمرغ بينها بجنون غريب.......كان عليّ أن أزجره ليعود لصدري وأستعيد وعيي.


                      للقصة بقية....

                      تعليق

                      • سالم الجابري
                        أديب وكاتب
                        • 01-04-2011
                        • 473

                        #12

                        حتى رقم هاتفها له نغمة شجية على أزرار الهاتف، أخذت بضعة أنفاس عميقة قبل أن أضغط على زر الإرسال......ثم ضغطت......وأخذ قلبي يخفق خفقاً عميقاً متتالياً.......وردّت بعد ثلاث رنات هي أطول رنات سمعتها في حياتي

                        -ألو......

                        -دكتورة جواهر؟.......(قلتها متقطعة وأنا أحاول بلع ريقي)

                        -نعم أنا الدكتورة جواهر.....تفضل.

                        -دكتورة......عمي مسعود أغمي عليه ، نحن في الطوارئ وأريد بطاقته الصحية.

                        -من أنت؟......ومن هو عمّك مسعود؟

                        -أنا سالم ......كنت عندكِ صباح اليوم......ألا تذكرين؟ أعطيتني بطاقة أختي.

                        -كيف تتجرأ وتتصل على هاتفي؟!......ومن أين عرفت رقم الهاتف؟!.....ألا تستحي؟؟؟.......اليوم سأقدم شكوى ضدك عند الشرطة لتتعلم أنت وأمثالك أن بنات الناس ليست لعبة..........لكن قبل ذلك قل لي من هو عمّك مسعود؟

                        -عمّي مسعود هو أبوك ......لقد وقع في الدكان وجئت به للطوارئ، اسمعي يا جواهر......لقد أخذت رقم الهاتف من أخيك لأنهم يريدون بطاقته الصحية......ثم اسمعي مرّة أخرى، أنت تعتقدين أني أغازلكِ.....أليس كذلك؟؟؟؟......والحقيقة هي أن كل لقاءاتنا كانت صدفة.....أنا أعترف أنك أجمل من رأيت، وأني أفكر فيك كل ثانية، وأنك قد سلبتِ عقلي وقلبي....لكنّي لم أفعل أي شيء.

                        -هل تعني ما تقول؟!؟!......في الحقيقة......منظرك لا يوحي أنك طائش.....لكنك أخفتني في المكتبة، وأخفتني اليوم عندما دخلت العيادة .....بعد ذلك تذكرت أن بطاقة أختك وقعت منك........ماذا كنت تقول عن بطاقة أبي الصحية؟؟

                        -آهـ.......إنهم يريدونها في الطوارئ بسرعة......هل ستحضرينها.

                        -أنت هناك؟

                        -نعم نعم......

                        -إني أشعر بالخجل منك الآن.

                        -أنا أيضاً أشعر بالخجل منكِ.......عينيك جمالهما يخجلني.


                        للقصة بقية.....

                        تعليق

                        • سالم الجابري
                          أديب وكاتب
                          • 01-04-2011
                          • 473

                          #13
                          وتلك كانت حقيقة غريبة، لقد أحسست بخجل شديد منها بعد أن كلمتها في الهاتف، عدت للسيارة حيث مازال أخوها ينتظر، بادرني بالسؤال عن أبيه ، وقبل أن أجيبه بادرته أعانقه وأقبل رأسه من شدة فرحتي.

                          -أبوك بخير اطمئن......لقد كلمت اختك وستأتي بعد قليل.

                          -أنا عطشان ...... أريد عصير برتقال.

                          -تريد عصير برتقال!!!!......حتى لو تريد حليب الطير سأجلبه لك، أنت أعز عندي من كل شيء.

                          ولو لا خشيت أن يتضايق مني لعدت لأضمه وأقبل رأسه، فيه شيء من ملامح جواهر ورائحتها.......ذهبت به للبقالة القريبة واشتريت له العصير والحلويات والبطاطس......حتى ألعاب الأطفال عرضتها عليه لكنه رفضها.

                          عندما عدنا للمستشفى أشار لسيّارة واقفة وقال إنها سيارة جواهر، لم أجرؤ حتى على الوقوف بجانبها، ولم أجرؤ على النزول والذهاب لقسم الطوارئ......تلبستني حالة من الخجل الطاغي، وصار وجهي يتفصد عرقاً........رن هاتفي ، كانت هي

                          -ألو......ألو.....

                          كنت أسمعها تتنفس بقرب الهاتف دون أن تتكلم.......ثم تكلمت

                          -أين أنت......في قسم الطوارئ؟!

                          -لا لقد خرجنا ...... أخوك كان يريد عصيراً.

                          -مسكين أخي محمد، أرجوك ترفق به فهو ليس طبيعي.

                          -بالطبع ..... لقد فهمت الأمر، لا تعلمين كيف أحببته من أول نظرة.

                          -من أول نظرة؟!......لماذا؟

                          -لأن فيه ملامح منكِ.

                          ثم سكتت.....وسكتّ أنا أيضاً ، كنت أنتظر ردّة فعلها بتوتر.......ثم قالت

                          لقد كنت أخشى الدخول لقسم الطوارئ، حسبتك هناك.......سأذهب الآن لرؤية أبي، أرجوك لا تأتي حتى أخرج......إني أخجل، وإياك أن تغضب محمد.


                          للقصة بقية.....

                          تعليق

                          • سالم الجابري
                            أديب وكاتب
                            • 01-04-2011
                            • 473

                            #14
                            ولو طلبت مني البقاء ليالي عدة لبقيت......لكنها اتصلت بعد ساعة

                            -أهلاً......كيف هو محمد؟

                            -بخير.......أخبريني عن عمّي مسعود، هل هو بخير؟

                            -يقول الطبيب أنه أصيب بجلطة ، مازال في غيبوبة وأدخلوه غرفة العناية المركزة.......لقد أتعبتك معي اليوم، وأسأت الظن فيك قبل ذلك.

                            -لا تقولي ذلك يا حبيبتي، لو قطعت نفسي لكِ قطعة قطعة لما اشتكى مني بدني ولا أحسست بالألم.........عيناك غسلتني بنور المحبة وصرت......

                            -أراك أخذت راحتك كثيراً وصرت تتغزل، وكأنك لا تعرف أن أبي يرقد في العناية، وكأن أخي ليس بجانبك.

                            وكأنها أيقظتني من حلم جميل، بالفعل لم أشعر بنفسي وأنا أقول لها ذلك الكلام، ولم أشعر بوجود أخيها الذي كنت أفتح له أكياس البطاطس......مرّة أخرى أقول العاشق أعمى ...... بل وبلا عقل.......سكتّ أنا عن الكلام، واستأنفت هي

                            -أريد أن تنزل أخي أمام بوابة الطوارئ وتذهب.

                            -ألن أراكِ قبل أن أذهب.؟؟؟

                            -لا.....لن تراني، ومن أنت لتراني؟!؟!

                            -سنّي تؤلمني وسآتي غداً لعيادة الأسنان.

                            -هاها.....عليك أن تحجز موعداً ........ جدول العيادة محجوز لثلاثة أشهر.

                            -سآتي لزيارة عمّي مسعود، وسأجلس أمام غرفة العناية المركزة حتى أراك.


                            للقصة بقية.....

                            تعليق

                            • سالم الجابري
                              أديب وكاتب
                              • 01-04-2011
                              • 473

                              #15
                              مع إحساسي بالإحباط إلا أن إحساس السعادة كان يتسلل لصدري، خالجني شعور أنها تتمنع وتتدلل فقط، على الأقل نمت ليلتي تلك نوماً مرضياً وحضرت محاضرات الصباح في الجامعة......وبعدها حان وقت السكّر، انطلقت للمستشفى ، قبل أن أنزل نظرت لنفسي في المرآة محاولاً أن أتعلم إظهار ملامح الحزن على عمّي القشريّ.

                              دخلت المستشفى واتجهت لغرفة العناية المركزة وأنا منكس الرأس ويغمرني شعور بالحزن، عند قسم العناية المركزة واجهني رجل الأمن ليسألني عن اسم المريض الذي جئت من أجله

                              -أريد رؤية عمّي مسعود.

                              -اعطني اسمه كاملا.....حتى فجر هذا اليوم كان لدينا اثنان باسم مسعود، وقد مات احدهما بعد الفجر.

                              أعرف أنه لا يصح منّي ذلك، لكن ما بيدي حيلة......تمنيت أنه هو الذي ودّع الدنيا، على الأقل سأرتاح من أكبر عقبة بيني وبين سكّرتي، لكن خاب ظني ، وقبل أن أتذوق طعم ذلك الحلم خرجت من الداخل امرأتان........التي في الأمام كبيرة في السنّ، والتي ورائها هي السكّرة، في البداية خجلت وأشحت بوجهي بعيداً، ثم تذكرت نيران شوقي فتشجعت.......تقدمت أمام المرأتان.......لمحتني السكّرة فتعمدت أن تختفي وراء أمها، وعندما اقتربتا منّي قلت لأمها

                              -خالتي أم محمد.....خالتي أم محمد......السلام عليكم.

                              وهويت على رأسها أقبله ، ثلاث مرّات......وكأني لمحت السكّرة تضحك وهي تدير وجهها بعيداً عنّي.

                              -خالتي أم محمد، كيف هو عمّي مسعود.......أخبريني عنه، لم أنم البارحة من القلق عليه.

                              -الحمد لله يا ابني.......لكنه مازال في غيبوبة، اسمح لي يا ابني لم أعرفك، ابن من أنت؟

                              -أنا ابنك سالم، كيف نسيتيني يا خالتي، سالم ابن خليفة، أمي مريم بنت أحمد، نسكن في الحارة الغربية.

                              -آهـ......سامحني يا ولدي، قلّ تزاورنا أنا وأمك، كيف هي أمك وأخوتك وأبوك....هل مازالت أمك تعاني من آلام الظهر.

                              -نعم يا خالتي مازالت تعاني، أبي يفكر في أخذها لتايلند للعلاج.


                              كنت وأنا أكلم أمها أحاول الحركة قليلاً نحو اليمين أو اليسار لأستطيع رؤيتها وهي مختفية ورائها........وكلما تحركت لأواجهها تحركت بدورها لتختفي وراء أمها........غزال مراوغ......آهـ منها ومن هواها......واستسلمت في نهاية الأمر عندما لم يتبقى عندي شيء لأقوله لأمها......وذهبتا....ووقفت غارقاً بشوقي......يا شوقي ماذا أفعل بك.

                              لماذا هي دوماً منتصرة؟!......هذا وأنت الذي تتفاخر دوماً بحيلك الذكيّة.....يمكنك تدبير حيلة لها.....نعم يمكنني......


                              للقصة بقية......

                              تعليق

                              يعمل...
                              X