الأخ الكريم والأستاذ القدير والمتميز فيصل كريم
تحياتي ، وبعد
دعني أبدأ من المترفين ، ودعني أضيف إليهم الملأ من القوم ، وهم الصنفين اللذين أراد الله تعالى بهما فيمن أراد الحكام والولاة ومن يتولون السلطة ومقاليد الأمور ومن ثم الرؤساء والقادة والحكام بمفردات العصر ، لعلي بذلك أضيف بذلك شيئا ما للصورة العلمية الرائعة التي قدمتها في موضوعك الدسم هذا ، ولعل هؤلاء الذين يتهمون الثوار بأنهم وقود النار التي يريدون بها إسقاط الدولة ، يعرفون أنهم يفترون عليهم - في الغالب الأعم - الكذب ، وأنهم يحيدون عن الحقيقة وينأون عنها ، ويوطدون من هذا المنطلق لدعائم الطغيان والفساد في الأرض ، وذلك بتغافلهم المتعمد أو الجهول عن أن الذين سيسقطون الدولة ( العربية ) أو يسعون إلى إسقاطها ، هم ( الحكام العرب ) على الحقيقة لا غيرهم .
فقد ذكر الله تعالى المترفين والملأ في القرآن الكريم في عدة مواضع ، جاءت كلها – تقريبا - في معرض الكفر والظلم والفساد ، والشر باطلاقاته .
من ذلك قوله تعالى " وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً "(الإسراء)
وقوله " وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ " (هود116)
وأيضا " وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ"(المؤمنون 33 : 34)
وقال سبحانه عنهم " وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ "(سبأ35 )
وقال " فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ " ( هود116 )
لذا قضى الله تعالى عليهم بالجحيم وبئس المصير فقال جل شأنه " وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ " ( الواقعة 41 وما بعدها )
وقال " حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ " (المؤمنون)
فمن المترفين إذن إلا هؤلاء الحكام الذين جمعوا نعيم الدين كله في أيديهم حتى يكادون يقولون للشيء كن فيكون ؟؟!!
ثم انظر إلى الملأ تجدهم في ذات الدائرة وذات الوصف .
قال تعالى " وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَاهَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ..الآية"(الأعراف33)
و قال " قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ "(الأعراف60)
وقال أيضا " قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَفِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ "(الأعراف 66)
وقال " قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ "(الأعراف 75)
وقال " قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ " ( الأعراف 109)
ثم تأملهم وهو يصمون رعاياهم بالفساد والإفساد بينما هم المفسدون أصلا وتأصيلا ، وتمعن وهم يتخذون قرارهم ويشحذون عدتهم وعتادهم للقضاء عليهم ، فيقول سبحانه تعالى " وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ " (الأعراف127)
وقال " وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ "(الأعراف20).
علما بأن الملأ هم حسبما جاء في قاموس المعاني : وُجُوهَ القوم و كُـبَـراءَهم ، وفي المعجم هم : السادة و الرّؤساء ، وإن شمل المعنى غيرهم من الأثرياء والأغنياء والمنعمين في رغد العيش الحرام ، وهؤلاء وهؤلاء وجهان لعملة واحدة ، وكلاهما من معين واحد في الفكر والوسيلة والغاية ، لذا تجد أكثر المتضررين من سقوط الطغاة هم هؤلاء الأثرياء ، وهم أيضا أكثر المدافعين عنهم والمطالبين ببقاءهم .
وبالترف وفساد الملأ سقطت الدولتين العباسية والعثمانية كما ذكرت أستاذي فيصل ، وسقطت كذلك الأندلس عندما كان الملأ فيها ينعمون في رغد الحياة الدنيا وترفها الناعم وقصورها الفارهة على حساب منعتها وحصونها ودفاعتها ، وبالترف وفساد الملأ سقطت وستسقط دولا كثيرة ، خاصة وأن هؤلاء الملأ والمترفين لا يقلون عن ( السلاطين التنابلة ) في فسادهم وإفسادهم إن لم يزيدوا عليهم في الطغيان والقمع والجبروت .
وسيكون سقوطهم قبل سقوط أمريكا ، لأن الأخيرة لم تغب فيها العدالة الإجتماعية بالقدر الذي غابت فيه بهذه الدول ، ولم تطوع القانون لخدمة علية القوم وكبرائهم ، بل جعلت سيادة القانون هو شعارها ، والفصل بين السلطات مبدأها ، وتفعيل الدساتير والقوانين غايتها ، بل إن أمريكا تعوض سلبياتها الداخلية بفرض سيطرتها وهيمنتها على العالم سواء كان ذلك بالحروب أو التهديدات الخارجية أو المؤسسات الدولية أو الجمعيات الأهلية أو تجنيد الولاة والحكام والقادة .... ، فبماذا يعوض الحكام العرب خيبتهم وغطرستهم وعلوهم في الأرض وفسادهم إلا بمزيد من القهر والقمع والبطش ضد شعوبهم .
يبقى القول أخي فيصل بأن نفي فكرة الدولة أو وجودها الفعلي والواقعي على الأرض هو قول مرفوض قطعا ولا يعبر عن الواقع والحقيقة ، لأن الدولة وفقا للمنظور القانوني تتكون من أرض وشعب ونظام حاكم وسيادة ، وبتوافر هذه العناصر – الأهم - وتفعيلها وفق القوانين والإتفاقيات الدولية تكون عضوا في المنظومة الدولية ، وبالتالي لا يمكن الأخذ بالفكر الفوضوي المبني على أن الدولة هي من أهم عوامل تعطيل تقدم الشعوب والحضارات ، فليس ثم إذن إلا الفكر الثالث الذي يرى أن الاستقرار هو الأمر الحاسم لضمان بقاء الدولة وعدم سقوطها ، على أن يبنى هذا الإستقرار على العدل والحرية والمساواة والكرامة .
كل الشكر والتقدير أستاذ فيصل على هذا ( الكتاب ) الرائع والدسم الذي قدم لنا رؤية علمية متكاملة عن أسباب سقوط الدول ، وقدم لنا كذلك قدرا ثقافيا هائلا عن سقوط الحضارات ، وأضاف لي – بصفة شخصية - أساسا علميا أستند إليه كلما تحدثت عن فساد الحكام وطغيانهم ، ولما لا وأنت تقول في مقدمته وبحق :
" عملا تاريخيا نطرح من خلاله ما نستلهمه من دروس وعبر تتكرر على مدار الأزمنة والعصور لتجعل من مقولة " التاريخ يكرر نفسه " ماثلة للعيان لمن يرى ويتدبر بتحولات الدهور والدول " .
ومن العجيب أن بعضهم ساءه موضوعك ويتسائلون عن الجدوى من طرحه .
ربما لأنهم رأوه نذير شؤوم لسقوط نظامهم المستبد .
تحياتي ، وبعد
دعني أبدأ من المترفين ، ودعني أضيف إليهم الملأ من القوم ، وهم الصنفين اللذين أراد الله تعالى بهما فيمن أراد الحكام والولاة ومن يتولون السلطة ومقاليد الأمور ومن ثم الرؤساء والقادة والحكام بمفردات العصر ، لعلي بذلك أضيف بذلك شيئا ما للصورة العلمية الرائعة التي قدمتها في موضوعك الدسم هذا ، ولعل هؤلاء الذين يتهمون الثوار بأنهم وقود النار التي يريدون بها إسقاط الدولة ، يعرفون أنهم يفترون عليهم - في الغالب الأعم - الكذب ، وأنهم يحيدون عن الحقيقة وينأون عنها ، ويوطدون من هذا المنطلق لدعائم الطغيان والفساد في الأرض ، وذلك بتغافلهم المتعمد أو الجهول عن أن الذين سيسقطون الدولة ( العربية ) أو يسعون إلى إسقاطها ، هم ( الحكام العرب ) على الحقيقة لا غيرهم .
فقد ذكر الله تعالى المترفين والملأ في القرآن الكريم في عدة مواضع ، جاءت كلها – تقريبا - في معرض الكفر والظلم والفساد ، والشر باطلاقاته .
من ذلك قوله تعالى " وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً "(الإسراء)
وقوله " وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ " (هود116)
وأيضا " وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ"(المؤمنون 33 : 34)
وقال سبحانه عنهم " وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ "(سبأ35 )
وقال " فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ " ( هود116 )
لذا قضى الله تعالى عليهم بالجحيم وبئس المصير فقال جل شأنه " وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ " ( الواقعة 41 وما بعدها )
وقال " حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ " (المؤمنون)
فمن المترفين إذن إلا هؤلاء الحكام الذين جمعوا نعيم الدين كله في أيديهم حتى يكادون يقولون للشيء كن فيكون ؟؟!!
ثم انظر إلى الملأ تجدهم في ذات الدائرة وذات الوصف .
قال تعالى " وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَاهَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ..الآية"(الأعراف33)
و قال " قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ "(الأعراف60)
وقال أيضا " قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَفِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ "(الأعراف 66)
وقال " قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ "(الأعراف 75)
وقال " قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ " ( الأعراف 109)
ثم تأملهم وهو يصمون رعاياهم بالفساد والإفساد بينما هم المفسدون أصلا وتأصيلا ، وتمعن وهم يتخذون قرارهم ويشحذون عدتهم وعتادهم للقضاء عليهم ، فيقول سبحانه تعالى " وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ " (الأعراف127)
وقال " وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ "(الأعراف20).
علما بأن الملأ هم حسبما جاء في قاموس المعاني : وُجُوهَ القوم و كُـبَـراءَهم ، وفي المعجم هم : السادة و الرّؤساء ، وإن شمل المعنى غيرهم من الأثرياء والأغنياء والمنعمين في رغد العيش الحرام ، وهؤلاء وهؤلاء وجهان لعملة واحدة ، وكلاهما من معين واحد في الفكر والوسيلة والغاية ، لذا تجد أكثر المتضررين من سقوط الطغاة هم هؤلاء الأثرياء ، وهم أيضا أكثر المدافعين عنهم والمطالبين ببقاءهم .
وبالترف وفساد الملأ سقطت الدولتين العباسية والعثمانية كما ذكرت أستاذي فيصل ، وسقطت كذلك الأندلس عندما كان الملأ فيها ينعمون في رغد الحياة الدنيا وترفها الناعم وقصورها الفارهة على حساب منعتها وحصونها ودفاعتها ، وبالترف وفساد الملأ سقطت وستسقط دولا كثيرة ، خاصة وأن هؤلاء الملأ والمترفين لا يقلون عن ( السلاطين التنابلة ) في فسادهم وإفسادهم إن لم يزيدوا عليهم في الطغيان والقمع والجبروت .
وسيكون سقوطهم قبل سقوط أمريكا ، لأن الأخيرة لم تغب فيها العدالة الإجتماعية بالقدر الذي غابت فيه بهذه الدول ، ولم تطوع القانون لخدمة علية القوم وكبرائهم ، بل جعلت سيادة القانون هو شعارها ، والفصل بين السلطات مبدأها ، وتفعيل الدساتير والقوانين غايتها ، بل إن أمريكا تعوض سلبياتها الداخلية بفرض سيطرتها وهيمنتها على العالم سواء كان ذلك بالحروب أو التهديدات الخارجية أو المؤسسات الدولية أو الجمعيات الأهلية أو تجنيد الولاة والحكام والقادة .... ، فبماذا يعوض الحكام العرب خيبتهم وغطرستهم وعلوهم في الأرض وفسادهم إلا بمزيد من القهر والقمع والبطش ضد شعوبهم .
يبقى القول أخي فيصل بأن نفي فكرة الدولة أو وجودها الفعلي والواقعي على الأرض هو قول مرفوض قطعا ولا يعبر عن الواقع والحقيقة ، لأن الدولة وفقا للمنظور القانوني تتكون من أرض وشعب ونظام حاكم وسيادة ، وبتوافر هذه العناصر – الأهم - وتفعيلها وفق القوانين والإتفاقيات الدولية تكون عضوا في المنظومة الدولية ، وبالتالي لا يمكن الأخذ بالفكر الفوضوي المبني على أن الدولة هي من أهم عوامل تعطيل تقدم الشعوب والحضارات ، فليس ثم إذن إلا الفكر الثالث الذي يرى أن الاستقرار هو الأمر الحاسم لضمان بقاء الدولة وعدم سقوطها ، على أن يبنى هذا الإستقرار على العدل والحرية والمساواة والكرامة .
كل الشكر والتقدير أستاذ فيصل على هذا ( الكتاب ) الرائع والدسم الذي قدم لنا رؤية علمية متكاملة عن أسباب سقوط الدول ، وقدم لنا كذلك قدرا ثقافيا هائلا عن سقوط الحضارات ، وأضاف لي – بصفة شخصية - أساسا علميا أستند إليه كلما تحدثت عن فساد الحكام وطغيانهم ، ولما لا وأنت تقول في مقدمته وبحق :
" عملا تاريخيا نطرح من خلاله ما نستلهمه من دروس وعبر تتكرر على مدار الأزمنة والعصور لتجعل من مقولة " التاريخ يكرر نفسه " ماثلة للعيان لمن يرى ويتدبر بتحولات الدهور والدول " .
ومن العجيب أن بعضهم ساءه موضوعك ويتسائلون عن الجدوى من طرحه .
ربما لأنهم رأوه نذير شؤوم لسقوط نظامهم المستبد .
تعليق