حَلقةٌ مُفْرَغةٌ / دينا نبيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دينا نبيل
    أديبة وناقدة
    • 03-07-2011
    • 732

    #31
    المشاركة الأصلية بواسطة سالم وريوش الحميد مشاهدة المشاركة
    الأستاذة دينا نبيل
    عادة بريق النجوم يصل إلينا عبر مئات السنين الضوئية مهما كان الظلام حالكا
    وكذلك الأدب الرصين يبقى علامة مضيئة في دروب الإبداع
    مبارك لك هذا الإبداع أستاذة دينا
    هذا النص منشور في جريدة العراق ، وسبق لي أن قرأت نصا نقديا لك في جريدة الأتحاد العراقية
    فهنيئا لك ولنا هذا السير الحثيث في دروب العطاء
    بتاريخ : الخميس 12-07-2012 جريدة العراق
    دينا نبيل
    حينما تَضغطُ الغَالقَ .. فإنَّ العالمَ ينفتحُ أمَامَك!!
    - شارون واكس-
    من خلفِ السّتارِ لاحتْ على زُجاجِ النافذةِ ، تلك الصُّورةُ التي تغبّرتْ ، لا من التُّرابِ العَالقِ على الشِّيش كالعادةِ ، ربّما بسببِ ذلك الإطارِ ، الذي حاولتُ على مرّ الأسابيع الماضية أن أستعيدَهُ ، أجترّه ، فيأبى إلا أن يتقزّمَ ليتوارى في زاويةٍ حادةٍ من ذاكِرتي .
    أخشى انطبَاقَ فكّيها فتقصِمني ، وتُلقي بي في زوبعَةٍ تشُدّني إلى قَاعِها ، بحلقةٍ مُفرغةٍ .. حلقة ، تصنعُ الإطارَ . ... مُفرغة كالعدسةِ التي أمسكتُ بها منذُ أسابيع ، في وسطها تقوقعَ ذلك الصّغيرُ ، كحلزُونٍ تحت سريرٍ قديمٍ . زائِغَ العينين ، حابِسَ الأنفَاس كما طلبتُ منه . والسريرُ كالجاثِمِ على ظهرهِ ، يزنُقُه في أسفلِ الحلقة . تَسيلُ على رأسِه قطراتٌ حمراءُ متقّدةٌ ..وكفاه كالكعكةِ الصغيرةِ يرتجفان ، يكادان يتفتّتان ، بينما يتشبثانِ بالأرض !
    " واحد .. اثنان .. ثلاثة ! انتهينا.. هاكَ الشطيرةَ .. كما اتفقنا !" وضعَها بجانبِه .. خلتُه سيلتهمُها التهاماً ، نعم لم تكن طازجةً ، لكن ظني أنهُ لم يأكُلْ منذ أيّام . أنّى له ذلك ، وأعلى السريرِ يرقدُ والداهُ جنباً إلى جنبٍ ، وقد قُطٍّعتْ أطرافُهُما ، واختلطتْ معاً في بركةِ دماء ، تجمّعَ حولها الذُّبابُ ؟! الصّورةُ حارةٌ حرارة تلك الدماءِ المتقطّرةِ ،
    طازجةٌ طزاجة إحساسِ الخوفِ .. الترقّبِ . وعينان انطفأ منهما النورُ ، لم يبقَ بهما سوى ظلامٍ آتٍ مجهولِ المدى ! تسمّرتُ أمامَه ، وأنا أشعرُ نحوه بالدَّينِ الكبيرِ . لم تكُنْ تلك الصورةُ التي أهداني حيويةَ نبضِها ، مجرد صورةٍ إشهاريةٍ في جريدةٍ من جرائدِ المُعارضةِ ، وإنما صُورةٌ ستعبرُ إطارَها ؛ لتجُوبَ كُبرى المعارضِ . ربّما طمعتُ أن تستفزّ مشاعرَ العالمِ ؛ كصُورةِ الفيتناميةِ *كيم فوك ، لتُنهي حرباً رعناءَ .
    ربَّتُّ على كَتفه :" لا تقلقْ .. قريباً سينتهي كلُ هذا ! " قطعتُ له لقمةً من الشّطيرةِ ، ووضعتُها في فمه . لم يُحركْ ساكناً .
    هو لا ينطقُ . رأسُه منكّسٌ ، لا يلتفتُ حتى ! ... غطّيتُه ببطّانيةٍ .خرجَ أمامي من البيتِ . خُطواتُه مُبعثرةٌ ككرارِيسِه هُنا وهُناك ، تائِهةٌ كلوحاتِ بُيوتٍ ، لم تكتملْ بعد ، وأطفالٍ بلا ملامحَ ونبتاتٍ دُهسَتْ بالأقدامِ ، رسمَتْها يدٌ لا تُحسنُ خطَّ القلمِ . وعندَ الصَّليبِ الأحمرِ ، في سجلٍّ كبيرٍ تمّ إدراجُ اسمِه . وزَميلي بجانبي ، يُقيّدُه في دفتَرِه رقَماً. واختفى بينَ رُؤوسٍ وأجسادٍ متشابهةٍ في الحجمِ واللونِ ؛ لتنقلهُم عرباتٌ رماديةٌ كبيرةٌ .. هذا هُو سلاحي الوحيدُ إذن ،
    هنا داخلَ تلك الآلةِ المُزعجةِ ، التي تقتحِمُ العامَ والخاصَ ! أحتضِنُها ، أخبئُها داخل سُترتي ، بعدَ أن حبسْتُ في بؤبؤيها لحظةً وإلى الأبد . كمْ أصيرُ صيداً ثميناً وأنا أحملُها ، وأعدو مع زُملائي في شوارِع ، ما يُمكنُ القولُ عنها ، أنها لا أكثرَ من حطامٍ لمدينةٍ . ساعتُها لا نعبأُ إن كان شريطُ ألوانٍ معتما ، في صُندوقٍ أسودَ صغيرٍ ، أكثرَ أهميّةً من ألوانِ طيفٍ ، تعجّ بها السّماءُ! السّماءُ تسقطَ عنها شمسُها وقمرُها ، ترتفعُ عن الأرضِ ، تعلُو ، ترتجّ من أزيزِ طائراتٍ تتعقبّ اللاشيء ، والأرضُ جُنّ جنونُها ، تتقاذفُنا من على ظهرِها المُخرّقِ بالرّصاصِ الطّائشِ! فقط هي بضعةُ أمتارٍ.. بضعةُ أمتارٍ ونصلُ إلى مقرّنا ؛ لنُخرجَ تلك المُنمنماتِ التي في حوزتنا . لم يكن سوى ذلك الحَاجز القاسِي كالصُّلبِ ، الذي ظهرَ فجأةً أمامَنا ، حائلٌ ضبابيٌّ حارقٌ ، اصطدمنا به كفَراشٍ هائجٍ ، وارتددنا .. اصطدمنا ، وتساقطنا ،
    وتوقّفَ كلُّ شيءٍ . وتوقّفَ الزمنُ عدا عَجلة ذاكرتي المُفكّكة ،
    تتحركُ ببُطءٍ شديدٍ وسطَ غماماتٍ ، تستجمعُ تروساً مُكدسّةً مشحُوذةَ الأسنانِ ، صُندوقاً أسودَ به شريط ملفوف ، سريراً يقطرُ ، حلزُوناً صغيراً! بارْتجافٍ .. العجلةُ تدورُ ،
    وتعودُ تدورُ.. وتدورُ حولي أرجاءُ غرفةٌ لا أعرفها . أفيقُ على.. " تلك هي صورةُ السّاعة..
    واحد .. اثنان .. ثلاثة!". ووميضٍ ،
    وأقمطةٍ ، تلفُّني من رأسِي حتى أُخمصِ قدمي كالمُومياءِ ، ومَشدّاتٌ تُصلبّني كدُميةٍ بلاستيكيةٍ .أردتُ أن أفتحَ فمي ، أسألُ عن ( كاميرَتي ) . أنفاسي مُتوهجةٌ ، تخرجُ بضيقِ ثقبِ آلتي المفقودةِ .
    الأصواتُ حولي تغمغمُ ، تتعَالى . وعيناي حبيسِتا المحجَرين . أصحابُ المعاطفِ البيضاءِ يهرعُون بسرعةٍ بين الأسِرّةِ . هممتُ أن أزعقَ باسمي ، بصُورتي الضائعةِ ! انحشرَ صوتي بين حلقي وخُرطومٍ دقيقٍ خارجٍ منهُ . .. بينما الطّبيبُ يقيّدُني ، في سجلِ المفقُودين رقماً ! ---------- *كيم فوك :صاحبة الصورة التي هزت العالم عام 1972 ، في حرب فيتنام ، وفي الصورة الشهيرة كانت الطفلة - كيم فوك -تركض عارية فزعة تحت قنابل النابالم الحارقة المحرّمة دولياً.

    أ / سالم وريوش الحميد ..

    حقيقة أسعدني كثيرا أن تسوق إليّ هذا الخبر الطيب بنشر قصة ونقد لي في عراقكم المجيد ..

    هذا وإن دل ، فيدل على رعاية العراق للأدب والأقلام الجديدة وإن كانت غير عراقية ، حتى بدون سعي أصحاب الأعمال أنفسهم .. وهذا عهدنا بالعراق كبلد حضاري عريق وحارس كبير للثقافة والآداب

    أشكرك جزيلا على ما قلته في حقّي .. وأتمنى أن أستحقه فعليّاً يوماً ما ..

    لك تقديري على مجهودك الكبير

    تحياتي
    التعديل الأخير تم بواسطة دينا نبيل; الساعة 08-08-2012, 10:26.

    تعليق

    • دينا نبيل
      أديبة وناقدة
      • 03-07-2011
      • 732

      #32
      المشاركة الأصلية بواسطة ميساء عباس مشاهدة المشاركة
      هلااااااااااا
      دينا الجميلة
      قصة موفقة
      جميلة السرد
      صورها شاعرية ممتعة
      مشوقة
      والقص فيه خبرة
      وثقة حبر
      جمييل ماقرأت
      وفقك الله
      ودمت بألق
      وأتمنى أن تشاركي الأدباء والأديبات قصصهم
      حتى يتثنى لنا
      القراءة للجميع
      وحتى نتبادل الحرف والألم
      محبتي
      ميساء العباس

      الأستاذة القديرة ميساء عبّاس ..

      تقديري لكِ على المرور الطيب وقراءتك الفاحصة لما خطته أناملي هنا ..

      إن شاء الله لي عود إلى الملتقى ، لكنني كنت متغيبة قليلاً .. أتمنى أن أعود للمشاركة كي أستفيد مما يكتبه الزملاء ..

      لك تقديري وامتناني

      تحياتي

      تعليق

      يعمل...
      X