اختلاط .......... !

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ريما ريماوي
    عضو الملتقى
    • 07-05-2011
    • 8501

    اختلاط .......... !

    اختلاط


    سارت عبر الرواق الطويل إلى مؤخرة الطائرة الضخمة، تسحب حقيبة سفر صغيرة وتبحث عن مقعدها بالنظر
    إلى الأرقام المثبتة أعلى المقاعد. وجدته في المؤخّرة بالوسط بين مقعدين مشغولين، يشغل المقعد الذي قرب
    النافذة رجل ملتح وعلى الطرف الآخر رجل نحيل.

    حاولت توسيع مكان لوضع حقيبتها مع الحقائب الموضوعة بعشوائيّة على الرف العلويّ لكن لثقلها لم
    تستطع زحزحتها، وجهّت للرجلين نظرة استغاثة، فهبّا من فورهما لمساعدتها، دون تلكؤ أمام سحر أنوثتها
    الطاغية، ثمّ بادلاها ابتسامات عذبة فغمرها دفء الطمأنينة، في أوّل رحلة جوية لها بمفردها بين القارات.

    استقرّت في مقعدها، فبادرها الملتحي بلغة لم تفهم منها شيئا، فعاد يخاطبها بالإنجليزية المكسّرة:
    - ما رأيك في مبادلتنا الحديث اختصارا لملل الرحلة الطويلة؟! قال متودّدا. أشرقت ابتسامتها:
    - نعم، لم لا؟ اسمي "غزالة" من الأردن بلد الشمس المشرقة والسماء الزرقاء.
    - أهلا بك، هل من الصحيح أنّكم تربون الجِمال داخل منازلكم؟
    رنّت ضحكتها باستغراب:
    - لم أرَ الجِمال إلاّ في الأماكن السياحيّة كالبتراء مثلا، المدينة الورديّة المحفورة بالصخر، وأنصحك بزيارتها
    فتضرب عصفورين بحجر ترى الآثار والجمال، وتطلّع على المعاصرة والحضارة في بلدي.
    - شجّعتني فعلا على أن أزوره، اسمي "مارك" من هولندة بلد الحريّات، وتشتهر بالثروة الحيوانية والأجبان،
    وأيضا السهوب الخضراء والزهور الملوّنة، الطّبيعة فيها خلّابة وساحرة. سكت برهة وأردف موضّحا:
    - أنا بحّار أعمل في سفينة كبيرة للصيد، تعوّدنا أن نمضي ست شهور متواصلة في البحر. ومن ثمّ يتبدّل
    الطاقم دوريّا، انتهت مناوبتنا وفي طريقنا لقضاء إجازتنا السنويّة في بلدنا، أضاف:
    - يعني من يشغلون الصفوف الخلفيّة زملائي البحّارة. صفّقت بيديها ضاحكة:
    - أوّل مرة أسمع عن بحّارة باخرة يمخرون عباب الجو. مضيفة:
    - عليّ الانتظار عدّة ساعات في مطار بلدكم، حتى يحين موعد الرحلة التالية، أنا في طريقي لزيارة أخي
    المغترب في أمريكا.

    تدخّل الرجل النحيل الجالس إلى يسارها في الحديث قائلا:
    - ما أنعم صوتك وما أجمل ضحكتك كصوت الموسيقى، يحملق فيها بنظرات تكاد تلتهمها.
    - أعذريه، في الحقيقة لم نشاهد أنثى مذ ركبنا البحر زمان. علّق مارك موضحا. أكمل النحيل:
    - اقتربي مني يا جميلتي، ملامسا يدها وبعض أجزاء من جسدها.

    شرع رجل آخر أصلع من خلفها يداعب شعرها البني ّالطويل المعقوص ذيل فرس ويشدّها منه، واضح أن
    الخمرة قد لعبت برأسيهما. أمّا مارك فاكتفى بنظرات الإعجاب مفتونا بجمالها الشرقيّ؛ عيناها العسليتان
    الدعجاوتان، لونها النحاسيّ وقد لوّحته شمس بلادها الحارة، فمها المكتنز المصبوغ بالأحمر يشابه حبّة
    فراولة شهية.

    هرعت إلى المضيف الأجنبيّ، وعلامات الضّيق بادية على محيّاها، ترجوه نقلها إلى المقاعد الأماميّة،
    فالبحارة حولها سكارى ويقومون بمضايقتها.

    - لا أستطيع فالطائرة ملأى بالركّاب ولا توجد مقاعد شاغرة، عودي إلى مكانك حالا نحن بصدد تقديم الطعام،
    أجابها آمرا يرمقها بنظرة دونيّة كأنّها مخلوق فضائيّ عجيب.

    "يا الله ما العمل؟ إنهم يرعبونني، لا أطيق لمساتهم وتمسّحهم بي." فكّرت قلقة وقفلت عائدة إلى مكانها.
    غفا الرجل النحيل على كتفها صاحت به مشمئزّة:
    - يا رجل استيقظ وابتعد عني لست وسادة لك. وفكّرت بينها وبين نفسها
    " أفٍّ يا لأنفاسه، هذه أوّل مرة أشمّ رائحة الخمرة الكريهة." نعم هي ما زالت يانعة أوّل تفتّحها
    ( ما باس تمّها غير أمها. *)

    حمدت الله على أنها ترتدي بنطالا من (الجينز) السميك، أمسكت يد النحيل المتسلّلة اليها تتحسّس فخذها
    تمنعه بقوّة، أشارت لمارك تنبّهه عمّا يفعل متفهمّا لها تدخلّ، وتجاوب الرجل مع أوامره مبتعدا عنها،
    على الأرجح هو قائده.

    قطّبت جبينها مواصلة التفكير:
    "صحيح أنه يحتسي الخمرة أيضا، لكنّه لم يفقد السيطرة على نفسه، ربما لأنّه ملتزم مع عائلته الّتي
    أطلعني على صورها. مهما يكن من الأفضل أن ألتزم الصمت إلى حين الوصول."

    لمّا أعلن الكابتن عن قرب وصولهم، غمرها شعور بالارتياح إذ لا مزيد من الاستفزازات:
    "الحمد لله، سأحرص على البقاء بين الناس، هؤلاء البحارة لا يؤتمن جانبهم."

    بعد انتهاء معاملات الجمرك، تقدّم مارك نحوها منبسط الأسارير:
    - أهلا غزالتي الشرقيّة ما زال الوقت كافيا لرحلتك التالية، أنا معجب بك فلنذهب إلى البار سويّا
    لاحتساء الخمرة، ثمّ غمز بعينه مردفا:
    -أعرف مكانا خاليا من النّاس، سأعلّمك فيه فنون الحب.

    " حتّى أنت؟! " منعت نفسها بصعوبة من أن تنهال عليه بالشتائم مكتفية بالرفض القاطع،
    ثم مضت في طريقها رافعة رأسها بكبرياء، تابعها مشدوه النظرات فتلك أوّل فتاة ترفض
    عرضه السخيّ، بعكس بقيّة النساء اللواتي لم يقاومن رجولته الطاغية.

    أسرعت نحو رقم بوّابة المغادرة، جلست تضمّ ساقيها مدة خمس ساعات أخرى، وتنتظر.

    أخيرا وصلت بأمان عند أخيها واستقرّت عنده. في أحد الأسواق الكبرى التقيا صديقا
    أمريكيّا له، حيّاه قائلا: "هاي جوزيف" وأضاف يعرّفها:
    - هذه أختي الجميلة "غزالة" قدمت لزيارتي، ولا مانع لديّ من دعوتها للخروج معك،
    إنّها متوفّرة!
    ________________

    * بالعامية:
    باس = قبّل.
    تمّها = فمها.



    مع تحية: ريما ريماوي.
    التعديل الأخير تم بواسطة ريما ريماوي; الساعة 20-01-2013, 14:17.


    أنين ناي
    يبث الحنين لأصله
    غصن مورّق صغير.
  • محمد الصالح منصوري
    أديب وكاتب
    • 24-10-2008
    • 237

    #2
    الاختلاط باب الرذيلة ..
    قيم متصارعة : انحلال متفسخ ، وقيم ضاربة في الصلاح "وما باس تمها غير أمها"
    فكرة جيدة تبرز ثمر الاختلاط الوحش
    طالعتها مرتين أعجبت بسلاسة تسلسلها ومنطقها
    تقديري واحترامي

    تعليق

    • ميساء عباس
      رئيس ملتقى القصة
      • 21-09-2009
      • 4186

      #3
      هلا ريما الغالية
      ومرحبا بصباح جديد
      يمشط شرفتي بين حروفك
      جميل الموضوع وقيّم
      لمايعرض من تناقضات وتغيرات قد تجتاح المبادئ
      ليكون الأخ الذي هو مصد للأمان والحماية
      يتحول لرجل كالآخرين بل الأسوء
      مقدمة جميلة مشوقة
      كما النهاية رائعة صادمة
      تسلمي
      حماك الله
      وبوركت روحك وقلمك الجميل
      محبتي
      ميساء العباس
      التعديل الأخير تم بواسطة ميساء عباس; الساعة 10-12-2012, 03:07.
      مخالب النور .. بصوتي .. محبتي
      https://www.youtube.com/watch?v=5AbW...ature=youtu.be

      تعليق

      • ليندة كامل
        مشرفة ملتقى صيد الخاطر
        • 31-12-2011
        • 1638

        #4
        السلام عليكم
        قصة مشوقة أحداث كثيرة على متن طائرة رغم هذه المعاناة التي عانتها لتصل الى آخاه الذي غير جلده ولبس جلد الغرب
        ولما الذهاب بعيد في وسط العرب وصوت الآذان غيروا جلودهم وتمدنوا على الطريقة الغربية
        الخاتمة وكأنها جائتني منفصلة عن الحدث الذي ركزت عليه في تفاصيل الطائرة هذا فل نتجاهل الفكرة الجميلة التي تحملها القصة
        جميل أختي ريما هذه القفزة المباركة في عالم القص بلغة المنتقات تقديري
        http://lindakamel.maktoobblog.com
        من قلب الجزائر ينطلق نبض الوجود راسلا كلمات تتدفق ألقا الى من يقرأها

        تعليق

        • ربيع عقب الباب
          مستشار أدبي
          طائر النورس
          • 29-07-2008
          • 25792

          #5
          لا أدري .. توقفت عن السطر الأخير
          محاولا الرؤية من جديد .. هل كان لازما عرض الأخ أخته لصديقه الاجنبي
          ربما كان مهما عند البعض
          و لكن في الطائرة كان الأمر واضحا و في عرض البحار بعد الهبوط !

          شكرا لك أستاذة ريما

          تقديري و احترامي
          sigpic

          تعليق

          • صالح صلاح سلمي
            أديب وكاتب
            • 12-03-2011
            • 563

            #6
            الأستاذة/ريما الريماوي
            تمتلكين القدرة على السرد بضمير الغائب
            وهذا في تقديري ما يعطي أعمالك أبعاد مشهدية وإن اتشحت بالبساطة
            وكنت موفقة في جعلنا نعيش أجواء مختلطة بالفعل
            شرقي غربي, حتى وان كان العنوان له اتجاه آخر
            أتمنى لك المزيد من التقدم
            لأن وجودك في متصفح القصة شيء يبعث على التفاؤل
            ويشجع الجميع.
            تحية وتقدير
            شكرا لكِ

            تعليق

            • جمال عمران
              رئيس ملتقى العامي
              • 30-06-2010
              • 5363

              #7
              الاستاذة ريما ( المشاغبة دوماُ )
              تعبت عيناى من صغر الخط ، إلا أننى قرأتها وأعدت قراءتها ، أعجبتنى جدا ياريما ، يعجبنى فيما تكتبين أنك تتركين القلم على سجيته فيكون العمل خلاقاً ويحمل روح التلقائية الجميلة فيدخل القلب .
              مودتى أيتها المشاغبة
              *** المال يستر رذيلة الأغنياء، والفقر يغطي فضيلة الفقراء ***

              تعليق

              • سالم وريوش الحميد
                مستشار أدبي
                • 01-07-2011
                • 1173

                #8
                ريما ريماوي
                قلم أعطى الكثير وشدنا كثيرا لجمال حروفه
                نبحر معه مرة في قارب تتقاذفه الأمواج وتارة في صحراء مترامية الأطراف
                وأخرى في طائرة نحلق مع ركابها نتعاطف مع شخوصها
                ، تجده مضطربا حد الهيجان ومرة هادئ كسكون الريح
                تتفرد أعمال الأستاذة ريما ببساطة الفكرة ، وعمق المضمون ،
                وسلاسة الطرح تخلق حالة من الشد النفسي عند المتلقي أي أن عنصر التشويق
                حاضرا في كل كتابتها في هذا النص تألقت أيضا
                في كل رحلتها التي بدأته من مطار بلدها وحتى مطار البلد الذي ذهبت إليه
                ربما ماطرحته الأستاذة ريما هي محاولة لقلب المفاهيم والعادات التي
                تتغير باختلاف الظروف فهؤلاء البحارة من بلدان متحررة بالمفهوم الذي عنته الكاتبة
                لكن لايمنع أنهم تصرفوا معها بشكل همجي ، وذلك لطول الفترة التي عاشوها في الغربة
                وربما أنها توصلت إلى حقيقة أن الأخ اً صبح لايقيم وزنا للشرف ولا التقاليد بسبب محاولة اندماجه
                بمجتمع غير مجتمعه لذا فأن المعادلة كانت حاضرة في تصرف كل من الأخ والبحارة
                جميل ما قرأته أستاذة ريما
                التعديل الأخير تم بواسطة سالم وريوش الحميد; الساعة 09-01-2013, 16:33.
                على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
                جون كنيدي

                الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

                تعليق

                • عبير هلال
                  أميرة الرومانسية
                  • 23-06-2007
                  • 6758

                  #9
                  ريما شكرا لانك دمجت لي قصتي لا شفاء

                  بعد عناء أقدر لك هذا



                  تحياتي لك
                  sigpic

                  تعليق

                  • غالية ابو ستة
                    أديب وكاتب
                    • 09-02-2012
                    • 5625

                    #10

                    بورك قلمك يا ريما----
                    أرى ان دعوة أخيها لصاحبه انه غير ممانع في اصطحابه لاخته
                    ربما تكون في حالة غير طبيعية -----لانه لا تتم العملية هكذا بدعوة ههههه

                    ريما ---ابدع قلمك في وصف ما تعرضت له غزال------شكرا لابداعك

                    تحياتي لك ريما--------ودمت بخير

                    يا ســــائد الطيـــف والألوان تعشــقهُ
                    تُلطّف الواقـــــع الموبوء بالسّـــــقمِ

                    في روضــــــة الطيف والألوان أيكتهــا
                    لـــه اعزفي يا ترانيــــم المنى نـــغمي



                    تعليق

                    • ريما ريماوي
                      عضو الملتقى
                      • 07-05-2011
                      • 8501

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة محمد الصالح منصوري مشاهدة المشاركة
                      الاختلاط باب الرذيلة ..
                      قيم متصارعة : انحلال متفسخ ، وقيم ضاربة في الصلاح "وما باس تمها غير أمها"
                      فكرة جيدة تبرز ثمر الاختلاط الوحش
                      طالعتها مرتين أعجبت بسلاسة تسلسلها ومنطقها
                      تقديري واحترامي
                      شكرا جزيلا الأستاذ محمد صالح منصوري،
                      سرني واسعدني تشريفك متصفحي..
                      وأهلا وسهلا بك...

                      تحيتي واحترامي وتقديري.


                      أنين ناي
                      يبث الحنين لأصله
                      غصن مورّق صغير.

                      تعليق

                      • جودت الانصاري
                        أديب وكاتب
                        • 05-03-2011
                        • 1439

                        #12
                        مرحبا سيده ريما
                        اولا هي مناسبه لالقاء التحيه بعد غياب
                        وثانيا لا زلت مبدعة كما عهدناك
                        نص مميز
                        احترامي
                        لنا معشر الانصار مجد مؤثل *** بأرضائنا خير البرية احمدا

                        تعليق

                        • ريما ريماوي
                          عضو الملتقى
                          • 07-05-2011
                          • 8501

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة ميساء عباس مشاهدة المشاركة
                          هلا ريما الغالية
                          ومرحبا بصباح جديد
                          يمشط شرفتي بين حروفك
                          جميل الموضوع وقيّم
                          لمايعرض من تناقضات وتغيرات قد تجتاح المبادئ
                          ليكون الأخ الذي هو مصد للأمان والحماية
                          يتحول لرجل كالآخرين بل الأسوء
                          مقدمة جميلة مشوقة
                          كما النهاية رائعة صادمة
                          تسلمي
                          حماك الله
                          وبوركت روحك وقلمك الجميل
                          محبتي
                          ميساء العباس
                          أهلا بك ومرحبا الأستاذة الغالية ميساء العباس...

                          لكم أسعدني ردك القيم الآثر .. وموافقتك

                          على القفلة الصادمة...

                          شكرا جزيلا لك على الحضور العطر...

                          كوني بخير وصحة وعافية...

                          محبتي واحترامي وتقديري.

                          تحيتي.


                          أنين ناي
                          يبث الحنين لأصله
                          غصن مورّق صغير.

                          تعليق

                          • ريما ريماوي
                            عضو الملتقى
                            • 07-05-2011
                            • 8501

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة هشام النجار مشاهدة المشاركة
                            أشكر الكاتبة على هذا النص العميق ، وأنا من المتابعين لها ولانتاجها القصصى المُميز .
                            ولى ملاحظتان هنا أظن أن النص قد برع فى تجسيدهما :
                            الملاحظة الأولى : فكرة المواطن الغربى المُشوشة والمزيفة تماماً عن البلاد العربية والاسلامية وعن العرب والمسلمين ، وهذا بفعل الجهود الصهيونية الجبارة من خلال وسائل الاعلام وأفلام هوليود ومن خلال الكتب الدراسية ومناهج التعليم فى الغرب التى تصور العربى والمسلم كهمجى بدوى يعيش فى الصحراء ويربى الجمل معه داخل الخيمة ، وأنهم مجموعة من الرعاع الجهلة المتخلفين الذين يعيشون على هامش التاريخ وفى عصور الظلام .
                            الملاحظة الثانية : اعتزاز الفتاة بثقافتها الأصيلة وحضارتها الراقية وبلدها الشرقى الجميل الذى يتمتع بالتراث الانسانى الراقى ويتمسك بالقيم والأخلاق الفاضلة ، حتى لقد بدتْ الفتاة الشرقية هنا كنموذج مثالى متكامل ؛ فهى رائعة الجمال ومشرقة الابتسامة وهى عريقة الأصل شريفة النسب وهى صافية الجوهر ، عفيفة طاهرة متمسكة بالأخلاق والقيم الفاضلة ، حتى اسمها يدل على هذا التكامل فى المنافع والتناغم بين جمال الشكل وجمال الجوهر ؛ فهى الغزالة بما لهذا الاسم من وقع موسيقى رنان وجذاب ، وما لهذا المخلوق من جمال ومنافع جمة .
                            هكذا .. فغزالة هنا تمثل الحضارة الاسلامية والعربية الأصيلة ، وقد حدث " الاختلاط " الانسانى والبشرى بينها وبين الحضارة الغربية التى يمثلها هنا هؤلاء البحارة الأجانب من انجلترا ، وفى الطائرة فى الرحلة الطويلة الممتدة يحدث تحرش البحارة المخمورين بهذا الطهر والنقاء ، يسعون لتلويث هذا الشرف والنيل من هذه الأصاله والعراقة .
                            واذا كنا هنا قد استمتعنا بمشاهدة التأبى والتمنع والاباء والشموخ والأنفة والكبرياء ، فى مواقف تثير فى النفس الفخر والاعتزاز والشعور بالسعادة والفرح ؛ فهذا طبيعى لأن من أبناء الأمة الاسلامية والعربية من اختلطوا بالثقافة الغربية بالفعل واستفادوا من الحضارة الغربية وأخذوا منها العلوم والمعارف الحديث ، لكنهم حافظوا على شرفهم وهويتهم ، فلم يتلوثوا بالرذائل والشذوذ والانحطاط الأخلاقى .
                            لكن القفلة جاءت صادمة فى القصة فى السطر الأخير ، بالرغم من أنها أمر واقع ومعلوم للجميع ، أن هناك تيارات وأسر وتنظيمات وأفراد منهم من تلوثوا بهذه الدنايا عندما اختلطوا بالغرب ، بل منهم من سعى لنشرها وترويجها فى البلاد الشرقية والعربية .
                            وأظن أن هذه براعة قصصية وهى أجمل ما فى القصة على الاطلاق ، حيث لا جديد ومفيد ومثير يجرى فى الطائرة سوى ملاحقات مخمورة دنيئة ليتلوث الشرق بأمراض وبلايا الغرب الخلقية ، وهناك فوق الطائرة تحليق فى سماء الكبرياء والرفض والاباء والعزة .
                            ومع الهبوط على الأرض ، كانت فجاجة الهبوط الأخلاقى والقيمى والتدنى وفقدان الشرف ، وحرفية المقابلة هنا هى التى جسدت الصدمة .
                            وأظن أن المشهد الأخير يلامس سعى وخطط ومسيرة كثير من الليبراليين واليساريين العرب ، ويُجسدُ ببراعة تدنيهم وانحطاطهم الخلقى ؛ فهناك غزالة شريفة تستمسك بأصولها وتعتز بأخلاقها وتفخر بشرفها ونظافتها ، وهناك من أبنائها واخوانها من يساومون لبيعها فى أسواق العُهر الغربية .
                            الرد جميل جدا أحببت مشاركتكم هنا فيه...

                            مع تقديري واحترامي للأديب هشام النجار.


                            أنين ناي
                            يبث الحنين لأصله
                            غصن مورّق صغير.

                            تعليق

                            • ريما ريماوي
                              عضو الملتقى
                              • 07-05-2011
                              • 8501

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة عبدالكريم قاسم مشاهدة المشاركة
                              بكل شغف قرأت النص . راعني الابداع والاسلوب الهاديء في البداية والدخول الموفق وشد القاريء للسرد بدقة تفاصيله
                              اختي الغالية ريما لم اجد ما اقول اكثر مما قيل عن هذا النص فالاخ هشام والاخوة والاخوات اضفوا ا على النص دراسة راقية وعميقة . تجمد قلمي امام نزف اقلامهم . بدأت بتحليل الاحداث وانتهت بدراسة اجتماعية اظهرت عمق الفجوة بين الاخلاق عندنا وعند هؤلاء الغرب وكيف تحول هذا العربي في ظل الغرب الى مسوق للشرف بثمن بخس . ونسي التقاليد وتقمص ثوب العار مفتخرا مروجا لعرضه ينشره في معارض الرذيلة
                              بكل فخر قرأت قصة مذهلة . تمتلك كل مكونات القص الراقي . دمت مبدعة

                              رد قيم أخر من الاستاذ المشرف عبد الكريم قاسم ...

                              مع خالص الشكر والتقدير...
                              التعديل الأخير تم بواسطة ريما ريماوي; الساعة 06-02-2013, 20:31.


                              أنين ناي
                              يبث الحنين لأصله
                              غصن مورّق صغير.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X