لا أكاد أميّز الوجوه.كانوا يحيطون بي.لا أدري ما أصابني.دوار شديد يعصف بي.أصوات خافتة تبلغ مسمعي "لا تفزعي،اطمئني،أنت بخير".
تلتحف عيناي بضباب يعوقني عن رؤية من يحيط بي.أغمضهما ثمّ أفتحهما مجدّدا فترتسم صورته أمام ناظري والدّموع تبلّل وجنتيه.أتمتم بصوت ضعيف " أنا بخير،لا تفزع".
لا أدري علّة وجودي في هذا المكان ولا أكاد أذكر شيئا.أدركت من لباس المحيطين بي أنّي داخل سيّارة إسعاف لكن لا أعرف السّبب.اطمأنّت نفسي فقط لوجود أخي بين من يحيط بي.كان يبكي بحرقة.
تداهمني خيالات مبهمة.أغفو قليلا ثمّ أستفيق.ميّزت وجوه المحيطين بي، أمّي،أخوتي، صغيرتي، رفقتي، وبعض أقربائي.كان الوجوم يخيّم على وجوههم.
أدركت علّة وجودي في المشفى بعد أن استعدت وعيي تدريجيّا لكن لا أذكر تفاصيل ما حدث.فتح الموت ذراعيه ليضمّني إليه فصدّه القدر عنّي.
لا أعلم شيئا عن تلك اللّحظة الفاصلة بين الموت والحياة إذ مرّت كبارقة.علمت تفاصيلها لاحقا.كانت بغض الغمغمات تصلني "كانت بين نابي الموت، صدمتها شاحنة وهي تعبر الطّريق".
لا أستطيع الحركة.مازال الدّوار يعصف بي.نتائج الفحوصات مطمئنة لكنّ الرّضوض شديدة.
تحيط بي قلوب نابضة.يصلني خفقانها فيشعرني بالدّفء.ينظر إليّ من حولي في حذر خشية أن تصيبني مضاعفات.
تجلس أمّي حذوي في صمت.رافقتني في تلك الأمسية الصّيفيّة.قسا عليها القدر فأوجعها.أوجعتها كثيرا دون قصد منّي.تنتفض روحي وصدى كلماتها يخرج من أعماقي...
"كنت أنتظر عودتك.أراقب عبر زجاج السّيّارة الحركة في الخارج.كان الوضع هادئا وفجأة بلغ أذنيّ صوت مدوّ لفرامل شاحنة توقّفت بغتة.استدرت، بدا لي شبح ملقى في الطّريق،توارى هذا الشّبح بجموع التفّت حول المكان.طلبت الرّحمة من اللّه.كنت أعتقد أنّك بين الجموع تتطلّعين إلى ما حدث.جمدت في مقعدي.لم أقو على النّزول لأستجلي حقيقة الأمر.انتظرت في خوف شديد.كان هذا الخوف يقوى تدريجيّا ويقوى معه عجزي عن فعل شيء.أطلّ عليّّ ابن أحد الجيران من نافذة السّيّارة.استقبله سؤالي قبل أن يفوه بكلمة "ليست ابنتي أليس كذلك؟"تلعثم الصّبي وتردّد "لا.. ليست ابنتك.. لا.. هي ..وهي على قيد الحياة،لا تفزعي".
غامت الدّنيا أمام ناظريّ.بالكاد نزلت من السّيّارة.لم أستطع التّوجّه إلى مكان الحادث.خانتني شجاعتي على غير العادة.أحاط بي بعض النّاس، حاولوا تسليتي...
لم تكن المسافة الفاصلة بين منزلي ومكان الحادث كبيرة، مائة متر أو أكثر بقليل.أسرعت الخطى وأنا أصارع الزّمن حتّى أصل إلى البيت فأعلمهم بالخطب قبل أن تصل سيّارة الإسعاف فتحملك إلى المشفى.
طرقت الباب طرقات عنيفة وأنا أردّد "أسرعوا،أسرعوا،شقيقتكم تفارق الحياة".
لم أكن على يقين أنّك نجوت فعلا من الموت.أعرف أنّ الخبر صدمهم لكن لم أكن أستطيع إخفاء فزعي بل كان يسيطر عليّ ويتحكّم في أفعالي.شحبت وجوههم ودمعت عيونهم تحت تأثير الخبر الصّاعق.
خرج شقيقك لا يلوي على شيء.كان يذرف الدّمع مدرارا.نادية القريبة إلى نفسه قد تكون فارقت الحياة. ويح هذا الزّمن الذّي يجمع الأحبّة ويفرّقهم.
وجم والدك.ردّد في حزن شديد أنا المذنب لو لم أكن قد كلّفتها بشراء تلك الحاجيات المشؤومة لما تعرّضت ابنتي إلى الأذى.أشفقت عليه وأشفقت على نفسي.لم نقوعلى الوقوف.لم نستطع الذّهاب إلى مكان الحادث.كنّا ننتظر.أصابتنا حالة من الذّهول التي انقشعت بعض الشّيء عندما أخبرتنا شقيقاتك أنّك مازلت على قيد الحياة فعلا.
بدأت نفسي تهدأ وتطمئنّ لمّا رأيتك في المشفى تستعيدين وعيك.خفّت حدّة الصّدمة لكنّ الخوف لازمني وكيف لا يلازمني وقد كدت أفقد ابنتي للأبد.
أنت الآن تتعافين وتتعافى نفسي من وطأة ما حلّ بها ".
...لم يخب ما في أعماقي بل يعيش داخلي بالتّفاصيل التي وعيتها وتلك التي أخبروني بها لاحقا.أعيشه الآن لحظة الكتابة فتصيبني قشعريرة تبادلني إيّاها صغيرتي التّي تشاركني آلامي وأحلامي.لقد رافقت دموعها حروفي.ألحّت عليّ البارحة حتّى أقرأ لها بعض ما كتبت.أشفقت عليها من وقع كلماتي في نفسها فامتنعتُ لكنّها أصرّت.قرأت في سكون اللّيل وتلقّت حروفي عبر الهاتف.اختنقَتْ، تفجّر ما بداخلها،بكت كثيرا.هي تعيش الماضي الذّي لم يهدأ داخلها.كانت تخشى أن تفقدني.نزل عليها الخبر يومها نزولا صاعقا.أثّر كثيرا في نفسها الحالمة.كنت أبني معها عوالم جميلة تنسجها خيالاتنا المفعمة بالأمل...
إنّني أرى الأمل قائما فأنا أحيا بفضل الله سبحانه وتعالى.زلزل جسدي لكن لم تزلزل إرادتي.بقيت طريحة الفراش لا أقوى على الحركة زمنا ثمّ استعدت عافيتي شيئا فشيئا.
أنا أحيا لأتمّ رسالتي في الحياة. أخذت الكثير وأعطيت الكثير لكنّني أريد أن أعطي أكثر فأكثر.
تلتحف عيناي بضباب يعوقني عن رؤية من يحيط بي.أغمضهما ثمّ أفتحهما مجدّدا فترتسم صورته أمام ناظري والدّموع تبلّل وجنتيه.أتمتم بصوت ضعيف " أنا بخير،لا تفزع".
لا أدري علّة وجودي في هذا المكان ولا أكاد أذكر شيئا.أدركت من لباس المحيطين بي أنّي داخل سيّارة إسعاف لكن لا أعرف السّبب.اطمأنّت نفسي فقط لوجود أخي بين من يحيط بي.كان يبكي بحرقة.
تداهمني خيالات مبهمة.أغفو قليلا ثمّ أستفيق.ميّزت وجوه المحيطين بي، أمّي،أخوتي، صغيرتي، رفقتي، وبعض أقربائي.كان الوجوم يخيّم على وجوههم.
أدركت علّة وجودي في المشفى بعد أن استعدت وعيي تدريجيّا لكن لا أذكر تفاصيل ما حدث.فتح الموت ذراعيه ليضمّني إليه فصدّه القدر عنّي.
لا أعلم شيئا عن تلك اللّحظة الفاصلة بين الموت والحياة إذ مرّت كبارقة.علمت تفاصيلها لاحقا.كانت بغض الغمغمات تصلني "كانت بين نابي الموت، صدمتها شاحنة وهي تعبر الطّريق".
لا أستطيع الحركة.مازال الدّوار يعصف بي.نتائج الفحوصات مطمئنة لكنّ الرّضوض شديدة.
تحيط بي قلوب نابضة.يصلني خفقانها فيشعرني بالدّفء.ينظر إليّ من حولي في حذر خشية أن تصيبني مضاعفات.
تجلس أمّي حذوي في صمت.رافقتني في تلك الأمسية الصّيفيّة.قسا عليها القدر فأوجعها.أوجعتها كثيرا دون قصد منّي.تنتفض روحي وصدى كلماتها يخرج من أعماقي...
"كنت أنتظر عودتك.أراقب عبر زجاج السّيّارة الحركة في الخارج.كان الوضع هادئا وفجأة بلغ أذنيّ صوت مدوّ لفرامل شاحنة توقّفت بغتة.استدرت، بدا لي شبح ملقى في الطّريق،توارى هذا الشّبح بجموع التفّت حول المكان.طلبت الرّحمة من اللّه.كنت أعتقد أنّك بين الجموع تتطلّعين إلى ما حدث.جمدت في مقعدي.لم أقو على النّزول لأستجلي حقيقة الأمر.انتظرت في خوف شديد.كان هذا الخوف يقوى تدريجيّا ويقوى معه عجزي عن فعل شيء.أطلّ عليّّ ابن أحد الجيران من نافذة السّيّارة.استقبله سؤالي قبل أن يفوه بكلمة "ليست ابنتي أليس كذلك؟"تلعثم الصّبي وتردّد "لا.. ليست ابنتك.. لا.. هي ..وهي على قيد الحياة،لا تفزعي".
غامت الدّنيا أمام ناظريّ.بالكاد نزلت من السّيّارة.لم أستطع التّوجّه إلى مكان الحادث.خانتني شجاعتي على غير العادة.أحاط بي بعض النّاس، حاولوا تسليتي...
لم تكن المسافة الفاصلة بين منزلي ومكان الحادث كبيرة، مائة متر أو أكثر بقليل.أسرعت الخطى وأنا أصارع الزّمن حتّى أصل إلى البيت فأعلمهم بالخطب قبل أن تصل سيّارة الإسعاف فتحملك إلى المشفى.
طرقت الباب طرقات عنيفة وأنا أردّد "أسرعوا،أسرعوا،شقيقتكم تفارق الحياة".
لم أكن على يقين أنّك نجوت فعلا من الموت.أعرف أنّ الخبر صدمهم لكن لم أكن أستطيع إخفاء فزعي بل كان يسيطر عليّ ويتحكّم في أفعالي.شحبت وجوههم ودمعت عيونهم تحت تأثير الخبر الصّاعق.
خرج شقيقك لا يلوي على شيء.كان يذرف الدّمع مدرارا.نادية القريبة إلى نفسه قد تكون فارقت الحياة. ويح هذا الزّمن الذّي يجمع الأحبّة ويفرّقهم.
وجم والدك.ردّد في حزن شديد أنا المذنب لو لم أكن قد كلّفتها بشراء تلك الحاجيات المشؤومة لما تعرّضت ابنتي إلى الأذى.أشفقت عليه وأشفقت على نفسي.لم نقوعلى الوقوف.لم نستطع الذّهاب إلى مكان الحادث.كنّا ننتظر.أصابتنا حالة من الذّهول التي انقشعت بعض الشّيء عندما أخبرتنا شقيقاتك أنّك مازلت على قيد الحياة فعلا.
بدأت نفسي تهدأ وتطمئنّ لمّا رأيتك في المشفى تستعيدين وعيك.خفّت حدّة الصّدمة لكنّ الخوف لازمني وكيف لا يلازمني وقد كدت أفقد ابنتي للأبد.
أنت الآن تتعافين وتتعافى نفسي من وطأة ما حلّ بها ".
...لم يخب ما في أعماقي بل يعيش داخلي بالتّفاصيل التي وعيتها وتلك التي أخبروني بها لاحقا.أعيشه الآن لحظة الكتابة فتصيبني قشعريرة تبادلني إيّاها صغيرتي التّي تشاركني آلامي وأحلامي.لقد رافقت دموعها حروفي.ألحّت عليّ البارحة حتّى أقرأ لها بعض ما كتبت.أشفقت عليها من وقع كلماتي في نفسها فامتنعتُ لكنّها أصرّت.قرأت في سكون اللّيل وتلقّت حروفي عبر الهاتف.اختنقَتْ، تفجّر ما بداخلها،بكت كثيرا.هي تعيش الماضي الذّي لم يهدأ داخلها.كانت تخشى أن تفقدني.نزل عليها الخبر يومها نزولا صاعقا.أثّر كثيرا في نفسها الحالمة.كنت أبني معها عوالم جميلة تنسجها خيالاتنا المفعمة بالأمل...
إنّني أرى الأمل قائما فأنا أحيا بفضل الله سبحانه وتعالى.زلزل جسدي لكن لم تزلزل إرادتي.بقيت طريحة الفراش لا أقوى على الحركة زمنا ثمّ استعدت عافيتي شيئا فشيئا.
أنا أحيا لأتمّ رسالتي في الحياة. أخذت الكثير وأعطيت الكثير لكنّني أريد أن أعطي أكثر فأكثر.
تعليق