"يبدو المخاض عسيرا والولادة شاقّة.كان الله في عونها" تمتمت وهي تجذب بكثير من الحذر والحنوّ رأس الجنين من حشا الأمّ على وقع صراخ يتصاعد نسقه ثمّ يخفت تدريجيّا مع انسياب الصّغير خارج الرّحم.جذبته من ظلمة الرّحم إلى نور الحياة.
تعيش تفاصيل هذه الصّورة كلّ يوم في دائرة عملها.تعيش وجع كلّ أمّ وخفقان قلبها.يخيّل إليها أنّ الجنين يغادر أحشاءها.تشارك الحوامل صراخهنّ وتوجّعهنّ..تتفتّق خلايا جسدها .وساعة تستقبل الحياةُ المولود يتخفّف جسدها وتمتلئ نفسها.
إنّها حبلى بأحلام كثيرة وكم تمنّت لو يخرج الجنين من أحشائها لكنّ الحياة لم تمنحها هذا الأمل.كانت تربة جدباء.سكنها أمل الانجاب كأيّ أنثى وبدأ يهرم معها يوما بعد آخر.
حملت الصّغير بين ذراعيها وجفّفت ما علق به من دم سرى من جسد الأمّ.التحمت به لدقائق قليلة وغاصت برأسها في جسده الرّقيق.
ما أعظم هذا الإحساس..يدغدع رحمك تسعا..يسري في مسارب جسدك وروحك ثمّ يغادرك لتمتلئ به حياتك.
ملأت وجدانها بالنّظر إلى المولود ثمّ أودعته حضن أمّه .غادرت لاحقا المستشفى يداهمها مخاض آخر هو مخاض الكلمات.الكلمة أيضا تنحسر في الأعماق..تشقّ على المبدع أحيانا..تنفلت منه وإذا غادرته كانت ولادة النّص.إنّها تعشق الكلمات وإن لم تُمنَح لذّة مخاض ولادة الإنسان فهي تتمتّع بمخاض ولادة الكلمة.تملأ فضاء حياتها بالكتابة.تُفرغ فيها نصيبا من أحاسيسها الكامنة.تكتب لكن لا تغادر كتاباتها درج مكتبها ولا يشاطرها فيها غير زوجها الذي يقاسمها الواقع والحلم.هو ملهمها وقارئها في الآن نفسه.
كلماتها هذه المرّة عسيرة المخاض شاقّة الولادة.تحتاج إلى تمهيد قبل الخوض في جوهر الموضوع أمّا الخاتمة فأمر غير معلوم.كيف ستخبره بنتيجة التّحاليل التي جاءت اليوم لتقضي على ما بقي من حلم.على خاصرة الزّمن سُجّل عقمها الأبديّ وعلى قارعة الأوجاع بدأت تسير محمّلة بحقائب الهموم.
حادثتها نفسها كثيرا وهي تسير على غير هدى في شوارع المدينة المزدحمة.تركّز نظرها أحيانا على المارّين هنا وهناك ويتشتّت ذهنها أحيانا فتخبط في الطّريق خبط عشواء وتخبط خيالاتها وأفكارها على وقع خطاها.
لا تدري كيف خطر لها في ذلك المساء أن تتّجه إلى دار الأطفال فاقدي السّند علّها تطرد عن نفسها شبح التّوتّر الخانق.ولأنّ إحساس الأمومة الكامن فيها يتحرّق دوما إلى العطاء فقد اقتنت هدايا كثيرة.
طرقت الباب على غير موعد سابق.أُذن لها بالدّخول وصحبتها المشرفة إلى باحة الدّار.هناك اجتمعت ببعض الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السّنة والعشر سنوات.اشرأبّت أنظارهم إليها يروون عطشهم إلى زائر جديد في هذا الفضاء المغلق إلاّ على أحلامهم الصّغيرة.
تجوّلت في أرجاء المكان واطّلعت على بعض تفاصيل الحياة داخله وهي محاطة بالأطفال الذين تشبّثوا بها تشبّثا انتفضت معه ذرّات جسدها.مرّرت أناملها على براءة اغتالتها يد الأنانيّة وهدهدت طفولة تقبع خارج دائرة الثّبات والاستقرار.نام بعضهم على وقع همساتها الحانية تدغدغ أرواحهم الفتيّة.
لمّا وجدت نفسها خارج الدّار عاودها الضّيق وانحسرت مساحات الأنس الذي غمرها رفقة الأطفال.تمزّقت نفسها وهي ترى مثل هذا القبح الإنسانيّ..تمنح الحياة خيرها لمن يعبث بها..تتشكّل الأمومة حلما في رحم عقيم وتتفتّت حقيقة في واقع مرير..يهب اللّه نعمة الإنجاب لمن يهدرها عند أوّل الطّريق..يُسلم جسده لأوّل عابر سرير ويقتل حسّ الأمومة فيه عندما يقطع آخر حبل يربطه الجنين..
تباطأت خطواتها عندما اقتربت من منزلها.ارتدّت إلى ذاكرتها صفحات من الماضي "سيكون عشّنا الصّغير ملاذنا وأمننا..مرتع أمانينا وربع أطفالنا.."قمعت بشدّة عبرات امتلأت بها عيناها وأدارت المفتاح في ثقب الباب.
ارتدّ إليها صدى صوت زوجها وهي تقطع خطواتها الأولى داخل المنزل "أصابني جوع الانتظار حتّى أوقعني في العناء.ألا تعرفين نهمي إلى روحك الجميلة يا رفيقة دربي؟"يزداد مخاضها عسرا وتغصّ الكلمات في حلقها..ترتبك ..تتلعثم..يقترب منها ويحيط خصرها بيده اليسرى وفي يده اليمنى كتاب يلوّح به هامسا إليها برفق "إنّه مولودنا الأوّل..مجموعتك القصصيّة التي طالما حلمت بنشرها.."
تعيش تفاصيل هذه الصّورة كلّ يوم في دائرة عملها.تعيش وجع كلّ أمّ وخفقان قلبها.يخيّل إليها أنّ الجنين يغادر أحشاءها.تشارك الحوامل صراخهنّ وتوجّعهنّ..تتفتّق خلايا جسدها .وساعة تستقبل الحياةُ المولود يتخفّف جسدها وتمتلئ نفسها.
إنّها حبلى بأحلام كثيرة وكم تمنّت لو يخرج الجنين من أحشائها لكنّ الحياة لم تمنحها هذا الأمل.كانت تربة جدباء.سكنها أمل الانجاب كأيّ أنثى وبدأ يهرم معها يوما بعد آخر.
حملت الصّغير بين ذراعيها وجفّفت ما علق به من دم سرى من جسد الأمّ.التحمت به لدقائق قليلة وغاصت برأسها في جسده الرّقيق.
ما أعظم هذا الإحساس..يدغدع رحمك تسعا..يسري في مسارب جسدك وروحك ثمّ يغادرك لتمتلئ به حياتك.
ملأت وجدانها بالنّظر إلى المولود ثمّ أودعته حضن أمّه .غادرت لاحقا المستشفى يداهمها مخاض آخر هو مخاض الكلمات.الكلمة أيضا تنحسر في الأعماق..تشقّ على المبدع أحيانا..تنفلت منه وإذا غادرته كانت ولادة النّص.إنّها تعشق الكلمات وإن لم تُمنَح لذّة مخاض ولادة الإنسان فهي تتمتّع بمخاض ولادة الكلمة.تملأ فضاء حياتها بالكتابة.تُفرغ فيها نصيبا من أحاسيسها الكامنة.تكتب لكن لا تغادر كتاباتها درج مكتبها ولا يشاطرها فيها غير زوجها الذي يقاسمها الواقع والحلم.هو ملهمها وقارئها في الآن نفسه.
كلماتها هذه المرّة عسيرة المخاض شاقّة الولادة.تحتاج إلى تمهيد قبل الخوض في جوهر الموضوع أمّا الخاتمة فأمر غير معلوم.كيف ستخبره بنتيجة التّحاليل التي جاءت اليوم لتقضي على ما بقي من حلم.على خاصرة الزّمن سُجّل عقمها الأبديّ وعلى قارعة الأوجاع بدأت تسير محمّلة بحقائب الهموم.
حادثتها نفسها كثيرا وهي تسير على غير هدى في شوارع المدينة المزدحمة.تركّز نظرها أحيانا على المارّين هنا وهناك ويتشتّت ذهنها أحيانا فتخبط في الطّريق خبط عشواء وتخبط خيالاتها وأفكارها على وقع خطاها.
لا تدري كيف خطر لها في ذلك المساء أن تتّجه إلى دار الأطفال فاقدي السّند علّها تطرد عن نفسها شبح التّوتّر الخانق.ولأنّ إحساس الأمومة الكامن فيها يتحرّق دوما إلى العطاء فقد اقتنت هدايا كثيرة.
طرقت الباب على غير موعد سابق.أُذن لها بالدّخول وصحبتها المشرفة إلى باحة الدّار.هناك اجتمعت ببعض الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السّنة والعشر سنوات.اشرأبّت أنظارهم إليها يروون عطشهم إلى زائر جديد في هذا الفضاء المغلق إلاّ على أحلامهم الصّغيرة.
تجوّلت في أرجاء المكان واطّلعت على بعض تفاصيل الحياة داخله وهي محاطة بالأطفال الذين تشبّثوا بها تشبّثا انتفضت معه ذرّات جسدها.مرّرت أناملها على براءة اغتالتها يد الأنانيّة وهدهدت طفولة تقبع خارج دائرة الثّبات والاستقرار.نام بعضهم على وقع همساتها الحانية تدغدغ أرواحهم الفتيّة.
لمّا وجدت نفسها خارج الدّار عاودها الضّيق وانحسرت مساحات الأنس الذي غمرها رفقة الأطفال.تمزّقت نفسها وهي ترى مثل هذا القبح الإنسانيّ..تمنح الحياة خيرها لمن يعبث بها..تتشكّل الأمومة حلما في رحم عقيم وتتفتّت حقيقة في واقع مرير..يهب اللّه نعمة الإنجاب لمن يهدرها عند أوّل الطّريق..يُسلم جسده لأوّل عابر سرير ويقتل حسّ الأمومة فيه عندما يقطع آخر حبل يربطه الجنين..
تباطأت خطواتها عندما اقتربت من منزلها.ارتدّت إلى ذاكرتها صفحات من الماضي "سيكون عشّنا الصّغير ملاذنا وأمننا..مرتع أمانينا وربع أطفالنا.."قمعت بشدّة عبرات امتلأت بها عيناها وأدارت المفتاح في ثقب الباب.
ارتدّ إليها صدى صوت زوجها وهي تقطع خطواتها الأولى داخل المنزل "أصابني جوع الانتظار حتّى أوقعني في العناء.ألا تعرفين نهمي إلى روحك الجميلة يا رفيقة دربي؟"يزداد مخاضها عسرا وتغصّ الكلمات في حلقها..ترتبك ..تتلعثم..يقترب منها ويحيط خصرها بيده اليسرى وفي يده اليمنى كتاب يلوّح به هامسا إليها برفق "إنّه مولودنا الأوّل..مجموعتك القصصيّة التي طالما حلمت بنشرها.."
تعليق