
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ثم أما بعد، أثار فيَّ كلام الكاتبة عايده محمد نادر السابق (المشاركة رقم:#15 في موضوعي "فن القص و فن التلفيق القصصي") الرغبةَ إلى ضرورة العودة إلى قضية، أو مسألة، "أغراض الكتابة" كما بينتها في العديد من كتاباتي هنا في الملتقى.
الكتابة الأدبية، أو غيرها، ليست عبثا لتمضية الوقت، وليست لهوا لتزيجة السآمة عن النفس فقط، وإنما هي، زيادة عن كونها "تنفيسا" عما يختلج نفس الكاتب من قلق بمسألة ما، تستهدف، أو تستغرض، التأثير في المتلقي، القارئ، ليشارك الكاتب في قلقه ذاك، وكما قال بشار بن برد:
"لابد من شكوى إلى ذي مروءة = يُوَاسِيكَ أَوْ يُسْلِيكَ أو يَتَوَجَّع"
والقراءة، أوالتفاعل مع الكاتب و كتابته، ضرب من ضروب المواساة أو التسلية أو ... التَّويجع والتّفجيع إن لم يكن توجُّعا و تفجُّعا.
والقراءة، أوالتفاعل مع الكاتب و كتابته، ضرب من ضروب المواساة أو التسلية أو ... التَّويجع والتّفجيع إن لم يكن توجُّعا و تفجُّعا.
وحتي تكون الكتابة هادفة هادية هادئة (الهاءات الثلاث التي تحدثت عنها مرارا) يفترض في الكاتب (ولا أقول يجب عليه) أنه سأل نفسه قبل إقدامه على الكتابة، من أي نوع كانت، الأسئلة التالية:
- ماذا أكتب ؟ (موضوع الكتابة)؛
- لمن أكتب ؟ (الفئة أو الشخص المستهدف بالكتابة)؛
- كيف أكتب ؟ (الأسلوب الذي نكتب به)؛
- في أي قالب أكتب ؟ (شكل الكتابة أو نوعها)؛
- لماذا أكتب ؟ (الغاية من الكتابة)." اهـ بنصه وفصه من بعض مقالاتي المخصصة للكتابة،(تنظر مواضيعي:"الكتابة المغرضة: أسرارها و أساليبها"، و"ورشة لتعليم فنون الكتابة"، وينظر، كذلك، للاستئناس فقط: "الكتابةُ "الثِّرِيدِيَّةُ"[أو"الكتابة الثّلبدية" نحو نزعة أدبية عربية جديد]"، و"رسالة الأديب بين الكاتب الصحيح و المخربش الكسيح").
وهذا السؤال الأخير (لماذا أكتب؟) هو، في نظري، الذي يحدد الغرض من الكتابة كلها، إذ يستحيل، في نظري دائما طبعا، أن يكتب كاتب أي شيء، حتى التعاليق السريعة في المنتديات، دون غرض ما، سواء أقر بهذا الغرض أم كتمه في نفسه لسبب من الأسباب هو وحده أدرى بها.
والإجابة الدقيقة والصريحة، بين الكاتب ونفسه، عن هذا السؤال (لماذا أكتب؟) تحدد مسار الكتابة وتحدد في الوقت نفسه الغرض، المعلن أوالدفين، من كتابته.
و"لماذا أكتب؟" متصل مباشرة بما يسمى في الفقه الإسلامي بـ "النية" وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى أدرك ذلك أم لم يدركه؛ والكتابة من الأعمال حتما إذ لو لم تكن كذلك لما ظهرت للوجود أصلا ولبقيت في غياهب النفس القاتمة وفي غياباتها العميقة.
ويستحيل تماما أن يكتب كاتب شيئا دون "نية" مبيتة صريحة واضحة في نفسه، أعلن ذلك أم كتمه، صدق فيه أو كذب، لسبب من الأسباب.
النفس البشرية هي أغور من جب "المارياناس (شرق جزر الفلبين) "[المقالة الانشطارية]، وأعمق، وهي، كذلك، أعقد بكثير من ذنب الضب كما يقول العرب؛ ولذا، إن الكاتب نفسه لا يدري أحيانا لم كتب ما كتب، أو أنه "يكذب" على نفسه عندما يدعي أنه "يكتب من غير غرض"(؟!!!)، إذ لا كتابة بلا غرض ألبتة، الكتابة مغرضة "بالفطرة" إن صحت العبارة؛ وهذا ما حاولت بيانه المرة بعد المرة فعسى أن يرسخ كلامي في أذهان القراء، قرائي على الأقل، فنتجه جميعا إلى الصراحة الأدبية ولا نذكب على أنفسنا وندعي غير ما نكِنُّ في أعماقنا ونكتم في أسرارنا حتى وإن كان بريئا حسنا طيبا مقبولا عند الناس ظاهرا.
قراءة ممتعة للجميع وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
اترك تعليق: