في رحاب الإنسان ، صفحة متجدّدة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نورالدين لعوطار
    أديب وكاتب
    • 06-04-2016
    • 712

    #16
    أنتجت الدراما السّورية مسلسلا بالغ الروعة ، أبو ليلى المهلهل ، الزير سالم ، حرب البسوس ، حرب الأربعين سنة ، سمّه ما شئت ، المسلسل كان موفّقا جدّا في الصّورة و الصّوت ونحن نعيش عالم الصّورة ، لكن ما أعطاه ذلك الزّخم من النجاح هو المخرج بطبيعة الحال الذي استطاع التوفيق بين السيناريو و التشخيص و الإضاءة و زاوية التقاط الصّورة و المكان إلى غير ذلك من أسباب النجاح كاختيار الممثّلين بنية و صوتا و قدرة على التّماهي مع الدور .
    إذا سلّمنا بعمل المخرج كقائد لفيلق هذا العمل الجبّار ، فالحقيقة تقتضي التعريج على كاتب السّيناريو ، هذا الكاتب الذي وجد بين يديه موروثا و حكاية و ربما أسطورة شبيهة بالعنترية و الأزلية كمادّة أوّلية منها استطاع تشكيل و رسم سيناريو بعيون اليوم دون إغفال الأمس ، هذا النظر بعيون اليوم للأمس هو ما أعطى للمتن الحكائي روحا جديدة ، فلو شئت ، قلت أن النّص يعالج قضايا اليوم في حكاية الأمس . هي النصوص هكذا في الغالب ، كل يوم تتخذ روحا جديدة لتتفاعل مع اللحظة ، و هكذا تبعث الحياة في النّصوص ، فإذا كان الإطار العام للنص يتحدث عن بطل " تاريخي " و ربما " أسطوري " فكاتب السّيناريو استطاع توظيف الحكاية لنسج حوارات تجيب أو بالأحرى تطرح تساؤلات الحاضر التي تؤرق الفاعل المجتمعي والسياسي .
    إذا كانت الحالة العامّة التي ينقلها المسلسل تتحدث عن مشروع إقامة المجتمع البناء الذي تحول في لحظة إلى تناحر و تنابز و صراع يعتبر الفائز فيه مهزوما ، فنحن أمام واقع اليوم الذي غابت فيه الرؤية و حلت محلّها أجندات ضيّقة الأفق ، تتناحر من أجل الفتات . لنبتعد قليلا عن السياسة التي أتعبت عقولنا دون جدوى و نتوجه إلى الجماعت الصغرى أو إلى الذات في تفاعلها مع المحيط الصغير ، كان السيناريو قويّا من حيث توظيف أزمة اليوم على شخصيات الماضي ، فلنأخذ على سبال المثال تطعيمه بقصّة الأديب الروسي أنطون تشيكوف بعنوان "الحوذي" " لمن أحكي كآبتي " ، حين لم يجد الرّجل من يستمع إليه فاكتفى بحكي معاناته و ألمه في فقد ابنه لفرسه ، فوائل حين وجد نفسه وحيدا ، لا أحد يشاركه همّه إلا لحاجة في نفسه ، توجّه إلى طفلته و القبّرة و إلى حصانه يحادثهم عن العزّ والنخوة أحيانا وعن غربته ثارة أخرى ، هذا التناصّ بين السّيناريو و قصة الأديب الروسي نفخ في المسلسل بصمة اليوم ، وجعله قريبا من معاناة الإنسان المعاصر" الحديث" ، يقال في بلادي عن شخص ضاع حماره ، أنه لا يستلذّ مجلسا إلا الذي يكون فيه الحديث عن حماره الضّائع ، كما ذاك الذي أتعبته درّاجته و استنزف إصلاحها المتكرر رصيده ، فكلّما ذكرت صعوبة الحياة أردف أن الحياة قاسيّة و لكن الدّراجة أقسى منها ، هذا الهوس الذي تعيشه الذات و إحساسها بالغبن وأيضا إحساسها بقلّة الحيلة ، و إحساسها بعدم رغبة الآخر في سماع شكواها و أيضا هذه الأنانية المفرطة التي لا ترى سلوة إلا في أشياء تخصّها لتعبير عن ضياع لحمة المجتمع و انتشار سلوكات بشعة تدلّ على فقدان التوازن بين الذّات و الآخر . السيناريو عرّج على عمل أدبي آخر للكاتب البرازيلي باولو كويلهو بعنوان الخميائي ، حين تحدث عن ذلك الطّنجي الذي يؤجل حلمه في زيارة البقاع المقدّسة مخافة أن يبقى بلا حلم في الحياة ، و أسقطه كاتب السيناريو على خادم كان يحلم بزيارة الهند فلمّا جاءته الفرصة رفضها متذرعا أنه إن فعل لم يعد في الحياة ما يصبو إليه ، كما أسقطها على الزير إن أوقف الحرب سيبقى بلا هدف في الحياة . حقيقة هذه الفكرة منتشرة بشكل أو بآخر في رصيدنا المعرفي أو الوجداني ، فنقول ما تتمناه أحسن ممّا أكلته ، أو المتعة في انتظار الشيء و ليس في الشيء ذاته ، وهي نظرة تنم عن مدى محاولة الهروب من الواقعية إلى شيء مثالي ، وربما عدم القدرة على الانخراط الفعال ، والتسويف المفضي إلى إبداع تبريرات واهية كلّها تصب في التنصّل من المسؤولية .

    منذ مدّة ليست بقليلة و ربما في أواخر التسعينات و بداية الألفية ظهرت الصحف الحرّة في بلادي و بدأت تتوارى الصحف الحزبية و تنزوي إلى الهامش ، رغم أنّني كنت مأخوذا بها و رغم كونها في بداية عمرها ربمّا استقطبت أقلاما وازنة ، تستطيع التحليل ، و قد تحوّلت إلى مقاولات تبتغي الرّبح أكثر لذلك حرصت في بضاعتها الأولى على الجودة و الكلمة النابضة بالحياة ومتابعة الشأن المحلي بكثير من الدّقّة وبرصانة في الأسلوب ، ولكن ما أن اكتسحت السوق و فرخت العديد من شبيهاتها حتى تحوّلت إلى عبث عابث في موضوعاتها وفي معالجاتها ، فوظفت العنوان الكبير و المضمون الهزيل بل الفراغ ، بل الأكثر تفاهة . فبتنا نرى سجالات بين مديري هذه المقاولات و غمز و همز و لمز بأسلوب شعبوي غارق في السخرية ، هذه السخرية أصبحت ما نتقنه في مجامعنا و تجمعاتنا ، فكل يغمز بطريقة من الطّرق ، في ملاسنات لا ناقة و لا جمل للسامع " القارئ" فيها كما قال ابن عُباد عند إعلانه الحياد السّلبي في المسلسل ، ضمور الصّحف الحزبية أدّى إلى ضمور المشروع ، وانطلاق زمن العبثية ، الاحتكام إلى منطق السوق ، النّاس يستهلكون التفاهة ، فحاول أن تكون أكثر تفاهة من الآخر ، و في الأخير لن تجني إلا التّفاهة .
    السخرية فن من فنون النقد الفعّال ، فمقدّمات الجدل عند سقراط هي التّهكم لكن ليس التهكم من أجل التهكم ، فتلك سفالة و سماجة ، لكن التهكم هو نوع من محاولة خلخلة بنية سابقة برفق لإعادة موضعة أجزائها في وضعية راقية تستجيب وتطلعات اليوم ، تجيب عن إكراهات جديدة لم تكن بالأمس قائمة ، وسائط التواصل الاجتماعي في تناولها للظواهر الإنسانية ساهمت في تسطيح التهكم بدرجة كبيرة ، فهوت بنيات قائمة على سلبياتها ، دون صياغة بنية جديدة ، هذا يحصل في الأدب والسياسة و الاقتصاد وغيرها ، رغم أن المجتمع الحديث لا يمكن الاشتغال إلا وفق آلياته ، فاستعمال وسائل الاتصال لا مهرب منه ، لكن توظيف هذه الوسائل بعقلية فوضوية و عقلية غير مسؤولة هو ما جنح بالأمور نحو السّراب . فإعادة انتاج التّخلف أمر حتميّ في غياب رؤية حقيقيّة في غياب الإنسان المسؤول عن تصرفاته ، في غياب روح الفعاليّة روح المبادرة الحسنة ، روح التّعقل ، روح الإبداع الخلّاق لفنون التواصل .
    الإنسان بنّاء بطبعه هكذا أومن ، لكن أحيانا تتبعثر الأوراق فيصبح الإنسان ذئبا للإنسان كما قال هوبز ، حين يفقد الإنسان السّيطرة و يشتغل بعنف في وسطه ، عنف كان لفظيا أو جسديا أو حتّى شعوريا ، فيتنصل من آدميته و يقترب من ذئبية هوبز ، و من التّيار الذي يرى الإنسان مجرّد شرير . هكذا حاول المسلسل أن ينتقد هذه الذئبية و حاول في خاتمته أن ترجع الألفة إلى المجتمع وفق ضوابط جديدة ، مع الحفاظ على الأصول المعنوية .

    تعليق

    • نورالدين لعوطار
      أديب وكاتب
      • 06-04-2016
      • 712

      #17
      لا تطاوعك الكتابة كلّ يوم ، رغم أن باستطاعتك أن تكتب ، لكن من غير اليسير أن تكتب ما تستمتع به أو يلقى عندك القبول إلى درجة الاستحسان ، أمضيت مع القلم قرابة العشرين ربيعا ، رغم ذلك لم أستحسن بعد ممّا كتبت تحفة تستحق الخلود ، أحيانا يخيّل إلي أني قادر على مقارعة الكبار في الميدان ، خصوصا عندما أجد أن أغلب ما كتب إلى اليوم لم يجب عن أسئلتي ، فالإنسان حقيقة لغز محيّر ، قد يبدو للبعض أنّ الأمر بسيط كشرب فنجان قهوة ، فالإنسان عنده محصور زمانا ومكانا كبقية النصوص ، فالإنسان وثيقة مفهومة واضحة ، وتكفلت اللغة منذ غابر الأزمان في تحديد مجالات حركيته ، من بشوش إلى غضوب و من كريم إلى مقتّر و من صبور إلى أناني ومن عادل إلى ظالم و من مجدّ إلى مهمل و من عامل إلى طفيلي ، ومن حليم إلى مندفع ، ومن جميل إلى قبيح وهكذا تستمر تلك الثنائيات التي تعبر عن الأطراف دون الخوض في المجال المحصور بين الحدّين أي دون الحصول على مقياس يقيس ترددات السلوك بين المنزلتين أو في المنزلة ذاتها ، تعلمنا العلوم التدرج بين الأطراف كغليان الماء نموذجا أو حامضية محلول و غيرها ، لكن اللغة تحب الأطراف فإمّا أن تنتقل بسرعة ضويئية من ماهية إلى ماهية معاكسة أو تبقى منتقلة بين مرادفات الماهية ذاتها ، فيقال بضدها تعرف الأشياء ، كما يقال الشيء بالشيء يذكر ، و هذه المعادلة تعكس هذه الانتقالات . الوقفة على الوسط نجدها في بعض التعابير دون غيرها و هي مجرد وقفة ليست عميقة و هذا الوسط بدوره حدّي أي ماهية أخرى لا تصلها بالتدرّج بل تهبط عليها حدسيا، إلى اليوم لا تزال قراءة السلوك الإنساني عامة مرتبطة بعانوين في حاجة إلى الكثير من التدقيق ، فمثلا أن نتساءل لم المندفع مندفع لماذا تم حفظ هذا السلوك من طرف الإنسان دون غيره من السلوكات ، قد يقول البعض أن المعرفة تحول دون الوقوع في الخطأ ، قد يكون هذا صحيحا حين تتعادل شخصية الفرد مع القواعد المنظمة و تسير على وفاق معها وتمارس سلوكا خاطئا عن جهل ، فمثلا أن تثق أن قواعد اللغة هكذا و يصدر منك خطأ عن جهل فمتى استوعبت الصحيح سرت عليه ، دون اعتراض على الإطار العام المنظم ، لكن ما الإطار الحقيقي المنظم للسلوك الإنساني ، هنا تجد البخيل في كل الثقافات و المندفع في كلّ الثقافات و الظالم في كل الثقافات ، قد تختلف درجة الظلم بين ثقافة وثقافة و درجة العدوانية لكن من غير المعقول أن تكون ثقافة ما بريئة من هذه الأصناف . قرأت من زمن بعيد كتابا بسيطا قارب هذا الموضوع في القرآن الكريم ، " النماذج الإنسانية في القرآن الكريم" ، من تأليف الدكتور أحمد محمد فارس و هو إلى حدّ ما دراسة وصفية للأشخاص الذين تناولهم كتاب الله العزيز ، مذ ذالك اليوم في رحاب التسعينيات و إلى اليوم لا أزال أبحث عن سر تصرف الإنسان على هذا النحو ، فلا دراسات فرويد و لا دراسات بياجي و لا واتسون و لا ديوي أقنعتني بتحديداتها و لا الديالكتيك الماركسي و لا المقاربات الاجتماعية عند دوركايم وكونط وفيبر و لا إنسانيات شتراوس و غير ذلك ، و هنا لا أتحدث عن الحدّية أي الإلغاء المطلق لتلك النظريات فقط الأمر لا يحتمل التعميم المفرط أي لا يحتمل الموثوقية العمياء .
      حين أسير على هذا النحو أجد في الغالب أن العلوم رغم سطوتها الحالية فهي لا تزال تحاج إلى المزيد من الدراسة و أن الفلسفة إجمالا تحتاج إلى نفس جديد تحتاج إلى منقب عن مكامن الفراغ و تلك التدريجات الصغيرة التي تقفز عليها اللغة تحتاج إلى أضواء كاشفة ومكبرات تضيئ دروبها ومجالاتها .

      تعليق

      • سوسن مطر
        عضو الملتقى
        • 03-12-2013
        • 827

        #18
        .


        رؤى قيّمة جدا
        تنفتح على النفس البشرية
        بدراسات جديّة وموضوعيّة

        متابِعة باهتمام
        تقديري الكبير

        ..

        تعليق

        • نورالدين لعوطار
          أديب وكاتب
          • 06-04-2016
          • 712

          #19
          رمضان كريم ، و كل عام و أنتم بخير

          أهلا بالاستاذة سوسن مطر

          و شكرا على حسن المتابعة .

          تقديري .
          التعديل الأخير تم بواسطة نورالدين لعوطار; الساعة 19-06-2017, 21:38.

          تعليق

          • نورالدين لعوطار
            أديب وكاتب
            • 06-04-2016
            • 712

            #20
            يوما كتبت مقالة أتساءل فيها، لم تستمرّ الحياة؟ تصوّر أن عمرك طال واستطال إلى ما فوق الثمانين والتسعين ولـم لا نضيف المئة عام ويزيد ( ربنا كن بيننا وبين أرذل العمر، حين لا نعرف بعد بعض علم شيئا) قلت يومها أن الحياة تستمرّ فقط لنؤمن بعجزنا المطلق، إن العمر يتقدّم بنا حتى يصل بنا إلى محطّة الخضوع التّام، ذلك أنه مع توالي العمر نفقد الكثير من ارتباطاتنا بالحياةكحياة، لربما اشتكت أجسادنا من معاشرة السكّر، أو الأملاح، وربما انزعجت معدتنا من الدهون، وربما هجمت البروتينات على المرّارة لتذيقنا مرارة هجر الأشياء التي كانت إلى عهد قريب محطّ ابتهاج وترحيب حين تلاطف لمساتها وهمساتها أجسامنا، حتى الكلية تأخذها العزة بالإثم مضربة عن وظيفتها في كنس القذارة عن قلوبنا فتغدو دماؤنا مرتعا لكل أنواع الفضلات والسموم. تستمر الحياة لتفرغ مشاعرنا من حيويتها، فالدفء لم يعد دفءا و الصبر ما كان هو ذاته، والخلق أغلبه مرتبط بألسنتنا أكثر من كونه عنوانا للفعل. تستمر الحياة لتجعل أنانيتنا "جاهلة" والجهل من سماته الانفلات، أنانية منفلتة لا همّة شباب تلجمها، أنانية أصابها سعار يقتل النوايا الحسنة، والسعادة الدّاخلية، ويزرع الشحوب والغلّ والنّكد، لا أخفي النّاس أنّ جلّ ماكان يطربني قديما، اضمحلّ بنيانه و تآكلت لبناته الجمالية وما بات يثير في قرارتي أكثر من سؤال يولّد سؤالا. ما الجمال؟ ما الحسن؟ لم كانت هذه المسألة بالذّات تلقى قبولا في وجداني غاية القبول. لم تشظّت بنيتها الجمالية في لحظة ما، ماذا تفعل بنا أيها الزمن الجميل، فعال الزمن تلك، لا ترتب إن كانت منذ الطفولة الأولى خاضعة لنفس القانون، قانون الفطام، يعلمنا فك الارتباط الذي يتولاه الزمن بعد ذلك، المراهقة كافية لكنس طباع الطفولة وجعل حجاب بينها وبين الذّات التي تتنكر لما ظل موضع طلب وطرب لأعوام، لست أدري إن كان الأمر خوفا من المجتمع أو انصهارا مع طقوس الجماعة و قهر أعماق الأعماق، فطام جديد، هكذا نسير من فطام إلى فطام، حتى تفاجئنا ذاتنا الممسوخة، كم مرة حدث لك هذا وعايشته، مستنكرا وحتى متعجبا، فلان نفسه أقبل على هذا الفعل الشّنيع، إنه هو فعلا و هذا الفعل ذاته يمكن أن تقترفه أنت أيضا، وكن على بيّنة، أن العديدين من بني جنسك وجنسي يقولون (لله في خلقه شؤون) وهم يلحظون ما تقترفه رجلاك.

            العجب لا يكمن هنا، العجب ونحن على علم بكل هذا نحب هذه الحياة، نتعلق برموش عينيها، بأهذاب مقلتيها، فلو قلت لي يا نورالدّين يكفيك ما عشته الآن، لقلت لك ماذا؟ أنا اهل لها يا صاحبي، إن الحياة عروسي التي تبقى دائما بكرا، لا تشيخ أبدا، لا تبلى لا تفقد لذّتها، الحياة هي بذرة حلوة، رغم أن الزمن يبعثر فينا الإحساس و يلعب بعواطفنا، كما يلعب بأجسادنا فإن للحياة ذوقا عجيبا، إنّني وإلى اليوم أتعجب كيف يقدم المنتحر على الانتحار، نعم قد لا تعجبك حياتك كأسلوب وجود على خطى الهايدغيرية، تحس الضجر تحس وتحس، لكن يبق دوما شيء تتعلق به، شيء يستحق أن يبقى دائما طريّا، قد يكون صحّة معرفتك بالشيء وبنفسك أيضا. هكذا نجد الفرد يكتشف أنه ماكان عارفا البارحة، واليوم ربما هو أجدربالمعرفة و أقدر عليها، وأن غدا سيعرف بكلّ تأكيد. لكن ما سيعلمه في الغد ليس بالضرورة ما كان يأمله ، لكن سيعرف أنه كان البارحة على طريق خاطئ إلى بغيته ، لذلك لا بد من فطام جديد وبناء علاقة جديدة .
            التعديل الأخير تم بواسطة نورالدين لعوطار; الساعة 23-06-2017, 15:53.

            تعليق

            • نورالدين لعوطار
              أديب وكاتب
              • 06-04-2016
              • 712

              #21
              الانعطاف قانون مؤكّد، يستطيع الـمحلّل قراءة أسباب انعطاف ما، في حياة الفرد أو الجماعة، وقد تظهر علامات و إرهاصات انعطاف ما، و هناك من يقارب الانعطاف كصيرورة "طفرة" قطيعة إبيستيمولوجية ، ومن يقاربه كتطور منطقي " تحصيل حاصل" ، وهناك من يربطه باستجابة أخلاقية و قانونية " ثواب ـ عقاب" ، وهناك من يقاربه كنظرته إلى عمر الإنسان حيث الحضارة تمر بطفولتها وشبابها وهكذا إلى أن تصل إلى مرحلة الهرم أي بعد أن تستنفذ الفكرة كل احتمالات اتساعها، وعدم قدرتها على التمطط، ولا على التقلص، إذ ذاك يتشتت المعنى الرابط للتفسيرات جميعها ، كل يدلو بدلوه لتفسير الانعطاف سواء في حياة الفرد الخاصّة، وكذلك في حياة المجتمعات، لا يخفى على أحد أن مجتمعاتنا انتقلت عبر انعطافات كثيرة في عصرنا الحديث ففي القرن التاسع عشر بدأ الاستعمار ، هذه الرّجّة و الاصطدام بالآخر جعلتنا نعي ذاتنا التي كانت هائمة في أتون العصور الوسطى حيث ساد النظام المعرفي العرفاني بحمولته الخرافية وعقليته التواكلية حسب توصيف الجابري ، استفاق العقل العربي وحاول استيعاب الصّدمة، رجع إلى ذاته يسائلها، ما سبب الانكسار، خرجت حركات فكرية عديدة، بعضها لبس قميصا لغويا وبعضها لبس قميصا حداثيا و أخرى اختارت محاولة التوفيق بين الحاضر والماضي والخروج بنظرية مستجدّة، وبعضها فضّل الرجوع إلى الجذور ومحاولة استنساخ الماضي بكل تفاصيله الصغيرة، هكذا تبعثر العقل العربي، لمدّة غير يسيرة لكن رغم هذا التشتّت قام واقع جديد، هو قيام الدول الوطنية، حدث انعطاف تاريخي مهم ، الغريب أن هذه البلدان بمختلف تجاربها ما استطاعت توطيد مكتسباتها بل دخلت مشروعاتها الفكرية والسياسية في تناحر وجلّ تلك التجارب كانت تتغذى على صراع الحرب الباردة بين الشرق والغرب وقد انهارت القوميات الأوربية العتيدة بفعل الحروب الطاحنة، وظهر صراع اقتصادي جائر بين الأوربيين انتهى بفوز غير مقنع للغرب على حساب الشرق، وظلت الحالة في بلداننا على ماهي عليه، دولة وطنية ضعيفة البنيان سياسيا واقتصاديا و عسكريا، أمم أخرى استثمرت في الصراع وبان علو كعبها كالهند والصين وضعت رجلها على خارطة العالم واستعادت بعضا من مجدها القديم، و استطاعت الانخراط في العالم و فرملة الزحف العولمي للغرب، وفرض النمطية، وكان مشروع الشرق الأوسط الكبير موازيا للحملة الأمريكية على العراق، فالاحتلال سيصاحبه مشرورع فكري عولمي، يتجلى في نهاية التّاريخ عند "فكوياما" أي نهاية الصراع بين الشرق والغرب وإعلان الفوز الغربي ، لكن لتبرير الإنفاق العسكري الأمريكي داخليا، لابد من خلق نظرية جديدة تسير بالتوازي مع المشروع التوسعي الأمريكي ونهاية التاريخ، فكانت "رعدة" حرب الحضارات التي تجد لها ذرائع وجودية كثيرة، وقابلة للتسويق في عالمنا المتخلف، ألا وهي ذهنية المؤامرة، وعدم قبول الآخر المختلف، ركب موجتها الكثيرون، فكانت الوجه الأخر للعملة، وأخذت هذه الفلسفة تؤجّج الوجدان القومي الغربي و ضخّمت من صورة "الإرهاب" الخطر الدّاهم، الأزمة الإقتصادية بعد غزو العراق، ومضاربات الرهن العقاري الأمريكي قلّصت مشروع العولمة و تمت فرملة المشروع الايديولوجي لنهاية التاريخ، ورفع شعار حرب الحضارات، الذي يستهدف أساسا عرقلة التقدم الصيني والهندي، و لعل المنطقة الأكثر هشاشة في العالم هي عالمنا العربي "الإسلامي، فبعد أولى التطبيقات لمشاريع الفوضى الخلاقة انهارت الأسس الوجودية للدولة الوطنية و ظهرت التّناحرات القبلية "العرق"
              والدينية " العقيدة " والاقتصادية "الغنيمة " حسب بنية العقل السياسي العربي عند الجابري، فالقبلية و أخلاق القبيلة والعشائرية لا تزلا هي القوالب الأكثر سماكة في بنيتنا السياسية، أضف إلى ذلك التناحر العقدي ويتجلى ذلك في العقيدتين السنية ـ الشيعية و مختلف الملل الأخرى بدرجات متفاوتة ، أضف إلى ذلك عقلية الغنيمة التي تجعل المشروع كلّه مرتبط بماذا سأغنم. قد يتساءل قائل ما جعلك يا نورالدين تخوض في السياسة التي لا تحبّ الخوض في الكثير من تفاصيلها نظرا لكون أغلب المعتقدات او اللّبنات التي تأسس عليها الإعلام السياسي سطحية في الأساس، لأن العقل الجمعي حسب لوبون لا يستطيع إلا أن يكون قطيعي الاتجاه، أي السير وفق الموجة، ولكوننا أكثر الشعوب التي تسير معطلة تفكيرها النقدي، فنحن الأكثر عرضة للاستلاب و أكثر عرضة لغسيل الدّماغ والمعالجة القطيعية.
              أقول ما قلته فقط لتنبيه اللذين يتماهون مع مشروع سياسي ما حتى النخاع أنك تعرضت لخدعة عطلت فيك النقد الموضوعي، لا أتحدث هنا عن التعاطف، لأننا كلنا نتعاطف، وكلنا نسير مع الجماعة بشكل من الأشكال، لكن ثقافة الغلوّ هذه و نقل المشكل من "مشكل قانوني" أو أخلاقي أو معرفي إلى مشكل وجودي هذا فيه الكثير من التعصب والانغلاق.
              بقيت إشارة وحيدة أن الانعطاف في حياتي وحياتك قائم و في حياة مجتمعنا كله، وبعد كل انعطاف سيأتي آخر و ربما قد يسود يبنهما توازن أو اضطرابات. لذلك تبقى كل قراءة لهذا الانعطاف مجرد اجتهاد إنساني نحترمه دون أن نقدّسه.

              تعليق

              • أميمة محمد
                مشرف
                • 27-05-2015
                • 4960

                #22
                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأستاذ نورالدين لعوطار.
                ــ كل مرة أقرأ لك أجد متعة فيما أقرأ.. الأفكار التي تتميز بها.. فلسفة وفكر مثقف.
                ــ إلا إنني ـ ولأصدقك تماما ـ قد أتمنى أن تقلص قليلا من حجم الكتابة وقد يكون ذلك لضيق سعة صدري.
                ــ تجيد الانتقال من فكرة لأخرى والانتقال من الفكرة الأصل المحورية لأفكار أخرى غير مركزية قد تكون من أهميات الحدث والساعة
                تحثك عليها سعة قراءتك وثقافتك وإلمامك المعرفي واسترسال قلمك
                ــ ثم تعود للخلاصة.. النتيجة لأفكار تستفزك بمشهد أو قراءة في رد فعل مقالي متزن.
                ذكرتني بالصحف والمجلات قديما حيث كنا نقرأ ولم يكن الجميع يكتب
                أشكرك ولك تقديري.

                تعليق

                • نورالدين لعوطار
                  أديب وكاتب
                  • 06-04-2016
                  • 712

                  #23
                  الأستاذة أميمة محمد

                  شكرا على تواصلك المستمر وحضورك الصّادق

                  نعم لست أدري لم أنا عاشق للتطويل.
                  أحاول أن أقلّص لكن أجدني دائما مطولا قال لي زميل كان أول من اطلع على مسودّة رواية كتبتها في عام 2000 و أنا شاب حالم لم أسع إلى نشرها حتى اليوم. إنك تذهب حتى أظنك تريد أن تقول شيئا فتحجم وتنطلق انطلاقة جديدة. قلت له ماذا سأفعل إن قلت ما أريد قوله. أسكت أو أكرر نفسي هههههه

                  اقتراح جيّد لكنه يحتاج مني للكثير من التركيز سأحاول.

                  تقديري

                  تعليق

                  • نورالدين لعوطار
                    أديب وكاتب
                    • 06-04-2016
                    • 712

                    #24
                    النقد
                    لست أرسطي التعريف، ولا حتى لغوي التعريف ولا حتى أكتفي بالاصطلاح المتداول، قد يكون مجرى الدلالة هو المحدّد الأوفر حظا لمقرابة مفهوم ما، فالنقد في مجرى الاقتصاد هو المقابل أو القيمة المماثلة للشيء، مثلا كيلوغرام من التفاح بدولار واحد، فقيمة التّفاح نقدا هي هذه الوحدة النقدية، إذن النقد هنا هو نقل الشيء من ذاتيته إلى مماثل له في حقل دلالي معين، فأنت هنا لا تقول أن التفّاح هو الدولار أو تختزل التفاح في هذه القيمة، بل فقط تتحدث عن التفاح في مجال الاقتصاد المرتبط أساسا بالمبادلات التجارية، فالنقد هنا ليس بالضرورة إعطاء قيمة مطلقة للشيء بل هو قيمة هذا الشيء في مجال التبادل و التداول التجاري، لأن هناك قيما أخرى للتفاح لا تقل عن هذه القيمة الاقتصادية، ولا بد من استحضارها عندما تتوخى تحديد مفهوم للتفاح فمثلا القيمة الغذائية والسعرات الحرارية والفيتامينات و ما تزخر به هذه التفاحة من قيم عددية أخرى تدخل في النظام الغذائي وتثريه و تجعله متكاملا مع أغذية أخرى لتحصل على كلتة غذائية مناسبة لجسم الإنسان، لا تتوقف دلالة مفهوم التفاح عند مجال اقتصادي ولا مجال غذائي فحسب، بل تستمر هذه الدلالات في التفرع و يمكن الحديث عن القيمة الطبية مثلا والقيمة المناخية ورصد الظروف الطبيعية التي يمكن من خلالها رفع انتاجية التفاح و أيضا عن التعديلات الوراثية التي يخضع لها التفاح وهكذا تستمر لتعرف مجرى المفهوم العلمي ومنه ربما ارتقيت إلى بعده الجمالي و توظيفاته الرمزية عند كل ثقافة ومنها تحاول حفر الدلالات و تعميق البحث فيها لعلك تصل إلى مقاربة موفقة للتفاح ونقد تعريفه، أي إعطائه قيمته الحقيقة. إذن هذه العملية النقدية هي مجموع انتقالات من قيمة إلى قيمة وفق عدد المعالم المحددة لكل قيمة، و المعلم كما نعرف هو نقطة ثابة مرجعية تنطلق منها المحاور لتحديد قيم مكان الشيء وفق المعلم المحدّد. و المعلم هنا تحدّده نقطة افتراضية أي تختارها وتقوم بتثبيتها. ولا أريد الدخول في المعلم فأكتفي بالقول مثلا تقوم بتثبيت نص أعجبك بين سلسلة من النصوص في موقع إليكتروني ما، فأنت تجعله نموذجا. تعتبره مرجعا، لن أدخل في الكثير من التفاصيل التي قد تحدث زوبعة للقارئ قد تفقده التركيز، بل أكتفي بنقد العقل عند كانط و نقد اللغة عند تشومسكي، فالعقل الكانطي مرتكز على جعل المكان والزمان ثابتان عقليان أي أنهما موجودان في العقل كأصل وهما اللذان يسمحان بظهور الأشياء، وكذلك تشومسكي فقواعد النحو الكلي عقلية أي أن اللغة لن تقوم لها قائمة في غياب هذه الملكات الفطرية العقلية التي تخترق كلّ اللغات و بها يتم توليد اللغة.
                    إذن فكل نظرية عقلية تحتاج إلى مرجع ثابت لا يتحرك، أي أساس عليه يمكن البناء، فالنقد هو خلق هذه الأساسات أي المعالم ليس حدسيا وفقط كما يعتقد البعض بل بحدس هوسرل المبرهن عليه أي ما بعد البرهان.
                    الأدب إبداع و الإبداع يصعب مأسسته أي يصعب معلمته ، فالنظريات النقدية والمدارس الأدبية هي اجتهادات لهذه المأسسة التي تستند على نظريات فلسفية هي أيضا تحاول مأسسة الوجود بصفة عامة والوجود الإنساني بصفة خاصّة بصفته كائنا واعيا يستطيع التعبير عن وجوده فعلا وقولا، فالأدب من جهة محاكاة لما يقع و خيال في الوقت ذاته يقحم ما ليس بواقع، أي محاكاة للوجود الظاهر و تصور لممكنات وجودية وهنا أيضا لن أدخل في الكثير من التفاصيل التي قد تعرقل الفهم، بل فقط أريد أن أقول أن النقد هو محاولة لهذه المأسسة الإبداعية، فصراع النظريات الأدبية في النقد في الغالب منشؤها المنطلقات أي المعالم، فالنّقّاد هم أشخاص خبروا مدرسة أو مدارس نقدية و بها يحللون النصوص، فعملهم رغم كونه مؤسسا على العلم فهو اجتهاد في تطبيق ما توصلوا لفهمه من هذه النظريات التي يصعب استيعابها بصفة دقيقة، وفي الأخير لاتستطيع هذه الدراسات النقدية التي تدور في هذا الفلك على تقديم إبداع حقيقي رغم أننا ننبهر بما يقدّمه النّقّاد في الغالب، ذلك أنها تقوم على إعادة الإنتاج لا الإبداع، الذي هو كما أسلفنا خلق معالم جديدة لتوضيح الرؤية أكثر أو القطع مع الرؤية السّائدة كقطع إبيستيمولوجي بالتضايف أو الاحتواء.
                    فما النقد وقد قمنا بجولة قد تكون واضحة المعالم او قد تكون مبهمة، سآخذ نقد التفاح بالدولار و نقد التفاح بالخطيئة.
                    ماهو الدولار، ورقة نقية، ماهي النقود قديما ذهب فضة، ماهوالذهب، معدن يتميز بعدده الذري يمكن أن نقف هنا رغم أنني أعرف أن الوقوف يجب أن يكون مبررا، لن أسترسل لأسباب كثيرة، إذن الذهب هو معدن خصّته الثقافة أو ثبتته على أنه أكثر المعادن قيمة، أي تم تثبيته وجعله رمزا للغنى والزينة والتداول و الدّولار أخذ منه بعض هذه المحمولات، فتم تثبيته كعملة قوية نعير بها قيمة الأشياء في السوق.
                    الخطيئة هي الذنب هي الوقوع في المحظور ما الرابط بين التفاح والخطئية ؟ نصّ مقدس " هنا أتعالى على الفوارق" إذن فالثقافة قامت بتثبيت هذه الدلالة وفق معلم ثابت.
                    ربما وصلت الفكرة الآن و ظهر دور الثابت كما المتغير في النقد، وهذه كلها نابعة من ثقافتنا لا في مورد آخر، ما يدل على ذلك كثير، ورد في مقولات كثيرة، "رب ثبت قلبي على الإيمان" ، " الثبات الثبات" وغيرها كثير.
                    فما النقد رغم أنّني لست أرسطيا، لكن لضرورة التثبيت وجب الوقوف عند معلم جديد للنقد. فالنقد بكل بساطة هو رصد الثابت والمتغير في النصوص.

                    تعليق

                    • عبدالرحمن السليمان
                      مستشار أدبي
                      • 23-05-2007
                      • 5434

                      #25
                      المشاركة الأصلية بواسطة نورالدين لعوطار مشاهدة المشاركة
                      أنت حرّ حقّا في بالك ، في أفكارك في تخيلاتك ، في التّمتّع بأقصى درجات الحرّية ، لكن عند التحوّل إلى الفعل فأنت محاصر وفق قواعد المجتمع و المساحة التي يحدّدها للحرّية ، الحريّة نشيد الذات ، و تبدل الذات جهدا جبّارا ، للاقتناع بالقيود ، اقتناع فيه بعض إكراه ، رغم أنّ الذات تقايض هذا الإكراه بما ستجنيه من المجتمع وهي خاضعة لسلطانه ، الذات تنتعش بالحرّية أيّما انتعاش ، لكنها في الوقت ذاته لها ضريبة عظمى عندما لا تمارسها بالتقسيط ، فهي إذ ذاك ستصطدم بحقيقة المجتمع ، التي تعمل على القيود أكثر من اشتغالها على الحرّية .
                      بمقدور الانسان أن يكسر الطوق الذي تفرضه عليه قواعد المجتمع، وأن يلغي الحدود المضروبة على حريته، لكن لذلك ثمنا غاليا يؤديه، إن استطاع أداءه عاش حرا كريما في أرض الله الواسعة.

                      الأستاذ الكريم نور الدين،

                      خواطرك هذه من أجمل ما يقرأ الباحث عن الأدب والحكمة والمعرفة في الشبكة العالمية، في زمن يطغى فيه الغث كثيرا، حتى في هذا الملتقى العزيز علينا. فاكتب وانشر وعلّم بورك يراعك.

                      تحياتي الطيبة.
                      عبدالرحمن السليمان
                      الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                      www.atinternational.org

                      تعليق

                      • نورالدين لعوطار
                        أديب وكاتب
                        • 06-04-2016
                        • 712

                        #26
                        المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحمن السليمان مشاهدة المشاركة
                        بمقدور الانسان أن يكسر الطوق الذي تفرضه عليه قواعد المجتمع، وأن يلغي الحدود المضروبة على حريته، لكن لذلك ثمنا غاليا يؤديه، إن استطاع أداءه عاش حرا كريما في أرض الله الواسعة.

                        الأستاذ الكريم نور الدين،

                        خواطرك هذه من أجمل ما يقرأ الباحث عن الأدب والحكمة والمعرفة في الشبكة العالمية، في زمن يطغى فيه الغث كثيرا، حتى في هذا الملتقى العزيز علينا. فاكتب وانشر وعلّم بورك يراعك.

                        تحياتي الطيبة.

                        "الحرية عنوان للذّاتية و هي نوع من ترك النفس تعبر عن وجودها، وترك الأنفس تعبر عن وجودها يحتاج إلى نظام عقلي وكل نظام هو إطار منظم، يتجلى وجوديا في المجتمع، فالحرية مهما فعلت تبقى في إطار معين حتى لو غادرت مجتمعك فأنت ستكون في مجتمع آخر له مفهومه للحرية، و حتى مع ذاتك فالعقل يحد من سيطرة الهوى، و لو أنك تحس الحرية أكثر حين تختلي بذاتك، لكن ليس بنفس القدر دائما، فأحيانا يحاصرك وضعك و القرارات التي اتخذتها أو بصدد اتخاذها، فالحرية هو عنوان منشود أكثر مما هو حقيقة تمارسها، لكن هذا العنوان أو هذا الوهم يجعلك تحس بالأمل، الأمل في النضال ضد الطبائع التي تراها تحد من حريتك، لكن أخلاقيا كل حرية لا تضع في الاعتبار حرية الفرد الآخر تعتبر غير مقبولة لذلك فتأسس مفهوم الحفاظ على الحريات بالقوانين. و وهو بنفسه محاصرة للحرية. هذه الأشياء لا تفهم بشكل يسير لأنها مركب متناقض، لذلك ترى من يثور لأن قانونا ما في الغرب أو في بلادنا يناهض عرفه للحرية."

                        خواطري هذه بإمكان أي إنسان أن يكتبها شريطة أن يريد ذلك و لا يكتفي بترديد ما يقوله الآخرون، بل يدقّق و لا ينجرف وهذا هو منطلقي ومرادي ـ أخاف أن يكون الأمر متعلقا بنوع من الزعبرة هههه ـ وأنت سيدي تعلم أنها مميتة، لذلك أحب أن نتشارك معا في بناء معرفة لا فرق فيها بين من علّم وتعلّم، خصوصا أن مجتمعاتنا لا تقبل أن يكون هناك معلّم وتلك ميزة لو تم توظيفها بشكل سليم وبنيت بها سياسات تشاركية لكنّا أصحاب نخوة حقيقية.

                        مرحبا بك أستاذي في رحاب الإنسان.

                        تعليق

                        • سميرة رعبوب
                          أديب وكاتب
                          • 08-08-2012
                          • 2749

                          #27
                          لا تتعود أن تكون إقصائيا بسبب الرأي ، فالدنيا تسع كلّ الآراء و تقول هل من مزيد.


                          أعجبتني ... وتعمدت كتابتها تعليقًا حتى لا أتوه عن الموضوع في ممرات الملتقى كلما أردت الرجوع إليه والقراءة.
                          التعديل الأخير تم بواسطة سميرة رعبوب; الساعة 01-08-2017, 21:47. سبب آخر: تصويب كتابي
                          رَّبِّ
                          ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا




                          تعليق

                          • نورالدين لعوطار
                            أديب وكاتب
                            • 06-04-2016
                            • 712

                            #28
                            المشاركة الأصلية بواسطة سميرة رعبوب مشاهدة المشاركة
                            لا تتعود أن تكون إقصائيا بسبب الرأي ، فالدنيا تسع كلّ الآراء و تقول هل من مزيد.


                            أعجبتني ... وتعمدت كتابتها تعليقًا حتى لا أتوه عن الموضوع في ممرات الملتقى كلما أردت الرجوع إليه والقراءة.

                            أهلا بك في رحاب الإنسان وعند استكمال القراءة أتمنى أن أسمع ملاحظاتك و شكرا.

                            تقديري

                            تعليق

                            • نورالدين لعوطار
                              أديب وكاتب
                              • 06-04-2016
                              • 712

                              #29
                              الأدب
                              الأدب هو كلام له بعد جمالي، والجمال هو وصف يطلق على شيء يأسر الحواس ويكون له أثر موجب في المشاعر، ما يأسرني يكون طبيعيا أو مصنوعا فالطبيعي هو مصدر الجمال الأصلي والمصنوع يقوم الصّانع بتصنيعه. الجمال الطبيعي يمكن تلمسه على عدة أنماط جمال الرؤية يحدثه تناسق الألوان والأشكال و جمال السمع تحدثه الأصوات المتناغمة فتكون حدّة الصوت مقبولة و مسترسلة في إيقاع معين كجملة موسيقية وجمال اللّمس تحدثه نسبة الليونة في الملمس و جمال الروائح تحدثه الطيبوبة التي تثيرها في النفس و جمال الطعم يتكفل به مقدار اللّذة في طعم الأشياء، هذا التوازن في مقادير الأشياء هو ما يعطي الجمال و كلّ هذا مرهون بما تحدثه هذه الأشياء من أثر نفسي موجب في عمق الشخصية لتحس بالسعادة.
                              صنعة الجمال هي فن تحويل شيء أو مجوعة أشياء إلى شيء موحّد ككل يتصف بالجمال، فالفنان يحوّل بفنّه شيئا عاديا فيصيره جميلا. ما الفن؟ الفن هو صناعة الجمال، وصناعة الجمال تحتاج إلى تذوق الجمال أي أن تكون نفس الفنّان متعلقة بالجمال بأبعاده المختلفة ليتمكن من تعرّف المقارنة والمزاوجة بين الأشياء في بعدها الجمالي، فنأخذ النّجّار نموذجا، فالنجّار الفنّان يعرف أنواع الخشب ملمسا وشكلا ولونا ورائحة و طعما وصوتا، فبهذه المعرفة يقارب المادّة التي يشتغل عليها وبعدها يعيد تشكيلها وفق قواعد حرفته قصّا ولصقا و نقشا وصباغة بتوظيف خصاص الاشكال والألوان و احترام القدّ.
                              فالجمال هنا له قواعد وقيم يشتغل عليها الفنان، فعندما نقول هذه فتاة جميلة فالجمال فيها يتجسد بحظ أوفر في صورتها، والصورة شكل ولون وقد، فأولى قواعد الجمال هو تماثل جانبها الأيمن مع الأيسر ومن ثم تلك المسافات الدقيقة الفاصلة بين الجوارح التي تتناغم بشكل متوازن، ولعلكم سمعتم بالعدد الذهبي 1,61 أو النسبة الذهبية و متوالية فيبوناتشي، هذه النسبة تكاد تخترق بشكل الأشكال كل جميل في الطبيعة.
                              عودة إلى الفن وإلى الموسيقى التي يلعب فيها التكرار دورا جماليا و هو تكرار قاعدة إيقاعية أو مجموعة قواعد إيقاعية تتناوب لتشكل لحنا من الألحان وهذا التكرار له بعد طقسي يجعل النفس مرهفة الروح، فتكرار نقرات على طبل أو دفّ كاف لخلق ردود فعل رقصية تثير دواخل النفس و الرقص بدوره لن يخرج عن هذا التوازن في إيقاع الحركة إذا رمنا فيه بعدا جماليا، وحتى مشية الفتاة الجميلة لا تخرج عن سياق هذا التعبير الجسدي الموزون.
                              لا أريد أن استغرق أكثر في البعد الجمالي لكن أكتفي بأخذ التكرار و الإيقاع كبعد جمالي واضح في الشعر كترصيف، فتكرار الوزن و التفعلة ضرورة شعرية كما الوقوف على القافية والراوي هذا الإيقاع يكتمل بالصوت والصوت كما أشرنا سابقا هو جمال طبيعي فاختلاف الأصوات يجعلنا نحس الصوت الجميل الرخيم سواء بصفائه أو حين تعتريه بحّة حلقية أو رشة أسنانية لسانية هذا الاختلاف في الصوت هو ما يجعلنا ننقاد للّين الرقيق فيه ويكتسي بعدا جماليا أكثر بينما يحمل الصوت القوي الممتلئ رمز القوة فيكون وازنا عند الخطاب والقيادة فيكون مناسبا للمقام أي له بعد جمالي في مقامه.
                              فالفنية هي توظيف الصوت في مقامه واستغلال نقط القوة فيه ليلائم وضع الشخصية و مقامها، وهنا ندخل إلى التمثيل بأصنافه المختلفة مسرحا و سينما حيث تجتمع العديد من رافد الفن في فن واحد بداية بالأدب إلى التعبير الجسدي والصوتي والموسيقي والتصويري.
                              ما علاقة الأدب بهذا كله إن أخذنا تعريف الأدب بأنه كلام جميل فالعناصر المؤطرة للجمال لابد تكون حاضرة في الأدب.
                              لذلك يطرح السؤال القوي كيف يمكن للألفاظ أن تدخل هذا المعترك الجمالي وهي مجرد أصوات حاملة للمعاني، هنا يدخل العنصر الأهم في الأدب إضافة إلى مادّته الخام التي هي الألفاظ، هو البعد التخيلي. فما الخيال؟
                              لمعرفة الخيال وجب معرفة ما ليس خيالا، أي معرفة الشيء الحقيقي الاشياء الحقيقية تبدو ظاهرة جلية فمثلا هذه تفاحة و هذا ذهب فالتفاحة فاكهة بلون وشكل وطعم و رائحة و ليونة ورطوبة و هكذا فهي حدوس حسيّة تقع على الشيء فيطابق ما في الذهن ما يوجد في الواقع، والذهب معدن أصفر في صلابته ليونة تجعله قابلا للتشكيل. هذه الاشياء الحقيقية يمكن نقلها إلى حقائق أخرى وفق وظيفتها المتادولة فالذهب هو معدن غال و التفاح وجبة غذائية و كلاهما يحافظان على أصالتهما الحقيقية ويكتسبان حقيقة جديدة تطابق الواقع الوظيفي، هذا يعني أن الحقيقة قابلة للانتقال بالشيء من حقيقته إلى حقيقة جديدة مرتبطة بوظيفته في البنية العامة، وهذا انتقال عقلي يخضع لصرامة الحقيقي الواقي، لكن الوعي ليس دائما ملزما بالشرط العقلي وحده إذ يكون للنفس حضورها القوي، فالتفاح كما الذهب يمكن أن ترتبط بهما النفس في علاقة حب " تعلّق" تثير فيها سعادة وانشراحا وهنا تظهر الحقيقة النفسية للأشياء و العقل مضطر للتعامل مع الحقائق كحقائق و يدخلها في قواعده الأساسية أي جعلها معقولة، فالوعي ليس دائما كما نظنه يشتمل على ما يطابق الواقع فقط بل إننا نعي بأشكال لا عقلية و نوظف هذه الأشياء التي وعيناها بشكل لاعقلي في تراكيب جديدة عقلية.
                              لو تأملنا الذهب كذهب فهو مجرد معدن لكن لكون القيمة الحقيقة له في البنية الاجتماعية حاضرة و القيمة النفسية كتعلق وحب أعطاه حقيقة جمالية و خاصّة عندما يتخذ أشكالا فنية. وهل يبقى الوعي بالشيء هنا أم تمتد الانتقالات إلى ما وراء هذا، طبعا لن تقف الانتقالات فيما هو حقيقي ذلك لأن اللامتناهي هو أساس في الوعي فبعد حصر المتناهي تبقى مساحة أخرى توجد ما وراء الأسوار وتعد لامتناهيا و لتطلع الوعي للسيطرة على كل العوالم لابد من انتقال و خطوة أكبر وهي قفزة نحو اللاحقيقي، فإن كان هايدغر يعتبر اللاحقيقة جزءا من الحقيقة عند حديثه عن التكشف والتحجب فإنه عبر عن فكرة ضرورة اللاحقيقة في صياغة الحقيقة بشكل معقد و ضرورة الخيال في معرفة الحقيقة، فالخيال هو انفتاح للوعي على اللاواقعي وهل هو انفتاح أعمى هكذا؟ لكون العقل له قواعد ومساطر فحتى هذا الخيال نفسه يجب أن يؤطر كمجال مسيطر عليه وهنا تظهر مصطلحات مثل العنقاء و الغول التي لها حقيقتها في الوعي رغم لا حقيقتها في الواقع ويوظفها العقل في تراكيب الأفكار.
                              هنا نرجع إلى الأدب بكونه واقعيا و لاواقعيا "خياليا" . واقعية الأدب ظاهرة جلية في توظيفات الجانب الحسي" لفظيا" فتستشف أن أفعال الحواس تكون ظاهرة في أي نص " يسمع يرى يشم " وتوظيف الألوان والمشاعر و يكون الوصف من معايير الواقعية. كما ترى فيه البعد العقلي المسطر لقواعد توظيف اللغة و السبب والنتيجة في أي عمل أدبي كما ترى البعد الخيالي حاضرا بصيغ مختلفة وفي مقدمتها التوظيف البلاغي للتشبيه والاستعارة إذ المجاز عامة هو قنطرة من الواقعي إلى المتخيل. كما يظهر الخيال في كون الأدب متطلع إلى غايات مثالية غير واقعية وكذلك تعرف أن أشخاصه في الغالب وهميون يتفاعلون في بساط وهمي بأفعالهم وأقوالهم و تعابيرهم الجسدية.
                              فما الأدب ؟
                              الأدب تجربة إنسانية واعية تزاوج بين الواقع والخيال معبر عنها لغويا بطريقة فنية.



                              ملاحظة،

                              ليست هذه الخواطر لطلبة المدارس، فإياك ان تكتب جوابا لشخص علّمك ما يريده في الجواب عن سؤاله، فهو لن يتوان في شطب إجابتك متى كانت خارج معاييره.

                              تعليق

                              • سميرة رعبوب
                                أديب وكاتب
                                • 08-08-2012
                                • 2749

                                #30
                                أخي الفاضل الأستاذ/ نورالدين؛
                                تحية وتقدير...
                                ذكرت مشكورا:
                                (( أنت حرّ حقّا في بالك ، في أفكارك في تخيلاتك ، في التّمتّع بأقصى درجات الحرّية ، لكن عند التحوّل إلى الفعل فأنت محاصر وفق قواعد المجتمع و المساحة التي يحدّدها للحرّية ...))
                                وقد تبادر إلى ذهني جملة من التساؤلات: هل قواعد المجتمع ومساحته التي يحدّدها للحرية؛ تجعل خريج الكيمياء يعمل سائق تاكسي؟!
                                ولماذا تمارس الحرية بالتقسيط ؟ ما الذي يجعل المجتمع يعمل على القيود أكثر من الحرية ؟!


                                تقبل مروري والتحية.
                                رَّبِّ
                                ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا




                                تعليق

                                يعمل...
                                X