قضايا فكرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد شهيد
    أديب وكاتب
    • 24-01-2015
    • 4295

    #46
    عدت.
    أواصل

    تعليق

    • محمد شهيد
      أديب وكاتب
      • 24-01-2015
      • 4295

      #47
      إذا كان الكوجيطو المتداول منذ كانط : Cogito ergo sum أنا أفكر، إذن أنا موجود يؤثث لملكةً التفكير كدليل معرفي على الكينونة، فإنني أعتقد (مرة أخرى أن أجزم) على أن ملكة الشعور (بالذات) كما أستخلصها من منظور كانط أتت كبرهان سيكولوجي على إتباث الذات. فإذا اتفقت مع تحليلي هذا، فإننا سوف نستجمع الأنفاس فنقول: الكوجيطو دليل على الوجود، و الشعور برهان على الحضور (على الأقل كما فهمتها عنه في مقدمة كتابه المشار إليه أعلاه). و منه، يقول الطفل ككائن مستقل (عن الأب بل وعن المجتمع بأسره) فيفرض حضوره بقول "أنا أشعر، إذن أنا حاضر).

      وهنا تبدأ الإشكالية الكبرى، موضع نقاشنا الهاديء هنا. كيف؟

      في محطات حياته الأولى (تقريبا بين الولادة و بُعَيْدَ الفطام)، يقول كانط، الطفل لم تتكون لديه الشعورية التامة بالذات (أفسرها شخصياً بكون الطفل رضيعا لايزال تحت رحمة التذي). لكن بمجرد إحساسه/شعوره بالذات المستقلة، وهي مرحلة يطلق عليها في المفاهيم السلوكية للطفل بمرحلة "لماذا؟" التي تأتي بعد مرحلة "ماذا" (المعرفية) التي فيها يتعلم الطفل مسميات الأشيلء المحيطة بعالمه الصغير. سرعان ما يتجاوز المرحلة عندما يصل إلى محطة عويصة (بالنسبة للوالدين) حين يريد أن يستوعب ماهيات الأمور، ليخلص إلى إجابات مقنعة تجعله يُكَوّن نظرة خاصة به حول الأسباب و النتائج. قلتُ على أنها إشكالية كبرى لأن الوالدين بحكم التجربة والعادة صارت لهم مناعة ضد التساؤلات الي يعتبرونها كما أشرت إليه سابقا : مسلمات أو سفسطات.

      ومن هناك، وبحسب درجة وعي الوالدين بحساسية المرحلة، و من خلال تكوين الثقافة و دور البيئة (كما أشرتَ إليه في مداخلتك الأخيرة) نخرج بتعريف مختلف للطفل و الطفولة و...التربية.

      إليك الكلمة.

      تعليق

      • نورالدين لعوطار
        أديب وكاتب
        • 06-04-2016
        • 712

        #48
        نعم اطلعت على مقاربة فرويد لهذه المرحلة وكذا مقاربة بياجي، وربما ناقشناهما لاحقا، لكن ماهو ضروري معرفته أن هذه المرحلة يحكمها النمو أي استكمال الأجهزة الضرورية للمعرفة و الإدراك، ولعل الخاصية الأهم في الأنا عند الطفل في مرحلة ما ليست مستقلة عن الأشياء التي حوله، فاللعبة يعتبرها جزءا منه لا يفرق بين نفسه واللعبة، لذلك عندما يقول له أخوه هذا أبي فهو يستنكر هذا التصرف ويلتصق بأبيه أو أمه، فهو تملك فيه اتحاد وتلاحم. فهو لا يعي الشيء مستقلا عن ذاته، إلا في مراحل لاحقة. وهذه المقاربات معرفية للتربية. أي تستند إلى ماهو علمي ومعرفي والمقاربة الوجودية تستند على ماهو فلسفي، فروسو يعتبر التربية هي ترك الطفل ينمو حرّا مع عدم التدخّل حتى يبلغ الثانية عشر، وهناك بعض المدارس التجريبية طبقت هذا المبدأ أي بنت قاعات فيها أساتذة يقدمون الدروس وهناك حرية مطلقة للأطفال أي يدخل متى شاء ومتى أراد أو يذهب ليلعب أو يذهب إلى المطعم، ولاحظت أن الطفل حين يتخذ القرار بالذهاب إلى الفصل فهو يستوعب بشكل غريب، إذ ما تقدمه المدرسة مثلا في خمس سنوات يمكن أن يستوعبه في مدّة أقل بكثير. ما نعانيه تربويا هو عدم إيماننا بالطفل واعتبارنا أنّنا نحن من يصنعه، ونحن من يجب علينا أن نتدخل في كلّ صغيرة وكبيرة، وهذا من الأخطاء التربوية، فشخصيّا أعتقد أن التربية هي تدخلك حين ترى الطفل سيلحق الأذى بنفسه، الأذى المادي الصّرف، أمّا الباقي فهو قادر على بنائه من خلال تجربته الخاصّة.

        نواصل
        التعديل الأخير تم بواسطة نورالدين لعوطار; الساعة 11-03-2018, 20:26.

        تعليق

        • محمد شهيد
          أديب وكاتب
          • 24-01-2015
          • 4295

          #49
          المشاركة الأصلية بواسطة نورالدين لعوطار مشاهدة المشاركة
          ولاحظت أن الطفل حين يتخذ القرار بالذهاب إلى الفصل فهو يستوعب بشكل غريب، إذ ما تقدمه المدرسة مثلا في خمس سنوات يمكن أن يستوعبه في مدّة أقل بكثير.
          بالمثال يتضح المقال.
          أضرب مثالاً من واقع تجربتي الشخصية :
          تأكيداً على ما جاء في تعقيبك بخصوص تشجيع الطفل على اتخاذ القرار، أتت إلي إحدى المقيمات في كندا من أصول عربية في استشارة حول كيفية التواصل مع ابنها الذي بلغ سن المراهقة إذ أعيا كاهلها بكثرة متطلباته بخصوص ملابس معينة باهضة الثمن. ولو أن الأم والأب ميسوري الحال و من المثقفين، لكن التواصل مع الابن بات مهدداً (الحالة هنا نسميها في المهنة : أزمة التواصل crise de communication و الحل المقترح يخص تواصل الأزمة la communication de crise)

          بعدما تعرفت على كل حيثيات الحالة المعروضة، أتى اقتراحي العملي على الشكل التالي:
          أن يضع الوالدان ابنهما في موضع مسؤولية لمدة أسبوع حتى يتبين لي الفرق عند خوض التجربة ثم أغير التجربة في حالة فشلها مع الابن. اقترحت عليهما وضع ميزانية الأسبوع نقداً في يد الابن و يطلبان منه تسييرها بحيث يكون هو المسؤول على اقتناء كل حاجيات الأسرة من أكل وشرب و مستلزمات البيت من تنظيف و غسل الخ. الهدف من التجربة هو تحويل الابن من موضع المستهلك غير المبالي إلى منطقة اتخاذ القرار وتحمل مسؤولية غيره. بعبارة أخرى، تعامل الوالدين يجعل الابن شريك الحياة عوض نظرتهم إليه كمصدر إعاقة للسيرورة "الطبيعية" المألوفة (والتي أدت إلى أزمة تواصل).

          نتيجة التجربة: أكدت لي الأم على أن الابن عندما شعر بالمسؤولية صار أكثر حرصاً على الميزانية من والديه، بل صار يشعر بقيمة المال و كيفية انفاقه دون تبذير. إلى درجة أنه خلال أسبوع التجربة، طلبت الوالدة شراء هدية لنفسها، فأجاب الابن : لا، لست بحاجة إليها زيادة على أن تكلفتها فوق ما تستحمله ميزانية الأسبوع!

          خلاصة التجربة:
          انتقلنا من تعامل كلاسيكي انتهى بحالة أزمة تواصل إلى ابتكار حلول مبدعة في تسيير تواصل الأزمة مما أدى إلى حل الأزمة و تغيير خارطة طريق الفكر schèmes de pensée.

          نعود إلى النظري.

          تعليق

          • نورالدين لعوطار
            أديب وكاتب
            • 06-04-2016
            • 712

            #50
            ما أروعك يا صديقي، فليذهب النظري إلى المهملات ونحن بين يدي خبير.

            قد تجدني مصرّا على الوجودية كبداية، ليس إلا لنثق بهذا المخلوق ونوفر له الظروف لينمي إمكانيته، فكل مداخلاتي السابقة له توجه واحد هو الحرية، أي أنك تتعامل مع كائن حرّ، أي الحركة كمعيار، وكأساس، والحركة مرونة، والحركة بحاجة إلى فضاء واسع غير ضيق، لماذا هذا الفضاء الذي نوجد فيه متّسع إلى هذا الحدّ، ما الحكمة من هذا، إلا ليظهر لنا قيمة الحركة، قيمة الحرية.
            ليس الأمر متعلقا ب "حرية إيخاء ومساواة" كما يتبادر إلى ذهن البعض، بل بصرف النظر عن الغرب وما أنتجه من أفكار، هل يستحق ابنك أن يكون حرّا أم لا؟ وهناك شيء آخر لا يقلّ أهمية، لماذا نقرن الحرية بالفوضى، لأننا لا نستطيع التفكير بإيجابية، فنعتبر أن كل شيء لا نتحكم فيه، فهو لن يكون إلا فوضويا، هب أن شخصا يؤمن بهذا وبعد مدّة يموت هل هذا يعني أن موته يعني غرق الكلّ في الفوضى أي لا قيمة للحياة بعده.

            تحية

            تعليق

            • محمد شهيد
              أديب وكاتب
              • 24-01-2015
              • 4295

              #51
              ذكرتني هنا بموضوع آخر يتعلق بالتربية و المتاهج المستعملة في المؤسسات التربوية هنا وهناك: الكسل/ و بالخصوص عبارة : تلميذ كسول و ما يقابلها بالفرنسية Eleve paresseux.

              ربما جرنا النقاش إلى التعريف بالكسل حسب المنظور السوسيوثقافي الموروث و انعكاساته على مردودية الطفل/التلميذ من جهة وعلى إحباط نفسيته كإنسان يفقد الثقة في قدراته مستقبلاً من جهة أخرى.

              انظر كتاب قيم للباحث الأكاديمي الأمريكي Mel Levine بعنوان : Le mythe de la paresse
              لا يومن Mevil بشيء اسمه الكسل (ولا أنا).
              اذا كان يهمك الكتاب، فهو عندي في خزانتي الخاصة. ممكن أبعثه لك أو أنسخ لك منه.

              نواصل معك.
              التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 12-03-2018, 14:29.

              تعليق

              • نورالدين لعوطار
                أديب وكاتب
                • 06-04-2016
                • 712

                #52
                نعم أستاذي شهيد لا يوجد كسل لكن يوجد إجبار على الكسل، هناك فروق فردية لها ظروفها وأسبابها لكن من المحزن أن تكون معيارا للقبول أو الرفض المجتمعي. سأحاول الحصول على الكتاب وشكرا على الإرشاد.

                سأحاول بسط نظرتي فرويد وبياجي والتعليق من عندي. على طريقة هايدكر في نقد العقل المحض لكانط في كتابه شيئية الشيء.

                من0إلى2
                في هذه المرحلة عند بياجي يتسم الطفل بالحركية أي العقل فيها حسي أي تكوين الحواس و استكمالها، وهي فموية يحدث فيها تكيف حركي علما ان نظرية بياجي تعتمد على التكيف، أي الانسجام والمواءمة، فالحركة في البداية تكون عشوائية حركة العينين واليدين والرجلين، لكن مع النمو يحدث التكيف مع بعض الأوضاع أخذ "الرضاعة" مثلا، أو تتبع الشيء بالعين، الحركة هنا مسخّرة في الغالب لجانب الحياة، أي الغذاء، وهذا الجانب مرتبط بالنمو أي هناك اندفاع لتكوين الجسم، ليس الأمر بالغريزة كما هو متصور بل الحياة كحياة فهي ما يجعل التكيف ممكنا، فهي التي تحدّ من عشوائية الحركة، وإن شئت قلت تنتظم الحركة.
                عند فرود يسميها المرحلة الفموية، وتنقسم إلى قسمين، مصّ وعضّ، ظهور الصّراع حب، عدوانية، ومنشأ العدوانية هو الصّد عند العض، رغم أن فرويد ينطلق من الغريزة الجنسية فيمكن تجواز القشور للعبور نحو الجوهر،عند تتبعي للقيم، وجدت التضحية والتطفيلية مرتبطتان بالحياة، فالصراع منشأه قيمتي الطفيلية والتضحية وليس الحب والعدوان، فالحب والعدوان منشأهما عقلي صرف، عقلي مجرّد، لا يكتمل في السنتين الأولى والثانية.

                المرحلة 3إلى7
                عند بياجي، هي مرحلة الترميز اللغوي، وفي هذه المرحلة فيها تمركز حول الذات وفيها عدم تفرقة بين الواقع والخيال، فمن غير المقبول هنا وصف الطفل بالكذب لأن وعيه في طور التنشئة أي أن العقل في بداية اشتغاله، أي هناك حركية مفرطة في البداية فالوعي فيه بعض عشوائية لم تنتظم فيه بعد حركة الانتقالات بين ماهو واقعي وخيالي. وفي نفس الوقت، استكملت الحواس أي هناك نظام غريزي يتشكل بداية بالحدوس الحسية التي تعطينا اللغة بعد ترميزها عقليا، وهناك انبثاق الخيال وظهوره، ثم اشتغاله بالنظام الرمزي العقلي، أي يمكن التعبير عنه، فقط في هذه المرحلة هناك مركزية الذات، ويرى فرويد أن هذه المرحلة يعاني فيها الطفل من صرامة الوالدين، خاصة المتعلقة بالنظافة والذهاب إلى دورة المياه، وهنا توجد مفارقة فالطفل عقليا ينتمي لعالم الحركة، وجسديا تحكمه الحياة أي هناك اضطراب بين النظام العقلي المتحرك و الجسدي "الثابت"، ويتحدث فرويد أيضا عن انطلاق عقدة أوديب، أي الميل إلى الأم واستبعاد الأب، والعكس بالنسبة للأنثى لكن الأمر يتعلق بقيمتي التضحية والتطفل والعقل المنصهر مع الكون والحياة المتمسكة بالذات.
                بين 7و12
                يسميها بياجي مرحلة العمليات الحسية، وتتصف باستنتاج المقولات عقليا" أي القدرة على التصنيف والمقارنة بين الأشياء المادية وكذا بالحدس، وتتميز بالتفاعل الاجتماعي، وهي مرحلة كمون عند فرود وتتصف بإقامة علاقات صداقة مع الأقران. وكتفسير، فهذه المرحلة يكون النظام الغريزي مكتملا أي اشتغال الاجتماعية والتراتبية والعلية، فالعقل يستفيد من العلية لتكوين المقولات والاجتماعية والتراتبية تموضع الشخص في المجتمع ويختار موضعه وأقرانه. أي هناك انتظام حركي شبه كامل ويوظف الطفيلية والتضحية بشكل جيد.
                من12 فما فوق
                هنا عند بياجي، يكون العقل المجرد يشتغل بشكل جيد أي توظيف المنطق المجرد لفظيا، بدون حاجة إلى المجسدات المادية، وعند فرويد يبدأ الاهتمام بالآخر أكثر من الذات، أي البلوغ "حبيبة، زوجة أولاد...."
                والتفسير أي أن الوعي بدأ يشتغل فيتحكم في التصرف، أي الإبداع، فأنت تبدع نفسك وفي فترة المراهقة هذه نجد النقد بكثرة، تثور باحثا عن نفسك أو لنفسك عن موضعها الحق، وهنا الأبناء يحتاجون إلى من يكون إلى جانبهم لاستغلال طاقة الإبداع بشكل جيد، وأقترح التربية على الجمال كحل لامتصاص حركية الإبداع.

                وشكرا

                تعليق

                • محمد شهيد
                  أديب وكاتب
                  • 24-01-2015
                  • 4295

                  #53
                  صباح الخير لعوطار،

                  كتبت في مداخلات الأخيرة: "لا يوجد كسل لكن يوجد إجبار على الكسل، هناك فروق فردية لها ظروفها وأسبابها لكن من المحزن أن تكون معيارا للقبول أو الرفض المجتمعي."
                  لعل الأمر يتعلق بما يسمى في علم النفس التربوي: L'effet Pygmalion
                  لست أدري ما يقابله بالاصطلاح العربي. لو عندك فكرة تفضل. لي بعض المقالات حول الموضوع ربما حاولت يوما ترجمة بعض ماجاء فيها وعرضه عليك للمناقشة.

                  نعود إلى ما جئنا به حول نظرتي فرويد وبياجي.

                  تعليق

                  • نورالدين لعوطار
                    أديب وكاتب
                    • 06-04-2016
                    • 712

                    #54
                    توقع بيجماليون، أي نبوءة مريحة للنفس، كما فعل بيجماليون حين شكّل حبيبته. دائما تتحفنا بما يوسع الإدراك

                    لكن قبل بياجي وفرويد أنتظر رؤية كانط كما اطلعت عليها فهي الأساس.

                    تعليق

                    • محمد شهيد
                      أديب وكاتب
                      • 24-01-2015
                      • 4295

                      #55
                      فليكن كذلك، عزيزي. لنواصل مع نظرية كانط.
                      في انتظار العودة، بإمكانك الاطلاع على مقالة موجزة عن بيجماليون نشرتها بالفرنسية في موقعي الخاص منذ بضع سنين:



                      نناقشها.

                      تعليق

                      • محمد شهيد
                        أديب وكاتب
                        • 24-01-2015
                        • 4295

                        #56
                        انظر ماذا كتب جوفينال الساخر عن الطفل منذ أزيد من 19 قرنا. ابتداء من الصفحة 4.
                        متصفح متجدد. شكرا لكم على حسن المتابعة مع النقد البناء. Difficile est saturam non scribere, مقولة لاتينية قديمة تكاد تعني بلغتنا :صعب أن لا نكتب فيهم سخرية. قالها واحد من أقدم وأبرز الشعراء الساخرين في التاريخ Juvenalis الذي عاش مابين أواخر القرن الأول ومطلع القرن الثاني للميلاد. جمع جوفيناليس كل ما لديه من سخط وتذمر لينقش

                        تعليق

                        • نورالدين لعوطار
                          أديب وكاتب
                          • 06-04-2016
                          • 712

                          #57
                          أهلا صديقي
                          أثر بيجماليون
                          كما تناوله روزونتال و ياكوبسون، هو أن التقدّم في التحصيل يحصل بصيغة أفضل كلّما كانت روح المدرّس إيجابية تجاه متعلميه، والتجربة التي أجريت تم فيها إيهام المدرس أن التلاميذ الذين سيدرّسهم لهم قدرت تنبئ بأن مستقبلهم سيكون وازنا. رغم أنهم في الحقيقة تلاميذ عاديين تماما، فكانت التنائج مقارنة مع الفصول الأخرى تِؤكد أن برمجة عقلية المدرس بأنه أمام عينات مهمة جعله ينهج أسلوبا تواصليا يرفع من قيمة المتعلم مما جعل الثقة بين المدرس والأستاذ تتماسك وفي الوقت ذاته ترتفع ثقة التلميذ في ذاته فينخرط بفعاية....فيكون أثر بيجماليون عاملا مهما في تنمية القدرات الذهنية والتواصلية للمتعلمين.

                          الاختبارات تدل على العلمية وفي نفس الوقت لا أحد سينكر أثر الإيجابية كعامل مساعد على التحصيل والتفاعلات المجتمعية عموما، لكن يبقى إشكال الفروق الفردية قائما، وهذا لا يلغي أثر البيئة الاجتماعية والثقافية والجسدية والنفسية في التحصيل المدرسي.
                          لدي بعض حساسية إزاء بعض الدّراسات ليس كدراسات بل كقراءة، فمثل هذه الدراسات يتم استغلالها من طرف المبرمجين وتعطى هالة أكبر من الدراسة ذاتها، فتكون الإيجابية وحدها هي الحل السّحري، وتعرف أن هذه النظرة الاختزالية هي التي جعلتنا وتجعلنا نتقهقر، نعم الإيجابة لها أثر وهذا لا يخفى على أحد لكن أثرها مقرون بعوامل أخرى يصعب غضّ الطرف عنها، حتى أنه عند مقاربة التعليم الديكتاتوري نفسه مع التعليم الديموقراطي، تجد الاختلاف في النتائج يكاد يكون ضئيلا على المستوى المعرفي، ولهما بطبيعة الحال آثار متباينة على مستوى الإبداع وتوازن الشخصية.
                          لو رجعنا إلى كانط فهو يخالف تماما نظرة روسو إلى التربية وإن كان الهدف عندهما هو نفسه، فكانط ينطلق من الالتزام كأساس للتربية، أي وجود انضباط وإن شئت وجود قيم، فهو من التيار الذي يميز الإنسان عن الحيوان بالقيم. أو بصفة أدق التمييز بين المتحضر والبدوي، فقط كانط يرى التعليم هدفه الإنسان وهنا يلتقي مع روسو، فالقيم هنا إنسانية أي قابلة للتغيير نحو الافضل، وهذا التطور منبعه أنّنا نستفيد من أخطائنا، إذن هناك حركية نحو الكمال لا تتوقف، أي أننا أحرار لكن أحرار ومسؤولون، وهو نفس نشيد روسو في العقد الاجتماعي.
                          رجوعا إلى بيجماليون، إعطاء القيمة للطفل تعني أساسا الإنصات للطفل، أي أن تكون العلاقة من طفل إلى أستاذ، وهذا يعني تمحور بيئة التمدرس حول عالم الطفل الذي هو اللّعب والخيال، فالأستاذ هنا منظم ألعاب، أي عامل مادي مساعد على إظهار طاقات الأطفال التي ستنمى من خلال تفاعلاتهم البينية، وحتى ما اصطلح عليه كانط بالالتزام فلا يعدو أن يكون هنا احترام قوانين اللعبة "الوضعية" التي تساعد المتعلم على بناء تمثل لمجتمع الكبار في عالمه الخيالي، أي تكوين تمثلات طفولية قابلة للتعديل الجزئي والتطور. فهل وصلت المدارس إلى هذا، أشكّ، فهاجس المدرسة مرتبط بالإنتاجية والانضباط.
                          الانتاجية مصطلح اقتصادي، والانضباط مصطلح عسكري.
                          ما أعيبه على الغرب شخصيا هو نوع من التشيء للإنسان، فحتى المقاربات التربوية المعتمدة، وأقصد الكفايات بالتحديد، فهي نوع من الأداتية، يعني فكبركة أناس على المقاس لخدمة بنية المجتمع الرأسمالي، أي توضع في وضعية مغلقة وتجد الحل، ليس الحل للإنسان بل الحل لمأزق الشركة العملاقة، قطاع غيار بشري، والتواصل هو نوع من الوهم والبلسم، تحس بالضغط نتيجة تسارع عالم الآلة فالخطأ فيك لم تتواصل بشكل جيد، لم تقبل الإهانة لم تصرفها، وتغيرها تهكميا إلى نوع من الفرجة، فلا تتضرر الآلة، وتسير الأمور بشكل عادي ولك أن تستفيد من قروض وبيت وسيارة، نوع من رهن عمر الإنسان و إفناتئه في سبيل المجتمع. عندما رأيت وثائقيا في عز الأزمة الاقتصادية الأمريكية، أزمة الرهن العقاري، مئات من الأسر بل قل الملايين يومها مهدّدة، لولا تدخل أوباما بخطته التي تعرفها التي لم يوافق عليها الكبار المتحكمون، أحسست أنّ هذا النمط من الاستغلال عاجلا أو آجلا سيسقط شرّ سقوط، يومها سمعت واحدة مهندسة و زوجها أيضا يمارس عملا محترما يسكنان في خيمة، والجميعة تفاوض الشركة المالكة للبيت لجدولة الديون، وحين يصلون إلى حل مع عائلة تسمع هتاف الرضى والتصفيق. ما هذا المصير المخجل للإنسان.
                          في فرنسا يخضع التلاميذ الذين يعانون من صعوبات للدعم في عز عطلة الصيف من طرف البلديات، من جهة في مجتماعاتنا تعد هذه ميزة، يعني الدولة مسؤولة، الدولة تعتني بأبنائها، لكن فلسفيا ليس الأمر كذلك، بل أن الدولة لم تكتف باستنزاف عمر الأطفال طوال عشرة شهور، فهي لا تزال نهمة، إنها نوع من الاكتساح، نوع من الرفض لهذه الفئة، يجب أن تكون مؤهلة لخدمة الشركة.
                          عادة لا أدخل في مثل هذا النقاش، لكن أحيانا من المستحسن إظهار الوجه الآخر، فالإيجابية لها بعض الضرائب، لذلك وجد النّقد، وسيبقى هو السبيل الذي يعدّل التمثل.
                          لذلك كانط لا يؤمن بالنمطية والتنميط، ويعتبر العبقرية موجودة في الخيال، حيث تقل الضوابط، أي الهروب من ضوابط العقل المحض. هذا طبعا ليس بالدرجة التي قد يتوهمها شخص ما، فيجب أن تكون أولا ملمّا بعالمك اليوم وعندها يمكن أن تمارس الخيال، فكانط يبدأ يإعادة الإنتاج أي تقديم ما توصل إليه العالم اليوم معرفيا وقيميا وجماليا، وبعد ذلك فتح آفاق المتعلم على الابتكار والإبداع، من خلال النقد.

                          تحية

                          تعليق

                          • نورالدين لعوطار
                            أديب وكاتب
                            • 06-04-2016
                            • 712

                            #58
                            أهلا بك شهيد
                            هل تستطيع أن تعصب رأسك و نسائل نظرية المعرفة عند كانط.
                            ينطلق كانط من المنطق الذي هو صوري، يعني ليس مرتبطا بالمضمون بل ينطلق من البديهيات كبديهيات كما تعطى ويطبق عليها قوانين الفكر، كما عند لوك وهيوم الذي يرى الحدوس الحسية أوالانطباعات الحسية تنطبع في العقل ومع التكرار تتطابق فكرتين مثلا "شكل كروي مع لون التفاحة". فنحمل اللون والشكل على التفاحة كانطباعات حسية. أو إن شئت قانون الهوية، أو بالتنافر فكلما حضرت فكرة ظهرت معها الفكرة المخالفة، مثلا 4 أكبر من 3، و"3أصغر من أربعة" أي قانون التناقض. والأثر أي كلما كان هناك أثر فهناك سبيب. أو العليّة. هناك اختلاف بين لوك وهيوم في قضايا شكلية لا تمس الجوهر. ويمكن الإطلاع على الموضوع "مقالات في المعرفة." في النادي الفكري
                            هذا يعني كما عند أريسطو أن العقل صفحة بيضاء، يستمد المعرفة من الحس وبعد ذلك يتصرف فيها أي "محاكاة".
                            نذهب عند كانط الذي هو عقلي، يرى كانط أن الأحكام المنطقية فيها أحكام الكم "العدد" أحكام الكيف" موجبة سالبة ولا متناهية" أحكام العلاقة "حملي شرطي متصل أو منفصل." أحكام الجهة "احتمالي أو يقيني"
                            الكم والكيف مرتبطان بالمكان بالشيء كشيء ثابت لا يتغير "مقولات رياضية"، وأحكام العلاقة مرتبطة بالزمن كتعاقب وانتقال "مقولات دينامية".
                            عندما أصّل كانط لهذا النظام المتعالي، أي الذي يذهب إلى أعلى المراتب المتحكمة في التفكير، وهناك قرر أن الحدوس الحسية تتحول إلى انطباعات حسية مرتبة في المخيلة زمنيا، أي أن شرط الزمنية قابع في العقل وليس له وجود فعلي في الواقع، وهذه الانطباعات الحسية " مثل نيجاتيف الصورة" تسترجعها المخيلة مرتبة ترتيبا زمنيا وسيببا. وتنتج عنها تمثلات في المخيلة التي يقوم الفهم بتحويلها إلى تصورات بتطبيقه لأحكام الكم والكيف أو موضعتها في المكان. وشرط حصول هذا كلّه مرتبط بوجود الوعي بوجود الأنا المفكرة الديكارتية "الجوهر". فوجود هذه الأنا المفكرة يستلزم وجود قوالب ذهنية من خلالها تظهر التجربة أو هي من تصيغ الظاهرة كما تعيها وهي المقولات زمان، مكان، علية ..."
                            نقد كانط
                            كانط يعتبر الحدوس الحسية غير قابلة للتكوّن إلا من خلال تأطير زمني ومكاني وعليّ وهو إلى درجة ما محقّ، حين نعتبر النظام الغرزي خاضعا لهذه المقولات، وإن كان مفهوم الزمن كما المكان عقليان صرفان، لكن حدسهما غريزي، فالفاهمة هنا عند كانط هي التي تعطي التصور وهذا التصور تأتي به من التمثل الذي تحدثه المخيلة التي تترتب فيها الحدوس الحسية، هنا وجب التمييز، بين النظام الغريزي الذي يشترك فيه الحيوان مع الإنسان فالحدوس الحسية حيوانية كما المخيلة حيوانية، لكن وجود التصور عقلي صرف، لذلك سواء تعلق الأمر بالعلاقات الرياضية والدينامية " ثابت ومتغير" فهي توجد في الحدس الحسي كحدس حسي متمثل في المخيلة أو الذاكرة الحيوانية، فهذه المقولات وإن كانت رافدا مهما لتكوين التصور"المفهوم" فهي غريزية، فالأمر لا يتعلق بالذات المفكرة الجوهرية كما اعتقد كانط بل هذه المقولات غريزية توجد عند أبسط حيوان. ورغم ذلك لا يعقل شيئا.
                            يعتقد كانط أن المخيلة فيها انتظام حركي للحدوس الحسية، فيقول إن المخيلة إن تقوم بإعادة الانطباع الحسي حتى أثناء غياب الموضوع، رغم ذلك ما كلف نفسه البحث عن إعادة الإنتاج هذه التي قوة جبارة هي المسؤلة عن المحاكاة كمحاكاة، وهي شرط وجود التصور بنفسه، ولم يكلف نفسه أيضا كيف يتم الانتقال من المخيلة إلى الفاهمة، ما الذي يسمح بذلك. ذلك لأن كانط كلّ همه هو أن يبرهن أن العقل له ملكات قبلة ضد التيار الحسي، هذا كله لا ينفي عبقرية كانط، الذي هو فعلا حقق ثورة كوبيرنيكية فيما يخص أن العقل هو ما يسمح بقيام التجربة و أضفى مركزية لمشروعه الفلسفي الإنساني، لكن لو تأملت المسألة لوجدتها بسيطة للغاية فكما عند أريسطو حيوان ناطق، فما اعتبره كانط ثوابت عقلية هي في الحقيقة غرائز حيوانية يستبدلها العقل نطقا أو بصفة أادقّ يسبدلها الوعي نطقا.
                            حاول الجدل المادي خصوصا إظهار مكامن نقص فلسفة كانط بقوانين الوحدة وصراع الأضداد، الوحدة ثبات والصراع حركة وبتعابير كانط الزمن والمكان، قانون التراكم الكمي، أي القالبية للحركة بعد الثبات أو إبداع المفهوم بفعل تراكم مقولي، ثم نفي النفي، أي القطع الإبستيمولوجي، والانفصال. وعند كانط انفصال الوعي بالظاهر عن الشيء في ذاته الذي يتيح تعديل التمثل أو التصور.
                            لكن القانون الجدلي جعل العقل بناء فوقيا لا يؤثر في ذاته بل هو متأثر وفقط، لذلك جعل الفرد خاضعا للجماعة، وجعل العقل مجرد مبرر للوضع الطبقي فالمعرفة نوع من الوهم أو إن شئت نوع من البلسم، وبما أن المادية نظرية سياسية فهي لا تستطيع الدخول إلى المعرفة بخطى إبيستيمولجية.
                            إذن المفارقة الأولى عند كانط أن هذه القوالب والوعي هي ما يعطينا المعرفة، لماذا لم يستطع كانط تحليل الوعي واكتفى بتحليل الغريزة، بالطبع لأن الوعي العلمي يومها لم يصل إلى درجة تمكنه من معرفة الترميز اللغوي أو الناطقية كناطقية، كتراكم صوتي هو ما جعل التمثل الغريزي يمكن ترميزه لغويا. والمخيلة إذ ذاك تتحول إلى ذاكرة مرمّزة، فيحدث التفكير بدل الحركة الغريزية للتمثل، ويتدخل العقل لجعل الحركة في الذاكرة المرمزة منتظمة بتوظيف القواعد الغريزية ويتركها أحيانا فتصبح خيالا صرفا حين يتعذر التحقق الفعلي "الحلم مثلا".
                            المفارقة الثانية هو انطلاق كانط من الثابت المكاني، حسب نظرية نيوتن، لذلك يرى الأشياء لا تعبر عن الشيء في ذاته بل تعبر عن وعينا بالشيء، فلو كانت نظرية النسبية يومها اكتملت لعرف كانط أننا نثبت فقط لنقيس، فلوجود التجربة لابد من الرجوع إلى معلم، أي أن معرفتنا بالشيء ليست مستحيلة، بل نعرفه معرفة يقينية نسبة إلى معلم القياس، وكلّما غيرنا المعلم رأيناه يقينا من الوجهة الأخرى، ولكون كانط يؤمن معرفيا بالثابت أولا ثم الإبداع، أي إعادة الإنتاج أولا فهو يؤمن بالانضباط أولا كتربية، فهو لا يؤمن بنقل معلم القياس، بل الإبداع في ظل نفس المعلم "سيرورة"، لذلك فهو يخاف من الحرية هكذا، وروسو على عكسه بنطلق من الحرية وبالتفاعل يشكل المعالم.
                            لكن ما تجاهله كانط تجاهلا تاما هو تفسير إعادة الإنتاج التي تقوم بها المخيلة، سواء كانت الإعادة حقيقية أو تتخللها أخطاء، ذلك لأنه يراها بديهية وكلّما رأيت الشيء بديهيا قلت معرفتك به. وقد بنى نقده كاملا على نقد البديهية في المنطق الصوري.
                            محبتي

                            تعليق

                            • محمد شهيد
                              أديب وكاتب
                              • 24-01-2015
                              • 4295

                              #59
                              نور الدين، الساعة الآن 8:30 صباحا و أنا جوعان ههه (اتمنى ان لا تقرأ ريما هذا الكلام). يبدو ان الفكر لا يعرف التوقف لأن العصابة لا أزيلها فهي ملازمة الرأس منذ زمن هههه

                              أردت أولا أن أعود إلى كتاب كانط حول الانتربولوجيا البرغماتية الذي ذكرته له من قبل حتى أستخلص منه المزيد من الأفكار ثم أعود لمناقشة خلاصة عصرك الدماغ.
                              الموضوع الذي سأنشره قريبا يخص دور الأدباء الغربيين في عمليات غزو الشرق أيام الاستعمار. و هو خلاصة لبحث أكاديمي قمت به حول فكر ايدوارد سعيد الأكاديمي و المفكر الأمريكي ذي الأصول العربية. قراءة في كتابه The orientalism.

                              الأفكار و المواضيع تعمل معنا عمل boite de pandore ما تكاد تنتهي من قضية فكرية حتى تطلع لك قضايا شائكة ههه

                              اعصر دماغك ما شئت، فهنيئا لك، أخي نور الدين، إنها نعمة حباك الله بها فالله أسأل أن يحفظها لك.

                              حان وقت الأكل.

                              محبتي.

                              تعليق

                              • محمد شهيد
                                أديب وكاتب
                                • 24-01-2015
                                • 4295

                                #60
                                أهلا صديقي نور الدين،

                                عودة متأنية إلى كانط و المعرفة

                                يقول في Qu’est-ce que la lumière? فيما معناه بلغتنا: تعتبر الأنوار خروج الإنسانية من حالة التبعية (الاعتماد على الغير) التي كانت هي نفسها سبباً فيها. أقصد بحالة التبعية، عدم قدرة الإنسان استخدام عقله للفهم دون اللجوء إلى الغير. نحن أنفسنا مسؤولون عن هاته التبعية بسبب فقداننا للعزيمة و الشجاعة كي نفهم بمحض إرادتنا.
                                ثم يضيف عبارة لاتينية: Sapere aude! Ose savoir! لتكن لديك الجرأة على المعرفة! إنه شعار الأنوار، يختم كانط.

                                من هنا يأتي الحديث عن جدلية الذكاء/الكسل كما تحدثنا عنها في حلقات سابقة عند نقاشنا حول أثر بيجماليون و أثرها السلبي في التربية و التعليم.

                                يرى بيرجسون على أن الذكاء نوعان:

                                النوع الأول موهوب: على شكل قدرة الإنسان الذكي على التأقلم وسط المحيط الذي ينشأ و يتطور فيه، فهو ذكاء بمعنى دهاء، أو ذكاء النزعة القتالية التي تستوجب على صاحبه أن يفرض وجوده داخل المجتمع فيستخدمه بكل ما اوتي من حنكة و قوة كي يحضى بالاهتمام او يحقق لنفسه النجاح. و من هذا النوع من الذكاء مثلاً ما تجده عند البعض حين يقعون في ورطة علاقاتية أو معرفية فتراهم في بعض الأحيان يحركون طاقات خرافية لتعليل سلوك أو تبرير موقف - بل العجب أنك تراهم يحاولون فبركة إجابة لكل سؤال و يصنعون رأياً حول كل موضوع كي يبدو عليهم مظهر الذكاء و يستبعدون عنهم صفة الغباء! عن هؤلاء قال نيتش: إنه لأمر بذيء أن تجد أناساً لديهم رأي حول كل موضوع!

                                النوع الثاني حسب مفهوم بيرجسون للذكاء: وهو نقيض النوع الأول بحيث أنه لا يستوجب التأقلم لكن القطيعة الجذرية (سميها إن شئت بالاصطلاح الفينومينولوجي : الهدم أو التخريب) من أجل إعادة
                                البناء السليم للمفاهيم. فهنا تتحقق الحرية بينما في الذكاء الأول ينساق الإنسان إلى عبودية نفسه و شهواته قصد التأقلم و الاندماج. يقول بيرجسون أن الإنسان لم يخلق فقط ليتعايش مع البيئة المحيطة به؛ بل خلق أيضا ليتحدى البيئة و يخلق الجديد. هنا يأتي الانتشاء و التلذذ بمعنى الحياة حتى في أبسط الأمور.

                                لعلك لاحظت صديقي أنه سواء عند تعريف كانط لدور الفهم في تحرير الإنسان من براثين التبعية أو عند بيرجسون في تحديد معنى الذكاء، دائما يقترن الفهم بالحرية. و لعل في الآية المريمة (ففهمناها سليمان) ما يستوجب التوقف طويلاً لاستخراج ماتحتوبه الآية من أسرار عن الفهم.


                                و للحديث بقية.
                                التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 16-04-2018, 14:11.

                                تعليق

                                يعمل...
                                X