
أخي الحبيب الأستاذ عادل العاني ...
لك التقدير والتحية ..
أحسن الله إليك يا أخي الكريم كما أحسنت إلي حين أنقذتني من تحت سنابك خيول فارسة الحرف بنت الشهباء وحملتني على صهوة جوادك لتطير بي بعيداً عن سيوف حروفها وصليلها لتأخذني إلى سلام الأدب والفكر والشعر... ورغم أني أحب الأدب وأهله، وأجل النظم و الشعراء إلا أنني لا أخال أن محاولاتي الواهنة للحاق بركابهم قد تعطيني شرف الحديث عن فنونهم ولكن ما دام ظنك بي خيراً، وما دمت قد نلت الأمان حين ولجت بي إلى فيئهم الظليل فلا أقل من أجتهد في رد بعض كرمك الجليل وأورد وجهة نظر إن جاءت يغلفها الصواب فلنحمد الله على أنها جاءت صحيحة مصيبة، وإن شابها الخطأ فتعلقي بذيل عباءتك قد يدفع عني البلاء و "المصيبة".
أرى أخي أن الأدب بصورته الشمولية هو ديوان الحياة و سجل التاريخ البشري الذي لا يغفل شاردة أو واردة إلا ويسطرها في رق تاريخ الحياة ... فالأدب هو المرجع الأساسي الذي من خلاله نطالع تاريخ الأمم ونقف على حركة تطورها وفيه نسمع نبض من جاءوا قبلنا منذ آلاف السنين، وبه نقف على أحوال الشعوب ونستبين. لذا فإن الأدب –شاءت صروف الحياة أم أبت- مرتبط بمسيرة البشرية و يدون كل أحداثها من خلال فنونه المختلفة وهنا تكمن عبقرية الأدب وروعته، فالأديب المبدع يتفاعل مع حياته فيغرق في خضمها أو يفر من ضغوطها أو يخلع عليها من عباءات إبداعه ما يجملها ... وفي هذه الحالات جميعها نجد أن الأديب يعكس صورة الحياة من خلال مرآة أدبه ...
إن ما تشهده أمتنا –وما شهدته- بل وما قد تشهده يمكن لنا أن نطالعه من خلال إبداعات الأدباء، والمتتبع لحركة التطور الأدبي في أمتنا يجدها انعكاس لحال الأمة ومدونة لما تشهده من أحداث. إن الأدب في أمتنا يقف من حال الأمة موقف الراصد المتابع المتفاعل المحلل.... ولا يستطيع أي عاقل أن ينكر دور الأدب في خلق حراك الأمة على كافة المستويات فكم من عمل أبدعته قريحة أديب تسبب في تغيير مجريات ومصائر أمم و حَوَلَ مسار تاريخ شعوب... وأدبنا العربي لم يشذ يوماً عن هذا النهج بل جسده في أعمال وأعمال لا تزال محفورة في ذاكرة التاريخ ولا تزال كنانة أهل الأدب في عالمنا العربي حبلى بسهام ذهبية تقصم كل سهم تطلقه أيادي المبدعون في الأمم الأخرى ...
ويأتي الشعر في مقدمة فنون الأدب من حيث مدى دقة رصده للأحداث المتغيرة في عالمنا، ومن حيث حساسيته لمجريات الأمور ... فإن أردنا أن نتابع نبض الأمة فلنراجع قصائد شعرائها، وإن أردنا أن نقف على تاريخها فلنقرأ ما خطه الروائيون ... إذا فالشعر -إن صح التشبيه – هو مقياس لنشاط قلب الأمة. والصدق أقول أن شطر بيت من النظم قد يختزل حكمة دهر أو يوقد ثورة أو يحيي ما مات من همة ... والشعر دون غيره من صنوف الأدب يمتاز بميزة لا تتحقق لغيره من فنون الأدب فكلماته المنظومة التي ارتوت بروح الشاعر فجاءت منغمة بموسيقى تداعب روح المتلقي فتنفذ إلى قلبه وعقله وتختزنها ذاكرته، وكم من شاعر احتضن الثرى رفاته منذ عشرات القرون لا يزال نظمه حي نابض في ذاكرتنا ....
تسألني رعاك الله عن الدور المنوط بالأديب، وأرى أن سنام سؤالك قد يتفق مع واقع موضعي من دنيا الأدباء لأن ردي عليه سيأتي من موقع "المتلقي" وهذا لعمري هو الموضع الذي أنزل نفسي منه حين أطالع إبداعات الكرام أمثالك من أخوات وإخوة في هذا البستان ... إنني كمحب للأدب وأهله أراني أنتظر من كل أديب أريب أن يدرك أن موضعه في بحر حياة الأمة كموضع النجم يهتدي به السَفٌنٍ و موضع الدفة من السُفِنِ فالأديب رسول يحمل رسالة إنسانية و هو هاد ومرشد ... لكن لابد وأن نقر بأن هناك أزمة يشهدها عالمنا العربي والسبب فيها هو المتلقي كعنصر أساسي و الغريب أنه جان وضحية في الوقت ذاته ... إن المتلقي قد وقع ضحية لطوفان أنواع أخرى من الرسائل الفكرية التي عصبت عينيه عن حقيقة واقعه الذي آثر أن يهرب من نيرانه إلى رمضاء ذلك السراب، فصار ألعوبة بيد من يقفون خلف ستائر المكائد والاحتلال الفكري .... وما أبريء طرفاً من أهل الأدب وصناعته خاصة تلك الفئة التي انغلقت على نفسها و أحاطت ذاتها بسياج الثقافة الانعزالية أو استسلمت لرياح الغزو الفكري العاتية ... وهذا ما أدى إلى أن يصبح واقع عصرنا الحالي أشبه بالرقص على أغاني الصم والبكم أمام جمهور من العميان...
لقد طمست الحياة وصروفها ذكاء النفس عند جمهرة كبيرة من المتلقيين، و ابتعد عدد غير قليل من أهل الأدب وارتحلوا إما لأبراج عاجية فيها تساموا أو إلى جزر نائية فيها أقاموا ...
لكن القتامة لم تتعد إطار الصورة فلا زالت مصابيح الكثير والكثير من أدباء هذه الأمة تنير أرجاء صورة حياتها ...
فأعان الله كل أديب ورعاه الله و أيده بما يمكنه من نقل رسالته التنويرية في زمن تضيع فيه الهوية.
تعليق