معبد الزّهور /..إلى زهرة البنفسج عرفانا و أخوّة.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    معبد الزّهور /..إلى زهرة البنفسج عرفانا و أخوّة.

    معبد الزّهور





    شجيراتي الحبيبة ،الثّائرة،الودودة،التّافهة!..ماذا تنتظرين كي تموتي؟و لمن عساك تمدّين أعناقك الخجولة؟لم لا تذبلين؟ألم تدركي بعد أنّ النّاس هنا لا يأسفون على شجرة ياسمين لم تعانق أسوار بيوتهم بعد ،أو قاردينيا لم تزدن بها قاعات جلوسهم الفارهة،أو نافورة خضراء تتجدّد كلّ يوم كصيحة جماعيّة لعشرات الكمانات؟.هم يأسفون فقط على جبن فرنسيّ لم يتذوّقوه بعد أو على ستائر تركيّة زالت من الأسواق بسرعة..و النّاس هنا شرفاتهم شُيّدت خصّيصا لتكون أبراج مراقبة ممنوعة من البنفسج.و كلّ الحواسّ معدومة هنا باردة كالمرمر،و وحدها الألسن تقوم بدورها على أتمّ وجه في بلدتي الوقورة.


    فهنيئا لك أيّتها الزّهور البريئة من كائنات تُسمِع و لا تََسمَع ،تموت قبل أن تيأس.


    من ناحيتي و نزولا عند رغبة الحسن لا غير ،سأتيح لك و لنفسي فرصة أخيرة.سأصبر بالرّغم من كلّ شيء،سأصبر لأنّك نفيسة و تستحقّين.و لكن هذا لا يعني أنّ إصرارك لا يربكني أو يزيد في قلقي و يضعني وجها لوجه أمام قوم ضيّعوني و أزاحوك من ذاكرتهم تماما.


    موتي الآن !


    موتي أرجوك كي أُشفى فربّما طال بنا الحلم.و ساعتها ستكون العودة من الجنون عسيرة جدّا،هذا على فرض أنّ هناك من عاد فعلا من الجنون.


    ها أنا أجلس وسط شجيراتي الأنيقة الجميلة أترقّب من يشتريها،من يفهمها،من يدلّلها مثلي ،جالس كراهب في ديره ينتظر حزينا وفد المريدين ليتخمّر و يمّحي قداسة و ألفة.


    أفتح المحلّ طوال النّهار،و أعيد ذات الطّقوس .تستيقظ شجيراتي الكسولة حين يلامسها النّور،إنّي أكاد أسمعها تتثاءب بصوت واحد.أُخرجها لتستحمّ في هواء الصّباح النّديّ ،أرشّ الأرضيّة أمام المحلّ ،ثمّ أتجوّل بينها أسقيها واحدة واحدة،تتمطّى أذرعها و تطرب أوراقها،فتمدّ يدها للمارّين مرحّبة مشرقة كعادتها، و كعادتهم لا يصافحونها.أمّا نظراتهم لي فكانت تقطر خيبة و شفقة و سخرية خرساء .يرمقونني بها و يمرّون دون أن يكلّف أحدهم نفسه عناء الاقتراب أو الوقوف أمامها،كأنّهم يخشون أن تصيبهم عدوى الجمال أو كأنّي أعرضها على مرضى أو مساجين أو حشد من الجياع.في هذه الحالة سيكون الأمر مضحكا بالطّبع،لكن هذا ليس حالنا،فأنا أعرف كلّ الأرقام و على علم بالملايين التي ينفقونها في العلب اللّيليّة تودّدا للرّاقصات،و أعرف كرمهم حين يتعلّق الأمر بالطّوب و الخرسانة و الأعمدة الرّومانيّة المزخرفة و الرّخام و لحم النّعام.


    مضت ثلاثة أشهر و أنا أرتكب الأمل في أن تُباع زهوري.لا أحد طرق بابي باستثناء عجوز ظنّت أنّي أبيع الأعشاب الطبّيّة ،نفيت أن يكون لديّ طلبها فتعجّبت:إذن ماذا تبيع؟


    و آخر طلب منّي – إن كان لا يزعجني طبعا - ثلاث وريقات قرنفل أمره بها أحد الدجّالين لجلب كنز مطمور؛ يقول أنّه باسمه،فأعطيته.


    و أحد الأثرياء كاد يدفع لي ثمن شجرة أكارينيا لولا أن اكتشف أنّها ليست نخلة فأعادها إلى مكانها و انصرف نادما كأنّه اقترف ذنبا أو خطيئة.


    أليست أصصي فاتنة كفاية كي تباع؟ بلى هي كذلك ،أحرق يدي إلى المرفق إن لم تكن كذلك .إذن فيم النّضال ؟هل استقال الجوري عن بهائه القديم و ضاع سحره فجأة و أنا آخر من يعلم؟أليست تخاطب الفطرة؟ألهذا الحد تلاشت لغتها و صارت بحاجة إلى شرح و دعاية؟


    يبدو أنّي بالغت قليلا في العناد،فلو أنّي ساندتها بحفّاظات للأطفال و بطاقات شحن و سجائر مهرّبة لكانوا ربّما انتبهوا إليها.


    ظننت بادىء الأمر أنّي سأبهر الجميع بما جمعت،آمنت بحظوظها بين آلاف السّلع المعروضة،و بأنّها لا ريب ستغزو القلوب،لم تترك لي ألوانها و رونقها غير الإقدام على الرّهان.حرصت على أن تكون متنوّعة و منسّقة بشكل لا يقاوم،تعبت كثيرا في جلبها،عانيت في تزويقها ،لكنّي صُدمت بأنّ أحدا لا يلتفت إليها بنصف عين.


    ما أصعب أن يصاب أحدنا في رهان لاح له أكثر وضوحا من النّور.


    و مع مرور الوقت أصبحت أشكّ بأنّهم اتّفقوا جميعا على إلغائي. إنّي أعلنها جهارا دون تهذيب:إنّهم يتآمرون ضدّ الأقحوان،و يكيدون للزّنبق،تماما كما يفعل الأعداء.


    الشكّ هو الأمر الوحيد الذي يجب أن يُعلن بنبرة يقين:إنّ لهم في استبقاء القحط مآرب ضخمة..لست أدركها و هذا ما يفتك بي و يحيّرني .و حتّى متى سأضلّ صامتا أراقب نفورهم من ربيعي و أتطلّع إلى عيونهم الرّمداء البخيلة المستعجلة و هي تقلّب المعاطف و الفساتين المعلّقة من حولي بنهم و إعجاب؟.أما علموا أنّ قميصا آخر في دولاب الملابس لن يزيد في عمر السّتر يوما واحدا.و بأنّه سيزاحم في أحسن الأحوال بقيّة القمصان!؟


    أكاد أُجنّ.


    تاجر الّليمون الإسفنجيّ المحنّط يجلس بعيدا عن عصيّه السّخيفة المخيفة،يدخّن النّرجيلة في هدوء و بطء و قسمات وجهه متحفّزة للعراك ،و الزّبائن يتهافتون على تحفه الغبراء من حوله مذعنين لأوامره و نواهيه،كأنّه وليّ نعمتهم أو كأنّ في الأمر منّة.


    و أنا في الجهة الأخرى من المدينة أتحرّق شوقا لأقدام تطأ المحلّ،و لا أجد حيلة تجعل النّاس يرون شجيراتي كما أراها،أُشبه إلى حدّ بعيد ذاك الزّوج المثقّف الذي يودّ أن يُقنع زوجة تهوى المطبخ و حصص الطّبخ بسماع مقطوعة لباخ .المسكين تراه يكاد يوثقها بحبل على المقعد و هو يدندن مع الموسيقى و يطرّز النوتات بيديه في الهواء و هي شاخصة لا تلوي على شيء.


    حادثة تلو أخرى و أنا أسجّل نكران النّاس و هجرانهم معبد الزّهور.


    قبل أسبوع حلّ بيننا أحد المطربين المشاهير؛المناسبة مهرجان يُقام سنويّا في المدينة،اسمه الفردوس،و لكنّك لست تشاهد فيه من الفردوس ذرّة واحدة أو حتّى ما يذكّر به.سيّارات لا حصر لعددها،و جمهور أصفر جالس على حجارة صفراء مقامة وسط مرج بور أصفر.لو كان الأمر بيدي لأطلقت عليه مهرجان الرّبو.


    أنا في قمّة السّخط و لا أحد يحقّ له أن يناقش غضبي لأن لا أحد تلقّى الإهانة مثلي..


    رتّبت للضّيف باقة كبيرة تليق بمسيرته الفنّيّة العظيمة،أمضيت أكثر اللّيل أشتغل على تنسيقها .قطفت من كلّ أصيص عروسه،و من كلّ مشهد للقطيعة عذرا لهم.راهنت قطعا على أنّهم سيستقبلونه بالزّهور،ساعتها لا مفرّ لهم من زيارتي،سيتودّدون لي في طلبها،سوف لن أطيل العتاب،أعرف أن لا وقت لديهم للحديث.هم أصلا لا يردّون تحيّة ليست بعدها صفقة ،فما بالك بحديث عقيم.أرتاب في كلّ شيء و لا أشكّ لحظة في مدى فهمهم للأصول و ما ينبغي لها.بل أحيانا تذهلني خصلة التّمييز لديهم،حتّى أنّ ثمّة منهم دائما من تجد بحوزته مطّاريّة لو أنّ الأمطار باغتتهم خارج بيوتهم ظهيرة يوم شديد القيظ بعد سنين من الجفاف!.


    مرّت الأيّام والدّنيا على حالها لا شيء تغيّر كما خمّنت.و ذبلت الباقة،و لم يتقدّم من السّادة أحد لخطبتها.


    العنوسة طالت القرنفل أيضا،فماذا بعد؟


    بعد أن أضحى الخبر قديما فهمت أنّهم يومها أهدوه باقة مؤلّفة من أربعة صبايا في عمر الزّهور..


    أترين يا سوسنتي الحبيبة البائسة،كيف أنّهم يكرهونك و يتمنّون لجواريهم عمرك القصير!.


    سنة بأكملها و أنا أطعمك و أسقيك و التّاس من حولنا يواصلون رجمنا بلا هوادة.حتّى متى ترانا سنضلّ نستعطفهم كالذي ينقر فوق واقعه المرير نقرا كي يترك لنفسه فرصة لتكذيبه؟


    زهوري حمقاء جدّا و إلاّ لأدركت بأنّ للشّذى أيضا خطوط حمراء يحجّر عليه تجاوزها،و بأنّ هذه الأرض ليست أرضها.


    هناك في مكان ما من الأرض عاشقان يبحثان عن محلّ للزّهور فلا يجدانه،و هنا أناس تتهادى الرّوايات التي يتهادى فيها أبطالها الورود،فما أبعد هناك و ما أوحش هنا و ما أحلى أن تزول مسافة الذّوق بين الـ"هنا "و الـ"هناك".


    سرّني في مناسبة أخرى أنّهم يجهّزون حفرا لغراسة أشجار للزّينة على طول مدخل المدينة،تحسّبا لقدوم أحد المسؤولين.و لم أكن لأعجز عن توفير طلبهم.و لكنّهم آثروا عوض اللّجوء إلى خدماتي أن يرشقوا فروع صنوبر كانوا احتطبوها من غابة مجاورة.المضحك هو أنّهم صدّقوا كذبتهم و ظلّوا يسقونها بعد رحيل المسؤول أسبوعين أو أكثر.


    خضّتني الظّاهرة و استولى عليّ الإحباط بالكامل و وجدتني أحمّل النّرجس و الآس كلّ معاناتي ،و هذا خطير،فزرت أخصّائيّا في علم النّفس..كنت وقتها على وشك الانهيار،و لا أدري كم انتظرت في قاعة الاستقبال،فقد طافت بي الخواطر من كلّ جانب.كان رفقائي في غاية الأدب و الحياء،و فكّرت أنّهم هنا لمجرّد أنّهم يلحدون بالزّهور،و بأنّي هنا لأنّي آمنت بها،و بأنّنا هنا لنتحاكم أمام الطّبيب ..معادلة غريبة شرد لها ذهني فتآكلت الدّقائق و لم أشعر إلاّ و المساعد يناديني:- سيّد حيدر ابراهيم،تفضّل..دورك.


    مكتب الطّبيب كان واسعا و غير معقّد و كانت هناك في كلّ زاوية شجرة بلاستيك كبيرة،تركت في المحلّ شقيقاتها و لكن من لحم و دم،لو دقّقت النّظر إليها لانتبهت إلى كتل الخفّاف التي من المفترض أن تلعب دور التّراب و إلى بعض الأسلاك الصّدئة العارية التي زال كساؤها و التي من المفترض أيضا أن تلعب دور الأغصان.لم يكن على الجدران لوحات ماعدا بعض المقاطع الطبّيّة للدماغ و أخرى للجهاز العصبيّ.


    المعاناة واحدة ،إذ لا أحد يشتري الهذيان الزيتيّ للرسّامين.أتحدّاك إن أنت عثرت في مصنع للحليب عن لوحة فنّيّة عدا صور لأبقار مبتسمة،و في مخابر التّجميل أكثر من صور عملاقة لشفاه حمراء و عيون خضراء دون ملامح ،و في مكتب مدير مصنع البسكويت أكثر من صور لسنابل القمح..هكذا جرت العادة ..


    تركت الطّبيب يقود الحوار كما اتّفق فمرضي ليس له اسم علميّ،و لا أظنّ أنّه قد تعرّض لمثله من قبل،و جعلته يفهم بأنّي أعاني إرهاقا جرّاء عملي.


    طبعا لم أفصح له عن مهنتي كبائع أبله لزهور حيّة،يجري النّسغ في عروقها،و لم أقل له بأنّي ماثل بين يديه لأنّي شقيّ بعشقها،و بأنّي ألتمس أقراصا تجعلها قبيحة في عيني كما هو شأنها في عيون النّاس دون أن أستثني عينيه.في الحقيقة خشيت أن يصاب بالخجل أو بنوع من تأنيب الضّمير،فالمطلوب منّا كمرضى مهذّبين هو أن نجعل الحكيم يفهم كلّ شيء دون أن يشعر بشيء.


    هناك سبب آخر منعني من قول الحقيقة،و هو أنّ مرضي من ذاك النّوع الذي إذا أصبت به أنت يجب أن يتناول حبّات الدّواء من تسبّب لك فيه.


    لا أنظّر و لكن من يدري ربّما أصبح هرائي حقيقة يوما ما..


    الخلاصة أنّ عيوني بدأت تُفتح شيئا فشيئا و عاد لي تدريجيّا إدراكي للمسائل و صرت أعي ماذا عليّ أن أفعل،أو بالأحرى ما الذي لا يجب عليّ فعله،ثمّ فجأة فتحتها بالكامل..


    - حمدا لله أنّك استيقظت من تلقاء نفسك،و إلاّ لكنت أطبقتَ السّقف على رأسي..(قالت زوجتي ذلك رغم أنّي على النّقيض تماما).


    .. ذاهبة إلى صديقتي وداد..هل تريد شيئا قبل أن أخرج؟


    - ..المحلّ الذي اكتريته هذا الصّباح..


    - ما به؟هل قرّرت حقّا أن...


    - لا..غيّرت رأيي ،إنّني أنوي فتح طاحونة لرحي الحبوب و التّوابل..إنّه قراري الأخير..


    أصلا ليس أمامي خيار آخر ..فمدينتنا ،يا عزيزتي ،لا تزال تتعثّر في الرّغيف و حساء الشّعير و خلطات تسمين العرائس..و غلطة فادحة أن نبيع ما نحبّ..


    لم أكد أتمّ كلامي،حتّى سمعت الباب السّفلي يُطبق.


    خرجت زوجتي و لم تسمع الجواب..


    لا يهمّ ..يكفي أنّي كنت بالاستماع..




    ***


    محمّد فطّومي

    تونس يوليو 2010
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد فطومي; الساعة 24-08-2010, 23:55.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة
  • وفاء الدوسري
    عضو الملتقى
    • 04-09-2008
    • 6136

    #2
    مكثت كثيرا هنا بين حدائق حرف تسكنه روح الجمال
    هذا السرد المسيج بحروف الورد..
    تأملت كثيراً.. سمعت أكثر..
    لوشوشة ورد ضم أجمل الباقات..
    وكأنني سمعت أنين.. عصر
    الورد من بين السطور!..
    شكراً للإبداع لحبر قلم رائع العطر
    رائع الورد
    دمت بخير
    التعديل الأخير تم بواسطة وفاء الدوسري; الساعة 25-08-2010, 03:44.

    تعليق

    • وفاء الدوسري
      عضو الملتقى
      • 04-09-2008
      • 6136

      #3
      أستاذي/ أنا لم افهم القصد والمعنى من العنوان
      (معبد الزهور)
      اتمنى أن تخبرني مع الشكر الجزيل لكرمك
      تحيتي
      التعديل الأخير تم بواسطة وفاء الدوسري; الساعة 25-08-2010, 03:58.

      تعليق

      • محمد فطومي
        رئيس ملتقى فرعي
        • 05-06-2010
        • 2433

        #4
        الغالية وفاء عرب،
        لم أكن لأقدر على زيارة منك دون حرف،فكيف بهذا الفيض من العبارات النّافذة؟
        شكرا أن أتحت لنا فرصة لقاء،لا أدري لم تأخّرت؛ربّما أنّ التّقصير من جهتي،على كلّ سعيد جدّا بتواجدك في هذا المربّع المتواضع.

        العنوان أختي العزيزة،ورد في صيغة دالّ و مدلول ،،لعلّ الشّرح من جهتي لن يزيد الأمر إلاّ تعقيدا،لسبب بسيط و هو أنّي أكتب العنوان بمحض ما اعتمل بداخلي من انطباع أعوّل فيه على الاحساس أكثر من كلّ منهج أو اختيار تقني،حال انتهائي من العمل.
        و لكن و لكي لا أدع سؤالك دون إجابة،فإنّ الرّاوي صاحب الأحداث كمّل حكيه من خلال ما قدّمه به ؛بأن قال لي و لك بأنّه لن يكون في عينيه و وجدانه محلاّ عاديّا تباع فيه الزّهور سلعة كغيرها،لو قايضوه إذن بمال مقابلها لحصل الرّضا و لزال العتب،بقدر ما راهن على أنّه سيجعل منه للمحراب أقرب و للمعبد الذي سيغسل ما تلوّث في النّاس من ذوق و هروب للجمال مثالا.المعبد الذي سيقوّم سلوكهم على النّقاء أسوة بالزّهور؛ و لعلّ الزّهور ،اسقاطا ،هي كلّ ما يجب أن يسلم من ظلم البشر..المعبد الذي سيكون بمثابة معابد بوذا لمريديه ،ملجأ لكلّ محبّ كئيب محروم من الشّعور بسكينة الصّفاء .
        إنّه في اعتقادي يرتقي بزهوره و من ورائها بالفنّ و النّور و الجمال ،جنونا، إلى مرتبة القداسة ،و التحرّر ..لو يعلمون..أو ليتهم يعلمون..

        أستاذة وفاء،سرّني هذا الّلقاء كثيرا.
        كان عليّ منذ أمد أن أقول لك بأنّك كاتبة بحقّ،و بأنّي لا أجدك تتكرّرين كلّ يوم.لست أجامل هذا رأيي فيك منذ البداية.
        "ها أنا أجلس وسط شجيراتي الأنيقة الجميلة أترقّب من يشتريها،من يفهمها،من يدلّلها مثلي ،جالس كراهب في ديره ينتظر حزينا وفد المريدين ليتخمّر و يمّحي قداسة و ألفة."

        محمد فطّومي
        مدوّنة

        فلكُ القصّة القصيرة

        تعليق

        • آسيا رحاحليه
          أديب وكاتب
          • 08-09-2009
          • 7182

          #5
          أفتح المحلّ طوال النّهار،و أعيد ذات الطّقوس .تستيقظ شجيراتي الكسولة حين يلامسها النّور،إنّي أكاد أسمعها تتثاءب بصوت واحد.أُخرجها لتستحمّ في هواء الصّباح النّديّ ،أرشّ الأرضيّة أمام المحلّ ،ثمّ أتجوّل بينها أسقيها واحدة واحدة،تتمطّى أذرعها و تطرب أوراقها،فتمدّ يدها للمارّين مرحّبة مشرقة كعادتها، و كعادتهم لا يصافحونها.أمّا نظراتهم لي فكانت تقطر خيبة و شفقة و سخرية خرساء .يرمقونني بها و يمرّون دون أن يكلّف أحدهم نفسه عناء الاقتراب أو الوقوف أمامها،كأنّهم يخشون أن تصيبهم عدوى الجمال أو كأنّي أعرضها على مرضى أو مساجين أو حشد من الجياع.في هذه الحالة سيكون الأمر مضحكا بالطّبع،لكن هذا ليس حالنا،فأنا أعرف كلّ الأرقام و على علم بالملايين التي ينفقونها في العلب اللّيليّة تودّدا للرّاقصات،و أعرف كرمهم حين يتعلّق الأمر بالطّوب و الخرسانة و الأعمدة الرّومانيّة المزخرفة و الرّخام و لحم النّعام.

          شدّني جدا هذا المقطع..
          رائع فعلا..
          أسجل مرورا سريعا..و لي عودة بإذن الله.
          تحيّتي.
          يظن الناس بي خيرا و إنّي
          لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

          تعليق

          • محمد فطومي
            رئيس ملتقى فرعي
            • 05-06-2010
            • 2433

            #6
            أختي الأديبة الرّائعة آسيا،
            جارتي أيضا.
            تسرّني دائما زياراتك، مرحبا بك أختي و شكرا لك ألف شكر.
            مدوّنة

            فلكُ القصّة القصيرة

            تعليق

            • خالد يوسف أبو طماعه
              أديب وكاتب
              • 23-05-2010
              • 718

              #7
              الله عليك يا أخي محمد فطومي
              رائع هذا النص بكل ما فيه من جمال
              وأي جمال يضاهي جمال الطبيعة والزهور؟
              نص جميل ومتين وسلس على الرغم من طوله
              إلا أن السارد بقي طوال السرد محافظا على نسقه الذي بدأه
              ومشى فيه مشواره مع الورود والياسمين والجوري والقرنفل
              حتى كدت أستم بعضا من روائحها الزكية وألمس طرفا من
              أوراقها الندية فأستلذ بها وتدغدغ أنفي رائحتها الزكية
              وجدتك هنا مختلف جدا أستاذي القدير ترسم الحب بريشة
              الزهور ورائع ما خط القلم هنا ........
              و حتّى متى سأضلّ صامتا أراقب نفورهم من ربيعي
              حتّى متى ترانا سنضلّ نستعطفهم كالذي ينقر فوق واقعه المرير
              أظنك تقصد ... سأظل .... سنظل ....
              مودتي ومحبتي
              sigpicلن نساوم حتى آخر قطرة دم فينا

              تعليق

              • محمد فطومي
                رئيس ملتقى فرعي
                • 05-06-2010
                • 2433

                #8
                العزيز خالد،أهلا و مرحبا.
                كنت سخيّا معي أكثر ممّا أستحقّ يا رجل.
                نحن ذاك الخليط،نحن كلّ شيء دون أن ندري،لذلك تبدو أحيانا ردّة أفعالنا مختلفة في كلّ مرّة على الرّغم من أنّ الصّائغ واحد..
                صديقي خالد ؛تحيّة لك بحجم كلّ ما اقترفه صاحبنا في حلمه من أمل و زهور.
                مدوّنة

                فلكُ القصّة القصيرة

                تعليق

                • سمية الألفي
                  كتابة لا تُعيدني للحياة
                  • 29-10-2009
                  • 1948

                  #9
                  الأستاذ/ محمد فطومي


                  من ناحيتي و نزولا عند رغبة الحسن لا غير ،سأتيح لك و لنفسي فرصة أخيرة.سأصبر بالرّغم من كلّ شيء،سأصبر لأنّك نفيسة و تستحقّين.و لكن هذا لا يعني أنّ إصرارك لا يربكني أو يزيد في قلقي و يضعني وجها لوجه أمام قوم ضيّعوني و أزاحوك من ذاكرتهم تماما.

                  ممتنة لك سيدي

                  كعادتك شذا الجمال يفوح ويبوح من حرفك

                  سعيدة بأن عدت اليوم لقراءة تلك الرائعة

                  كيف أوفيك ! لا أدري لأول مرة أقف عاجزة

                  سامحني عن التقصير

                  كل عام وأنت بخير

                  بتلات الياسمين لروحك

                  احترامي

                  تعليق

                  • إيمان الدرع
                    نائب ملتقى القصة
                    • 09-02-2010
                    • 3576

                    #10
                    الأستاذ الراقي محمد فطومي:
                    لا مكان للورود في زمن العلقم والأشواك..
                    في زمن القحط..
                    الجمال في حياتنا ينهار يوماً بعد يوم..
                    والنباتات المصطنعة تتصدّر محالنا، وبيوتنا، وقلوبنا..
                    نصّ رائع ..وقويّ
                    كتب بقلم أديبٍ متمكّن..
                    دُمتَ بخيرٍ وسعادةٍ...

                    تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                    تعليق

                    • محمد فطومي
                      رئيس ملتقى فرعي
                      • 05-06-2010
                      • 2433

                      #11
                      عفوا أخت البنفسج..لطالما تمنّيتِ لنا جميعا بتلات الياسمين و أعبق ،بفيض و روح سخيّة عالية..
                      "و هل بوسعها أن لا تفوح مزارع الدرّاق؟"
                      مدوّنة

                      فلكُ القصّة القصيرة

                      تعليق

                      • محمد فطومي
                        رئيس ملتقى فرعي
                        • 05-06-2010
                        • 2433

                        #12
                        الأديبة المتألّقة إيمان الدّرع،لا أجد ما أزيد عمّا تقولين..إنّه كذلك للأسف الشّديد.
                        أشكرك على القراءة و التّواجد.إنّها زينة و فخر،لو تعلمين أختي العزيزة.
                        مدوّنة

                        فلكُ القصّة القصيرة

                        تعليق

                        • آسيا رحاحليه
                          أديب وكاتب
                          • 08-09-2009
                          • 7182

                          #13
                          لا أزال تحت سحر هذا النص المدهش.. كنت سأعلّق بأن السرد طال نوعا ما و لكني غيّرت رأيي الآن..فما زاده الطول سوى جمالا حتى تمنيت لو أنك أسهبت أكثر.
                          الفكرة في حد ذاتها مبتكرة , فمن الذي تخيّل يوما ما يدور في ذهن بائع الورد , بائع الجمال و الرقّة..وحيد ا قابعا في معبده في هذا الزمن الرديء.
                          سحرني أسلوبك هنا سيدي واعجبتني التعابير و الصور.
                          أهنّئك.و أهديك هذا الجزء من نصي " في قاعة الإنتظار "
                          فوق الطاولة أمامها مزهرية بها ورود اصطناعية .....شعرت بالأسى " كم تؤلمني رؤية ورود من بلاستك ...الوردة تعيش أحلى أيامها...تعبّق الحدائق....تزيّن شعر حسناء....توضع على صدر جميلة....تهدى لحبيب ثم تموت موتة راقية في حضن الطبيعة أو بين طيات رسائل حب ".. تنهدت وهي تنظر الي المزهرية في حزن " أما عندما تصنّع من مادة جامدة فهي تحتجز بين الموت والحياة...و تلك هي المأساة. "
                          تحيّتي و احترامي لك .
                          يظن الناس بي خيرا و إنّي
                          لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

                          تعليق

                          • محمد فطومي
                            رئيس ملتقى فرعي
                            • 05-06-2010
                            • 2433

                            #14
                            ما أرقّ ما أهديتني ،أختي العزيزة آسيا.
                            كان المقطع جميلا ،حزينا،لا يُحسد من يحمل وجعَهْ.
                            زمن التهى فيه سكّانه بتقليد الجمال و محاكاته عوضا عن الوقوف في حرمه.
                            البلاستيك لا يموت و لا يكترث إن نحن نسينا سقايته..البلاستيك يولد كبيرا و يوفّر علينا مشقّة انتظاره..البلاستيك يُخرجنا من مآزق المناسبات الفجئيّة..البلاستيك يأخّر لسعة الضّمير إن نحن تثاءبنا رتابة كعادتنا أمامه..البلاستيك يجعلنا نُسيء راجين الثّواب ...أليس هذا ما يهمّنا في نهاية المطاف؟
                            أختي آسيا ممتنّ لك كثيرا،و شكرا على الهديّة الرّائعة مرّة أخرى.
                            لك كلّ التّقدير.
                            مدوّنة

                            فلكُ القصّة القصيرة

                            تعليق

                            • ربيع عقب الباب
                              مستشار أدبي
                              طائر النورس
                              • 29-07-2008
                              • 25792

                              #15
                              أستاذي محمد
                              كان الرحيل معك هنا بأجنحة المتعة شأنا آخر
                              و عالم مختلف تماما
                              و لكن لم يبتعد .. و إن حاول الابتعاد
                              فأنت محمل بهؤلاء ، بذاك العالم العجيب
                              ذكرتني هنا بأعمال شهيرة
                              لها مرارة هذا الشجن
                              و كنت أراك بعين ( نسين ) مرة
                              ومرة بعين ( كافكا ) و أخرى أو أخيرة
                              بعينك أنت الخالصة .. و فى كل الحالات لم تكن
                              هنا عاديا أبدا ، و أنت تأخذنا من أيدينا
                              و بكل يسر و سهولة تدفع بالكثير و أنت تدلل عليه
                              كيف لمجتمعات جائعة أن تستشعر الجمال فى نفسها
                              و فى حياتها و مفرداتها
                              فى الآخرين .. فى تلك الطلة للقمر ، أو الترنيحة للزهرة
                              أو تلك النغمة التى أصدرها حامل الرباب !
                              رغم أن الصحراء قد تكتوى ظمأ و عشقا للغائب عنها
                              و لكن ( فاقد الشىء لا يعطيه ) ربما يحلم به ، ويأرق له
                              و من بين أنياب الفقر خرجت أنامل العباقرة
                              كما خرجت كل الزهور التى تتغني بالجمال
                              فنيئا للقبح .. دعه يسمع صوته
                              و دعنا نطيل الصمت ، حتى لا نعطي للقبح يوما جديدا !!

                              قصتك سيدي عرت الكثير
                              و خاضت فى كثير
                              وكانت لوحة بحق تستحق أن تعلق على صدر المكان !

                              القصة للتثبيت بجدارة


                              محبتي

                              ما ابتعادي عن العمل خلال اليومين السابقين إلا تهيئة نفسية لا أكثر !!
                              sigpic

                              تعليق

                              يعمل...
                              X