لـيـتـني كنت أكبر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    #16
    لكنني كنت شديد الخوف، عرفت هذا من نبضات قلبي......كانت دقّات خوف، خفت أن تعتبرني شاباً صغيراً بهره جمالها فحسب......وتخيلتها تقول لي "يوم كنت أنا في الخامسة عشرة كنت أنت قي بطن أمك"......بالتأكيد ستتبادر لها هذه الفكرة......لكن ما ذنبي أنا ليعجنني حبها ويخبزني كل ثانية.......

    ودون شعور، وكأنني مخمور وجدت نفسي أمام القشري أقبله وأبكي، وممرضان تقفان بجانبي تواسياني......كيف دخلت لا أدري، لعل قلبي جاء بي يبحث عن رائحتها في أبيها.......عندما انتبهت كان وجهي عند رأسه، فشممت رائحة شعره العطنة......لا أظنه استحمّ منذ أشهر، لكن لايهم، رائحته وجدتها أحلى من المسك لأنه أبوها.

    بعد قليل جاءتني إحدى الممرضات وفي يدها كيس، قالت إنه متعلقات القشري وطلبت مني التوقيع على استلامها.......قلت في نفسي جاء الفرج وطبعت قبلة مستعجلة على جبين مسعود، أخذت متعلقاته وخرجت ومعي سبب لأتصل بها........جلست في السيارة وأخذت عدّة أنفاس، ثمّ عزفت رقمها.....وجاء صوتها

    -ألو.......

    وددت لو أكلت تلك الكلمة من فمها

    -جواهر اسمعيني قبل أن تغضبي.

    -أنا لست غاضبة، تكلم ماذا تريد، لكن ليكن هذا آخر اتصال.

    -كنت عند عمّي مسعود، وقد أعطوني متعلقاته.....ثوب وصرّة وإزار وفردة نعال واحدة ....والعصا بقيت بقرب سريره.........

    ثم ضاع الكلام مني فلم أستطع أن أنطق بشيء، ولمّا طال بي السكوت قالت

    -هذا فقط ما تريد قوله؟!!......كنت أنتظر أشياء أخرى حسبتها مهمّة.....

    -مثل ماذا؟!؟!.......أرجوكِ قولي لي.

    -لا أدري......يبدو أني كنت مخطئة.

    -أنا فعلاً يا جواهر أريد قول أشياء كثيرة، لكني الآن فقط فقدت كل ذاكرتي......أصابني سحر ما.......كلما رأيتك أو سمعتكِ يصيبني سحر، أفقد ذاكرتي وعقلي، أما قلبي فيصاب بحالة سكر شديدة.



    للقصة بقية....

    تعليق

    • سالم الجابري
      أديب وكاتب
      • 01-04-2011
      • 473

      #17
      -سالم ....دعني أساعدك.....هل أنت معجب بي؟

      لم أصدق أنها سألتني ذلك السؤال، وانهمر العرق يتقاطر من وجهي لفرط تأثري......وصرت أحاول إخراج الكلمات فتعلق في حلقي، وصبرت عليّ حتى استعدت بعض أنفاسي

      -جواهر.....جواهر......ماذا تقولين؟!....وعن أي إعجاب تتكلمين؟! أنا انغمست في حبك، وشربت منه، وملأت منه قلبي وجرى في شراييني.....وهل يكفيك كل إعجاب المعجبين؟!.....أنت فقط تعشقين للموت.

      -سالم....اهدأ قليلاً....................................هل تحسّ أنك أهدأ الآن؟

      -نعم، وتأخذني موجة صوتك إلى أعماق الهدوء.

      -توقف عن غزلك لدقيقة أريد أن أقول شيئاً..........هل تعرف كم فارق السنّ بيني وبينك؟!.......لقد سألت أمي اليوم عنك ، أنت حتى أصغر من أخي محمد بسنة، فارق السنّ بيني وبينك هو خمسة عشر عاماً.......هل تعي ما أقول؟!.

      -وماذا في ذلك يا جواهر؟!......أنا لست صبياً أجري بحفاظتي.

      -أعلم ذلك......كما أني أعلم أن الشباب في عمرك يحبون بسرعة وينسون بسرعة........اسمع، بعد خمسة عشر عاماً أخرى سأكون أنا في الخمسين وستكون أنت مازلت في عنفوان رجولتك......هل تفهم؟

      -دعيني يا سكّرة أتخيل شكلكِ وأنت في الخمسين......آهـ.....ما أجملكِ....أنت نبيذ أحمر، لا تزيده السنون إلا حلاوة.....

      -لقد احترت معك......ماذا أقول لك وماذا أفعل معك؟!؟!؟

      -أحبيني يجزيكِ الله الجنة.

      -هاها....هاها.....هاها......أنت بليّة.....هكذا ببساطة تطلب مني أن أحبك؟!

      -أحبيني يا قطعة السكّر، يا أحلى من كل سكّر الدنيا.......هل تعرفين أنّي سميتك قطعة السكّر؟


      للقصة بقية.......

      تعليق

      • سالم الجابري
        أديب وكاتب
        • 01-04-2011
        • 473

        #18
        -ها ها......عليك حركات عجيبة.....لماذا سميتني قطعة سكر؟!

        -حبيبتي....

        -لا تقل حبيبتي، أنا لست حبيبتك حتي الآن.

        -كما تريدين....يا عمري ويا روح روحي، سميتك سكر لأنه منذ رأيتك صار كل الكون سكّر......حتى دمعي عندما بكيتك البارحة، جرت دمعة لفمي فكان طعمها سكرياً، لكن هناك شيء.......لا تخرجي في المطر، أخشي عليك الذوبان يا روحي.

        -يا سلام.....كلّ هذا فيّ أنا؟!!!

        -بل هذا أقل ما فيك يا أحلى من الورد......ليتني من أقلّ أشيائك التي تحملينها معك......ليتني نسمة هواء أتعطر من أنفاسك.....

        -توقف..........حسناً سأفكر فيك الليلة، وسأرى هل أحبك أم لا.....أنا لم أجرب الحب، لكن ما أعرفه عنه أنه عاصف.....يعصف بالقلوب، وأنا قلبي رقيق لا يتحمل كثيراً.....


        للقصة بقية.......

        تعليق

        • سالم الجابري
          أديب وكاتب
          • 01-04-2011
          • 473

          #19
          -يا عمري.....رياحي مستقرّة دوماً على شراع حبك.....وقلبي لا يجدّف إلا في بحرك.

          -لا تحاول التأثير علي.......قلت لك سأفكر فيك وأخبرك غداً.

          -أنا راضٍ بما ستحكمين عليّ......وليتك ترينني الآن، أنا أنحني لك يا أجمل ما خلق ربي........قولي لي يا عمري، حتى يصدر حكمكِ غداً، ماذا عن شرطك بأن هذا آخر اتصال.
          -هل ترى أن نؤجل هذا الشرط حتى أفكر فيك؟

          -نعم.....قد تحتاجين لسؤالي عن شيء معين وأنتِ تفكرين، أليس كذلك؟!

          -اممم...نعم....سأسهر الليلة بطولها لأفكر، توقع اتصالي في أي وقت.

          حين قالت كلمتها الأخيرة كدت أقذف بالهاتف عالياً في السماء احتفالاً ببوادر حبها......وهكذا اتصلت بها أنا أول الليل لأسألها إن كانت بدأت في التفكير......ثم اتصلت هي في وسط الليل لتخبرني أنها قطعت شوطاً في التفكير......ثم قررت أن أساعدها في التفكير......وبقينا نفكر معاً حتى الصباح .....كانت أحلى ليلة في العمر، هي قالت ذلك قبلي، قالت

          -هل تريد الصدق.....الحبّ حلو جداً، لماذا يشتكي الناس منه.

          -إنهم يتدلعون عليه فحسب.......

          -لقد طلعت الشمس، أسمع أمي في الخارج......كيف انقضى الليل بطوله هكذا دون أن أشعر؟!؟!.......تقول أني أنا سحرتك، وما حصل هو العكس....لقد سحرتني فلم أعد أحس بالوقت.

          -هل تنوين الذهاب للعمل اليوم؟

          -لا......أخذت إجازة بسبب ظروف أبي، وها أنا أقضي الليل مع غزلك.

          -مسكين عمي مسعود، هل قال الطبيب أنه سيموت قريباً؟

          -سالم......ماهذا؟...فأل الله ولا فألك......هل تتمنى الموت لأبي؟

          -لا يا عمري.....أنا مستعد أن أفديه بروحي لأجل خاطرك.......بالمناسبة، هل تظنين أنه سيوافق على زواجنا؟.

          -سالم حبـ......

          -هيا قوليها ولا تكسري بخاطري، قولي حبيبي يا حبّة القلب.

          -كانت مجرد غلطة.....وهل قلت لك أني أحببتك؟!.....المهم أني أريد أن أخبرك شيئاً عن أبي، وأرجو أن لا تخبر أحداً.

          -هيّا قولي يا روحي.

          -أبي به جنّيّة.........نعم جنّيّة......


          للقصة بقية.......

          تعليق

          • سالم الجابري
            أديب وكاتب
            • 01-04-2011
            • 473

            #20
            -جنّيّة!!!!.....ماذا تقول الدكتورة جواهر!!!!......أنتِ يا عمري دكتورة وتقولين جنّيّة!!!

            -اخفض صوتك وأنت تتكلم ، لولا أني متأكدة ما قلت ذلك..........هل تعرف أن كثيرين قبلك خطبوني من أبي، لكن كلّهم كانت الجنية ترفضهم وتهدد أبي بأنها ستقتله إن هو وافق على الزواج، آخر من خطبني كان ابن عمّي عليّ، وبعد أن حاول أبي إقناعها لمدة طويلة رضيت بشرط أن يشتري لها ذهباً كثيراً ويدفنه في مكان مهجور، ويومها أخذت سلفة من البنك لنشتري لها الذهب.......لكنها بعد ذلك سببت له مشكلة مع عمّي وانتهى الأمر.

            -وهل تصدقين كل هذا يا حبيبتي؟!؟!؟

            -قلت لك أني لم أصبح حبيبتك بعد........أنت لا تعرف هذه الجنيّة، هل تصدق أننا في البيت مانزال نطبخ على الحطب لأنها لاتحب الغاز، وكلما ألحت أمي على أبي ليحضر لها غاز تأخذه رجفة ويغمى عليه.......وو

            وشرعت جواهر تعدد تصرفات جنيّة أبيها الغريبة، وكأن كل هم تلك الجنيّة أن لايصرف القشري أي مال......ويبدو أن خدعته انطلت على جواهر بإحكام، واصبحت جنيّته المزعومة تتحكم في كل شيء، وأما في الحقيقة فليس فيه غير جنون البخل وحب المال، لكنّي لم أستطع أن أقول ذلك لقطعة السكّر.......ولا أجرؤ على إغضابها بأي شكل......ولابد أن أتفاهم مع الجنّية إن أردت الوصول للسكر.


            للقصة بقية.....

            تعليق

            • سالم الجابري
              أديب وكاتب
              • 01-04-2011
              • 473

              #21
              كنت أحمل هماً آخر غير هم جنيّة مسعود المزعومة، أبي......كيف سأقول له أني أريد أن أتزوج بنت مسعود........حتى في الخيال أعجز عن مواجهته بالأمر، ولم أجد لذلك حيلة غير أمي الحنونة.......وعندما فاتحتها في الأمر شهقت وصكّت خدّها بيدها.....وقالت

              -ماذا تقول يا ولدي......لو كانت تزوجت وهي صغيرة لكان ابنها اليوم في مثل سنّك.....هل جننت؟!؟!....أم أنها أعجبت بك وعملت لك سحراً!!!.....النساء اليوم قادرات على هذا، لا حول ولاقوة إلا بالله.


              كنت أريدها واسطة خير، لكنها بدأت تنادي على أبي ليخرج من الغرفة

              -يا خليفة.....يا خليفة.....تعال واسمع ابنك ماذا يقول.

              أيقنت أن الأمر سينقلب لمأساة، وبقيت جالساً منكمشاً كالقط في انتظار ردّة فعل أبي، ويا للمفاجأة.......وأمي تشرح له وهي في قمّة غضبها واستنكارها كانت أساريره تنفرج، ثم أخذ يضحك بشدة......وأنا مذهول....ثم قال وهو يغالب نفسه من الضحك

              -يا سالم.....لقد حاول الكثيرون قبلك وليس هناك مانع من أن تحاول، وإذا نجحت وقبل مسعود أن يزوج ابنته سأكون سعيداً بذلك.

              ثم التفت لأمي وهي أيضاً مندهشة وقال

              -طبعاً سحرته ......أنا أوافقك، لكنها سحرته بجمالها ...... لا تقلقي يا أم سالم، أسوأ ما يمكن أن يحدث هو الزواج من طبيبة جميلة.

              ولم أعرف كيف أشعر، اختلطت علي المشاعر والأحاسيس......هل أفرح لما سمعته من أبي؟!.....أو أخاف لما بدا منه من ثقة بعدم موافقة القشري على تزويج ابنته...........

              على كل حال طرت بالأخبار لقطعة السكّر

              -حبيبتي........لقد فاتحت والداي بأمري وأمرك، وأبشرك بأن أبي وافق وهو سعيد بذلك.

              -هل حقاً ما تقول!؟!؟!.......كنت أخشى شيئاً، كنت أخشى أن يقال أني سحرتك أو عملت لك عملاً.

              -في الحقيقة لقد قال أبي شيئاً من هذا......لقد قال إنك سحرتني بجمالك.

              -أشعر بالإمتنان لأبيك......ماذا عن أمك، ماذا قالت.

              -أمي تقول إنك طيبة ويدك حنونة، ثم لاشك أنها ستكون سعيدة بوجود طبيبة أسنان في الأسرة.

              -لكني يا حبـ.......يا سالم مازلت قلقة ....... أنت فعلاً أصغر منّي، لا أدري إن كانت ستوافق جنّية أبي على زواجنا؟!

              -ولماذا تبخلين عليّ بكلمة حبيبي.....كاد قلبي يقفز من الفرح عندما نطقتي نصفها.......أرجوك أكمليها يا حبيبة أيامي ولياليّ.....روحي معلقة بحبك يا أجمل الناس ويا ألطف الناس.......أما جنّية أبيك فلي معها تصرف بإذن الله.

              للقصة بقية........

              تعليق

              • سالم الجابري
                أديب وكاتب
                • 01-04-2011
                • 473

                #22

                قضيت أياماً أفكر من أين أبدأ دون أن أقرر شيئاً، ، ومن جانب آخر كان أبي يثير غيظي، كلما تقابلنا كان يضحك وكأنه ينظر لمهرج، هكذا كنت أحس.

                لم يكن لدي شك أن القشري ذكي وماكر وإلا لما استطاع أن يمرر حيلته على جواهر على طول الوقت ويجعلها تتعامل مع الأمر بواقعية شديدة، كنت أتخيله عندما يفتعل أن الجنيّة تتلبسه ويتظاهر بالإغماء، أو يتظاهر بأن الجنيّة تتكلم من خلاله، لابد أنه يجيد هذه الأمور ويستخدمها ليفعل بجواهر مايريد........ويلك يا قشري.....أحياناً أتخيل نفسي أمسك بسلاح رشاش وهو أمامي يتظاهر بأن الجنية أتته......أتخيل نفسي وأنا أمطره بوابل من الرصاص وهو يهتز.......أشعر بعدها ببعض الراحة.

                القشري تعافى من الجلطة التي أصابته خلال يومين فقط، وكما أخبرتني جواهر فقد كان ذلك مفاجأة للأطباء، لكنه لم يكن مفاجأة لي........مثله لا يموت بسهولة، ولاتقتله إلا داهية كبيرة، أما الجلطات والأزمات القلبية فلا تعني له شيئاً.
                أحد الأيام طلبت من جواهر أن تتعطف علي وترق لحالي وتدعني أراها

                -حبيبتي......أحس بإحباط شديد ، أريد أن أراك ولو لثوان قليلة، أشرقي بوجهك على قلبي.......لعلي أهتدي لحيلة مع جنيّة أبيك المحترمة.

                -أين تحسب نفسك؟!......في لندن؟!

                -ولو كنّا في لندن هل ستقابلينني؟!

                -طبعاً لا.......هل اسمي كرستين؟!......اسمي جواهر، وأبي مسعود.

                -لا حول ولا قوة إلا بالله.......سآتي غداً وأجلس أمام باب العيادة.

                -أرجوك لا تفعل، إذا رأيتك سأرتبك وقد أخلع الأسنان بالخطأ.......ثم أن الموظفين سيلاحظون تواجدك......هل تريد أن تفضحني؟!

                -اسمعي......أين توقفين سيارتكِ؟

                -يا ويلك ......... ماذا تريد سيارتي؟

                -لا شيء يا حبيبتي، فقط لمحت أعمال هدم في البناية المقابلة لموقف سيارات العيادة وأردت تحذيرك من تطاير الركام.

                -لا تقلق......أنا أصف سيارتي عند المدخل الخلفي للعيادة، فهو أقرب ولا أضطر للمرور بالاستقبال.

                كنت مشتاقاً لها بشدة لدرجة أن شوقي كان يشل تفكيري، أتخيل لمحة عينها.....التفاتتها.....خطوتها.....حركة يديها.......لم يكن لي بد من رؤيتها لأسكن بعض لهيب الشوق بصدري......


                للقصة بقية.............

                تعليق

                • سالم الجابري
                  أديب وكاتب
                  • 01-04-2011
                  • 473

                  #23

                  ولأحظى برؤية السكرة رسمت خطتي في لحظات، لكني سهرت حتى الفجر من فرط فرحتي بتلك الخطة........بعد أن أنهيت محاضراتي توجهت لمحل بيع أدوات البناء، اشتريت بدلة عامل (أوفر أول)، ثم إلى البيت لأختلس من المطبخ دلواً ومنشفة، ثم إلى الدكان لأشتري زجاجتي ماء......وهكذا أصبحت عدتي مكتملة.

                  توجهت للعيادة وأوقفت سيارتي خلف إحدى الأشجار البعيدة منتظراً أن تحل الساعة الثانية، أي قبل موعد خروج السكرة من العيادة بنصف ساعة.......وجلست أستمع لأغنية السيدة.....انته فين والحب فين......

                  عندما جاءت الساعة الثانية خلعت ثيابي وارتديت ثياب العامل، وعلى رأسي قبعة، وعلى عيني نظارة سوداء.......سكبت الماء من الزجاجتين في الدلو ووضعت المنشفة على كتفي واتجهت لباب العيادة الخلفي حاملاً دلوي.

                  عندما لاقت عيناي سيارتها غمرتني قشعريرة باردة، وتنفست نفساً عميقاً وكأني لم أتنفس منذ أيام.......مشيت نحوها بهدوء وكأني أخشى أن تهرب مني.......أول شيء التصق به بصري هو مقبض الباب، حيث تضع سكرتي يدها كل يوم.......وقفت أمام الباب وانحنيت حتى لامس أنفي المقبض.....تمنيتني مكانه ولو لمرة واحدة أتذوق ملمس يدها.....رائحة يدها مازالت عالقة.....رائحة عطر ممزوجة برائحة الحناء......كدت أسقط من شدة نشوتي وذوباني......برقة متناهية مسحت الزجاج الأمامي، ثم استدرت للجانب الآخر من السيارة لأكون بمواجهتها عندما تأتي لتركب.....كم كنت سعيداً وأنا أمسح سيارتها.........

                  لكن جاءني ما لم أكن أتوقع، سمعت من ورائي أصوات عاملين هنديين، كنت أعتقد أنهما يكلمان بعضهما حتى أحسست بضربة عنيفة على كتفي، وعندما التفتّ إذا بهما ينظران لي بكل غضب وكل منهما يحمل دلواً ومنشفة.......عرفت سبب غضبهما، إنهما ينظفان السيارات في تلك المنطقة ويعتبرانني متطفل منافس، لو تكلمت حينها لعرفا أني لست أجنبياً ولربما سببت فضيحة لجواهر ولنفسي......بقيت ساكتاً أنظر لهما وهما كما يبدو كانا يكيلان الشتائم لي بلغتهما، تظاهرت أني أصم وأبكم ولا أفهم شيئاً......حاولت تجاهلهما وعدت لتنظيف السيارة لكنهما انتزعا عنّي الدلو والمنشفة بحركة عنيفة......في تلك اللحظة كان الموظفون قد بدأو بالخروج ولاحظوا ما يحصل، جاء اثنان منهم يستفسران عمّا يحدث، أيقنت أني على وشك فضيحة مدوية، لكني مع هذا تشجعت وتمسكت بالتظاهر بالصمم والبكم، وكاد الوضع ينقلب لصالحي حين بدأ الموظفان بالدفاع عني وطلبا من العاملان الهنديان تركي وشأني.......لكن حبل الكذب قصير، رن هاتفي.....وكانت المتصلة جواهر.....وكنت قد وضعت رنتها المميزة أغنية السيدة "انته فين والحب فين.....".....وبحركة عفوية أخرجت الهاتف من جيبي.....ولم أنتبه لما فعلت إلا حين رأيت الدهشة في عيون الجميع وسمعت أحد الموظفين يقول للآخر "هذا ليس أصماً"......خاطبت نفسي حينها "الهروب نصف المرجلة.....هيا".....وأطلقت ساقي للريح ، واخترقتهم كالسهم، ولم ألتفت حتى وصلت بسيارتي للبيت.

                  وبعد أن استرجعت أنفاسي اتصلت بجواهر لأعرف إن كان قد حصل شيء بعدي

                  -أهلاً.....أين أنت؟!.....اتصلت بك وأنا خارجة من الدوام ولم تجب!!

                  -أنا آسف يا حبيبتي، كان حولي بعض الأصدقاء.....ما هي أخبارك اليوم؟

                  -لن تصدق ما حصل اليوم، لقد حاول لص سرقة سيارتي ...... الحمد لله أن عمّال التنظيف كانوا هناك وإلا لربما سرق حقيبتي التي تعودت أن أبقيها في السيارة.

                  -وهل قبضوا عليه؟

                  -لا لقد هرب.


                  للقصة بقية.....

                  تعليق

                  • سالم الجابري
                    أديب وكاتب
                    • 01-04-2011
                    • 473

                    #24
                    بعد أن أنهيت المكالمة مع جواهر بقيت في السيارة وأنا أسبح بحمد الله على ستره، وبلا وعي مني كنت أنظر لجارتنا العجوز "حمامة" المقعدة وقد أخرجتها خادمتها على الكرسي المتحرك في جولتها المعتادة في الحارة، ثم ما لبثت أن تخلقت في رأسي فكرة مجنونة جعلتني أفتح عيني على آخرهما، نزلت من فوري لألاقي العجوز وأسلم عليها.......وأنا أعرف أنها لم تعد تعرف من أنا، لقد أصابها الخرف منذ سنين عديدة وأقعدتها الجلطات الدماغية المتكررة ولم تعد حتى قادرة على الكلام، أقصى ما يصدر منها هو هزة رأس وتلويح باليد.

                    حمامة عاشت لوحدها فترة طويلة بعد وفاة زوجها، وورثت منه أموالاً طائلة، لكنها بلا أولاد ولا أقارب ما خلا ابنة أخت تزورها كل شهر مرّة. فكرت أن حمامة تصلح طعماً شهياً للقشري، وأني سأستطيع في النهاية مساومته على قطعة السكر.

                    ومن شدة حماسي للفكرة كنت أنتظر في مواقف سوق الحرفيين حتى قبل أن يفتح السوق في الفترة المسائية، بعد الرابعة عصراً فاجأني القشري بظهوره من خلف السوق يتبعه ابنه المعوق، لابد أنه جاء من البيت مشياً فمثله لا يحتمل دفع أجرة لأحد ليوصله للسوق.

                    تركته حتى فتح دكانه وأخرج أعشابه وجلس على كرسيّه ومن ثم توجهت له

                    -عمّي مسعود.....الحمد لله على السلامة، أشرق السوق بنورك وبركتك، لقد خفت عليك كثيراً......كيف هي حالك الآن.

                    -أنا بخير يا ولدي، كيف هم أبوك وأمك وأخوتك؟

                    -الحمد لله يا عمّي.........عمّي في المرّة الماضية اشتريت عندك مليّن للبطن لجارتنا حمامة، لعلك تعرفها......المشكلة أنها منذ ذلك اليوم حين سقيتها الدواء وحتى الآن تعاني من انطلاق البطن، اريد شيئاً ليمسك بطنها.

                    -حمامة المسكينة......نعم أعرفها وكنت أعرف زوجها يرحمه الله، من يعتني بها الآن يا ترى؟؟!!

                    -كما تعرف يا عمّي ليس لها أحد غير ابنة أختها المتزوجة في دبي، ولا تأتيها إلا مرة كل شهر......أنا أعتني بها أحياناً، لكن المشكلة كانت في أموالها الطائلة التي لا تجد من يحفظها......ورثت عن زوجها عمارتين ومزرعة وبيوت غير الأموال السائلة في البنوك.

                    -آهـ......آها.....والآن من يحصل الإيجارات ويعتني بالمزرعة؟

                    -منذ وقت قريب فقط وكلتني في كثير من أمورها وهي تثق فيّ، لكنّي كما تعلم يا عمّي مشغول بالدراسة، تلك العجوز مسكينة.......المشكلة الأكبر الآن أنها تريد أن تحج، وكما تعلم هي بحاجة لمحرم......عرضت عليها أن توكل أحداً ليحج عنها لكنها مصرّة أن تحج بنفسها......هل تصدق يا عمّي أنها طلبت منّي أن أعقد عليها لآخذها للحج......مجنونة تلك العجوز.....لم يتبقى لها عن القبر سوى شبر أو شبرين.

                    -أمممم ...... هل تعلم يا ولدي أن أم حمامة لها قرابة لأمي، كم نحن مقصرين في صلة الرحم، يخشى الواحد منّا أن يموت وأبناءه لا يعرفون أرحامهم......أستغفر الله.....أستغفر الله.


                    للقصة بقيّة.......

                    تعليق

                    • سالم الجابري
                      أديب وكاتب
                      • 01-04-2011
                      • 473

                      #25

                      ونكس القشري رأسه لأسفل وهو يتمتم بالاستغفار والذكر، ثم رفع رأسه وقال

                      -هل تعلم يا ولدي أيضاً أن هناك صلة قرابة بيني وبين أبيك؟!، أنا متأكد أن أباك نفسه لا يعرف ذلك........جدنا العاشر أو التاسع واحد.....سبحان الله، الرحم يا ولدي شأنها عظيم، عسى الله أن يغفر لي ويرحمني.......قل لي يا ولدي ، كم شبراً قلت بقي لحمامة عن القبر؟؟......أريد أن أبرها قبل أن تموت.

                      -شبراً أو شبرين يا عمّي.

                      -وهي كما قلت لي تريد الذهاب للحج وليس لديها محرم.......أليس كذلك؟!

                      -نعم يا عمّي......هو كذلك.

                      -الحمد لله الذي رزقني هذا الفضل.........أنا مستعد يا ولدي أن أتزوجها وأذهب بها للحج، ويعلم الله أني لا أبغي من وراء ذلك إلا وجهه سبحانه.

                      قال جملته الأخيرة وسواد عينيه كل واحدة تشير لجهة غير أختها، علمت أنه وقع في الفخ......... طلبت منه مهلة يومين لأستشير العروس، وقبل مغادرتي حملني بكل أنواع الأعشاب هديّة لها.......وبالطبع من بينها الحناء.


                      للقصة بقية..........

                      تعليق

                      • سالم الجابري
                        أديب وكاتب
                        • 01-04-2011
                        • 473

                        #26
                        كان يجب أن أتوقع ما أخبرتني به السكرة حين اتصلت بي في المساء، بدا صوتها مضطرباً ثم بكت........تقطع قلبي مع تنهيداتها....قالت

                        -لن تتوقع ما فعلت الجنيّة اليوم بأبي المسكين، هل تصدق أنها تريده أن يتزوج........لقد كادت تخنقه اليوم عندما عاد من السوق، ليتك رأيته وهي تقلب جسده المسكين......لقد كبر الآن ولم يعد جسده يتحمل صرعاتها، وهي كل يوم طلباتها في زيادة.......هل تصدق أنه من الساعة السابعة إلى الآن لم يقم ........ تكاد كبدي تنفطر عليه.


                        -أنا فداء لكبدك يا حبيبتي، هوني عليك.......حزنك حزني، يا حبّة القلب......لكن طلب الجنيّة غريب هذه المرّة.....زواج، والمشكلة من سيرضى أن يتزوجه ؟!؟!؟.

                        -ماذا تقول؟......ماله أبي؟.....ماذا يعيبه......كل شيء إلا القدح فيه.

                        -حبيبتي أنا قصدت أنه مسكون بالجن، والناس تخاف من الجن.......أنا لم أقصد حوله المزدوج أو الخلل في فكّه الأسفل أو مشيته السلطعونية......هذه كلها أشياء عادية و.....

                        وإذا بها تقاطعني بغضب

                        -وتقول إنك تحبني!!!!! وتقول أنك ترى الدنيا بي!!!!.....كل هذا تراه في أبي وتقول إنك تحبني!!!.....تحبني وتقول أن أبي أحول وسلطعون وفكّه ملتفّ!!!!........الحمد لله أني لم أقرر أن أحبك بشكل قاطع، لقد بانت سريرتك....

                        -حبيبتي......أنا.....أنا....

                        لكنها للأسف كانت قد أنهت المكالمة.......حاولت الإتصال بعدها ما يقرب من الثلاثين مرة دون أن ترد عليّ.......لساني المفتلت من عقاله تسبب لي بمصيبة، كيف أقدر على غضبها......كيف أهنأ بعيش وهي تصدني هكذا!!!؟؟


                        للقصة بقية.......

                        تعليق

                        • سالم الجابري
                          أديب وكاتب
                          • 01-04-2011
                          • 473

                          #27

                          وقاسيت الويل تلك الليلة من هجرها، وكنت إذا أخذت الغصّة بفؤادي قمت فألقيت برأسي على الجدار.......العجيب في الأمر أني تمنيت البكاء تلك الليلة ولم أقدر عليه، وكأن ألمي ولومي لنفسي كان في منطقة عميقة من روحي ، في باطن باطنها......حيث أشد أنواع الألم الذي ليس معه رحمة الدمعه....

                          آآآآآآهـ.......من حبك يا سكّرة.....لابد أن كبدي ليلتها تفحمت ، كان ذلك واضحاً على وجهي في الصباح، بل لم تقوى رجلاي على حملي لسيارتي لأذهب للجامعة. فكرت كيف أرضيها......أكتب لها رسالة أمتدح فيها عيون القشري وقوامه!!!.....لا شك ستحسبني أستهزئ به وبها........وماذا لو عرفت أني أنا وراء قصة زواج أبيها؟!؟!؟!.......تلك ستكون الطامة الكبرى.......

                          كانت تراودني تلك الأفكار وأنا أرتجف، ثم لم أقوى على الوقوف فجلست على عتبة الباب......وكأني في حلم، سيارة أجرة توقف أمام بيتنا تحمل القشري وابنه، فركت عيني لأتأكد، ولم يكن سواه.....نزلا من السيارة، وجه القشري كان يتهلل بالبشر، وثوبه نظيف على غير العادة، ولم أصحو من الدهشة حتى اقترب الإثنان مني

                          -ولدي سالم......لم نهتدي للبيت بسهولة.....السلام عليكم.

                          -وعليكم السلام ورحمة الله، عمّي مسعود.....كيف حالك.....مفاجأة كبيرة أن تأتي بنفسك.....كنت أنوي زيارتك غداً حسب الموعد.....تفضل تفضل للداخل.

                          -لا يا ولدي.....أنت تعرف مرادي، صدقني أني لم أسترح منذ أن أخبرتني عن قريبتي حمامة، احساس الذنب يقطعني......أخبرني، هل أعطيتها الأعشاب التي أرسلتها معك؟

                          -نعم يا عمّي، وأخبرتها أنها هدية من عندك.

                          -وهل توقف بطنها أم أنه مازال يجري؟......إن كانت مازالت تعاني فسأقرأ عليها مادمت هنا.

                          -لم أرها اليوم يا عمّي، مازال الوقت مبكراً وأنا ذاهب للجامعة الآن ....... سأراها في المساء وأخبرك في الغد.

                          -وهل أخبرتها عن استعدادي للزواج بها؟

                          -بالطبع أخبرتها عندما أعطيتها الهدية بالأمس يا عمّي، وبيني وبينك يا عمّي لقد كلفتني بالسؤال عنك.......بالطبع لا حاجة لأسأل ، فأنا أعرفك، لكني قلت لها أني سأسأل عنك وأتأكد من كل شيء.

                          -بارك الله فيك يا ولدي......سأدعو لك في كل صلاة، وإن وفقنا الله وذهبنا أنا وهي للحج سندعو لك من تحت أستار الكعبة.

                          -عمّي أريد منك خدمة بسيطة.......علمت أن ابنتك هي طبيبة الأسنان في المركز الصحي، وقد ذهبت لأعالج أسناني لكنهم أعطوني موعداً بعد ثلاثة أشهر.......هل يمكن أن توصي ابنتك علي ، ربما استطاعت أن تقدم الموعد.

                          -هذا أمر بسيط يا ولدي، اليوم سأكلمها لك ....... أنت أخوها ولابد أن تقدم لك الموعد.

                          تلك كانت هدية السماء......آهـ كم كنت سعيداً بزيارة القشري، وتخيلته وهو يوصي ابنته السكّرة عليّ.........لاشك سيلين قلبها وستعطف عليَ.


                          للقصة بقية.......

                          تعليق

                          • سالم الجابري
                            أديب وكاتب
                            • 01-04-2011
                            • 473

                            #28

                            أيقظني من ابتسامتي الحالمة بعد أن ذهب عني مسعود صوت أبي من خلفي، كانت نبرة صوته تحمل دهشة هستيرية

                            -سالم.......هل أنا أحلم أم أن الذي كان يقف معك هنا منذ قليل هو مسعود أبو الحمير؟!؟!.

                            وجدتها فرصة لأفتخر بما حسبته إنجازاً لي، وبعد كل النظرات والضحكات المستهزئة التي كنت ألقاها من أبي في الماضي، قلت

                            -نعم يا أبي هو مسعود......جاء يسلّم عليّ.

                            -يسلّم عليك!!!!.....هذا لو طلبت منه أن يخرق لك عينك لطلب مقابل، فكيف يأتي للسلام عليك؟!؟!؟!؟

                            -فكرتك خاطئة عنه يا أبي، أو ربما تغير الآن........ما أراه أنه رجل طيّب.

                            -طيّب!!!!......تغيّر!!!!!......منذ متى!؟!؟!؟! ثم كيف صارت بينك وبينه علاقة؟!؟!؟......وهل فاتحته في أمر ابنته؟

                            -لا يا أبي لم أفاتحه بعد......ومعرفتي به جاءت عندما حملته للمستشفى وهو مغمىً عليه.......ربما تغير بعد إصابته بالجلطة.

                            -مسعود يصاب بجلطة!!!!!......كيف؟ الجلطة تأبى في الأصل أن تقترب منه.

                            وذهب عنّي أبي، ولم تذهب عنّي دهشته بزيارة مسعود، وذكرتني بضحكاته الغريبة حين علم أني أريد أن أتزوج ابنته، لكن سرعان ما عادت لي نشوة الرضى حين عدت لخيالاتي عن سكرتي حين يوصيها أبوها بي.

                            وذهبت للجامعة، وحضرت المحاضرة وأنا أسبح في بحر جمال السكرة، ويدي لا تفارق الهاتف أنتظر هزته باتصال أو رسالة.......واتصلت قطعة السكر بعد المحاضرة، كادت تخر دمعتي فرحاً وأنا أرى رقمها يضيء الشاشة.......

                            -نعم يا عمري......نعم يا سكّر حياتي.....

                            -الآن سكّر حياتك، وكأنك نسيت ما فعلته بالأمس!!

                            -لو علمتِ بعذابي البارحة يا جنّة الروح.......تمنيت الموت ولا تغضبين منّي لدقائق......سا محيني يا عمري.

                            -سامحتك.......فقط لأن أبي امتدحك اليوم....وأرجوا أن لا تعيدها أبداً، لكني متعجبة، متى التقيت أبي وكلمته بخصوص الموعد ؟ وما هو سر هذه المودة بينك وبينه؟ أبي لأول مرّة يكلمني من أجل أحد.

                            -منذ أن رأيت عمّي مسعود وقع حبّه في قلبي......، مثل ما وقع حبك أنتِ.....حبي لكِ حب روحي، أحبك وأحب من تحبين، بل وأحب أثرك على التراب.

                            -..........اسمع.........هل فعلاً تريد أن تعالج أسنانك؟

                            -نعم نعم......وأنا مستعجل للغاية.....أرجوك.

                            -أستطيع تقديم الموعد متى ما تريد، لكني لن أعالجك.......إني أستحي....وقد أخطئ بسبب اضطرابي.

                            -لا.....إما أنتِ أو لا أحد.......سأصبر، من يصبر على وجع القلب، يهون عليه وجع الأسنان.


                            للقصة بقية......

                            تعليق

                            • سالم الجابري
                              أديب وكاتب
                              • 01-04-2011
                              • 473

                              #29
                              وعاد لي عقلي ، وسكن فؤادي بعد أن رضيت عني قطعة السكّر......وبت ليلي ذاك أكيد للقشري وأنصب له الشباك، كانت خطتي أن أخبره أن حمامة موافقة على الزواج، ثم آتي به إليها وأكلمها أمامه ، وهي بكل الأحوال لن تزيد على الإشارة برأسها......هذا من خجلها بالطبع أو بالأحرى من خرفها، وحين أتأكد أنه استوثق منّي وأطار الطمع عقله سأطلب منه قطعة السكر......لا شك أنه سيحسب الفوائد والخسائر، وفي حسابه أن ما سيجنيه من زواجه بحمامة أكثر بكثير مما سيفقده إذا أعطاني جواهر.

                              في غمرة أحلامي الوردية سمعت طرقاً بباب غرفتي، تعجبت....فقد كانت الساعة الواحدة صباحاً، فتحت الباب وإذا به أبي، كان وجهه متهللاً فرحاً، سألني

                              -مالذي يبقيك ساهراً للآن؟

                              -لا شيء محدد يا أبي، يبدو أني أكثرت من شرب القهوة اليوم.

                              التقطت منه إحساساً غريباً بعد ذلك حين دخل وجلس على السرير، لمحت في عينيه بعض المكر......قال

                              -إني يتملكني العجب منك يا سالم.......كيف استطعت أن تكسب ود مسعود؟!؟!؟!.....أنا متأكد أنك لم تعطه شيئاً لأنك لا تملك شيئاً.......ويأتي هنا ليزورك!!!!!.....هذه من عجائب الزمان.

                              لا أدري ماذا أقول هنا......هل أقول إني غبي أم حسن نيّة، المهم أنه أخذني الغرور بنفسي وسردت لأبي الحيلة التي دخلت بها على القشري، وأبي يستمع باهتمام شديد.....وعيناه تتسعان كلما استرسلت بالسرد......ولم أعلم حينها أني أكشف أوراقي لمنافسي العنيد على الفوز بالسكّرة.


                              للقصة بقية........

                              تعليق

                              • سالم الجابري
                                أديب وكاتب
                                • 01-04-2011
                                • 473

                                #30
                                أيقظني من ابتسامتي الحالمة بعد أن ذهب عني مسعود صوت أبي من خلفي، كانت نبرة صوته تحمل دهشة هستيرية

                                -سالم.......هل أنا أحلم أم أن الذي كان يقف معك هنا منذ قليل هو مسعود أبو الحمير؟!؟!.

                                وجدتها فرصة لأفتخر بما حسبته إنجازاً لي، وبعد كل النظرات والضحكات المستهزئة التي كنت ألقاها من أبي في الماضي، قلت

                                -نعم يا أبي هو مسعود......جاء يسلّم عليّ.

                                -يسلّم عليك!!!!.....هذا لو طلبت منه أن يخرق لك عينك لطلب مقابل، فكيف يأتي للسلام عليك؟!؟!؟!؟

                                -فكرتك خاطئة عنه يا أبي، أو ربما تغير الآن........ما أراه أنه رجل طيّب.

                                -طيّب!!!!......تغيّر!!!!!......منذ متى!؟!؟!؟! ثم كيف صارت بينك وبينه علاقة؟!؟!؟......وهل فاتحته في أمر ابنته؟

                                -لا يا أبي لم أفاتحه بعد......ومعرفتي به جاءت عندما حملته للمستشفى وهو مغمىً عليه.......ربما تغير بعد إصابته بالجلطة.

                                -مسعود يصاب بجلطة!!!!!......كيف؟ الجلطة تأبى في الأصل أن تقترب منه.

                                وذهب عنّي أبي، ولم تذهب عنّي دهشته بزيارة مسعود، وذكرتني بضحكاته الغريبة حين علم أني أريد أن أتزوج ابنته، لكن سرعان ما عادت لي نشوة الرضى حين عدت لخيالاتي عن سكرتي حين يوصيها أبوها بي.

                                وذهبت للجامعة، وحضرت المحاضرة وأنا أسبح في بحر جمال السكرة، ويدي لا تفارق الهاتف أنتظر هزته باتصال أو رسالة.......واتصلت قطعة السكر بعد المحاضرة، كادت تخر دمعتي فرحاً وأنا أرى رقمها يضيء الشاشة.......

                                -نعم يا عمري......نعم يا سكّر حياتي.....

                                -الآن سكّر حياتك، وكأنك نسيت ما فعلته بالأمس!!

                                -لو علمتِ بعذابي البارحة يا جنّة الروح.......تمنيت الموت ولا تغضبين منّي لدقائق......سا محيني يا عمري.

                                -سامحتك.......فقط لأن أبي امتدحك اليوم....وأرجوا أن لا تعيدها أبداً، لكني متعجبة، متى التقيت أبي وكلمته بخصوص الموعد ؟ وما هو سر هذه المودة بينك وبينه؟ أبي لأول مرّة يكلمني من أجل أحد.

                                -منذ أن رأيت عمّي مسعود وقع حبّه في قلبي......، مثل ما وقع حبك أنتِ.....حبي لكِ حب روحي، أحبك وأحب من تحبين، بل وأحب أثرك على التراب.

                                -..........اسمع.........هل فعلاً تريد أن تعالج أسنانك؟

                                -نعم نعم......وأنا مستعجل للغاية.....أرجوك.

                                -أستطيع تقديم الموعد متى ما تريد، لكني لن أعالجك.......إني أستحي....وقد أخطئ بسبب اضطرابي.

                                -لا.....إما أنتِ أو لا أحد.......سأصبر، من يصبر على وجع القلب، يهون عليه وجع الأسنان.


                                للقصة بقية......

                                تعليق

                                يعمل...
                                X