البحث عن فكرة
في إحدى الليالي الخريفية، قرّرت الذهاب إلى حانتي المفضلة. كنت أريد أن أنسى هموم الكتابة،و متاعبها ولعنتها الأبدية.. قد صدق "حنا مينة" في قوله:" ملعونة الكتابة إلى يوم القيامة". جلست في ركن خلفي من الحانة،حتى أتمكن من مراقبة كل شىء فيها..روادها، إكسسواراتها وكل ما يدور بداخلها. كانت الحانة ممتلئة عن آخرها. أشخاص كثيرون يرتادون الحانات ليلا، للتفريج عن متاعبهم ومشاكلهم اليومية..الخمرة، تلك المعشوقة الأزلية، تجعلنا نفرغ ما بدواخلنا من آهات ومكبوتات وعقد ونزوات..إننا نؤدي البعض من طقوسنا فليباركنا الإله"ديونيزوس". في تلك الحانة،كنت أرى الأقنعة تتساقط الواحد تلو الآخر.. كنت أرى الأشخاص على حقيقتهم بعيدا عن الكبرياء والتصنع. في أحايين كثيرة أخلاق الإنسان الحقيقية تتجلى عند احتساء النبيذ. ماأروع أن تستمع الى الأشخاص وهم يتحدثون لغة أعماقهم وذواتهم الذاخلية.
كم تبهرني تلك الأجواء الليلية الساحرة داخل الحانة ..ضجيج الزبناء..رنين دراهم بائعي السجائر بالتقسيط..صياح بائعي الفول والحمص..موسيقى " راديو كاسيط " .. الكل يؤلف سيمفونية ليلية عجيبة ليست كباقي السيمفونيات. بدأت أشرب بكل حواسي، فسحر المعشوقة الأزلية يضاهي سحر امرأة جذابة وفاتنة..سحر يأسر النفس والقلب، ويجعل المرء يكتشف إكسير الحياة و السعادة .
سكرت بما فيه الكفاية. سكرت معي حتى أفكاري وشخصيات قصصي، ربما تفصح لي عن سبب امتناعها عن الخروج من العدم إلى الوجود . أجهزت على كل المبلغ الذي كان بحوزتي.. لم يبق منه ولو فلسا واحدا. غادرت الحانة في وقت متأخر من الليل. كان الجو مضطربا، ينبىء بحدوث شىء ما ليس في صالحي.كنت أحس بإحساس غريب..فغالبا ما يصدق حدسي، وتتحقق تنبوءاتي. الشوارع فارغة إلا من مرور بعض سيارات الأجرة، وبعض دوريات الشرطة. توقفت لأنادي على سيارة أجرة تأخدني الى بيتي، فقدماي كانتا لا تطيقان المشي. تذكرت أن جيوبي فارغة كفراغ خيالي. أطلقت العنان لقدماي-رغما عنها- لتأخدني الى بيتي، كما أطلقت العنان لخيالي علّه يجود عليّ بفكرة أجعلها موضوع قصة أدبية مشوّقة. بدأت أمشي ببطء، تائها في صحراء خيالي . كنت تارة أمشي بخطوات بطيئة، وتارة أخرى بخطوات سريعة..كنت أمشي على إيقاع أحداث القصص التي ينسجها خيالي..عندما تتصاعد الأحداث أسرع في المشي، وعندما تتراجع تتثاقل خطواتي. ما يحيّرني هو أنه عندما أكون خارج بيتي يراودني خيالي ويطاوعني، فيجود عليّ بقصص أنسج أحداثها بسلاسة مدهشة ، بل أشعر أنني أتحرّر من الرقيب الذي يحاصرني، و يسيطر عليّ ..ويخنق أنفاسي.
بعد فترة، وجدت نفسي أمام باب بيتي. لم أعرف كيف وصلت بتلك السرعة. أخرجت مفتاح البيت من جيبي، وهممت بفتح الباب، لكني توقفت فجأة. بعد مهلة تفكير، قرّرت أن أقوم بجولة في الحي، خاصة أنه لم تكن لي رغبة في النوم. ربما يساعدني هدوء الحي على اقتناص فكرة رائعة أو مشهد إنساني عابر. كان الحي هادئا، إلا من مواء بعض القطط ونباح بعض الكلاب المتسكعة. أخدت أمشي جيئة وذهابا، دون وعيي. بعد لحظة، عثرت على فكرة..راقت لي، فبدأت في تطويرها، وزرع الحياة في شخصياتها. ماأعظم عملية الخلق والإبداع. عدت أدراجي في اتجاه بيتي. امتلكتني رغبة جارفة في الدخول الى مكتبي، وتحرير ماجاد به عليّ خيالي في تلك اللحظة السحرية من الليل.
فجأة، توقفت بالقرب مني دورية للشرطة. نزل منها شرطيان بخفة فائقة، كأنهما يبحثان عن مجرم خطير. وقف أحدهما على يميني والآخر على يساري ، ثم خاطبني أحدهما:
-ماذا تفعل في هذا الوقت المتأخر من الليل؟ ثم أضاف، دون أن يترك لي فرصة للجواب، قائلا:
-بطاقة هويتك. بدأت أفتش، باندهاش كبير، في جيوبي الخاوية عن بطاقتي الوطنية قائلا:
-أنا إبن الحي..أبحث عن فكرة، ثم أضفت بحماس شديد، مُشيرا بإصبعي:
-هناك، يوجد بيتي..في تلك الواجهة المقابلة.
خاطب أحدهما الأخر قائلا:
-سكران، ويعربد..يجب أن نأخده للتحقيق في هويته.
احتججتُ على قولهما بشدّة، لكن الكلمة الأخيرة كانت لهم.
كم تبهرني تلك الأجواء الليلية الساحرة داخل الحانة ..ضجيج الزبناء..رنين دراهم بائعي السجائر بالتقسيط..صياح بائعي الفول والحمص..موسيقى " راديو كاسيط " .. الكل يؤلف سيمفونية ليلية عجيبة ليست كباقي السيمفونيات. بدأت أشرب بكل حواسي، فسحر المعشوقة الأزلية يضاهي سحر امرأة جذابة وفاتنة..سحر يأسر النفس والقلب، ويجعل المرء يكتشف إكسير الحياة و السعادة .
سكرت بما فيه الكفاية. سكرت معي حتى أفكاري وشخصيات قصصي، ربما تفصح لي عن سبب امتناعها عن الخروج من العدم إلى الوجود . أجهزت على كل المبلغ الذي كان بحوزتي.. لم يبق منه ولو فلسا واحدا. غادرت الحانة في وقت متأخر من الليل. كان الجو مضطربا، ينبىء بحدوث شىء ما ليس في صالحي.كنت أحس بإحساس غريب..فغالبا ما يصدق حدسي، وتتحقق تنبوءاتي. الشوارع فارغة إلا من مرور بعض سيارات الأجرة، وبعض دوريات الشرطة. توقفت لأنادي على سيارة أجرة تأخدني الى بيتي، فقدماي كانتا لا تطيقان المشي. تذكرت أن جيوبي فارغة كفراغ خيالي. أطلقت العنان لقدماي-رغما عنها- لتأخدني الى بيتي، كما أطلقت العنان لخيالي علّه يجود عليّ بفكرة أجعلها موضوع قصة أدبية مشوّقة. بدأت أمشي ببطء، تائها في صحراء خيالي . كنت تارة أمشي بخطوات بطيئة، وتارة أخرى بخطوات سريعة..كنت أمشي على إيقاع أحداث القصص التي ينسجها خيالي..عندما تتصاعد الأحداث أسرع في المشي، وعندما تتراجع تتثاقل خطواتي. ما يحيّرني هو أنه عندما أكون خارج بيتي يراودني خيالي ويطاوعني، فيجود عليّ بقصص أنسج أحداثها بسلاسة مدهشة ، بل أشعر أنني أتحرّر من الرقيب الذي يحاصرني، و يسيطر عليّ ..ويخنق أنفاسي.
بعد فترة، وجدت نفسي أمام باب بيتي. لم أعرف كيف وصلت بتلك السرعة. أخرجت مفتاح البيت من جيبي، وهممت بفتح الباب، لكني توقفت فجأة. بعد مهلة تفكير، قرّرت أن أقوم بجولة في الحي، خاصة أنه لم تكن لي رغبة في النوم. ربما يساعدني هدوء الحي على اقتناص فكرة رائعة أو مشهد إنساني عابر. كان الحي هادئا، إلا من مواء بعض القطط ونباح بعض الكلاب المتسكعة. أخدت أمشي جيئة وذهابا، دون وعيي. بعد لحظة، عثرت على فكرة..راقت لي، فبدأت في تطويرها، وزرع الحياة في شخصياتها. ماأعظم عملية الخلق والإبداع. عدت أدراجي في اتجاه بيتي. امتلكتني رغبة جارفة في الدخول الى مكتبي، وتحرير ماجاد به عليّ خيالي في تلك اللحظة السحرية من الليل.
فجأة، توقفت بالقرب مني دورية للشرطة. نزل منها شرطيان بخفة فائقة، كأنهما يبحثان عن مجرم خطير. وقف أحدهما على يميني والآخر على يساري ، ثم خاطبني أحدهما:
-ماذا تفعل في هذا الوقت المتأخر من الليل؟ ثم أضاف، دون أن يترك لي فرصة للجواب، قائلا:
-بطاقة هويتك. بدأت أفتش، باندهاش كبير، في جيوبي الخاوية عن بطاقتي الوطنية قائلا:
-أنا إبن الحي..أبحث عن فكرة، ثم أضفت بحماس شديد، مُشيرا بإصبعي:
-هناك، يوجد بيتي..في تلك الواجهة المقابلة.
خاطب أحدهما الأخر قائلا:
-سكران، ويعربد..يجب أن نأخده للتحقيق في هويته.
احتججتُ على قولهما بشدّة، لكن الكلمة الأخيرة كانت لهم.
لجنة ترشيح النصوص=
مالكة حبرشيد=تم
عبد الرحيم محمود / تم .
تعليق