الصفحة الجديدة للنصوص المرشحة للترجمة

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • صبيحة شبر
    أديبة وكاتبة
    • 24-06-2007
    • 361

    #31
    انتحار

    مازال ذلك المنظر ماثلا في ذهني ، رغم محاولاتي العديدة لقلعه من ذاكرتي المجهدة ، كل الصور تغرس في عقلي ، ولا املك حيالها نسيانا ، أصغي الى حديثها المتكرر ، وأجهد مرات عديدة أن اقلع تلك النبتة الحنظلية ، التي تطارد سكينتي الداخلية باستمرار ، ماذا يفيدني التذكر ؟ ماسي كثيرة جلبت لحياتي أياما سودا ، مستمرة بظلالها المقيتة ، ضاغطة على أنفاسي ، سالبة مني حلاوة الأيام ، وطعما فاترا بالجميل المباغت الذي يهل علينا قليلا ، ثم يرحل ويذوب في عتمة أيامنا المظلمة وليالينا البائسة.
    صعدت إلى غرفته الصغيرة كعادتي كل صباح ، كان الأحب إلي والأقرب إلى نفسي الموجعة ، التي أنهكتها المتاعب ، وتركتها خائرة القوى.
    ورغم أن كلهم أعزاء ، الا أنني وجدت في كلماته القليلة ،التي كان يلقيها محاولا الدفاع عني ، ضد عمليات اعتداء مدروسة ، تقام لسلب الأمان من روحي المعذبة ، والقضاء على الطمأنينة المسلوبة.
    حياتي بائسة ، لم أجد ما ترنو إليه الفتاة عادة ، من صدر حنون ، كانت كلماته القاسية ، تستقبلني في مقدم صباحي ، وتودعني إذا ما أظلمت الدنيا ،وودعت ضياء النهار ، وذهب كل مخلوق إلى حضن حبيبه ، يستدر منه الرأفة والحنان الذبيح ، ورغم أن الله قد منّ علي بصفات الحسان ، لا إنني كنت اختلف ،عن المحظوظات ببعض النعيم ، حياتي سارت خائبة ، مترعة بالمرارة وحافلة بالحرمان.
    لماذا تكون الحياة نحوي بهذا البخل الأصم ؟ ولماذا أجد غيري ، يغدق عليهم الأحباب ، كؤوسا من بهجة وحبور ؟ ولماذا تمر أيامي كالحة الظلمة ، عسيرة على الاحتمال؟.
    ولدي ذاك كان الحبيب ، والأخ والرفيق ، بعد إن ادلهمت أيامي ، وزاد بؤسها ، وثقل علي ، ان ألفي حياتي علقما لا يستساغ
    صعدت درجات السلم الطويلة ، وأنا احلم بان أمتع عيني برؤية عزيز أثير ، ولكن حلمي تبدد ضائعا ، كغيره من الأحلام التي ما فتئت تسكن قلبي المعنى ، منتظرة فرصتها لملامسة النور.
    كثرت الخصومات بيننا في الآونة الأخيرة ، ورغم ان أيامي لم تذق طعم السرور ، ولا جربت التوافق ، ولا لمست حلاوة اللمسات ، التي تنعش الفؤاد ، وترعش القلب ، وتجعل البدن مرتويا ، والعقل هادئا ونسمات من الحبور ، تهب على المخلوق ، بل كانت الرتابة تخنق الأنفاس ، وارتفاع الصوت ، يهدد بالويل والثبور ، يئد كل ما ما حلمت به من جمال
    ارتفع زعيقه كالعادة :
    - يا لهذا الجمال الآسر ، إنها جارتنا حسناء ، رائحتها تنعش النفس وتسبي الكيان . ، ولا تبعث منها روائح البصل والثوم
    لم اجب أنا ، إنها عادة له ، يجري خلف الحسناوات ، وأنا اكدح ،للمحافظة على سلامة المنزل ، الذي اخترقته السهام ، وكأنه أحب أن يزيد ناري اشتعالا ، أضاف:
    - الا تشعرين ، إنها أنثى ، هل تدركين ، معنى أن تكون المخلوقة أنثى وبهذا الجمال ؟
    كيف أجيب ؟ وقد جعل حياتي جحيما ، لا يطاق ، وسرق البسمة من أيامي ، المترعة بالخنوع ، و أرغمني على رؤية النجوم ، في سماء الظهيرة الملتهبة ؟
    - أنت : يا من يمتزج الثوم والبصل ، برائحتها النتنة ، الا تفهمين ؟
    لم اقو على الجواب ، ولقد فقدت من كثرة لسعاته ،ما حملته في قلبي من عطف في سالف الأيام ، عزت علي نفسي ، وصعبت حالتي وأنا أناضل من اجل لاشيء ، وأقدم التضحيات عبثا.
    أسمع صوت ولدي:
    - رحمة بأمي ، إنها تشقى طول النهار ، وتقدم لنا المال والطعام ، وكل ما نريد.
    - اخرس ، يا ولد ، لقد أفسدتك أمك بتدليلها.
    فرحت في البداية من دفاع ابني ، ولكن مالبثت الغمة أن استوطنت قلبي ، حين فكرت بالأمر جليا ، كان أبوه معروفا بلؤم الانتقام.
    ارتقى ولدي درجات السلم ، فشعرت ببعض الاطمئنان الذي زال سريعا:
    - ابنك هذا بحاجة إلى تربية.
    قضيت ليلة ليلاء مسهدة ، تمضّني الأفكار ، وتتلاعب بفؤادي المنغصات ، أحاول أن أهديء غليان نفسي ، ثم تغلبني المخاوف ، وأمضي الى تهدئتها من جديد :
    - انه ولده أيضا
    استيقظ في صباح كل يوم ، راغبة في الاستماع ، إلى كلمات ولد بار عزيز ، ولكن ذلك اليوم لم أجده في سريره ، ، بحثت في كل مكان اعتاد ، اذ يذهب اليه ، ثم عدت الى غرفته مجددا ، كان معلقا بحبل على الجدار ، وقد أبعد الكرسي الصغير.




    صبيحة شبر


    لجنة ترشيح النصوص=
    مالكة حبرشيد=تم
    عبد الرحيم محمود / تم .

    تعليق

    • صبيحة شبر
      أديبة وكاتبة
      • 24-06-2007
      • 361

      #32
      الرهان
      كتمت خوفي وترددي ، وأبقيت هلعي الشديد في داخلي ، وأنا أرقب علامات خوفها ، وارتياعها وهي ترتسم على ذلك الوجه الوديع ، كانت صديقتي ،، وكلهم يقولون أنها رائعة ،، وأنا أغار منها كثيرا ، يمضني شعور كبير أنها الأقوى والأفضل ، حين يعقدون تلك المقارنات التي طالما يقومون بها ، دون أن يبالوا ماذا يكون موقفي حيالها ، وأنا اسمعهم يرددون باقتناع أنها الأجمل والأقوى والأشد ذكاء ، والأكثر هدوءا ، والأقرب مدعاة للثقة والإطمئنان ، وتلك الصيغ الكثيرة للمفاضلة بيننا نحن الصديقتين .
      تحاول أن تخفي خوفها الشديد ،، وهي تجرّني على الأرض جرا ، بهدوء وتتصارع في داخل نفسها قوتان كبيرتان ، دون أن تجد ميلا إلى تفضيل واحدة على الأخرى ، وأنا أراقب ذلك الصراع ،، الذي تحاول صديقتي أن تخفيه ، ولكني ألاحظه على محياها الهادئ بوضوح ...
      تتمنى أن ابكي ، أن يتعالى صوتي، طالبة منها التوقف عند هذا الحد ، فأنني قد تألمت حقيقة لا جدال فيها ، حين ترى ألمي، تقرر التوقف عن سحب جسدي على الأرض ،، والإكتفاء بتلك اللحظات العنيفة ،، من النزال القائم بيننا والذي تنتظره بقية الصديقات بشوق..
      لكن الارتياح المؤقت ،،الذي يبدو على ملامحها المعبّرة ، سرعان ما يتلاشى ،،حين تنطلق ضحكتي مجلجلة ، طاردة منها كل توقع بالانتصار
      تواصل سحبي على الأرض ، تحاول أن تبدي عنفا غير موجود ،، في شخصيتها الرزينة الهادئة ، وأنا امنّي النفس إن تنتصر إرادتي أخيرا ،، وان أتمكن من قهرها ، والفوز عليها لتحكم الحاضرات المترقبات ،، إنني كنت الفائزة عليها وللمرة الأولى في الحياة ، ولا أظن انه ستكون هناك ،، محاولات أخرى للفوز.
      تعود إلى سحبي على الأرض ، متمنية أن ينطلق لي صوت يدل على الألم ونفاذ الصبر ، ولكني ما أن أرى تلك الرغبة واضحة ،،على ملامح وجهها الأبي ، حتى تنطلق ضحكتي مجلجلة ،،منتصرة على آلام جسدي الكثيرة ، وعلى جراحه الآخذة بالازدياد..
      كانت تعاملني بحميمية لم أعهدها من غيرها من الناس ، أبوها المنعم الكريم يحضر لها من كل شيء اثنين اثنين ، ويطلب منها أن تكون رفيقة بي ،، أنا اليتيمة المحرومة من حنان الأم وعطف الأب ، والذي يتولى الإحسان ألي أشخاص كرماء...
      تحاول أن تخفي عنها ،، شعورا بالقلق والهزيمة ، هي المخلوقة الرقيقة ، التي لم تعتد على العنف ، كان كلامها خافتا ،، يكاد لا يسمع من رقته ، والناس ما فتئوا يقارنون بيني وبينها ، وأنها أفضل مني في جميع الصفات ، وأنني محرومة ولكني لم أعد بذلك الحرمان ،، لأنني تمتعت بفضلهم ، وإكرامها هي ، تعرض علي المشتريات ،، التي جلبها أبوها المنعم ،، وتقترح أن أختار أنا أولا ، لم أجدها ناقمة علي ،، أو مظهرة لي شعورا بالتفضل ، تعاود محاولة سحبي على الأرض ، ينهكني الألم الجسدي المتضاعف ، ولكن شعوري المتزايد أنني ، يمكن أن أحقق الانتصار عليها هذه المرة ، يخفف عني الألم المستعر ، الذي أخذت أجزاء جسدي تئن منه..
      تسيل الدماء من جروح جسدي ،، وحين تلمحها يبدو على ملامحها الرقيقة معالم الندم ،، حين ألمح ذلك الإحساس تنطلق ضحكتي عالية ، لوأد كل شعور بالألم داخل نفسي..
      خمسة فتيات يلعبن، مع بعضهن البعض كل مرة ، فكرن هذه المرة بلعبة جديدة مغايرة ، تحمل إلى نفوسهن المتعبة الملولة بعض التوهج الجميل..
      تسحبني على الأرض محاولة ،، أن تطرد ذلك الشعور الذي يمضها ،أنها تنتهك كرامة إنسان ، لم توجه لي يوما كلمة جارحة ،، أو تسبب خدشا بالكرامة ، عاملتني وكأنني أخت لها وقد حرمت هي من الأخوات..
      تتزايد جراح جسدي ، أحاول أن اصرخ ملتمسة منها ،،أن تكف عن سحبي على الأرض ، ولكن خشيتي من الانهزام أمامها ككل مرة ، يمنحني قوة على الإصرار ، بأنها لن تر هذا اليوم هزيمتي ، وأنني يمكن أن أحقق عليها بعض الانتصار
      كل مرة يقارنون بيننا ، تكون هي الأجمل والأقوى والأفضل ،،/ وأنا المسكينة اليتيمة ، التي توفي أبواها ، ووجدت لها أبوين بديلين وأختا حنونة..
      خمسة فتيات يلعبن كل يوم ، فكرن أن يأتين بلعبة جديدة ، من تستطيع أن تتغلب على الأخرى، وتجعلها تنتحب تكون المنتصرة...
      كانت الأقوى دائما والأكثر مروءة والأجمل ، وكل مرة يقارنون بيننا تكون الأحسن ، وأنا اليتيمة الفقيرة التي منحها الله أبوين محبين عطوفين..
      تكبر الفرحة بنفسي ، وتنطلق الضحكة مجلجلة، أنني قد حققت الانتصار عليها ،المرة الوحيدة في الحياة
      تحاول أن تعود إلى سحبي من جديد على الأرض ، ولكنها تتوقف ثم تقول
      - لا أستطيع الاستمرار ، كوني أنت الفائزة



      صبيحة شبر


      لجنة ترشيح النصوص =
      مالكة حبرشيد=تم
      عبد الرحيم محمود / تم .

      تعليق

      • صبري رسول
        أديب وكاتب
        • 25-05-2009
        • 647

        #33
        القصص المرشّحة

        السيرة الذاتية


        الإسم :صبري عبد الرحمن رسول

        مواليد سوريا، 1968
        المؤهلات العلمية:
        الإجازة في اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة دمشق. 1991م
        دبلوم التأهيل التربوي، كلية التربية، جامعة دمشق. 1996م
        ممارس متقدم في البرمجة اللغوية العصبية N-L-P من الشركة الدولية للإبداع.
        المهنة: مدرّس اللغة العربية في سوريا والسعودية.

        الكتابات :

        مجموعة قصصية بعنوان (القطا تراقص النَّهر الجميل) بالاشتراك مع الكاتب عمر كوجري.دمشق1992م
        مجموعة قصصية بعنوان (وغابَ وجهُهَا) صدرت في دمشق عام2004م.
        مجموعة قصصية غبار البراري صدرت عام 2011م

        كتابات وقراءات في الصحف السورية والخليجية.

        عضو في النادي الأدبي بجده- مجموعة -حوار



        القصّة الأولى:




        مرآة الكاهن




        اقرَأْ فَأْلكَ عن حياتك التَّعيسة يا بني، كي تعرفَ ما يخبِّئه لك الزَّمان من مفاجآت، فحظُّك المرسوم في مرآة الكاهن سيظهر لك. أمي لم تنقطع عن ترديد طلبها هذا على مسامعي خلال سنواتٍ طوال. يقفُ المرءُ أمامَ مرآةِ الكاهن الجبلي يحبسُ أنفاسَه، يجمّد نظراته، فيقرأ حظه، يرى ما يتمناه، أو ما قد يحدثُ له في قادم الأيام، وقد لا تتحقّق الأمنية، لكنَّها تظهر شفافةً على سطح المرآة، ويقرأُ الكاهن تعويذاتِهِ ماسحاً يدَه على ظهر الباحثِ عن فأْلِه، ينفخ على وجهه، ثمّ يدسّ ما يمنحُهُ له المتمنيُّ في حزامِ معطفه.
        الشَّاب الباحثُ عن عشقٍ ضائعٍ، لا يجد بداً من اللّجوءِ إلى كاهن الجبل، وكشفِ صفحتِهِ المجهولة في دنيا العشق، فبعدَ أنْ ينهشَهُ اليأسُ، ويفقدُ الأمل، يلجأ إليه، ليرى ما تبثّه المرآةُ على بريقِ سطحِهِ المصقول، تتعلّق أنظارُهُ بوجهِ الكاهن الغارقِ في عمق الماضي. وجهٌ لا أحدَ يملكُ العلومَ الكافيةَ لفكِّ الغموضِ المنقوشِ في ملامحِ هذا الوجهِ الخالي من تعبيرات الفرح والحزن، والألم، والحنان، واليأس، والأمل. الابتسامةُ الكسيحةُ الوحيدةُ على شفتَيه تغيّرُ ملامحَ الشَّاب، مع بقاء غموض وجه الكاهن على ما هي عليه، فتخضرُّ خفقاتُ ضلوعِهِ، يمعّن النّظر في انعكاسِ الصُّورة فيها، فيرى فتاتَهُ ميّاسةً في بستانٍ خرافيٍّ، تلوّحُ له بإشارةٍ تنمُّ عن شوقِها له ورغبتِها في العيش معه. يدسُّ على عجلٍ ورقةً نقديّةً في عبِّ العجوز، وينصرفُ مسرعاً على جناحِ الأمل.
        الأمّ المكلومة بعد أنْ يبحَّ صوتُهَا المختنقُ بكاءً على طول غيابِ ابنها، لم تجد ما يتعلّق به قلبُها سوى تعويذات الكاهن، ومرآته الكاشفة، تجمعُ بضعة فرنكاتٍ من مبيعاتِ منتوجها من البيضِ واللّبن، وتذهبُ خفيةً من زوجها السَّاخر من الكاهنِ المشعوذ وقراءته الطَّالع للمراهقينَ والنِّساء وفاقدي الأمل من تحقيق أمنياتهم. تُظْهِرُ المرآةُ بوضوحٍ أكثر من انبثاقِ النُّورِ الأصفر الفاتح بعد ساعات الفجر، قامة ابنها بملامحه لحظةِ وداعه، تُظهِره قادماً من عمق المسافات المجهولة، يحمل فرحاً لأمه؛ فتضعُ الأمّ فرنكاتِها في يد الكاهن، وتخرجُ مسرعةً إلى بيتها.
        المزارعُون ومالكو الأراضي لم يجدوا سبيلاً لتخفيف ألم خوفهم من انحباس المطر، وبخل السَّماء، بعد أن كلَّت عيونُهم في تحديقها ومراقبتها لسحبٍ تجرُّ ذيلها النَّاشف مع رياحٍ مغبرَّة، غير المرآة الكاشفة لحالة مزارعهم، وحين تضعُها الكاهنُ أمامهم، يكتشفونَ حقولاً وبساتين ومزارعَ تضمخُ بالاخضرار، موحيةً بموسمٍ وفيرٍ يخلّصهم من خوفَ الشّح وضيق الحال.
        أصبحَ الكاهن ومرآته القارئة في خاصرة الجبل مزاراً لكلّ مَنْ فقدّ أمله في تحقيق أمنياته، يرونها تتحقَّقُ في عمق المرآة، واضحةً شفافةً كقوة الضَّوء. هذا جعل أمّي تدوّخني صباح مساء طالبةً مني زيارة المشعوذ وقراءة الطالع في مرآته، ونزولاً عند رغبتها، وافقتُ على الأمر، مشترطاً أنْ نصطحبَ معاً، ليقرأَ كلٌّ منّا فألَه.
        بدأتُ أولاً، نظرتُ إلى وجه الرجل الطَّاعن في السّن، لم ألمح أي تغييرٍ في سحنته الجامدة، وهو يقرّبُ إليّ سطحَها العميق، ارتجفَ قلبي، وتعلَّق شيءٌ غير محسوس في حلقي، منعني من ابتلاع الرّيق، شجَّعتني أمّي: انظرْ بقوّة ما يظهر لك، واعرف مصيرك يابني! وعندما استوى سطح المرآة أمام نظري، رأيتُ بحراً هائجاً، أمواجُهُ زاحفةٌ ترتفع كالجبال، في جانبٍ آخر كان ثمّة ما يشبه فوّهة جحيمٍ، تلفظُ إعصاراً من النَّار، تلتهمُ كلّ شيء، أما عاصفة الغبار تلتفُّ حول الأمواج والنيران تبتلعهما، وتزدادُ سرعة رياحِها لتغطّي السمّاء وتحجبَ كل شيء، وتحجب معها أربعةً من مكوّنات الكون.
        تراجعتُ خائفاً أمامَ دهشة أميّ، لم أتمكّن من نقلِ ما رأيتُه إليها، اكتفيتُ بإشارة صوتيّة إليها لقراءة طالعها. وقفتْ أميّ صامتةً، لا تنظرُ إلى جهةٍ محددةٍ، والكاهن يقرّبُ سطحها إليها، استرقْتُ النَّظر إلى صورٍ وأشياء لم تنكشفْ لي بوضوح، لكنّها بدتْ لأمي سوداء قاتمة، أكثر من كثافة الظلام، لأنّها لا تبصرُ ظاهر الحياة، فاختنقَتِ الحياةُ في حلقي، كسواد العتمة في حياة أمي عند فقدِها البصر.


        في 4/7/2010


        الرابط:
        http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...E1%DF%C7%E5%E4

        القصّة الثّانية



        متاهة الصَّمت


        ترسمُ المشهدَ بريشتها الصَّغيرة، وتظلّله بألوان الصَّمت. فتَظهر الحيويَّةُ بدونِ ضجيج كصورة فتوغرافية.
        لا تُظهِرُ ما يوحي بأنَّها ترسمُ بطلبٍ من أحدٍ، تُتقنُ عملها بمهارةٍ عالية، وتتّخذُ من الصَّمت مكاناً للمرسم ، وطقساً شخصياً لعملها الفنّي. دخلْنَا القرية صباحاً، كنَّا ثلاثة، نبحثُ عن أحوالِها التي باتت محيّرة للنَّاس، بين مصدّقٍ ومشكّكٍ بها؛ فمنهم من يراها صورة أسطورية، رغم ما بها من مظاهر الزَّمن الحالي المنفلت من قيود الحسابات، ومنهم من يراها حالةً مُنقَادة بفعل المسيِّرين لأحوالها. دخلْناها عند انصراف النَّاس لشؤونهم اليوميّة، فوجدْنَاها غارقةً في الصَّمتِ الضَّبابي الكثيف، لم نسمعَ صِياح الديوك، ولا خُوار الأبقار، ولا ثُغاء الأغنام، لم نسمع أصوات الأطفال؛ ومظاهرُ الحركة الطبيعية القويّة باديةٌ عليها. في البيادر الفسيحة كانت الحصاداتُ الخضراءُ تعمل نشيطةً، غبار التِّبن يرسمُ حزماً بيضاءَ خلفَها، والفلاحون يقدِّمون لها أكواماً من الحصيد، لكن لم نسمعْ لها هديراً ولا صوتَ أحدٍ ينادي الآخر، كلٌّ يؤدّي عمله بإتقانٍ؛ في الطريق التُّرابي بين القرية والنبع كانت الفتياتُ يتمايلْنَ بقاماتهن الرَّشيقة في طريقِهن إلى نبع القرية، ذاهباتٍ، عائداتٍ، حاملاتٍ جرارهن على أكتافهن، لم نسمع ما يجري بينهن من أحاديث ودردشات، ولا أغنياتٍ شعبية تنشدُها الرّيفيات في أعمالِهن. في مزارع الكروم كان الفلاحون يعملون بنشاط، منهم من يبني سياج المزرعة بحجارٍ بازلتيَّة سوداء، ومنهم من يقطف عناقيدَ عنبٍ ويجمعُها في سلالٍ من قصب، ولم نلحظ بأنهم يتحدثون مع بعضهم، ولم نسمع لهم كلاماً وكأنَّ على رؤوسهم الطير. في الطّرف القصيّ من القرية وعلى الصخرة المنبطحة قرب النَّهر كانت النِّساء يغسلْنَ الصُّوف بضربات من العصي، وينشرنَه على أكياسِ الخيش وقصبِ البردي المفترش على حافة النّهر، والصّغار حولهن يقفزون ويسبحون في البرك الصغيرة، و لم نسمع شيئاً من هذه الحركة. وحده الصّمت سيد الموقف، وكأنَّ النَّاس قد ابتلعَوا ألسنتهم، أو كأنَّ الكلامَ باتَ محرَّماً عليهم؛ سحناتُهم معجنةٌ بتقاسيمِ بصماتِ الشَّمس. مظاهر العمل والحياة اليوميَّة تؤكِّد استمرارية طبيعيّة لنشاط النَّاس. وحدَها كانت تلك الفتاةُ الصّغيرةُ جالسةً على كرسيٍّ صغيرٍ أمامَ أحد البيوت الطينيَّة الواطئة، ترسمُ المشاهدَ القروية بألوانٍ زاهيَّةٍ، تلوّنُ سراويل الفلاحين بالرمادي الكالح، وتنشر غسيلَ الصُّوف بلون القطن اللامع، وتُصفِّف عناقيدَ العنب بالأحمر الدَّكن، وتتركُ البيوتَ متناثرةً بفوضويَّة على كلّ الجهات، لكنَّها كانت تعملُ وفقَ قانونَ فتنةِ الصَّمتِ الذي يغلّفُها بثقلِهِ الضَّبابي. ترسمُ المشهدَ، وتظلّله بألوان الصَّمت. لاحظنا قبل مغادرتنا القرية بأنَّنا ننتقلُ إلى عالمِ السُّكوت، فلم نعُدْ نتحدَّثُ مع بعضِنا، نكتفي بتسجيل عوالم النَّاس بصمت.


        الرّياض في 15\1\2009م


        الرابط:
        متاهة الصَّمت ترسمُ المشهدَ بريشتها الصَّغيرة، وتظلّله بألوان الصَّمت. فتَظهر الحيويَّةُ بدونِ ضجيج كصورة فتوغرافية.[/FONT][/COLOR][/FONT][/B] لا تُظهِرُ ما يوحي بأنَّها ترسمُ بطلبٍ من أحدٍ، تُتقنُ عملها بمهارةٍ عالية، وتتّخذُ من الصَّمت مكاناً للمرسم ، وطقساً شخصياً لعملها الفنّي. دخلْنَا القرية صباحاً، كنَّا




        القصّة الثالثة:

        غبارُ البَرَارِي
        وضعْتُ قلبي على كفّ القلقِ، تركتُه يتمرَّغُ في ارتباكٍ لا يذعنُ لقراري، ثمَّ رسمتْ أصابعي توقيعاً بليداً كوجهي النّاعس على وثيقة سفرها. ثمَّ سافرتْ. قالَ ذلك لنفسه بحسرة. وقفَ أمام ذاك الرَّصيف متذكراً تلك الأيام التي كانتْ تزحفُ الصَّغيرة فيها في هذا المكان، تحبو مسرعةً لاستقباله كلما سمعَتْ صوت الباب، تصلُ أمام قدميه محاولة التّسلق فيهما، أو تطلبُ منه أن يحملها، تلفُّ يدَها الصَّغيرة على رقبته، تعانقه بحسّها الطّفولي المائي، بعد أن يُمطرها بقبلاته. تأمّل حديقةَ المنزل الصَّغيرة، حيث تُسوِّر أركانَها شجيراتُ (البُونْك المُزَهَّرة و هيرو) ذات الأزهار البنفسجية والصفراء، بقاماتها المتفرعة المليئة بكبرياء الأنوثة؛ الأنوثةُ زهراتٌ توقَّدَتْ مع شلالات الإحساسِ بوجودِ الكائناتِ الأبدية، فترقَّتْ بهبوبِ الضَّوء على بتلاتها؛ تجاورُها شجيراتُ الورد الجوري زاحفة بخصلاتٍ منها على عريشة العنب المتكبّر، ثمَّ قال لنفسه: هنا كانت تلعب في عامها الثاني، تلاحقُ الفراشات الملونة بزعيقها البنفسجي، طالبة منه الإمساك بها، تولّدَ لديها حبُّ الملاحقةِ لحشرات الربيع الطائرة، وكلّما حملَها في حضنه تؤشّرُ بيدها إلى الأشكال الملونة حيث تخضع لجاذبية جمالها، وفي أحيانٍ كثيرة تريدُهُ أنْ يركعَ على يديه ورجليه لتركب على ظهره، حيث متعة الفروسية أقوى من كلّ الألعاب. في عامها الثَّالث تطلبُ منه أن يلعبَ معها لعبة(توم وجيري) فتقفز بحركات سريعة هنا وهناك، حيث ترتّبُ مقالبَ لجيري، وهي يجب أن تفوز دائماً، لا ترضى أن تخسر في أدوارها، تمثّلُ أدوار الأذكياء والأقوياء. تحبّ قصصَ الحيوانات، ومغامرة السّمكة الشقيّة، وتسأل: لماذا لا يعيشُ السّمك إلا في الماء؟ لماذا لا تعيش العجول في البحر؟ لماذا لا نطير مثل العصافير؟ فتفوزُ هنا عليّ لتخسَرَ هناك في أرضِ الأدخنة. هناك، حيث المجهول يلفُّ مصير الإنسان، اختبأ وجهُهَا وراء الأدخنة المنبعثة من اختلاف اللغات الغائرة في مصائرها الدائرية، أعمدةُ من الأدخنة تصعدُ منذُ الأزل لتلحفَ الجبالَ العملاقةَ المصبوغة بثلج العمالقة، هناك، كانَ صوتها يعلو على الأدخنة المشتعلة من شرَرِ الشّوارب الكثَّة الشَّبيهة بلحية شجرةِ (قُولَقْ). زعيقُها البنفسجي يرنُّ أثناء ملاحقتها الفراشات المخنوقة من الدّخان، صوتُها، المكتسب الآن نغمة الأنوثة، يعلو بتساؤلاتها: لماذا لا يعيش السّمك تحت الدخان، لماذا لا يلعبُ المراهنون على الأدخنة لعبة( توم وجيري)؟ كان ذلك لعبةً، أنْ يسرقَ أحدٌ خَطْوَ توقيعِكَ، لتأخذَ فراشتَكَ الغضَّة إلى أرضٍ مشتعلةٍ بحرائق القادمين من وراء المحيط، لعبة من خيال شهرزاد. نسَجَتْ المرأةُ الأمُّ خيوطَها بذكاءٍ يصلُ إلى مرتبة الخديعة الكبرى، الخديعةُ الكبرى كجبالِ العمالقة تُمَرَّرُ بدهاءٍ من نفق الكيد، حتى تستقرَّ بأرض الأدخنة الأبدية الزرقاء، ثمَّ تُرَتَّبُ الحكايةُ بلسانِ شهرزاد، وتُلْقَى على مسامع شهريار بعد فقدانِهِ اللِّسانَ، والسّيفَ، ولون الفراشات الضّائعة. تخبَّأَتْ وراء وداعة الحَمَل، تقنَّعَتْ بأوراق هيرو الأليفة المتناثرة تحت عريشة العنب(بضعة أشهرٍ نقضيها في الرَّصافة على طرفِ دجلة الشّرقي، ودجلة شاهدٌ وفيٌّ على أمري) أتقَنَتْ التمثيلَ الذي أحبَّتْه الصَّغيرة، ونصبَتْ فخاخها الكثيرة، لتنزع منه ذاك التّوقيع الأبله، وتأخذَ الصغيرة إلى أرض الحرائق والأدخنة، إلى براري الرَّافدين. سأل نفسَه ببلادة التّائه: هل مازالَتْ تذكرُ ذاك الرَّصيف الذي يحتفظُ بشكلِ حبوها؟ هل مازالت تلاحقُ الحشرات الطَّائرة تحت أدخنة الحرائق؟ هل ستطلبُ منّي أنْ أحبو على يديّ ورجليّ لتمارس فروسية الفرح؟ وهل تتذكَّرُ وجهَهَا المطبوعَ على خصلاتِ النّعناعِ عندَ قطفِ وريقاتها التي تختلطُ أنفاسُها مع الشّاي السيلاني؟ مازال قلبي على كفِّ القلقِ، ومازال توقيعي البليد على وثيقةِ سفرِها يتألَّمُ لغيابها عشر سنوات.
        الرِّياض في 12/5/2009م

        الرابط:
        غبارُ البَرَارِي وضعْتُ قلبي على كفّ القلقِ، تركتُه يتمرَّغُ في ارتباكٍ لا يذعنُ لقراري، ثمَّ رسمتْ أصابعي توقيعاً بليداً كوجهي النّاعس على وثيقة سفرها. ثمَّ سافرتْ. قالَ ذلك لنفسه بحسرة. وقفَ أمام ذاك الرَّصيف متذكراً تلك الأيام التي كانتْ تزحفُ الصَّغيرة فيها في هذا المكان، تحبو مسرعةً لاستقباله كلما سمعَتْ صوت الباب،


        لجنة ترشيح النصوص =
        مالكة حبرشيد=تم
        عبد الرحيم محمود / تم .
        التعديل الأخير تم بواسطة مالكة حبرشيد; الساعة 04-11-2013, 00:13.

        تعليق

        • حارس الصغير
          أديب وكاتب
          • 13-01-2013
          • 681

          #34
          الاسم:حارس كامل يوسف الصغير
          "حارس الصغير"
          وغربت شمس اليوم الثامن

          =====
          قالت العرافة :
          - انتظروه عند غروب شمس اليوم الثامن..
          أدمعت عينا أمي،وأزاحت ثديها الفارغ من اللبن عن فم أخي ثم أسندت رأسها إلي ضلفة بابالمنزل،وقالت بصوت متهدج :
          - أثق
          في كلامها،وتجاربها السابقة خير دليل .
          ونهضت العرافة مسرعة،وكانت ترتدي ثيابا زرقاء مزركشة،وتضع صرة كبيرةعلي رأسها،وأسرعتخلفها،وأمسكت طرف ثيابها،وسألتها بلهفة وإلحاح :
          - هل صحيح سيعود الغائب؟
          رمقتني بنظرة حادة،ومضت في طريقها دون أن تنطق.
          أقبل اليوم الأول،وقالت أمي محذرة :
          - لا تذهب بأخيك بعيدا،فهناك لص يخطف الأطفال الصغار .
          دارت في عقلي الصغيرأفكارمخيفة،وتخيلت اللص يذبحنا خلف صخرة نائية بسكين حادة،ثم يطهو لحمناويأكله،غيرأن طعم اللحم كان مرا.
          أمسكت يد أخي،وتسلقنا شجرةعجوزا خارج المنزل،وبحثنا عن أعشاش العصافير،فوجدناهاميتة،ويبست أغصان الشجرة،وذبلت أوراقها،وألقت بها بعيدا ثم قذفت بنا في أرض وحلة كانت نهراعذبارحلت عنه الأسماك.
          تلطخت ثيابناالممزقة بالوحل،فألفيت وجه أمي غاضبا ينظرألينا بقسوة وينهرنا : "من أين أتي لكمابثياب أخري" ،ولابد إنها ستضربنا . أحدقت القرية بنظرة حانقة،فكانت ذابلة العروق،وفارقتها الحياة .
          وفي اليوم الثاني،قالت أمي بلهجة أمرة :
          - اذهبا
          لتعملا مع أبيكما .
          تذكرت
          وجه صاحب الأرض الغاضب،وشاربه الكث،وعصاه الصغيرة التي دوما ماتضع بصمتها فوقأجسادنا . وتذكرت ابنه السمين الذي دائما ما يتشاجرمعنا،ويسخر منا ويعايرنا بملابسه الجديدة ولعبهالكثيرة . فأقسمت بأني لو رأيته لأضربه ضربا مبرحا،ثم أقتل أباه . قلت لأخي :
          - هيا نتسابق .
          - أنت كبير،وأقدامك كبيرة وستسبقني مثل كل مرة .
          قلت له مداعبا :
          - سأبطئ
          من جري حتى تسبقني .
          صاح بسعادة شديدة :
          - صحيح
          !!
          - صحيح
          .
          وتسابقنا حتى وصلنا إلي الحقل،وقد سبقته كالعادة،فحزن مني،وقال بأنه لن يكلمني بعد اليوم .
          وجدنا
          صاحب الأرض وابنه جالسين يتابعان الأنفار،وقد اعتلت صيحاتهما بالتهديد والوعيد لمن لايعملبجد. وكان أبونا منكباعلي فأسه يضرب بها في الأرض بقوة،وقد ربط خاصرته بقميص أزرق ممزقبانت له ساقاه الرفيعتان .
          ورآنا ابن صاحب الأرض،ونظر إلينا نظرة هازئة ثم نهض واقترب منا،وقال ساخرا :
          -
          لاعمل لكما هنا،وسأطرد أباكم .
          رمقته بنظرة حانقة،وودت لو أصفعه :
          - سأضرب أباكم .
          صفعته علي وجهه،فصرخ باكيا،ثم اندفع أبوه نحونا،وضربنا بقوة حتى أسال الدماء من وجهينا،بينماظل أبونا ساكنا ينظر إلينا في حسرة وألم .
          قفزنا
          في الهواءغضبا،وضربنا الأرض بأقدامنا الصغيرة،فغضبت وأقسمت بأنها لن تثمر بعد اليوم .
          وفي اليوم الثالث،نادي ميكرفون الجامع :
          - مطلوب
          أنفارللعمل بالعراق .
          شددت أمي علي أبي :
          - بسرعة ...العدد المطلوب قليل .
          هرع أبي مسرعا،ولكزت أخي في قدمه،وأسرعنا خلفه .
          واكتظ
          الجامع بالمصلين علي غيرعادته،ففرحت وقلت لأخي :
          - النهاردة العيد!!
          رمقنا
          رجل يرتدي بالطو أصفر!ممسكا بعصى صغيرة تحت إبطه،وقال بصوت أجش :
          - أطفالأغبياء .
          خفنا منه،ثم جاءالقطار فركب الرجل صاحب البالطو الأصفر،وتبعه المصلين،ومضي القطاربعيدا.
          وفي اليوم الثالث،حملت كتبي وكراريسي وذهبت إلي المدرسة مليئا بالحماسة والنشاط.وقفت في الطابور منتظراً تحية العلم،بيد أن الناظر استقبلني بابتسامة صفراء،وقال بصوت حاد :
          - لم تدفع المصاريف.
          نظرت إلي الأرض وخرج صوتي واهنا:

          - أمي لا
          تستطيع دفع المصاريف .
          أوجعني بعصاه
          علي ظهري،وطردني من الطابور،وقال بصوت نزق:
          -
          لامكان هنا لأبناءالخادمات .
          غضبت
          ،وأمسكت بقلم رصاص جعلته مدية طعنت بها الناظر،فنظر لي هازئا دون أن ينزف .
          خرجت من المدرسة مسرعا،ونظرات التلاميذ تتابعني متألمة.
          وفي اليوم الرابع،نظرت أمي إلي وجه أختي الذابل،وقالت باكية :
          - أجرة
          الطبيب غالية،وإذا وجدنا أجرة الطبيب،فمن أين لنا بثمن الدواء؟!
          كانت أختي زهرة يافعة في بستان أخضرملئ بالورود،وكان وجهها أبيض مستديرا مختلطا بحمرةخجلة،وكانت حينما تنظرإلي نهديها الصغيرين خلففستان أصفرممزق تغني بصوت عذب أغنيةحزينة،وكانت تشاركها العصافيرالغناء .
          وتطلعنا إلي أختي فصار وجهها أصفر ممتقعا. صرخت أمي صرخة مفزعة انطفأت لها أنوارالمنزل .وجاء أهل القرية وحملوا أختي في نعش خشبي،وذهبوا بها إلي أرض نائية،وأهالوا عليها التراب،ونبتفوق التراب زهرأحمر .
          وفي اليوم الخامس،تطلعنا إلي السماء،فوجدنا طائرة صغيرة تحلق بعيدا،فهتفنا :
          - ياطائرة أحضري لنا الغائب .. ولم تسمع الطائرة نداءنا،وتحولت غرابا أسود نعق بصوتقمئ،وأمسك لتوه بفأرصغير؛فتذكرنا الجوع،ورجعنا إلي البيت،وقلنا لأمي :
          - نريد طعام .
          نظرت أمي متجهمة،وأشاحت بيديها ثم أشارت إلي أواني فارغة،وذهبت إلي غرفتها وأغلقت خلفهاالباب،وسمعنا نحيبا،وبتنا دون عشاء مثل ليال ماضية .
          وفي اليوم السادس،انطلقت الزغاريد في القرية،فسألت أمي :
          - ما
          الخبر؟
          لم تكترث أمي،وألححت عليها فأجابت ممتعضة :
          - زينب
          بنت احمد المنجد ستتزوج.
          طرقت كلماتها صدري،وأدركت أن الحياة لاتستحق،وتذكرت زينب،وتذكرتوجهها الندي،وفمهاالأحمر،وعينيها الخضراوين،وتذكرت حديثها " أحبك،ولن أتزوج أحداغيرك "
          انطلق صوتي يائسا :
          - ومن ستتزوج؟
          أجابتني :
          - ابن
          رجل غني عنده بيت كبير،وتلفزيون وطبق دش وأجهزة كثيرة .
          وجدت نفسي أمسك سكينا أذبح بها شخصا مجهولا دائما ما يتربصبي .
          وفي اليوم السابع،سألت أمي جارتنا :
          - ألم
          تسمع أخبارا جديدة في التلفزيون .
          ثرثرت جارتنا كعادتها،وكانت مكتنزةيطفح لحمهامن تحت الثياب،وأجابت:
          - الحرب دائرة والموتى كثيرون.
          تضايقت أمي،وأردفت جارتنا :
          - قلبي
          معك،فالغائب عزيزعلينا .
          وجمت
          أمي،وأغلقت الباب،ونظرت إلي نفسها في المرآة،فوجدت شعرها صار لونه أبيض . وفي اليومالثامن،جلست أمي القرفصاء علي أريكتها الملاصقة لباب المنزل،وأحنت وجهها إلي الأمام،وطقطقتبمسبحة في يدها،منتظرة تحقيق نبوءة العرافة عند غروب الشمس. وبعينين واهنتين فقدتا كثيرامننورهما أخذت تبحث عنا، ثم قالت بصوت واهن ضعيف :
          - انتظرا الغائب عندغروب الشمس .
          اقتربت منها وأخذتها في حضني،وتذكرت وجوها كثيرة رأيناها نبحث فيها عنه مع كل قطار قادم جريا وراء خبر أو إشاعة دون فائدة . ومكثت في حضنها طويلا حتى غربت الشمس وغابت بعيدا..
          وما عاد
          الغائب.




          فلأنتظر ليلة أخري!
          =======
          قالوا لها بأنه سيغرد في حضنك الليلة. كفكفت دموعها وأحزانها، ولملمت ثوبها الأسود. بحثت في دولابها الخشبي المهترئ عن ثوبها المزركش الألوان. دغدغ جسدها الحلم الجميل منذ البارحة، وابتسامة واسعة غلفت شفتيها لا تغيب عن ناظرها، امتزجت بقلق مبهم كعروس في مخدعها أول ليلة. لا تتذكر آخر مرة اعتلت شفتيها! ربما مذ أن فارقها ذلك اليافع بحثا عن لقمة العيش في الأراضي البعيدة. تركها في خرابتها تئن وحيدة، تعاني جفاف الأيام وقهر الليالي. جلست القرفصاء أمام عتبة دارها، وأخذت تراقب بعينيها الواهنتين غروب الشمس. أمسكت في يدها عودا من القش، وخطت به خطوطا متعرجة على الأرض، قطعتها بخطوط أخرى بعدد سنوات غيابه. هطل عليها الليل بظلمته الكئيبة كخيوط مطر؛ فأغرقها في أحزانها. دائما ما يأتي، فينبش جراحها وآلامها. سكون مخيف يرتع في محيط حياتها منذ أن فارقها، لا يحركه سوي طيف ذكري له تومض في عقلها، وسرعان ما تخبو وتنطفئ. صمت مهيب يزورها كل مساء لا يقطعه إلا نقيق الضفادع وعواء الذئاب ونباح الكلاب.. صمت يدفعها إلى الجنون.. كل شيء في دنياها كان ينبض بحركته بعد وفاة أبيه.كان كل مالها في الدنيا. كانت تتدثر به في ليل الشتاء القارص، وكان لها نسمة الهواء في نهار الصيف القائظ. استماتت معه، وحاولت أن تثنيه. لكن إرادته العنيدة المختلطة بذراعيه الفولاذيتين أبت؛ وأصر علي الرحيل. أشارت إلى أرضه الخضراء، وقالت له: - وهذه من لها؟! أجابها بغضب وغيظ: - هذه أرض تكره أبناءها! ولولت، وانتحبت قائلة: - ياويلي! ليس لك غيرها! ثم أشارت إلى نفسها، وتوسلت إليه باكية: - أبق إذن من أجلي! لكن أي قوة تقف أمام رغبته الجامحة. كان كثور هائج لا يصد ريح غضبه و لا عواصف ثورته شيء. شد أدوات الرحيل ولم ينتظر. مع أول إطلالة للفجر فارقها.. تركها تبكي وتندب حظها. لم يخبرها إلى أين رحل. كل ما قاله بأنه سيعمل في بلاد بعيدة.. راسلها بعد ذلك مدة شهرين، ثم انقطع مطر أخباره.. جفت ينابيع حياتها مع توقف رسائله.. ظامئ قلبها إلى أي خبر يطمئنها عليه. لا حديث يأتيها عنه سوي غزو محتمل للأراضي التي يعمل بها. حلمت به وحيدا مضطرم وجهه بالخوف، ومحاصر بجبال من الأحزان! نادته بأن يعود؛ ولكن أنّي له أن يسمع نداءها. - ما كان له أن يرحل، ويترك أرضه! هكذا قالت لنفسها، وهي ترنو إلى السماء، وتحدق في دائرة القمر المكتملة. أطلت ذات نهار حارق من الباب؛ لفحها وجه الأرض اليابس؛ فعمق الجراح في صدرها. وجمت عندما رأت الأشجار الوارفة حول أرضها، وقد تخلت عن وقارها، خلعت عنها أوراقها، صارت عارية يابسة تنتظر من يقتلعها. همست بحزن، وكأنه يسمعها: (عقرت أرضك ولن تنجب بعد اليوم. تمردت ولم يعد أحد بعدك يستطيع ترويضها.. فأسك صامت واجم يجاري صمته صمتي، وحمارك البائس هزلت أضلاعه بعد السمنة. أغنامك رحلت مرعاها؛ فاختارت الرحيل بلا رجعة. آه يا وليدي! حلمت بالبيت ذي الطابقين، وثملت بأجهزة حديثة أجهل أسماءها. أغراك من سبقوك حين عادوا من الغربة بأحمالهم الكثيرة. حلمت بالزوجة والحياة الرغيدة. رحلت وتركت الغراب ينعق حولي منذرا بخراب يركض حولي في كل لحظة! غابت شقاوتك المحببة إلى قلبي! أما كان يكفيك حب أمك! أما كان يكفيك عشق أرضك التي كانت تغازلك! دوما كنت أسمعها تغازلك.. هي الآن مثلي حزينة. تئن وتبكي دون أن يسمعها أحد! كل من رحلوا عادوا إلا أنت!) تكاثف الظلام حولها بعد اختفاء القمر خلف غيمة داكنة السواد. غابت الرؤية أمام عينيها تماما، حتى صارت لا تري أبعد من خطوتها. الدقائق والساعات تمضي برتم بطئ وثقيل وكأنها عاجزة عن الدوران، وهي تواصل جلوسها في انتظار مجيئه. تراءي لها شبح يقترب منها، تهللت أساريرها، وقفزت من مكانها لتستقبله بإحضانها. انطلقت كريح نحوه، لكن خيبتها ارتدت إليها نصل سكين، حينما وقعت عيناها علي عمود الطين الذي كان ينتصب فوقه سقف العشة، التي كان يستظل به حماره وبقرته. عادت خائبة إلى جلستها. غالبتها سنة نوم؛ فاستيقظت مذعورة خشية مجيئه دون أن تسقبله بقلبها وعينيها منذ أول لحظة تدوس فيها قدماه الطريق المترب أمام دارها. لاحت لها بشائر خيوط الفجر، فقالت بحزن: - اقترب الفجر يا ولدي، فمتى تعود!؟ تراك هل تعود عنده مثلما رحلت عند!؟ نهار جديد بدأت بشائره تطل في الأفق، فمتى تطلني بشارتك؟! رحل الفجر، و رحلت كل الأشياء حولها، ولم يأت. قالت: - لا بأس ..فلأنتظر فربما يأتي في ليلة جديدة!
          16/09/2013


          لجنة ترشيح النصوص =
          مالكة حبرشيد=تم
          عبد الرحيم محمود / تم .
          التعديل الأخير تم بواسطة حارس الصغير; الساعة 25-10-2013, 10:51.

          تعليق

          • خديجة راشدي
            أديبة وفنانة تشكيلية
            • 06-01-2009
            • 693

            #35
            ــ الإسم : خديجة راشدي
            ــ المؤهلات : إجازة في الأداب / ليسانس آداب/من جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية الأداب و العلوم الإنسانية – فاس –
            - فنانة تشكيلية : ، أقمت معارضا فردية و جماعية عدة
            - أستاذة في ثانوية خاصة
            - اكتب الرواية و القصيدة والقصة والقصة القصيرة جدا
            - صدرت روايتي "تجاهل اليقين " سنة 2010
            عن مطبعة أنفو برانت
            -عضوة في منتديات أدبية وثقافية

            القصة الأولى
            انكسار الدهشة ....يَوْمَها أصيب بحالة من الذهول، انكمش تحت مظلة الكمد معتنقا الصمت، دخل في فوضى من التغيير، بُغية تكسير نمطيته المعتادة، غيَّر الأمكنة وامتطى الأزمنة حتى نكهة قهوته ...أقلامه... دفاتره...يستجديها بكل السبل وهي في دلال وعناد حارق، توقف هطول نُدفها فجأة، لم تعد تصافحه، باردة مدفأة فكره، يهدهد جذوة الروح لكي


            انكسار الدهشة//خديجة راشدي



            ....يَوْمَها أصيب بحالة من الذهول، انكمش تحت مظلة الكمد معتنقا الصمت، دخل في فوضى من التغيير، بُغية تكسير نمطيته المعتادة، غيَّر الأمكنة وامتطى الأزمنة حتى نكهة قهوته ...أقلامه... دفاتره...يستجديها بكل السبل وهي في دلال وعناد حارق، توقف هطول نُدفها فجأة، لم تعد تصافحه، باردة مدفأة فكره، يهدهد جذوة الروح لكي ينفجر زخمها المُتدار تحت معطف الغياب...
            تتمايل أطيافا أمام وجْدِه، لم يستطع الإمساك بها فجلس قرب أصُصَه التي تُراقص الجلنارعلى ترانيم الفراشات، حزينا يردد بصوت خافت أبيات أبو الوليد الأندلسي وهو يتغنى بروعة الجلنار

            *وجلنــــــــــــــــــــار تبدى يختال في جل نارِ
            أحلى حلى من جميع ال أنوار والأزهــــــــارِ
            حكى خــــــدود العـذارى قد شربت باحمرارِ
            وخمشت بأكــــــــــف ال ألحاظ والأبصــــــارِ



            ترتعش أنامله في ضيافة الإصرار، فتطل بَنات فكره طيفا تشْتمُّ عبق البياض من رحم المرافئ المكتظة، بدون خدوش تغفو على خصر الحكاية الحافية، تنهشه الفرحة، فتغوص تنْهيدَته
            مُتَلعْثِمة، تطفئ عطشها من غدير التجلي، تتطلع إليه تحْدجه بنظرة
            تنْشب مخالبها في عَقيرته فينساب الرُّضاب من اليراع، متفاديا عثرة بعد عثرة إلى أن توقف عند محرابها...

            عندها انتفظ مبتهجا، لملم الحطب وأمسك قبضة دخان و باقة ضباب، وانطلق بشغف يعدو ... يعدو ... نحو الغيمة البيضاء، حيث سطع بريق الزهر
            على كفه... ابتسمَ مُتْعبا، مُرْهَقا، لكن خفيفا كالريشة .

            و قف على الجسر يتأمل البساط الرقراق المُستلقي على وجه النهر
            و في مَهبِّ النشوة و بريق وليدتِه الجديدة بين يديه ..
            انفجرت ريح قوية من بطن الهواء، و رمت بالقصيدة نحو النهر، صرخ مُفتَرِشا أجنحته
            و شرْشف فؤاده على أكتاف خيْبته ... بكى ... نعم بكى ...بحرقة ٍ...فلم يَبْق بين يديه
            سوى عبير عطر من بُكاء بحيرة

            ... !

            * من قصيدة أبو الوليد الحميري الأندلسي//جُلَّنار الندى – المجثث –



            القصة الثانية

            أرصفة المدينة برموش ذابلة مهترية يتصفح الجرائد ...يرشف فنجان القهوة المتحدث بلغة الرموز ...سأله صوت رخيم إن كان في حاجة لشيء ....يومئ برأسه ....يمطط صفحات الجريدة المنكمشة على نفسها ....الخجولة من أحداثها المُجْهضة للبهجة ...فجأة تجتاح مسامعه ضجة وجلبة ...يحمل هيكله وبقايا أزمنته المهترئة ..


            أرصفة المدينة //خديجة راشدي




            برموش ذابلة مهترية يتصفح الجرائد ...يرشف فنجان القهوة
            المتحدث بلغة الرموز ...سأله صوت رخيم إن كان في حاجة
            لشيء ....يومئ برأسه ....يمطط صفحات الجريدة المنكمشة
            على نفسها ....الخجولة من أحداثها المُجْهضة للبهجة ...فجأة
            تجتاح مسامعه ضجة وجلبة ...يحمل هيكله وبقايا أزمنته
            المهترئة ...يُطل بحذر من الشرفة ...لتصطدم نظراته بهول
            الحادث ...لقد تمزقت أوصال المدينة ...وافترشت الأسى ...
            واجتمعت الأرصفة الباكية حولها حزينة ....
            أوصيكم بلملمة شظايا ملامحي القديمة وإعادة نسج وجه
            جديد لي ....!!!
            هكذا قالت المدينة ثم انتحرت .
            ارتجفت أنامله سقطت الجريدة من بين يديه مستغيثة من هول
            العلو ...تطايرت صفحاتها على أرصفة المدينة ...توالت الأيام
            وهو في حيرة من أمر الجرائد التي أصبحت مصرة على
            الطيران والتسكع في أجواء المدينة الجديدة...
            بعد عدة أيام ....جلس في الشرفة كالعادة ...وإذ بالدهشة تزلزل
            كيانه ....لقد أصبحت الأرصفة تكتسي وجها جديدا ألوانه
            وملامحه من أحداث الجرائد!!!.......


            لجنة ترشيح النصوص=
            مالكة حبرشيد=تم
            عبد الرحيم محمود / تم .

            تعليق

            • أمين خيرالدين
              عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
              • 04-04-2008
              • 554

              #36
              أمين خير الدين في سطور:

              مسقط رأسي وجذوري ثابتة في قرية حرفيش ، في الجليلالأعلى من فلسطين
              من مواليد 1941 ن عملت في التدريس لأكثر من ثلاثة عقود لموضوع الرياضيات، خرجت للتقاعد المبكر عام1996
              وعملت في وزارة المعارف مرشدا لمنع استعمال المخدرات
              درّست بعد ذلك نفس الموضوع في كلية تابعة لوزارة العملفي مدينة صفد
              وعملت فيالترجمة من 1999 – 2012 لمدة 13 سنه.
              درست علم النفس والتربية والسياحة ومارستها كهواية أكثرمنها كمهنة
              كتبت العديد من المقالات السياسية والاجتماعية والأدبيةمنذ سنوات الستينات من القرن الماضي
              أصدرت ثمانيكتب:
              رسائل إلى ولدي 1993
              المخدرات هيالطاعون (دراسة) 1994
              قصص قصيرة 1995
              العين الثالثة (قصص قصيرة جدا) 1996
              الرجل الذي قتل ظله (قصص قصيرة) 1998
              الشيطان يحاضر ( قصص قصيرة) 2001
              وكان ابنه الثمن (قصص قصيرة) 2010
              اعتقال ميّت (قصص قصيرة) 2012
              وهو الآن في مجال التحضير لإصدار كتاب يتضمن معظم المقالات التي كتبهان ومجموعة قصصية جديدة




















              وعبر.... جدار الليل
              اصطبغت الشمس بلون العيون التي أتعبها البكاء، ونزف هذا الأحمرالباهت ، فتلقاه الأفق واصطبغ هو الآخر بلون الخدود التي أربكها الخجل، وتعرّتالشمس من وقارها، إلاّ بعض بُقع تحاول التستر على ضعفها وعلى عُريّها، فبدت باهتةمُنهَكة هرمة، تسير نحو قَدَرِها بخطىّ وئيدة، وتَحرّك ستارٌ سميك يمحي الشفافية ويتقدم كما تتقدم جيوش الاحتلال، حين تلاحق الراغبين في الحياة، ليبتلع السهول والجبال وما بينهمابستار لا يكره شيئا كما يكره النور، وأخذ نبض الحياة بالتلاشي أمام زحف الصمت،وانتشار الكآبة.
              لجأ الناس إلى عُلبهم، يُفرغونطاقات نهارهم المخزونة، والمشتعلة بالحر الذي خلّفته الشمس الغاربة وهو ينقش الألمعلى الأبدان، فتمنوا لو تُمطر الدنيا بَرَدا وثلجا ليخرجوا بأقلّ ما يمكنهم منالملابس هربا وتحديا معا لهذا الحرّ الذي لم يحدّثهم عن مثله الآباء والأجداد.
              واحتمى الناس في غرفهم الحمراءوالزرقاء بعد أن شملهم صمت الليل، وناموا على خيبات أحلامهم ونكساتهم وعلى شقائهموعلى الأخبار التي تسرُ الأعداء والمتشفين، عمّا يجري خلف الحدود الشماليةالشرقية، أو الجنوبية الغربية، من قتل وتشريد ونزوح إلى الشمال أو أقصى الجنوبهربا من الموت الذي يلاحقهم كالطاعون.
              وفي الصباح عندما استيقظوا كانتلا زالت الكآبة تلفّ الجبال، وتملأ الوديان، وتضج بها الشوارع والطرقات، وكانتأجهزة الإعلام المرئية أو المسموعة أو المكتوبة تنفث الأخبار التي تسمم الأبدان، تنطلق كالإشاعات، تكبر مع كل خطوة ليكبر معها الألم وينشلّ النبض..
              ومع انقشاع آخر ظلام ظهر غريب فيالشارع!!
              أمّا كيف ظهر ؟ ومن أين جاء؟؟ لاأحد يعلم! كأنه ولد من رحم الليل!
              لم يسأله أحد عن ذلك!!
              ولمّا أحسَّ بعدم المبالاة وبالصمتالمطل من العيون.سأل هو عن شيخ القرية أو عن بيت المختار.
              ضحك الناس من سؤاله واستهجنوا،لأن البلدة مليئة بالشيوخ، ولا أحد منهم يقبل بأقلّ من شيخ القريةة، وعهد المخترةعهد باد وانتهى كالأنظمة البائدة .
              ظلّ يتنقل من شارع إلى آخر حتىوصل ساحة شبه مستديرة، تحيط بها البنايات من كل الجوانب، وتخرج منها الشوارع إلىكل الاتجاهات... أخذ يتأمل البنايات بشهوة غريبة أحرجت النساء التي تطلّ من الشبابيك التي تفتح صدرها لنسيم الصباح ،وأحرجتالحيطان الخارجية التي لا تُحرج، فبدت له وكأنها محمرة الخدود، خجلى من نظراته التي يغرزها كما تُغْرز الإبرة في الجسم الحيّ، وبدت كأنها تتضايق من نظراته وتخيّل أنهاستثور كالبركان احتجاجا على هذهالوقفة وهذه النظرات، وتخيّل أن البنايةالمقابلة له تقول لجارتها "إنه ابن ليل..والليل ستار العيوب" وتردّجارتها قائلة " إنه عميل للموساد والمخابرات .. إياكم أن تبصقوا حتى في وجهالريح أمامه.." وقالت ثالثة "إنه موظف صغير يعمل لصالح لجنة التنظيم،يقدم لها التقارير عن الأبنية غير المُرخّصة مقابل أجر بسيط" وقالت رابعة" إنه عميل سريّ لمؤسسة التامين الاجتماعي ، يترصد الذين يتوجهون إلى مؤسسةالتامين كالمعاقين، بعضهم يمشي على ثلاث، ومتفرعة، وحين يعودون إلى بيوتهم يتحركون كراقصيالباليه، ويقفزون كشغوفي الوثوب، ويمشونكما تمشي الخيول الأصيلة، ورمته امرأة من شباك في الطابق الثالث بما في طشت الغسيلمن ماء، فانتفض كمن باغتته أفعى، واستيقظ من حلم لا احد غيره يعلم كيف عاشه.
              وحينها فقط أدرك انه غير مرغوببه، فغادر الساحة لكنه لم يغادر القرية.
              وكعادة الزمن، تكفل بإسقاط حكايتهعن ألسنة الناس، وذابت في كأس روتين الأيام ، وانصهرت في آتون الحياة، وشرب الناسألكاس حتى آخره بهدوء، وعبر غريب حدود الليل، وصار واحدا منهم، وقبلوه رغم نظراته التي لم تتغيّر، كمن يقبل أمرا على علّاته،وصار مثلهم يصوم ويصلّي ويعظ ويُفْتي ويفتخر بانتمائه إلى القرية ، وبتاريخهالطويل فيها، ولما سأله أحد أصدقائه أن يحدثهم عن تاريخه البعيد، اغرورقت عيناه، وانسابت الدموع في خطّين متوازيينمتباهيا بماضيه ونَسَبِه الذي لا يعرفعنهما أحد شيئا... واختنقت الكلمات قبل أن تولد، ولم يقل شيئا..وبقي غريبا .... كأنه ولد من رحمالليل !!!!




              لا تنس

              أنك إنسان
              البس من الأقنعة ما شئت
              بزة عسكرية
              أو حلّة مخملية
              أو ربطة عنق حريرية

              واكتب بأقلام حبر
              ذهبية
              أو فضية
              ما شئت
              شعرا
              أو نثرا
              أو عمليات حسابية

              لكن لا تنس
              أنك إنسان

              ***

              صلّ لمن شئت
              لله أو للحجر
              وأدر وجهك حيث شئت
              للشرق
              أو للغرب
              عصرا
              أو عند السحر
              وصم
              واركع
              لكن
              وأنت تخشع
              لا تنس

              أنني إنسان
              وأنك مثلي
              إنسان

              ***
              إلبس عمة
              إلبس جِبّة
              أو عباءة
              وامش إن شئت بلا حذاء
              لكن
              لا تنس
              أنك لست
              إله هذا الزمن
              ولا الذي قبله
              او بعده
              لأنك مثلي
              إنسان

              ****

              إركب سيارة
              أو طيارة
              أو قمراً صناعيّا
              أو كوكبا سيّاراً
              وحلِّقْ
              فوق الكواكب
              وبين النجومِ
              وانظر من علٍ
              على الشمس
              على القمر
              أو على البشر

              ولا تنس
              مهما ارتفعت
              أنَّكَ من طين
              وانك مثلي
              ومثله
              وإنسان




















              ومضة:
              تمتمةٌ
              قال لي ابي ذو القامة الشامخة.... والمنكبين العريضين.....

              والذي لا يبتسم خوفا من أن يضعف..

              يا ولدي تذكر دائما:

              "العين لا تناطح مخرزاً".... و"اليد الواحدة لاتصفق".... و"اليد التي لاتستطيع أن تعضّها قبِّلها"...
              مات والدي وهو يسبّح بحمد الله..

              وأنا لا زلتُ مُغْمَضَ العينين...أمشي على يد مشلولة...وأقبل الأيادي.
              وأتمتم:

              "الحمد لله الذي لا يُحْمَدُ على مكروهٍ سواه"


              لجنة ترشيح النصوص=
              مالكة حبرشيد=تم
              عبد الرحيم محمود / تم .
              [frame="11 98"]
              لأني أحبُّ شعبي أحببت شعوب الأرض

              لكني لم أستطع أن أحب ظالما
              [/frame]

              تعليق

              • بهائي راغب شراب
                أديب وكاتب
                • 19-10-2008
                • 1368

                #37
                بهائي راغب شراب
                خبير تدريب وتنمية بشرية
                كاتب:
                المقال
                القصة القصيرة
                قصة الأطفال
                النثر والشعر
                مسرحية منشورة
                مؤلف وباحث
                اعمال كثيرة منشورة في العديد من المواقع والصحف في فلسطين والامارات
                الميلاد : 1954
                العنوان : خان يونس - فلسطين
                الحالة الاجتماعية : متزوج + 5 بنات + 3 اولاد

                النصان المقترحان للمشاركة

                النص الأول
                مغامرة في شارع يافا
                الرابط :http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...A-%ED%C7%DD%C7


                مغامرة في شارع يافا

                بهائي راغب شراب
                7/12/2009


                كنا ثلاثة أشخاص
                "هو"
                و"أنا"
                و"هو الآخر".
                *
                "هو" كان أكبرنا
                دعانا لجولة في شارع يافا الكبير في مدينة القدس
                وافقنا فورا ..
                فليس أجمل من السير في شوارع مدينتك الأسيرة ..
                *
                طويل شارع يافا
                يسكنه اليهود
                أبراج ، مطاعم ، أسواق ،
                ومدارس دينية في الليل تمارس طقوس التعبد والجريمة ،
                و.. تعلم الأطفال كيف يقتلوننا .. ببرود .
                *
                مشينا ومشينا ، لم نشعر بأنفسنا ..
                فجأة وقفنا أمام عمارة "شالوم "
                مدخلها واسع جدا
                لكنه مسكون باليهود
                الداخلون والخارجون .. يهود
                لماذا نحن هنا ؟
                لماذا توقفنا .. ؟
                لماذا ؟
                سألت .. ولا جواب ..!
                *
                "هو .."
                استأذن منا للدخول قليلا
                لديه موعد عمل مهم مع صاحب العمل ،
                لم نمانع
                دخل ..
                لم اعرف إلي أين ..ولا ماذا يريد هناك
                اختفى فيها ..
                وعندما تأخر ..
                تململت ..
                وسألت "هو الآخر" ..
                أين "هو" ؟
                قال بتعجب : ألا تعرف ؟!
                أجبت : لا
                أتعلم أنت ؟!
                قال : دخل ليضاجع يهودية
                لكنه تحدث عن موعد ..
                قال غامزا : هي الموعد المقصود ؟!!
                *
                صعقت ..
                ماذا تقول كان فدائيا في الكرامة ، كان يجتاز الحدود ،
                كان يضرب ويتصيد اليهود
                ابتسم " هو الآخر"
                لعلك لم تعرف بقية الحكاية ..
                لا أريد حكاية ..أحتاج أن أغادر المكان ..
                هل تصحبني
                أجاب : لا سأنتظره ..
                قلت : بعد الذي فعل بنا ..؟
                قال : دعنا نر لماذا فعل ذلك ؟
                قلت ..: لا .. فلن احتاج لجوابه ..
                سأذهب وحدي إذن ..
                *
                أدرت ظهري عائدا من حيث أتيت
                "هو" كان دليلنا ، نادى "هو الآخر"
                قلت : لا يهمني , لن انتظره أبدا , لن أسمح بان يلوثنا معه
                حاول " هو الآخر" منعي
                صممت ..
                ومضيت فوق الطريق
                *
                انتابني بعض الخوف
                أنا لا أعرف تفاصيل المكان
                لقد صار غريبا عني
                أنفاسه النتنة أصابت انفي بالزكام ،
                أضواء مصابيحه .. شوهت الرؤية الصافية لعيني
                و... لقد ... تهت ..
                *
                دخلت شوارع كثيرة ..
                تجولت أكثر ..بحرية تامة
                كنت وحدي ..
                وبثقة سرت مطمئنا استكشف الطريق
                من بعيد رأيته مشعا بالبهاء
                من بعيد ناداني للاقتراب
                من بعيد اتخذ الأقصى شكله ..كجوهرة السماء
                *
                حددت بوصلتي
                ولبيت النداء ..
                ومضيت رافعا راسي بعز وإباء
                وكنت وحدي أسير
                لم ألتفت أبدا للوراء
                ووصلت إلى باب العمود
                وما أجمل اللقاء .
                *
                كنت وحدي
                وعقارب الساعة تشير إلى منتصف الليل
                والشوارع فارغة
                أسرعت لموقف السيارات ..
                استجدي سيارة مغادرة
                تنقذني من لعنة " هو " ...الحيوان
                *
                كانت السيارة الأخيرة لهذا المساء
                وكنت الراكب الأخير ..
                وعدت إلى البيت ..
                كانت أمي واقفة على الباب
                عندما وصلت وحدي
                سألتني ؟ : أين الآخران ؟
                هززت رأسي باشمئزاز
                سكتت ؟؟
                وقالت : الم أقل لك
                أنت لا تعرفهم ..
                لقد جبلوا هناك .
                ***

                النص الثاني


                العميل
                http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...E1%DA%E3%ED%E1


                في كل مرة يقتحم الجنود الصهاينة المنزل، يقلبونه ويبعثرون محتوياته ويدمرون أبوابه وخزائنه ..
                ورغم ذلك لم يعثروا عليه أبدا ..
                وقبل أن يغادروا يضربون الأم التي تدافعهم بكل ما تملك من قوة وثبات ، ويركلون ببصاطيرهم الثقيلة الأب المقعد المتمدد على فراشه الصغير في زاوية الغرفة لا حول له ولا قوة ..
                في المرة الأخيرة ..
                كان الأمر مختلفا ..
                جاءوا بصحبة ملثم يرشدهم ..
                قلبوا محتويات المنزل كعادتهم قبل أن يشير إليهم مرشدُهم الملثم نحو الثلاجة،
                أزاحوها ..
                واستمر المرشد في توجيههم ..
                رفعوا السجادة الصغيرة .. انكشف لهم باب خشبي .. رفعوه .. ونظروا للأسفل ..
                كان المجاهد الذي يبحثون .. يجلس متربعا مطمئنا يتلو آيات القرآن ..
                جُنَتْ أمه .. !!
                كيف عرفوا مكانه، من دلَّهم على سرِّه ..
                ومن هو هذا الملثم الخائن، وكيف عرف بأمر المخبأ ..
                وبيتت في نفسها أمراً ..
                دخلت غاضبة بين الجنود وكأنها تحاول تخليص ولدها،
                فجأة .. عندما اقتربت كثيرا من الملثم ، وصار بامكانها لمسه ..
                وبكل ما حملت من عزم، وما أوتيت من قوة جبارة، مدت يدها ونزعت اللثام ..
                وكانت المفاجأة الصاعقة ..!!!
                ...
                لالالالالالالالالا ...
                صرخت من أعماقها ..
                وهي تغطي عينيها بكفيها ،
                ليتني لم أعرف ، ليتني لم أرفع اللثام ..
                ....
                لقد رأت وجه ولدها الثاني ..!؟
                *

                لجنة ترشيح النصوص=
                مالكة حبرشيد=تم
                عبد الرحيم محمود / تم .
                أطمع يارب أن يشملني رضاك فألقاك شهيدا ألتحف الدماء

                لن أغيرنفسي لأكون غيري ، سأظل نفسي أنا أنا

                تويتـــــــر : https://twitter.com/halmosacat

                تعليق

                • ليندة كامل
                  مشرفة ملتقى صيد الخاطر
                  • 31-12-2011
                  • 1638

                  #38

                  - السيرة الذاتية:
                  - الاسم واللقب: ليندة كامل
                  - البلد الأصلي : الجزائر
                  - التخصص الجامعي : علم النفس التربوي بجامعة منتوري قسنطينة الجزائر
                  - الشهادة الجامعية ليسانس علم النفس التربوي.
                  - التخصص الأدبي : شاعرة وقاصة *قصص قصيرة *
                  - أعمل مسشتارة توجيه وتقيم مهني بمراكز التكوين المهني
                  - - شاركت أيام الجامعة في عديد من الامسيات الشعرية وتحصيت على جوائز تقديرية
                  - شاركت في مسابقات وطنية وعلى المواقع الالكترونية آخرها مسابقة القصة القصية التي برمجتها المجلة اللكترونية ديوان العرب
                  المؤلفات :

                  نشر لي مجموعة قصصية متى تشرق شمسي 2012

                  مجموعة شعرية بعنوان تسابيح مهربة من جسد الذاكرة2013

                  رواية قصيرة بعنوان الغمريان2013

                  صدر لنا كتاب جماعي وهو مجموعة شعرية من عدد من الشعراء من دار العنقاء بالأردن

                  من أعمالي التي لم تنشر بعد في كتب ورقية

                  مجموعة قصصية قصيرة جدا بعنوان الهواجس

                  مجموعة قصصية بعنوان الجثة المشوهة

                  مجموعة خواطر بعنوان الجدار

                  مسرحية لأطفال بعنوان الصدق

                  بالاضافقة الي مقالات أدبية
                  منها ما نشر في المجلات والجرائد ...

                  أنشر نتاجي في العديد من المواقع الالكترونية ...

                  وفي العديد من المنتديات الأدبية مثل منتدى المجد الثقافي و الفينق ....

                  على طاولة الاحتراق
                  حازت هذه القصة على المرتبة الثانية بالتصويت في مسابقة يسري راغب بمنتدى الأدباء المبدعين العرب
                  دوما في الجهة المقابلة للشوق تحترق انتظارا؟.
                  تتردد على ذات المكان منذ زمن ؟ تتفحص ملامحها على المرآة كل صباح ، أكثر من مرة لترسم وجه الفرح ، تمشط شعرها المنسدل كشلال ماء منهمر
                  ترسم بأحمر شفاه خطين منحنيين فوق شفتيها لتعطي لهما نظارة بهية ، تزرع شقائق النعمان على وجنتيها ، تبخ جسدها الماسيّ بعطر بارسي أهداه لها ذات ردهة ؟
                  على الدوام يقول لها "هذا العطر يجعلك تشبهين أميرة في أحلام الطفولة"
                  تحس كأنها حمامة تحلق فوق الغيم، تعانق طيفه المتغلغل ، المنحدر إلى صهاريج روحها .
                  تمد الخطى على عجل ، علها تغترف من ترياق الروح بلسما .
                  على طاولة الانتظار في الجهة المقابلة للأمل، تستفرد به؟ المكان لن يخلوا مهما كان من همسه ؟.
                  يطل عليها فجأة خلف باب الحلم، يطلبان قهوة لتنطلق رحلة الإبحار في سفينة تيتنيك سارحة هي بكل وجد وحنان تضحك مرة ، تبتسم ، تمد يديها تحت الطاولة وأصابعها تتعانقان في خجل تطأطأ رأسها ، وبصرها ينحني تماما بمحاذاتها، ما يزالا يتلامسان وكأنهما يتبادلان القبل ... ينتهي نهارهما واللحظة الحلوة ما تزال تسري بداخلها، وكأنها خدر لذيذ استوطن روحها، تغترف منها ترياق شحنات تورق صدر راحتها وراحة بالها،
                  ذات الحركات والأشياء تقوم بهما، وكأنها طقوس مقدسة لامرأة تعرف كيف تمارس العبادة.
                  الشمس تودع نهارها ترتمي بين أحضان الأرض، يقترب النادل بعد أن فرغ المكان من محتواه " قد حان موعد الإقفال "
                  - حسنا وهي ترتب شعرها وتعاود ترتيب أفكارها
                  - الحساب من فضلك
                  - خمسون دينارا
                  - تعطيه مائة دينار
                  يتشدق فمه في ذهول، تغلفه حيرة فلا ينبس بهمسة ، يدس المائة دينار في جيبه وينسحب بهدوء، تقف مكانها والبسمة تفضح تفاصيل وجهها ؟ وكأنها في رحم حلم تتغذى من وريده لا تريد الانفصام عنه ، ينسحب النادل نحوى صاحب المقهى وعيناه ملتصقتان بها، والذهول يخنق الكلمات في حلقه يهمس له صاحب المقهى " هذا حالها منذ أن افترقت عنه ..؟ أكتوبر 2012

                  http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?114387-%DA%E1%EC-%D8%C7%E6%E1%C9-%C7%E1%C7%CD%CA%D1%C7%DE


                  هذه القصة لم انشرها من قبل المطارد
                  لمطارد
                  تلك المرأة التي ودعتها ذات يوم باكيا، حيث اخترت أن تكون مطاردا من القوات الخاصة ، إذ بإرادتك وحدك شئت أن تكون مختلفا عن رجال، الدشرة تلك الدشرة القابعة
                  تحت الظلال والظلام؟ قلت لها في وحشة الليل يوما، أن هذا الوضع لم يعد يروق حتى للحيوانات الضالة، إما أن تعيش بكرامتك أو تموت بشرفك هذا الإقصاء يدمي القلب لم تجد حينها غير تسربات من نور في تلك الطريق، ،الطريق التي اخترتها برفع السلاح ضد من لا ينتهي السلاح عندهم؟.
                  كانت آخر ليلة لك معها ،حين مسحت دموعها الغارقة في وحل الحزن
                  دسست لها بعض القروش كفاف أيام قلائل قبل أن يستيقظ الفجر وتفضحك أنواره ستزج حينها كما يزج كلاب الحراسة عند انتهاء صلاحياتهم، فتموت ميتة لا توجد في سجلّ ملك الموت ؟
                  في جنح الليل تلتحف بعض الذكرى، تملأ عينيك اللتين تخونان شجاعتك الفولاذية، لتغرق في البكاء،وأنت تودع حضن امرأة لتعانق حضن الوطن، وعدتك حينها أنها لن تكون لغيرك، حتى وإن كانت لقمة بين فكّي الفقر، والحرمان، وتبادل الأحضان عندها لن تكون إلا بحضن الوطن.
                  هكذا انطلقت وسرت في دهاليز تلك الدشرة الجبلية القاسية بتضاريسها، وفقرها وتهميشها، كنت دوما تحلم أن تكون رجلا مهما، بعد أن تخرجت من "معهد العلوم السياسية" تلك التي لا تجلب إلا التعاسة لرّوادها، منذ أن اعتنقت تلك الأفكار وأنت تعربد ليتمخض عنك شيئا اسمه الوهم.
                  في حمأة الطرب.. شققت مشوارك الطويل اقتنعت بعد رزمة من الإحباطات، وقوافل من الفشل أن السلاح أقوى تعبير عن الذات عن الصوت المخنوق في غياهب جب الانتظار؟. صرت شبحا تتوارى عن الأضواء
                  تسلل من سور القرية ، وإحساس الشوق يجرك جرا، بدت لك الأشجار التي كانت قبلة للعاشقين، وصدرا مفتوحا يدوّنون فيه أسماءهم، مختلفة، تغير شكلها، بدت غيلان منتفضة تتنقل في وحشة الليل، لقد طال زمن هروبك، حتى الدشرة نسيت هويتك، هوية صاحب مبدأ "الموت بالكرامة ولا العيش ذليلا"
                  كثيرون رحلوا، هذا هو بيتك تشمّ رائحة الذكريات تلك القهوة واللّمه ودقات أمك على الباب صباحا قبل أن تذهب إلى الجامعة تتذكر رائحة" البراج "في يناير ورائحة "البليري" الذي يعبق به بيتكم الصغير.
                  والدك الذي يعشق العلم منذ أن حرم منه ذات يوم، حين حطمت الطائرات الفرنسية الكتاتيب...، المكان الوحيد الذي يقتاتون منه رغيف العلم، ،كل شيء يشوبه الهدوء.. هدوء يوشي بخوف غريب يتسلل أوداجك، غربة في الحلق كخيط ينغص عليك لهفتك، قدماك تطئان بعد كل تلك السنين ذاك البيت الذي بات مهجورا، كبيت أشباح لم تجد به إلا وعود تلك المرأة التي وضعت رفات رجل قدمته لها السلطة على أنه زوجها الذي قتل في معركة وهمية؟.
                  اسمك يتوسط قمة، اللحد وخاتمك الذي أهديته لها كمهّر زواجكما، أنت غريب الآن في دشرتك، في وطنك، حتى الحضن الذي خلته ما زال يفتح ذراعه لك قد غادر، تاركا خلفه ذكريات عفّنها الزمن، أنت من رمته الأقدار، بل من جعل الأقدار ترميه في هذه الفوهة، بحثا عن الكرامة التي أصبحت كالأخلاق تباع في أكياس بلاستكية خوفا عليها من الانصهار في وحل عفن هذا الزمن .
                  ذكرى والدك تطبطب على أكتافك المرتجفة كان يقول لك دوما " الكرامة لها ثمن باهض يفوق إزهاق روح بل إزهاق أرواح"
                  ها أنت ما تزال تحتفظ ، بروحك بحثا عن كرامتك التي لن تكون إلا بإزهاق نفسك.
                  لماذا هربت من السجن، لماذا لم تبق مع الرفاق حتى تنال الحرية، لماذا اخترت الهروب؟ هل كان دفاعا عن أفكارك التي زجتك في ذلك المعتقل؟
                  حين خرجت في مظاهرة منددا مرددا ما جاء في القوانين الدولية حول حقوق كائن اسمه" الإنسان "ذاك الضابط الذي ما كان يوما يقتنع برأيك كيف له أن تركك تفّر من السجن دون أن يراك احد؟
                  هو الذي يعرف قصتك، مع تلك المرأة التي كان يتلهف
                  عليها قبل أن يرميها القدر بين أحضانك، لتتركها وتحتضن الوطن .
                  الوطن باتساعه بدا موغلا موحشا لا يسمعك لا يراك تطبطب على ثراه، ولكنه يتجاهلك. كيف ترمى بنفسك في هذا المستنقع، وأنت الرجل النظيف دوما؟ ها أنت الآن أمام قبرك لقد فتحت لك الدنيا مرة أخرى ذراعيها، بعد أن رمتك في شخص، واسم، ووجه آخر؟
                  كل الطرق الطويلة التي عبرت منها صارت معروفة، الجدارن التي لطمت وجهك دلتك على طريق مختصرة للعيش.. ذاك الضابط يعرف مكانك أين تذهب
                  -والآن هل ستواصل اللعب
                  - اللعب ؟
                  -أمامك فرصة
                  أن أكون غيري؟
                  أن أموت في نظر زوجتي وأمي
                  لقد دفنوك بأنفسهم
                  أن اخرج من السجن وادخل إلى سجن أكبر،
                  بعدما وجدت ظالتي
                  نفسك أو الكرامة
                  وزوجتي وو
                  لم تخلع ثوبها الأسود منذ أن غادرت الدشرة
                  هي ترقص مع من كنت ضدهم
                  تجيد الرقص على إيقاع موتك؟
                  ها أنت الآن أمامها، تراقصها بعد أن خلعت جلدك، وغيرت اسمك وبعض ملامح وجهك، كي تبدو مختلفا، كي تقترب منها فلا تهرب منك مرة ثانية؟ هل ستتذكرك أم أنها سترفضك كما رفضت رجالا من بعدك فقد كنت أنت الرجل الوحيد الذي يملا غرورها
                  تلك المرأة التي دائما ما نست حضنك، ورغيف الحب الذي كنتما تتقاسماه معا
                  لقد جعلت منك بطلا في إحدى رواياتها، كي تتخلي عن حضنك وتحتضن الفرح، فكيف أمكنها التواجد في هذه القاعة الفخمة مع هؤلاء الحشود من السلطات العليا؟..هي الآن في موعد مع الفرح، حين ذهبت لتلك الجائزة، إذ وجدت اسمها ممحوا من القائمة بعد أن كانت تتوسطها
                  "لم أنجح إذا ليس لضعفي بل لأخلاقي "كغريق يتعلق بقشة كي لا يقع في وحل إبليس، ذلك الرجل الذي رفض أن يمنحك صك الفوز حين رفضت مقابلته في الفندق
                  عرضه المغري ما كان يغري امرأة مثلها تسطر دربها، تتقن التخلص واللعب ادوار مختلفة في رواية ..... لكنها عجزت أن ترتدي أقنعة أخرى تختلف عنها؟.
                  لقد بحثت في خزانتها عن قناع مناسب ، كل الأقنعة التي استعملتها حتى اللحظة لم تكن تكفي للهروب من واقع يفرضُ فرضا
                  مسامات من الشفافية تخونها خلف ذلك الوجه، والآن هل ستدلها عليك ؟
                  حتما سترفضك لأنك تخليت عنها يوم كانت بحاجة إليك؟ حين تأبطت أفكارك، وشققت دربك لأنك تخليت عن ذاتك لترتدي وجها آخر كي تكون مختلفا ومطاردا دئما.

                  القصة الثالثة
                  ممنوع من الولادة


                  ذلك الهاتف الأخرس، منذ أن اشتريته لم يرقص لي رقصة على إيقاع الدفوف القسنطنية إيقاعاته على الدوام تتقاطع مع الفجيعة ؟ وكأن العالم تجرد من الضحك والسعادة ؟
                  اليوم عكس الأيام المنصرفة من عمره معي ؟رقص لي أخيرا و يالها من رقصة؟ هزت أوداجي وصفقت له الورود المزروعة على وجنتي، وتفتحت البتلات الحمراء على شفتيّ، وخفق قلبي شوقا
                  صوت امتد من ثغره الآلي ّ
                  -أنت السيد عدنان
                  - بشحمه ولحمه ونبرات صوته
                  - تقدمت إلى الدارنا
                  - نعم
                  والفرحة تقفز من عينيه
                  كان الصوت ناعما بما يكفي ليروي قلبي العطش من شلاله المنعش .
                  مديرة الدار بذاتها وجلالة قدرها تهاتفني ؟؟يالحظي ؟ لقد أصبح لك شأن والله يا عدنان؟ وهذا الهاتف الحزين بدأ يدخل إليك نسمات الفرح ،والسعادة .
                  من غبطتي المشدوهة لم تحتفظ ذاكرتي مما قالت شيئا ؟من شروحات معقدة حول كيفية إخراج مولود إلى الحياة، سوى نبرات صوت عذب شجي تعلق بنياط قلبي، لم تهمنِي التفاصيل فأنا مذبوح مذبوح بخروجه إلى الدنيا؟ هنا أو هناك الكل يتقن الذبح على طريقته ووأذ الاستمرارية على شاكلتها أفضل الذبح على الطريقة الفرعونية هي في كل الأحوال أفخر وأبهى ؟
                  كلام ناعم يخبئ سكينا حادا ،وقد وضعت جيدي وجيبي رهن أناملها الناعمة، المهم أن "يشقوا"حلمي ويستخرجو ا مولودي، ليدرك العصر؟ لم تهمّنيِ الترتيبات المكلفة بقدّر ما يهمني صحته وعافيته .
                  ما زلت حتى اللحظة لم أشفَ تماما من ذلك الذي نهرني ، وأنا أضع بين يديه أوراقا ثبويتية إبني رد علي ّ بنبرات جافة كالصحراء
                  "انه غير مربح"
                  ليفجر ماء مغليا على وجه السعادة التي اعتلتني، بعد سنوات من التنقيب ،عن بيت يحتضنه ها أنا أمام الحلم الذي تزاوج مع الثورة كنت أمقتها فنعتني البعض بالخائن، والآخرون بالجبان
                  صدقا ورغم كلامي اللبق مع اللذين يعتلون الكراسي، فقد قدمت بين أيديهم الأشعار والقصص قرابين للاعتراف بي أو به لقد اعتبروه لقيطا جاء من فراغ ؟.
                  والحق أنه ولد من ضياع؟ لقد تدفق دم الحقارة إلى أوردته، والإقصاء والتهميش إلى عقله وشرب حليب الجفا ،وبعد أن اكتمل بعون الإرادة المبثوثة، والرغبة المعطوبة بسكاكين الإحباط يمنعون خروجه إلى الدنيا ،التي هي في الحق ملكهم ،وأحمد الله كثيرا في أن جعل الهواء حرا فلو كان عبدا لوضعوه في صناديق ،وباعوه كما يبيعون كل شيء فلا تستغربوا وقوفي ضدهم، وانحيازي مع الثورة لقد شممت، رائحة الاستقلال بمجرد التقرب منها بعد خمسين سنة من استقلال الوطن
                  حين رن هاتفي وأعطتني تلك السيدة الحسناء أملا في الولادة الطبيعية لا القيصرية ؟أحسست أن الدنيا تضحك لى، وأن يدا ساحرة تمتد نحوى لتنقلني إلى عالم السعادة الجميل .
                  لقد غاب الأجداد وضاع الأولاد في البحث عن الحرية، وضعت أنا في البحث عن رحم يولد ابني ؟
                  نعم لقد انضممت إلى الثورة التي ستزيل الغشاوة عن مولودي، ومواليد أخرى ضاعت تحت رحمتهم وبريشها الناعم ترفع ترسبات الاستقلال الماضي الصدأ حتى هاتفي البائس ثارت ثورته حين رن لي رنته، ورقصت لها أحلامي الوردية، وصار له شأن هو الآخر ستقطع تلك الثورة العربه التي كنا نجرها، ونصبح نحن من نقودها فما أروع القيادة ؟.وما أجمل أن تولد الثورة لتوّلد معها مواليد سئمت الكبت،وسئمت العيش في الظلام كالخفافيش وأن تنطلق إلى النور لتتحول بفعلها إلى درب جديد يزرع التاريخ إبداعا.

                  الرباط
                  http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...E6%E1%C7%CF%C9


                  لجنة ترشيح النصوص=
                  مالكة حبرشيد=تم
                  عبد الرحيم محمود / تم .
                  http://lindakamel.maktoobblog.com
                  من قلب الجزائر ينطلق نبض الوجود راسلا كلمات تتدفق ألقا الى من يقرأها

                  تعليق

                  • بوبكر الأوراس
                    أديب وكاتب
                    • 03-10-2007
                    • 760

                    #39
                    [motr1]بوبكر قليل[/motr1].....من مواليد 1958 شرق الجزائر معلم متقاعد منذ 10 أشهر ...كاتب للقصة والمسرح والمقالات والتواصل مع القنوات الفضائة الدولية ...ومشارك في جمعيات خيرية ثقافية وعلمية ..
                    هذه قصة قصيرة منقولة من موقع آخر وقد فزت فيها لأول مرة ......

                    الخبر المغرور (قصة للأطفال)

                    [IMG]http://www.alukah.net/Images/Content/Full/37165/37165_180x180.jpg
                    [/IMG]
                    قليل بو بكر







                    ها قد حلَّ فصل الربيع، والأرضُ قد لبست بساطًا أخضرَ يسرُّ الناظرين، وكانت الشمس مشرقةً، والسماء صافية، والعصافير تُزَقزق، وها هي الطُّيور تَفِد من أقاصي البلاد، محلِّقةً في السماء، مكوِّنة أشكالاً هندسيَّة رائعة، وها هو الراعي ومِن حوله غُنَيماته وعَنْزاته، ترعى... وبينما كان "المبتدأ" يتجوَّل رفقةَ صديقه "الخبر" في بَساتينَ وحدائِقَ غَنَّاء، ومزارع واسعةٍ حيث كانا يتبادلانِ أطراف الحديث الشَّائق، فجأةً توقَّف "الخبر"، ونظر إلى السماء، واستغرق نظره طويلاً، وحدَّثته نفسُه أنه يَمْلِك القوة والرِّفعة والعلو. نظر "المبتدأ" إلى "الخبر"، وقال: ما بك يا خبَر؟ هل أصابك شيء لا قدَّر الله؟ "الخبر": ألا تدري أنَّني صاحبُ شأنٍ عظيم، وهِمَّة كبيرة، ومقامي رفيع؟! ثم راح "الخبَرُ" ينظر إلى السَّماء، ويشرئبُّ بعنقه كأنَّه يتطلَّع إلى أمرٍ مهم. "المبتدأ" سائلاً "الخبر": وما ذاك الشأن والهمَّة؟ "الخبر": ها ها ها -: أأنتَ ساذج وغبِي إلى هذه الدَّرجة؟! "المبتدأ": لقد فهمت يا خبر ما تقصده... قاطعه "الخبر" ثم قال: يَجِب أن تفهم يا مبتدأ أنَّني أكون مرفوعًا دائمًا، سواء كنت مفردًا أو جملة اسميَّة، أو جملة فعليَّة، أو شبه جملة، ولك هذه الأمثلة؛ لِتَفهم أكثر يا صديقي المغفَّل: "الشَّمس مشرقة": خبَرٌ مرفوع. "العصافير تزقزق": الخبر جملةٌ فعليَّة في محلِّ رفع. "العصفور فوق الشجرة": الخبر شبه جملة في محلِّ رفع. وراح "الخبر" يضحك، ويَسخر من "المبتدأ". "المبتدأ": لا تغترَّ كثيرًا بنفسك، احمد الله على نِعَمِه وفضله أنْ جعلك مرفوعَ الرأس في كلِّ الأحوال، ولكن لِتَعلمْ يا خبر أنَّ النِّعمة تزول إذا لم تَشكُرها. "الخبر" ضاحكًا: لن يستطيع أحدٌ أن يزيل هذه النِّعمة، وهذا الفضل، وسأبقى مرفوعَ الرأس، ولن ينخفض أبدًا، أفهمتَ يا هذا؟ "المبتدأ": ألَم تسمع بـ"كان" وأخواتِها؟ "الخبر" في استهزاء وسخرية: لا علم لي مَن تكون "كان" وأخواتها؟ ها ها ها! "المبتدأ": إنَّ لها شأنًا عظيمًا، وفضلاً كبيرًا عليك، وتستطيع أن تغيِّر وظيفتك الإعرابيَّة. "الخبر": ألَم أقل لك: إنك لا تفكِّر، وأنك ساذج، ليس لأحدٍ فضلٌ عليَّ. وراح "الخبر" يسخر كعادته رافعًا رأسه، حتَّى كاد أن يسقط، وفجأةً توقَّف.. "المبتدأ": ما لك؟ ما أصابَك؟ كاد "الخبر" يسقط أرضًا، وكان العرَقُ يتصبَّب، لقد اصفرَّ وجهه، وارتعدَتْ فرائصه، كاد أن يُغشَى عليه، وبدأ يصرخ:- يا للهول، يا للمصيبة! أنقِذْني يا مبتدأ أنقذني. "المبتدأ": ما بك يا خبر؟ هل بك وجَع؟ سأحملك حالاً إلى الطبيب! "الخبر" ما زال يصرخ، كان منظره يُثير الضحك والسُّخرية، ويدعو إلى الشفقة، لقد خارَتْ قُواه، لقد فقد توازُنَه. "المبتدأ" لَم يصدِّق ما حدث للخبر، وراح يقول له: لا بأس عليك، لا بأس عليك، تَمالَكْ يا أخي تمالَك. "الخبر": لا تتركني يا مبتدأ، دافِعْ عنِّي، لا تجعلني أضحوكة أمام... لَم يستطع "الخبَرُ" أن يُتِمَّ حديثه. وفي هذه اللَّحظات الحَرِجة والصَّعبة، ظهرَتْ "كان" وأخواتها، والغضبُ بادٍ عليهنَّ. "كان": أنعمت مساءً يا مبتدأ. "المبتدأ": أنعمتي مساء يا سيدتي كان، ومرحبًا بأخواتك الفُضْليات. "كان": أنت دائمًا لطيف ومؤدَّب. ثم تقدَّمت كان، وأخواتُها: (أصبح، ظلَّ، أمسى، بات، ما زال...) من الخبر. كان "الخبَرُ" في حالةٍ سيِّئة للغاية؛ كيف سيُواجه هذا الموقف الصعب؟ ماذا سيقول لـ"كان" وأخواتها؟ "كان" تقترب أكثر من "الخبر" قائلةً له:- لقد سمعت كلَّ ما دار بينك وبين المبتدأ، لقد أصابكَ الغرور وأنت تزهو بنفسك، وتسخر منَّا جميعًا، ألَم تعلم وظيفتي الإعرابيَّة؟ أراد "الخبَرُ" أن يبرِّر ما صدرَ منه، لكن "كان" لَم تمنح لهفرصةً للحديث، ثم قالت له:- أنت من اليوم ستكون منصوبًا بالفتحة؛ سواء كنتَ مفرَدًا أو جملة فعليَّة، أو اسمية، أو شبْهَ جملة، وتكون مجرورًا بالكسرة نيابةً عن الفَتْحة، إذا كنتَ جمع مؤنثٍ سالِمًا؛ نحو: كانت المعلماتُ مجتمعاتٍ، أمَّا أنت يا مبتدأ فستكون اسمًا لنا، وتبقى مرفوعَ الرَّأس، ولك شأن ورِفْعة، وهِمَّة وعُلو. "المبتدأ" في استحياءٍ: جزاكِ الله خيرًا يا سيِّدتي كان. شعر "الخبَر" بالخزي والنَّدامة، وقرَّر أن يستقيم، وأن يسلك طريق الصَّالحين، وألا يغترَّ بنفسه، وأن يشكر النِّعمة؛ حتَّى لا تزول. (انتهت القصة).















                    لجنة ترشيح النصوص =
                    مالكة حبرشيد=تم
                    عبد الرحيم محمود / تم .

                    تعليق

                    • فوزي سليم بيترو
                      مستشار أدبي
                      • 03-06-2009
                      • 10949

                      #40

                      تُومَا

                      بدأ أصحاب ألمحلات بإدخال بضاعتهم ألمعروضة فوق ألرصيف إلى داخل دكاكينهم
                      تهَيُّوئاً للأغلاق . كما فعَلَ مِثلهُمْ أيضاً أصحاب البَسْطات والباعة المتجولون , فها هم
                      يلملمون حاجاتهم المتناثرة هنا وهناك ويرصوها فوق بعضها البعض بلا أدنى ترتيب .
                      فالغد آت , وهو كالأيام اللتي مضت برتابتها ألمعهودة .
                      كان تُجّار ألصاغة والصيارفة , أوائل من أغلقوا محالَّهم . تبعهم بذلك باعة ألمواد
                      ألغذائية والخضار , فهُمْ بالعادة يتريثون حتى يحين موعد إنصراف ألناس إلى بيوتهم
                      قبيل بديء توقيت منع ألتجول الذي فرضه جيش الأحتلال على هذه ألمدينة فيتخلصون
                      من بضاعتهم قبل أن يصيبها التلف , أمّا ببيعها بأرخص الأثمان , أو بالتصدُّق بها لمن
                      لا يملك قوت يومه .
                      ألأطباء والصيادلة غالباً ما يَبيتُون داخل عياداتهم وصيدلياتهم وذلك تحسُّباً لأيّ طاريء
                      إذ أن التَنَقُّلْ خلال منع التجول ولأي سبب , يُعَرِّض صاحبه لخطر القتل . وغالبا يُقدِّمونَ
                      خدماتهم لمن يحتاج دون مقابل مساهمة منهم في رفع ألمعاناة عن أهلهم .
                      ها هي الساعة تقترب من الثامنة مساءاً , وهو موعد بديء مَنعْ التجوُّلْ .
                      مُعظم المحلات مُغلقة والسابلة بالطرقات يتناقصون مع مرور الوقت .
                      كانت مريم تجلس فوق دِكّة معدنية بالقرب من محل والدها , تنتظرة لحين الأنتهاء
                      من عمله فترافقه بطريق ألعودة إلى ألمنزل .
                      دنا ألسمكري من إبنته وقال لها بحنان :
                      ــ مريم , لا تنتظريني اليوم وانصرفي الى المنزل الآن , سوف اتأخرقليلاً حتى أنجز
                      ما بيَدي .
                      أجابته وهي تنظر نحوه :
                      ــ لا بل سوف أنتظرك يا ابي .
                      هزَّ رأسهُ بالإيجاب قائلاً :
                      ــ حسناً , لكن إبقي هنا بجانبي .
                      استرسلت مريم في الدلال قائلة :
                      ــ أبي ,هل تسمح لي بزيارة الكنيسة ريثما تُنهي الشغل الذي بيدك ؟
                      تردد بين القبول والرفض , حتى آنس منها رغبة جامحة لزيارة الكنيسة .
                      فقال برجاء :
                      ــ افعلي ولا تغادريها حتى آتي إليك .
                      ألكنيسة مقابل محل السَمْكري , وعلى بعد خطوات منه , كثيرا ما كان يتأملها وقد إستأثرَ
                      به ظل تمثال السيّدة العذراء الواقف بأعلاها وهو يموج مع حركة يده ألقابضة على فرد
                      الأكسجين المشتعل , وكأنها مريم العذراء حقيقةً .
                      خاطب السمكري صَبِيَّهُ آمراً :
                      ــ أشعِلْ فرد الأكسجين بسرعة حتى أنتهي من لَحْمْ هذين البرميلين قبل موعد منع التجول .
                      عَصَّبَ السمكري عينيه بالنظارات الواقية وبدأ يلحم البرميل الأول . أنهى لحمهُ بوقت
                      أقصر مِمّا توقع . جال ببَصَرِه يبحثُ عن صبيه كي يُجهِّز له البرميل الثاني . فشاهده على
                      بعد أمتار وكأنه خالي الذهن عن الواجبات المنوطة به فصرخ به غاضباً :
                      ــ ناولني البرميل الثاني يا ولد .
                      وقف الصبي أمام معلمه وهو يلهث ككلب حراسة , أشار بيده نحو الكنيسة وهو يقول :
                      ــ معلمي , الناس يتراكضون بالشوارع ويهرولون نحو الكنيسة .
                      صفع المعلم صبيه برفق قائلاً له :
                      ــ لم يأزف موعد منع التجول بعد . ماذا دهاهم ؟ هل يُلاحقهم الجنود ؟
                      ــ سمعتُهم يقولون ان العذراء قد ظهَرَتْ فوق سطح الكنيسة .
                      لم يُفاجأ المعلم بما تقوَّلَ به صبيه , كما أدرك حاجة هؤلاء الناس للهذيان في بعض الأحيان
                      فقال لصبيه وهو يُشير نحوهم :
                      ــ مساكين هؤلاء الناس , من شدّة الظلم الواقع عليهم بدأوا يخلطون الواقع بالتمنيات .
                      ــ ولكن يا معلمي الكُلْ رآها تتحرك وقد حيَّتهم , الجميع قال ذلك , المسلمون قبل
                      المسيحييون .
                      طرقع صوت الصفعة على خد الغلام حتى ظنَّهُ أحد المارّة صدى طلق سلاح ناري .
                      لم يكتفي السمكري بالصفعة فقط , بل أخذ اذن صبيه وفركها بين أصابع يده قائلاً له :
                      ــ وهل للظُلم ديانة كي يُفرق بين مسيحي ومسلم وكأنه يُنَقِّي عدس ؟ بالأيمان يستظل الكُلّ
                      يا ولد المسيحي والمسلم وحتى اليهودي . دعْكَ منهم وأشعل فرد الأكسجين كي ألحم البرميل
                      الثاني .
                      تعصَّبَ ثانيةً بنظارته الواقية , وبدأ يلحم البرميل الثاني .
                      هاج الجمع فتخالطوا مثل ذرات الغبار . هَلَّلَ بعضهم منشداً " السلامُ عليكِ يا مريم ... "
                      في حين هَلَّلَ آخرون " ألله أكبر ... "
                      رفع المعلم النظارة الواقية عن عينيه , فرآهُم وقد إختلط المسيحي بالمسلم , والمُصدِّق
                      بالمتشكَّك يركعون ويقبلون الأرض ويرشمون الصليب فوق صدورهِم .
                      إنتابته فرحة ما بعدها فرحة , فتسائل وقد ساور الشك قلبه: ربما , ولِما لا ؟
                      ألقى نظره نحو تمثال العذراء وما حوله , فلم يلحظ سوى السكون وقد تسيَّدَ الموقف .
                      عاد كي يُتمّ ما بدأه قبل قليل , توهّجَ المكان بالنور المنبعث من شعلة فرد الأكسجين ,
                      فهاج الناس وماجوا مرة أخرى , رأى ظل تمثال السيدة العذراء يتحرك فعلاً على برج
                      الكنيسة المرتفع شامخاً فوقها كلما توهّجَت نار فرده وهذا الأمر ليس غريباً عليه فهو
                      يراه يومياً . ولكن الشك كان قد صار له طبعاً .
                      ضحكَ في سرّه وأنجزَ عملهُ بين صيحات التهليل والتكبير . وإذ بجنود الأحتلال يهرولون
                      نحو ساحة الكنيسة يفرقون تجمع الناس بغلظة وقسوة لا مبرر لهما .
                      تذكَرَّ إبنتهُ مريم , فارتعد قلبة وهو يتسائل: أين هي يا تُرى ؟
                      أخذ يركض كالمجنون يبحث عنها بلا فائدة .
                      كانت مريم بين الجموع عندما حضر جنود الأحتلال .
                      ــ أين أهرب ؟ سألت نفسها .
                      كان الطريق سالكاً الى الكنيسة , عَبَرَتْ باحتها وصَعَدَتْ السلم المؤدي الى السطح .
                      وجدت نفسها قرب تمثال السيدة العذراء , فتوارَتْ خلفه لحين إنصراف الجنود .
                      أسْبَلَتْ جفنيها من التعب حتى غلبها النوم , تناهى الى أذنيها هاتف وكأنه صوت من السماء
                      قائلاً :
                      ــ "هنيئاً لمن يروم الأمان ويستظل بي " .
                      إنتفضت الصبية وكأن كائناً سماوياً قد حلَّ في جسدها .
                      مسكين السمكري, انه في حالة يُرثى لها, ويبدو كما لو أنه بركان على وشك الأنفجار.
                      مهما فعل السمكري الآن , فهو على حق , تمتمَ بصوتٍ مسموع قائلاً :
                      ــ لن أغادر المكان حتى أجد مريم .
                      كانت نبرة صوته تلائم الموقف , فقد كانت تلعلع من بلعومه كعاصفة مدوية .
                      وبينما كان يُحَدِّق في تمثال العذراء , بدت عيناه كما لو أنها تحرق الأرض فتُشِع نوراً
                      يُنبيء عمَّا عُرِفَ عنه من حزم .
                      أشعل فردة وهو لم يزل يحدِّقُ في التمثال , إنه على يقين أن الناس سوف تعود للتجمهر أمام
                      الكنيسة حين يتمَوَّج ظل التمثال من فِعْل تَوَهُّج شعاع فرد اللحم الذي بيده .
                      وحتماً , مريم سوف تكون بينهم , هكذا كان يهذي , ويهمس لنفسه وهو يلوِّح بالفرد
                      المشتعل وكأنه يشير لأحدهم بالخروج من مخبأه .
                      تدفقت الجماهير كسيل جارف مُهلّلين مُكبِّرين , واذا بالجنود يطلقون الرصاص بكل إتجاه ,
                      وصوب إي شيء يتحرك , فوقع نظرهم على تمثال السيدة العذراء , فبدا لهم وكأنهُ يتحرك
                      أطلقوا عليه وابلا من الرصاص , فنفر الدم من التمثال وسط تعجب وخشوع الجماهير,
                      ووسط رعب الجنود اللذين فروا مذعورين .
                      وعلى مرأى من الجماهير بدا التمثال وكأنه يسقط فوق ارض الكنيسة , فهرولوا نحوه
                      مذهولون . صرخ أحدهم :
                      ــ هذه مريم بنت السمكري توما .
                      هرع توما يشق صفوف الجماهير فبدا كمن يصارع الموج بيديه العاريتين حتى إقترب من
                      موقع سقوط إبنته . رفعها بين يديه ونظر نحو ألسماء , فتراءت له السيدة العذراء فوق
                      سطح الكنيسة . شاهد وهو يرنوها بتوسل , نقطة من دم إبنته تنفلت من عين التمثال
                      وكأنها دمعة تسقط . تَتَبَّعَهَا بنظره حتى إسْتَقَرَّتْ فوق جسد الصبية . فَدَبَّتْ بها الحياة ثانية .
                      لاحت في عيني توما نظرة إمتنان وشكر. بسط راحتيه وركع بخشوع قائلاً :
                      ــ " آمَنْتُ بِكَ يا ربّي "
                      وتَجَسَّدَ إمتنانهُ وإيمانه في ظل تراتيل المنشدين داخل الكنيسة وهم يترنمون :
                      ــ طُوبَى للَّذينَ يؤمنون دون يَروْا .




                      لجنة ترشيح النصوص =
                      مالكة حبرشيد =تم
                      عبد الرحيم محمود / تم .

                      تعليق

                      • فوزي سليم بيترو
                        مستشار أدبي
                        • 03-06-2009
                        • 10949

                        #41

                        عيسو

                        لا تجزع . دَعْ قلبك يَزدَهِر بالثقة ويطمئن. إنَّهُ كابوس. افتح عينيك
                        فيزول عنك لحظة تَعِي أنك كنت تحلم .

                        أصبح هذا الكابوس رفيق نومي , حتى بِتُّ لا أكاد أغفو حتى يأتيني .
                        فيُكبلني من رأسي حتى أصابع قدمي. يشل حركتي تماماً وكأني أغوص
                        داخل حوض من الرمال المُتحركة , فيَنجَذِبُ جسدي نحو قعر لا حَدَّ لهُ .
                        انطويتُ على عجزي راجيا الخلاص . فتسربلت بالنصيب , حتى ضاق
                        حالي من حالي .
                        أقصى ما أتمنّى , هو أن اُحَرِّك إصبعاً أو أن أرمش فِينصرف عني هذا
                        الزائر ثقيل الظل .
                        كنت ,ُ وبكل زيارة له أفتح عيني , فأستيقظ . أحمد ربي وأعود ثانية أكمل نومي .
                        العجيب أن استحواذ هذا الكابوس على مشاعري وأحاسيسي وانجراري
                        خلفه كالمضبوع . لم يؤثر على حواسي الأخرى . كنت أرى ما يدور حولي
                        وكأني لست نائما ، لا بل كنت أصرخ مستغيثا بزوجتي ، أمد يدي نحوها
                        أحاول ايقاظها كي تنتشلني مما أنا به . لكن بلا فائدة .
                        ساور الشك قلبي ، فولّى اليقين بقدرتي على الحركة . ربما كنت أتخيّل
                        فقط أنني أمارس شيئا ما . بينما أنا في واقع الأمر أكون متخشِّبا كاللوح .
                        الحق أقول لكم , أنني مع بداية كل كابوس كنت افزَعْ وأرتعِبْ وبعد هنيهة
                        أبدأ بالاسترخاء والاطمئنان , لِتيَقُّني أنه سيزول عندما أفتح عيني
                        وأكتشف أني كنت بحالة حلم ليس إلاّ .
                        يبدو أن هذه المرَّة تختلف عن سابقاتها , لقد طال سريان مفعول هذا الكابوس .
                        كأني اسمع صوت آذان الفجر . كأني أرى أشعة الشمس تشق طريقها
                        مُتجاوزة الأفق .
                        ربي ألطُفْ بي . نبضي آخِذٌ بالتناقص ورئتاي مُتقلصتان لا تقويان على
                        استيعاب الهواء أو شفطه. أشعرُ ببرودة بدأت تنخر أطرافي وتنفذ إلى نخاع
                        عظمي وإلى ما تبَقَّى من دفء داخل ثنايا جسدي .
                        الحمدُ لله, ها هي زوجتي تتململ. سوف تصحو وتنهرني كي أذهب لعملي.
                        لقد نَهَرَتني بالفعل . ولكني لا استطيع , ولم أقوى على الاستجابة لندائها .
                        فهاتفتها بحماس وحرارة قائلاً لها :
                        ــ هزّيني يا امرأة ، هِزِّيني يا امرأة , هِزِّيني بقُوّة .
                        رَفَعَتْ الغطاء عن وجهي , وصَرَخَت صراخاً مُرّاً .
                        فهاتفتها بحماس أشدّ , ثم مستدركا في رجاء :
                        ــ أنا لست بميت . هِزِّيني يا بسمة, هِزِّيني .
                        هرع أولادي إلى الغرفة . تسَيَّد الوجوم الموقف . تطلعوا في ذهول
                        نحوي ونحو أمهم . أعادوا وضع الغطاء فوق رأسي بعد
                        أن بحلقوا بي . ارتسمت فوق أساريرهم إشارات توحي بحزن شديد ,
                        فأجهشوا بالبكاء , وربتوا فوق كتف أمهم يقبلونها ويُبعِدونها عنّي إلى
                        خارج الغرفة .
                        بدوت كالغريق , لا حول لي ولا قوة . فاجتاحني غضب ثم هتفت :
                        ــ اللعنة على الغباء , أنا الذي يحتاج أن تُطبطبوا علية وتقبلوه. هيّا افعلوا
                        قبل فوات الأوان , عللني اصحو وينزاح عني وعنكم هذا الكابوس .
                        أنا الآن بنظرهم مَيِّتْ , وسوف أدفنُ حياً .
                        لكن مهلاً , حتماً سيحتاجون إلى شهادة وفاة . عندها سيكتشف الطبيب
                        أني لستُ ميّتاً , وآمل أن يقوم بما يملك من خبرة بعمل ما يلزم فأصحوا .
                        قاموا باستدعاء جارنا الدكتور رمزي على عجل .
                        سرعان ما تقهقرت حماسته في إنعاشي .
                        طوى سمّاعة الفحص ودسّها داخل حقيبته ثم قال مستسلماً :
                        ــ رحمة الله عليك يا عيسو . البركة فيكم وشِدّوا حيلكم .
                        هتفتُ بلا وعي :
                        ــ افحصني جيداً يا دكتور الغفلة ولا تتمادى بالثقة , قلبي لم يزل ينبض
                        ويلعن اللحظة التي تَعَرَّفتُ بها عَلَيك .
                        غادر أخي يعقوب شقته الملاصقة لشقتي وصوات بسمة زوجتي يلاحقه .
                        واندفع نحوي مقاوما دموعه في كبرياء .
                        اتجه أكبر أبنائي نحو عمه . همس بأذنه :
                        ــ أنت الأقرب لأبي يا عمي , من فضلك انزع عنه ملابسه وهيّئهُ ببدله
                        عرسه كي يُدفن بها , ولا تنسى أن ترش عليه قليلا من عطره المفضل .
                        مَنْ هذا الذي سيُكفنني ويُلقي بي في القبر ? ألا تعرف يا ولدي أن عمك يعقوب
                        هو ألد أعدائي ، فكيف بالله تأتمنهُ على جسد أبيك ؟
                        سامحك ألله يا رفقة . قمت بتدليل يعقوب على حسابي . ألستُ أنا ابنك البكر ؟
                        لماذا زرعتِ الكره في قلبه فبات حقده عليّ أبديَّا ! أمن أجل أنني أحببت
                        إبنة عمي إسماعيل الذي تحقدين عليه وعلى زوجته؟ ياه لكيد النساء !
                        تمَهَّلْ يا رجل , تمَهَّل , ستكسر عظامي. لا, لا, ربطة العنق هذه لا أحبها,
                        اني أمسح بها نِعالي .
                        حتى وبهذا الموقف , ترغب في اذلالي يا يعقوب . قادتك أوهام الأم نحو
                        كرهي ، فسرقتني حيّا ! وها أنت تقذف بي في القبر حيَّاً .
                        لا بد أن أضع حداً لهذه المهزلة . أنا أعلم أن هذا الكابوس سيتلاشى سريعا
                        لحظة أفتح عيني .
                        لا فائدة , لم أزل مُتَيَبِّساً كقطعة جليد داخل ثلاّجة .
                        واكفهرَّ وجه عيسو حتى بات يحاكى لون بدلة عرسه الزرقاء .
                        تناهى إلى أذنيه هدير اناشيد مثقلة بالمعاناة :
                        ــ " وين الملايين , الشعب العربي فين ؟ "
                        إنه صوت مذياع المقهى المُلاصق للمقبرة . لقد دفنوه وانصرفوا عنهُ .
                        ــ " وين الملايين , الشعب العربي فين ؟ "
                        غشيتهُ كآبة ثقيلة . فهل يمتثل ويرضى بما قُسِم ؟
                        تدفَّقَ الدم في عروقه كسيل جارف وصرخ بعد ان نفذ صبره :
                        ــ إني قادم .
                        فَتَحَ عينيه وأخذ نفسا عميقا من أنفه . ها هي ذي الحقيقة تنجلي . اكتشف
                        أن الكابوس الذي حلَّ عليه لم يكن حلما بل كان واقعاً , وأنه قد دُفِنَ حقيقة .
                        وها هم المُعَزّون يتسابقون لبيت العزاء يتناولون جسده ويشربون دمه .
                        حملق في الظلام الدامس , فبدا يطالعه بوجه الموت . لملمَ قواه واندفعَ
                        منطلقاً من القبر , اخترق خشب التابوت والتراب اللذي فوقهُ . وطارَ كقذيفة
                        نحو السماء ثم هوى فوق الصليب الذي وضع كشاهدٍ لقبرِه.
                        جالَ ببصره فإذا بالقبور حوله مُستباحةٌ , والموتى كلٌ عالقٌ فوق صليبه.
                        صرخ صرخة مدويّة , ونهضْ . فنهضَ معهُ مَن كان مَيّتاً, وساروا خلفهُ
                        نحو مصدر الصوت الآتي من المقهى .


                        لجنة ترشيح النصوص =
                        مالكة حبرشيد=تم
                        عبد الرحيم محمود / تم .

                        تعليق

                        • روان علي شريف
                          أديب وكاتب
                          • 24-02-2011
                          • 130

                          #42
                          حالة اجهاض




                          روان علي شريف قاص من جيل فجر الاستقلال . من مواليد مدينة وهران بالجزائر. كانت بداياته مع نهاية التسعينات أول ما بدأ يكتب بدأ باللغة الفرنسية

                          وفي ضل انعدام التواصل مع المبدعين تحول للكتابة باللغة العربية مغتنما الفرصة التي أتاحتها الصحف الناطقة باللغة العربية للشباب المبدع وكان ذلك مع الانفتاح
                          الديمقراطي والتعددية الثقافية حيث كانت جريدة الرأي السباقة في احتضانه واحتضان المواهب الشابة التي تنشط على المستوى الوطني .

                          له مجموعتين قصصيتين تحت عنوان هدى والعاصفة ودائرة العتمة وكلتيهما نشرتا بالصحف الوطنية .
                          سبق للقاص أن زاول دراسة الحقوق لكنه فجأة غير وجهته والتحق بمعهد الأرصاد الجوية وتخرج منه ليلتحق بمركز التنبؤات الجوية المهنة التي زاولها الى ان تقاعد في بداية 2011 بالتوازي مع ذلك يتعاون مع بعض الجرائد المحلية كمراسل صحفي ومن حين لآخر يتناول بعض القضايا الثقافية في مقالاته عبر الصحف الجزائرية ومن بين نشاطاته المتعددة الاشراف على تفعيل المشهد الثقافي المحلي وله متعة في انشاء النوادي الأدبية وتنظيم الملتقيات وهذا حبا للأدب والتنقيب عن المواهب الشابة والدفع بها الى الأمام. ويعتبر كذالك عضوا فعالا في نادى وحي القلم الذي رأى النور مع مطلع ربيع 2004.
                          يعتبر أقلامي فعال في منتدى القصة العربية ،منتديات أقلام الثقافية ،منبر دنيا الوطن كما هو منتمي الى رواق الادب،مجلة اقلام شابة وعدة مواقع ادبية اخرى كما سبق له ان مارس الاشراف في موقع مدينة الاحلام اليمني ومنتديات الشروق ومنتديات الخبر الجزائرية.
                          و شارك في عدة ملتقيات أدبية محلية ووطنية ونال الجائزة الأولى في ملتقي المدينة للابداع الادبي لسنة 2005 الذي نظمته جمعية افاق بالتنسيق مع المجلس البلدي لمدينة وهران عن قصته حالة اجهاض.
                          كما حصل على الجائزة الأولى في القصة سنة 2011 في اللملتقى الأول ''شموع لا تنطفئ'' التي أقيمت على شرف الروائي الراحل الطاهر وطار.

                          القصة الاولى

                          دخل المقهى واتخذ من ركن معتم مجلسا له.طلب قهوة من دون سكر واخرج من جيبه أوراق اصفر لونها أشرفت على التمزق.للتو تستيقظ في ذاكرته صور نائمة لخيول جموحة لم تعرف الأسر. جاء الموت من هناك كعادته يلقي نظرة أخيرة على إنجازه المعطل،وقف فوق رأسها ينتظر اللحظة المواتية ليضغط بأصابعه الباردة والرهيبة على أنابيب ظلت تربطها بالحياة. قال


                          حالة اجهاض

                          مدخل.
                          من الجرح يولد الأدب فليذهب إلى الجحيم كل الذين أحبوك بتعقل دون أن ينزفوا أو يفقدوا وزنهم ولا اتزانهم.
                          أحلام مستغانمي


                          دخل المقهى واتخذ من ركن معتم مجلسا له.طلب قهوة من دون سكر واخرج من جيبه أوراق اصفر لونها أشرفت على التمزق.للتو تستيقظ في ذاكرته صور نائمة لخيول جموحة لم تعرف الأسر.
                          جاء الموت من هناك كعادته يلقي نظرة أخيرة على إنجازه المعطل،وقف فوق رأسها ينتظر اللحظة المواتية ليضغط بأصابعه الباردة والرهيبة على أنابيب ظلت تربطها بالحياة.
                          قال الجبلي محدثا نفسه هل حقا سيأخذها ؟لن ينتظر المستتر من الحوار بل استجاب لنداء الأشباح ةالاماكن المسكونة بالهوس والخراب.
                          جاءت فطوم كقبس تنير دهاليز روحه المظلمة ، بخطى متعثرة طرقت أبواب الرغبة والدهشة.ألقت باللوم على حظها التعيس وبكونها امرأة في مجتمع لا يغفر للنساء.
                          بحزن وتجوس قالت وهي تهذي.ها أنا فطوم أيها الجبلي، أجيئك من حيث لا تدري.جئتك اليوم من أعماق أرضنا الطيبة المضرجة بالدماء.مرة أخرى أقف على شواطئ الأراجيف وافتح لك شبابيك ذكرياتي الأليمة على مصرعيها.هو ذا عمي ((بوشلاغم)) ينتصب أمامي بين حقول القمح شامخا كجبال (( توا قس)) الجاثمة أمامنا.رأسه في موقع الشمس كشلال وشم ذاته في الكائنات.عيناه لا تنام،واحدة على المتوسط مستكشفة آفاقنا البعيدة وأخرى تعانق بيوت الطين المتناثرة هنا وهناك بين الأخاديد والتلال وفي تناسق وتناغم مع جغرافية المكان تتشكل لوحة فنان ويتشكل معها تاريخ أمة وملحمة أجيال.
                          كان بيتنا كما تذكر أيها الجبلي في أسفل المنحدر، في مكان منعزل وعلى بعد أميال منه تمتد غابة ((مولاي إسماعيل)) نحو الشرق في خط متواز مع حقول الرمان والزيتون إلى أن تطل على مستنقعات المقطع البقعة الوحيدة التي تبرئنا من خيانة التراب.ما أعرفه كان البحر خلف تلك الربوة على مرمى حجر لكننا نحن الحريم لم نكن نعرفه.ما كنت متيقنة منه أن أبي مثله مثل عمي ((بوشلاغم)) كان مخلصا لأمي ولقطعة الأرض التي بنينا عليها بيتنا.كم من مرة كانت تلك الأرض أثناء توريدها تأخذه في أحضانها بشبقية لأوقات متأخرة من الليل وكان ذلك يقلق أمي المسكينة، غالبا ما يثير حفيظتها ، تستسلم للغيرة وتشعر بالإهمال.
                          ألا تذكر أيها الجبلي، يومها كنا نحن الأطفال قبل أن يستوطن الرعب الغابة على مدار الأيام، خاصة في موسم الأمطار ننطلق إلى هناك بحثا عن الحطب والفطائر وكنا نصطاد صغار العصافير في أوكارها.كنا نتسلق أشجار الزبوج الهرمة إلى أن نصل القمة فتتراءى لنا مداخن شاهقة كتنانين واقفة تقذف من أفواهها ألسنة من اللهب وقتها سؤال وحيد كان يراودني ماذا كانت نية من شيدها ؟؟
                          أحرار...جمهورية...اليوم.
                          على رنات بائع الجرائد الذي اقتحم المقهى عاد الجبلي من بعيد من أمكنته المسكونة بالخراب، تلاشت فطوم من أمامه وبقى سؤالها معلقا إلى الأبد.
                          وكأن الغلام أيقض في نفسه شهية الكلام راح يهتف لنفسه.
                          واليوم ..؟ اليوم فطوم ما عاد يربطها بالأرض شيئا فهي وجه من أوجه المدينة.في لحظة انكسار أزاحت تاريخ عمر محافظ، اتخذت من سارة هوية لها وراحت تؤرخ لعهد جديد مليء بالتناقضات.عجيب أمر فطوم كيف تعتبر حياتها الخاصة لا شأنا لي بها؟
                          خير البلية ما يبكي ومن عوالم الشك تولد الافتراضات.صحيح أن الأحكام المسبقة خنجر مغروس في جسم الحقيقة لكن الحقيقة عملاق نائم على أطراف المدينة يحتقن غيضه المتنامي ولعنة المصير قدر محتوم يطاردنا.
                          مدينتنا ككل المدن، مغرية وساحرة كعملة ذات وجهين.وجه شفاف، مشع وأنيق مرسوم على واجهاتها النظيفة وعلى محيا فتيات الاستقبال عند مداخل الفنادق والمحلات الكبرى يوزعن ببراءة الابتسامات المصطنعة بالمجان، يروجن الدعاية الكاذبة لسلع مغشوشة في الأصل هن جزءا منها.
                          ووجهها الآخر خفيا وقذرا كالنخاسة تفوح منه نتانة الأشياء والخديعة باسم الضرورة استمدت منه الجناية شرعيتها...
                          فتح الجريدة وفي ركن المجتمع لفت انتباهه عنوان مميز أيقض في نفسه شهية الكتابة بعد ما كان يضن نفسه قد انتهى.كم من مرة حاول كتابة قصته الأخيرة لكنه لم يفلح.كان دائما يحس بالوهن، تتزاحم الأفكار بذهنه.يتمرد الأبطال على قلمه ويفقد السيطرة أمام قدسية وطن في صورة امرأة مثال أخرج قلماا وورقة بيضاء وراح يؤسس لولادة قصة قيصرية سما ها حالة اجهاض.




                          ..............................

                          (( ليس كل الرجال خونة.. ولا الخيانة حتما امرأة.)) أستيقظ غريب من نومه مفزوعا والعرق البارد يتصبب من جبينه كالمحموم الذي أصيب بنزلة برد ، تلازمه الرجفة وكأنه ورقة خريف في نهاية العمر تعبث بها الريح. ضغط على زر المصباح المتواجد على يمينه فعم النور الغرفة وانجلى الظلام ومعه الوحشة ، نظر إلى رفيقة لياليه الجليدية المعلقة على





                          القصة الثانية:
                          بوابة الجحيم

                          (( ليس كل الرجال خومة ولا الخيانة حتما امرأة )) ///// (((تصحيح خونة ، عبد الرحيم))))

                          أستيقظ غريب من نومه مفزوعا والعرق البارد يتصبب من جبينه كالمحموم الذي أصيب بنزلة برد ، تلازمه الرجفة وكأنه ورقة خريف في نهاية العمر تعبث بها الريح. ضغط على زر المصباح المتواجد على يمينه فعم النور الغرفة وانجلى الظلام ومعه الوحشة ، نظر إلى رفيقة لياليه الجليدية المعلقة على الجدار عقاربها تشير الى الثالثة صباحا ، لم يمر على غفوته الا الشيء القليل ، ساعة لا أكثر. التفت صوب قرينته نجاة ّ، رآها غارقة في نوم عميق منذ ساعات. ابتلع ريقه وتمتم ّ اللهم اجعله خيرا ّ ، نفث عن يسراه ثلاثا وتعوذ بالله من شر هذا الكابوس المزعج ومن شر الشيطان الرجيم .
                          هرول نحوالمطبخ فاصطدمت رجلاه بدمية ملقاة على الأرض، صب نهرا من القهوة في فنجان يتسع لهمومه وأشعل سيجارة حرائقه وراح يتلذذ بها بعصبية ، هي الوحيدة التي تقاسمه همومه وسواد لياليه الرتيبة ، تحترق معه ومن أجله ، تموت بين شفتيه ثم تنبعث و ستظل على حالها إلى أن ينبلج الصبح وتشرق الشمس.
                          جلس على الكرسي وراح يلملم شظايا حلمه المزعج ، قد رأى فيما يرى النائم صديقته ّمنارّ تغرق في البحر ومن بين الأمواج المتلاطمة ظهر طيف يدعى ّايروسّ يصرخ بكل قواه طالبا النجدة ويردد :ّ النجدة..النجدة..أفروديت تغرق.. ّ وفي لمحة بصر هب غريب لتلبية النداء، وفي محاولة منه لنجدتها كاد أن يغرق .اهتز جسده ، أفاق من نومه فوجد نفسه في فراشه.
                          انه جد قلق لأنه يعلم بأن رؤية المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوءة ، لذا بدا منزعجا ومتشائما من الأيام المقبلة وما تخفيه في طياتها من مجهول ، هذا المجهول الذي غالبا ما نسميه قدرا ولا نعترف به كنتيجة لأخطاء قد نقوم بارتكابها في حق أنفسنا أوفي حق الآخرين ، هذا المجهول الذي أحيانا مانكون نحن صانعيه ونسميه قدرا قد يكون الطريق المأساوي المؤدي للجحيم كان غريب أول من حاد عن الطريق السوي حين مشى وراء عواطفه واعتقد أن الهروب نحو الأمام يمكن أن يغير من لياليه الحالكات .كان يعتقد أن ّ منارّ رماها القدر قي طريقه كواحة يلتجئ اليها كلما اعترضته العواصف، راح يتقرب إليها حتى كسب مودتها ونشأت بينهما صداقة قوية صداقة بين رجل وامرأة كليهما يبحث عن حلقته المفقودة ، رجل يبحث عن امرأة يهرب إليها من الحقيقة لتنسيه هموم الدنيا ويجد ذاته فيها وامرأة تبحث عن رجل قد ترتمي في أحضانه حين يشعرها بالأمان وبقيمتها كامرأة . ظلت تحاصره ويحاصرها كما يحاصر المتوسط مدينتهما حتى استردا ثقتهما المفقودة وبهذا يكونان قد وضعا الدعائم الأولى لمدينتهما الفاضلة التي كانا يحلمان بها ولكل منهما نظرته الخاصة فيها دون أن يطلع الطرف الأخر عليها.
                          ومرت الأيام في تسلسل مثير إلى أن أحس غريب بقوة عجيبة تدفعه دفعا تحو منار لم يجد لها تفسيرا سوى أنها ساحرة كالبحر ، شقراء ذات عيون زيتية ، هادئة الطباع ، حزينة وجذابة ، تحب الورود ولحظات الغروب.

                          ذات يوم أهدت إليه قلما وقالت مازحة: (( أكون سعيدة لو تتقبل هديتي المتواضعة ...
                          كانت هدية مسمومة ، رسالة مشفرة لن يفك طلاسمها الا المحبون . تقبلها بانقباض وراح يناجي نفسه في صمت: ألا تعلمين بأن الأقلام رسائل حساسة ودعوة إلى اتخاذ القرارات الحاسمة ؟ ، أحقا انك تدركين حديث الأشياء وتودين إشعاري بخطورة الموقف أم ماذا ... ! ! ؟
                          من يومها أحس غريب بتصدع مدينتهما التي كانا يهربان إليها من الواقع . انقطعت منار عن مواعيدها المعتادة وضل المكان مرارا له لوحده إلى أن التقيا ذات يوم دون سابق انذار.
                          .. جاء إلى الشاطئ وجلس بالقرب منه ، وجاءت بعده وجلست قربه وظلا على حالهما إلى أن مزقت السكون.
                          قالت : انه يوم حار.
                          قال : انه شهر أغسطس .
                          قالت : النباتات تحب الماء.
                          قال : الماء نسغ الحياة.
                          وأحس برغبة ملحة لمتابعة الحوار وأردف يقول :
                          أنا أحب الورود لأنها مثلها مثل الانسان ، تحتاج للرعاية منذ أن تكون نبتة صغيرة..وعندما تمد جذورها في الأعماق..
                          قاطعته وقالت : العروق الخضراء.. مثل الأطفال ..انها مشاريع للمستقبل ، ألا تشاطرني الرأي ؟.
                          لحظتها تيقن غريب من مقصدها ، انه طموح كل امرأة ذكية وعاشقة تبحث عن شرعيتها دون أن تسقط في مخالب الرذيلة أو تنزلق نحو الخطيئة. لم يرد عليها بل راح يتذكر مشهد ابنته الوحيدة وهي تحتفل بعيد ميلادها السابع، أثناء تقطيعها التورتة قالت بشقاوة : ((القطعة الأولى لبابا أما الثانية فهي لماما..)) ثم واصلت حديثها بتهكم الكبار : (( لا تغضبي يا ما ما إني أحبكم جميعا ستكون أول قطعة لك في عيد ميلادي الثامن فما عليك الا الانتظار..)) وراحت تعانقهما وتقبلهما في حنان فياض حتى أحسا بأنهما أسعد زوج في الكون ونسيا خلافاتهما ، في هذه اللحظات هبط غريب من غيمته وحط على أسلاك الواقع كنورس أضناه التحليق فأوجد نفسه بين نارين وأحس بأن المجهول يحاصره واللحظة مواتية للتخلص منه للأبد ، وان أوجبت التضحية لا بد له أن يضحي...
                          ا ستنتج بأنه أحيانا تبدأ مأساة الانسان بكلمة طائشة أو قرار خاطئ في لحظة غضب ولا شعور ، تبدأ من لا شئ من تفاهات طرف ما حتى يحس الطرف الأخر بالإهانة فتبدأ الهوة تتسع شيئا فشيا وتتصاعد كالدخان إلى أن تحتل مكانها عاليا بين النجوم ويبقى الانسان عاجزا عن حصرها إلى أن يتعطل عقله عن التفكير ويستوي الخطأ بالصواب و من جملة الأخطاء حين لا يعترف الرجل بجنونه لقرينته ويعترف لأخرى بحبه الجنوني معتقدا أن السعادة امرأة جميلة أخرى يفتح بابها على النعيم دون أن يعلم (أنه)بتصرفه هذا قد يفتح لنفسه بوابة الجحيم و ما منار إلا مدخل للنار لو أجابها بصدق عما يشعر به تجاهها لتعقدت الأمور، ، عمل كل ما بوسعه لكي يبدو متماسكا ورد عليها بهدوء وبرودة أعصاب:
                          - لنبقى أصدقاء وباسم الاختلاف تستمر الحياة ، بالمناسبة عائشة تبلغك السلام.
                          - انك لم تجب عن سؤالي بصراحة.
                          - بصراحة …بصراحة يا ّمنارّ أنت لا تختلفين عن الذين لا يؤمنون بصداقة الجنسين أنك تطلبين المستحيل .. ،لا زلت شابة والمستقبل أمامك.
                          - عندما أفقد اسمي في ذاكرة من أحب فلن أحاول البحث عن البديل لأن قوتي تكمن في انكساري وفي صمتي انهياري .أنتم الرجال سواسية..لن تراني منذ اليوم..الوداع..الوداع.
                          أحمر وجهها وراحت تعدو والدموع تنهمر من عينيها دون أن تلتفت راءها ، أحس غريب بالندم الممزوج بالشفقة لكنه أيقن بأنه أفلت من المجهول الذي كان يطارده، لم يسقط في معركة الحياة بل سقطت عواطفه دفاعا عن وطنه الصغير وتغلب العقل على القلب والوقت كفيل بتضميد الجراح .
                          مر أسبوع كامل على اختفاء منار دون أن يعرف لها أحد أثرا حتى جاء اليوم الذي فتح فيه كالمعتاد جريدته وإذ به يعثر على صورة لوجه ليس بغريب عليه وقد كتب تحته في ركن الحوادث :(( لقد عثر على فتاة في سن السابعة والعشرين من عمرها جثة هامدة على طريق الطنف المؤدي للميناء وحسب شهود عيان لقد رمت بنفسها من فوق جسر الحياة وفي انتظار التحقيق القضائي حول ملابسات القضية تبقى الأسباب مجهولة)).

                          ثم قال وكأنه يخاطب شخصا بذاته ((أيها المجهول..لو كنا نعلم..)) وضل يتأمل في صورتها وكأنه يكلمها قال مناجيا نفسه : (( ها هو برهان الجزء من الأربعين جزءا من النبوءة قد تحقق ، لكن هل لي دخل فيما أقدمت عليه؟ أم انه قدرك ؟ وانتحارك .. أكان قضاء وقدرا أم أنا المتسبب فيه؟))
                          وبينما هو على حاله إذ بعائشة تقف فوق رأسه دون أن يشعر بها ، فتنتشله من غفوته بسؤالها :
                          - بابا..بابا..أليست هذه صورة طاطا منار ؟
                          نعم يا عزيزتي انها طاطاك منار.
                          هل أصبحت من المشاهير؟ ولماذا تبدو عيناها ؟(مغلقتين
                          - لأنها لم ترد أن ترى الحقيقة المجردة بعينين مفتوحتين.
                          وفي محاولة منه للتهرب من أسئلة أخرى قد تحرجه ضمها لصدره هاتفا في أذنها :
                          بلغي ما ما نجاة بأننا سنزور معا هذا المساء منتزه ّ جنة الأحلام ّ الذي لم نزره منذ مدة.


                          لجنة ترشيح النصوص =
                          مالكة حبرشيد=تم
                          عبد الرحيم محمود / تم .
                          التعديل الأخير تم بواسطة روان علي شريف; الساعة 28-10-2013, 18:40.
                          ليس كل الرجال خونة ولا الخيانة حتما امرأة

                          http://cherifrouan.blogspot.com/

                          تعليق

                          • فلاح العيساوي
                            أديب وكاتب
                            • 11-04-2011
                            • 196

                            #43
                            أسم الشهرة فلاح العيساوي
                            الاسم الكامل: فلاح عبد الحسن صاحب العيساوي
                            شهادتي: هي شهادة الأدباء لي بقدرتي على كتابة القصة القصيرة والقصيرة جدا، والخواطر، والمقالة، والنثر.
                            الدولة: العراق / النجف الاشرف / الكوفة
                            ...............................
                            1- أنت أغلى من الذهب
                            دخل إلى بيته فسكنت نفسه واطمأنت ورمى خلفه عند عتبة باب الدار كل همومه وإثقالها،، استقبلته عبير بذراعيها وضمته إليها حتى احتوته وغاب بحبها الواسع داخل قلبها الكبير...
                            خطوات هادئة وأصبح في باحة الدار فحضرت عنده زهور الياسمين وارتمت في أحضانه ليشم عبيرها الفواح ...
                            ( سلام ) لا يوجد في قلبه أغلى من حبيبته ( عبير ) وفلذات كبده ( إسلام ) و ( سها )،،
                            ارتمى سلام على سرير النوم ليريح جسده المجهد من تعب العمل...
                            دخلت عبير ولاحظت منذ دخول سلام إلى الدار آيات تلوح في قسمات وجهه...
                            فجلست وقالت: حبيبي ونور عيني سلام هل يوجد في خفايا روحك الجميلة ما تريد إن تبوح به لبئر إسرارك وحبك عبير ...
                            حبيبتي أنتي تعلمين إني عندما ادخل إلى جنتي وارى ثمرات قلبي وحب حياتي وروحي النابضة فكل همومي تنجلي كقطع الليل المظلم عند انبلاج الصباح فوجهك الشمس حين ترسل أشعتها كخصلة شعرك الذهبي..
                            حبيبيتي لا أريد إن أزيدك تعبا وعناء فوق تعب العمل في البيت وتعب مداراة الأطفال ..
                            نثرت عبيرها بيدها فوق وجهه سلام وقالت: إن في الأمر سرا خطيرا وانأ قد خبرتك جيدا وعلمت مكنون قلبك الأبيض ...
                            إن لم تفصح وتفضي لي سوف أخاصمك...
                            كلمات عبير هزت مسامع سلام وقرر أن يشاطر همومه شطره الثاني
                            فقال: غاليتي ونور عيني تهيئي لسماع الخبر... قد خسرت رأس مالي في العمل ولم يبق لي مال اعمل به!!!...
                            عبير: فداك يا روحي وحياتي كل أموال الدنيا وما فيها..
                            وجودك هو المهم ولا تحمل هما أو غما مصوغاتي الذهبية بين يديك...
                            سلام: لا استطيع إن أبيع الذهب فهو غالي عليك جدا ...
                            عبير: حبيبي سلام ( أنت أغلى من الذهب ) !!!...
                            أنت أغلى من الذهب.

                            2- وحوش الظلام
                            بدأ القلق يتسرب إلى روحها الحانية، دقائق الانتظار تحولت إلى ساعات من الرهبة والخوف، لملمت أشلائها المبعثرة، تبرقعت بها، وانطلقت تحث الخطى نحو المدرسة، فلم تجد ضالتها المفقودة، وقت الدوام انقضى وأمسى الأبناء في أحضان أمهاتهم، فأظلمت الدنيا في عينيها الشاحبتين، مع حلول الغسق، ومازالت (هاجر) زمانها تبحث في ذهاب وإياب عن ذلك السراب بين الصفا والمروة، طارقة أبواب الهجعة بالسؤال، والجواب سلب الآمال كما سلب الليل ضوء النهار، فأعدم القدر يد الحيلة، جلست تصارع الخوف والحزن والانكسار، غلبت وانهارت الدموع سواجم،،،
                            طار النبأ إلى مسامع الأب المسكين، فدق ناقوس الخطر واجتمع كل حبيب وصديق، من أجل البحث عن ( فرقد المفقود )، وبات الجميع في حراك دائم إلى انبلاج الصباح، ولا أثر أو دليل يحيي الآمال في القلوب الوجلة والأرواح المبعثرة، يعيد الابتسامة الشاردة عنها،،
                            جاءت رنة الهاتف تنبئ عن حدث رهيب ومخيف، فالمتصل طلب (فدية من المال) قبالة حياة فرقد !!..
                            الأب صارع البكاء عند سماع صوت ولده الغالي، جمع الأموال لم يكن بالأمر الهين، والبيت والذهب يرخص لحياة (روحه) التي درجت بين يديه وترعرعت في أحضانه،،،
                            كان الانتظار قاتل ومر، وحارق للروح الرقيقة، والاتصال الثاني حدد مكان استلام وتسليم الفدية، دون تسليم ( المخطوف )!!،،،
                            لا توجد خيارات متعددة أمام الأب المسكين، في الموادعة مسحة من الأمل اللامنطقي، فتلك الوحوش لا تحكمها القوانين الإلهية والوضعية، ولا منطق في تصرفاتها وأفعالها!!،،،
                            جاء الاتصال الأخير بعد أن أصبحت الفدية بيد تلك الحيوانات المتوحشة، ينبئ بمكان الولد !!،،،
                            وصل الأب لمكان الخبر وارتمى في أحضان الفاجعة، يلملم أشلاء ذلك (الكبد) المنحور !!...


                            لجنة ترشيح النصوص =
                            مالكة حبرشيد=تم
                            عبد الرحيم محمود / تم .
                            [read]
                            تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ اَلْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ
                            [/read]

                            تعليق

                            • هائل الصرمي
                              أديب وكاتب
                              • 31-05-2011
                              • 857

                              #44
                              هائل سعيد الصرمي من اليمن كاتب وشاعر
                              سبعة إصدارات شعرية في الأسواق أحدها قدم له الدكتور عبد الرحمن العشماوي والأخر د عائض القرني



                              لمن أشدو
                              لمن أشدو وتشد الروح
                              في يوم به الأفراحٌ كم تَزخر
                              له الأحلام من عهد الصبا تسهرْ
                              به الأنغام في روض الهوى أكثرْ
                              (على سرر بطائنها) من الأشواق
                              مترعةٌ بها الأيام كم تفخرْ
                              وهذا العام قد أقبل وعام الأمس قد أدبرْ
                              لمن أشدو وهذا الكون ممراح
                              ونور محمد يفتر
                              وصبح ضيائه أسفر
                              وهذا الفل والريحان ,,هذا المسك والعنبر
                              لمن أشدو
                              وماء المزن هطال ونبع الروض شلال
                              ونبض القلب قد أزهر
                              لمن أشدو وأقطف من حقول الورد والسوسن
                              أزاهير الشذى الأحمر
                              لمن أشدو وأجني من مغاني الكرم والليمون
                              أعناب الندى الأخضر
                              لمن أشدو
                              لزين الخلق هذا الشدو طه المصطفى الأطهر
                              و قافيتي بهذا اليوم في أنغامه تسكر
                              ومن أفيائه تتلو أناشيد الهوى الأعطر
                              إلى الحب الكبير إلى
                              رسول الله خير الناس قاطبة
                              أسوق الحب تحمله حروف الشعر روضا باهي المنظر
                              بهي ا لروح زاهي النور طلعته إذا مر الهوى ( يخضر )
                              و كل حديثه سكر
                              صلاة الله تغشاه بلا حد ولا عدد
                              لنور النور روح الروح
                              نفح العود نفح المسك والعنبر
                              صلاة الله ملأ الكون والآفاق
                              ليس يخطها قلم وليس يحيطها دفتر

                              عبد الرحيم محمود / تم .
                              التعديل الأخير تم بواسطة هائل الصرمي; الساعة 30-10-2013, 21:38.

                              تعليق

                              • هائل الصرمي
                                أديب وكاتب
                                • 31-05-2011
                                • 857

                                #45
                                بفم الوداد أبوح بالأسرار ليظل حبكَ خافقا بمساري
                                كم رُدد اسمك في شفاه مشاعري وعلى عيون الشمس والأقمار
                                ونقشت حبك في الضلوع قصيدة وجعلت ذكرك للنجاح شعاري
                                هذا حنيني كم كتبت دموعه مهما كتبت فهل تفي أشعاري؟
                                بحري طويل والمراكب عطلت في عصرنا وبقيت فلك بحاري
                                أنا ما سكنتك رغم موج توددي فعلامَ تسكن أنت في أغواري
                                أنا ما بقيت بأفق قلبك طائراً وتطيرُ أنت بمهجتي وقراري
                                ها أنتَ تشغل خافقي و خواطري وتهزني والحب يضرم ناري
                                يا نبض أوردة الحياة وإن غفت نفسي يشق الحبّ قلب جداري
                                وأراك تخترق الستور فلا أرى حرسا يصدُّ ولا وقت أسواري
                                غرد كما تهوى بنبضي واحتسب ثمرات بذرك إن بدت أنواري
                                أنا مذ عرفتك ما عرفت مواجعاً إلا هواك مبارياً فأباري
                                وتشدني عزمات نفس ترتقي همما فما ألقى سواك جواري

                                عبد الرحيم محمود / تم .
                                التعديل الأخير تم بواسطة هائل الصرمي; الساعة 30-10-2013, 21:33.

                                تعليق

                                يعمل...
                                X