جزيل الشكر لك، عزيزي نور الدين، لتفضلك بربطك في مداخلتك بين المشائية عند الإغريق و مثيلاتها عند المسلمين مع تبيان للفارق بين المدرستين الفلسفيتين. جاء في مداخلتك العديد من الأطروحات المهمة والمتضاربة في آن، كانت ولا تزال سبباً لنشوب الصراعات الفكرية (جعلها البعض عقائدية - الفيض و الرشدية مثلاً) سوف أعود إليها لضرورة تناولها بالدرس والتحليل. في انتظار عودة الصديق الهويمل و عودتك أنت إلى الحديث عنها، سوف أعرج بنا إلى السيمياء.
ورد في مشاركتك الأخيرة أسماء لأعلام عرب و غرب التصق اسمها بالفلسفة الأرسطية/الرشدية إما من باب التأييد أو التنكيل. من جملة من ذكرتهم: أرسطو، ابن رشد، توما الاكويني Thomas d’Aquin صاحب
المدرسة الطومية Thomisme
الأسماء الثلاثة لها علاقة تاريخية فلسفية فكرية عقائدية جد وطيدة بشهادة الحجم الخيالي للكتب و البحوث التي خصصها الفكر الشرقي والغربي معاً لدراسة الشخصيات الثلاث منهاجا وفكرا و تأثيرها على الفكر الفلسفي عبر العصور.
اللوحة التي بين أيدينا اشتهرت باسم "الفلاسفة الثلاثة". ذهب العديد من المحللين المبرزين إلى تأويل الشخصيات الثلاث تحت مجهر التاريخ الفلسفي للفكر الشرقي والغربي مما دفعهم للقول بأن الثلاثة هم : أرسطو (الشيخ)، ابن رشد (صاحب العمامة) ثم توماس الأكويني (الشاب). سيميائياً، هنالك مبدأ ثابت يقول على أن شكل الشيء وإن لم يكن المعنى الظاهر فهو خطوة أولى ضرورية للولوج إلى جوهره. هنا نتساءل: الشخصيتان الواقفتان في اللوحة (أريطو و ابن رشد) تم تجسيدهما "شكلا" (أي عن قصد تام) في حركة المشي (المشائية هنا رمزاً) ثم في حالة حوار (يدل عليه القرب و حركة اليد الخ). نعلم علم اليقين على أن ابن رشد لقب ب"الشارح الأكبر" Le grand interprète في إشارة إلى أعماله الضخمة لتقديم و التعليق على كتب وفلسفة أرسطو. إذن شكل الشخصيتين في اللوحة يرمز إلى جوهر العلاقة بين الرشدية و الأرسطية كمدرستين فلسفيتين متلازمتين ومتطابقتين في أكثر من مسألة (و على رأسها مسألة العقل و دوره في الاستنباط).
دائما نبقى مع قضية الشكل. الشاب الثالث (توما الأكويني) تم تجسيده بشكل مخالف تماما: القعود، الوجهة، الانشغال...وهو تجسيد "مخالف" الكلية لتجسيد ابن رشد و أرسطو. لا يخفى على المتخصصين في الميدان كون توما الأكويني من أشد الفلاسفة الغربيين انتقاداً (كرها!؟) لابن رشد الأندلسي خاصة و لما كان يطلق عليه "الرشدية" Averroïsme في العصور الوسطى الغربية. راجع إن شئت الرواية الضخمة The Name of the Rose Le nom de la rose لعميد السيميائيين المعاصرين الراحل الإيطالي Umberto Eco التي ذكر فيها الصراع الفكري بين ابن رشد و توما الاكويني بحيث أن الكنيسة آنذاك أصدرت مرسوما ينعت بموجبه كل ممارس للفكر الرشدي ب "الهوس" أو الخروج عن الملة. وما أدراك ما هذا النعت في العصور الوسطى الغربية! كل من نعت به كان مئاله إلى الحرق حياً أو التعذيب والتنكيل حتى يعلن توبته. Excommunication بالمفهوم الكنسي.
اذن شكل الشاب الذي لا يلتفت إلى ابن رشد وأرسطو رمز على التعارض بين المدرستين جملة وتفصيلاً. والتحليل التاريخي للوحات أخرى بارزة إما تحليل Diachronique أو Synchronique يوطد لنا هذا الصراع بين الفكر الأرسطي/الرشدي من جهة و الأكويني/المسيحي ضد الرشدي/الإسلامي من جهة أخرى. اللوحات التي ظهرت في الشريط الذي قدمه لنا أستاذنا الهويمل خير دليل على ذلك.
أتركك نور الدين توضح لو أمكن نسخة الصراع المتجددة في فكر د.طه عبد الرحمن و نقيضه عند الجابري على ضوء الجدل القديم في نسخة الغزالي و ابن رشد.
نواصل.
ورد في مشاركتك الأخيرة أسماء لأعلام عرب و غرب التصق اسمها بالفلسفة الأرسطية/الرشدية إما من باب التأييد أو التنكيل. من جملة من ذكرتهم: أرسطو، ابن رشد، توما الاكويني Thomas d’Aquin صاحب
المدرسة الطومية Thomisme
الأسماء الثلاثة لها علاقة تاريخية فلسفية فكرية عقائدية جد وطيدة بشهادة الحجم الخيالي للكتب و البحوث التي خصصها الفكر الشرقي والغربي معاً لدراسة الشخصيات الثلاث منهاجا وفكرا و تأثيرها على الفكر الفلسفي عبر العصور.
اللوحة التي بين أيدينا اشتهرت باسم "الفلاسفة الثلاثة". ذهب العديد من المحللين المبرزين إلى تأويل الشخصيات الثلاث تحت مجهر التاريخ الفلسفي للفكر الشرقي والغربي مما دفعهم للقول بأن الثلاثة هم : أرسطو (الشيخ)، ابن رشد (صاحب العمامة) ثم توماس الأكويني (الشاب). سيميائياً، هنالك مبدأ ثابت يقول على أن شكل الشيء وإن لم يكن المعنى الظاهر فهو خطوة أولى ضرورية للولوج إلى جوهره. هنا نتساءل: الشخصيتان الواقفتان في اللوحة (أريطو و ابن رشد) تم تجسيدهما "شكلا" (أي عن قصد تام) في حركة المشي (المشائية هنا رمزاً) ثم في حالة حوار (يدل عليه القرب و حركة اليد الخ). نعلم علم اليقين على أن ابن رشد لقب ب"الشارح الأكبر" Le grand interprète في إشارة إلى أعماله الضخمة لتقديم و التعليق على كتب وفلسفة أرسطو. إذن شكل الشخصيتين في اللوحة يرمز إلى جوهر العلاقة بين الرشدية و الأرسطية كمدرستين فلسفيتين متلازمتين ومتطابقتين في أكثر من مسألة (و على رأسها مسألة العقل و دوره في الاستنباط).
دائما نبقى مع قضية الشكل. الشاب الثالث (توما الأكويني) تم تجسيده بشكل مخالف تماما: القعود، الوجهة، الانشغال...وهو تجسيد "مخالف" الكلية لتجسيد ابن رشد و أرسطو. لا يخفى على المتخصصين في الميدان كون توما الأكويني من أشد الفلاسفة الغربيين انتقاداً (كرها!؟) لابن رشد الأندلسي خاصة و لما كان يطلق عليه "الرشدية" Averroïsme في العصور الوسطى الغربية. راجع إن شئت الرواية الضخمة The Name of the Rose Le nom de la rose لعميد السيميائيين المعاصرين الراحل الإيطالي Umberto Eco التي ذكر فيها الصراع الفكري بين ابن رشد و توما الاكويني بحيث أن الكنيسة آنذاك أصدرت مرسوما ينعت بموجبه كل ممارس للفكر الرشدي ب "الهوس" أو الخروج عن الملة. وما أدراك ما هذا النعت في العصور الوسطى الغربية! كل من نعت به كان مئاله إلى الحرق حياً أو التعذيب والتنكيل حتى يعلن توبته. Excommunication بالمفهوم الكنسي.
اذن شكل الشاب الذي لا يلتفت إلى ابن رشد وأرسطو رمز على التعارض بين المدرستين جملة وتفصيلاً. والتحليل التاريخي للوحات أخرى بارزة إما تحليل Diachronique أو Synchronique يوطد لنا هذا الصراع بين الفكر الأرسطي/الرشدي من جهة و الأكويني/المسيحي ضد الرشدي/الإسلامي من جهة أخرى. اللوحات التي ظهرت في الشريط الذي قدمه لنا أستاذنا الهويمل خير دليل على ذلك.
أتركك نور الدين توضح لو أمكن نسخة الصراع المتجددة في فكر د.طه عبد الرحمن و نقيضه عند الجابري على ضوء الجدل القديم في نسخة الغزالي و ابن رشد.
نواصل.
تعليق