بلا عنوان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسن لشهب
    أديب وكاتب
    • 10-08-2014
    • 654

    #46
    لا شك في وجاهة ما تطرحه أستاذي الكريم . لكنه مشروع من الضخامة بمكان وتنوء بحمله الجبال، ذلك أن الحديث عن الإنسان هو حديث عن كل شيء ، عن الحياة والتاريخ والحضارة والمعرفة والحلم والطبيعة والتربية والحب والعنف والتقنية والهوية والاغتراب والتواصل والإبداع والفن ووووو
    وهذا هو ما يفسر ما استشعرته من سؤال الصديق أبو فهد ، لخطورته وصعوبته و ربما لأنني أميل إلى المقاربة الفلسفبة أتناول الأشياء طبعا في بعدها الشمولي . طبعا لن أفرض مقاربة معينة ولكنني مستعد لمتابعة النقاش لو رسمت أخي شهيد خارطة طريق تذلل الصعوبات وخاصة من الناحية الميتودولوجية.
    أطيب التحايا .

    تعليق

    • محمد شهيد
      أديب وكاتب
      • 24-01-2015
      • 4295

      #47
      صباح الخير،
      الأمر ليس بتلك الجسامة كما كنتُ أنا الآخر أعتقد عندما طرحته بالأمس للتداول. فالمقصود ليس دراسة الإنسان من وجهة (أنطولوجية) وجودية شمولية تبحث في ماهية الكائن (ذلك المجهول) - والعبارة لأليكسيس كاريل، كما تعلم. بل أقصد تحديدا تقديم منهجية/مقاربة للإشكاليات التي تهمنا هنا ننطلق فيها من الواقع ذاته تماما كما نعاينه في عالم التجربة اليومية يقودنا في التحليل التساؤل الآتي: هل يؤخذ - أو لا يؤخذ - بعين الاعتبار البعد الإنساني بشكل برغماتي واقعي عندما تقرر بعض مجتمعاتنا العربية مثلا أن تخوض تجربة (مقارنة مع ما نعرفه عن بعض التجارب المماثلة فيلعض دول الغرب)؟ سألتني عن المنهاجية/الميتودولوجيا: هنا نقترح المنهاجية العكسية : inductive تنطلق من القاعدة/ الواقع كما نعاينه في عالم التجربة ثم تصعد إلى القمة/التنظير. بخلاف المنهجية الكلاسيكية deduction التي تنطلق من مفاهيم نظرية عامة و تحاول جاهدة أن تجعلها تنطبق - أو تتعارض - مع الواقع كما هو (و في حالة عدم توافقهما، يعيب المحلل على الواقع ولا يعيد النظر في المنهاجية المعتمدة لدراسة و فهم هذا الواقع).

      و بالمثال يتضح الإشكال:

      في ميدان التواصل مثلا. عندما انتشرت وسائل و تقنيات التواصل الالكتروني ظهرت في المغرب بشكل واسع أماكن انتشرت بسرعة مذهلة تسمى بالعامية (سيبير Cyber) تزود روادها بالانترنت و خدمات موازية كالطباعة و المسح الضوئي و غيرها مقابل تسعيرة معينة. الذي يلاحظ هذه التجربة مثلا لن يجد صعوبة أنطولوجية ليقر بنوع من الدقة على أن معظم رواد هذه المحلات من مستعملي التكنولوجيا الحديثة يقضون جل الوقت خلف الشاشات عاكفين على مواقع الدردشة (بالكتابة عادة أو بالصوت والصورة عندما يسمح صاحب المحل بذلك). اليوم، صارت معظم البيوت المغربية ومعها الهواتف الشخصية يحملها الملايين من المغاربة بمختلف أعمارهم و مستوياته الدراسية أو الاجتماعية مزودة بالانترنت، و لم يعد للسيبيرات ذاك الدور المركزي في احتكار الخدمة. لكن، هل تغيرت عادات المغاربة في نوعية استعمال الانترنت و الاستفادة من كل ما تسمح به تقنيات التواصل الحديثة رغم تطورها بشكل أكثر سرعة و أشد تعقيداً أم أن الدردشة انتقلت من السيبيرات القارة لتنشط أكثر في سيبيرات متنقلة داخل البيت و خارجه خاصة بعد انتشار ما يسمى (أنطولوجياً؟) مواقع التواصل الاجتماعي؟

      سأدع هذه الإشكالية دون إجابة و سأنتقل إلى بيئة مخالفة لأرصد تجربة من نوع آخر؛ نحلل التجربتين في المداخلات.

      بحكم التخصص الأكاديمي، تمت دعوتي إلى المشاركة في ندوة عالمية عقدت في مونتريال حول مستقبل التواصل داخل المجتمعات المتقدمة و النامية. لن أدخل في تفاصيل الندوة لكن التقيت على هامشها بأحد المشاركين يمثل وزارة الاتصال المغربية. جرنا الحديث إلى رصد الحالة التي هي عليها الجامعات المغربية و كانت شكواي أمام المسؤول : لماذا لم تتطور مواقع الجامعات المغربية التي تبدو عليها مواقعها (إن كانت لها مواقع) بذلك الشح في المحتوى و البؤس في المظهر؟ ممثل الوزارة الوصية قدم لي نفسه أنه المسؤول عن مشروع تزويد الجامعات المغربية بالتكنولوجيا اللازمة التي تمكنها من مواكبة التطور التقني و الظهور بشكل يشرف التعليم العالي بالمغرب أكد لي أن التقنية موجودة و أن الميزانية المخصصة لها تمت المصادقة عليها و أردف قائلا: لم يأتني الضوء الأخضر لإطلاقها.

      هنا تقع الإشكالية: ما نصيب الإنسان في مجتمعنا من التطور التكنولوجي الحاصل؟ علما بأن نظريات السيبيرنيتك (ولن يسعني مجلد بأكمله لأحصي النظريات و المراجع التي تبلورت على ضوئها ثورة التواصل في العصر الحديث) تأسست على نظرة و رؤيا معينة للإنسان، (نتساءل: عن أي إنسان؟)

      و الحديث سيجرنا لا محالة للوقوف عند تجربة العلوم الإنسانية من التطور التقني المذهل؛ فقد ظهرت - على الأقل في أمريكا الشمالية و في بعض دول أوربا - مراكز للبحث العلمي في شتى التخصصات الفلسفية والأدبية و التقنية و اللسانيات...يجمعها قاسم منهجي مشترك يطلق عليه علمياً: الإنسانيات الرقمية Digital humanities. (ما نصيب اهتمام الإنسان العربي بدراسة تراثه العربي العريق و ما حظه في تسخير هذا التطور المعرفي و التقني في خدمة الدراسات الإنسانية؟)
      لستُ أدري بعد!

      والذي ينطبق على إشكالية التواصل ينطبق على غيرها من الإشكاليات التي ذكرناها تِباعاً في المداخلات السابقة.

      أود أن أكون بهذه المقاربة العملية قد اقتربت منك أخي حسن و أجبت نوعا ما عن سؤالك المنهجي.

      و لك و لأبوفهد أغلى تحية

      إليكما المداخلة.
      التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 22-05-2019, 16:18.

      تعليق

      • حسن لشهب
        أديب وكاتب
        • 10-08-2014
        • 654

        #48
        أهلا بصديقنا محمد شهيد.

        حسنا فليكن المنطلق هو واقعنا الأليم بلا مساحيق!
        جميل ما أوردته عن أمور التواصل والتكنولوجيا عن حظ الفرد منا من الثورة الرقمية في التواصل ودراسة التراث والدراسات الإنسانية ( وهي الغائبة في جامعاتنا )…
        أخي المحترم .
        لا أبالغ بخصوص حديثي عن الانسان ولكنني أستشعر هول ما حصل في بلادنا من خلال معاينة ظواهر الإجرام والعنف وتعاطي المخدرات والتفكك الأسري والطلاق الذي أصبحت أرقامه مخيفة وما تلاها من ظواهر الدعارة و الهجرة غير الشرعية …
        أحيانا تشعر بالتفاؤل حين تلتقي بأسر تناضل لتكوين أبنائها وتربيتهم على الوجه الأكمل المطلوب ، ويلتقون في مختلف مراحل تكوينهم بمدرسين يسترخصون كل شيء حبا في المهنة وتجسيدا لمواطنة فاعلة وإيجابية.ولكن سرعان ما يتملكني الخوف من المستقبل حين ألتقي بجحافل من الشباب يحملون أسماء غريبة مثل ميسي و روبرتو وهيثم وعلاء والنمس والعافية ويحدثون في الأزقة صخبا مرعبا وهم يحملون السيوف ويرهبون المارة فتخال نفسك أقرب إلى الجحيم منه إلى الطمأنينة .ناهيك عن إرهابهم اللفظي وشكل لباسهم وتسريحات وألوان شعرهم وأوشامهم ..
        أخي شهيد
        الثورة الرقمية كانت وبالا على الأفراد في غياب منهجية مضبوطة للتعامل معها ، فالإنسان عندنا صار عنده بعد واحد هو الكرة والعنف و المتعة والفائدة المادية بكل الطرق حتى بالكذب والضحالة والتفاهة حتى أصبح الأمي والتافه مشهورا ….ناهيك عن الفساد المستشري في مفاصل المجتمع بحيث صارت المناصب يحكمها منطق العلاقات والنفوذ والثراء مما يكبح طموح المتعلمين وحاملي الشهادات.
        هناك ملاحظة بهذا الخصوص على المستوى السياسي حيث يتم استغلال مواقع التواصل الاجتماعي بشكل خطير ، أليس مرعبا ما أحدثه الفيسبوك في ما سمي بالحراك العربي ؟ أليس مخيفا أن أشخاصا بلا ثقافة ولا ضمير ينجحون في الانتخابات بفضل الفيسبوك .؟وتتوارى الأطر عن المشهد خجلة مما حصل...
        لا أخفيك أن الحديث عن الثورة الرقمية عندنا هو حديث عن انهيار القيم والتواصل، هو طريق للعنف الرمزي وسحق المثقف وانسحابه من موقعه كفاعل في المجتمع.
        وهنا أنتقل بك إلى اللغة كوسيلة للتواصل ،
        لا شك أن اللغة العربية لغة حياة ووجود ، لاحظ معي أن الفاعل يجب أن يكون مرفوعا ليس بالضمة فقط بل لأنه فاعل للحضارة والإنسان لذا نرفع شأنه في مقابل مفعول به ينصب ضرورة بما يعنيه ذلك من شل لحركته وتبعيته لما قبله .
        كذلك المبتدأ معرف وجوبا والخبر حكم أو محمول بلغة المناطقة ومن هنا نفهم أنه لا يجوز الحكم على النكرة أو المجهول حتى في الحياة ...ولعل خبراء اللغة أقدر على تفصيل الكلام في هذا الشأن .
        فهل جعلت العربية من حامليها فاعلين في المجتمع ، انظر لحالنا لتدرك ما أعنيه ،!!!
        لم تعد اللغة هي اللغة ، ولم يعد الناس هم الناس ولم يعد خطابهم كما عهدناه قائما على مبدإ أخلاقي أقله هو أن كل مقام له مقال، ولم يعد التواصل قائما بين الناس أصلا لأن الجميع صار مركزا نظره على شاشة هاتفه غير مبال بمن يجلسون معه بالبيت أو بالمدرسة أو بالمقهى..
        تلك هي المشكلة ….
        التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 22-05-2019, 19:05.

        تعليق

        • محمد شهيد
          أديب وكاتب
          • 24-01-2015
          • 4295

          #49
          ... تلك هي المعضلة!
          أخي حسن، أرأيت لو كنتُ رساماً و طلبتَ مني أن أرصد بالريشة و الألوان تفاصيل الواقع الموحش الذي وصفته - صادقا - عن ما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية في البلد، لأتيتُك بلوحة قاتمة تجسد وجوهاً أشد رعباً من شخصيات الرسام De Goya السرقسطي.
          و أنت بحكم موقعك هناك، أتى تجسيدك للواقع Tel quel و من غير "مساحيق" فكنت أكثر مصداقية مني و أنا بعيد خارج الوطن.

          أخي حسن، أعجبني ما ذكرته من فائدة بخصوص رفع الفاعل و نصب المفعول به...ولست أدري كيف أجيب على تساؤلك : هل العربية رفعت من شأن فاعليها؟ لأنك هنا أيضا أعلم بالجواب مني. دعني فقط أهمس إليك أنني أكاد ألتمس الجواب من خلال تحليلنا للواقع كما وصفتَه و أنني أوافقك عليه، أي كما هو - لا كما يحلو لنا، من شدة الغيرة، أن نراه.

          لنتفلسف بعض الشيء (ولعل في التفلسف راحة لنا من صخب هذا الواقع المقزز) :

          ذكرتُ في مداخلة سابقة رؤية فولتير التهكمية للواقع الفكري الفرنسي خاصة و الأروبي عامة في زمانه. أعود إليه لأشاطرك هذا الاقتباس أترجم منه معناه لا النص بحذافيره من كتابه الشيق : الفيلسوف الجاهل/ Le philosophe ignorant

          في رده على نظرية تفسر علاقة الإنسان بمحيطه (يستخف بصاحبها) يقول: إنني قرأت في كتاب عن الطبيعة أن السيد العابد Le prieur يقول للسيد الفارس le chevalier أن كل الأجسام في الكون خلقت لخدمة الأرض و أن الأرض بكائناتها بما فيها الحيوان، إنما خلقت كلها طوعاً للإنسان من أجل خدمة الإنسان. بما أنه لا دليل لدينا على عدم وجود مخلوقات في الفضاء تستفيد هي الأخرى من الكواكب و النجوم، و بما أننا نملك الدليل القاطع أننا نحن البشر أقل عددا و قوة من الحيوانات التي تدب
          على سطح الأرض، فقد تيقنتُ على شيء لا مناص منه: الإنسان، ذلك المخلوق الضعيف، إن لم يتقن الدفاع عن نفسه، فستسحقه الحيوانات المحيطة به من كل جانب وهو يدب فوق الأرض و ستسحقه أكثر عندما يصير في بطنها. و من هنا، يضيف فولتير، أجد أن السيد العابد لديه من الغرور ما يكفي ليجعله يعتقد أن الكون و المخلوقات كلها خلقت لأجل حضرته.

          انتهى.

          وجدت في النظرة النقدية لفولتير علاقة جدلية مع ما نحن بصدده و خاصة مع ما ورد في مداخلتك الأخيرة؛ مع فارق جذري وددت لو أذكره: الحيوان الذي يسحق الإنسان عند فولتير، انقلب إلى حيوان ناطق يسحق أخاه الإنسان فوق الأرض و تحت الأرض، بسبب و من غير سبب. و ساحة العراك تجاوزت حدود الغاب لتعمّ شوارع المدينة المنيرة العريضة و أزقتها المظلمة الضيقة فلا أمان للمرء هنا ولا سلامة له هناك.

          أهي عودة الكانيباليزم؟


          إذن، و الحالة هاته، ما الحل للخروج من الأزمة؟ ولتسيير الأزمات التي تنشب داخل المجتمع نظريات شتى كلٌّ بحسب نوعية النزاع و طبيعة المتنازعين. و هل يمكن للمثقف أن يسترد مكانته لا لكونه الفاعل الوحيد في منظومة التغيير، بل لكونه يملك من الموضوعية و الشمولية بحكم الاطلاع الواسع ما يجعله على الأقل محركا Dynamo لعجلة التغيير تبعث الطاقة اللازمة أثناء حركة النهوض بالمجتمع؟ هل نحن طوباويون في تفاؤلنا رغم احتدام أزمة الركوض؟ ربما نعم. و لكن ماذا لو كان جزء من الحل بأيدينا لو، مثلا عوض الطوباوية التي قد لا تخرجنا من الأزمة، نتحلى بنوع من العقلانية البرغماتية (أو مايسمونها عند الفلاسفة من بعد سينيكا بالنزعة الرُّواقية stoïque في التعامل مع الأزمات)؟ الأسلوب الدي يقتضي أن نفصل بين أمرين : 1. ما هو معقول مقدور عليه نؤثر فيه فيتغير لصالحنا/ 2. ما هو خارج إطلاقا عن إرادتنا كبشر فنتقبله و نسايره.

          هل هذا ممكن تحقيقه (على أرض الواقع) أم أنها "شطحات صوفية" كما يحلو لأبو فهد إن يسميها في بعض المواقف؟


          مودتي


          م.ش.
          التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 23-05-2019, 02:33.

          تعليق

          • حسن لشهب
            أديب وكاتب
            • 10-08-2014
            • 654

            #50
            أخي شهيد
            "لا أعلم إلى أين تمضي بنا خطوات الطريق"!!!
            دعنا نتابع السير ولو كان آخره غير واضح ولا يسعد زعماء نظرية الأهداف طبعا.
            المهم ، لا أعلم لم حضر إلى ذهني هربرت ماركوز H.Marcuse صاحب الكتاب الشهير الإنسان ذو البعد الواحد l'homme unidimensionnel.
            فعن طريق ما يخلقه المجتمع الصناعي الاستهلاكي من حاجيات وهمية faux besoins و بتواطؤ مع وسائل الإعلام والاستهلاك يصبح لدينا إنسان محكوم بالاستهلاك وتحقيق اللذة أي له بعد واحد ويفتقر للروح النقدية والرافضة لسلطة نظام الانتاج والاستهلاك.
            ألا يمكن أن نعتبر إنساننا ضحية للتجربة الرقمية والتكنولوجية بشكل من الأشكال ، فلم نعد نجد أمامنا إلشباب المجد المستمتع بتجاوز الصعوبات ومقاومة العوائق ، بل نحن أمام شباب يهمه الوصول إلى أي شيء بلا جهد أو تضحية .
            أعلم يقينا أن أكبر مساويء التقنية هي التربية على الكسل بحيث تتكلف الآلة بعمل كل شيء عوض الإنسان.
            وإذا كانت الخطورة أقل في الغرب بحكم أنها ضبطت سلسلتها الاقتصادية على مستوى الإنتاج والتسويق والاستهلاك ، فالخطر عندنا هو غياب الإنتاج من البداية والاكتفاء باستهلاك ما ينتجه الآخرون وبتواطؤ من الإعلام والإشهار وعلى هذا الأساس فإنساننا له بعد واحد هو المتعة والكسل ومحاولة النجاح بلا جهد يذكر.
            الفرق يكمن في أن الأول يريد الهروب من سلطة دورة الانتاج والاستهلاك أما عندنا فهو غارق في المتعة والكسل والاستهلاك.
            دعنا نختم بقول ماركوز نفسه في خاتمة كتابه

            (C'est seulement à cause de ceux qui sont sans espoir que l'espoir nous est donné).
            فهل يحق لنا أن نأمل من هؤلاء الميؤوس من حالهم؟
            تلك هي المشكلة!
            التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 22-05-2019, 22:54.

            تعليق

            • محمد شهيد
              أديب وكاتب
              • 24-01-2015
              • 4295

              #51
              أخي حسن، الشمس عندنا أوشكت على المغيب. قرأت بعجالة مداخلتك الأخيرة و سأعود إليها على مكث. و أما سؤالك إلى أين نتجه؟ أقول اننا بصدد تحديد "منهاجية لدراسة الفوضى". فلا غرابة في الحيرة و الحيرة دأب المفكر و ربما التناقض أيضاً من سمات المفكر الحر. و دعني أختم بمقولة الفيلسوف الدنماركي Kierkegaad:
              un penseur sans contradiction est comme un amoureux sans passion: une pure monotonie!
              (مفكر من غير تناقض كعاشق بلا شغف: ملل في ملل).

              و لعلي اتيت كتتمة لMarcuse ب شيء من Adorno و الهيمنة Hegemonie الثقافية و علاقتها بوسائل الانتاج الاعلامي بكل اطيافه.

              أشكرك جزيل الشكر صديقي حسن على مجهودك وصبرك علي حتى أفهم مايجري. مودتي.
              التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 23-05-2019, 02:29.

              تعليق

              • الهويمل أبو فهد
                مستشار أدبي
                • 22-07-2011
                • 1475

                #52
                الأخوة الأساتذة لشهب و شهيد. أعتذر عن التخلف عن ركبكما المبارك واستميحكم العذر

                فمع كل مشاركة أستعد لكتابة رد لكن سرعان ما أجد ما قد استجد. حاولت أن أحضّر ردودي على بعض المشاركات، لكن اختلطت الأمور في ذهني من المشاركة (45-50) وهي مشاركات دسمة ويصعب هضمها والرد عليها بشكل مقبول. ليس لي موهبة أخينا لعوطار حين يلخص طرحا طويلا في عبارة أو اثنتين. ولذلك سأكتفي بردود فعل وانطباعات.


                حقيقة اختلطت علي الأمور لأن الإنسان دخل الميدان ليكون نقطة البداية. والحال أن الإنسان كان دائما وأبدا نقطة بداية. وأشكاليته دائما الإشكالية الوجودية والفوق-وجودية.


                حين تقدم الأستاذ شهيد باقتراحه الإنسانَ "موضوعا" قلت في نفسي لا بأس: هو توثب الشباب وعنفوان الطموح والثقة المفرطة بالمعرفة. وستطوعه التجربه والحياة العملية. جاء الرد من مجرب رأى في طرحه: "مشروعا من الضخامة بمكان وتنوء بحمله الجبال". قال شهيد "الأمر ليس بتلك الجسامة كما كنتُ أنا الآخر أعتقد عندما طرحته بالأمس للتداول" (#74). شهيد يقول بمعنى أو بآخر: (الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ). وهو يقصد:

                "تحديدا تقديم منهجية/مقاربة للإشكاليات التي تهمنا هنا ننطلق فيها من الواقع ذاته تماما كما نعاينه في عالم التجربة اليومية يقودنا في التحليل التساؤلُ الآتي: هل يؤخذ - أو لا يؤخذ - بعين الاعتبار البعد الإنساني بشكل برغماتي واقعي عندما تقرر بعض مجتمعاتنا العربية مثلا أن تخوض تجربة (مقارنة مع ما نعرفه عن بعض التجارب المماثلة في بعض دول الغرب)؟"
                قدم مثالين ليؤكد اشكالية (دور الـCyber والإنسانيات الرقمية): ترك النتيجة في الحالتين لكنها واضحة: التجربة الغربية ناجحة والشرقية عكسها. عندنا مقولة تقول (التقنية في خدمة التخلف). وفضّل الاستقراء (induction) [الانتقال صعودا من التفصيل إلى القانون] وليس الاستنتاج (deduction) [الانتقال نزولا من القانون إلى التفصيل].

                وفي قصده نجد عدة مفردات مهمة: (إشكالات)، (الواقع ذاته) هذا الواقع ذاته، يبدو أنه ليس (ذاته) بل "كما" (نعاينه في عالم التجربة اليوميه). "كما" تؤكد التشبيه وليس عالم التجربة، باختصار، لا أحد يعاين عالم التجربه مالم يكن المعاين نفسه. وحتى هنا لا يرى من عالم التجربة الذي يعاينه غير السطح. أما الواقع فمعقد ومتشعب، بل هو ما وصفه الأستاذ لشهب بقوله: (ذلك أن الحديث عن الإنسان هو حديث عن كل شيء ، عن الحياة والتاريخ والحضارة والمعرفة والحلم والطبيعة والتربية والحب والعنف والتقنية والهوية والاغتراب والتواصل والإبداع والفن ووووو). هل يكفي أن نقدم مفردة منهجية/مقاربة لتقييد سعة الموضوع؟ ثم من يستطيع أن يعرف "الواقع ذاته"؟ أمثلة الـ
                Cyber والرقميات تظل أمثلة ينقصها الكثير لكنها لا يمكن أن تكون واقعا مجربا.ما حاول الأستاذ شهيد نقله طموح عزيز، بل إنه هو نفسه يجيب سؤال "إلى أين نتجه"؟ بقوله "إننا بصدد تحديد منهاجية لدراسة الفوضى" 51#

                فعلا، كان هاجسي، بالمقارنة، متواضعا جدا: إمكانية ترحمة مفردة أو مفهوم وما يقتضيه من انزياحات. الأستاذ شهيد يحاول أن يترجم --(والترجمة وسيلة مواصلات)— واقعا مقطيعا ثلاثي الأبعاد (
                cross-sectional) من تجربة يومية. عدت إلى مفردة ترجمة (translatio) فوجدتها تعني في الأصل (نقل رفاة قديس أو آثاره المهمة من مكان إلى مكان) وأن التشبيه (metaphor) تعني أيضا (النقل من مكان إلى مكان والحمل بما فيه حمل الأنثى بمولود). الدراسات القروسطية تتحدث كثيرا عن مفهوم الترجمة بهذا المعنى خاصة مفهوم نقل السلطة/الحكم وتوارثها (translatio imperii).
                فماذا تعني المنهجية حين نقول:
                تقديم منهجية [...] ننطلق فيها من الواقع ذاته تماما كما نعاينه في عالم التجربة اليومية يقودنا في التحليل التساؤلُ الآتي: هل يؤخذ - أو لا يؤخذ - بعين الاعتبار البعد الإنساني بشكل برغماتي واقعي عندما تقرر بعض مجتمعاتنا العربية مثلا أن تخوض تجربة (مقارنة مع ما نعرفه عن بعض التجارب المماثلة في بعض دول الغرب).

                الآن: حين تنقل مشهدا ثلاثي الأبعاد من الحياة اليومية، بما لمفردات النقل من ايحاءات، ستجد أن ما من منهجية تضبط إيقاعه وأبعاده. وهذا أمر واقعي حتى لو نقلت من داخل الثقافة نفسها إلا إذا كانت الثقافة منقرضة واللغة ميتة. أظن أنه طرح عاشق متيم، على رأي كيركيغارد


                هذا أفضل ما جاد به "ذهن" مشوش أصلا فما بالك والموضوع نفسه معقد.

                وتقبل الله تعالى منكما ومن المسلمين صيامهم وقيامهم

                تعليق

                • حسن لشهب
                  أديب وكاتب
                  • 10-08-2014
                  • 654

                  #53
                  Comme le dit le savant Ĺ
                  Buchner :

                  “L’excès de pauvreté et l’excès de richesse, l’excès de force et l’excès d’impuissance, l’excès de bonheur et l’excès de misère, l’excès de superflu et l’excès du dénuement, une fabuleuse science et une ignorance fabuleuse, le travail le plus pénible et la jouissance sans effort, tous les genres de beauté et de splendeur et la plus profonde dégradation de l’existence et de l’être, ce sont là les traits qui caractérisent notre société actuelle qui, par la grandeur de ses contrastes, surpasse les pires époques d’oppression politique et d’esclavage.”

                  أثارني مضمون هذا القول ومنه أتابع ما بدأناه في حديثنا السابق.وطبعا لأوضح بأن لا تحامل عندي على أوطاننا ا كما ليس لدي نية لتبخيس قيمته والحط من قدره .
                  تعني الفوضى في اللغة العربية غياب النظام والاختلال في أداء الوظائف ….
                  وبالفرنسية anarchie
                  composé de an: absence de, et arkhê, chef , pouvoir,
                  Ainsi l’anarchie signifie l'état , la situation d’une société où il n’existe pas de chef,
                  يبدو لي أن اللفظ العربي أقرب إلى توصيف الحالة التي نعيشها ، هناك اختلال في سير مجتمعاتنا و غياب للنظام في العمل والمسؤوليات رغم وجود القيادة….
                  ومرد ذلك في تصوري إلى عدة عوامل أبرزها :
                  فشل النموذج التنموي الذي تمت صياغته على منوال الدول المتقدمة ضمن ما سماه سمير أمين بدول المركز ودول المحيط . الأولى استنزفت خيرات الثانية إبان مرحلة الاستعمار والثانية انخرطت في معارك للتحرر ولم تنل استقلالها إلا مقابل تنازلات وتعويضات مالية يعتقد أن منها ما زالت تقتطع من ميزانيات هذه الدول إلى اليوم .
                  لم يكن نيل الاستقلال إذن رخيصا وسهلا بحكم أن أنظمة هذه الدول لم تنجح في خلق نماذج تنموية نابعة من خصوصية بلدانها، وإنما كانت في معظمها مستنسخة من الدول التي استعمرتها سابقا ، ولذلك سميت بدول المحيط وهي عبارة عن كويكبات تدور في فلك كوكب أكبر هو دولة الاستعمار في الماضي.
                  بالنسبة لسائر القطاعات كل شيء يعمل على منوال المستعمر وكل إصلاح يستمد منه ويجب أن يحاكيه الخ.
                  عامل آخر له أهميته في تفسير الفوضى السائدة يتمثل في ضعف القيادات المسيرة لهذه البلدان، وأنت تعلم أن اختيار القادة محكوم باعتبارات داخلية وخارجية ، مما يفسر ضعف النسيج الديمقراطي الذي يبقى مجرد تلوينات سياسية غايتها إرضاء الدول المهيمنة على النظام العالمي الجديد.
                  وفي هذا الاتجاه أيضا تلعب الصراعات الجيوستراتيجية، ومخلفات الحدود التي خلفها الاستعمار أوراقا تلعب بها الدول لإشعال فتيل الحروب، وتنشيط صناعتها الحربية ، والتدخل في شؤون الدول الضعيفة في إطار عملية تشمل كل المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاعلامية وهلم جرا ..
                  نحن يا صديقي دمى تحركها أياد أقوى منا ، وكلما ظهرت محاولات للانعتاق نزلت المطرقة الغليظة على الرؤوس، في إطار حرب تأديبية تنتهك فيها كل القوانين والأعراف.تذكر معي حرب العراق وأفغانستان … وهناك من يعتبر أن خيوط الحراك العربي متحكم فيها من مراكز قيادة في أمريكا وأوروبا وإسرائيل.
                  لست بصدد الحديث عن نظرية المؤامرة ، بل عن لعبة المصالح المخطط لها ضمن ما سمي بالفوضى الخلاقة من طرف العناصر المتنمرة و الطاغية في العالم ، و لا مراء في أن من حاول التقرب منها حماية لنفسه يكون مهددا بتهمة الخيانة. فهل الفوضى المستشرية هي أسمى تعبير عن النظام
                  L'anarchie est la plus haute expression de l'ordre.
                  نظام (بمعنى السلطة والقوة )عالمي يملي علينا كل شيء بصلف وعنجهية .
                  فأين شبابنا السعيد بامتلاك هاتف نقال يحقق له أشياء لم يكن يحلم بها ولو في الوهم، أهمها الاعتقاد الراسخ بتغيير الأنظمة عبر الفيسبوك ، الحصول على صديقة ، ربح المال بأقل مجهود ولو بنشر التفاهات وتحويل نفسه إلى مهزلة يضحك عليها الجميع، النجاح في الامتحان ، تحقيق بطولة بالانتصار في لعب إلكترونية معقدة ومشبوهة أحيانا ووووو
                  هو شباب لم يعد مهتما بالعمل والأبداع والإنتاج بل بالخداع والربح السهل والغش …
                  هوذا ما يفسر ظاهرة أسميها تنمية السطحية و الضحالة
                  le developpement de la platitude.
                  أومن فعلا بأن بعد العسر يسر ، وأن عبقرية الإنسان بلا حدود شريطة الصبر والتكيف مع حركة الموج .خصوصا وأن اللوحة السوداوية بها مناطق ضوء ، يمثلها أولئك الذين درسوا بجد وحصلو على أعلى الشهادات أغلبها بالخارج ، لكن إغراءات الغرب وغياب جاذبية العمل ببلدانهم ترمي بهم هناك ويستفيد من خبراتهم وذكائهم الآخرون ، عسى أن يغلبهم الحنين للعودة وبناء مستقبل أوطانهم.
                  ولكن ، أليس من الأفضل التفكير مليا في أفضل وأنسب نموذج تنموي لمجتمعنا؟ هل من الضروري أن ننخرط في عملية محفوفة بالمخاطر ؟ وهل اعتماد تكنولوجيا الإنتاج أفضل من الإنسان ؟ و لا أعني بذلك الرفض المطلق للتكنولوجيا بل أفضلها في مرتبة ثانية بعد الإنسان، خصوصا وأن أكبر كنز لدينا هو شبابنا على عكس الغرب الذي يعاني من نقص حاد في الساكنة النشيطة .ويبقى الأمل في عودة الوعي لفئة منقادة دون وعي وراء الانتصارات الوهمية التي يوفرها عالم النت المتسارع كأنها شرنقة للإيقاع بالأفراد وإبعادهم عن واقعهم سيما وأن الاقتصاد الرقمي المتوحش المتلهف للربح ، لا ولن يتورع عن الإيقاع بهم بكل الأساليب.
                  وفي المحصلة أعتقد يا صديقي أن التربية هي السر الذي يجب استغلاله والتفكير فيه بهدوء وذكاء.
                  وللحديث بقية طبعا.
                  تحياتي إليك ولصديقنا المحترم أبو فهد.

                  تعليق

                  • حسن لشهب
                    أديب وكاتب
                    • 10-08-2014
                    • 654

                    #54
                    ملحوظة :
                    نشرت مداخلتي دون الاطلاع على مداخلة الأستاذ الهويمل الذي أثار عدة أمور جديرة بالاهتمام والانتباه .
                    عسى أن نستفيد منها في سياق النقاش المتواصل بإذن الله.
                    شكرا لك أستاذي أبو فهد .لك وللعزيز شهيد أغلى تحية .

                    تعليق

                    • الهويمل أبو فهد
                      مستشار أدبي
                      • 22-07-2011
                      • 1475

                      #55
                      المشاركة الأصلية بواسطة حسن لشهب مشاهدة المشاركة
                      ملحوظة :
                      نشرت مداخلتي دون الاطلاع على مداخلة الأستاذ الهويمل الذي أثار عدة أمور جديرة بالاهتمام والانتباه .
                      عسى أن نستفيد منها في سياق النقاش المتواصل بإذن الله.
                      شكرا لك أستاذي أبو فهد .لك وللعزيز شهيد أغلى تحية .
                      أهلا ومرحبا بالاستاذ لشهب
                      لا عليك من مشاركتي، استمتعت بقراءة توصيفك القضيه العربية واتفق كثيرا مع ما جاء فيها
                      هناك مفردة دخلت المعجم الإنجليزي حديثا هي (glocalization) مركبة من (global) و (local) (العالمي و المحلي). ابتُدِعَت في عالم التجارة لتعمل المؤسسات محليا بتطلعات عالمية خاصة حين تعمل شركة في بلد غير بلدها الأصل. إن كان ثمة علاقة بين طرحي ورؤيتك الشاملة فهي علاقة المحلي بالعالمي.
                      تحياتي

                      تعليق

                      • حسن لشهب
                        أديب وكاتب
                        • 10-08-2014
                        • 654

                        #56
                        مؤكد أستاذي العزيز أن غول العولمة mondialisation و globalisation.صار كالحوت الضخم يبتلع كل ما في طريقه بلا اختيار ، صحيح أنه وجد أولا في عالم التجارة لكن ما تسحبه العولمة معها لا ينحصر في التجارة والاقتصاد بل يشمل الثقافة والقيم والفن...إنه أسلوب حياة بأكملها يهدد الثقافة المحلية وخصوصيات الشعوب بالزوال .ولعل نظرة فاحصة لما يجري عندنا خير مثال على ما نقول حينما نشاهد ما طرأ في حياتنا من تحولات في الأكل واللباس والفنون والقيم والعلاقات بين الأفراد والجماعات وهلم جرا.
                        ألا تحضر إلى أذهاننا حياة الماضي وأخلاق الماضي وفن الماضي ...بكثير من الحنين ؟
                        إنها الضحالة والتبسيط والجاهز وقتل العقل والإبداع والرغبة في العمل والانتاج طالما كل شيء جاهز للاستهلاك مثل الهمبرغر واللباس والفن وحتى التمارين الدراسية
                        و وصفات الطبخ وكل شيء .
                        وتلك هي المشكلة ، خاصة وأننا مجتمعات في طور النمو وبحاجة للعمل والاجتهاد.
                        تحياتي للصديقين العزيزين.
                        التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 23-05-2019, 17:03.

                        تعليق

                        • محمد شهيد
                          أديب وكاتب
                          • 24-01-2015
                          • 4295

                          #57
                          مساء الخير صديقاي العزيزين، أبوفهد و حسن:
                          قرأت بعناية مداخلاتكما الأخيرة و سأرد لاحقاً على بعض ما ورد فيها من محاور بالغة الأهمية.
                          بعجالة، في انتظار العودة إليكما، أود أن أذكر نموذجا "واقعيا" و حديثا أراه صالحاً للاستشهاد في إشكالية الإنسان وعلاقته بالتطور التقني "كما" وردت في مداخلاتنا السابقة و "كما" نقترح تداولها منهجيا ونحن نخوض تجربة (المخاض/gestation) الفكري هاته.

                          النموذج قادم إلينا من الصين الشعبية.
                          مرت اليوم بضعة أشهر على انطلاق مشروع اجتماعي ضخم يطلق عليه الصينيون اسم العهد الجديد لنظام"الإئتمان الاجتماعي". يقوم النظام على أساس التقييم الاجتماعي للفرد و ذلك بتزويد كل شخص بالغ بما يسمونه "مؤشر الثقة" يصعد و يتردى ليس بحسب التعامل الفردي مع الديون وأداء الفواتير في وقتها كما هو متعارف عليه عندنا في شمال أمريكا؛ بل أقحمت السلطات الصينية عناصر أخرى في تقييم مؤشر الثقة للفرد و ذلك بترصد كل سلوكات المواطن داخل المجتمع من بينها: احترام قانون السير، احترام القانون، سجل السوابق العدلية، تناوله لبعض أنواع الأطعمة، تقصي كل حركاته و سكناته الخ...كيف يمكنهم جمع هذا الكم الضخم ضخامة Gargantua من المعلومات عن مئات الملايين من المكلَّفين والتي، بسبب تعقيدها، تفوق أعمال هرقل الشاقة الاثناعشر؟ لم يكن ليتسنى ذلك للنظام الشيوعي الحاكم لولا الاستعانة شبه الخرافية بالتقنيات الرقمية الجبارة بحيث تقوم السطات المعنية بتخزين كل المعلومات الصادرة من تصرفات الفرد المصرفية و سلوكاته الاجتماعية كلما استعمل هاتفه الذكي للدفع و التواصل و الشحن الخ...تخزن كل هذه المعلومات و يقوم الحاسوب بتحليلها فوريا (ما نسميه في لغة التحليل الذهني للمعلومات Data mining). النتيجة: يقوم الحاسوب بإصدار "نقطة" معينة [كما في الاختبار] تكون بمثابة مؤشر الثقة يستعين به كل البنوك و السلطات و مصلحات الخدمات كالتأمين و القرض و غيرها يجعلها تتعامل (أو ترفض التعامل) مع الفرد المعني بالأمر. و بما أن مسألة الخصوصية و جدلية العيش الكريم في تستر عن الأنظار لا يبدو جدلا مهما لدى السلطات الصينية، بلغني اليوم و أنا أحضر موضوع المداخلة أن النظام الصيني اخترع طريقة جديدة لإذلال المواطن المشاغب ذي المؤشر الأدنى: كل من لديه سمعة لا تليق، يتم تزويد هاتفه المحمول برنة خاصة تفضحه أمام الأشهاد، ومنه اقتبسوا تسميتها "رنة العار" (بفنية مدهشة لم تخطر حتى على بالGeorge Orwell أول من تنبأ بجبروت Big Brother في روايته الشهيرة 1984 الصادرة سنة 1949م).

                          سأترك لكما التعليق على ضوء إشكاليتنا ونحن نناقش نظريات السيبرنتيك المعقدة: "ما حظ الإنسان من التطور التكنولوجي المهول؟" و لما نتحدث عن "التقنية في خدمة الإنسان"، لنستحضر السؤال: "عن أي إنسان نتحدث؟"

                          سحوركما شهي؛ الإفطار اقترب عندي.

                          مودتي
                          م.ش.

                          تعليق

                          • الهويمل أبو فهد
                            مستشار أدبي
                            • 22-07-2011
                            • 1475

                            #58
                            المشاركة الأصلية بواسطة محمد شهيد مشاهدة المشاركة
                            مساء الخير صديقاي العزيزين، أبوفهد و حسن:
                            قرأت بعناية مداخلاتكما الأخيرة و سأرد لاحقاً على بعض ما ورد فيها من محاور بالغة الأهمية.
                            بعجالة، في انتظار العودة إليكما، أود أن أذكر نموذجا "واقعيا" و حديثا أراه صالحاً للاستشهاد في إشكالية الإنسان وعلاقته بالتطور التقني "كما" وردت في مداخلاتنا السابقة و "كما" نقترح تداولها منهجيا ونحن نخوض تجربة (المخاض/gestation) الفكري هاته.
                            [...]
                            سأترك لكما التعليق على ضوء إشكاليتنا ونحن نناقش نظريات السيبرنتيك المعقدة: "ما حظ الإنسان من التطور التكنولوجي المهول؟" و لما نتحدث عن "التقنية في خدمة الإنسان"، لنستحضر السؤال: "عن أي إنسان نتحدث؟"
                            مودتي
                            م.ش.

                            "ما حظ الإنسان من التطور التكنولوجي المهول؟" و لما نتحدث عن
                            "التقنية في خدمة الإنسان"، لنستحضر السؤال: "عن أي إنسان نتحدث؟"


                            ما حظ الإنسان؟ ألا تكفيه "الفنية المدهشة" لرنة (العار... رنعار... رنعار ... رنعار)، تأتيه عبر الأثير والأقمار الاصطناعية؟


                            صدق أورويل حين كتب: (إذا أردت أن تتصور المستقبل، تخيّل بساطارا يطأ وجها إنسانيا – إلى الأبد!

                            If you want a picture of the future, imagine a boot stamping on a human face—for ever
                            George Orwell, 1984

                            تعليق

                            • محمد شهيد
                              أديب وكاتب
                              • 24-01-2015
                              • 4295

                              #59
                              لرنة (العار... رنعار... رنعار ... رنعار)

                              onomatopoeia في الصميم كنتَ مبدعاً لالتقاطها بفنية معبرة. أحسنت.

                              صدق أورويل حين كتب: (إذا أردت أن تتصور المستقبل، تخيّل بساطارا يطأ وجها إنسانيا – إلى الأبد!

                              If you want a picture of the future, imagine a boot stamping on a human face—for ever
                              George Orwell, 1984

                              وفي هاته أيضا، اقتباس يصف بالأمس واقع حاضر المستقبل الأورويلي بامتياز.

                              من هنا يحضرني ما أورده صديقنا لشهب في معرض حديثه عن تعريف الفوضى anarchie حين استهل أحد مداخلاته بمقولة Buchner الذي ذكر أن التناقض التام سمة تطبع حالة العصر الحديث، و أن ما آلت إليه الأوضاع جراء هذا التناقض الجذري، لم يعرف لها الإنسان مثيلا حتى أثناء حقبة الهمجية و زمن الاستعباد. أليس حقيقة اليوم أن الصين تستعد لإرسال مركبة فضائية لاكتشاف الوجه الآخر للقمر ستكون بذلك أول دولة في التاريخ تحقق هذا الإنجاز العلمي/الحضاري (الاستبدادي؟) المذهل؟ و في نفس الوقت، و على أرض الواقع، نرى ماذا سيؤول إليه الإنسان الصيني الذي من المنتظر أن يكون المستفيد الأول و الأخير من الذكاء العلمي لنخبته و التطور التقني لدولته (علما أنه هذا الذكاء و ذاك التطور إنما هما إنتاج محلي و غير مستورد من بيئة خارجية جاهز للاستهلاك في الداخل).

                              فكما نلاحظ، صديقاي، أنه مهما دارت أفلاك النقاش، سيكون الإنسان، تحديدا، مركز الاهتمام و ذلك بحدوث أحد الأمرين: إما أننا نلاحظ بأن الإنسان هو ذاك العقل المبدع الذي باجتهاده و عرق جبينه من أوجد تلك التقنيات المستحدثة باستمرار و أنها بكل بساطة لم تنزل عليه من السماء جاهزة للاستعمال؛ بل وظف عقله و سخر قصارى جهده للسعي وراء الابتكار حرصا منه (بحسن نية) على تحقيق السعادة للبشر. لكن سرعان ما ينقلب السحر على الساحر، فنرى، كما ورد في مداخلاتنا جميعا، كيف يصبح الإنسان نفسه ضحية لنظام شرس من تدبير عقله و من صنع يديه. ألا يمكننا هذا من تصوير الإنسان على شكل (سيربيروس/ kerberos) ذلك الحيوان الميثولوجي ثلاثي الرؤوس و جسد واحد، حارس أبواب الجحيم و رمز ثلاثي الأبعاد: الماضي الحاضر المستقبل؛ تصديقا لما ورد في مداخلاتكما : الإنسان هو الماضي الحاضر و المستقبل (لشهب) و دراسته تتطلب منهاجية ثلاثية الأبعاد (أبو فهد).

                              نواصل

                              جمعة مباركة
                              م.ش.
                              التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 24-05-2019, 12:38.

                              تعليق

                              • محمد شهيد
                                أديب وكاتب
                                • 24-01-2015
                                • 4295

                                #60
                                المشاركة الأصلية بواسطة حسن لشهب مشاهدة المشاركة
                                أخي شهيد
                                "لا أعلم إلى أين تمضي بنا خطوات الطريق"!!!
                                دعنا نتابع السير ولو كان آخره غير واضح ولا يسعد زعماء نظرية الأهداف طبعا.
                                المهم ، لا أعلم لم حضر إلى ذهني هربرت ماركوز H.Marcuse صاحب الكتاب الشهير الإنسان ذو البعد الواحد l'homme unidimensionnel.
                                فعن طريق ما يخلقه المجتمع الصناعي الاستهلاكي من حاجيات وهمية faux besoins و بتواطؤ مع وسائل الإعلام والاستهلاك يصبح لدينا إنسان محكوم بالاستهلاك وتحقيق اللذة أي له بعد واحد ويفتقر للروح النقدية والرافضة لسلطة نظام الانتاج والاستهلاك.
                                ألا يمكن أن نعتبر إنساننا ضحية للتجربة الرقمية والتكنولوجية بشكل من الأشكال ، فلم نعد نجد أمامنا إلشباب المجد المستمتع بتجاوز الصعوبات ومقاومة العوائق ، بل نحن أمام شباب يهمه الوصول إلى أي شيء بلا جهد أو تضحية .
                                أعلم يقينا أن أكبر مساويء التقنية هي التربية على الكسل بحيث تتكلف الآلة بعمل كل شيء عوض الإنسان.
                                وإذا كانت الخطورة أقل في الغرب بحكم أنها ضبطت سلسلتها الاقتصادية على مستوى الإنتاج والتسويق والاستهلاك ، فالخطر عندنا هو غياب الإنتاج من البداية والاكتفاء باستهلاك ما ينتجه الآخرون وبتواطؤ من الإعلام والإشهار وعلى هذا الأساس فإنساننا له بعد واحد هو المتعة والكسل ومحاولة النجاح بلا جهد يذكر.
                                الفرق يكمن في أن الأول يريد الهروب من سلطة دورة الانتاج والاستهلاك أما عندنا فهو غارق في المتعة والكسل والاستهلاك.
                                دعنا نختم بقول ماركوز نفسه في خاتمة كتابه

                                (C'est seulement à cause de ceux qui sont sans espoir que l'espoir nous est donné).
                                فهل يحق لنا أن نأمل من هؤلاء الميؤوس من حالهم؟
                                تلك هي المشكلة!
                                لمواصلة النقاش، أحيل صديقي لشهب على هذا الرابط للحوار الذي يتطرق معي من خلاله العزيز أبوفهد و الغائب لعوطار لأطروحات ماركيوز التي أشرت إليها.

                                https://www.google.com/culturalinstitute/beta/asset/three-philosophers/BgHUbgqFqIwtjA?hl=fr&ms=%7B%22x%22%3A0.5%2C%22y%22%3A0.5%2C%22z%22%3A8.576932022607705%2C%22size%22%3A%7B%22width%22%3A2.0728595890410957%2C%22height%22%3A1.2375%7D%7D ملحوظة: لمن لم يتابع معنا بداية رحلتنا في فك لغز لوحة "الفلاسفة الثالثة"/

                                تعليق

                                يعمل...
                                X