[align=CENTER][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=right]
"..وأنا في الوقت ذاته مع حريّة الكلمة وقد خضت حروباً أكبر وأطول من هذه دفاعاً عن نصوص حاول البعض تكفير أصحابها .. لأنها كانت تستحق الدفاع وليس لأي بعد إقليمي أو مناطقي أو إثني أو طائفي أو جنسوي ..."
أمام هذه الفقرة المقتبسة من "كلام" (!) الأستاذ يوسف الديك ، لا يملك الإنسان إلاّ أن يُحيّي هذه الرّوح "الجهادية" غير المُتحيّزة (ظاهريّا) ، فهي مرّة تُجاهد لـ "تكفّر" و مرّة تجاهد لتردّ "الكفر".
من يقع في هذه المنطقة الرّمادية ، لا يُحسد على ورطته في قائمة من المسئوليّات لا ضير في الإشارة لبعضها:
- أين الحدّ الفاصل بين نوعي "الجهاد" ؟ بمعنى متى تهجم نحو اليّمين و متى تهجم نحو اليسار؟؟
- ما هي الأسس التي تحكم وفقها (شخصياً حضرتك كـ "يوسف الدّيك" لا سواه أن هذا النّص يستحق و هذا النّص لا يستحق الدّفاع عنه ؟ هذا النّص تجاوز و جدّف على الذات الإلهية و هذا النّص لم يفعل؟ هذا النّص شيطانيّ شرير و هذا النّص خيّر طيّب؟
- إن لم تحدّد الأسس بدقة وفق معايير ثقافية - اجتماعية - دينية ، تُطبّق على الجميع و على كلّ النّصوص كجزء لا يتجزّأ من نظام قيمي عام تسير وفقه و على هداه مجمل الحركة الفكرية و الأدبية و الإبداعية و النقدية و السلوكية أيضا ، تصبح أسسك و معاييرك لوحدك ، تخصّ شخصك و لا تخصّ أحدا غيرك . فهل مثل هذا موجود بين أيدينا ؟ هل نجحنا فعلا ثقافيّا و فكريّا و دينيّا و إجتماعيّا و اقتصاديا و سياسيا أن نضع مثل هذا النّظام القيمي؟؟ لا أعتقد ..
لا أحد يقول لي بأن الحكم وفق مابين أيدينا من تعاليم ديننا .. فهذه بين أيدينا و ليست بين أيدينا ، بمعنى هي بين أيدينا نعم ، و لكن كم نعرف عنها ؟ و هل اتفقنا جميعا (جميعا) على تفسيرٍ أو فهم واحد لها؟؟
في هذه الحالة سيكون الأستاذ يوسف الديك قد حكم و فق حسّ ديني ، و ليس وفق علم و لا منظومة قيمية شاملة ، نملكها جميعا ، بل حسّ تكوّن من الطفولة فينا و بناء على ما تعلّمناه في الصفوف الإبتدائيّة و المتوسطة. هذا يقودنا للنّقطة التّالية.
- إذن هي غيرة عاطفية مبنيّة على ما ظنّ بصحّته الأستاذ يوسف شخصيّا ، وفق حسّه الديني (الشّريف الصادق و هذا لا يتعارض) ، ظنّه تجديف على الذّات الإلهية ، فتحرّكَت هذه العاطفة الصادقة و الشريفة ، و جعلته يُعلن الجهاد نحو اليمين لـ "تكفير" النّص ، حتى لا أقول الشاعر فهذه أكبر بكثير.
- لو تعمقنا بالنّظر لوجدنا أن هذا الحسّ هو نفسه بالجوهر الذي يجعلنا نثور لمنظر جنديّ أمريكيّ يرفص الباب على عائلة عراقيّة فترى الرّعب بعيون الأطفال ، أو ترى جنديّا اسرائيليّا يقتل بدم بارد محمد الدرّة ، و هو نفس العمق الصادق و الشريف الذي يهيّجنا حين نسمع خطابا حماسيّا جماهيريّا لأحد الزّعماء المحبوبين ، و هو نفسه الذي يجعلنا أحيانا نتأثّر أو نبكي بعاطفة جيّاشة و صادقة و شريفة ، عندما نرى شيخا يقرأ القرآن ، يفسّر و يبكي فيبكينا..و قد عبّر عنه أستاذنا الكريم يوسف الديك بهذا الإقتباس من "كلامه" : [COLOR=#0066FF]" أن القضايا المصيرية " وطنياً " وأخلاقياً " " ودينياً " لا يمكن المجاملة والمهادنة عليها "
رغم اللّبس الفكري الذي يصل حدّ السذاجة في هذه الجملة ، إلا أنّني سأقبلها بالإطار الذي بيّنته ، كتوضيح لما حرّك أستاذنا و هو ، و أعيد و أكرّر ، شريف و صادق.
- لو فعل كلّ واحد فينا ما فعله الأستاذ يوسف الدّيك ( و هذا فعلا ما نفعله و على جميع المستويات و من المحيط إلى الخليج) لحلّت الفوضى . لماذا؟ لأن كلّ منّا يُحاكم الآخر و يحكم عليه و ينفّذ ، وفق مشاعر عمومية جيّاشة صادقة و شريفة ، فيظن أنها لمجرّد كونها صادقة و شريفة ، تعطيه الحق في إعلان الجهاد لـ "تكفير" الآخر أو لـ "ردّ التكفير" عنه ، لـ "تخوين " الآخر أو لردّ " التخوين" عنه ، لـ "تسفيه" الآخر أو لردّ "التتسفيه" عنه و بالتّالي النتيجة قضم ... نعم قضم .. جزء من الآخر. من المحيط إلى الخليج ماذا نرى غير هذه الفوضى و هذه الحرب الدّروس ، و هذا القضم و الكلّ صادق و شريف و الكلّ مفعمُ بعواطف جيّاشة و صادقة و حقيقيّة.
- ماذا تبقى من حريّة الآخر (حسب الإقتباس من "كلام" الاستاذ يوسف الدّيك في رأس مداخلتي) إذ هي على مدار الساعة عرضة لعاطفة أي أحد جياشة و شريفة و صادقة ظن أنّها امتدت للمحرّمات (من أي نوع ، وطنية - دينية -اخلاقية - حسب تصنيف الكاتب). لا يبقى شيء سوى العنوان ، لأنّ أي أحد له الحقّ بزجرها وفق مايظنّ و وفق عواطفه و مفاهيمه. هذا لا يعني أن لا يكون هناك ضوابط للحريّة . بل على العكس نريد لها ضوابط وفق نظام قيمي شامل يشمل الجميع و يشمل كلّ قضايانا.
- أليست هذه هي عقلية الوصاية و الوعظ ؟ أليست هذه ممارسات الأبويّة و البطرياركية فينا؟ .... بناء على مشاعري الصادقة الشّريفة ، و على ما أظنّ أنا .. أنا نفسي ، و على رؤيتي أنا ، أنّه خروج على الوطن - الدّين - الأخلاق (حسب تصنيف الكاتب) أُعطي نفسي الحقّ بإعلان "الجهاد" يمينا و يسارا، و أقضم الآخر .. لماذا هذه النّزعة لتقمّص الوصاية على الآخر ، للبس ثوب الموعظة و ثوب المجاهد الذي يذود عن الدّيار ؟؟!!
ما يجعلني فعلا أذهب بهذا الإتّجاه أكثر حين أرى كلام الأستاذ يوسف الدّيك قد تحوّل إلى سيلٍ من الاتّهامات ... انتبهوا.. "بالحداثة و التّحديث و التّنوير...!!"
ما علاقة هذه القصيدة النثرية و دراستها النّقدية بهذه الاتّهامات التي أصبحت محورا أساسيّا في ما كتب؟؟
في الستينات و السبعينات ، غرقنا حتى الأذنين بخطاب التهييج ضدّ الإمبريالية و الاستعمار... حتى أصبح فينا الواحد إن اختلف مع زوجته ، خرج للشارع يشتم الإمبريالية و الاستعمار . و ها نحن بعد كلّ هذه التّجارب النضالية و التخمة بالهزائم ، نتحوّل إلى خطاب تهييجي آخر ، فبدلا من الاستعمار و الإمبريالية ، لعنة الحداثة و التحديث و التّغريب و الاستعمار الجديد....الخ هذا كلّ ما تعلمناه من هزائم و نكبات قرن كامل من الزّمن ، تعلّمنا كيف نهتدي "لمرجمة" جديدة ، نحن تاريخ من البحث عن "مراجم" ، أشياء ، أماكن أشخاص نرجمها .. نرجمها و فقط و هكذا نكون قد قمنا بواجبنا الأخلاقي و الديني و الوطني حسب تصنيف الكاتب.لذلك اوطاننا منتهكة ، و أخلاقنا منتهكة و ديننا منتهك بل كل قيمنا و وجهنا الحضاري ينتهك كلّ ثانية أمام أعيننا .. ماذا نفعل ؟؟ نرجمهم ثم نخلد للنوم مرتاحي الضمير ، فقد قمنا بواجبنا.. فتسقط الإمبريالية .. ولتسقط الحداثة.. اليست هذه هي الصورة منذ مائة سنة؟؟
- الحركة المبنيّة على العاطفة الجياشة المؤمنة ايمانا مطلقا بشرفها و صدقها (وهي كذلك) ، تنتقل لتصبغ الخطاب بنفس اللّون العاطفي ، فتصبح عواطف و قلوب الآخرين هي الهدف ، أي يصبح تجييش الآخرين عاطفيّا ليصطفوا معها هو الهدف..لماذا ؟؟ ليلعنوا معه الإمبريالية .. أو الحداثة .. أو بوترعة (في هذه الحالة سيّان فالميكانيزم واحد)
الذي يتابع جميع الحوارات في هذا الملتقى ، و في معظم المواقع على النّت ، يلاحظ أن هذا الفعل الذي قام به الأستاذ يوسف ، مثل غيره من الأفعال الحساسة عاطفيا (وطني - أخلاقي - ديني حسب تصنيفه) يفهم بالفراسة العاطفية على أنّه تجييش و تهييج ، فترى جوقة ليست قليلة العدد ، تدخل السّاحة و لا تُضيف أي فكرة على الإطلاق ، و إنّما تقرع الطبول و تثخن الطرف الآخر بالسباب و الشتائم و السخرية ، فيطمئنّ الكاتب لجمهوره !! المتابع أحيانا يرى بأم عينه كيف أن قسما من هذه الجوقات لا يعرفون أصلا تفاصيل الموضوع ، و إنما تبدأ الحركة بالأنتقال لهم من خلال العنوان.
هكذا هي كلّ حواراتنا واحد يهيّج و جوقة تقرع الطبول فيضيع كلّ شيء.
استاذي الطيّب يوسف الديك ، بكل أسف أخبرك بأنّني لم أقرأ هنا نقدا أدبيّا ، و لم أتلمس و لو قاعدة واحدة من المتعارف عليه في النقد الأدبي و بالذات الشعر، و إنّما هو خطاب ديني محض ، تهييجي ، بني على حسّ عاطفيّ شريف و صادق ، شمل النّص و الشاعر و الحداثة و التنوير و الاستعمار الجديد و التغريب و الغزو الثقافي و الاستعمار و الامبريالية ... الخ حتى لو لم يُذكر بعضها فالذهنيّة واحدة.
ملاحظة أخيرة لو تكرّمت ، لو كان ما اقتبسته في رأس مداخلتي كنتَ تعنيه فعلا و تلتزم به فعلا ، فهلاّ أخبرتنا كيف تتعامل مع :
عشرات التعابير التي تعجّ بها قصائدمحمود درويش ( أعني ما أقول عشرات ) من هذا الصنف : "عين الله نائمة" أو "صاعدين خفافا على سلَّم الله" ...الخ على هُدى نفس المنطق الذي عالجت به قصيدة بوترعة أسألك: هل لله عين تنام ؟؟ هل لله سلّم نصعد عليه؟
أو ماذا فعلت تجاه سميح القاسم الذي لا تكاد تخلو قصيدة له بما هو أعظم و أكثر مباشرة من بوترعة ، ففي أحدها يخاطب الانبياء و الله على الهاتف .
ماذا فعلت أمام سليم بركات و هو يغني "لأنثى الله و أنثى النّار" .
ماذا قلت لمظفّر النّواب ، لأدونيس ماذا فعلت لنزار قباني .. و القائمة طويلة ، لذلك أميل إلى مصارحتك بأن ما قلته في جملتك عن حروبك التي خضتها (!) ، هي فقط لتزيد من القوّة الظاهرية لمبرّرات هجومك على نصّ بوترعة.. و فقط
"الكلام" الذي قرأته لحضرتك هنا صلته بالشعر ضعيفة ، تغيب عنه الرؤية الفنّية الشعرية ، فالقصيدة و حتى التّعبير الواحد داخل القصيدة ، يشبه إلى حدّ كبير عملا فنيّا تشكيليّا ، لا يمكنك محاكمة الألوان على لونها ، بل عليك أن تمتطيها إلى ما بعد اللّون.. لكّن يبدو أن حضرتك ما زلت تقف عند " قفا نَبْكِ " .. رغم عشقي الشديد لإمرئ القيس.
تحياتي
حكيم
[/align][/color][/cell][/table1][/align]
"..وأنا في الوقت ذاته مع حريّة الكلمة وقد خضت حروباً أكبر وأطول من هذه دفاعاً عن نصوص حاول البعض تكفير أصحابها .. لأنها كانت تستحق الدفاع وليس لأي بعد إقليمي أو مناطقي أو إثني أو طائفي أو جنسوي ..."
أمام هذه الفقرة المقتبسة من "كلام" (!) الأستاذ يوسف الديك ، لا يملك الإنسان إلاّ أن يُحيّي هذه الرّوح "الجهادية" غير المُتحيّزة (ظاهريّا) ، فهي مرّة تُجاهد لـ "تكفّر" و مرّة تجاهد لتردّ "الكفر".
من يقع في هذه المنطقة الرّمادية ، لا يُحسد على ورطته في قائمة من المسئوليّات لا ضير في الإشارة لبعضها:
- أين الحدّ الفاصل بين نوعي "الجهاد" ؟ بمعنى متى تهجم نحو اليّمين و متى تهجم نحو اليسار؟؟
- ما هي الأسس التي تحكم وفقها (شخصياً حضرتك كـ "يوسف الدّيك" لا سواه أن هذا النّص يستحق و هذا النّص لا يستحق الدّفاع عنه ؟ هذا النّص تجاوز و جدّف على الذات الإلهية و هذا النّص لم يفعل؟ هذا النّص شيطانيّ شرير و هذا النّص خيّر طيّب؟
- إن لم تحدّد الأسس بدقة وفق معايير ثقافية - اجتماعية - دينية ، تُطبّق على الجميع و على كلّ النّصوص كجزء لا يتجزّأ من نظام قيمي عام تسير وفقه و على هداه مجمل الحركة الفكرية و الأدبية و الإبداعية و النقدية و السلوكية أيضا ، تصبح أسسك و معاييرك لوحدك ، تخصّ شخصك و لا تخصّ أحدا غيرك . فهل مثل هذا موجود بين أيدينا ؟ هل نجحنا فعلا ثقافيّا و فكريّا و دينيّا و إجتماعيّا و اقتصاديا و سياسيا أن نضع مثل هذا النّظام القيمي؟؟ لا أعتقد ..
لا أحد يقول لي بأن الحكم وفق مابين أيدينا من تعاليم ديننا .. فهذه بين أيدينا و ليست بين أيدينا ، بمعنى هي بين أيدينا نعم ، و لكن كم نعرف عنها ؟ و هل اتفقنا جميعا (جميعا) على تفسيرٍ أو فهم واحد لها؟؟
في هذه الحالة سيكون الأستاذ يوسف الديك قد حكم و فق حسّ ديني ، و ليس وفق علم و لا منظومة قيمية شاملة ، نملكها جميعا ، بل حسّ تكوّن من الطفولة فينا و بناء على ما تعلّمناه في الصفوف الإبتدائيّة و المتوسطة. هذا يقودنا للنّقطة التّالية.
- إذن هي غيرة عاطفية مبنيّة على ما ظنّ بصحّته الأستاذ يوسف شخصيّا ، وفق حسّه الديني (الشّريف الصادق و هذا لا يتعارض) ، ظنّه تجديف على الذّات الإلهية ، فتحرّكَت هذه العاطفة الصادقة و الشريفة ، و جعلته يُعلن الجهاد نحو اليمين لـ "تكفير" النّص ، حتى لا أقول الشاعر فهذه أكبر بكثير.
- لو تعمقنا بالنّظر لوجدنا أن هذا الحسّ هو نفسه بالجوهر الذي يجعلنا نثور لمنظر جنديّ أمريكيّ يرفص الباب على عائلة عراقيّة فترى الرّعب بعيون الأطفال ، أو ترى جنديّا اسرائيليّا يقتل بدم بارد محمد الدرّة ، و هو نفس العمق الصادق و الشريف الذي يهيّجنا حين نسمع خطابا حماسيّا جماهيريّا لأحد الزّعماء المحبوبين ، و هو نفسه الذي يجعلنا أحيانا نتأثّر أو نبكي بعاطفة جيّاشة و صادقة و شريفة ، عندما نرى شيخا يقرأ القرآن ، يفسّر و يبكي فيبكينا..و قد عبّر عنه أستاذنا الكريم يوسف الديك بهذا الإقتباس من "كلامه" : [COLOR=#0066FF]" أن القضايا المصيرية " وطنياً " وأخلاقياً " " ودينياً " لا يمكن المجاملة والمهادنة عليها "
رغم اللّبس الفكري الذي يصل حدّ السذاجة في هذه الجملة ، إلا أنّني سأقبلها بالإطار الذي بيّنته ، كتوضيح لما حرّك أستاذنا و هو ، و أعيد و أكرّر ، شريف و صادق.
- لو فعل كلّ واحد فينا ما فعله الأستاذ يوسف الدّيك ( و هذا فعلا ما نفعله و على جميع المستويات و من المحيط إلى الخليج) لحلّت الفوضى . لماذا؟ لأن كلّ منّا يُحاكم الآخر و يحكم عليه و ينفّذ ، وفق مشاعر عمومية جيّاشة صادقة و شريفة ، فيظن أنها لمجرّد كونها صادقة و شريفة ، تعطيه الحق في إعلان الجهاد لـ "تكفير" الآخر أو لـ "ردّ التكفير" عنه ، لـ "تخوين " الآخر أو لردّ " التخوين" عنه ، لـ "تسفيه" الآخر أو لردّ "التتسفيه" عنه و بالتّالي النتيجة قضم ... نعم قضم .. جزء من الآخر. من المحيط إلى الخليج ماذا نرى غير هذه الفوضى و هذه الحرب الدّروس ، و هذا القضم و الكلّ صادق و شريف و الكلّ مفعمُ بعواطف جيّاشة و صادقة و حقيقيّة.
- ماذا تبقى من حريّة الآخر (حسب الإقتباس من "كلام" الاستاذ يوسف الدّيك في رأس مداخلتي) إذ هي على مدار الساعة عرضة لعاطفة أي أحد جياشة و شريفة و صادقة ظن أنّها امتدت للمحرّمات (من أي نوع ، وطنية - دينية -اخلاقية - حسب تصنيف الكاتب). لا يبقى شيء سوى العنوان ، لأنّ أي أحد له الحقّ بزجرها وفق مايظنّ و وفق عواطفه و مفاهيمه. هذا لا يعني أن لا يكون هناك ضوابط للحريّة . بل على العكس نريد لها ضوابط وفق نظام قيمي شامل يشمل الجميع و يشمل كلّ قضايانا.
- أليست هذه هي عقلية الوصاية و الوعظ ؟ أليست هذه ممارسات الأبويّة و البطرياركية فينا؟ .... بناء على مشاعري الصادقة الشّريفة ، و على ما أظنّ أنا .. أنا نفسي ، و على رؤيتي أنا ، أنّه خروج على الوطن - الدّين - الأخلاق (حسب تصنيف الكاتب) أُعطي نفسي الحقّ بإعلان "الجهاد" يمينا و يسارا، و أقضم الآخر .. لماذا هذه النّزعة لتقمّص الوصاية على الآخر ، للبس ثوب الموعظة و ثوب المجاهد الذي يذود عن الدّيار ؟؟!!
ما يجعلني فعلا أذهب بهذا الإتّجاه أكثر حين أرى كلام الأستاذ يوسف الدّيك قد تحوّل إلى سيلٍ من الاتّهامات ... انتبهوا.. "بالحداثة و التّحديث و التّنوير...!!"
ما علاقة هذه القصيدة النثرية و دراستها النّقدية بهذه الاتّهامات التي أصبحت محورا أساسيّا في ما كتب؟؟
في الستينات و السبعينات ، غرقنا حتى الأذنين بخطاب التهييج ضدّ الإمبريالية و الاستعمار... حتى أصبح فينا الواحد إن اختلف مع زوجته ، خرج للشارع يشتم الإمبريالية و الاستعمار . و ها نحن بعد كلّ هذه التّجارب النضالية و التخمة بالهزائم ، نتحوّل إلى خطاب تهييجي آخر ، فبدلا من الاستعمار و الإمبريالية ، لعنة الحداثة و التحديث و التّغريب و الاستعمار الجديد....الخ هذا كلّ ما تعلمناه من هزائم و نكبات قرن كامل من الزّمن ، تعلّمنا كيف نهتدي "لمرجمة" جديدة ، نحن تاريخ من البحث عن "مراجم" ، أشياء ، أماكن أشخاص نرجمها .. نرجمها و فقط و هكذا نكون قد قمنا بواجبنا الأخلاقي و الديني و الوطني حسب تصنيف الكاتب.لذلك اوطاننا منتهكة ، و أخلاقنا منتهكة و ديننا منتهك بل كل قيمنا و وجهنا الحضاري ينتهك كلّ ثانية أمام أعيننا .. ماذا نفعل ؟؟ نرجمهم ثم نخلد للنوم مرتاحي الضمير ، فقد قمنا بواجبنا.. فتسقط الإمبريالية .. ولتسقط الحداثة.. اليست هذه هي الصورة منذ مائة سنة؟؟
- الحركة المبنيّة على العاطفة الجياشة المؤمنة ايمانا مطلقا بشرفها و صدقها (وهي كذلك) ، تنتقل لتصبغ الخطاب بنفس اللّون العاطفي ، فتصبح عواطف و قلوب الآخرين هي الهدف ، أي يصبح تجييش الآخرين عاطفيّا ليصطفوا معها هو الهدف..لماذا ؟؟ ليلعنوا معه الإمبريالية .. أو الحداثة .. أو بوترعة (في هذه الحالة سيّان فالميكانيزم واحد)
الذي يتابع جميع الحوارات في هذا الملتقى ، و في معظم المواقع على النّت ، يلاحظ أن هذا الفعل الذي قام به الأستاذ يوسف ، مثل غيره من الأفعال الحساسة عاطفيا (وطني - أخلاقي - ديني حسب تصنيفه) يفهم بالفراسة العاطفية على أنّه تجييش و تهييج ، فترى جوقة ليست قليلة العدد ، تدخل السّاحة و لا تُضيف أي فكرة على الإطلاق ، و إنّما تقرع الطبول و تثخن الطرف الآخر بالسباب و الشتائم و السخرية ، فيطمئنّ الكاتب لجمهوره !! المتابع أحيانا يرى بأم عينه كيف أن قسما من هذه الجوقات لا يعرفون أصلا تفاصيل الموضوع ، و إنما تبدأ الحركة بالأنتقال لهم من خلال العنوان.
هكذا هي كلّ حواراتنا واحد يهيّج و جوقة تقرع الطبول فيضيع كلّ شيء.
استاذي الطيّب يوسف الديك ، بكل أسف أخبرك بأنّني لم أقرأ هنا نقدا أدبيّا ، و لم أتلمس و لو قاعدة واحدة من المتعارف عليه في النقد الأدبي و بالذات الشعر، و إنّما هو خطاب ديني محض ، تهييجي ، بني على حسّ عاطفيّ شريف و صادق ، شمل النّص و الشاعر و الحداثة و التنوير و الاستعمار الجديد و التغريب و الغزو الثقافي و الاستعمار و الامبريالية ... الخ حتى لو لم يُذكر بعضها فالذهنيّة واحدة.
ملاحظة أخيرة لو تكرّمت ، لو كان ما اقتبسته في رأس مداخلتي كنتَ تعنيه فعلا و تلتزم به فعلا ، فهلاّ أخبرتنا كيف تتعامل مع :
عشرات التعابير التي تعجّ بها قصائدمحمود درويش ( أعني ما أقول عشرات ) من هذا الصنف : "عين الله نائمة" أو "صاعدين خفافا على سلَّم الله" ...الخ على هُدى نفس المنطق الذي عالجت به قصيدة بوترعة أسألك: هل لله عين تنام ؟؟ هل لله سلّم نصعد عليه؟
أو ماذا فعلت تجاه سميح القاسم الذي لا تكاد تخلو قصيدة له بما هو أعظم و أكثر مباشرة من بوترعة ، ففي أحدها يخاطب الانبياء و الله على الهاتف .
ماذا فعلت أمام سليم بركات و هو يغني "لأنثى الله و أنثى النّار" .
ماذا قلت لمظفّر النّواب ، لأدونيس ماذا فعلت لنزار قباني .. و القائمة طويلة ، لذلك أميل إلى مصارحتك بأن ما قلته في جملتك عن حروبك التي خضتها (!) ، هي فقط لتزيد من القوّة الظاهرية لمبرّرات هجومك على نصّ بوترعة.. و فقط
"الكلام" الذي قرأته لحضرتك هنا صلته بالشعر ضعيفة ، تغيب عنه الرؤية الفنّية الشعرية ، فالقصيدة و حتى التّعبير الواحد داخل القصيدة ، يشبه إلى حدّ كبير عملا فنيّا تشكيليّا ، لا يمكنك محاكمة الألوان على لونها ، بل عليك أن تمتطيها إلى ما بعد اللّون.. لكّن يبدو أن حضرتك ما زلت تقف عند " قفا نَبْكِ " .. رغم عشقي الشديد لإمرئ القيس.
تحياتي
حكيم
[/align][/color][/cell][/table1][/align]
تعليق