حزر فزر ( الموسوعة الروائية العالمية ) / بسمة الصيادي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بسمة الصيادي
    مشرفة ملتقى القصة
    • 09-02-2010
    • 3185

    #91
    المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
    الإجابة ليست ببعيدة أستاذة بسمة
    و هي للروائية الكبيرة اليزابيث الليندي
    أظنها كانت من رواية حظيرة البهائم أو مدينة البهائم
    كانت من أمتع ما قرأت في سحرية الواقع و غرائبية الأحداث
    هذا المشهد على وجه الخصوص أتعبني كثيرا
    و أقض مضجعي !

    فهل كانت فعلا كما تصورت أم شطح الراس مني و اشتعل بعدا ؟؟؟

    أهلا بك بسمة بعد غياب طويل قارب السنين
    نعم هي رائعة اليزابيث الليندي
    أصبت الهدف
    كنت أتمنى لو نكمل في الحزورة
    ويمكن لأي عضو أن يضع نص الحزورة
    شكرا ربيعنااا
    في انتظار ..هدية من السماء!!

    تعليق

    • عبدالرؤوف النويهى
      أديب وكاتب
      • 12-10-2007
      • 2218

      #92
      1)

      عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة ، سبعة أعوام على وجه التحديد ، كنت خلالها أتعلم في أوربا . تعلمت الكثير ، وغاب عني الكثير ، ولكن تلك قصة أخرى . المهم أنني عدت وبي شوق عظيم إلى أهلي في تلك القرية الصغيرة عند منحنى النيل . سبعة أعوام وأنا أحن إليهم وأحلم بهم ، ولما جئتهم كانت لحظة عجيبة أن وجدتني حقيقة قائماً بينهم ، فرحوا بي وضجوا حولي ، ولم يمض وقت طويل حتى أحسست كأن ثلجاً يذوب في دخيلتي ، فكأنني مقرور طلعت عليه الشمس . ذاك دفء الحياة في العشيرة ، فقدته زماناً في بلاد " تموت من البرد حيتانها " . تعودت أذناي أصواتهم ، وألفت عيناي أشكالهم من كثرة ما فكرت فيهم في الغيبة ، قام بيني وبينهم شيء مثل الضباب ، أول وهلة رأيتهم . لكن الضباب راح ، واستيقظت ثاني يوم وصولي ، في فراشي الذي أعرفه في الغرفة التي تشهد جدرانها على ترهات حياتي في طفولتها ومطلع شبابها وأرخيت أذني للريح . ذاك لعمري صوت أعرفه ، له في بلدنا وشوشة مرحة . صوت الريح وهي تمر بالنخل غيره وهي تمر بحقول القمح . وسمعت هديل القمري ، نظرت خلال النافذة إلى النخلة القائمة في فناء دارنا ، فعلمت أن الحياة لا تزال بخير ، أنظر إلى جذعها القوي المعتدل ، وإلى عروقها الضاربة في الأرض ، وإلى الجريد الأخضر المنهدل فوق هامتها فأحس بالطمأنينة . أحس أنني لست ريشة في مهب الريح ، ولكني مثل تلك النخلة ، مخلوق له أصل ، له جذور له هدف .
      وجاءت أمي تحمل الشاي . فرغ أبي من صلاته وأوراده فجاء . وجاءت أختي، وجاء أخواي ، وجلسنا نشرب الشاي ونتحدث ، شأننا منذ تفتحت عيناي على الحياة . نعم ، الحياة طيبة ، والدنيا كحالها لم تتغير .
      فجأة تذكرت وجها رأيته بين المستقبلين لم أعرفه . سألتهم عنه ، ووصفته لهم . رجل ربعة القامة ، في نحو الخمسين أو يزيد قليلا ، شعر رأسه كثيف مبيض ، ليست له لحية وشاربه أصغر قليلا من شوارب الرجال في البلد . رجل وسيم .
      وقال أبي : " هذا مصطفى "
      مصطفى من ؟ هل هو أحد المغتربين من أبناء البلد عاد ؟ وقال أبي أن مصطفى ليس من أهل البلد ، لكنه غريب جاء منذ خمسة أعوام ، أشترى مزرعة وبنى بيتاً وتزوج بنت محمود .. رجل في حاله ، لا يعلمون عنه الكثير .
      لا أعلم تماما ماذا أثار فضولي ، لكنني تذكرت أنه يوم وصولي كان صامتاً . كل أحد سألني وسألته .وسألوني عن أوربا . هل الناس مثلنا أم يختلفون عنا ؟ المعيشة غالية أم رخيصة ؟ ماذا يفعل الناس في الشتاء ؟ يقولون أن النساء سافرات يرقصن علانية مع الرجال . وسألني ود الريس : "هل صحيح أنهم لا يتزوجون ولكن الرجل منهم يعيش مع المرأة بالحرام ؟ "
      أسئلة كثيرة رددت عليها حسب علمي . دهشوا حين قلت لهم أن الأوربيين ، إذا استثنينا فوراق ضئيلة ، مثلنا تماماً ، يتزوجون ويربون أولادهم حسب التقاليد والأصول ، ولهم أخلاق حسنة ، وهم عموماً قوم طيبون .
      وسألني محجوب . "هل بينهم مزارعون ؟"
      وقلت له : " نعم بينهم مزارعون وبينهم كل شيء . منهم العامل والطبيب والمزارع والمعلم ، مثلنا تماماً " . وآثرت ألا أقول بقية ما خطر على بالي : " مثلنا تماماً. يولدون ويموتون وفي الرحلة من المهد إلى اللحد يحلمون أحلاما بعضها يصدق وبعضها يخيب . يخافون من المجهول ، وينشدون الحب ، ويبحثون عن الطمأنينة في الزوج والولد.فيهم أقوياء ، وبينهم مستضعفون ، بعضهم أعطته الحياة أكثر مما يستحق ، وبعضهم حرمته الحياة . ولكن الفروق تضيق وأغلب الضعفاء لم يعودوا ضعفاء " . لم أقل لمحجوب هذا ، وليتني قلت ، فقد كان ذكياً . خفت ، من غروري ، ألا يفهم . وقالت بنت مجذوب ضاحكة : " خفنا أن تعود إلينا بنصرانية غلفاء " .
      لكن مصطفى لم يقل شيئاً . ظل يستمع في صمت ، يبتسم أحياناً ، ابتسامة أذكر الآن كانت غامضة ، مثل شخص يحدث نفسه .
      نسيت مصطفى بعد ذلك ، فقد بدأت أعيد صلتي بالناس والأشياء في القرية . كنت سعيداً تلك الأيام ، كطفل يرى وجهه في المرآة لأول مرة . وكانت أمي لي بالمرصاد، تذكرني بمن مات ، لأذهب وأعزي ، وتذكرني بمن تزوج ، لأذهب وأهنئ . جبت البلد طولاً وعرضاً معزياً ومهنئاً . ويوماً ذهبت إلى مكاني الأثير ، عند جذع شجرة على ضفة النهر . كم عدد الساعات التي قضيتها في طفولتي تحت تلك الشجرة ، أرمي الحجارة في النهر وأحلم ، ويشرد خيالي في الأفق البعيد ؟ أسمع أنين السواقي على النهر ، وتصايح الناس في الحقول ، وخوار ثور أو نهيق حمار . كان الحظ يسعدني أحياناً ، فتمر الباخرة أمامي صاعدة أو نازلة . من مكاني تحت الشجرة ، رأيت البلد يتغير في بطء . راحت السواقي . وقامت على ضفة النيل طلمبات لضخ الماء ، كل مكنة تؤدي عمل مائة ساقية . ورأيت الضفة تتقهقر عاماً بعد عام أمام لطمات الماء ، وفي جانب آخر يتقهقر الماء أمامها . وكانت تخطر في ذهني أحياناً أفكار غريبة . كنت أفكر ، وأنا أرى الشاطئ يضيق في مكان ، ويتسع في مكان ، وأن ذلك شأن الحياة ، تعطي بيد وتأخـذ باليد الأخرى . لكن لعلني أدركت ذلك فيما بعد . أنا الآن ، على أي حال ، أدرك هذه الحكمة ، لكن بذهني فقط ، إذ أن عضلاتي تحت جلدي مرنة مطواعة وقلبي متفائل . أنني أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر . ثمة آفاق كثيرة لابد أن تُزار ، ثمة ثمار يجب أن تُقطف ، كتب كثيرة تقرأ ، وصفحات بيضاء في سجل العمر ، سأكتب فيها جملاً واضحة بخط جرئ . وأنظر إلى النهر بدأ ماؤه يربد بالطمي – لابد أن المطر هطـل في هضاب الحبشة – وإلى الرجال قاماتهم متكئة على المحاريث ، أو منحنية على المعاول . وتمتلئ عيناي بالحقول المنبسطة كراحة اليد إلى طرف الصحراء حيث تقوم البيوت . أسمع طائراً يغرد ، أو كلباً ينبح ، أو صوت فأس في الحطب – وأحس بالاستقرار . وأحس أنني مهم ، وأنني مستمر ، ومتكامل . " لا .. لست أنا الحجر يلقى في الماء ، لكنني البذرة تبذر في الحقل " . ,اذهب إلى جدي ، فيحدثني عن الحياة قبل أربعين عاماً ، قبل خمسين عاماً لا بل ثمانين ، فيقوى إحساسي بالأمن . كنت أحب جدي ، ويبدو أنه كان يؤثرني . ولعل أحد أسباب صداقتي معه ، أنني كنت منذ صغري تشحذ خيالي حكايات الماضي ، وكان جدي يحب أن يحكي ، لما سافرت خفت أن يموت في غيبتي . وكنت حين يلم بي الحنين إلى أهلي ، أراه في منامي . قلت له ذلك ، فضحك وقال : " حدثني عراف وأنا شاب ، أنني إذا جاوزت عمر النبوة – يعني الستين – فأنني سأصل المائة " . وحسبنا عمره ، أنا وهو فوجدنا أنه بقي له نحو اثني عشر عاماً .
      كان جدي يحدثني عن حاكم غاشم ، حكم ذلك الإقليم أيام الأتراك . ولست أعلم ما الذي دفع بمصطفى إلى ذهني ، لكني تذكرته بغتة ، فقلت أسأل عنه جدي ، فهو عليم بحسب كل أحد في البلد ونسبه ، بل بأحساب وأنساب مبعثرة قبلي وبحري ، أعلى النهـر وأسفله لكن جدي هز رأسه وقـال أنه لا يعلم عنه سوى أنه من نواحي الخرطوم ، وأنه جاء إلى البلد منذ نحو خمسة أعوام ، واشترى أرضاً تفرق وارثوها منها . ثم قبل أربعة أعوام زوجه محمود إحدى بناته . قلت لجدي : " أي بناته ؟ فقال :"حسنة".
      وهز جدى رأسه وقال :"تلك القبيلة .لا يبالون لمن يزوجون بناتهم". لكنه أردف،كأنه يعتذر ،إن مصطفى طول إقامته فى البلد،لم يبد منه شىء منفر،وأنه يخضر صلاة الجمعة فى المسجد بانتظام ،وأنه يسارع "بذراعه وقدحه فى الأفراح والأتراح"..
      هكذا طريقة جدى فى الكلام.
      *************
      ما هو العمل الروائى؟ ومن مؤلفه؟

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #93
        المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرؤوف النويهى مشاهدة المشاركة
        1)

        عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة ، سبعة أعوام على وجه التحديد ، كنت خلالها أتعلم في أوربا . تعلمت الكثير ، وغاب عني الكثير ، ولكن تلك قصة أخرى . المهم أنني عدت وبي شوق عظيم إلى أهلي في تلك القرية الصغيرة عند منحنى النيل . سبعة أعوام وأنا أحن إليهم وأحلم بهم ، ولما جئتهم كانت لحظة عجيبة أن وجدتني حقيقة قائماً بينهم ، فرحوا بي وضجوا حولي ، ولم يمض وقت طويل حتى أحسست كأن ثلجاً يذوب في دخيلتي ، فكأنني مقرور طلعت عليه الشمس . ذاك دفء الحياة في العشيرة ، فقدته زماناً في بلاد " تموت من البرد حيتانها " . تعودت أذناي أصواتهم ، وألفت عيناي أشكالهم من كثرة ما فكرت فيهم في الغيبة ، قام بيني وبينهم شيء مثل الضباب ، أول وهلة رأيتهم . لكن الضباب راح ، واستيقظت ثاني يوم وصولي ، في فراشي الذي أعرفه في الغرفة التي تشهد جدرانها على ترهات حياتي في طفولتها ومطلع شبابها وأرخيت أذني للريح . ذاك لعمري صوت أعرفه ، له في بلدنا وشوشة مرحة . صوت الريح وهي تمر بالنخل غيره وهي تمر بحقول القمح . وسمعت هديل القمري ، نظرت خلال النافذة إلى النخلة القائمة في فناء دارنا ، فعلمت أن الحياة لا تزال بخير ، أنظر إلى جذعها القوي المعتدل ، وإلى عروقها الضاربة في الأرض ، وإلى الجريد الأخضر المنهدل فوق هامتها فأحس بالطمأنينة . أحس أنني لست ريشة في مهب الريح ، ولكني مثل تلك النخلة ، مخلوق له أصل ، له جذور له هدف .
        وجاءت أمي تحمل الشاي . فرغ أبي من صلاته وأوراده فجاء . وجاءت أختي، وجاء أخواي ، وجلسنا نشرب الشاي ونتحدث ، شأننا منذ تفتحت عيناي على الحياة . نعم ، الحياة طيبة ، والدنيا كحالها لم تتغير .
        فجأة تذكرت وجها رأيته بين المستقبلين لم أعرفه . سألتهم عنه ، ووصفته لهم . رجل ربعة القامة ، في نحو الخمسين أو يزيد قليلا ، شعر رأسه كثيف مبيض ، ليست له لحية وشاربه أصغر قليلا من شوارب الرجال في البلد . رجل وسيم .
        وقال أبي : " هذا مصطفى "
        مصطفى من ؟ هل هو أحد المغتربين من أبناء البلد عاد ؟ وقال أبي أن مصطفى ليس من أهل البلد ، لكنه غريب جاء منذ خمسة أعوام ، أشترى مزرعة وبنى بيتاً وتزوج بنت محمود .. رجل في حاله ، لا يعلمون عنه الكثير .
        لا أعلم تماما ماذا أثار فضولي ، لكنني تذكرت أنه يوم وصولي كان صامتاً . كل أحد سألني وسألته .وسألوني عن أوربا . هل الناس مثلنا أم يختلفون عنا ؟ المعيشة غالية أم رخيصة ؟ ماذا يفعل الناس في الشتاء ؟ يقولون أن النساء سافرات يرقصن علانية مع الرجال . وسألني ود الريس : "هل صحيح أنهم لا يتزوجون ولكن الرجل منهم يعيش مع المرأة بالحرام ؟ "
        أسئلة كثيرة رددت عليها حسب علمي . دهشوا حين قلت لهم أن الأوربيين ، إذا استثنينا فوراق ضئيلة ، مثلنا تماماً ، يتزوجون ويربون أولادهم حسب التقاليد والأصول ، ولهم أخلاق حسنة ، وهم عموماً قوم طيبون .
        وسألني محجوب . "هل بينهم مزارعون ؟"
        وقلت له : " نعم بينهم مزارعون وبينهم كل شيء . منهم العامل والطبيب والمزارع والمعلم ، مثلنا تماماً " . وآثرت ألا أقول بقية ما خطر على بالي : " مثلنا تماماً. يولدون ويموتون وفي الرحلة من المهد إلى اللحد يحلمون أحلاما بعضها يصدق وبعضها يخيب . يخافون من المجهول ، وينشدون الحب ، ويبحثون عن الطمأنينة في الزوج والولد.فيهم أقوياء ، وبينهم مستضعفون ، بعضهم أعطته الحياة أكثر مما يستحق ، وبعضهم حرمته الحياة . ولكن الفروق تضيق وأغلب الضعفاء لم يعودوا ضعفاء " . لم أقل لمحجوب هذا ، وليتني قلت ، فقد كان ذكياً . خفت ، من غروري ، ألا يفهم . وقالت بنت مجذوب ضاحكة : " خفنا أن تعود إلينا بنصرانية غلفاء " .
        لكن مصطفى لم يقل شيئاً . ظل يستمع في صمت ، يبتسم أحياناً ، ابتسامة أذكر الآن كانت غامضة ، مثل شخص يحدث نفسه .
        نسيت مصطفى بعد ذلك ، فقد بدأت أعيد صلتي بالناس والأشياء في القرية . كنت سعيداً تلك الأيام ، كطفل يرى وجهه في المرآة لأول مرة . وكانت أمي لي بالمرصاد، تذكرني بمن مات ، لأذهب وأعزي ، وتذكرني بمن تزوج ، لأذهب وأهنئ . جبت البلد طولاً وعرضاً معزياً ومهنئاً . ويوماً ذهبت إلى مكاني الأثير ، عند جذع شجرة على ضفة النهر . كم عدد الساعات التي قضيتها في طفولتي تحت تلك الشجرة ، أرمي الحجارة في النهر وأحلم ، ويشرد خيالي في الأفق البعيد ؟ أسمع أنين السواقي على النهر ، وتصايح الناس في الحقول ، وخوار ثور أو نهيق حمار . كان الحظ يسعدني أحياناً ، فتمر الباخرة أمامي صاعدة أو نازلة . من مكاني تحت الشجرة ، رأيت البلد يتغير في بطء . راحت السواقي . وقامت على ضفة النيل طلمبات لضخ الماء ، كل مكنة تؤدي عمل مائة ساقية . ورأيت الضفة تتقهقر عاماً بعد عام أمام لطمات الماء ، وفي جانب آخر يتقهقر الماء أمامها . وكانت تخطر في ذهني أحياناً أفكار غريبة . كنت أفكر ، وأنا أرى الشاطئ يضيق في مكان ، ويتسع في مكان ، وأن ذلك شأن الحياة ، تعطي بيد وتأخـذ باليد الأخرى . لكن لعلني أدركت ذلك فيما بعد . أنا الآن ، على أي حال ، أدرك هذه الحكمة ، لكن بذهني فقط ، إذ أن عضلاتي تحت جلدي مرنة مطواعة وقلبي متفائل . أنني أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر . ثمة آفاق كثيرة لابد أن تُزار ، ثمة ثمار يجب أن تُقطف ، كتب كثيرة تقرأ ، وصفحات بيضاء في سجل العمر ، سأكتب فيها جملاً واضحة بخط جرئ . وأنظر إلى النهر بدأ ماؤه يربد بالطمي – لابد أن المطر هطـل في هضاب الحبشة – وإلى الرجال قاماتهم متكئة على المحاريث ، أو منحنية على المعاول . وتمتلئ عيناي بالحقول المنبسطة كراحة اليد إلى طرف الصحراء حيث تقوم البيوت . أسمع طائراً يغرد ، أو كلباً ينبح ، أو صوت فأس في الحطب – وأحس بالاستقرار . وأحس أنني مهم ، وأنني مستمر ، ومتكامل . " لا .. لست أنا الحجر يلقى في الماء ، لكنني البذرة تبذر في الحقل " . ,اذهب إلى جدي ، فيحدثني عن الحياة قبل أربعين عاماً ، قبل خمسين عاماً لا بل ثمانين ، فيقوى إحساسي بالأمن . كنت أحب جدي ، ويبدو أنه كان يؤثرني . ولعل أحد أسباب صداقتي معه ، أنني كنت منذ صغري تشحذ خيالي حكايات الماضي ، وكان جدي يحب أن يحكي ، لما سافرت خفت أن يموت في غيبتي . وكنت حين يلم بي الحنين إلى أهلي ، أراه في منامي . قلت له ذلك ، فضحك وقال : " حدثني عراف وأنا شاب ، أنني إذا جاوزت عمر النبوة – يعني الستين – فأنني سأصل المائة " . وحسبنا عمره ، أنا وهو فوجدنا أنه بقي له نحو اثني عشر عاماً .
        كان جدي يحدثني عن حاكم غاشم ، حكم ذلك الإقليم أيام الأتراك . ولست أعلم ما الذي دفع بمصطفى إلى ذهني ، لكني تذكرته بغتة ، فقلت أسأل عنه جدي ، فهو عليم بحسب كل أحد في البلد ونسبه ، بل بأحساب وأنساب مبعثرة قبلي وبحري ، أعلى النهـر وأسفله لكن جدي هز رأسه وقـال أنه لا يعلم عنه سوى أنه من نواحي الخرطوم ، وأنه جاء إلى البلد منذ نحو خمسة أعوام ، واشترى أرضاً تفرق وارثوها منها . ثم قبل أربعة أعوام زوجه محمود إحدى بناته . قلت لجدي : " أي بناته ؟ فقال :"حسنة".
        وهز جدى رأسه وقال :"تلك القبيلة .لا يبالون لمن يزوجون بناتهم". لكنه أردف،كأنه يعتذر ،إن مصطفى طول إقامته فى البلد،لم يبد منه شىء منفر،وأنه يخضر صلاة الجمعة فى المسجد بانتظام ،وأنه يسارع "بذراعه وقدحه فى الأفراح والأتراح"..
        هكذا طريقة جدى فى الكلام.
        *************
        ما هو العمل الروائى؟ ومن مؤلفه؟
        أهلا بك أستاذي الجميل عبد الرؤوف
        و أهلا بما طرحت هنا
        لم أجد صعوبة في الوصول إليك و إليها
        برغم مضي وقت طويل على هذا الأثر العظيم في تاريخ الرواية العربية
        فهذا الطيب صالح
        و هذه رائعته المدهشة " موسم الهجرة إلي الشمال "
        و إن كان السرد هنا كان بين حد الاعتدال و العادية و لم تحمل دهشة العمل الكبرى

        يلزمنا هنا أستاذي تعريف بالمبدع و اعماله و سيرة حياته

        دم بخير أيها الجميل
        sigpic

        تعليق

        • عبدالرؤوف النويهى
          أديب وكاتب
          • 12-10-2007
          • 2218

          #94
          الطيب صالح - أو "عبقري الرواية العربية" كما جرى بعض النقاد على تسميته- أديب عربي من السودان، اسمه الكامل الطيب محمد صالح أحمد. ولد عام (1348 هـ -1929م) في إقليم مروي شمالي السودان بقرية كَرْمَكوْل بالقرب من قرية دبة الفقراء وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها، وتوفي في أحدي مستشفيات العاصمة البريطانية لندن التي أقام فيها في ليلة الأربعاء 18 شباط/فبراير 2009 الموافق 23 صفر1430هـ. عاش مطلع حياته وطفولته في ذلك الإقليم، وفي شبابه انتقل إلىالخرطوم لإكمال دراسته فحصل من جامعتها على درجة البكالوريوس في العلوم. سافر إلى إنجلترا حيث واصل دراسته، وغيّر تخصصه إلى دراسة الشؤون الدولية السياسية.
          حياته المهنية[عدل]

          تنقل الطيب صالح بين عدة مواقع مهنية فعدا عن خبرة قصيرة في إدارة مدرسة، عمل ----الطيب صالح لسنوات طويلة من حياته في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية, وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما, وبعد استقالته من البي بي سي عاد إلى السودان وعمل لفترة في الإذاعة السودانية, ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلاً ومشرفاً على أجهزتها. عمل بعد ذلك مديراً إقليمياً بمنظمة اليونيسكو في باريس, وعمل ممثلاً لهذه المنظمة في الخليج العربي. ويمكن القول أن حالة الترحال والتنقل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أكسبته خبرة واسعة بأحوال الحياة والعالم وأهم من ذلك أحوال أمته وقضاياها وهو ما وظفه في كتاباته وأعماله الروائية وخاصة روايته العالمية موسم الهجرة إلى الشمال.
          كتابته تتطرق بصورة عامة إلى السياسة، والى مواضيع أخرى متعلقة بالاستعمار, والمجتمع العربي والعلاقة بينه وبين الغرب. في اعقاب سكنه لسنوات طويلة في بريطانيا فان كتابته تتطرق إلى الاختلافات بين الحضارتين الغربية والشرقية. الطيب صالح معروف كأحد أشهر الكتاب في يومنا هذا، لا سيما بسبب قصصه القصيرة، التي تقف في صف واحد مع جبران خليل جبران، طه حسينونجيب محفوظ.
          أدبه[عدل]

          الطيب صالح كتب العديد من الروايات التي ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة وهي « موسم الهجرة إلى الشمال» و«عرس الزين» و«مريود» و«ضو البيت» و«دومة ود حامد» و«منسى». تعتبر روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" واحدة من أفضل مائة رواية في العالم. وقد حصلت على العديد من الجوائز. وقد نشرت لأول مرة في اواخر الستينات من القرن العشرين في بيروت وتم تتويجه ك"عبقري الأدب العربي". في عام 2001 تم الاعتراف بكتابه من قبل الأكاديمية العربية في دمشق على أنه صاحب "الرواية العربية الأفضل في القرن العشرين.
          أصدر الطيب صالح ثلاث روايات وعدة مجموعات قصصية قصيرة. روايته "عرس الزين" حولت إلى دراما في ليبيا ولفيلم سينمائي من إخراج المخرج الكويتي خالد صديق في أواخر السبعينات حيث فاز في مهرجان كان.
          في مجال الصحافة، كتب الطيب صالح خلال عشرة أعوام عموداً أسبوعياً في صحيفة لندنية تصدر بالعربية تحت اسم "المجلة". خلال عمله في هيئة الإذاعة البريطانية تطرق الطيب صالح إلى مواضيع أدبية متنوعة. منذ عشرة أعوام يعيش في باريس حيث يتنقل بين مهن مختلفة، آخرها كان عمله كممثل اليونسكولدول الخليج.
          رواياته[عدل]

          • موسم الهجرة إلى الشمال[2]
          • ضو البيت (بندر شاه): أحدوثة عن كون الأب ضحية لأبيه وإبنه
          • دومة ود حامد ويتناول فيها مشكلة الفقر وسوء التعاطي معه من قبل الفقراء أنفسهم من جهة، واستغلال الإقطاعيين الذين لا يهمهم سوى زيادة أموالهم دون رحمة من جهة أخرى.
          • عرس الزين
          • مريود
          • نخلة على الجدول
          • منسي إنسان نادر على طريقته
          • المضيؤون كالنجوم من اعلام العرب واتلفرنجة
          • للمدن تفرد وحديث -الشرق-
          • للمدن تفرد وحديث -الغرب-
          • في صحبة المتنبي ورفاقه
          • في رحاب الجنادرية واصيلة
          • وطني السودان
          • ذكريات المواسم
          • خواطر الترحال
          • مقدمات : وهو عبارة كتاب من القطع المتوسط جمعت فيه مقدمات كتبها الطيب صالح لمؤلفات ادبية.

          ومن المفهوم أن رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" نالت شهرتها من كونها من أولى الروايات التي تناولت، بشكل فني راق، الصدام بين الحضارات وموقف إنسان العالم الثالث ـ النامي ورؤيته للعالم الأول المتقدم، ذلك الصدام الذي تجلى في الأعمال الوحشية دائماً، والرقيقة الشجية أحياناً، لبطل الرواية "مصطفى سعيد".
          وآخر الدراسات الحديثة التي تناولت رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" ورواية "بندر شاه" للمؤلف نفسه، تلك الدراسة التي نشرت أخيراً في سلسلة حوليات كلية الآداب التي يصدرها مجلس النشر العلمي في جامعة الكويت بعنوان "رؤية الموت ودلالتها في عالم الطيب صالح الروائي، من خلال روايتي: موسم الهجرة إلى الشمال، وبندر شاه" للدكتور عبد الرحمن عبد الرؤوف الخانجي، الأستاذ في قسم اللغة العربية ـ كلية الآداب جامعة الملك سعود. تتناول الدراسة بالبحث والتحليل رؤية الموت ودلالتها في أدب الطيب صالح الروائي في عملين بارزين من أعماله هما: "موسم الهجرة إلى الشمال" و"بندر شاه"، وتنقسم الدراسة إلى قسمين كبيرين وخاتمة.
          يعالج القسم الأول منهما محوري الموت الرئيسيين في هاتين الروايتين: محور موت الأنثى، وهو موت آثم يرتبط في أكثر معانيه بغريزة الجنس ولا يخلو من عنف أم خطيئة، وموت الرجل وهو موت نبيل يرتبط بالكبرياء والسمو ولا يخلو من تضحية ونكران ذات.
          هذان العالمان المتمايزان يثير الروائي من خلالهما عدداً من القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية والنفسية، توحي بأزمة الصراع المكثف بين حضارتي الشرق والغرب فكأن المقابلة بين الأنثى والرجل ووضعهما في إطارين متمايزين من خلال الموت... وهي مقابلة من صنع مؤلف الدراسة لا الروائي ـ تلك الرؤية الفنية ترمي إلى اختصار الصراع بين عالمين مختلفين حضارياً: شمال ـ جنوب، هي في النهاية المعادل الفني لأزلية الصراع بين الشر والخير ممثلين في الأنثى ـ الشر، الخير ـ الرجل، و: شمال ـ أنثى ـ شر، جنوب ـ رجل ـ خير، بما لذلك من مردود أسطوري في وعي وذاكرة الإنسان الشرقي، وهو ما لم تشر إليه الدراسة مكتفية بتتبع أنواع الموت وطرائقه التي تمارس من قبل الرجل في الروايتين.
          فالمرأة في موسم الهجرة إلى الشمال ضحية لرجل ـ دائماً ـ بينما الرجل ضحية ـ أيضاً ـ لظروف مجتمعية ساهم في خلقها مجتمع الضحية الأنثى بشكل ما، فعلاقة مصطفى سعيد بالأنثى هي دائماً علاقة آخرها موت مدمر إذ إن "مصطفى" ـ كما يلاحظ المؤلف ـ ينتقم في شخص الأنثى الغربية لسنوات الذل والقهر والاستعمار لينتهي بها الأمر إلى قتل نفسها بنفسها. موت الرجل ـ وهو المحور الثاني من القسم الأول ـ فهو دائماً موت علوي تتجلى دلالاته في العودة إلى النيل مصدر الحياة "ذهب من حيث أتى من الماء إلى الماء" كما في بندر شاه.
          ويتناول القسم الثاني من الدراسة الدلالات الفكرية المتصلة بعالمي الموت وكيف عبرت الروايتان عن هذه الدلالات في قوالب فنية منتهياً إلى أشكال الموت لدى الطيب صالح توزعت على أطر ثلاثة:
          • الموت ـ الوفاة
          • الموت ـ القتل
          • الموت ـ الانتحار

          وكل إطار من هذه الأطر الثلاثة عن رؤى فكرية وفلسفية ونفسية اقتضتها طبيعة الأحداث والمواقف... لكن النمط الأكثر بروزاً من أنماط الموت الثلاثة السابقة هو النمط الثاني الذي يمثله: الموت ـ القتل، حين جعلته رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" يفجر طاقات متباينة من الدلالات الفكرية ووظائفها الفنية، وظل الموت ـ القتل في صراع الشخصيات يتراوح بين السلب والإيجاب وبين الرفض والقبول وبين القوة والضعف وتتبع الدراسة التجليات المختلفة لهذا النوع من الموت عبر روايتي: "موسم الهجرة إلى الشمال" و"بندر شاه". وتخلص الدراسة ـ عبر خاتمتها ـ إلى أن للموت سلطاناً لا ينكر على عالم الطيب صالح الروائي فقد وفق الروائي من خلال بناء هذا العالم في تقديم عطيل جديد هو: مصطفى سعيد عطيل القرن العشرين الذي حاول عقله أن يستوعب حضارة الغرب لا يبالي ولا يهاب، له القدرة على الفعل والإنجاز، يحارب الغرب بأسلحة الغرب.
          وبعد: سوف يبقى الطيب صالح وأعماله الروائية والقصصية ذخيرة لا تنضب لبحث الباحثين نقاداً كانوا أم مؤرخين، فهو عالم ثري مليء بقضايا إنسان العالم الثالث الذي آمن به الطيب صالح وعبر عن همومه وآلامه، أفراحه وإحباطاته.
          وفاته[عدل]

          توفي في يوم الأربعاء 18 فبراير عام 2009 في لندن. شيع جثمانه يوم الجمعة 20 فبراير في السودان حيث حضر مراسم العزاء عدد كبير من الشخصيات البارزة والكتاب العرب والرئيس السوداني عمر البشير والسيد الصادق المهديالمفكر السوداني ورئيس الوزراء السابق، والسيد محمد عثمان الميرغني ،ولم يعلن التلفزيون السوداني ولا الاذاعات الحداد على الطيب صالح لكنها خصصت الكثير من النشرات الأخبارية والبرامج للحديث عنه.
          جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي[عدل]

          اسم الجائزة : جائزة الطيب صالح للكتابة الإبداعية المجالات: الرواية،القصة القصيرة،النقد شروط المشاركة: متاحة لكل الجنسيات، شريطةَ ان تكون المادة مكتوبةً باللغة العربية الفُصحى قيمة الجائزة: 200 ألف دولار أمريكي تُرصدُ للجائزة والفعاليات المصاحبة . التحكيم : هيئة مستقلة متخصصة، تُشرفُ عليها زين.
          تم الإعلان في فبراير من العام 2011 الإعلان عن جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي قامت تقديرا للدور الكبير الذي قام به الروائي الطيب صالح في الثقافة العربية [3].
          http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7

          تعليق

          يعمل...
          X