حواش لغوية وما أشبه ذلك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرحمن السليمان
    مستشار أدبي
    • 23-05-2007
    • 5434

    #16
    آباء الكنيسة والمرأة!

    [align=justify][align=center]آباء الكنيسة والمرأة![/align]
    من المشهور أن المسيحية عموماً تعتبر المرأة سبب الخطيئة الأزلية والمسبب المباشر لطرد آدم من الجنة. ومن المعروف أيضاً أن العقيدة المسيحية تعتبر الخطيئة الأزلية خطيئة متوارثة ولا يتخلص الانسان منها ومن عواقبها إلا بالإيمان بالمخلص وهو المسيح الذي افتدى العالم بدمه وخلصه من الخطيئة الأزلية. وجعل هذا الاعتقاد آباء الكنيسة (القديس أغسطين، أنسلموس، ترتليانوس وغيرهم) يعتبرون المرأة السبب المباشر في سفك دماء المسيح. فالمرأة هي المسؤولة عن طرد الانسان من الجنة من جهة، وعن صلب المسيح في العقيدة المسيحية من جهة أخرى. ولقد جعل هذا الاعتقاد آباء الكنيسة الأوائل يعتقدون أن المرأة كائن حيواني بدون نفس ناطقة تضمحل وتتلاشى بعد الموت ولا تبعث يوم القيامة. وعلى الرغم من التطور الكبير الذي عرفه وضع المرأة في الغرب بعد الثورة الفرنيسة فإن شيئاً من هذا الاعتقاد لا يزال موجوداً في أوساط الكنيسة الكاثوليكية في الغرب. وهذا هو السبب الذي يجعل الكنيسة الكاثوليكية تبعدها من أي وظيفة دينية باستثناء الرهبنة التقليدية.

    ـــــــــــــــــــــــــــــ

    أخذت الخلاصة أعلاه من المصادر التالية:

    1. القديس أغسطين، كتاب Enchiridion، أمستردام، 1930؛
    2. القديس أغسطين، كتاب De Genesi ad litteram imperfectus liber ، لايدن 1930؛
    3. القديس ترتليانوس، كتابDe Cultu Feminarum ، أمستردام – أنتورب، 1955. يقول فيه (صفحة 23) مخاطباً المرأة: "ألا تعلمين أنك حواء؟! أنت باب الشيطان! أنت مدنسة الشجرة السماوية! أنت أول آبقة من شرع الله! أغويت الرجل الذي لم يكن بمقدور حتى الشيطان إغواؤه ... بسهولة مطلقة أسقطت صورة الله [الانسان]! لقد تسببت فعلتك، التي تستحقين الموت لأجلها، في موت ابن الله على الصليب".
    4. كتاب "مطرقة الشريرات"Malleus Maleficarum ، وهو كتاب مجهول المؤلف صدر سنة 1486 وأصبح دستور محاكم التفتيش. يقول (الجزء الأول، الفقرة 6): "إن مصدر كل الشرور هو الشهوة النسائية التي لا تُشبع! فتبارك الله العظيم الذي طهر الرجل من بلية كهذه! إن طهور الرجل [اقرأ: المسيح] من هذه البلية كان بفضل استعداده لتحمل الآلام لأجلنا وافتدائنا بدمائه، لذلك وُهب هذا الامتياز". [/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرحمن السليمان; الساعة 21-06-2007, 12:25.
    عبدالرحمن السليمان
    الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    www.atinternational.org

    تعليق

    • عبدالرحمن السليمان
      مستشار أدبي
      • 23-05-2007
      • 5434

      #17
      [align=center]حاشية في مرتبة الشعر العربي[/align]
      [align=justify]لكل لغة خصوصياتها النحوية واللغوية التي تساعد الأدباء في النثر والشعراء في الشعر، وينبغي النظر إلى كل لغة من منظورها وليس من منظور لغة أخرى. وانطلاقاً من هذه القاعدة شهد ديوان العرب للعرب بأنهم أكثر الأمم المتحضرة شاعرية، وشهد لهم بذلك حكماء الأمم على اختلاف أهوائهم. وأنا لا أعرف أحداً، يُعوَّل عليه في شيء يذكر، يجادل في هذه الحقيقة. والدليل على ذلك كثرة الإنتاج الشعري الجيد عند العرب والمرتبة الرفيعة التي يحتلها الشعراء المجيدون عندهم.

      يقول كبير المستشرقين الأوربيين في القرن السايع عشر ألبيرت شخولتنس مقارناً حالة الشاعر العربي الجيدة بحالة الشاعر الغربي التعيسة: "إن الكرم العربي يحول دون شقاء الشاعر"! ويرد شخولتنز تفوق العرب في الشعر على سائر الأمم إلى غنى اللغة العربية وموسيقاها العذبة. يقول في إحدى خطبه: "لا بد من أخذ غنى اللغة العربية الفاحش بعين الحسبان [عند مقارنة الشعر العربي بغيره]" (1)

      أما المستشرق الهولندي الكبير ولميت صاحب المعجم العربي اللاتيني الشهير (2) فيقول في محاضرة بعنوان "ذوق العرب الجمالي" (3)، وبالأخص عند حديثه عن أبي العلاء المعري: "انظر ما أروع العرب، وما أعظم عبقريتهم"! (4) وكان ولميت يرد في خطبته هذه على أحد النقاد الأدبيين (من غير المستعربين) ـ وهو الناقد وايرز ـ الذي كتب سنة 1845 قائلاً: "إن من يبحث عن شعر رفيع عند العرب شخص يضيع وقته فيما هو غير مفيد"!(5).

      وشهادات حكماء الأمم الشرقية والغربية بتفوق العرب في الشعر كثيرة، ولكني سأكتفي الآن بالإشارة إلى أمرين اثنين: الأول أن بحور الشعر العربية أكثر بحور الشعر كماً وأرقاها نوعاً (لدى اليونان ستة فقيرة فقط)، والثاني أن معظم الشعوب التي احتكت بالعرب، ومنها الفرس والأتراك والهنود والسريان واليهود وربما (لست متأكداً) الأكراد، استعاروا بحور الشعر العربية ونظموا عليها، وهذا لا يكون عبثاً!

      أما ما ذكره بعض الإخوة الأفاضل (الشاعر الكردي حميد كشكولي في أحد الأمكنة) عن شاعرية اللغة العبرية وجودة أشعار اليهود، فأنا لا أعرف ذلك لأن العبرية الكتابية غير مشهورة بالشاعرية فضلاً عن وجود شعر ـ بمعناه الاصطلاحي ـ في كتاب العهد القديم. هنالك كتاب المزامير وكتاب نشيد الإنشاد وهما كتابان يحتويان على عناصر غنائية كثيرة ولكن مضمونهما ليس شعراً! وقيمة كتاب العهد القديم الأدبية في بساطته وفي عفوية لغته وليس في صنعته الأدبية. والشعر أصلاً كان محرماً على اليهود، ولم يسمح لهم إلا بقرض الترنيمات الدينية التي كان "البيتانيم" يقرضونها للغناء في الكنيس. وأول ما قرض اليهود شعراً حقاً في العبرية تناولوا فيه المواضيع الدنيوية العامة كان في القرن العاشر الميلادي ، عندما استعار الشاعر اليهودي المستعرب دونش بن لبراط بحور الشعر العربية وأدخلها في العبرية فازدهر الشعر العبري وبلغ أوجه في الأندلس. ومن كبار شعراء هذه المدرسة: يهودا اللاوي (صاحب "كتاب الحجة والدليل في نصر الدين الذليل" المشهور بكتاب الخُزَري)، وإسماعيل بن النغريلة الذي استوزره حبوس أحد ملوك الطوائف (وإليه ينسب نقد للقرآن الكريم رد عليه ابن حزم الأندلسي في كتاب الفصل وفي رسالة "الرد على ابن النغريلة اليهودي")؛ وتادروس أبوالعافية، وإبراهيم بن عزرا، وسليمان بن جبيرول وغيرهم.

      ويقول الأديب اليهودي الكبير يهودا الحريزي (صاحب المقامات العبرية المشهورة بـ: "تَحْكِمُوني"، التي حاكى فيها الهمذاني في مقاماته) في هذا المجال: דעו כי השיר הנפלא... היה בתהלה לבני ערב לנהלה. "اعلموا أن الشعر العجيب كان منذ البداية مُلكاً للعرب"! ويقول عن أشعار الأمم الأخرى ما يلي: כל שיריהם לנגד שירי הישמעאלים לא לעזר ולא להועיל "إن أشعارهم ليست بشيء مقارنة بأشعار الإسماعيليين [= العرب]"! ولخص "جاحظ اليهود" موسى بن عزرا (القرن الخامس الهجري، وهو شاعر مجيد) في "كتاب المحاضرة والمذاكرة" (كتاب في الأدب العبري) الأمر كما يلي: "الشعر عند بني إسماعيل [= العرب] طبعٌ، وعند سائر الأمم تطبع"!
      ـــــــــــــــــــــــ

      حواش:

      (1) في الأصل Attendo porro ad incredibilem Arabicae Linguae copiam ….
      (2) الذي صدر في لايدن (هولندة) سنة 1784 وهو من أهم المعاجم الثنائية على الإطلاق.
      (3) في الأصل: De sensu pulcri Arabum.
      (4) في الأصل Tanta est Ingenii! Tanta Phantasiae Arabum.
      (5) في الأصل Qui vero poëtas Arabum propter isporum praestantia legat, si non sensu carere, certe otio suo abuti videtut.
      [/align]
      عبدالرحمن السليمان
      الجمعية الدولية لمترجمي العربية
      www.atinternational.org

      تعليق

      • عبدالرحمن السليمان
        مستشار أدبي
        • 23-05-2007
        • 5434

        #18
        [align=justify][align=center]حاشية في الـجبر والـ X وفلان الفلاني![/align]
        عندما ترجم المترجم اللاتيني "كتاب الجبر والمقابلة" للخوارزمي، واجهته مشكلة المصطلحات غير الموجودة في اللاتينية، فتغلب على هذه المشكلة بالوضع تارةً وباستعارة الكلمات العربية وإدخالها في اللاتينية تارةً أخرى.

        من المصطلحات العربية التي استعارها وأدخلها في ترجمته اللاتينية وشرحها في الحواشي كلمة "الجبر" ذاتها التي جعل منها Algebra. ومن الطريف جداً أنه سمى النظام العددي المشروح في "كتاب الجبر والمقابلة" باسم مؤلفه، فجعل منه Algorithm، وهي كلمة مشتقة من اسم المؤلف "الخوارزمي" كما نرى.

        أما الـ X المستعمل في الرياضات كناية عن العدد المجهول، فهو ليس ترجمة لحرف "ش" (من: شيء) الذي استعمله الخوارزمي للدلالة على العدد المجهول، بل هو نقل له من العربية إلى اللاتينية واحتفاظ به كما هو. وبما أن المترجم كان إسبانياً أو عاش جل حياته في الأندلس، وبما أن الإسبان كانوا يرسمون صوت "الشين" في لغتهم هكذا: X، فقد نقل المترجم حرف الشين إلى اللاتينية بالـ X معتمداً في رسمه على النطق الإسباني له أي "شين"! أما اليوم فأصبح الإسبان ينطقون هذا الحرف (الـ X) "خاء"، فيقولون "مخيكو" بدلاً من "مكسيكو" أو "المكسيك". أما سائر الأمم الغربية، ومنها الإنكليز والفرنسيس، فيلفظون الـ X "إكس".

        أما الاستعمال المجازي للـ X في اللغات الغربية اليوم للدلالة على الشخص المجهول (مثل قولهم Mr. X)، فلا يقابله في العربية "السيد ش"، بل "السيد فلان"! وإذا أراد العرب الإمعان في التنكير فإنهم يقولون "فلان الفلاني"! ومن الطريف أن نعرف أن "فلان" تستعمل بالمعنى نفسه في بعض اللغات السامية مثل الآرامية والسريانية والعبرية ["فِلُوني"، والإمعان في التنكير عند اليهود يكون: "فِلُوني أَلمْونِي" (פלוני אלמני)، ووردت هذه العبارة في التوراة، في سفر صموئيل فيما أظن الساعة].
        [/align]
        عبدالرحمن السليمان
        الجمعية الدولية لمترجمي العربية
        www.atinternational.org

        تعليق

        • عبدالرحمن السليمان
          مستشار أدبي
          • 23-05-2007
          • 5434

          #19
          حاشية في أصل كلمة "لـغــة"

          [align=justify]يشير الاستقراء في الجذور السامية إلى أن الجذور كانت في الأصل ثنائية، يضاف إليها حرف ثالث لتحديد المعنى.

          مثلاً: الجذر الثنائي /ج م/ يفيد ـ في أكثر الساميات ـ معنى "الجمع"، ثم أضيفت إليه حروف أخرى لتحديد المعنى فكانت الجذور الثلاثية /جمع/ و/جمم/ و/جمل/ الخ التي تفيد معاني فرعية دقيقة تدور كلها في المعنى العام ألا وهو "الجمع" كما أسلفت.

          وإذا نظرنا في الجذر السامي الثنائي /لغ/، وجدنا أن المعنى العام له هو: "الكلام غير المفيد؛ الثرثرة؛ الكلام السري".

          وإذا أمعنا في الاستقراء وجدنا أن الساميين أضافوا إليه حروفاً ثالثة للحصول على جذور ثلاثية مثل /لغط/ و/لغو/ و/لغز/ و/لغم/ و/لغي/ الخ. وتفيد هذه الجذور كلها في اللغات السامية معاني تدور حول المعنى العام ألا وهو "الكلام غير المفيد؛ الثرثرة؛ الكلام السري"!

          لنتأمل هذه الجذور في الساميات:

          1. /لغز/: يفيد هذا الجذر في العربية معنى "اللغز" المعروف، وهو الشيء المبهم والغامض. ويجانسه في العبرية: לעז = /لَعَز/ [وأصله: لَغَز بالغين*] "تحدث بلغة مبهمة ومن ثمة أجنبية". والكلام الأجنبي غير المفهوم هو بمثابة "اللغز" على الجاهل به كما هو معلوم. ومنه في العبرية: לעז = /لُغِز/ "اللغة الأجنبية". ويجانسه في الآرامية القديمة: לעוזא = /لَعُوزا/** [وأصله: لغوزا] "التحدث بلغة أجنبية". ويجانسه في السريانية: ܠܥܙ = /لِعَز/ [وأصله: لِغَز] "تحدثَ بلغة أجنبية أيضاً"، وكذلك ܠܥܙܐ = /لَعْزا/ [وأصله: لَغزا] "اللغة الأجنبية". ومنه في العبرية أيضاًَ לעז = /لَعَز/ [وأصله: لغز] بمعنى "غمزَ، لمزَ". ولا يعتد بتفسير بعض الاشتقاقيين الشعبيين من اليهود لـ לעז = /لعز/ على أنه مكون من أوائل الكلمات التالية: לשון עם זר = /لَشون عَم زَر/ أي "لسان شعب أحنبي"، فهذا القول فاسد بإجماع أهل الاشتقاق في الساميات.

          2. /لغط/: يفيد يفيد هذا الجذر في العربية معنى "اللغط" المعروف. ويجانسه في العبرية: לעט = /لَعَط/ [وأصله: لغط بالغين أيضاً] "بلعَ الكلام بَلعاً (أي تحدث بصوت غير واضح)". الأكادية /لَعاطُ/ مثله؛ والسريانية: ܠܘܥܛܐ = /لُوعاطا/ "ثرثرة".***

          3. /لغو/: يفيد هذا الجذر في العربية معنى "اللغو" المعروف، ومنه اشتقت "لغة" وأصلها "لغوة" وهو اسم المرة من "اللغو". ويجانسه في العبرية قطعاً لا تخميناً ****: לעע = /لَعَع/ [وأصله: لَغَغ] "لغا يَلغُو"!

          أما "لوغوس" فقد وجدت في المعاجم اليونانية أن المعنى الحسي لها هو "اختار". أما معنى "تحدث" فهو مجازي فيها لأنه جاء فيها بمعنى "اختار الكلمات" ومن ثم "الكلام المختار" أي "الكلام المنطقي" (logic/logique)! وعليه فالعلاقة بين "لوغوس" اليونانية و"لغة" العربية مردها إلى كون الأولى مأخوذة من الأخيرة بعد تطورها لتعني عكس اللغو (أو ربما لأنها كانت من الأضداد).

          ـــــــــــــ

          حواش:

          * لا شك في أن اليهود في الماضي كانون يلفظون كلمات مثل ערב = عِرِب "مساء (من غَرَبَ)" وעמרה = عُمورَة "مدينة قوم لوط عليه السلام" وעזה = عَزَّة "[قطاع]غَزَّة" بالغين وليس بالعين، لكن الغين انقرضت من العبرية التوراتية بعد صيرورتها لغة ميتة. وقد احتفظت العربية بالغين السامية، وحفظت الترجمة السبعينية للتوراة باللغة اليونانية (القرن الثالث قبل الميلاد) لنا لفظ الأماكن مثل עמרה بالغين: Gommorra "غُمورا ـ مدينة قوم لوط عليه السلام" وעזה: Gazza "[قطاع]غَزَّة" والأمثلة كثيرة. ولو كانت الغين وقتها تلفظ عيناً لكان اليونان كتبوها بحرف الـ O قياساً باستعمالهم حرف الـ O باضطراد للدلالة على حرف العين في الساميات، والأمثلة كثيرة.

          ** الألف في اواخر الكلمات السريانية للتعريف لأن أداة التعريف ترد في أواخر الكلم في السريانية، مثل الحميرية التي ترد أداة التعريف فيها (وهي حرف النون) في أواخر الكلم أيضاً مثل /ذهبن/ "الذهب".

          *** ومن ܠܘܥܛܐ /لوعاطا/ "ثرثرة" في اللهجات الشامية ـ التي هي من بقايا الآرامية التي كانت تحكى في الشام قبل تعريبها: "لَعَّ" أي "ثَرثَرَ" وكذلك قول الشاميين: "حاجِه تْلِعّْ يا زَلَمِة" أي "كفاك ثرثرة يا رجل" وكذلك "لَعْلُوع" أي "ثرثار"!

          **** وذلك بعد رد هذا الجذر إلى أصله الثنائي وذلك بإسقاط لام /لغو/ العربي ولام /لَعَع/ العبري ليصبح لدينا: /لغ/ وهو الجذر الثنائي لكل من /لغط/ و/لغو/ و/لغز/ و/لغم/ و/لغي/ الخ! [/align]
          عبدالرحمن السليمان
          الجمعية الدولية لمترجمي العربية
          www.atinternational.org

          تعليق

          • عبدالرحمن السليمان
            مستشار أدبي
            • 23-05-2007
            • 5434

            #20
            [align=justify][align=center]حاشية في كلمة "آمين"[/align]
            "آمين" هي كلمة تختم بها الصلوات معناها "إني أصدق وأثبت على الإيمان"، ويستعملها المسلمون والنصارى واليهود باللفظ ذاته والمعنى ذاته، وهي من تراث أبينا إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام.

            أما أصلها اللغوي فهي مشتقة من الجذر /أ م ن/ الذي اشتق منه /الإيمان/. ومعنى هذا الجذر الأساسي في اللغات السامية والحامية هو "صدَّق، ثَبَت، ثبت بالإيمان" كما ترى في /أمِنَ/ في العربية، وفي /آمن/. ومثله في الحبشية: /أَمَنَ/ "ثبتَ (بضم الباء)"، وفي الحميرية: /أمنت/ "أمانة"، وفي السريانية: ܐܡܝܢ: أمين "ثابت، قوي، سرمدي"، وكذلك في العبرية: אמן: آمِن "آمين" وكذلك אמנם: أمنَم "حقا". والكلمة العبرية الأخيرة منصوبة على الحال بالميم وهو من بقايا الإعراب في الساميات الذي كان فيها بالميم ثم أصبح في العربية بالنون (التنوين).

            ولقد وردت الكلمة في اللغات الحامية، بنات عم اللغات السامية، أذكر منها المصرية القديمة /م ن/ "ثبت، صدق". ومن هذا الجذر اشتق أيضا اسم الإله المصري القديم "آمون"، الذي كان يعبد في "نو"، والذي ورد في اسم الفرعون "توت عنخ آمون". وربما رد بعض الملاحدة الدهريين كلمة "آمين" إلى اللغة المصرية القديمة، مثلما ردوا التوحيد الذي دعا إليه نبي الله موسى، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، إلى ديانة إخناتون، وفي ذلك نفي لأصلها السماوي. ومن الجدير بالذكر أن ديانة إخناتون لم تكن توحيدية كما زعم فرويد وغيره لأنها كانت تعتبر إله الشمس "رع" الإله الأكبر دون نفي وجود الآلهة الآخرى، بينما تقوم عقيدة التوحيد لدى المسلمين والنصارى واليهود على الإيمان بالإله الواحد خالق السماوات والآرض وما بينهما، الذي عرف البشرية بذاته العليا بواسطة الوحي إلى الأنبياء والرسل، عليهم السلام. فديانة إخناتون كانت مشوبة بالشرك، وتسمى "التوحيد المشوب بالشرك" (= Henotheism)، بعكس "التوحيد" المطلق (= Monotheism)، فليتنبه إلى ذلك. [/align]
            عبدالرحمن السليمان
            الجمعية الدولية لمترجمي العربية
            www.atinternational.org

            تعليق

            • عبدالرحمن السليمان
              مستشار أدبي
              • 23-05-2007
              • 5434

              #21
              [align=justify][align=center]حاشية في التصوف اليهودي[/align]
              "القبالا" (קבלה) ومعناها "التقاليد" هي الاسم الذي يطلقه اليهود على تيار التصوف الرئيسي لديهم. والتصوف اليهودي يرتكز على كتابين مهمين الأول كتاب "نشيد الأنشاد" في العهد القديم والثاني كتاب "زوهار" (זוהר) "المجد". وينسب تأليف هذا الكتاب الأخير إلى شمعون بن يوخاي (القرن الثاني للميلاد) ولكنه في الأصل من تأليف موسى الغرناطي (1250-1305).

              باختصار شديد: تحاول "القابالا" التوفيق بين الحكمة اليونانية والتقاليد الدينية اليهودية بطريقة مغايرة لتلك التي اتبعها الفلاسفة مثل ابن ميمون وابن غابيرول وإبراهيم ابن عزرا وغيرهم مفادها التأويل المجازي للمفاهيم والاتحاد مع الذات العليا التي يسمها كتاب زوهار بالذات "غير المتناهية" אינסוף وهو مصطلح مستعار من التصوف الإسلامي لأن القبالا تبلورت في الأندلس. إذا بحد ذاتها لا تختلف القبالا عن غيرها من مذاهب التصوف إلا أن السبب الذي جعلتها تختلف عن غيرها من التيارات الصوفية وتوسم بالسرية والشعوذة هي اعتقاد أتباعها بما يسمونه "بالعلم السري" الذي هو ضرب من علم ما وراء الطبيعة في وعاء من التقاليد اليهودية (المدراش)، وإيمانهم المطلق بحساب الجمل وما إليه من المعاني السرية. ولا يعتقد القباليون بالتشوف المباشر أو التجلي المباشر للذات العليا كما نجد عند الحلاج وابن عربي وغيرهما من متصوفة المسلمين، بل تتجلى الذات العليا عندهم من خلال "العوالم العشرة" (עשר הספירות) التي تكوّن باطن الانسان عندهم والتي لا يمكن لأحد بدونها أن "يفهم الله" بزعمهم.

              وللفائدة أذكر أن الديانة اليهودية لا تسمح لمن هم دون الأربعين من العمر بممارسة التصوف خشية على عقولهم! وقد وضع هذا الشرط الحبر المشهور عند اليهود عقيبا (القرن الثاني للميلاد)، الذي حضر اجتماع الأحبار في يامنة عند إعادة تقنين نص العهد القديم والذي دافع باستماتة شديدة عن كتاب "نشيد الإنشاد" لأن الأحبار المجتمعين أرادوا إسقاطه من القانون لكثرة الألفاظ الجنسية الواردة فيه، فاعتبره عقيبا كتابا صوفيا باطن معناه غير ظاهره.

              ويروي التلمود قصة تبين المقصود من ذلك:

              "قرر أربعة أحبار رؤية الله عز وجل (هكذا): الأول مات، والثاني جن، والثالث أصبح نصرانيا والرابع (وهو عقيبا!) نجح في رؤية الله ". تفيد هذه النادرة أمورا كثيرة أهمها: فقط واحد من أربعة يمكن له أن يتصوف بدون أن يفقد عقله ... واعتناق اليهودي النصرانية مساو للموت أو الجنون ...

              أما بالنسبة لعدم نطق اليهود اسم الرب عندهم: "يهوه" فلا علاقة لذلك بالقبالا بل هو تقليد قديم أصله من الوصايا العشر (الآية التوراتية: "لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا لأن الرب لا يزكي من ينطق باسمه باطلا"، تثنية الاشتراع 11:5). ويقول اليهود عندما يريدون لفظ اسم الرب الممنوع عليهم: השם = "هاشِّم" أي "الاسم" أو "أدوناي" أي "السيد". وهذه الأخيرة مأخوذة من الفينيقية ومنها "أدونيس" إله الجمال في الميثولوجيا اليونانية.[/align]
              عبدالرحمن السليمان
              الجمعية الدولية لمترجمي العربية
              www.atinternational.org

              تعليق

              • عبدالرحمن السليمان
                مستشار أدبي
                • 23-05-2007
                • 5434

                #22
                [align=justify][align=center]حاشية في معنى اسم لبنان[/align]
                يعني لبنان: "[الجبل] الأبيض"، وسمي هكذا بسبب تساقط الثلوج عليه. ومثل ذلك تسمية السوريين جبل حرمون "بجبل الشيخ" بسبب تساقط الثلوج عليه أيضا، فشبهوا الثلج بالشيب لبياض لونه.

                ومن المعلوم أن الجذر السامي الأصيل /ل ب ن/ يعني عموما "[اللون] الأبيض". ومنه "اللبن" في العربية و"اللَّبان" وهو البخور اليمني الأبيض (وهو أجود أنواع البخور ولأجله سمي اليمن باليمن السعيد لغلاء ثمنه في العصور القديمة). ومنه اسم "لُبنى" وكذا سائر مشتقاته.
                [/align]
                عبدالرحمن السليمان
                الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                www.atinternational.org

                تعليق

                • أسامة أمين ربيع
                  عضو الملتقى
                  • 04-07-2007
                  • 213

                  #23
                  [align=right]الأستاذ عبد الرحمن،

                  أشكرك على هذه الحواشي المفيدة جداً وقد استفدت منها خصوصاً بما يتعلق بموضوع الخوارزميات...

                  تعقيب بسيط، ربما لم يكن دقيقاً : أذكر أنني قرأت قبل سنوات عن موضوع تعدد الآلهة عند اليهود، فكيف يكون ذلك في ديانة موحِّدة "من حيث المبدأ" ؟[/align]

                  تعليق

                  • عبدالرحمن السليمان
                    مستشار أدبي
                    • 23-05-2007
                    • 5434

                    #24
                    [align=justify]أهلا وسهلا بالأستاذ أسامة.

                    سؤالك صحيح بل دقيق جدا. وسبب نسبة "تعدد الآلهة" إلى اليهود كما يعتقد الكثير من علماء العهد القديم هو مواطن بعينها في العهد القديم تحتوي على آثار شركية، أهمها على الإطلاق هو اسم "الإله الحق" الأكثر ورودا في التوراة، أقصد "إلوهيم"، لأنه يرد في العهد القديم بصيغة الجمع، مما يعني ضرورة أن اليهود كانوا يؤمنون بآلهة كثيرة قبل استقرارهم على التوحيد.

                    فمن الثابت أنهم كانوا على التوحيد أيام النبي إبراهيم عليه السلام، وأنهم ارتدوا إلى الشرك في صحراء سيناء وعبدوا العجل بعد خروجهم من مصر مع النبي موسى عليه السلام، ثم عادوا إلى التوحيد. وأنا أعتقد، بناء على ما يرد في التوراة، أنهم ارتدوا إلى الشرك في بابل إبان تقنين نص التوراة الأول (القرن الرابع قبل الميلاد)، فالتوراة مليئة بمخلفات الشرك والاعتقاد بآلهة كثيرة.

                    ويمكن لك الاستئناس بما نشرت في هذا الموضوع في تعليقي على ترجمة "رسالة بطليموس الغنوصي إلى فلورة المسيحية" على الرابط التالي (وسأنشره أدناه للفائدة باللون الأزرق):

                    ΠΤΟΛΕΜΑΙΟΥ ΠΡΟΣ ΦΛΩΡΑΝ "رسالة بطليموس الغنوصي إلى فلورة المسيحية" (أ) الرسالة 1. مقدمة: بين أيدينا رسالة كتبها بطليموس الغنوصي (؟ - 180 ميلادي) إلى امرأة مسيحية اسمها فلورة. وتعتبر هذه الرسالة المحررة باللغة


                    والتوقف عند حقيقة مهمة جدا، وهي استعمال صيغة الجمع (= أتاهوا) مع الاسم المجموع "إلوهيم"، في القول المنسوب إلى إبراهيم عليه السلام: "أتاهوني الآلهة" على لغة أكلوني البراغيث لأنها القاعدة في اللغات السامية (وسأظلله أدناه باللون الأحمر)، ففي ذلك دليل دامغ على "تعدد الآلهة" قبل التقنين من جهة، وعلى تناوب الأيدي على تلك الكتب حذفا وإضافة وتعديلا من جهة أخرى. وأقصد بالتعديل: عندما قنن اليهود نص العهد القديم للمرة الأخيرة (القرن الأول بعد الميلاد)، استبدلوا كل صيغ الجمع التي تأتي مع الاسم المجموع "إلوهيم" بصيغ المفرد، ونسوا أن يستبدلوا "أتاهوا" بـ "أتاهت" لتبقى حتى اليوم شاهدة على 1) اعتقادهم بتعدد الآلهة و2) تحريف تلك النصوص!

                    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ

                    2. أسماء الإله المعبود عند اليهود والنصارى:

                    إن الأسماء التي استعملها اليهود والنصارى للدلالة على الإله المعبود بحق عندهم هي أسماء سامية لأن اللغات التي نزل الوحي فيها هي لغات سامية هي العبرية الآرامية (أسفار العهد القديم) والسريانية (الإنجيل/الأناجيل) والعربية (القرآن الكريم). والأسماء التي استعملها اليهود في أسفار العهد القديم هي /إِلُوهِيم/ ويهوه/ و/إِيل/ و/شَداي/. وأتوقف قبل النظر في هذه الأسماء عند اشتقاق /إلوهيم/ دون التعرض لمعنى الجذر الأصلي له لأنه غير معروف.

                    لكلمة "إله" في اللغات السامية جذران اثنان هما:

                    أ‌) الجذر الأول: /أ ل ل/. ولقد ورد هذا الجذر في الأكادية: إِلُّم (ill-um)، وفي العبرية: אל (el)، والفينيقية والأوغاريتية: /إِلٌّّ/، والسريانية: ܐܠܐ (ellā). وفي العربية: /إلٌّ/ وهو الله سبحانه وتعالى. (انظر معنى إلٍّ في الآية الكريمة: لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذِمة (10:9)؛ وكذلك معنى قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما تُلي عليه بعض من "وحي" مسيلمة الكذاب: "إن هذا لشيء ما جاء به من إلٍّ"). ويؤنث هذا اللفظ في السامية الأم على: /إِلَّـةٌ/ (illat-um)، وورد في البابلية /إِلْتُم/. ومن /إِلَّـةٌ/ السامية اسم الصنم "اللات" عند العرب. ومن الجدير بالذكر أن اسم مدينة "بابل" بالأكادية هو: /بابْ إِلّيم/ (Bāb Ill-īm) أي "باب الآلهة"، ولا علاقة له بخرافة "بلبلة الألسن" الواردة في التوراة. ويرد الاسم /إِلٌّ/ في العبرية كثيراً في أواخر الأسماء مثل اسماعيل وميكائيل وإسرائيل، وورد في العربية في أسماء مثل ياليل وشرحبيل.

                    ب‌) الجذر الثاني: /إ ل ه/ (بإضافة الهاء). ولقد ورد هذا الجذر في العبرية: אלוה (eloah<elāh)، وانحراف اللفظ في العبرية مصدره انقلاب ألف المد قبل حروف الحلق إلى (oa)، وهذا اللفظ نادر الورود في التوراة بالمفرد وكثير الورود فيها بصيغة الجمع هكذا: אלהים (elōhīm)، إِلُوهِيم؛ وفي الآرامية القديمة: אלה (elāh)، وفي السريانية: ܐܠܗܐ (elāhā) "الإله"، والألف نهاية الكلمة للتعريف. العربية: /إله/، /إلاه/. [1]

                    إذاً نحن إزاء جذرين اثنين الأول ثنائي والآخر ثلاثي. وربما يكون الجذر الثنائي هو الأصل فأضيفت إليه الهاء كما أضافوها إلى الأم /أم/ – /أمه/ في سائر الساميات، ولكن الهاء لا تظهر فيها إلا في حالة الجمع ـ "أمهات". والنظريات السائدة لدى علماء الاشتقاق في الساميات هي أن معنى الجذر /إ ل ه/ الأصلي موجود في الجذر السامي /وله/ بمعناه في العربية، أو في الجذر السامي /أول/ بمعناه في العربية والأكادية [2]، أو في /أ ل ه/ العبري بمعنى "قوي"، أو في الفعل العربي /أَلِهَ/. [3]

                    وأما /إلوهيم/، هو أكثر الأسماء الدالة على الإله المعبود بحق عند اليهود وروداً، فقد ورد مجرداً من أداة التعريف (هـَ / ها) للعلمية:

                    1. אלהים = /إلوهيم/.

                    و/إلوهيم/ هو جمع لفظة: אלוה = /إِلُوَه/ "إله" في اللغة العبرية. انظر الآية الأولى من سفر التكوين:

                    בְּרֵאשִׁית בָּרָא אֱלהִים אֵת הַשָּׁמַיִם וְאֵת הָאָרֶץ.

                    النقحرة: بِرِيشِيتْ بَرَأ إِلُوهِيم إِتْ هاشَّمايْم وِإِتْ هاإِرِصْ.

                    الترجمة الحرفية: "1. في البدء بَرَأَ/خَلَقَ اللهُ السماواتِ والأرضَ".

                    كما ورد في الآية الأولى من الإصحاح الثاني والعشرين من سفر التكوين محلى بأداة التعريف التي تخرجه كلياً من العلمية ـ ولو مجازاً ـ لتؤكد على كونه صيغة جمعٍ عادية:

                    וַיְהִי, אַחַר הַדְּבָרִים הָאֵלֶּה וְהָאֱלהִים נִסָּה אֶת-אַבְרָהָם וַיֹּאמֶר אֵלָיו אַבְרָהָם וַיֹּאמֶר הִנֵּנִי.

                    النقحرة: 1. وَيْهِي أَحَر هادباريم هاإِلِّه وهاإلوهيم نِسَّى إِتْ أبراهام وَيُومِر إِلاو: أبراهام! وَيُومِر: هِنّني.

                    الترجمة الحرفية: "1. وكان بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم وقال له يا إبراهيم، فقال [إبراهيم]: لبيك".

                    الترجمة الحقيقية: وكان بعد هذه الأمور أن الآلهة امتحنوا إبراهيم وقالوا له يا إبراهيم، فقال [إبراهيم]: لبيك".

                    ونرى في هذه الآية أن الكلمة الدالة على الإله المعبود بحق في التوراة ـ وهي أكثر الكلمات وروداً في التوراة للدلالة عليه ـ قد وردت بصيغة الجمع، مرة علماً وأخرى جمعاً عادياً كما تبين من الآيتين أعلاه. وقد شكَّل ذلك منذ البداية مشكلة لاهوتية عويصة لعلماء التوراة من النصارى واليهود، ما تركوا معها حيلة إلا وحاولوها لتفسير هذه الظاهرة التي تنقض عقيدة التوحيد الموحاة من الأساس، ففسروا /إلوهيم/ على أنه "جمع جلالة" (pluralis majestatis)، لكن هذا التخريج لم يقنع أحداً لاستحالته من الناحية الدينية والمنطقية. وأعتقد ـ وهذا اجتهاد شخصي ـ أن التفسير المنطقي الوحيد لهذه المشكلة اللاهوتية العويصة يجب أن يُبحَث عنه في ارتداد بني إسرائيل إلى الشرك بعد عبادتهم العجل في سيناء، لأنهم كانوا على التوحيد على زمان النبي إبراهيم عليه السلام، واستمروا عليه حتى زمان النبي موسى عليه السلام، ثم ارتدوا في سيناء، ثم عادوا إلى التوحيد من جديد، وهذا كله موجود في التوراة التي بأيدينا اليوم (سفر الخروج). وبما أن التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام غير موجودة اليوم بنصها الأصلي، وأن نص التوراة الحالي تم تقنينه ـ بإجماع اليهود والنصارى ـ بعد السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد، فإن شيئاً لا يحول دون الاعتقاد أن اليهود تشبعوا بالشرك في بلاد بابل وآشور إبان السبي البابلي، خصوصاً وأنهم كانوا ارتدوا إلى الشرك في حياة موسى عليه السلام، حينما كان على الطور في سيناء، فما الذي يمنع من ارتدادهم إلى الشرك بعد موته بألف عام؟! إن تشبعاً بالشرك كهذا الذي أراه وأعتقده هو الذي جعلهم يجمعون اسم الإله المعبود بحق عندهم على /إلوهيم/، إذ لا يعقل أن يُعتَقَد أن جمعاً كهذا كان على أيام كليم الله موسى عليه السلام. ومن الثابت قطعاً لا تخميناً أن النص العبري للتوراة كان في مرحلة ما إبان السبي البابلي يورد الأفعال التي كان جمعُ الإله على /إلوهيم/ يرد فاعلاً لها بصيغ الجمع مثل لغة "أكلوني البراغيث"، وأن الصفة في العبرية تتبع الموصوف في جميع حالاته (مثل العربية)، بحيث ينعت المفرد بالمفرد والجمع بالجمع. إلا أن التقنين الأول الذي أجري على نص العهد القديم في القرن الخامس قبل الميلاد استبدل باضطراد صيغة الجمع في الأفعال الواردة مع /إلوهيم/ بصيغة المفرد على أساس أن /إلوهيم/ لفظ مفرد، وجعل النعت الذي يجيء بعد /إلوهيم) مفرداً. ومن الجدير بالذكر أن نص العهد القديم خضع لتقنين ثان في نهاية القرن الأول بعد الميلاد وهو التقنين الذي أثبتت مخطوطات البحر الميت أنه تم نتيجة لظهور المسيحية التي فسرت زمان "العهد القديم" ـ وهو العهد الذي اصطفى الله فيه آل إسرائيل ـ على أنه عهد يمهد لظهور المسيح عليه السلام الذي بدأ بظهوره "عهداً جديداً" ألغى "العهد القديم" برمته! وعلى الرغم من تقنين أحبار اليهود نصَّ العهد القديم مرتين وأنهم في المرتين استبدلوا باضطراد صيغة الجمع في الأفعال الواردة مع /إلوهيم/ بصيغة المفرد على أساس أن /إلوهيم/ لفظ مفرد، وكذا النعت الذي يجيء بعد /إلوهيم/ وجعلوه مفرداً، فإنهم نسوا بعض الأفعال وكذلك بعض النعوت بصيغة الجمع لتبقى حتى يومنا هذا شاهدة على تناوب الأيدي على نصوص العهد القديم حذفاً وإضافةً وإقحاماً وتحويراً للفظ وذلك للحصول على معاني مختلفة تنسجم مع التغيرات الدينية والسياسية في تلك الأزمان (وأهمها ظهور المسيحية) كما سيتبين لنا من المثالين التاليين:

                    قال في سفر التكوين، الإصحاح العشرين، الآية الثالثة عشرة:

                    וַיְהִי כַּאֲשֶׁר הִתְעוּ אתִי, אֱלהִים מִבֵּית אָבִי, וָאמַר לָהּ, זֶה חַסְדֵּךְ אֲשֶׁר תַּעֲשִׂי עִמָּדִי: אֶל כָּל-הַמָּקוֹם אֲשֶׁר נָבוֹא שָׁמָּה, אִמְרִי-לִי אָחִי הוּא.

                    النقحرة: وَيْهِي كَأَشِر هِتْعوا أوتي إلُوهِيم [4] مِبَيْت أبي، وَأُومِر لَهْ زِه حَسْدِيك أَشِر تَعَسِي عِمَّدي: إِلْ كُلْ هَمَّقُوم أَشِر نَبُوء شَمَّه، إِمْري لي: أَخِي هُو.

                    الترجمة الحرفية: "13. وكان عندما أتاهوني الآلهة [5] من بيت أبي أن قلت لها: هذا معروفك الذي تصنعين إلي في كل مكان ندخله: قولي عني هو أخي".


                    فورد الفعل هِتْعوا (= أتاهوا) بصيغة الجمع لأن الفاعل هو إلوهيم جمع /إِلُوَه/ "إله"! ولو كان هذا جمع جلالة لما استبدلوا باضطراد صيغة الجمع في الأفعال الواردة مع /إلوهيم/ بصيغة المفرد على أساس أن /إلوهيم/ لفظ مفرد.

                    وقال في سفر تثنية الاشتراع، الإصحاح الخامس الآية الثانية والعشرين (الآية الرابعة والعشرون في ترجمة فنديك):

                    ... כָל-בָּשָׂר אֲשֶׁר שָׁמַע קוֹל אֱלהִים חַיִּים ...

                    النقحرة: كُلْ بَسَر أَشِر شَمَع قُولْ إِلُوهِيم حَيِّيم ...

                    الترجمة الحرفية: "22. كل البشر الذين سمعوا قول الآلهة الحية ...".

                    فنعتت هذه الآية إِلُوهِيم بـ حَيِّيم وهذا الثاني جمع وهذا محال في "جمع الجلالة" لأن جمع الجلالة يكون مثل "نحن، السلطان العظيم صلاح الدين الأيوبي" وليس "نحن السلاطين العظام صلاح الدين الأيوبي"! وليس بين جموع الجلالة المستعملة في اللغات الحامية السامية والهندية الأوربية لغة تبيح مثل ذلك.

                    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                    [1] وأما لفظ الجلالة في الإسلام (الله) فأصله: الإله. وحذفت الهمزة وفخمت اللام في اللفظ للتوكيد الشديد على تفرد اللفظ في الدلالة على الإله المعبود بحق تمييزاً للفظ عن غيره من الأسماء التي تطلق على الأوثان. وعليه فإني أميل إلى الاعتقاد ـ والله أعلم ـ أن لفظ الجلالة لم يكن علماً في الأصل بل أصبح علماً للدلالة على الإله المعبود بحق وهو الاسم الذي يستعمله المسلمون والمسيحيون العرب واليهود المستعربون للدلالة على الإله المعبود بحق عندهم.
                    [2] ومنه /أويل/ في الأكادية وهو "الرجل" و"السيد" وكذلك /أَوَّل/ في العربية.
                    [3] لخص المستشرق الألماني نولدكة كل الآراء المتعلقة باشتقاق /إل/ و/إله/ في كتيبه Neue Beitr&auml;ge zur semitischen Sprachwissenschaft. Stra&szlig;burg, 1910 "بحث جديد في علم اللغات السامية".
                    [4] أوتي = إياي. إن الحرف את أداة نصب في العبرية ترد قبل المفعول به، وتجانس في العربية أداة النصب (أو ضمير النصب) "إي" في "إيّاك نعبد وإياك نستعين الآية"، مع فارق أنها لا تأتي في العربية إلا مع ضمائر النصب التي تكون بدلاً من الاسم المنصوب لتوكيده، بينما تستعمل في العبرية مع الضمائر: (א(ו)תנו = إيانا)، ومع الاسم المفعول به كما نقرأ في الآية الأولى من سفر التكوين: (בראשית ברא אלהים את־השמים ואת־הארץ: بِرِشِيت بَرَأ إِلُوهِيم إِتْ هاشَّمايْم وِإِتْ هاإِرِصْ "في البدء /خلقَ اللهُ السماوات والأرض"). فالمفعولان بهما (هاشمايم "السماوات" وهاأرص "الأرض") مسبوقان بأداة النصب את.
                    [5] هِتْعوا أوتي إلُوهِيم: "أتاهوا إيايَ/أتاهوني الآلهة" على لغة "أكلوني البراغيث" لأنها كانت ولا تزال القاعدة في اللغات السامية. وكانت العربية عطلتها لالتقاء الفاعِلَيْن، وهو تطور لغوي مخصوص بالعربية دون سائر الساميات.


                    وتحية طيبة عطرة.
                    [/align]
                    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرحمن السليمان; الساعة 14-07-2007, 09:35.
                    عبدالرحمن السليمان
                    الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                    www.atinternational.org

                    تعليق

                    • أسامة أمين ربيع
                      عضو الملتقى
                      • 04-07-2007
                      • 213

                      #25
                      [align=right]أشكرك مرة أخرى على تبيان هذه الأمور وأنتهز الفرصة للإشارة إلى موقع مهم للدراسات اليهودية (بالفرنسية) :

                      http://www.akadem.org/index.php[/align]

                      تعليق

                      • عبدالرحمن السليمان
                        مستشار أدبي
                        • 23-05-2007
                        • 5434

                        #26
                        [align=justify]شكرا على ذكر الرابط، وقد زرت هذا الموقع مرات عديدة وملاحظتي عليه هو أن القائمين عليه قد لا يتحرون الدقة في "المنطقة الرمادية" عندما تكون المعلومة قابلة للتأويل، فيفسرونها بما يتناسب مع هواهم. وهم في ذلك ليسوا بدعة.

                        وأنقل هذه الحاشية في بعض مشاكل كتاب العهد القديم إلى هنا، وقد كنت كتبتها بلغة مبسطة بعض الشيء إفادة للزملاء والزميلات غير المتخصصين:

                        [align=center]الترجمة السبعينية - Septuagenta[/align]
                        إن الترجمة السبعينية لكتب العهد القديم من العبرية إلى اليونانية وثيقة تاريخية مهمة ليست كغيرها من ترجمات العهد القديم لأنها بمثابة "الأصل" لكل النسخ المعتمدة في الكنيسة الكاثوليكية، أكبر كنائس الديانية المسيحية، بل هي الأصل المباشر للترجمة اللاتينية اللاحقة المعروفة باسم Vulgata والتي منها ترجمت أسفار العهد القديم إلى لغات الأمم التي تدين بالكاثوليكية.

                        وأُبسِّط في تقديم المادة إفادةً للإخوان غير المتخصصين:

                        أولاً: كانت العبرية التوراتية مستعملة حتى حوالي القرن الخامس قبل الميلاد. بادت العبرية التوراتية كلغة محكية، وأصبحت لغة دينية فقط لا يفهمها إلا الأحبار، وحلّت الآرامية محلها بالتدريج، وبقي الحال هكذا حتى قام الإسكندر المقدوني باحتلال المشرق وبناء الإسكندرية في القرن الثالث قبل الميلاد. سكن الاسكندرية، فيمن سكنها، طائفة من اليهود الذين أصبحوا يتحدثون باليونانية. استعجم كتاب العهد القديم على هذه الطائفة اليهودية الساكنة في الإسكندرية لأن أفرادها صاروا يتحدثون اليونانية في وقت أصبحت العبرية فيه لغة دينية فقط لا يفهمها إلا الأحبار. قام هؤلاء الأحبار بترجمة أسفار العهد القديم إلى اليونانية. تسمى هذه الترجمة بالترجمة السبعينية (Septuaginta)، وهي أقدم ترجمة لكتاب العهد القديم إلى لغة أخرى.

                        إذاً ترجم اليهود كتاب العهد القديم إلى اليونانية لاستعمالهم الديني المخصوص بهم وذلك قبل ظهور الديانة المسيحية. فالترجمة إذاً حرفية وشملت كل الكتب التي كان كتاب العهد القديم يحتوي عليها آنذاك. وعليه فإن الترجمة السبعينية هي ترجمة يونانية للنص العبري للعهد القديم كما كان اليهود قنَّنوه واعتمدوه في القرن الثالث قبل الميلاد. ويحتوي هذا النص المعتمد لديهم على 47 سفراً.

                        ثانياً: نشأت الديانة المسيحية التي ترى في كتاب العهد القديم البعد التاريخي واللاهوتي لها، وأدّى هذا المعتقد إلى تشويش الأمر الديني لدى اليهود، لأن الديانة المسيحية تقسم التاريخ البشري إلى عهدين كبيرين: العهد القديم وهو عند المسيحيين العهد الذي اصطفى الله فيه آل إسرائيل والذي كان بمثابة التمهيد لمجيء المسيح عليه السلام، الذي افتتح بمجيئه عهداً جديداً للبشرية أنهى العهد العهد القديم وألغى اصطفاء الله آل إسرائيل ... وأضافت العقيدة المسيحية المتعلقة بالخطيئة الأزلية بعداً دينياً عميقاً لهذا الفصل ين العهدين. وغني عن التعريف أن اليهود لا يسمون كتب العهد القديم بالعهد القديم لأنهم لا يؤمنون بالتصنيف المسيحي لديانتهم أو كتبهم ولا يؤمنون بمبدأ النسخ على الإطلاق، بل يسمونه بأسماء كثيرة أشهرها "تاناخ" (كلمة مكونة من أحرف أجزاء العهد القديم الثلاثة: التوراة، الأنبياء، الكتب) أو "مِقرأ" (اسم الآلة من "قرأ"). وقد مر معنا في مداخلة سابقة أن اليهود المستعربين كانوا يسمون كتاب العهد القديم "بالقرآن". ومن الجدير بالذكر أن الديانة المسيحية ركّزت على تلك الأسفار من العهد القديم التي ارتأت فيها تبشيراً بمجيء المسيح عليه السلام، مثل كتاب "نبوءة عيسى بن سيراخ" وغيره مما اصطلح فيما بعد على تسميته أو تسمية بعضه بالأبوكريفا أي "الأسفار الزائفة".

                        ثالثاً: سبب نشوء ديانة جديدة هي المسيحية واعتبارها أسفار اليهود المقدسة عهداً قديماً يمهد لعهد قديم ورطة كبيرة لليهود جعلتهم يراجعون أنفسهم. وأدت هذه المراجعة للذات التي أتت نتيجة للتطورات الدينية والسياسية الحاصلة آنذاك إلى إعادة تقنين كتب العهد القديم. أدت هذه العملية التي تمت في القرن الثاني للميلاد في اجتماع مشهور لأحبار اليهودية في مدينة يامنة في آسية الصغرى إلى إسقاط مجموعة من أسفار العهد القديم بحيث أصبح عدد أسفاره 36 سفراً بدلاً من 47 سفراً.

                        إذاً صار عندنا من الآن فصاعداً نصان للعهد القديم: واحد باليونانية، هو الترجمة السبعينية، مكون من 47 سفراً، وواحد بالعبرية، قُنِّنَ في القرن الثاني للميلاد، مكون من 36 سفراً.

                        رابعاً: اتخذ البروتستانت النص العبري للعهد القديم المكون من 36 سفراً نصاً معتمداً لهم، بينما اتخذ الكاثوليك النص اليوناني للعهد القديم المكون من 47 سفراً نصاً معتمداً لهم.

                        النتيجة المنطقية لحالة لاهوتية كهذه هي اتهام المسيحيين (ماعدا البروتستانت الذين أتوا متأخرين) لليهود بإسقاط الأسفار التي تنبأت بظهور المسيح عليه السلام من نصهم المعتمد من جهة، وتبرؤ اليهود التام من تلك الأسفار ورد الاتهام على المسيحين واتهام المسيحين بنحل تلك الأسفار وفبركتها ونسبتها إلى اليهود من جهة أخرى! وأتحفظ في هذا المجال على نسبة تلك الأسفار الزائدة أو المحذوفة بالأبوكريفا لأن الأبوكريفا مصطلح ديني أُدخِل في الاستعمال بعد ظهور المسيحية ولا ينطبق بحال على أسفار الترجمة السبعينية لأنها تمت قبل ظهور المسيحية بثلاثة قرون ولأن الأسباب العقائدية التي تدعو لاستعمال هذا المصطلح وتبرره كانت غير موجودة آنذاك!

                        أخيراً: عُثر بين مخطوطات البحر الميت على أصول عبرية لبعض الكتب الواردة في الترجمة السبعينية والمحذوفة من النص العبري المعتمد في القرن الثاني للميلاد، فصحت الفرضية الأولى وهي قيام الأحبار اليهود بإعادة تقنين نصهم المعتمد لديهم (ولدى البروتستانت وشهود يهوه) اليوم وذلكم في القرن الثاني للميلاد أي بعد ظهور المسيحية.

                        وبراءة اليهود من الكتب المحذوفة والموسومة بالأبوكريفا لا تبرئهم من التهمة التي أثبتت صحتها مكتشفات البحر الميت.

                        أما بخصوص ما يذكر في اختلاف الترجمات وخصوصاً العربية منها، فلي عودة إلى هذا الموضوع إن شاء الله، خصوصاً وإني أملك ترجمة عربية نادرة جداً لأسفار العهد القديم قام بها الجاؤون سعاديا بن يوسف الفيومي في القرن العاشر الميلادي، طبعها بالحروف العبرانية ديرينبورغ في باريس بين 1893 و1899، صدرت بعنوان "تفسير التوراة بالعربية"، وهي أجود من غيرها من الترجمات العربية!

                        وللفائدة أذكر أن هذه الترجمة هي الترجمة التي استعملها الحافظ ابن حزم الأندلسي في معرض نقده لأسفار التوراة في كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل" كما ثبتب لي قطعاً من خلال مقارنة الآيات التوراتية الواردة فيه ـ والمختلفة نسبياً عن الآيات الواردة في الترجمات العربية الحديثة ـ بالآيات الواردة في ترجمة الفيومي! ولو اطلع محققا كتاب "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (وهما الدكتور محمد إبراهيم نصر والدكتور عبدالرحمن عميرة) على ترجمة الفيومي لكفا نفسيهما عناء تصويب الآيات التوراتية التي ذكرها ابن حزم في كتابه على أساس الترجمات الحديثة. وفي ذلك خلطٌ وأي خلط!
                        [/align]
                        عبدالرحمن السليمان
                        الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                        www.atinternational.org

                        تعليق

                        • عبدالرحمن السليمان
                          مستشار أدبي
                          • 23-05-2007
                          • 5434

                          #27
                          [align=justify]لا بأس من إضافة بعض الملح والطرائف اللغوية (المفيدة!) إلى هذا الباب للاستقواء بها على على الجد، على مذهب شيخنا الجاحظ!!!

                          [align=center]حلب، أم المعالي والرتب![/align]
                          لا شك في أن اللهجات المحكية في الشام تحتوي على بقايا آرامية مثل قولنا: شَهْلَب شَهْلُوبة (مشتقة من الآرامي: שהלב: شَلْهِب، من الجذر /لهب/، والشين للتعدية، وتجانس هذه الشين الألف في العربية في مثل أرسل وأمات وكذلك السين في مثل سَلْعَفَ، سَقْلَبَ وسَلْقَيَ). وكانت بلاد الشام آرامية قبل الفتح الإسلامي لها، فمن الطبيعي أن يكون أكثر أسماء المدن والقرى فيها أرامي الأصل مثل كَفْرطاب وغيرها من الأسماء المبتدئة بكَفْر التي تعني "قرية" في الآرامية (= كَفْرا "القرية").

                          وأما اسم مدينة حلب فلا شك في أن له علاقة بالبياض لأنه مشتق من الجذر السامي المشترك /ح ل ب/ الذي يعني "حَلَب، حليب". ولقد سمعت مرة من أمي ـ حفظها الله ـ أن "حلب" سميت هكذا لأن سيدنا إبراهيم عليه السلام توقف فيها أثناء تجواله و"حَلَبَ" فيها نعاجه! وهذا اشتقاق شعبي رغم ما ذهبت إليه الوالدة أدام الله بقاءها.

                          ويشبه إطلاقهم صفة بياض الحليب على "حلب" اطلاقهم صفة بياض اللبن على "لُبنان" لأنه يعني في الآرامية "[الجبل] الأبيض"، فللجذر /ل ب ن/ معنى البياض في الساميات، ومن بقاياه في العربية "اللبان" وهو البخور الأبيض، واسم "لبنى" وغيرهما.

                          والكناية عن البياض باللبن والحليب تقليد قديم لا يزال يعمل به إلى يومنا هذا. فلقد أسمى الحمويون الإنكليزية جين ديغبي (Jane Digby) التي أتت في القرن التاسع عشر إلى سورية وتزوجت من أحد شيوخ البدو فيها، وهو الشيخ "مجول"، وأقامت معه باقي حياتها في بيته في حماه، "أم اللبن" لبياضها! وأخيراً يستأنس بوصف الحيزبونات السوريات اللواتي يصفن المرأة المخطوبة للخاطب بقولهن: "وجهها مثل الجبن الحموي [الناصع البياض]"، وأنفها "مثل قرن الفليفلة الحار [= الرفيع]"، وشفتاها فستق حلبي، وخداها تفاح شامي، والله يجعلها من نصيبك، فيورطن الخاطب بالداهية المنكرة، وينصرفن بأجورهن الحرام! [/align]
                          التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرحمن السليمان; الساعة 15-07-2007, 16:39.
                          عبدالرحمن السليمان
                          الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                          www.atinternational.org

                          تعليق

                          • عبدالرحمن السليمان
                            مستشار أدبي
                            • 23-05-2007
                            • 5434

                            #28
                            [align=justify][align=center]تأملات في اِمرأة – أنثى ـ رَجُلَة ـ إنسانة![/align]
                            هنالك في العربية:

                            /مَرأة/ (امرأة بعد زيادة الألف فيها فيما بعد) مؤنث /مَرء/ الذي يعني تأثيلياً /رجل/! وليس ببعيد في القياس بأنها كانت تجمع على /مَرآت/!

                            و/نساء/، جمع /إنسانة/، لأنها مشتقة من الجذر العربي/السامي القديم /أ ن س/، ومنه الإنسان والأنس والإنسانية الخ.

                            و/إنسانة/ هي مؤنث /إنسان/ كما ترى، تماما مثلما تكون /مَرأة/ مؤنث /مرء/، و/رجلة/ مؤنث /رجل/، علما أن رَجُلَة لا تقال إلا لأخوات الرجال في القول والفعل من النساء. وقد أطلقوها قديماً على أمنا عائشة ـ جعل الله لشانئها كوكب الرجم ـ فقالوا: هي رَجُلَةُ العرب!

                            إلا أن أهم جذر سامي يشير إلى المرأة هو الجذر: /أ ن ث/.

                            إذاً: الجذر السامي الدال على المرأة هو /أ ن ث/. وهنالك قانون صوتي مطرد في الساميات مفاده أن حرف /الثاء/ في اللغة السامية الأم التي تفرعت عنها كل اللغات السامية، يبقى في العربية /ثاء/، ويصبح في السريانية /تاء/ وفي البابلية والعبرية /شين/.

                            مثال: /ثُوم/ في اللغة السامية، يبقى في العربية /ثُوم/، ويصبح في السريانية /تُوما/، وفي البابلية والعبرية: /شُوم/. هذه قاعدة مضطردة لا شواذ لها.

                            وإذا طبقنا هذه القاعدة على الجذر /أ ن ث/ لوجدنا أن /أنثى/ السامية بقيت /أنثى/ في العربية، وأصبحت في العبرية: وאישה: إيشَّة ـ بتشديد الشين، وأصلها في العبرية /إِنْشَة/ إلا أن النون في العبرية من حروف العلة، فأدغمت بالحرف الذي يليها، وظهر التشديد عليه للدلالة على الإدغام.

                            أما المعنى الأصلي للجذر فله علاقة بالضعف، لأن هنالك فعلاً بابلياً مشتقا منه هو /إنِيشُ/ ومعناه ضَعُفَ، وهذا الفعل ينظر إلى أخيه في العربية: /أَنُثَ/، الذي يعني أصبح مثل الأنثى في الضعف.

                            وأما /نساء/ و/نسوة/ فأعتقد أن الأصل هو /أنس/ وهو جذر مرادف لـ /أنث/ في الاشتقاق لأن أصل الجذور السامية ثنائي يضاف إليها حرف ثالث لتحديد المعاني. وعليه فإن الاجتهاد يقتضي اعتبار الجذر الثنائي الأصلي لهذين الجذرين هو /أ ن/، فأضيفت الثاء إلى أحدهما للدلالة على الأنثى، والسين إلى ثانيهما للدلالة على /الإنسان/ ذكرا كان أم أنثى! وأميل إلى الاعتقاد أن أصل /نساء/ هو /أنسات/ (قارن: آنسة/آنسات)، فحذفت الألف التي هي فاء الجذر، وقدمت النون لتصبح هي فاء الفعل، وأصبحت السين عين الجذر، وأضيفت الواو التي أصبحت لام الجذر في /نسوة/ إليهما، وهي الواو التي انقلبت همزةً في /نساء/، مثلما انقلبت واو /كان/ همزة في اسم الفاعل منه: /كائن/.

                            إذاً: الجذر السامي الثاني الدال على الانسان، رجلا كان أم امرأة، هو /أ ن س/. وهنالك قانون صوتي مطرد في الساميات مفاده أن حرف /السين/ في اللغة السامية الأم التي تفرعت عنها كل اللغات السامية، يبقى في العربية /سين/، ويصبح في السريانية /شين/ وفي البابلية والعبرية /شين/ أيضاً.

                            مثال: /لِسان/ في اللغة السامية، يبقى في العربية /لِسان/، ويصبح في السريانية /لَشُونا/ (والألف نهاية الكلمة للتعريف)، وفي البابلية: /لِشان/، والعبرية: /لَشُون/. وهذه أيضاً قاعدة مضطردة لا شواذ لها.

                            وإذا طبقنا هذه القاعدة على الجذر /أ ن س/ لوجدنا أن /أنس/ السامية بقيت /أنس/ في العربية، وأصبحت في العبرية: אנש: /أَنَش/ (ومنه /أَناشِيم/ أي الناس، الذي يجانسه في العربية: أناس)!

                            ولكن إذا نظرنا وأمعنا النظر في الكلمة العبرية: /نَشي(م)/ = نساء، والسريانية /نَشي(ن)/ = نساء أيضا، لاستنتجنا بسهولة أن التطور الصرفي للجذر /أ ن س/ إلى /نسو/ وقع في العربية والعبرية والسريانية، وهذا من عجائب الاتفاق اللغوي!
                            [/align]
                            التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرحمن السليمان; الساعة 15-07-2007, 20:44.
                            عبدالرحمن السليمان
                            الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                            www.atinternational.org

                            تعليق

                            • أسامة أمين ربيع
                              عضو الملتقى
                              • 04-07-2007
                              • 213

                              #29
                              [align=right]أستاذ عبد الرحمن،

                              جميلة هذه التأملات في رحلة الكلمات. من باب الإضافة لهذا الموضوع أشير إلى أنه ظهر منذ عدة سنوات نحت المصطلح العلمي "إنسالة" من إنسان و "آلة" الذي نستعمله بنجاح في "مجلة العلوم"، وهي الترجمة العربية لمجلة Scientific American

                              مجلة العلوم تصدر منذ أكثر من عشرين سنة عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.

                              رابط المجلة : http://www.kfas.com/pub_oloom.html[/align]


                              إضافة : نسيت أن أشير إلى أنَّ هذا المصطلح يوازي الكلمة المستعملة عالمياً (من الأصل التشيكي) Robot
                              التعديل الأخير تم بواسطة أسامة أمين ربيع; الساعة 15-07-2007, 22:03.

                              تعليق

                              • عبدالرحمن السليمان
                                مستشار أدبي
                                • 23-05-2007
                                • 5434

                                #30
                                [align=justify]شكرا يا أستاذ أسامة.

                                وأصدقك وأقول إن سعادتي كبيرة بقراءتك هذه الملاحظات والحواشي المتفرقة، وأنا مولع بالاشتقاق، وفنونه، وهو أحب العلوم اللغوية إليّ، وأجد في الغوص في أصول الكلام، والتأمل في رحلة الكلمات، متعة لا تضاهيها متعة، فلقد جمعت خلال رحلتي مع اللغات مادة كثيرة، أطمح في نشرها "معجما اشتقاقيا للغة العربية". وقد كنت طرحت مشروعه للنقاش على الرابط التالي:



                                إلا أن ظروفا كثيرة تحول دون النقاش المنهجي فيه لقلة اهتمام الزملاء والزميلات وكذلك المجامع اللغوية العربية بهذه الموضوعات، ولعدم تفرغي للاشتغال به بسبب أشغالي الأخرى. وما أشد رغبتي في التفرغ لهذا المشروع، وما أقوى إرادتي على إخراجه حين يأذن الله بذلك. إن الحديث فيه، وحده، يكفيني.

                                دمت بخير.
                                [/align]
                                عبدالرحمن السليمان
                                الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                                www.atinternational.org

                                تعليق

                                يعمل...
                                X