دعوة لترشيح نصوص للترجمة ...

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أمين خيرالدين
    عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
    • 04-04-2008
    • 554

    #16
    الأستاذ سالم وريوش الحميد
    اسعد الله اوقاتكم
    وكل عام وانتم بخير
    مشروع أدبي كبير يستحق التقدير
    ويشرفني ان أشارك بنص من عندي
    لكن كيف نرسل النصوص لسيادتكم وعلى أي بريد او باب
    تحياتي
    [frame="11 98"]
    لأني أحبُّ شعبي أحببت شعوب الأرض

    لكني لم أستطع أن أحب ظالما
    [/frame]

    تعليق

    • سالم وريوش الحميد
      مستشار أدبي
      • 01-07-2011
      • 1173

      #17
      الأساتذة الأفاضل ..
      نرجو أرسال نبذة مختصرة عن السيرة الذاتية للكاتب
      مع كل نص مرسل للتعريف بالكاتب
      ومشاركاته ..وما قدمه من نصوص خلال مسيرته الأدبية ...
      أسم الكاتب
      البلد
      التخصص في مجال الأدب
      السيرة الذاتية للكاتب
      على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
      جون كنيدي

      الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

      تعليق

      • سالم وريوش الحميد
        مستشار أدبي
        • 01-07-2011
        • 1173

        #18
        النص رقم 1
        اسم الكاتب : أحمد عكاش
        البلد :
        التخصص في مجال الأدب : أديب وكاتب
        السيرة الذاتية :
        (1)
        الحصار
        قصّة قصيرة
        بقلم: أحمد عكاش
        كان ذلك يوم الجمعة، يوم عطلتي الأسبوعيّة، خرجت من الدار بِذهن خليٍّ، لا يشغلني إلا الحصول على خبزنا اليومي، انحدرت في الشارع المفضي إلى السوق، أنقل خطواتي برتابة وكسل، كان الشارع هادئاً، لما بدأت تتناهى إليَّ أصوات الباعة، كثرت حولي أقدام المارة، أحسست على نحو مبهم أنّ ثمّة عيوناً تراقبني.. تتبعني، انقبضت لهذا الخاطر، تسارعت خطاي آليّاً، جاهدت في دفع هذا الهاجس دون جدوى، كانت نظرات مطاردي تنغرس بين كتفيّ باردة يقشعرّ لها بدني، حتى تشكلت بين كتفي بركة من الثلج، التفتّ خلفي بغتة لأنفض هذا الكابوس عن كاهلي، فرأيته.. يسير إثري مباشرة، يضع قدمه حيث أرفع قدمي، تجمّدت الدماء في عروقي، اجتاحتني موجةُ بردٍ مؤلم، كان مطاردي هيكلاً عظمياً.. تقرقع عظامه وهو يتحرك، عظام كفّيه نحيلة طويلة، ومحجراه غائران مثل فُوّهتي بندقيّة، وقف يتأملني– كما خيّل إليّ- بجمود وبرود، فندّت عني آهة يبدو أن أحداً لم يسمعها، لم أدر ماذا أفعل، ولّيْتُه ظهري متجاهلاً، رحت أحثّ خطاي بين زحمة السوق.
        ارتفعت إثري قرقعة عظام مطاردي، كانت بركة الثلج بين منكبيّ توشك أن تجمّد أوصالي، لم أعد أجسر على الالتفات، كثرت قرقعة العظام ورائي، حتى طغت على جلبة الباعة، استجمعت شجاعتي والتفتّ .. خلفي مطاردان اثنان.. هيكلان عظميان، وقفا قبالتي ..راحت أيديهما تتأرجح.. تقرقع، صرختُ باشمئزاز وغضب:
        -لماذا؟!.
        تماوج صوتي ممطوطاً مرعوباً، لم تفعل صرختي شيئاً، الهيكلان العظميان جامدان مكانهما لا يبرحان، الناس في شأنهم، لم يلتفت إليّ منهم أحدٌ، وانضمّ هيكل عظميّ ثالث إليهما من جديد، صرختُ: مجرمون.
        عقدت العزم على الهرب، ركضت في البداية بطيئاً ثم تسارعت خطواتي، وضجّت في رأسي قرقعة العظام خلفي، لم أستطع الفكاك من مطاردتها، بركة الثلج ذابت عرقاً يسيل خطوطاً على ظهري حتّى يصل إلى أليتي، بدأ جسمي يلتهب، تسارعت خطواتي لكن عبثاً، كانت العيون الغائرة لاتزال تنغرس بين منكبي، وقرقعة العظام تتعاظم كالمرض الخبيث، حتى طغت على الأصوات كلّها، لا شيء في هذا العالم سوى قرقعةِ العظام التي تطلبني بلا هوادة، حانت منّي التفاتة وَجِلة فإذا بالهياكل العظميّة قد صارت عشرات، وصل بعضها إلى جواري، أنا الآن مطوّق عن يميني وشمالي وخلفي، فأرسلتها بكل ما بي من قوّة وهلع وحَنَق، صرخة استغاثة:
        - أنجدوني أيّها الناس، المجرمون القتلة يحاصرونني.
        صرخةٌ في وادٍ ..لم يلتفت إليّ أحد، كلٌّ ماضٍ في شأنه كأنّه لا يرى ولا يسمع، هل غدوت مع هذه الهياكل العظميّة المتزايدة أشباحاً غير مرئيّة ؟.
        تدفقت الهياكل العظميّة أمامي نهراً مشؤوماً لزجاً، وطفقَتْ تتباطأ أمامي.. تدفعني للوراء، كانالحصارقد أحكم حولي، واضطرّني للتوقف.
        جزيرة العظام تلفّني، الناس يمرّون بنا لا يعيروننا التفاتاً، كأننا منظر مألوف سئمه المارّة، أو أنهم لا يروننا البتّة، هل نحن أشباح؟!.
        كوّرْتُ كلّ ما بقي بي من قوّة ورشقتهم بها:
        -اللعنة عليكم، قَتَلَة مجرمون، دعوني، إليكم عني.
        ضيّقوا الحلقة حولي ..ما عدت قادراً على الحركة، خارت قواي، فوقفت لاهثاً أنتظر، أنقل نظري في الجماجم المُحْدِ‎قَةِ بي.
        - ماذا تريدون مني؟!.
        الحلقة تضيق والهياكل العظميّة تنثال نحوي من كل جهة، سدّت حولي الآفاق، حالت الآن بيني وبين الناس في السوق، أين كانت كلّ هذه الهياكل؟ أُسقط في يدي، قلت باستسلام وقنوط:
        - أنا إنسان فقير.. بسيط ..لا أريد أكثر من (ربطة خبز) لأطفالي، نحن لا نحبّ (الكباب الحلبي)، حتى ولا الحمصي، ولا نحبّ لحم السمك، لا نحب الذهاب إلى البحر و(الشاليهات) في الصيف، ولا في الشتاء، لا نحبه، لا نرتاد (الميرندا)، حمّامنا قِدْرٌ نحاسية كبيرة ورثتها عن أمّي رحمها الله، فماذا تريدون مني؟ تنحّوا عن طريقي.
        الحلقة حولي تضيق أكثر، شعرت بالاختناق.
        - أحلامي وخيالاتي كسيحة، لا أطمح إلى السياحة في أوروبة.. لندن أو باريس.. لا أسمح لخيالي بالجموح والتفكير بـ (فيلاّ) يُفتح بابها بضغطة زرّ، ويحوي حمّامُها مسبحاً و(تلفزيون) ملوّناً، وأدوات رياضة لتخفيف البدانة، الدُّوار يلفّني.. يكاد يغمى عليّ، دعوني أتنفّس.
        الهياكل العظميّة جامدة مكانها لا تتكلّم.. لا تتحرّك، فقط تقرقع بعظامها، مطارق تصدع رأسي، جفّ حلقي، يبس لساني ..سكتّ، رحت أقلّب الطرف في غابة العظام الشوهاء المغروسة حولي ،كم مضى على ذلك؟ لا أدري، أُلغي الزمنُ ..توقّف، كان يمكن أن يدوم ذلك إلى يوم القيامة، لكن بغتة.. دون أن أعي ما يجري، طأطأتِ الهياكلُ العظميّة كلّها رؤوسَها باحترام جليّ، ثمّ.. انحنت ببطء، حتى ركعت على ركبتيها.
        - أهذا لي؟! تساءلت في سرّي، وقد أخذت بي الحيرة كلّ مأخذ: هل هذا احترام أم أنهم يبيِّتون لي شيئاً؟ لم يطل تساؤلي وحيرتي، إذ انشق الجمع عن يميني.. تقدّم ثمانية هياكل عظميّة يحملون على أكتافهم عرشاً عظيماً مغطى بملاءة سوداء، وقفوا إلى مقربة مني، أُميط الستار جانباً فبدا لي "هيكل عظمي" يتربع العرش بترفّع مقزّز، تأملته مليّاً لا أعرف ما يراد بي.
        -أهذا السجود المهيب إذن لك؟ من أنت أيّها المشوّه؟!.
        وددت لو أسأله، وطقطق فكُّهُ، هوى عليّ صوته جافّاً حازماً:
        -أهذا أنت إذن؟.
        -نعم هذا أنا، لكن ما معنى هذا كله؟.
        -معناه أن المجرم الكبير سقط أخيراً في يد العدالة.
        -هل تعنيني بـ (المجرم الكبير)؟
        -هل ثمّة أعظم منك إجراماً ؟.
        -والعدالة أين هي؟ أ أنتم تمثّلون العدالة؟.
        -نحن لا نمثّل العدالة، نحن العدالة نفسها مجسّمة.
        -أنا (المجرم الكبير)، وأنتم (العدالة نفسها)؟!.
        جعلت أتأمل الجماجم حولي، اجتاحتني موجة ضحك هستيري، أخفقْتُ في دفعها، فأطلقتها قويّة مجنونة أُفْلِتَ زمامُها.
        أومأ الجالس على عرشه فوق الثمانية:
        - أيّها الطبيب جرّعْه البلسم الشافي.
        تقدّم أحد الهياكل العظمية مني وصفعني بعنف قاس، فوجمْتُ.
        - لا تضحك إلا إذا أَمَرَكَ (كبيرُنا) بالضحك.
        التهب خدّي وغلى رأسي، أدركت أنه يتوجّب عليَّ المزيد من الجدّ. من الاهتمام، بل ربما يحتاج الأمر إلى كثير من الحذر أيضاً.
        تابع (كبيرهم) الجالس فوق:
        - نحن نجهد في سيادة الحق، وأنت تفسد كل شيء.
        -أنا لست مجرماً، الحقيقة أني لا أعرف كيف تُرتكب الجرائم، أنا (عبدو) ابن (أم عبدو) بائعة الثياب البالية، أمّي كانت معروفة في السوق، تحتلّ مساحة صغيرة محدّدة من الرصيف، صاحب المحلّ المجاور لها كم مرّة قذف برِجله الثيابَ البالية.. بضاعةَ أمي إلى الشارع، فدهستها عجلات السيارات المسرعة، أو لطختها بالطين في شوارع الشتاء الموحلة، فهو يتأذّى من عرض بضاعتها الرثّة أمام محلّه الأنيق، ثم توسّط لها أهل الخير:
        -أرملة فقيرة يتصدّق عليها المحسنون بما رثّ من ثيابهم فتبيعها لتعيش مع ابنها الصغير، لا تطردْها من أمام محلّك، يأجرك الله.
        ثم سمح لها بعرض بضاعتها على الرّصيف أمام محلّه من الصباح إلى الظهر فقط، مقابل أن تكنس له المحلّ.. تمسح بلاطه.. ترشّ أمامه بالماء صباح كل يوم.
        أخيراً مرضت، سعلت أيّاماً ثم بصقت دماً، و..ماتت، نُمي إليَّ أن صاحب المحل كان يكلّفها أحياناً بتلبية رغبات زوجته في بيته، قاسيْتُ بعدها، ثم عملت أجيراً في محل لإصلاح السيارات الكبيرة، تزوجت من بنت فقيرة، رزقت منها حتى الآن ثلاثة أطفال. هذا أنا، (عبدو ابن أم عبدو) بائعة الثياب البالية، لم أسرق يوماً..لم أكذب على أحد، لم أخالف أنظمة السير أبداً، نفد المازوت عندنا منذ أكثر من أربعة أشهر، نسخن الماء للحمّام ب"بابور الكاز" فهل أنا مجرم؟.
        انبرى أحد الواقفين حولي: أقرّ بإجرامه يا سيّدي، أربعة أشهر يسخّن الحمّام بوابور الكاز؟! أي مجرم هذا الرّجل ؟! إنه المجرم الكبير يا سيدي، رأس العصابة، أم عبدو –رحمها الله– كانت مخبرة مخلصة لنا يا سيّدي، وابنها هذا -كما سمعتَ يا سيّدي- قليل وطنيّة.
        - لا أذكر أني تقاعست في خدمة أمتي، أو تخاذلت عن التضحية من أجل وطني.
        أومأ الكبير الجالس فوق:
        - أَيّها المعلّم ! اشرح له مزايا الصدق.
        و تلقيتها من أحدهم على خدّي الثاني.. لاهبة قاسية، لم يغل رأسي هذه النوبة، فقد وطّنت نفسي على تلقّي المزيد من الصفعات:
        -كل ما يُسمح لك بقوله إذا قال لك كبيرنا شيئاً هو [آمين]، لا تزد عليها حرفاً، أفهمتَ ؟.
        - كيف لي ألاّ أفهم ؟! غمغمت لنفسي،قال كبيرهم:
        - أنت قاتل، متّهم بقتل أحد رجالاتنا العلماء الأجلاّء، كان في مخبره فداهَمْتَه.. اقتدْتَه جرّاً من شعر رأسه إلى مجزرتك.. بَقَرْتَ بطنه حتى اندلقت أحشاؤه على الأرض ،.. تركْتَه ينزف حتى مات، قل لي: أليس هذا أقصى درجات الإجرام؟.
        أوّل مرّة أكتشف أن الضّحك بمقدوره أن يكون مصيبة، فقد راودتني من جديد موجة الضحك الهستيري.
        - جررْتُ عالِماً منكم من شعر رأسه و.. بقرت بطنه، اندلقت أحشاؤه و.. نزف حتّى مات؟! هل كان العالِم منكم؟! أقصد.. أريد أن أقول.. أنتم.. أنتم هياكل عظميّة يا سيّدي، لا شعر.. لا قلب.. لا دماء لكم، فكيف..
        لم يدعني أكمل، أومأ الجالس فوق:
        - أيّها المؤدِّب أدّبه.
        التهب خدّي من جديد، أحسست أنّه تورّم وتخدّر.. فكّرت: إنّ الضرب لن يؤلمني بعد الآن، أحمد الله، فقط أرجو أن أستمرّ قادراً على الكلام لأدافع عن نفسي. أدافع عن نفسي؟ عاودتني هستيريا الضحك من جديد.
        - يمكنك أن ترتاب بنفسك أو بالشمس الطالعة أو بالله وملائكته وكتبه ورسله، ولا يمكن أن ترتاب بما يقول (كبيرنا) أسمعت؟.
        -(مثل هذا يسمعه من به صمم)، تمتمت بيني وبين نفسي، رفعت رأسي أنتظر الجالس فوق:
        - أنت لصّ، سرقت هذا العرش العظيم، عرش هذا الجمهور الطيّب.
        ضرب على خشب الكرسي الجالس عليه فوق الهياكل العظمية الثمانية التي تحمله، فَسُمِع لذلك قرقعة عالية، عقد الدهش لساني فقلت متلعثماً:
        -كيف كان ذلك يا سيّدي ؟! .
        - كان هذا العرش وسط البحور السبعة، تحفظه الأمواج العاتية واللجج المتلاطمة، في أحد الأصباح استيقظتُ فلم أجد العرش تحتي، وأكّد لنا كثيرون أنهم رأوك تسرقه وتسبح مبتعداً به.
        -و كيف استعدتموه منّي يا سيّدي؟!.
        -أتنكر أنّه لا يزال عندك أيّها اللص؟!.
        - كيف ذاك يا سيّدي وأنت تجلس عليه الآن ؟ ثمّ إنني يا سيّدي لا أعرف السِّباحة، كم كنت أتألم وأتحسّر وأنا أراقب السابحين في نهر العاصي ولا أجرؤ على النزول إلى الماء، أنا أغرق في فنجان ماء، فكيف أعبر بحوراً سبعة؟!.
        استشاط الجالس فوق غضباً، أومأ بيده:
        -أيّها الحكيم عقِّله.
        كانت صفعة الحكيم أقسى من لسعة السوط:
        - العاقل ينتفع بتجارب الماضي.
        فقدت السيطرة على نفسي فاندفعت بيأس أصرخ محاولاً الهرب:
        - مجرمون.. معتدون.. حبستموني عن بيتي.. أولادي ينتظرون أوبتي إليهم بالخبز، أنا لا أقتل ..لا أسرق، تنحّوا عن سبيلي.
        حاولت شقّ طريق لي دون جدوى، جدار العظام متراصٌّ متداخل جامد.. لما أعياني الصراخ والقفز همدت مقهوراً منهزماً مستسلماً، تميّز الجالس فوق غضباً:
        - أيّها المجرم! لقد قلتَ ما لا يقال، يجب أن يقطع لسانك، ولم تعمل بما قاله لك طبيبنا ومعلّمنا ومؤدبنا وحكيمنا كأنّك لم تسمع ما قالوه لك، ما نفع أذنيك إذن؟ يجب أن تصلم أذناك، أيّها المصلح! أصلحْه.
        تقدّم أحدهم مني.. انتزع لساني عنوة و.. اقتطعه، ثم صلم أذنيّ غير عابئ بكل مقاومتي وعويلي.
        اندفعت إليه بكل شجاعة اليائس وقوّته، ورحت أضربه، أعضّه، أركله، ودمائي تسيل عليه، تلطّخت عظامه وجمجمته حتى سقطَ أرضاً
        هدر كبيرهم الجالس فوق متوعّداً:
        - مات مصلحنا ..قتلتَه أيّها السفاح، خذوه إلى السجن، قدّموه غداً للمحاكمة، كونوا عادلين معه، نصّبوا له محامياً حاذقاً يدافع عنه.
        أمعنت النظر في الهيكل العظمي المستلقي على الأرض بلا حركة، كان مضرّجاً بدمائي، لكنْ.. أنّى لي أن أعرف إن كان حيّاً أم ميّتاً؟! .
        حملوه على أكتافهم، ساروا به خلف (كبيرهم) في موكب جنائزي، واقتادوني مسلوب الإرادة في السوق، حاولت الاستغاثة بالناس، لكن لم يعبأ بي ولا بالهياكل العظميّة المحيطة بي أحد.
        قضيت ليلتي في السجن أحضّر ما سأقوله للقاضي في قاعة المحكمة غداً، آه.. لساني مقطوع.. فكيف أنقل للقاضي ما أريد؟! لا ضير.. سأفهمه بالإشارات بالحركات.. بالكتابة إذا سمحوا لي، ..لن أعدم الوسيلة، سيساعدني المحامي، لقد أوصى كبير الهياكل العظميّة أن تكون محاكمتي عادلة، لساني المقطوعُ، أذناي المصلومتان والدماء السائلة خير شاهد على براءتي، على أني الضحيّة، فقط رجوت أن يكون المحامي رحيماً متفهّماً والقاضي عادلاً.
        لا أزال أذكر ما حدث منذ بضع سنين، كأنما حدث يوم أمس، تلك المساحة من الذاكرة نابضة متوهجة لا يخبو بريقها على الرغم من زحف الأعوام، وتراكم الأحداث، تلك المساحة من الذاكرة يكتنفها الكثير من الأسى والقهر والإحباط، أَهَلْتُ عليها منذ أمد بعيد ستائر الإعراض والتناسي، حاولت دفنها ..طمسها، دون جدوى، كنت حينها فتى يافعاً.. غرّاً، ملء إهابه الحماسة والاندفاع، أُومن مطلقاً أني مَلِكُ هذا الكون، كل شيء ملكي: الأرض، الربيع، الشمس، الزهر، الفراشات، تأوهات الناي، الماء الزلال، الكلمة المسموعة، البيادر في مواسم الحصاد، بهذا امتلأ رأسي في تلك المدرسة، وعلى ذلك المقعد الخشبي المحفّر، قرب تلك النافذة المكسور زجاجها، التي يتسرب الهواء اللاسع في أيام الشتاء القارسة منها إلى عظامي الطرية، كنت أنتشي وأنا أسمع أستاذنا (أحمد) رحمه الله يهتف رافعاً سبّابته اليمنى:
        -أنتم رجال الغد، أنتم ستملكون مطالع الشموس، وشلالات العطاء، ألستم أحفاد خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح؟.
        كان رحمه الله يستحثنا دائماً على أن نتبوّأ مكاناً علياً تحت الشمس،آه يا أحداثاً مرّت منذ عديد من السنين، تطفو الآن من ركنها المظلم إلى النور، غداً محاكمتي، لساني مقطوع، يومها كان صوتي عالياً حاداً قوياً، بلا حدود.. بلا سدود، الآن لساني مقطوع وغداً سأحاكم.
        أبي رحمه الله من أسرة متواضعة، موظف بسيط في مؤسسة الكهرباء، يملأ بيوت الآخرين بالنور، ويملأ بيته بكثير من الأماني والأحلام، وبقليل من الأمتعة والطعام، اقتنع أبي أخيراً أني -أنا الصغير -أستحق كرة جديدة من ذاك النوع الكبير الجميل، ومنحني ثمنَها، وحقَّ الحريّة في انتقائها وشرائها، فقد نلت في مدرستي درجة متقدّمة بين أترابي.
        بعد أن دسست النقود في جيبي طارت بي أجنحة الجذل إلى السوق، لكن.. ماذا أرى ؟ السوق شبه مقفر، المحالّ كلها مغلقة، تلبّثت هنيهة، أتأمّل، ثم.. أطلقت ساقيّ للريح على الرصيف معولاً:
        -أين أنتم أيّها الناس؟ لماذا أغلقتم محلاّتكم؟ النقود في جيبي، أين الكرة الرقطاء اللامعة الشهيّة التي أراها كلّ يوم تتأرجح متدلّية على باب المحل؟ بعد شهور من العذاب والأحلام صار بإمكاني شراؤها، لماذا تغتالون حلمي ؟! لماذا تَحُولون بيني وبين كرتي؟.
        لمّا أويت مساء إلى فراشي دامع المقلتين، مسح والدي شعري بيده الحانية، قال:
        - الناس يا بني يطالبون بحقّهم ..حرّيتهم.. كرامتهم..
        حين غلبني النوم تراءى لي الأستاذ (أحمد) في حلمي رافعاً سبابته اليمنى يهدر صوته: أنتم ملوك الأرض ..لكم الشمس والربيع..
        في اليوم التالي، بَرَزَتْ إلى الشوارع التي أقفلت محالُّها، جموعٌ هادرة تهتف، العيون تبرق بتمرّد، والقبضات مشدودة تلوح بتحدٍّ، كان صوتي -على نعومته وطفوليّته- عالياً مفعماً بالإصرار والإرادة، ردّدْتُ ما حفظْتُه عن أستاذي (أحمد) جعلت مقولاته شعارات ساطعة سامية هتفت بها:
        - نحن الغد– نحن الشموس الطوالع – شلالات العطاء .
        ثمّ.. نَهضَتْ أمام الجموع، موصدةً الشارعَ، سيّاراتٌ مصفحة، تزحف ببطء راعب نحو المتقدّمين، السيارات تتقدّم والجموع تتقدّم، التقيا.. وجهاً لوجه، دِيكَيْنِ عنيدين، كبشين أقرنين، بعد حين.. تقدّمت الآليات تناطح الجمع، بطيئة حازمة، تقهقرت الجموع قليلاً، الآليات تزحف، انكفأ الجمع رويداً رويداً، غيّرَ اتجاهَهُ، عكَسَهُ، الهتافات تعالت من جديد نشيطة ملتهبة، والآليات تابعت ضغطها ومطاردتها.
        وجدَتِ الجموعُ نفسَها مدفوعة بلا هوادة إلى أزقة ضيّقة جداً، خفتت الأصوات، تفرّق الناس، ابتلعت أبوابُ الدورِ معظمَهم، سار الباقون فرادى، مطأطئين، يلفهم شعور بالإحباط والاختناق.
        في طريقي إلى الدار مررت بالحانوت مفتوحاً.. الكرة الرقطاء في شبكتها تنوس معلّقة، تأملتها، هالني أنها فقدت الكثير من بريقها الذي كان يأخذ من قبل بمجامع قلبي، النقود لا تزال في جيبي، لكن.. لم أرغب فيها، باخت شهوة امتلاكها، كان وقت اللعب بالكرة وعهد الطفولة… قد ولّيا معاً.
        صدمت أبي سيّارة مجهولة ومات، اضطرّت أمي إلى بيع الثياب البالية على الأرصفة لنأكل خبزنا، كان البرد القارس والحرّ اللاهب قد أنضجاني، ثم تركتني أمي هي الأخرى وآثرت اللحاق بأبي، قويت بعدها أواصر الوفاق بيني وبين الجماهير، فما تبدر منها صرخة أو نأمة إلا كنت بين أوائل الهارعين إليها و.. معها.
        في يوم.. وفي منعطف الشارع المفضي إلى دارنا، نجم أمامي رجل سدَّ عليّ طريقي، تفرّس في وجهي، ثمّ وضع أصابعه تحت ذقني ورفع نظري إليه وقال مكشِّراً:
        - تعال غداً إلى مقرِّنا.. كبيرنا يطلبك.
        انداحت تكشيرته، برزت أنيابه صفراء قبيحة، خيّل إليّ أنّ وجهه ورأسه تحولا إلى جمجمة، أطلق ذقني واستأنف سيره، ابتلعه منعطف الشارع التالي.
        في الساعة المحدّدة.. في اليوم التالي كنت على باب كبيرهم أستأذن للدخول عليه، قيل لي: عُدْ بعد ساعة.
        تسكعت في الشوارع ساعة، ثم عدت أستأذن ؛ قيل لي: عُدْ بعد ساعة. ضعت في الشوارع حتى الإرهاق، و..عدت، قيل لي: عد بعد ساعة.. حَبَوْتُ على الأرصفة، ثمّ.. تماسكت على الباب موجوع الرأس والقلب والقدمين ،قيل لي: عُد غداً. في اليوم التالي؛ عدتُ.. و تسكعت على الأرصفة ساعات وزحفت ساعات، ثمّ.. أمسك بي أحدهم من ياقة قميصي من وراء، وسار بي، عُصِّبَتْ عيناي ووُضِعَ في أذني القطنُ.. عبرت ممرات طويلة.. صعدت درجات عالية.. هبطتها، اجتزت ردهات رحبة، ثم.. أوقفت أمام كبيرهم، لم أرفع بصري إليه، وصلني صوته:
        - اخترناك من بين الجميع، صوتك قويّ مدوّ، نريدك أن تتعاون معنا.
        -فيم أتعاون معكم يا سيّدي؟.
        -تشيع بين الناس أن هؤلاء الذين ينادون بالحقوق، بالحرّيات، بالعدل، مدّعون مخادعون مجرمون.
        -و إذا رفضت ؟.
        - تلقى المصير الذي لاقاه أبوك.
        انتفضت بعنف مرعوباً ؛أبي؟! إذن أنتم قاتلوه؟!.
        رفعت رأسي، حدجت محدّثي بنظرة متفحصة، تكشيرته باردة، رأسه جمجمة.
        -ما قولك الآن ؟!.
        - قولي هو: لا.
        - خذوه.
        رُمِيت في الشارع أعمى أصمّ، نزعت العصابة.. فتحت أذنيّ.. سرت مشلول العقل والروح.
        خلال عقد من السنين أو أكثر، مثلت بين يدي كبيرهم مرّات عدّة، صُفع وجهي، وقفاي، وألهبت العصا ظهري وقدميّ، وإثر كلّ زيارة كنت أرمى في الشارع أعمى أصمّ.
        أخيراً قال كبيرهم:
        - اذهب، لا خير فيك، لا نريد منك بعد الآن شيئاً.
        مرّت أعوام.. وَهَن في أثنائها صوتي، وباخت الحماسة في صدري، انقضى ذاك العهد، عهد الحماسة، احتفر لنفسه في الذاكرة مكمناً انزوى فيه، صارت زوجتي وأطفالي منتهى همّي، وانكفأت إلى مكتبتي البيتيّة أدفن بين دفّات كتبها جلّ أوقاتي، والآن هأنذا سجين ينتظر محاكمته.
        في اليوم التالي اقتادتني جمهرة من الهياكل العظميّة إلى قاعة المحكمة، كانت تعجّ بالآدميين من لحم ودم، تنفست الصعداء وأمّلت محاكمة عادلة فعلاً، محاكمة عادلة؟. من ذا الذي يعوّض لي لساني و.. أذنيّ ؟!! دخلت قفص المتّهَمين بكثير من الرجاء.
        لما أعلن الحاجب دخول القضاة المحكمة، نظرت إلى منصّة القضاة ..صُعِقْتُ ..كان القاضي الأوّل في الوسط:كبيرَ الهياكل العظميّة نفسه، انكبّ على ملفّ القضيّة يدرس ويقلّب أوراقه بدقّة، باهتمام ..ثم رفع رأسه وسألني:
        - أين محاميـك ؟.
        قبل أن أتمكن من فعل شيء، علا صوت من القاعة:
        - أنا هنا يا سيّدي.. أنا محاميه.
        التفتُّ إليه.. يا إلهي إنّه هو.. "المصلح" المقتول الذي أُحاكم بسببه، كانت عظامه وجمجمته لا تزال ملطّخة بدمائي.
        تقدّم المحامي -الضحيّة– ومَثَلَ أمام المحكمة، رفع أحد الحاضرين عقيرته:
        - ابتدأت المحاكمة.
        وقف القاضي حاملاً ملف قضيّتي يقلّب أوراقه حتى وصل إلى ورقة محدّدة، حملق فيها طويلاً مطرقاً برأسه عليها، ثم التفت إليّ.. انتهرني:
        - قف أيّها المجرم، إني أتّهمك بالجرائم والموبقات والآثام كلها، فما قولك ؟.
        جاهدت في طلب ورقة وقلم لأدافع عن نفسي، لكن عبثاً، انبرى المحامي يدافع عني، معولاً:
        - ما عساه يقول يا سيّدي القاضي؟ أنا محاميه، لسان حاله، لقد لجَمَتْهُ جرائمه، أخرسته، إنّه يقرّ بكل ما تنسبونه إليه، ومذعن لأحكامكم كلّها.
        القاضي: حكمنا عليك بالإعدام.
        المحامي: دمتم أهلاً للعدل، حماة للمظلومين يا سيّدي القاضي.
        القاضي (لمن حوله): خذوه.. نفّذوا حكمنا فيه.
        أيقنت أن سبل النجاة أمامي موصدة كلّها، فأنا محاصر حتّى الأعماق، ساورني دوار حادّ، دارت القاعة بي بطيئة في البداية.. ثم.. تسارعت، غامت عيناي، فتداعيت على الأرض.
        انتهت
        على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
        جون كنيدي

        الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

        تعليق

        • سالم وريوش الحميد
          مستشار أدبي
          • 01-07-2011
          • 1173

          #19
          الأستاذ امين خيرالدين ..
          حاولت أن أرسل لك رسالة خاصة .. لكن صندوق بريدك ممتلئ
          أرسل لي رسالة عبر صندوق رسائلي بالملتقى .. بالضغط على الأسم الخاص بي .
          .تظهر لك رسالة خاصة أضغط عليها ..

          شكرا لك وتفديري الكبير
          ليكون بالإمكان أرسال الرسالة التي تريد ...
          على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
          جون كنيدي

          الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

          تعليق

          • سالم وريوش الحميد
            مستشار أدبي
            • 01-07-2011
            • 1173

            #20


            النص رقم 2
            اسم الكاتب : أحمد عكاش
            البلد :
            التخصص في مجال الأدب : أديب وكاتب
            السيرة الذاتية :

            (2)-التعديلُ الطّفيف

            (قصة قصيرة)
            بقلم: أحمد عكاش

            بعد أن فرغت من نسج هذه القصّةِ، خطوطِها العريضةِ والفرعيّة، وكلّ ما يجعلها قصّة ناجحة، عزمت أخيراً على كتابتها، دلفت إلى غرفتي وأرتجت البابَ خلفي، لأنصرف بكلّ مداركي إلى القصّة، جَلست وَأَحَطْتُ فُوديّ براحتيْ كفّيّ، ورحت أعتصر ذاكرتي مستقطراً منها الأحداث قطرة فقطرة، وما إن توسّمت في نفسي الثّقة الوطيدة بكتابتها، حتّى أمسكت بالقلم، كانت الأوراق قد ضاقت ذرعاً بالمساحات البيضاء، رفعت رأسي مفكّراً، فوقع بصري عليهم حولي، إنّهم أبطال قصَّتي بعينهم، جالسين قبالتي، كلٌّ مستريح على كرسيّ، يرمقونني بعيون وادِعةٍ، وقسمات هادئةٍ طيّبة مستكينة مستسلمة، أعدت القلم إلى موضعه، وشرعت نظراتي ترتحل بين وجوههم، هاهم أبطال قصّتي، أنا لا أضلّ عنهم، انسلخت أشهر وهم يعايشونني، يسكنونني، لَمْ يفاجئني تجسّدهم أمامي، بدهي أن يرى الكاتب النّاجح شخوص أعماله أمامه تضجّ الحياة في عروقهم، تلقفت زمام المبادرة قائلاً:
            -أَهْلاً أصدقائي، أبطال قصّتي؛ عهدُنا ببعضنا قديم.
            هزّوا رؤوسهم موافقين، وعلى ثغورهم برقت ابتسامات الرّضا، وأطرقت الرؤوس إذعاناً.
            -أَنتم ثلاثة فقط، لم أطلق عليكم أسماء، اكتفيت بـ (الرّجل) و(المرأة) و(الشَّاب).
            أغمض الرّجل عينيه بهدوء مسلّماً، ومطَّ شفتيه معرباً عن استهانته بالخطب، واكتفت المرأة والشّابّ بالنَّظر إلَيَّ، كلّ شيء على ما يرام، إِذن فَلأَبدأْ بسرد الحكاية.
            -أظنّكم عرفتم القصّة جيّداً، وأدرك كل منكم دَوْره فيها بالعمق الذي آمله؟.
            قال الرّجل: أجل يا سيّدي، أنا رجل شارفت على الخمسين، أميل إلى البدانة شيئاً، أبيض البشرة، جلدي ناصع البياض مشرق.
            قاطَعْتُهُ: الأهمّ من هذا أنّك طيّب، عطوف.
            الرّجل: ميسور الحال، عندي معمل نسيج، فيه بضعة عمَّال, أَكْسِبُ منه ما يضفي على حياتي الكثيرَ من الرّفاه.
            المرأة: تعرَّف على أبي المُفْلِسِ، وسرعان ما طلب يدي منه، وانتقلت إلى قصره بعدها بأسبوع.
            الرّجل: لم أبخل عليها بشيء، أثقلت يديها وعنقها ذهباً وعقوداً.
            أردفتُ: نقلتها بغناك من حضيض الفقر إلى قمّة الرّفاه.
            الرّجل: أحبّها كما تعلم ياسيّدي.
            سألتُ الشّابّ: وأنت يافتى؟. ما دورك في القصّةِ؟.
            أجابَ متلعثماً: حَفظته يا سيّدي، كنتُ في العاشرة، يتيماً، مات أبي في السّجن، واختفت أمّي بعدها بقليلٍ، لعلّها تزوّجت.
            قلت: أهمّ ميزاتك الإخلاص والوفاء.
            قاطعه الرّجل: رأيته متشرّداً، فحملته إلى بيتي، وكنت له أكثر من أب.
            المرأة: كنت له أكثر من مربية، دلّلته كما تفعل الفتاة بدميتها التي تحبّ.
            الشّابّ: نشأت بارّاً بهما، أَسعدتهما معاً...
            فقلت للرّجل: ثمَّ ماذا حدث لك أخيراً أيّها الرّجلُ؟.
            أجاب الرّجل بانكسارٍ: كنتُ في معملي، وضجيج الآلات يصمّ الآذانَ، عثرت قدمي بشيء على الأرضِ، فسقطت فوق آلة قريبة، فابتلعت الآلة يدي، جذبتني إليها، إلى أن التهمت قسماً من رأسي، قبل أن يتمّكن هذا الشّاب من توقيفها.
            أكمل الشّاب: قبل أن ننتزعه من بين أنياب الآلة كان قد فارق الحياة.
            تابعت المرأة: كان هذا الشّابّ أجدر النّاس بأن يحلّ مكان سيّده في كلّ شيء، في المعمل والبيت...
            قلتُ: وَلِمَ لا؟ وهو البارُ المخلص الأمينُ؟.
            رفع الشّابّ رأسه معتدّاً: العمّالُ كلّهم أجمعوا حينَ التَّحقيق على أنَّ الرّجلَ انكفأ على الآلة، إنّه القضاء والقدر، وطويت صحيفته.
            قالت المرأة: كنّا- أنا وهذا الشّابّ - بحاجة إلى بعضنا، فأعلنَّا الزَّواجَ الحلالَ الطَّيّب.
            سرّني ما سمعت منهم، وجعلت أذهب وأجيء أمامهم، أشعرهم بقيادتي، وأنبّههم إلى أنَّ مَصَائرهم مرهونة بإرادتي، قلتُ:
            -أحسنتم..أحسنتم، أراكم استظهرتم أدواركم، أرجو أن تكونوا قد أدّيتموها بكلّ أمانة، كما رسمتُها لكم.
            تَلقّوا ذلك ببرود مريب، زاغت أبصارهم عنّي يتجنّبون النظر إليّ، فأعلنت لهم:
            -أنا راض عن أدائكم، امضوا في حال سبيلكم راشدين.
            كنت أجاهد أن أدفع عني هاجساً جعل ينخر رأسي، تنحّيتُ جانباً، أرقب ما سيفعلون، وإذ لم يتحرّك أحد منهم، استبدّت بي الرّيبة في أمرهم، أمارات تمرّد تلوح تحت هذه الوداعة التي يتظاهرون بها، أجلت النّظر في وجوههم، إنّهم مطرقون، رفعَتِ المرأة رأسها، وسدّدت إليّ نظرة وَقحة فاجأتني، وقلبت شفتيها:
            - ماهذه القصّة؟.
            أيّدها الشّاب: إنَّها ... تافهة فارغة.
            انتفضت المرأة واقفة: تفتقر إلى التشويق، إلى المفاجأة، شوّهْتَ وُجُودَنا أيُّها الكاتب.
            قفز الشاب وضرب الأرض بحذائه: أنا أرفض أن أكون أحد شخصيات هذه القصة.
            استجديْتُ الرَّجلَ كلماتٍ يداوي بها الجرح الذي أحدثه الشَّابُ والمرأةُ في مسمعي:
            - وأنت أيها الرجل؟ ما قولك؟.
            بدا غير مكترث، تنحنح قبل أن يقول: الحقيقة.. في الواقع لا تعنيني القصّة في شيء، أنا..
            قاطعته المرأة: لهذا أحدثنا في أدوارنا بعضاً من التَّعديل الطّفيف.
            سارع الرّجل: تعديل طفيف؟ أبت هذه المرأة – أيّها الكاتب - إلاّ أن تكون خَائنة، أنا أردتها زوجة صالحة...
            انتفضت المرأة: أنت ماذا؟ أنت لست أكثر من رجل ثلج، الحقيقة أنّ لونك الأبيض لا يذكّرني إلا ببرودة الثلج، ولا يثير بي إلا القشعريرة.
            التفت إليَّ الرجل وقال بلهجة لا تخلو من الحدّة: أيّها المؤلّف! بإمكانك أن توقفها، اجعلها أقلَّ عدوانيّة معي.
            حاولت التشبث بموقف القائد المتحكّم: لا تنسوا جميعاً أنّي قادر في كلّ حين على محوكم من الوجود، وعلى توجيه مقدّراتكم كما تملي عليّ مخيلتي، أنا المؤلّف.
            اعترض الشاب بامتعاض: ليس بعد الآن، انتهى كلّ شيء، فات الأوان، نحن مخلوقات حرّة فاعلة مريدة.
            نهرت المرأة: نحن أحرار، أسياد أنفسنا، نختار ما نشاء، وندع ما نشاء.
            أسقط في يدي، وبدأت أعي أن البساط يسحب من تحت قدميّ قليلاً قليلاً، فبادرني الرجل.
            - احمني من لسانها، أنت المؤلّف، إنها تتنكّر لكلّ فضل لي عليها.
            أعولت المرأة: أي فضل يا رجل الثلج؟ كان أبي -غفر الله له- سكّيراً مفلساً، فأغريتَهُ بالمال وبزجاجات الشراب المعتّق تهديه إيّاها، تشربها معه، اشتريتني منه، وحملتني دمية جميلة تزيّن بها قصرك.
            - أما أحسنت معاملتك ؟.
            - هل من حسن المعاملة أن أدفن وأنا على قيد الحياة؟! هل من حسن المعاملة أن تدفعني للرقص لك عارية على أضواء الشموع الملوّنة، وأنت تتعاطى سمّك الزّعاف؟.
            - أنت زوجتي، من حقّي أن أتمتّع بك، ألستِ زوجتي؟.
            جلجلت ضحكة المرأة: زوجتك؟ وهل أنت رجل حتى يكون لك زوجة؟ أنت رجل ثلج.
            حملق الرجل في وجهي وزمجر: لِمَ كلّ هذه القسوة أيها المؤلّف؟ لِمَ جعلتني أتزوّج امرأة جاحدة كهذه ؟.
            والتفت إلى المرأة وصرخ: أما ألبستك ثياباً من ذهب؟ وأثقلت رأسك وجيدك بالجواهر النادرة؟.
            - أمّا هذه فحقّ، ولكن مقابل ماذا؟ أنت عِنّين لا تصلح للنساء، اشتريْتَ سكوتي بالذّهب واليواقيتِ.
            ضرب الرجل كفّاً على كفٍّ يأساً، وطفق يزرع المكان ذهاباً وإياباً، ويتمتم: فضحَتْني .. فضحتني لا أريد هذا الدَّور أيها المؤلّف، قصّتُك ملعونة.
            حاولت من جديد استلام زمام القيادة: أيها السادة لا أريد أن تكون العلاقة بين شخوص قصّتي عنيفة قاسية، أريدها حميميّة.
            برقت عينا الشاب وهو يرمق الرجل بنظرات ملتهبة، وقال له مشدّداً على كلماته:
            -أما كنت تنهال عليّ ضرباً وتقريعاً لأتفه الأسباب أيّها الرّجل؟.
            -أنت آخر من يحقّ له أن يتكلّم أيّها الجاحد، انتشلتك من ضياعك في الشوارع كالصّوص الأزغب لا يهتدي سبيلاً، ربّيتك علَّمْتك، آويتك في داري، هيّأت لك أُسرة.
            سألني الشّاب: لماذا حرمتني الأسرة أيها المؤلّف؟ لماذا جعلت أبي يموت في السّجن؟.
            أجبته: أبوك كان مناضلاً يدعو إلى العدالة الاجتماعية، فرمت به السّلطة في عفونة الزنزانات، ثمَّ ..، كان لا بد من ضحايا.
            ضرب الشاب جنبه وأعلن: أبي قضى نحبه في السجن ضحية العدالة والحرّية، وهذا الرجل صيّرني عبداً أرى وأسمع وأطيع، ولا حقّ لي بشيء سواه.
            -كان عليّ أن أنشئك رجلاً يُعْتمد عليه.
            -نشأت رجلاً يلهث ساعياً للانتقام، تلصّصتُ على زوجتك، ترقص لك في الأمسيات عارية إلاّ من الذهب يتواثب لامعاً في المعصمين، وفوق النهدين، ويحيط بالخصر النحيل.
            زعقتُ فيهم مستنكراً: هذا عار، شوّهتم كلّ جميل..
            أدار الرجل ظهره للشاب وسرّح نظره إلى السقف كمن يراقب شيئاً فيه
            -ما شعرت يوماً أني مالكها، حتى وهي ترقص، كانت تُقْبِل نحوي متمايلة، كلّ ما في جسدها يرقص.. ينتفض.. يرتعش، حتى إذا سرَّحتُ نظري من شعرها الثائر، إلى جسدها منحدراً إلى قدميها الصغيرتين، انفتلَتْ قبالة النافذة وثبتت أمامها، أبدعت في رقصها وتلوّيها وهزّها، موقنة أنك وراء النافذة تراها وتتابع حركاتها، المحمومة مبهوراً، كنتُ في قرارة نفسي أدرك أنها .. ترقص لك، لا لي.
            ساورني الاشمئزاز فزعقت: أوغاد.. خونة .. كفّوا.. لا أحب الخيانة .. لا أقبل تسربها إلى قصصي.
            أخرجت المرأة من جيبها (علكة)، قذفت بها في فمها وجعلت تمضغها مصدرة فرقعة، وشرعت تتبختر أمامنا: سمّها خيانة إذا راق لك أيها المؤلّف، أنا أسمّيها ممارسة طبيعيّة لحقّ طبيعيّ، نعم أيها الرجل أنت تعلم حقّ العلم أنّي كنت أبات أوّل الليل معك في سريرك، وأمضي بقيّة الليل في سرير هذا الشاب، وكنّا جميعاً -أنا وأنت وهو- نسكت.
            صرخ الرجل: ساقطة .. خائنة، وهو خنزير غادر.
            وصل إليّ صوت الشاب رصيناً أجشّ: لما أغرتني بقتل زوجها خفت بادئ الأمر، قالت: ادفع به إلى فم إحدى الآلات الدائرة، فتلتهمه، وماذا بإمكانك أن تفعل له؟ قضاؤه شاء له هذا.
            كانت الآلة تدور وتدور، والهدير يملأ الأجواء، والرجل قد اقترب من آلة عظيمة .. فقفزت إليه..
            (قفز الشاب على الرَّجل وأخذ بعنقه من خلف، ويده الأخرى على مؤخرته).
            أمسكت برقبته وجذبته من مؤخرته، ودفعت به إلى الآلة، دفعت بكل ما في نفسي من حقد وكره ورغبة في الانتقام، اتّقى الرجل الآلة بيده فالتقمتها، وجعلت تلوكها.. سحبَتْه إليها، ولما دنت من رقبته دفعْتُ برأسه إليها بعنف..حين تنبهت إلى عامل قادم إلينا، كانت الآلة قد التهمت معظم الرأس.
            بادرت العامل بالشتم: أسرعْ أيها المغفّل، أوقفْ هذه الآلة اللَّعينة.
            أخذت بتلابيب العامل، جذبته إليّ بخشونة، وقدحت عيناي شرراً وأنا أهتف به.
            -عثرت قدمه بكعب الآلة، فهوى عليها.. فتلقفته، أرأيت شيئاً غير هذا أيها الغبي؟!.
            سارع العامل: لا يا سيدي، هذه هي الحقيقة كلّها، أقسم إني لم أَرَ إلا الحقيقة التي تراها أنت.
            طفح كيلي، جاشت نفسي غيظاً ويأساً، فجعلت أدفع بهم خارجاً: أنا بريء ممّا اقترفتم، اخرجوا من مكتبي، لا أرغب في رؤيتكم فيه، ملعونة هذه القصّة التي كنتم أبطالها، لا أريد كتابتها، سأكتب واحدة أخرى، عن المطر والحبّ والفراشات والأغاني، شخصيّاتها طيبون مسالمون، يحبّون الشّمس والقرنفل البريّ، ورغيف الخبز، أمّا أنتم فاذهبوا إلى الجحيم.
            طردتهم من مكتبي خاسئين، وأغلقت الباب وراءهم، ترنّحت في سيري إلى كرسيّ قريب ارتميت فوقه مكدوداً يتصبّب جبيني عرقاً، تنفّست بعمق، وقبل أن يثوب إليّ شيء من قواي الخائرة، تذكّرت أني لمّا دخلت مكتبي لأكتب القصّة، كنت قد أرتجت القفل من الداخل، فتساءلت: كيف أمكن لهؤلاء الأوغاد أن يدخلوا ؟، وقبل أن أهتدي إلى إجابة مقنعة، قرع الباب بعنف، تحاملت على نفسي، لأفتحه، فظهر شرطي منتصب أمامي، دخل والباب مرتج .. سار حتّى توسّط الغرفة، استلّ سجلاً ضخماً من تحت إبطه، فتحه بهدوء وجعل يسأل:
            -أنت كاتب القصّة؟.
            - أيّـة قصّة يا سيدي؟.
            -القصّة التي أدّتها هذه الشخصيات.
            -أيّـة شخصيات؟ أنا لم أكتبها، هممت بكتابتها ثم تراجعت، وطردت شخصياتها كلّهم، إنهم حثالة.
            -ثمة مؤلف وشخصيات، وفي معمل النَّسيج رجل قتيل .. أنت المسؤول.
            -يا سيّدي الشرطيّ! في الأحداث لَبْسٌ على نحو ما .. إنها -على كلّ حال- قصّة من نسج الخيال.
            -قصّة من نسج الخيال؟ خرج من عندك منذ قليل رجل وامرأة وشاب، تداولتم فيما بينكم حديثاً مطوّلاً، هل كان هذا الاجتماع السرِّيُّ داخل مكتب مغلق من نسج الخيال؟.
            -أحلف لك يا سيدي إنها مجرّد قصّة تافهة.. خيال.
            -خيال؟! فما هذه الدماء المهدورة إذن؟، ما هذه الأشلاء المبعثرة؟، ما هذه الرأس المهشومة؟، ما هذه الانتهاكات المشينة؟ أهذا كلّه خيال؟.
            - يا سيّدي! لم تتقيّد هذه الشخصيّات بما أُريدَ منها، عاثت فساداً كما يحلو لها، أنا بريء منها وممّا جنت.
            أعاد الشرطي السجلّ إلى تحت إبطه، وامتشق من تحت إبطه الآخر (أصفاداً)، جمع بها معصميَّ، ولم يتح لي بعدها نطق كلمة واحدة، لا ريب أنّ عينيَّ جحظتا وأنا أرى الشرطيَّ يرفع الرّتاج ويفتح الباب، ثم يدفع بي بعنف إلى الخارج.
            انتهت
            على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
            جون كنيدي

            الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

            تعليق

            • سالم وريوش الحميد
              مستشار أدبي
              • 01-07-2011
              • 1173

              #21
              المشاركة رقم 3
              اسم الكاتب حسن لختام
              البلد
              الاختصاص في مجال الأدب
              السيرة الذاتية
              حسن لختام: قاص من المغرب
              تاريخ الازدياد: 1971
              lakhtame@gmail.com
              سنة أولى شعبة "الأدب الإنجليزي" جامعة القاضي عياض مراكش (المغرب)
              -حاصل على شهادة تقديرية من النادي السينمائي الثقافي التابع لجامعة القاضي عياض، في مادة "السيناريو والمونطاج"

              -عضو في اتحاد كتاب المغرب سابقا
              -مشارك في أضمومة قصصية جماعية" طريق الشفاه" مع نخبة من المبدعين المغاربة والعرب
              الناشر: جامعة المبدعين المغاربة
              -نشرت لي مجموعة من القصص القصيرة والقصيرة جدا في جريدة المنعطف الثقافي المغربية


              آلهة

              سلّمها نفسه طواعية، فاستنطقته بكل ماأوتيت من نزق وذهاء آلهة. في ذروة بوحة واعترافه، ودون أن يشعر، دقّت على جدار جمجمته مسامير الخطيئة، وفي أعماق قلبه سطّرت حروف اللغز المكنون. قبل أن تتركه وحيدا يصارع مصيره المحتوم، احتفلت بقدّاسها ثم تربّعت على عرشها المحروس..
              بينما هو سقط مترنّحا في نيران الشهوة اللاهبة، متلهّفا لمزيد من الخطيئة والعصيان.






              بارانويا
              كان الحاكم يرى نفسه محاطا بالمتآمرين والخونة..يترصّدون حركاته، ويخطّطون لتصفيته..
              في كل مرّة، لم يكن يتأخر عن الصلاة
              على أرواح ضحاياه.






              حسن لختام
              محبتي الخالصة
              على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
              جون كنيدي

              الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

              تعليق

              • سالم وريوش الحميد
                مستشار أدبي
                • 01-07-2011
                • 1173

                #22
                المشاركة رقم 4
                اسم الكاتب حسن قري
                البلد المغرب
                الاختصاص في مجال الأدب
                السيرة الذاتية


                بِكُلِّ الْعِشْقِ وَالْهَوَس..راكَمَها فَوْق الرُّفوف
                ..
                وَلَمّا اسْتَوَتْ عَلى عودِها الْمَتين..
                أَكْمَلَ دينَهُ..واسْتَبْشَرَ بِالْخَلَف..
                وَحينَ اسْتَوى عودُهُم..
                غادَرَهُم..
                وَمِنْ لَهْفَتِهِم..اسْتَعْجَلوا حَمْلَها..
                إِلى مَطْرَح الْأزْبال...

                مراكش في: 09/10/2013



                كاتِبٌ وَ
                ... ؟؟( ق ق ج)



                حادِثٌ غَريب، أَسْقَطَهُ حُرّاً في حُبِّها...

                أَيُّ قَدَرٍ ساقَها طائِعَةً إِلَيْه..؟؟ !!

                وَكَأَنَّ مَصيرَها لا يَتَحَدَّد..

                إِلاّ بِانْزِيّاح أَفْكارِهِ إِلى عُمْقٍ سَحيق...

                يَدْعَسُها..فَتَسْكُن شَرايينَه....

                مراكش في: 17

                /09/2013

                حَكامَة..؟؟ ( ق ق ج)





                طَرَدَ كُلَّ سُفَراءِ السُّوءِ مِنْ رِحابِ مَمْلَكَتِهِ الْعامِرَة ..

                ثُمَّ اسْتَدْعى عَلى عَجَلٍ الْحاشِية الرّشِيدة..

                أَقامَ على شَرَفِهِم ..

                مَجْلِسَ أُنْسٍ بادِخ...



                مراكش في :22/06/2013

                فَراشَة ...(ق ق ج)




                يُقيمونَ لَها عُرْساً باذِخاً..

                حَديقَة أَشْواك...

                وَمَجاري ماءٍ آسن..

                يُطَالِبونَها بِرَقْصَةٍ على أَنْغامِ الْعَويل..

                فَتُفْرِدُ جَناحَيْها للرّيحِ..

                يَحْتَضِنُها الزَّهْرُ الْآخر...

                مراكش في: 15/07/2013


                تَغَوُّلٌ مَقيت أو (أَنْسَنة) ( ق ق ج)




                شَريكي في الْوَطَن..ضَجَّ مِنّي ..
                فَأَهْدَرَ دَمي..
                أَصَرَّ عَلى شَيْطَنَتي..
                فَأَصْرَرْتُ عَلى إِنْسانِيَّتي...

                مراكش في: 09/08/2013عَقْلانِيَّة...(ق ق ج)




                في بَلَدِ الأَعْراب..

                قالوا لَهُ هَزْلاً:

                حَدِّثْنا عَنِ الْعَقْل..؟ !!

                نَظَرَ إلَيْهِم شَزَراً..

                ثُمَّ تَلاشى في الْبَيْداء...



                مراكش في:29/05/2013

                طِفل ولكن...؟؟؟ ( ق ق ج )





                كانَ جِسمُه ضَئيلا، ونَظرتُه حادّة...
                حين يُقبِل...يَتبدَّد قطيعُ الكِلاب..
                ذاقَ حَلاوةَ السِّجن صَغيرا..
                فتنبَّؤوا له بِمسْتَقبَل زاهِر..
                وَلمّا بلَغ مِن الُعمُر عِتِيّا..
                تَمَسَّحوا به الْتِماسا للبَركة...

                مراكش في: 28/09/2013

                ميتولوجْيا ... ( ق ق ج )



                قالَ شَيْخي صارِخاً:

                سَيَأْتي الدَّجَّالُ راكِباً حِماراً. !!؟؟

                قُلْتُ أَعَزَّكُم اللَّهُ:

                وَما بالُ فَراعِنَتِنا عَلى رُباعِيّاتِ الدَّفْعِ يُقْبِلون؟؟ !!

                يُفْحِمُني مُسْتَنْكِراً:

                " كُلُّ ما في الصَّحيحِ، صَحيحٌ..."

                مراكش في:20/07/2013

                صَيْحة في وَاد...؟؟؟ ( ق ق ج )



                تَأَبَّط سيْف الحِكْمة..
                ثُم شدَّ الرِّحال لِمَمْلكَة الضّائعين..
                من وَلَعِهم، وَجدَهم على موائِد الْبذْخ يتَهافَتون..
                أَعْلن فيهِم الجِهاد قَلما...
                فلمّا كلَّ مَتْنُه، أَيْقظَه صوْتٌ ثَمِل..
                "أَرااااااااااكَ تَحْحْحْلُبُ تَيْيْيْيْيْيْيْسا بِشَهْوة اللّبن. !!"

                مراكش في:22/09/2013

                آلَةُ الزَّمَن.. ( ق ق ج)




                في بَلَدِ الْأَشْباح، يَسْتَطيلُ ظِلُّ الْحَقيقَة...

                يَتَعالى نَعيقُ الْغِرْبان، شادِياً سَمْفونِيّةَ الْحَياة..

                يَتَراقَصُ الْمَوْتى، مُعْلِنينَ الْعِصْيان...






                اَلأَحْمرُ يٌؤذيكِ...!! ( ق ق ج)




                داعَبتْها الرّيحُ برِقّة...

                اِرْتعَشتْ...ثم تأوهت

                تسلّلتِ الْحُروفُ خجْلى..

                عزَّعليْها..

                تلْويث قلْبِها الْأَبْيض...
                مراكش في: 25/09/2013
                على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
                جون كنيدي

                الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

                تعليق

                • سالم وريوش الحميد
                  مستشار أدبي
                  • 01-07-2011
                  • 1173

                  #23
                  المشاركة رقم 5
                  اسم الكاتب : نجاح عيسى
                  البلد : فلسطين رام الله
                  الاختصاص أديبة
                  السيرة الذاتية

                  هناك... حيثُ تسكن الأحلام

                  كان يحاول انتشال نفسهِ العالقة بين النعاسِ واليقظة ، يستدعي حلماً فتفرُّ الصورة ..ويُناشدُ نغمةً فيضيقُ بها الإيقاع .

                  مُتعَبٌ مُصدعُ الرأسِ يفيق ، يجول بعينيهِ أرجاء الغرفة ، مخدعٌ من خشبٍ غامق ،ستائرهُ مشغولةٌ بالحرير ، جدرانهُ علاماتٌ استفسار ، صورٌ تعكفُ عل تأجيج الفتنةِ والإفتتان ..، وبالقُربِ شمعةٌ هدَّها طول السهر .


                  يطرقُ فكرهُ مطلعُ قصيدةٍ سكنَ بذبولٍ على ما تبقّى من مَهابطِهِ ، يُساقطُ حبّاتَ الشوقِ لِإستكمالِ سيمفونيّةٍ هجعت في تمزقاتِ نداءِ ينداحُ صداهُ في جموحِ موجٍ يُشقِّقُ صخورَ صمتهِ .


                  يتأملها على الوسادةِ المُجاورة ، جسدٌ من ثلجٍ وحرير ..إنحنااتٌ..واستداراتٌ ..ورقةُ خصرٍ تديرُ الأعناقَ ، وتلفتُ الأنظار ، وردةٌ صناعية في أبهى صورةٍ ، بلا روحٍ أو عبير ..


                  دقيقةُ البرمجة كحاسوبٍ حديث ، تعيشُ الصمتَ إلاّ من كلماتٍ عصيّةٍ على رفعِ الجسدِ إلى مراتب الروح .


                  __ صباح الخير..تقولها بتلقائيةٍ باردةٍ تبدو مُطيعه .


                  تُغادرُ الغرفة إلى روتين النهار ..


                  يُزيحُ الستارةَ فتُطِلُّ الحديقة مُكتظّة بالربيع والنوّار ، صباحٌ ربيعيّ مشمس ، سلِس التدفُّق ، وفي الأفقِ نُتَفٌ من الغيمِ فوقَ تدرُّجٍ رائعِ من اللازوردِ والأخضر.


                  فنجانُ القهوة يستقرّ فوق طاولةٍ صغيرهُ ، يحملهُ الى الشرفةِ ، يجلسُ متثائباً .. يتصفحُ جريدة الجمعةِ بمللٍ


                  مُسبَق ، لا جديدَ في الأخبار ..ربيعٌ ..دماء ..ودمارٌ .


                  حيرةٌ تلفُّهُ هذا الصباح ، وضيقٌ ثقيلُ الوطئةِ يجثمُ فوق صدره .


                  عامان مرّا على هذا الزواج المبرمَج المرسومِ بإلحاح العائلةِ على إقترانهِ بذات الحسَب والنسب ، إبنة عائلته الثرية العريقة ..، عجباً للمثقفين المتعولمين من قَبَليَّةٍ متجددة ، تزِنُ كل ما في الحياةِ بمعاييرها الخاصة من

                  المكاسب والخسارات ، في غيابِ أي اهتمامِ بزخاتِ الحُرقةِ تنبضُ بالتّوقِ الى إلفٍ يختارهُ القلب أو تزكيهِ المشاعر .

                  يتساءلُ في نفسهِ : ترى مالذي كسِبهُ هو بالذاتِ بعودتهِ من هناك متناسياً كل الحكايات الجميلة ، وكم خسر مما لا يُعَّوَّض ..وٌقد تقشَّفتْ أحلامهُ وتمزقت الظلالُ من حولهِ ، ليجد نفسه متوحداً بعدّ أن عبرتْ حياتهُ كما تعبرُ ريحُ الصباحِ شُباكاًمهجوراً ..لتبعث الحياةَ فيه لحظة ..ثم تنسحبُ تاركةً لهُ _ من جديد _ قتامةَ الغياب .


                  _ يا بنيّ برضايَ عليك ، لا تأمن لزواج الأجنبيات فاولئك لا يعرفنَ الوفاء ولا ينشُدنَ الإستقرار .

                  قالتها بثقةٍ وإصرارٍ كأنها فتوى إلهية لا تقبلُ النقض أو التأويل . جملة كثَّفت فيها الأمومة هدأتها العقليّة ..

                  وكل سطوتها المُقَنَّعَةِ بالحب الحرصِ ..والرجاء ، دون أن يترك لهُ صخب النقاش فرصةً إلاّ للإمتثالِ لِهَديِ السليقةِ
                  في شيخوخةٍ على شَفا الرحيلِ تُملي عليهِ أن يُصدقها ويكذب إيقاع نبضهِ .
                  _ ولكنها من أبٍ جزائريّ يا أمي ..!

                  _ وأمٍّ فرنسية ...أليسَ كذلك ؟ والبنتُ سرّ أمها كما يقولون .!

                  وبِاستسلامِ قاربٍ فقد البوصلة والإتجاهات .. صارت كل الرياحِ لديه سواء ،عاد من هناك بما يكفي لِبناءٍ أسرةٍ
                  بثمنٍ باهظ .. غصّةٌ في القلب يحاولُ تناسيها ..،وحكايةُ قلبينِ كان يُريدها تمتدُّ للأبد ، فكانت عمراً قصيرُ الأمَدْ !
                  عمرٌ ما فتأَ يُصارعُ شكوى الزمن المفقودِ من ساديّةٍ حاضرٍ أفرطَ في الجنوحِ إلى مجانيّةِ الإحساس ، وتبذير

                  الحضورِ ..في روايةِ المقارناتِ الطويلة..!

                  مرحلةٌ من العمر مرّت كمرور الربيع بالحقول ..
                  هناك حيثُ تسكنُ الأحلامُ ..، حيثُ كل نسمةٍ نغمة ، وكل سكونٍ
                  صلاةُ شكرٍ تتصاعدُ عطراً نحو السماء ، في حفنةٍ من الأرضِ جنوب فرنسا تغرقُ في أمواج العبير ، نًصَّبَتها الزهورُ عاصمةً للجمالِ والعطور ، حيثُ تمتدُّ الحقولُ أميالاً من الياسمين والخزامى وزهر البرتقالِ والليمون .
                  هناك تجلّت الأحلامُ حقيقة بإبتسامةٍ وردية ، وشعرٍ مسترسلٍ بلونِ الكستناء في مواقد الشتاء ، ونظرةٍ عسليّة
                  ذكَّرَتهُ بمذاق العسل الجارح .
                  _ دعني ارسمك ..

                  قالتها بعفوية كأنها تعرفهُ منذ سنين .

                  تعثرت الكلماتُ على شفتيهِ ..فأردفت بصوتٍ كَوَعدٍ بقصيدة :

                  _ أنا طالبة في كلية الفنون ، أتردّدُ هنا على مدينة ( جراس) أحاولُ توثيق لحظة جمالٍ نادرة بريشتي ،

                  وقد راقتني وقفتك تحت المطر بالمظلة بين حقول الياسمين .

                  وأنتَ ...ألا تُعرفني بنفسك ؟ قالتها بصوتٍ كَوَعدٍ بمساءٍ فريد !

                  نبضةٌ كهربائيةٌ أرعشَت قلبهُ ، ثم راحت تتسكَّعُ على غير هدىً في مساراتِ أحاسيسهِ السريّة .

                  كانت تتكلمُ وكان يُصغي لها صامتاً ، يملأُ منها عين القلبِ التي تَرى ...ولا تُرى .

                  وبصوتٍ كالحالم وجد نفسهُ يقول لها بكلماتٍ متعثرةٍ مختصرةٍ أنهُ هنا أيضاً يترددُ على مصانع العطور للتدريب
                  والإطلاع ..كطالبٍ في منحةٍ دراسيةٍ لنيل الدكتوراة في الكيمياء .
                  وفي حديقةِ مطعمٍ صغيرٍ يحملُ اسم الياسمين ..يحتكرهُ المتقاعدون ، يرقبون الصّبا يمرُّ بهم مُدنفاً بالجمال والعطور، مؤانساً وحدتهم بابتساماتٍ عابرة ، أدخلهما الحلمُ في ظل سنديانةٍ عتيقةٍ ....وانسحبَ بهدوء .

                  هناك حيثُ تولدُ أولى الكلمات ، وأول القطراتٍ مُتحرّرةً من الأسماءِ والعناوين ..دارَ حوارٌ وديٌّ بين الحكمة والجنون ..!

                  ثلاثُ سنينٍ مرّت سرباً من اللحظات ..، كانا هناك مُنهمكان في التقاط ما تُقدمهُ الحياةُ من هِباتٍ صغيرة ، وآمالٍ
                  كبار . مساحةٌ من الزمنٍ كانت كومضةِ برقٍ يلتمعُ بالدهشةِ ، وزخّاتُ سخيّة أمطرتْ على يباٍس أيامهِ موسماً من الخصب المُعَطّر .
                  يُغادرُ الشرفة الى الحديقة ، والذكرياتُ ما زالت تتوالى على خيالهِ كالمرايا المتوازية ..كلّ ذكرى تُدخلهُ في الأخرى
                  في سلسلةٍ لا نهايات لها ، وتدور في خاطرهِ الحقولُ حول نفسها فتدوخ الأفكار ..
                  ويتمادى العطرُ ..ذلك الثرثار ، يَسْتبيهِ الحنين ..ويصحبهُ في جولةٍ يتفقدُ فيها أثارهُ اللامنسية فوق ارضٍ بعيدة .

                  ويحملهُ الشوقُ ألى مقعدينِ وكأسين ..وشال مطرز بالأُمسياتِ يلتفُّ حول الكتف المستندِ على ذراع الأصيل
                  حيثُ الشمسُ تُلوّنُ ألأفقَ بِشفقيّةٍ لا تُنسى ..!
                  يتنهّدُ ..وبعمقِ قلبهِ الموجوع يتساءل :

                  تُرى ..هل يكفي قليلٌ من الزمنِ وكثيرٌ من الأملِ لِنجاةِ مسافرٍ من جيش المستحيلِ يُطوِّقُ الطريقَ إلى الممكن ؟؟

                  وهل قليلٌ من ضوءٍ ورذاذٍ يكفيانِ لتتغلّب نُضرة الحياة على اليباس ؟؟

                  ومن بين التساؤل ..والتفاؤل يمرُّ طيفُ إبتسامةٍ وردية ونظرةٍ عسلية ..ويهمس له ..ربما ...!!!


                  نجاح عيسى ..
                  فلسطين
                  على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
                  جون كنيدي

                  الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

                  تعليق

                  • سالم وريوش الحميد
                    مستشار أدبي
                    • 01-07-2011
                    • 1173

                    #24
                    المشاركة رقم 6
                    اسم الكاتبة نجاح عيسى
                    البلد فلسطين رام الله
                    الاختصاص أديبة
                    السيرة الذاتية

                    دموعُ الآخرين ..

                    بعد َ ليلةٍ مشوّشة الصور ، متأرجحة بين يأسٍ ورجاء ..،خيّم الصمت على المشفى ..تزامُناً مع بابٍ أطبق على قلبٍ
                    ما خذلني يوماً ساعة حاجتي إليه في ليلٍ أو نهار ،
                    مع فريقٍ من الآطباء باحثين عن مخرجٍ لآلامٍ حاول المُضيّ معها على وتر المعاناة إلى أقصى طاقاتِ إحتماله .
                    الجو خانق..والأصواتُ فوضى خافتة الخطوات ..،عيون باهتةٌ ...نظراتٌ مُتعبةٌ ، إبتساماتٌ باردةٌ ما تكاد تعلو الوجوه
                    حتى تسقطُ في غموض طقسٍ إختلطت فيه العفويّة بالتخطيط المُرَكَّز .

                    بياضٌ يكتسحُ كل ما تقع عليه العين في المكان ، والأسِرّةُ كأنها أكُفّ مرفوعة تنتظر الرحمة من السماء ...
                    والأجساد الهزيلة فوقها ، ثمارٌ عصرتها يدُ الزمن فلم تترك فيها إلاّ القشور .
                    عمال النظافة يروحون ويجيئون في نشاطٍ دؤوب معظمهم من القرى المجاورة للقدس ، كأنهم جاءوا لينسوا الفأس والمحراث ..ومصارعة العصافير على الثمار ، ليكابدوا أخطار طريقٍ تكمنُ في منعطفاتهِ عيون العذاب ..!
                    خارج الغرفة يقف حراس الأمن قرب مدخل المشفى يتصفحون الوجوه العابرة ...ويتفحّصون بعضها إذا لزِم الآمر ..
                    في محاولة لتضييق مساحة الخطر الكامن بين تلك الوجوه المختلفة الجنسيات ..!

                    شعور بالحزن واحتباس الدمع في عيني ..دفعني للتجول في ردهات المشفى ..
                    وأمام شباكٍ عريض إقتحمتهُ الشمسُ ناشرة أشعتها في وسع المكان ، وقفتُ أرقبُ منطقة سكنية راقيةً
                    على سفوحٍ ربوةٍ كانت لنا ذات زمان ..!!
                    الشوارعُ ناعمة ..الأشجار مهرجانُ إزهارٍ وألوان ...،وبين الآغصان طيورٌ تردد ترنيمتها الصباحية .
                    البيوت حجارتها نظيفة بيضاء ، في نوافذها ورودٌ ..وفي حدائقها يلعبُ أطفالٌ تملؤهم الحياة ويحيط بهم
                    الأمن والأمان من كل الأنحاء ..، هدوء وراحة بالٍ واطمئنانٌ يلف المكان .
                    وفجأة ...كأن يدٌ شدّتني من عنقي فاعتدَلتُ ، ورأيتُ صورة عريضة امامي تغطي المكان ...غرف اسمنتية
                    متلاصقة، أزقة موحلة ..، وجوهٌ شاحبةٌ ملَّها الإنتظار ،
                    عربات خضار بائسة ..هي الأرض والمحصولُ والفيضان .متسولون على ارصفة المنافي يسألون الزمان :
                    متى بالإمكان .........................؟؟؟
                    هناك حيث إمتداد الجذور عذاب ..، وذلك الطفل الذي وُلِد كبيراً يقبع في عتمة الزقاق ..،حيث الحياةُ رزمة
                    من السياط ..تمزّقُ ..تحرق ..تستبيحُ دون مسائلةٍ أو إحتجاج ..!
                    تُعذبني قتامة الصورة ....تمحو جمالية الصورة التي كانت قبل لحظات .
                    أحد ضباط الأمن يلفت نظري إلى الإبتعاد عن النافذة ، كان الكُره منقوشاً على وجههِ بالثُّلُث وهو يحدثني ..
                    حدّثْتُهُ بلغتهِ العبرية ..فرَد عليّ بالعربية أن ألزم حجرة والدتي ، أو انضم إلى افراد اسرتي في الحديقة .
                    تحسستُ من لَغط العاملين أن حالةً حرجة في الطريق ..، ما لبث أن دخل بها طاقم الإسعاف إلى قسم الطواريء .
                    سيدة على ما تبدو في الخمسينات ، أصيبت بنوبة قلبيّة بعد تلقيها نبأ مقتل إبنها الضابط في اشتباكٍ
                    مع مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين في مكان ما على الساحل .
                    العائلة كلها تحيط بالأم على سريرها ..فاقدة الوعي شاحبة اللون ، يتصبب العرق من كل كيانها
                    كأنه دموع القلب والأعضاء ، الأبُ ذاهلُ يحدّق في صورة إبنه الشاب لحظات ..ثم يضمها الى صدرة
                    مجهشاً في بكاءٍ مُمِضٍّ أليم ، دموع ..واهات ..صراخٌ وعويلُ يملأ المكان ،وقد تناثر الآقارب على المقاعد
                    وقرب الجدران .
                    مشهدٌ مأساويّ يدمي القلوب لعائلةٍ ثكلتْ ابنها الشاب ،اللحظات حاسمةٌ ، مُدبَّبةٌ ..مشحونةٌ بالإحتمالات ...
                    ألمشهد الذي يهزّ أقسى القلوب ...، يهزني لِحظات ..غصّة تتجمع في حلقي ، تكاد تمزق حنجرتي ...
                    فأنا إنسان رغم كل التناقضات ..،فاجعةٌ بكل المقاييس تقف منّي على بُعْد خطوات .. ولكني لا أشعر أني جزء
                    من ذلك المشهد ..ولو على سبيل المواساة ..أو السؤال ..!
                    ..هوَّة بلا قرارٍ تفصلُ بيننا ، هوّةٌ يقبعُ في اعماقها أنهارٌ من الدماء ..مئات أعرفهم من الشهداء والجرحى
                    والثكالى والأرامل والأيتام ...
                    فجأة يُطلّ وجه ابراهيم ..ذلك العريس الذي اغتالت القوات الخاصة فرحته قبل زفافه بيومين ،
                    من الناحية الاخرى يُطل وجا وفاء ، ابنة العشرين ربيعا ..والرصاص يسقط العلم من يدها ..فترتقي
                    شهيدة نحو السماء .
                    ألتفتُ يُطل وجه أمين ...وجه مها ..وجه ملاكٍ يحملُ في غلالة نورٍ جنيناُ مزق الرصاص رحم امه .
                    يُطلّ بيتُ تجتاحهُ الجرافات .
                    تُطِلّ تعريشةُ يا سمين من بين الركام ، تُطلُّ أحلامٌ ذابت تحت التراب . يُطِلّ شبابٌ ذوى بين الزنازين ..
                    خلف القضبان ، وجهُ أخي وتوأم روحي يُطلّ من خلف عشرةِ أعوام ...!!
                    تُحاصرني الأطياف من كل الجهات ..مُعفّرة بتراب الغربة ..مُضرّجةً بالدماء ،يختفي المشهد الآخر من المكان
                    ولا يتبقى إلا أنا وتلك الأطياف ..، تنفجر عيوني شلالاتُ دموعٍ ودماء ...
                    أركض ...أغادر المكان المزدحم بالمأساة ...أصطدم بطاقم التمريض يسحب سرير أمي خارج غرفة العمليات ،
                    أتسمّرُ في مكاني مذهولة ..عيوني الدامعة تستنطق الجَرّاح ..
                    يربتُ الجراح الإيرلنديّ على كتفي هامساُ : لا تقلقي ...كل شيءٍ على ما يُرام .

                    نجاح عيسى ..
                    رام الله
                    فلسطين .


                    على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
                    جون كنيدي

                    الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

                    تعليق

                    • سالم وريوش الحميد
                      مستشار أدبي
                      • 01-07-2011
                      • 1173

                      #25
                      المشاركة رقم 7
                      اسم الكاتب ريما ريماوي
                      البلد .. الأردن
                      الاختصاص قاصة
                      السيرة الذاتية



                      ليالي الشتاء الباردة

                      تجلس على أريكتها الوثيرة .. يداعبها دفء ذكرى،
                      حين ذات شهوة.. تلفحا نفس الغطاء،
                      يتناولان المثلجات المجمدة،
                      من ذات العلبة....!


                      القبو \ قصة هيتشكوكية



                      أثار قلقها سماع صوت حفر في القبو، حيث يحفر زوجها خفية عنها، مستغلا انشغالها عته، يحرص عند مغادرته إحكام غلقه. ولشدة غيظها، يكتفي برسم ابتسامة مبهمة، ردا على أسئلتها المتكررة بخصوص عمله هناك.

                      ذات يوم نسي باب القبو مفتوحا وخرج الى عمله، فتسللت إليه بدافع الفضول. فصدمت لدى رؤية حفرة عميقة مستطيلة نبشت في الأرضية، كالقبر تتسع لإنسان بسهولة..

                      تلاطمتها دوامة أفكار سوداء، تفكر في سرها:

                      "هل نسي العشرة؟ وصبري معه على ضيق ذات اليد وفد وقدت له أصابعي العشرة.. لربما هو عازم على قتلي بعدما ورثت المزرعة الكبيرة؟ هل لعبت ملايين عمي الراحل في رأسه.. وريثي الوحيد؟! "

                      هاجت وماجت والغيظ يتفاقم معها، لقد أهدته أحلى سني عمرها ليكافئها هكذا.. بقتلها وبإنهاء حياتها..

                      أحست به خلفها، فالتفتت فزعة ورأته يتقدم نحوها، ينظر إليها شزرا، مكشرا لانكشاف سره، فارتعبت.. التقطت مجرفة جديدة حادة الجوانب على مقربة منها، وبدون تردد هوت بطرفها على رأسه بأقصى ما تملك من قوّة.. فسقط أرضا مضرجا بدمائه، مشلولا لا يتحرك، ولم يقو على رد ضرباتها المجنونة فهشمت رأسه تماما، ولم تهدأ إلا بعد تأكدها من أنه لفظ أنفاسه الأخيرة.

                      جالت بنظرها في القبو، فصفعت عينيها كرتونة ضخمة مكتوب على بطاقة ملصقة بها بخط يده:
                      " إلى زوجتي العزيزة مع حبي، التدفئة المركزية لك كي تحمي عظامك الرقيقة من البرد..."

                      تطايرت الطيور فزعة عندما شق عنان السماء صراخ وحشيّ غير آدمي، ممتزجا وصوت موسيقى صادرة من بطاقة عيد ميلادها.. !



                      مع تحيتي.. ريما ريماوي،
                      على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
                      جون كنيدي

                      الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

                      تعليق

                      • سالم وريوش الحميد
                        مستشار أدبي
                        • 01-07-2011
                        • 1173

                        #26
                        المشاركة رقم 8
                        الأسم سالم وريوش الحميد
                        البلد العراق
                        الاختصاص ناقد وكاتب
                        السيرة الذاتية

                        محطات

                        بيني وبينها
                        عيون نرجسية تلتقي عند منعطفات طرق قصيرة ومحيرة
                        و يد تمتد ملهوفة .. لعناق حذر ..وأقدام أتعبها المسير ، تخاف اللقاء ، وحسرات تختلج بها النفس تخشى الاقتراب لئلا تحترق من ضرام قلب طالما أوقدت نيرانه من سهام سهام ؛ تلك التي في بيتي , أصبحت روحي حطبا لهذه النيران ..كلما خبا لظاها أوقدتها تلك السهام ..
                        بيني وبينها باقة الزهر التي خنقت أنفاسها بلفافات السليفون . تلتقي الأحلام ببراءة ، أشم رائحة ذكية ، نتوسد ظلينا .. بعدما أبحرنا في ضوء الشمس طويلا ، تنعشنا أنسام ربيعية ، ننصت إلى عزف
                        الطبيعة وهي تسابق صوت تلك الأقدام الحديدية ، نذر وبشرى أما بداية لرحيل أو لقاء وشيك ...كل يوم بين ذهاب أو إياب
                        الوقت يضيع والأصوات تخفت شيئا فشيئا’ العيون التي كانت ترقبنا أتعبها الفضول , وأثقل جفونها النعاس .. لازال ليل شعرها ملتصقا على النافذة ليضيع في ظلمة الطريق ، المصابيح تلعب معنا لعبة الظل والضوء .. أغمض عيني أحاول جمع فلول شجاعتي وأنطق ولو بحرف واحد .. (ساعة واحدة على وصولنا البصرة , أيمكنني فعل شيء .. أيمكنني أن أبوح بمكنونات قلبي كلها .؟) أيمكن أن تمس يدي يدها ، أو أسرق لحظة اهتزاز أباغتها بها لتكون قدمي لصق ساقها ..
                        _أنت لاشيء بالنسبة ليّ .. أريد أن أعيش حياتي ..
                        بقيت متسمرا في ذات المكان ، حتى الصباح أجتر ألام الأمس البعيد مذ عرفتها مذ أن أقترنا أسمين في المحكمة ، بلا جسد ولا روح ولا أمل بغد جديد .. فتحت باب الغرفة الموصد نظرت إلي نظرة مبهمة ، أشعلت عود ثقاب ، أخذت نفسا عميقا من سيجارتها ، ثم نفثت دخانها بوجهي الشاحب ، لتعلن بداية حرب جديدة تتلذذ هي بعذاباتي.. أدواتها مناكفتي وصراخ وكسر للأواني .. وأدواتي حرق ما تبقى من حطب الأمس داخل تنور جسدي الموقد دوما ..

                        كم جميلة أنت ..كم الفارق بينك وبينها كبير.؟
                        رحت أرنو لعينيها بتوجس .. ففرت بنظراتها بعيدا عني متجاهلة تلك اللهفة التي في عيوني
                        نوازعي تمنع من أن تتقدم خطوة.لاقتحم حصونها المنيعة فأي خطوة غير محسوبة قد تودعني السجن ، أو أكون عرضة لضرب مبرح من أولئك المتحاملين عليّ ، فريق كرة القدم الذين ضج المكان بصخبهم وغنائهم وحركاتهم الجنونية ، لأداري وجهي عن عيون الحاسدين لي كوني أجلس قريبا من القمر أنا الذي فزت بأن
                        أشم رائحة الجنة دون عناء فكيف لا أحسد ، أ أصارحها..؟
                        لا , لا خيرا لي أن أعيش أمل حب.. من أن أعترف لها ، فينهار كل صرح بنيته حتى وأن بقيت العمر كله في الانتظار.. لن أخسر من سلبت لبي وأسرت قلبي في لحظة غير محسوبة ... وأسلم نفسي للأحزان والندم ، تقرفصت على الكرسي وبدأت أصغر , وأصغر حتى خلت نفسي حشرة منكمشة على نفسها تشرنقت بخيوط التردد ، تتخطاها الأقدام صدفة فتكون سببا لبقائها ، تحجرت في مكاني .. خفت أن تمتد يدي إليها دون شعور فتصرخ بأعلى صوتها ... دعيني أعيش أمل حب موهوم .. لن أقتل هذا الحب بيدي ، ربما هو بداية عمر جديد كتب لي أن أعيشه
                        • تسمر ت في مكاني وأنا أرى شفتيها تتحرك وثمة ابتسامة فاترة تسرق حيائها المتدثرة به مذ رأيتها صدفة .. كم من الوقت بقى لنصل المحطة ...
                        (سنة ...) لا أعرف لم جاءت الكلمة هكذا ، أهي أمنية أمني بها النفس .. تطول المسافات ويبطئ الزمن ، بل يتوقف حتى تبتل عروقي بعد ظمأ السنين ، أبقى قريبا منها ، يا ابن العربي : لا أريد من حور العين إلا هذه .. (سنة بقرب الحبيب يا لسعادتي ،يا لهنائي ) سنة أتخلص بها من ثرثرة لا تنتهي .. وتذمر .. وقرف .. و ثلج لا يشعله لهيب لقاء أو بعاد.. وفراش بارد .. وحيرة أرد بها كاسفا ..كلما شدتني رغباتي المؤجلة تسقط صرعى عند باب موصد الرجاء ، لأجر خيبتي وراءي وأسأل نفسي ،لم هذا الصدود .. أليست أما لأولاد تريد ..؟
                        ـ ( يعطي الحلق ..للذي ليس له أذان ) يتفجر بركان من الضحك ...
                        كم آذان فجر مر وأنا أصلي صلاة الخذلان .. مرارة خيبة أداريها عن عيون الجدران ، عن الستائر ،والنوافذ الموصدة ،عن المرآة التي طالما رثت لحالي
                        أفقت من شرود غمني .. إلى تهكم آلمني .. ضحك عدد من الشباب وهم ينظرون إلي باستهزاء ، أأفعلها وألقنهم درسا لن ينسوه ..؟ وبذا أكون قد كسبت قلبها . لأكون فارسا لأحلامها . لكن أين أنا الرجل الأربعيني من هؤلاء الشباب ألمفتولي العضلات بقاماتهم الفارعة ، فريق كرة قدم مسافر بفرحه العفوي ، سيجعلونني كرة تتقاذفها الأقدام ، هم لا يكفون عن الهذيان والضحك ، وأنا أسير صمتي ،مكبلا بحيرتي
                        راحت حركة القطار .. تبطئ شيئا فشيئا ، الكل يتأهب للنزول ، إلا أنا فقد تجمدت قدمي وتسمرت على مقعدي .. رأيت في عينها ابتسامة جميلة .. وثمة حزن غريب
                        هيئ نفسك يا أحمد لقد وصلنا .؟
                        يا ترى كيف عرفت أسمي ..؟ ربما قرأته مكتوبا على حقيبتي.
                        غادرت دون أن تنبس بأي كلمة
                        من تكون...؟!
                        حركة دائبة الكل يخرج من تلك الأبواب نحو فضاء ممتد بلا حدود .. هل انتهى حلمي عند آخر محطة .. لم لا تكتمل لحظات السعادة ... لا أعرف لم ساخنة هي دموعي .. التي سقت محاجر عيني .. لا أستطيع القيام .. لم أنا متسمرا هنا .. ؟ أغمضت عيني أتطلع إلى من يعينني على النهوض
                        _ لقد عادت .. يا ألله .. كم أنت كريم يا رب ..
                        عادت ومعها شابين .. خفتهما . نظرت إليهما بذعر .المواجهة صعبة أنا مكبل بعجزي. ما لذي فعلته أنا لم أتحرش بها ..لم أقل لها شيئا طيلة تلك الرحلة . كنت أتأمل جمال العيون . تقدمت بخطى ثابتة ثم أشارت
                        إلي ّ كاد قلبي يفر من بين أضلعي وهم يتقدمون نحوي
                        _ هذا هو .. زوجي ..!!
                        ـ لا أنا لست زوجها .. إنها كاذبة . إنها مدعية ..
                        حملوني . والدهشة تعقد لساني . هناك قرب الباب و خارج القطار ..
                        ينتظرني كرسي متحرك ...
                        تشمئز له النفوس

                        سالم وريوش الحميد
                        على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
                        جون كنيدي

                        الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

                        تعليق

                        • سالم وريوش الحميد
                          مستشار أدبي
                          • 01-07-2011
                          • 1173

                          #27
                          المشاركة رقم 9

                          اسم الكاتب : نجاح عيسى
                          البلد : فلسطين رام الله
                          الاختصاص :أديبة
                          السيرة الذاتية :


                          دموعُ الآخرين ..

                          بعد َ ليلةٍ مشوّشة الصور ، متأرجحة بين يأسٍ ورجاء ..،خيّم الصمت على المشفى ..تزامُناً مع بابٍ أطبق على قلبٍ
                          ما خذلني يوماً ساعة حاجتي إليه في ليلٍ أو نهار ،
                          مع فريقٍ من الآطباء باحثين عن مخرجٍ لآلامٍ حاول المُضيّ معها على وتر المعاناة إلى أقصى طاقاتِ إحتماله .
                          الجو خانق..والأصواتُ فوضى خافتة الخطوات ..،عيون باهتةٌ ...نظراتٌ مُتعبةٌ ، إبتساماتٌ باردةٌ ما تكاد تعلو الوجوه
                          حتى تسقطُ في غموض طقسٍ إختلطت فيه العفويّة بالتخطيط المُرَكَّز .

                          بياضٌ يكتسحُ كل ما تقع عليه العين في المكان ، والأسِرّةُ كأنها أكُفّ مرفوعة تنتظر الرحمة من السماء ...
                          والأجساد الهزيلة فوقها ، ثمارٌ عصرتها يدُ الزمن فلم تترك فيها إلاّ القشور .
                          عمال النظافة يروحون ويجيئون في نشاطٍ دؤوب معظمهم من القرى المجاورة للقدس ، كأنهم جاءوا لينسوا الفأس والمحراث ..ومصارعة العصافير على الثمار ، ليكابدوا أخطار طريقٍ تكمنُ في منعطفاتهِ عيون العذاب ..!
                          خارج الغرفة يقف حراس الأمن قرب مدخل المشفى يتصفحون الوجوه العابرة ...ويتفحّصون بعضها إذا لزِم الآمر ..
                          في محاولة لتضييق مساحة الخطر الكامن بين تلك الوجوه المختلفة الجنسيات ..!

                          شعور بالحزن واحتباس الدمع في عيني ..دفعني للتجول في ردهات المشفى ..
                          وأمام شباكٍ عريض إقتحمتهُ الشمسُ ناشرة أشعتها في وسع المكان ، وقفتُ أرقبُ منطقة سكنية راقيةً
                          على سفوحٍ ربوةٍ كانت لنا ذات زمان ..!!
                          الشوارعُ ناعمة ..الأشجار مهرجانُ إزهارٍ وألوان ...،وبين الآغصان طيورٌ تردد ترنيمتها الصباحية .
                          البيوت حجارتها نظيفة بيضاء ، في نوافذها ورودٌ ..وفي حدائقها يلعبُ أطفالٌ تملؤهم الحياة ويحيط بهم
                          الأمن والأمان من كل الأنحاء ..، هدوء وراحة بالٍ واطمئنانٌ يلف المكان .
                          وفجأة ...كأن يدٌ شدّتني من عنقي فاعتدَلتُ ، ورأيتُ صورة عريضة امامي تغطي المكان ...غرف اسمنتية
                          متلاصقة، أزقة موحلة ..، وجوهٌ شاحبةٌ ملَّها الإنتظار ،
                          عربات خضار بائسة ..هي الأرض والمحصولُ والفيضان .متسولون على ارصفة المنافي يسألون الزمان :
                          متى بالإمكان .........................؟؟؟
                          هناك حيث إمتداد الجذور عذاب ..، وذلك الطفل الذي وُلِد كبيراً يقبع في عتمة الزقاق ..،حيث الحياةُ رزمة
                          من السياط ..تمزّقُ ..تحرق ..تستبيحُ دون مسائلةٍ أو إحتجاج ..!
                          تُعذبني قتامة الصورة ....تمحو جمالية الصورة التي كانت قبل لحظات .
                          أحد ضباط الأمن يلفت نظري إلى الإبتعاد عن النافذة ، كان الكُره منقوشاً على وجههِ بالثُّلُث وهو يحدثني ..
                          حدّثْتُهُ بلغتهِ العبرية ..فرَد عليّ بالعربية أن ألزم حجرة والدتي ، أو انضم إلى افراد اسرتي في الحديقة .
                          تحسستُ من لَغط العاملين أن حالةً حرجة في الطريق ..، ما لبث أن دخل بها طاقم الإسعاف إلى قسم الطواريء .
                          سيدة على ما تبدو في الخمسينات ، أصيبت بنوبة قلبيّة بعد تلقيها نبأ مقتل إبنها الضابط في اشتباكٍ
                          مع مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين في مكان ما على الساحل .
                          العائلة كلها تحيط بالأم على سريرها ..فاقدة الوعي شاحبة اللون ، يتصبب العرق من كل كيانها
                          كأنه دموع القلب والأعضاء ، الأبُ ذاهلُ يحدّق في صورة إبنه الشاب لحظات ..ثم يضمها الى صدرة
                          مجهشاً في بكاءٍ مُمِضٍّ أليم ، دموع ..واهات ..صراخٌ وعويلُ يملأ المكان ،وقد تناثر الآقارب على المقاعد
                          وقرب الجدران .
                          مشهدٌ مأساويّ يدمي القلوب لعائلةٍ ثكلتْ ابنها الشاب ،اللحظات حاسمةٌ ، مُدبَّبةٌ ..مشحونةٌ بالإحتمالات ...
                          ألمشهد الذي يهزّ أقسى القلوب ...، يهزني لِحظات ..غصّة تتجمع في حلقي ، تكاد تمزق حنجرتي ...
                          فأنا إنسان رغم كل التناقضات ..،فاجعةٌ بكل المقاييس تقف منّي على بُعْد خطوات .. ولكني لا أشعر أني جزء
                          من ذلك المشهد ..ولو على سبيل المواساة ..أو السؤال ..!
                          ..هوَّة بلا قرارٍ تفصلُ بيننا ، هوّةٌ يقبعُ في اعماقها أنهارٌ من الدماء ..مئات أعرفهم من الشهداء والجرحى
                          والثكالى والأرامل والأيتام ...
                          فجأة يُطلّ وجه ابراهيم ..ذلك العريس الذي اغتالت القوات الخاصة فرحته قبل زفافه بيومين ،
                          من الناحية الاخرى يُطل وجا وفاء ، ابنة العشرين ربيعا ..والرصاص يسقط العلم من يدها ..فترتقي
                          شهيدة نحو السماء .
                          ألتفتُ يُطل وجه أمين ...وجه مها ..وجه ملاكٍ يحملُ في غلالة نورٍ جنيناُ مزق الرصاص رحم امه .
                          يُطلّ بيتُ تجتاحهُ الجرافات .
                          تُطِلّ تعريشةُ يا سمين من بين الركام ، تُطلُّ أحلامٌ ذابت تحت التراب . يُطِلّ شبابٌ ذوى بين الزنازين ..
                          خلف القضبان ، وجهُ أخي وتوأم روحي يُطلّ من خلف عشرةِ أعوام ...!!
                          تُحاصرني الأطياف من كل الجهات ..مُعفّرة بتراب الغربة ..مُضرّجةً بالدماء ،يختفي المشهد الآخر من المكان
                          ولا يتبقى إلا أنا وتلك الأطياف ..، تنفجر عيوني شلالاتُ دموعٍ ودماء ...
                          أركض ...أغادر المكان المزدحم بالمأساة ...أصطدم بطاقم التمريض يسحب سرير أمي خارج غرفة العمليات ،
                          أتسمّرُ في مكاني مذهولة ..عيوني الدامعة تستنطق الجَرّاح ..
                          يربتُ الجراح الإيرلنديّ على كتفي هامساُ : لا تقلقي ...كل شيءٍ على ما يُرام .

                          نجاح عيسى ..
                          رام الله
                          فلسطين .
                          على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
                          جون كنيدي

                          الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

                          تعليق

                          • سالم وريوش الحميد
                            مستشار أدبي
                            • 01-07-2011
                            • 1173

                            #28

                            المشاركة رقم 10
                            اسم الكاتب سالم وريوش الحميد
                            كاتب وقاص
                            السيرة الذاتية


                            ارتحال

                            من يوصلني إلى بحر الصمت, لازالت ثرثرة الأيام تحملني إلى صحار و متاهات العمر في غياهب الشعور بالضياع
                            تغرقني في عتمة رياح ترابية تعصف بي ، تسد علي كل الطرق والمنافذ .
                            العودة للربيع جاء من باب الهذيان ، وضرب من المستحيل ،
                            والحقيقة باتت تقارع بقايا أحلام، تجبرها على أن تخرج من كوة رأسي المثقل بالهموم .
                            لا أمل لي بالخلاص, فالعالم موغل بالجريمة ، ولحوم البشر أطعم اللحوم, يقدمونها لفافات (ساندويج ) ،
                            في( كرنفالات) مذابح العقائد القرمزية . لازال الموت فاغرا فاه ، لا يتمثل برجل حتى أجهز عليه.
                            رائحة الشواء لا تقاوم ، تحترق الأجساد كقطع فحم ، كتب الأطفال تذروها الرياح ، الدم يسيح يمتزج بكتاب القراءة الخلدونية ، يريد أن يكمل الدرس المسفوح عند بوابة المدرسة.أصوات تردد وراء المعلمة ، أبجدية الحرف العربي المقهور، والمسلوب رداءه :
                            دار دوّرٌ دورانا
                            رأيته أحمر ، يزحف فارا من سجون الأجساد الغضة المعفرة بالتراب .
                            رامي المسجى على قارعة الطريق ، عبر مدارج الحصى ، يلوذ بصمت ، بدا وكأنه أبدي ، ليس كعادته ؛ فهو مجبول على الهذيان والضحك.
                            ( إلى اللقاء .. غدا ألقاك)
                            آخر كلمة سمعتها ، ونحن نغادر معا الصف ، بعد أن عاقبتنا معلمتنا .
                            كنا نحاول كتم ضحكاتنا في أعماقنا . نظرت إلينا المعلمة نظرة عتاب وتأنيب :
                            - كفاكما ضحكا .
                            ولم نأبه لإنذاراتها وتحذيراتها ، بقينا نضحك ، دونما سبب . طلبت ألا نحضر إلا ومعنا وليا أمرينا .
                            :( الضحك بلا سبب من قلة الأدب ) قال رامي ، وهو ينفجر بنوبة ضحك هستيري ؛ ليستفز غريزة الضحك عندي.
                            جلسنا عند عتبة الباب ، ننظر إلى الحركة الدائبة ، للأطفال بين رواح ومجيء .
                            في لحظة .. ومن غير سابق إنذار،
                            اجتاحتنا حالة من اكتئاب ، لفنا السكون بجناحيه . لن ترحمني والدتي إذا ما علمت بطردي من المدرسة . دارت في خلدي تلك الكلمات .
                            كل يوم يأتي رامي بدراجته الهوائية للمدرسة . كم حلمت أن أمتطيها مثله ، أنطلق بها في هذا الخلاء !
                            : السفر المحتوم للمجهول ، يجب أن نعد عدته . هكذا قالت جدتي ، وهي تضع على جسدي المرتعش بطانيتها الوحيدة . قفزت لذهني فكرة : ماذا لو هربنا منه ؟!
                            نظرت إليها ، وهي تتغطى بكفنها، تمنيت أن تلفني بحضنها؛ لولا هذا الشيء البغيض .
                            أردت أن أبكي كما يبكي الأطفال . اليوم صار الكفن رداءً لرامي . سألتها :
                            (لم رامي يموت ...؟)
                            : إنها إرادة الله .
                            قالتها وهي تربت على كتفي ، لتصبرني على بلوى ، ما كانت تخطر على بالي .أشعلت مدفأة قربتها مني ، أحسست ببعض الدفء.
                            الظلام يثير مشاعر الخوف لدي ، أشباح تطاردني ، حاولت الهروب منها ، أبحث عن ملاذ آمن. نهض رامي والدماء تغطيه ، مد يده إليّ ، جاهدت سحبه بقوة .كاد يجرني إلى هوة سحيقة .كان صدى ضحكاته يمتد عبر الأثير بلا حدود ، لا تحجبه حجبٌ عن رجوم الشياطين .
                            المعلمة تركض ورائي, تطاردني ، تحظر عليّ الابتسام ، تتقدم جدتي لتنقذني ؛ لكن الكفن ينفرني منها .
                            أمي تنادي ، تصرخ بأعلى صوتها ، تلهج باسمي ،لازالت تبحث عني في غابات الصنوبر العتيقة . رؤوس بشرية مقطوعة متناثرة في هذا اليباب ، وأنا أطوف بجسدي كسحابة ، أرى حشودا من الناس تسير خلفي ، سمعت بكاء صراخ مهول ، رأيت رامي خلفي يسير ، رأيته يبكي هذه المرة ، سألت نفسي : ( هل الموتى يبكون..؟) .
                            وأنا أطوف في عالم هلامي ، كل ما يحيط بي أشبه بكابوس جاثم . عريني أُعد لي سلفا ، سأظل رابضا فيه إلى يوم النشور ، هكذا سمعتهم يقولون .
                            محوت أمالي المكتوبة على جدران المدرسة ، مزقت كراريس واجباتي ، ما عادت تستهويني لعبة الأحلام ، و الاستيقاظ الجبري ، ومغادرة فراشي كل يوم ، ما عاد يستهويني التسكع بالطرقات ،
                            شظى ألواح صفراء يتمزق . لقد رأيت هذا المنظر، أعيد مرارا وتكرارا ، كنت أسمع به ، لكني اليوم
                            رأيته بعيني ، واحتضنته بجسدي الذي صار مقبرة لهذه الألواح . لا .. لم أكن أنا ؛ رامي من أودعوه تلك الأمانة .
                            ما عاد للفجر لون, رحلتي تعدت المعقول ، أعادوني مكبلا بلفافات بيضاء . بصيص من الضوء اخترق عدسة عيني ، تراقص يبحث عن مهرجان ألوان الطيف ، رائحة غريبة شممتها ، رائحة معقمات تفوح ،
                            أشباح بملابس بيضاء تتحلقني ، أحسست بحرقة تخترق وريدي
                            :( أعطه كلافوران) . أول جملة سمعتها تحط على مدارج واقعي المعاد بنسخة أخرى ، راحت الصورة تنجلي بوضوح . رأيت أمي تمسك بيدي ، وثمة تهاليل من الفرح ، ارتسمت على صفحات وجهها المؤرق ، وعينيها التي أثقلهما الكرى تحتضناني بحنان ، جدتي تقف عند رأسها ، ترنو إلي بفتور .
                            : أين رامي ؟!
                            قلتها ، ورحت أبحث عنه بنظراتي, لم أجد غير أسرة ، يضطجع عليها أناس ، لا أعرف عنهم
                            شيئا ، محاطين بذويهم : ( أين رامي ....؟)
                            لم أجد جوابا . عرفت إن الحيرة تلفهم ، لا جواب لديهم .
                            : نحن في بغداد .. ورامي في دمشق ...؟
                            قالت أمي لتقتل كل حيرة في داخلي :
                            لقد رأيت رامي .( قلت مصرا...!)
                            رن جرس التلفون ، لم أتبين من كلامها إلا كلمة : (انفجار في دمشق).
                            صرخت أمي بأعلى صوتها : لا لن أدعك تلحق به .
                            لكني في هذه اللحظة رأيته .
                            أمسك بيدي ، وسرنا بذات الطريق الطويل.
                            على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
                            جون كنيدي

                            الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

                            تعليق

                            • سالم وريوش الحميد
                              مستشار أدبي
                              • 01-07-2011
                              • 1173

                              #29
                              المشاركة رقم 11
                              اسم الكاتب سيد يوسف
                              البلد
                              الاختصاص أديب وكاتب
                              السيرة الذاتية

                              [IMG]file:///C:\Users\ABOUD-IQ\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\01\clip_image00 1.gif[/IMG] أرادت السعي للخروج؛ فى كينونتها دافع؛ يحثها أن تلتمس الطريق ؛ ابتدرتها الطريق ؛شاخصة لها
                              ؛مع بزوغ مهد الطريق ؛الناقل للعمق المراد الوصول إليه ؛تتجول نواظرها المنفذ المدرج ؛المعد للوصول ؛الطريق تتشعب تحت قدميها؛ لا يسعفها الخطى والإدراك ؛تقف حائرة؛
                              لكنها تستدير


                              عقد من لؤلؤ

                              الشجرة التى يسكن تحت ظلها ؛تسامره الضحى الملتهب؛فى صهج الصيف الحارق ؛الدود الذى لعب فى خواء جذورها الشمطاء ؛فتح مجالا للسقوط؛داهمتها الريح المندفعه ؛فخرت على الأرض ساقطه
                              (بعد التعديل)


                              ******************
                              اللهو
                              اصطنعت لأذنها مقفال موسيقى؛كى تغيب نفسها عن الهموم؛ولج زوجها الباب مستعجلا ينادى؛القفل كان محكم؛فلم يسمح للنداء بالمرور ؛أشتد غيظه؛هوت مدرته القابعةبين أطرافه ؛على أم رأسها ؛فخرت لافظة أنفاسها
                              (بعد التعديل)
                              ****************
                              ************



                              الأمل
                              للقمر أغنيه محببة أليها ؛تترنم بها كلما طرق الباب؛تستبشر بها ؛خرج من صباحه ودنا موعده؛ها الباب يطرق ؛سارعت والأمل يخامرها؛ مدت يدها للباب لعله الذى بداخلها؛سبقته رأسه فإذا هى بالحمار قد أوقع حمله وصاحبه ؛وجاء يستنجد
                              (بعد التعديل)



                              ************************
                              ************

                              روبابكيا
                              روبابكيا ؛؛روبكيا ؛؛؛أسرعت إليه تناديه
                              ضمت بين ذراعيها صرة
                              تريد التخلص منها
                              ألقت إليه بها
                              تفحصها
                              وقد فك وثاقها
                              إنها ملابسه التي تركها
                              قبل أن يصبح مطرودا



                              ******************
                              ****************

                              الموقوف
                              أستل مقعدا ليجلس عليه
                              نادى إلى النادل كى يأتي إليه بقدح من الشاي
                              أدار ناظره يتفحص رواد المقهى
                              أوقفه الصوت الذي تخلق له
                              نحن نريدك
                              أنت الآن موقوف لدينا
                              **************************
                              **************


                              رجليه لا تتوقفان ؛سعى دؤوب؛ما بين ترجل وركوب
                              الدنيا لديه قصيره؛متشعبة فى عينيه؛لاتنظر عينيه إلى أسفل
                              ظن أنها تبصر الذى لايراه؛عند حاجز أسمنتى قصرت قامته
                              ناطحت ساقيه القامة؛إرتد هاويا للوراء؛ أفاق على عكازين
                              وحاجزا لايراه
                              على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
                              جون كنيدي

                              الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

                              تعليق

                              • سالم وريوش الحميد
                                مستشار أدبي
                                • 01-07-2011
                                • 1173

                                #30
                                المشاركة رقم 12
                                أسم الكاتب صبيحة شبر
                                البلد العراق بغداد
                                الاختصاص قاصة وكاتبة
                                السيرة الذاتية

                                القزمة

                                جلست في غرفتي ، وحيدة ، لااقوى على الحركة ، أفكر ان أقاوم الحالة البائسة التي أنا فيها ، ولكن قدماي لا يطاوعانني ، أظل جالسة على سريري ، لا اقدر على الحركة ، ترد الى راسي رغبة في القيام ، ولكن جسمي لايحب الامتثال
                                اسمع نداء أمي ، يأتيني ، بإلحاح ،
                                - مها ، ابنتي ، هيا انهضي ، حان أوان الانصراف
                                أزيح الغطاء الثقيل عن جسدي ، برهة ، تتصارع في داخلي أفكار ، متناقضة ، كل منها يأخذ بيدي الى جانب ، نوازع مختلفة تتصارع ، يقلقني ما حل بي ،
                                ولماذا اخترت أنا من دون خلق الله الآمنين ، ان يمثل معي تلك المسرحية الهزلية ، لاستدرار الضحك من أفواه البائسين ؟
                                - مها ، ابنتي هيا انهضي ، الحليب ساخن
                                فجأة وعلى غير توقع مني ، اسقط صريعة للتردد ، وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب ، موقف محدد يلزمني ، لماذا أصبحت هكذا هشة ؟ ولقد عرف عني سرعة البديهة ، والذكاء المتوقد ، هل يمكن ان تغير كلمات قليلة ، من توجه انسان ، وتجعله عاجزا عن الحركة ، بعد ان كان الجميع يشهد بنشاطه الكبير ؟
                                - مها ، ابنتي ، جميعنا ينتظر
                                أحاول ان استجيب للنداء المتكرر ، ولكن فكرتين متصارعتين تمسكان بي ،
                                أنجزت كل واجباتي بمنتهى الكمال ، أديت امتحانات نصف العام ، بمهارة ، أنتجت تفوقا كبيرا ، مثيرا للإعجاب
                                - مها ، حبيبتي ، هذا آخر نداء ، أنت حرة
                                اجتمعت الطالبات في الساحة الكبيرة ، وزع المدير الشاب نتائج الامتحانات ، كل طالبة تسمع ملاحظات الهيئة الإدارية ، وكلمات الأساتذة ، عن اجتهادها ، ومستواها الدراسي والأخلاقي
                                لماذا أصبحت منهكة القوى ؟ خائرة الإرادة ؟ بعد ذلك النشاط الغريب
                                - مها :طالبة مجدة ، خلوقة ، هادئة ، تحظى بتقدير الجميع
                                أحاول ان اجعل قدمي تستجيبان لإرادتي ، وتقدمان على النهوض ، والإسراع للالتحاق بركب الصديقات ، راسي يحيط به الخواء ، لم اعتد على هذه الحالة ، ان تنازعني الهموم ، وان تسود الطرق ، ويضمحل الوضوح
                                يواصل المدير الوسيم مديحه لي ، كم يستهويني كلامه الجميل ، فهو غيث يسقط على الأرض الجديبة ، فيحيلها خضراء
                                تنطلق همهمة من بعض الطالبات ، كلمات المدير تنقلني الى عوالم سحرية
                                - أحرزت مها على نتائج رائعة ، درجاتها عالية ونهائية في معظم الدروس ، أخلاقها رفيعة
                                وأنا أطير فوق السحاب ، تنزل بي الهمهمة إلى ارض سحيقة ، اسمع صوتا مألوفا يهمس :
                                - لكنها قزمة
                                تنبعث الضحكات المكتومة ، أتظاهر إنني لم اسمع ، والوصف ذاك يرعبني ، تر مضني حقيقته
                                لماذا أصبحت بهذا العجز ، وأصابني الذهول بعد كلمة واحدة ، وكنت واثقة منها ، مدركة لوجودها ، أ لأنه سمعها بملء الأذنين ؟
                                أحاول ان انطلق من فراشي ، والتحق بدروسي ، رنين تلك الكلمة يلاحقني ، يئد قوتي ، يبيد ما اتصفت به ، من رباطة جأش وقوة إرادة ، أفكر ان انهض ، وأبدد ما اعتراني من ضعف ، وشعور بالانهزام ، ومن تردد ، لماذا تؤلمني هذه الصفة ؟ والله قد انعم علي الصفات الحسان ، اسمعوني إياها في الصغر ، وكانوا يلحون في ترديدها حين كبرت ، استدار جسمي ، وظهرت به معالم الأنوثة والجمال ساطعة ، وبوضوح كبير
                                - قزمة ، قزمة ، قزمة
                                نعو انا قزمة ، رغم جمال الوجه ، وتناسق أعضاء الجسم ، رشاقة واضحة ، وبسمة دائمة ، وذكاء متوقد ، ماذا كنت أتوقع ؟ حقا انا قزمة ، وبشكل واضح لايمكن إنكاره ، ومهما انتعلت من أحذية ،عالية الكعوب ، فانا قزمة ، وبجدارة
                                ولعله يدري بهذه الحقيقة ، التي يدركها كل ذي نظر
                                يصفو ذهني ، تعود الي إرادتي ، انهض من سريري ممتلئة نشاطا ، عازمة على ان اخط لنفسي مسيرتها الناجحة
                                على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
                                جون كنيدي

                                الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

                                تعليق

                                يعمل...
                                X