[align=center]س. و.[/align]
[align=justify]تعرفتُ عليه، مهاجراً مثلي .. من بلادي الأصلية، يكبرني بربع قرن .. كان وحيداً في مسكنه ومأكله ومشيته .. وكان يملك ثروة كبيرة تتجاوز المليوني يورو ونصف .. ومع ذلك لم يكن أبخل منه في البرية، فلقد بلغ البخل منه مبلغاً جعله يدور على المطاعم العربية في المدينة، ويقف على "البار" يحادث صاحب المطعم ساعة، فيأكل في أثناء ذلك من فضلات الصحون العائدة، فيفطر في مطعم، ويتغدى في آخر، ويتعشى في ثالث ..
وكنت مع ذلك أدعوه لمجالستي ومؤاكلتي، وأشفق عليه .. حتى قلت له ذات يوم وقد ائتمنني على تحرير وصيته:
ــ لم لا تتزوج يا فلان، يرزقك الله امرأة تسكن إليها، وابناً، فتكتمل عندك زينة الحياة الدنيا؟
ــ هممممم ..
ــ وقد اخترعوا حبة عجيبة المفعول، تجعل ابن الثمانين ينجب، فما بالك وأنت ابن خمس وستين، ولا تشتكي من شيء ..
ــ همممم ..
ــ فيرثك ولد من صلبك بدلاً من أن ترثك الدولة ..
ــ همممم .. لقد حاولت الاقتران بسورية إلا أنهن طماعات لا يملأ أعينهن إلا التراب .. والمغربيات ألعن .. وأما المصريات، فيا ألطاف الله ..
ــ ولكن الدنيا لم تخلُ من امرأة صالحة بعد!
ــ سأذهب إلى البوسنة والهرسك وأحضر من هناك يتيمة بنت خمس عشرة سنة، على خدها وبر ..
ــ اتق الله يا رجل!
لم يتزوج س. و.، ولم ينجب، ومات قبل أسابيع عن عمر تجاوز السبعين، وذهبت أملاكه برمتها إلى خزينة الدولة البلجيكية لعدم وجود وريث شرعي له. ولم يسمع بموته أحد إلا بعد أسابيع من دفنه في بلجيكا، ذلك لأنه قطع صلته بجميع الناس "خوفاً من طمعهم في ثروته" كما كان يقول لي دائماً .. وكانت ردود فعل الذين يعرفونه بين الشماتة والاعتبار.
وأما أنا فقد حزنت عليه كثيراً لأنه قضى عمره في الكد والتعب، وعاش مقلاً مقتراً على نفسه، مسيئاً الظن بجميع الناس إلا بي على حد قوله، متجنباً إياهم، فكان وحيداً إلا مع ثروته التي جمعها وتعهدها لتذهب إلى خزينة الدولة ..
سبحان الله العظيم.[/align]
[align=justify]تعرفتُ عليه، مهاجراً مثلي .. من بلادي الأصلية، يكبرني بربع قرن .. كان وحيداً في مسكنه ومأكله ومشيته .. وكان يملك ثروة كبيرة تتجاوز المليوني يورو ونصف .. ومع ذلك لم يكن أبخل منه في البرية، فلقد بلغ البخل منه مبلغاً جعله يدور على المطاعم العربية في المدينة، ويقف على "البار" يحادث صاحب المطعم ساعة، فيأكل في أثناء ذلك من فضلات الصحون العائدة، فيفطر في مطعم، ويتغدى في آخر، ويتعشى في ثالث ..
وكنت مع ذلك أدعوه لمجالستي ومؤاكلتي، وأشفق عليه .. حتى قلت له ذات يوم وقد ائتمنني على تحرير وصيته:
ــ لم لا تتزوج يا فلان، يرزقك الله امرأة تسكن إليها، وابناً، فتكتمل عندك زينة الحياة الدنيا؟
ــ هممممم ..
ــ وقد اخترعوا حبة عجيبة المفعول، تجعل ابن الثمانين ينجب، فما بالك وأنت ابن خمس وستين، ولا تشتكي من شيء ..
ــ همممم ..
ــ فيرثك ولد من صلبك بدلاً من أن ترثك الدولة ..
ــ همممم .. لقد حاولت الاقتران بسورية إلا أنهن طماعات لا يملأ أعينهن إلا التراب .. والمغربيات ألعن .. وأما المصريات، فيا ألطاف الله ..
ــ ولكن الدنيا لم تخلُ من امرأة صالحة بعد!
ــ سأذهب إلى البوسنة والهرسك وأحضر من هناك يتيمة بنت خمس عشرة سنة، على خدها وبر ..
ــ اتق الله يا رجل!
لم يتزوج س. و.، ولم ينجب، ومات قبل أسابيع عن عمر تجاوز السبعين، وذهبت أملاكه برمتها إلى خزينة الدولة البلجيكية لعدم وجود وريث شرعي له. ولم يسمع بموته أحد إلا بعد أسابيع من دفنه في بلجيكا، ذلك لأنه قطع صلته بجميع الناس "خوفاً من طمعهم في ثروته" كما كان يقول لي دائماً .. وكانت ردود فعل الذين يعرفونه بين الشماتة والاعتبار.
وأما أنا فقد حزنت عليه كثيراً لأنه قضى عمره في الكد والتعب، وعاش مقلاً مقتراً على نفسه، مسيئاً الظن بجميع الناس إلا بي على حد قوله، متجنباً إياهم، فكان وحيداً إلا مع ثروته التي جمعها وتعهدها لتذهب إلى خزينة الدولة ..
سبحان الله العظيم.[/align]
تعليق