أخي الفاضل الأستاذ حاتم سعيد ( أبو هادي). ثمة قرابة ثابتة بين أسر لغوية بعينها. وأنا من باحثين متخصصين يؤمنون بأمومة اللغة العربية للغات السامية/الجزيرية. لكن أمومتها لجميع لغات البشر غير ممكنة لاستحالة الأدلة وحتى القرائن اللغوية.
توجد براهين علمية كثيرة على أمومة اللغة العربية للغات السامية/الجزيرية لكنها عالية التخصص، ويمكن التطرق إليها إذا اقتضى الأمر. في أثناء ذلك أدعو حضرتك إلى قراءة هذا النص مقتبس من كتاب لي قيد الطبع:
1. ثلاث مقدمات
نقدم بين يدي هذه الدراسة ثلاث مقدمات:
تنتمي اللغة العربية إلى أسرة اللغات الحامية السامية (أو اللغات الأفرورآسيوية أو اللغات الجزيرية ونحن نفضل هذا المصطلح الأخير[1]). وتتكون هذه الأسرة اللغوية الكبيرة من لغات استعملتها مجموعات كثيرة من البشر منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد حتى اليوم، وفي منطقة امتدت وتمتد من الجزيرة العربية حتى المغرب، ومن جنوب تركيا حتى إثيوبيا. أشهر تلك اللغات العربية والأكادية والأوغاريتية والفينيقية والآرامية والعبرية والحبشية والمصرية القديمة والأمازيغية.[2] ولا تزال اللغة العربية تفتقر إلى معجم تأثيلي يعالج أصولها معالجة تأثيلية[3] ويبين ما تشترك العربية فيه مع أخواتها من اللغات الجزيرية، وما تنفرد به وحدها من الألفاظ التي طورتها بمعزل عن التراث اللغوي الجزيري المشترك، وما اشتقته من جذورها خلال مراحل تطورها الكثيرة، وما استعارته من لغات أخرى وطوعته لينسجم مع أوزانها وأبنيتها مثل /أُسْقُف/ (= المعرب عن اليوناني έπίσκοπος/episkopos)، أو لم تطوعه تاركة إياه على حاله مثل /تلفزيون/ (= الدخيل)، وما دخلها من تعابير اصطلاحية تغلغلت في تراكيبها من خلال الترجمة العشوائية ولغة الصحافة الأجنبية وغيرهما من قنوات الاتصال الحديثة بالغرب. إن خلو المكتبة العربية من معجم تأثيلي يؤرخ لألفاظها ويضبط التطور الدلالي للمدلولات والمفاهيم عبر الزمن، ثغرة كبيرة في الثقافة العربية خصوصًا وأن علم صناعة المعجم علم عربي أصيل وضعه العرب منذ أيام الخليل بن أحمد الفراهيدي وطوروه فيما بعد تطويرًا كبيرًا، فسبقوا بوضعه وتطويره سائر الأمم التي أخذت عنهم هذا العلم الذي لم يتجاوزهم فيه أحد حتى القرن الثامن عشر الميلادي، عندما بدأ الأوربيون، متأثرين بعلم صناعة المعجم العربي، ينسجون على منوال المعاجم العربية ويضعون معاجم للغاتهم بلغت في جودتها الغاية.[4] إن توظيف علم اللغة المقارن وعلم التأثيل في الدراسات اللغوية العربية أمر لا بد منه إذا أردنا أن نؤرخ للمفردة العربية تأريخًا تأثيليًا دقيقًا، وأن نبين آليات الترجمة والوضع، وأن نوظف نتائج ذلك التأريخ للمفردات العربية والتبيين للآليات المتبعة في علم المصطلح، وفي وضعه ونحته.
2.1. المقدمة الثانية: في اللغات النوصطراطية
يعتقد، في بعض الأوساط العلمية، أن هنالك قرابة بعيدة بين أسرة اللغات الجزيرية من جهة، وأسرة اللغات الهندية الأوربية من جهة أخرى، إذ توجد نظرية لغوية مفادها أن اللغات الجزيرية من جهة، واللغات الهندية الأوربية من جهة أخرى، تعود كلها إلى أصل لغوي واحد، هو لغة افتراضية اصطلح على تسميتها بـ "اللغة النوصطراطية" أو (The Nostratic Language).[5] وقد جمع الألماني هِرمان مولر في كتابه "قاموس مقارن للغات الهندية الأوربية والسامية"،[6] معظم الجذور المشتركة بين هذه اللغات، واهتدى إلى القوانين الصوتية التي تحدد القرابة اللغوية بينها. طور هذه النظرية وهذبها الألماني الآخر لينوس برونر في كتابه القيم "الجذور المشتركة للمفردات الجزيرية والهندية-الأوربية".[7] ويبدو من هذين الكتابين أن القرابة اللغوية (أي المعجمية) ثابتة بين اللغات الجزيرية واللغات الهندية-الأوربية. وقد اهتدى الباحثان أعلاه إلى بعض القوانين الصوتية التي تحكم التطور الحاصل في مفردات تلك اللغات. من تلك القوانين الصوتية: /التاء/ في اللغات الجزيرية تجانس تأثيليًا /التاء/ و/الثاء/ في اللغات الهندية الأوربية. مثال:
الأكادية: /فيتُ (petu)/ (وأصلها: /بَتَحَ/ بالـ p، وقد حالت الكتابة المسمارية دون رسمها كما كانت تلفظ) "فتحَ"؛ العربية /فتَحَ/؛ العبرية: /פתח = پاتَح/ "فتحَ"؛ السريانية وكل اللغات الجزيرية تقريباً: ܦܬܚ = /فِتَح/؛ "فتحَ"؛ المصرية القديمة: /پْتِح/؛ اليونانية πετάννυμι = petánnumi "فتَح، انفتحَ، توسَّع"؛ اللاتينية: patēre "انفتح؛ تفتّحَ؛ توسّعَ" وكذلك pandere "فتحَ؛ وسَّعَ" (بالإضافة إلى بعض اللغات الأوربية الأخرى).
3.1. المقدمة الثالثة: في علم اللغة المقارن
يقوم علم اللغة المقارن على أربعة أصول هي: الصوتيات والصرف والنحو والمعجم.[8] والقرابة اللغوية التي لا تثبت على أساس هذه الأصول الأربعة ولا تحكمها قوانين صوتية مطردة لا تكون قرابة لغوية بل محض صدفة. وأسرة اللغات الجزيرية أسرة لغوية قديمة تتكون من فرعين الفرع الشرقي (ومنه الأكادية والأوغاريتية والآرامية والعبرية والفينيقية والحبشية والعربية وغيرها) والفرع الغربي (ومنه المصرية القديمة والأمازيغية والكوشية وغيرها). وقد ذهب أكثر الباحثين إلى أن أصل هذه اللغات كان في الجزيرة العربية.[9] ترتبط لغات هذه الأسرة اللغوية الكبيرة بقرابة لغوية ثابتة صوتيًا وصرفيًا ونحويًا ومعجميًا، مما يفترض انحدارها من لغة أم كانت تستعمل في الجزيرة العربية قبل تفرق القبائل المتحدثة بها وهجرتها إلى العراق والشام ومصر والمغرب. اهتدى الباحثون إلى تصوّر هذه اللغة الأم المفترضة بمقارنة اللغات الجزيرية ببعضها على المستوى الصوتي والصرفي والنحوي والمعجمي، وأطلقوا عليها اسم "اللغة السامية الحامية الأم" (Proto-Hamito-Semitic)[10] وكذلك اللغة الأفريقية الآسيوية الأم (Prot-Afro-Asiatic). ونصطلح نحن على تسميتها بـ (اللغة الجزيرية الأم).
[1] أول مَن أطلق مصطلَح (اللغات الجزيرية) هو عالِم الآثار العراقي الأستاذ طه باقر في كتابه (من تراثنا اللغوي القديم)؛ ما يسمّى في العربية بالدخيل).انظر باقر، طه (17:1980).
[2] انظر Brockelmann C. (1913) و Bergsträsser G. (1995)وDe Lacy O. (1923) وWright W. & Smith W. (2002) وNöldeke Th. (1964) وMoscati S. (1964) وBennett R. P. (1998)، وهي من أهم الكتب المرجعية في الدراسات الجزيرية.
[3] نستعمل هنا مصطلح "التأثيل" (etymology) للتدليل على العلم الذي يشتغل بدراسة الأصل التاريخي للكلمات باعتماد منهج المقارنة بين الصيغ اللغوية والدلالات المعنوية لتمييز الأصول من الفروع والتأريخ للتطورات اللسانية التي مرت بها الصيغ والدلالات (مثلاً كلمة "ترجمة". انظر 1.2.). ونميز بين مصطلح "التأثيل" (etymology) وبين مصطلح "التأصيل" (etymologizing) الذي نريد به عملية البحث المستمرة عن التأثيل الحقيقي لكلمة ما بالتوسع في توظيف منهج علم التأثيل، والتعمق في الحفر للوصول إلى حقيقتها اللغوية. ونميز بين هذين المنهجين العلميين من جهة، وبين "التأثيل الشعبي" (folk etymology) من جهة أخرى. ونريد بهذا الأخير شرح العامة للصيغ والألفاظ والمعاني حسب آرائهم وتجلياتهم الشعبية، وليس حسب تأثيل علماء اللغة (مثلاً كلمة "بابل" الذي تقول التوراة بشأنها إنها من بلبلة الرب لألسن الخلق بعد بنائهم برج بابل، بينما الحقيقة اللغوية لهذ الاسم هي أن اسم مدينة "بابل" مشتق من اللغة البابلية كما يلي: /بابْ إِلّيم/ (Bāb ill-īm) أي "باب الآلهة". إذن لا علاقة لاسم "بابل" بحكاية "بلبلة الألسن" التوراتية). والميم الصغيرة نهاية الكلمة الأكادية /بابْ إِلّيم/ وفي الكلمات الأكادية الواردة في هذه الدراسة، هي علامة الإعراب بالأكادية لأن الإعراب فيها بالتمويم بينما هو في العربية بالتنوين كما نعلم.
[4] انظر Haywood J.A. (1960) صفحة 1. ويعزو مؤرخ المعاجم العربية، المستعرب هايود، نشأة صناعة المعجم الأوربي الحديث إلى تأثر اللغويين الأوربيين بالمستشرقين الذين اشتغلوا بالمعاجم العربية. (المصدر ذاته، الصفحة 115 وما يليها).
[5] انظر Moscati S. (1964)، الصفحة 17.
[6] انظر: Hermann Möller (1911).
[7] انظر: Linus Brunner (1969).
[8] انظر Barr J. (1968)، الصفحة 76.
[9] انظر De Lacy O. (1923)، الصفحة 6.
[10] انظر Moscati S. (1964)، اصفحة 15-16.
توجد براهين علمية كثيرة على أمومة اللغة العربية للغات السامية/الجزيرية لكنها عالية التخصص، ويمكن التطرق إليها إذا اقتضى الأمر. في أثناء ذلك أدعو حضرتك إلى قراءة هذا النص مقتبس من كتاب لي قيد الطبع:
1. ثلاث مقدمات
نقدم بين يدي هذه الدراسة ثلاث مقدمات:
- المقدمة الأولى: في اللغات الجزيرية
تنتمي اللغة العربية إلى أسرة اللغات الحامية السامية (أو اللغات الأفرورآسيوية أو اللغات الجزيرية ونحن نفضل هذا المصطلح الأخير[1]). وتتكون هذه الأسرة اللغوية الكبيرة من لغات استعملتها مجموعات كثيرة من البشر منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد حتى اليوم، وفي منطقة امتدت وتمتد من الجزيرة العربية حتى المغرب، ومن جنوب تركيا حتى إثيوبيا. أشهر تلك اللغات العربية والأكادية والأوغاريتية والفينيقية والآرامية والعبرية والحبشية والمصرية القديمة والأمازيغية.[2] ولا تزال اللغة العربية تفتقر إلى معجم تأثيلي يعالج أصولها معالجة تأثيلية[3] ويبين ما تشترك العربية فيه مع أخواتها من اللغات الجزيرية، وما تنفرد به وحدها من الألفاظ التي طورتها بمعزل عن التراث اللغوي الجزيري المشترك، وما اشتقته من جذورها خلال مراحل تطورها الكثيرة، وما استعارته من لغات أخرى وطوعته لينسجم مع أوزانها وأبنيتها مثل /أُسْقُف/ (= المعرب عن اليوناني έπίσκοπος/episkopos)، أو لم تطوعه تاركة إياه على حاله مثل /تلفزيون/ (= الدخيل)، وما دخلها من تعابير اصطلاحية تغلغلت في تراكيبها من خلال الترجمة العشوائية ولغة الصحافة الأجنبية وغيرهما من قنوات الاتصال الحديثة بالغرب. إن خلو المكتبة العربية من معجم تأثيلي يؤرخ لألفاظها ويضبط التطور الدلالي للمدلولات والمفاهيم عبر الزمن، ثغرة كبيرة في الثقافة العربية خصوصًا وأن علم صناعة المعجم علم عربي أصيل وضعه العرب منذ أيام الخليل بن أحمد الفراهيدي وطوروه فيما بعد تطويرًا كبيرًا، فسبقوا بوضعه وتطويره سائر الأمم التي أخذت عنهم هذا العلم الذي لم يتجاوزهم فيه أحد حتى القرن الثامن عشر الميلادي، عندما بدأ الأوربيون، متأثرين بعلم صناعة المعجم العربي، ينسجون على منوال المعاجم العربية ويضعون معاجم للغاتهم بلغت في جودتها الغاية.[4] إن توظيف علم اللغة المقارن وعلم التأثيل في الدراسات اللغوية العربية أمر لا بد منه إذا أردنا أن نؤرخ للمفردة العربية تأريخًا تأثيليًا دقيقًا، وأن نبين آليات الترجمة والوضع، وأن نوظف نتائج ذلك التأريخ للمفردات العربية والتبيين للآليات المتبعة في علم المصطلح، وفي وضعه ونحته.
2.1. المقدمة الثانية: في اللغات النوصطراطية
يعتقد، في بعض الأوساط العلمية، أن هنالك قرابة بعيدة بين أسرة اللغات الجزيرية من جهة، وأسرة اللغات الهندية الأوربية من جهة أخرى، إذ توجد نظرية لغوية مفادها أن اللغات الجزيرية من جهة، واللغات الهندية الأوربية من جهة أخرى، تعود كلها إلى أصل لغوي واحد، هو لغة افتراضية اصطلح على تسميتها بـ "اللغة النوصطراطية" أو (The Nostratic Language).[5] وقد جمع الألماني هِرمان مولر في كتابه "قاموس مقارن للغات الهندية الأوربية والسامية"،[6] معظم الجذور المشتركة بين هذه اللغات، واهتدى إلى القوانين الصوتية التي تحدد القرابة اللغوية بينها. طور هذه النظرية وهذبها الألماني الآخر لينوس برونر في كتابه القيم "الجذور المشتركة للمفردات الجزيرية والهندية-الأوربية".[7] ويبدو من هذين الكتابين أن القرابة اللغوية (أي المعجمية) ثابتة بين اللغات الجزيرية واللغات الهندية-الأوربية. وقد اهتدى الباحثان أعلاه إلى بعض القوانين الصوتية التي تحكم التطور الحاصل في مفردات تلك اللغات. من تلك القوانين الصوتية: /التاء/ في اللغات الجزيرية تجانس تأثيليًا /التاء/ و/الثاء/ في اللغات الهندية الأوربية. مثال:
الأكادية: /فيتُ (petu)/ (وأصلها: /بَتَحَ/ بالـ p، وقد حالت الكتابة المسمارية دون رسمها كما كانت تلفظ) "فتحَ"؛ العربية /فتَحَ/؛ العبرية: /פתח = پاتَح/ "فتحَ"؛ السريانية وكل اللغات الجزيرية تقريباً: ܦܬܚ = /فِتَح/؛ "فتحَ"؛ المصرية القديمة: /پْتِح/؛ اليونانية πετάννυμι = petánnumi "فتَح، انفتحَ، توسَّع"؛ اللاتينية: patēre "انفتح؛ تفتّحَ؛ توسّعَ" وكذلك pandere "فتحَ؛ وسَّعَ" (بالإضافة إلى بعض اللغات الأوربية الأخرى).
3.1. المقدمة الثالثة: في علم اللغة المقارن
يقوم علم اللغة المقارن على أربعة أصول هي: الصوتيات والصرف والنحو والمعجم.[8] والقرابة اللغوية التي لا تثبت على أساس هذه الأصول الأربعة ولا تحكمها قوانين صوتية مطردة لا تكون قرابة لغوية بل محض صدفة. وأسرة اللغات الجزيرية أسرة لغوية قديمة تتكون من فرعين الفرع الشرقي (ومنه الأكادية والأوغاريتية والآرامية والعبرية والفينيقية والحبشية والعربية وغيرها) والفرع الغربي (ومنه المصرية القديمة والأمازيغية والكوشية وغيرها). وقد ذهب أكثر الباحثين إلى أن أصل هذه اللغات كان في الجزيرة العربية.[9] ترتبط لغات هذه الأسرة اللغوية الكبيرة بقرابة لغوية ثابتة صوتيًا وصرفيًا ونحويًا ومعجميًا، مما يفترض انحدارها من لغة أم كانت تستعمل في الجزيرة العربية قبل تفرق القبائل المتحدثة بها وهجرتها إلى العراق والشام ومصر والمغرب. اهتدى الباحثون إلى تصوّر هذه اللغة الأم المفترضة بمقارنة اللغات الجزيرية ببعضها على المستوى الصوتي والصرفي والنحوي والمعجمي، وأطلقوا عليها اسم "اللغة السامية الحامية الأم" (Proto-Hamito-Semitic)[10] وكذلك اللغة الأفريقية الآسيوية الأم (Prot-Afro-Asiatic). ونصطلح نحن على تسميتها بـ (اللغة الجزيرية الأم).
[1] أول مَن أطلق مصطلَح (اللغات الجزيرية) هو عالِم الآثار العراقي الأستاذ طه باقر في كتابه (من تراثنا اللغوي القديم)؛ ما يسمّى في العربية بالدخيل).انظر باقر، طه (17:1980).
[2] انظر Brockelmann C. (1913) و Bergsträsser G. (1995)وDe Lacy O. (1923) وWright W. & Smith W. (2002) وNöldeke Th. (1964) وMoscati S. (1964) وBennett R. P. (1998)، وهي من أهم الكتب المرجعية في الدراسات الجزيرية.
[3] نستعمل هنا مصطلح "التأثيل" (etymology) للتدليل على العلم الذي يشتغل بدراسة الأصل التاريخي للكلمات باعتماد منهج المقارنة بين الصيغ اللغوية والدلالات المعنوية لتمييز الأصول من الفروع والتأريخ للتطورات اللسانية التي مرت بها الصيغ والدلالات (مثلاً كلمة "ترجمة". انظر 1.2.). ونميز بين مصطلح "التأثيل" (etymology) وبين مصطلح "التأصيل" (etymologizing) الذي نريد به عملية البحث المستمرة عن التأثيل الحقيقي لكلمة ما بالتوسع في توظيف منهج علم التأثيل، والتعمق في الحفر للوصول إلى حقيقتها اللغوية. ونميز بين هذين المنهجين العلميين من جهة، وبين "التأثيل الشعبي" (folk etymology) من جهة أخرى. ونريد بهذا الأخير شرح العامة للصيغ والألفاظ والمعاني حسب آرائهم وتجلياتهم الشعبية، وليس حسب تأثيل علماء اللغة (مثلاً كلمة "بابل" الذي تقول التوراة بشأنها إنها من بلبلة الرب لألسن الخلق بعد بنائهم برج بابل، بينما الحقيقة اللغوية لهذ الاسم هي أن اسم مدينة "بابل" مشتق من اللغة البابلية كما يلي: /بابْ إِلّيم/ (Bāb ill-īm) أي "باب الآلهة". إذن لا علاقة لاسم "بابل" بحكاية "بلبلة الألسن" التوراتية). والميم الصغيرة نهاية الكلمة الأكادية /بابْ إِلّيم/ وفي الكلمات الأكادية الواردة في هذه الدراسة، هي علامة الإعراب بالأكادية لأن الإعراب فيها بالتمويم بينما هو في العربية بالتنوين كما نعلم.
[4] انظر Haywood J.A. (1960) صفحة 1. ويعزو مؤرخ المعاجم العربية، المستعرب هايود، نشأة صناعة المعجم الأوربي الحديث إلى تأثر اللغويين الأوربيين بالمستشرقين الذين اشتغلوا بالمعاجم العربية. (المصدر ذاته، الصفحة 115 وما يليها).
[5] انظر Moscati S. (1964)، الصفحة 17.
[6] انظر: Hermann Möller (1911).
[7] انظر: Linus Brunner (1969).
[8] انظر Barr J. (1968)، الصفحة 76.
[9] انظر De Lacy O. (1923)، الصفحة 6.
[10] انظر Moscati S. (1964)، اصفحة 15-16.
تعليق