المشاركة الأصلية بواسطة حسن لشهب
مشاهدة المشاركة
و كتعقيب مباشر على الإشكالية التي أقتبسها من مداخلة حسن لشهب، وددت أن أشاطركم هذا النص المقتبس من مقدمة لكتاب "تاريخ الأدب العربي" لصاحبه (لويس شيخو اليسوعي، راهب و أديب عاش في النصف الأخير من القرن التاسع عشر و توفي سنة 1927م). أنشر جزء من مقدمة الكتاب نظرا لأهميتها داخل السياق العام لمناقشاتنا الهادئة هنا، و سأربط بعدها الاتصال بتجربة فكرية/منهجية أراها رائدة في زمانها (القرن الثامن عشر) قادها في اليمن العالم المجتهد القاضي الشوكاني. و أخص بالذكر مؤلفه المنهجي القيم: أدب الطلب ومنتهى الأرب. تعرفت على الكتاب، أعترف، من خلال الدراسة (الانجليزية) المستفيضة التي خصها به مجموعة من الباحثين الغربيين طبعت في مؤلف بعنوان: Studies in Islamic Legal Theory تحت إشراف الدكتور Bernard G. Weiss خريج جامعة Princeton العريقة. بطبيعة الحال، احتراما للاسترسال في المضامين، ريثما نفرغ من حديثنا عن التراث و المفاهيم، سأعود، بإذن الله إلى تكملة النقاش حول الإنسان من وجهة نظر نظرية "بناء الواقع" كما نراها من زاوية علوم التواصل.
إليكم مقدمة تاريخ الأدب العربي لمؤلفه لويس شيخو:
تحيا الأمم بآدابها لأن الآداب ترقي المرء فوق الحياة المادية وتسمق به إلى المدارك الشريفة وتقربُه إلى عالم الأرواح وإلى الجمال الإلهي الذي منهُ يستعير كل مخلوق جماله. وعليهِ فأن أراد العاقل أن يعرف درجة التمدُن التي بلغها شعب من الشعوب يبحث عن انتشار الآداب بين أهلهِ ولذلك ترى المؤرخين يقدَمون في تاريخهم تاريخ الآداب على تاريخ الوقائع وربما أفردوا للآداب تاريخاً قائماً بذاتهَ يثبت ما يختص بالعلوم والمعارف في كل ملَة مخبراً عن نشأة الآداب بينها واتساع نطاقها وأسباب ترقيها ونتائجها الطيبة في إصلاح العموم وتحسين أخلاقهم ودفعهم إلى المشروعات الأثيرة والمساعي الخطيرة.
ومن عجيب أمور اللغة العربية أنك لا تجد حتى اليوم تاريخاً ممتعاً لآدابها مع وفرة كتبتها وتعدُد مصنفاتها في كل أبواب العلوم واتساع دائرة نفوذها إلى حدود الهند والصين ومجاهل أفريقية وسواحل أوربا وقد أحسَّ بهذا النقص مائة من المستشرقين المحدثين في فرنسة والنمسة وألمانية وإنكلترة وروسية وإيطالية فأرادوا نوعاً سدّ هذا الخلل ببعض التآليف التي أودعوها أوصاف العلوم العربيَّة وتراجم أصحابها وقائمة الكتب التي صنفوها. وكذلك جرى على آثارهم بعض كتبة الشرق في مصر فاستقوا من مناهلهم أخصهم المرحوم جرجي زيدان في كتابهِ تاريخ الآداب العربية الذي انتقدنا أقسَامهُ في مجلَّة المشرق.
على أن تلك التآليف مع فوائدها ليست سوى بواكير أعمال أوسع واكمن لا نزال إليها في حاجة ماسة فنتمنى أن تتألف فرقة من الأدباء بهذا المشروع الجليل فتتبع آثار اللغة العربية في كل أطوارها مباشرة بعد الجاهلية وبين القبائل المتفرقة في أنحاء الجزيرة تدوَن نشأة تلك اللغة وما طرأ عليها من الطوارئ في أوائل الإسلام وفي زمن الخلافتين الأموَّية والعباسية مع وصف الأسباب التي زادتها انتشاراً كفتح المدارس وإنشاء المكاتب ونوادي العلوم وتنشيط الملوك. ثم تّعرف أئمة الكتبة والذين اشتهروا في كل زمن وكل بلد واختصوا بكل صنف من العلوم. وتعرض تآليفهم على محكَ الانتقاد فتميز غثها من سمينها ولا تكتفي بذكر أسمائها وتعريفها إجمالاً. فكم هناك من المصنفات الموّهمة بأسماء جليلة وهي بمضامينها ومعانيها هزيلة. وتواصل دروسها حتى إذا بلغ القرون الأخيرة تذكر خمود تلك الآداب مبينة لعلها ومعاولاتها. ثمّ تختم ذلك بفصل مطوَّل عن النهضة الأدبية التي حدثت في القرن الأخير فتطرئ على محاسنهِ وتضرب على مشاينهِ...
تعليق