ضائعٌ بين أقرانه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الهويمل أبو فهد
    مستشار أدبي
    • 22-07-2011
    • 1475

    #16
    فصل لطيف وتفاصيله المقتضبة هادفة وموحية. الراوي أصبح أكثر التحاما ببيئته
    بعد أن كان يقضي جل أوقاته خارج البيت وحيدا مع أنه مع أقرانه الذين لم نعرف
    عنهم شيئا،ثم نراه في اليوم التالي. في هذا الفصل بدأ يتفاعل مع بيئته المباشرة
    وعرفنا مفاجأة الملابس الجديدة ورحلته مع والده إلى حقول القمح، وهي رحلة
    تختلف عن رحلتهما إلى ومن المستشفى، ولحظة التقاط الصورة. وهي لحظة
    مهمة في ما يسمى (طقس العبور): العبور من مرحلة عمرية إلى أخرى. مع هذا
    التغير حتى المذياع تحول من جهاز زينة إلى اداة تثقيف قد تسهم في سعادة
    البيت السعيد. فهو همزة الوصل بين البيت السعيد والزائرة سامية المألوفة للوالدة.
    كل هذه التفاصيل توسع بيئة الراوي وتفاعلة. لذلك كان للسبانخ دور فعال
    في ربط الراوي بوالدته والمذياع والبقال العم أحمد. وقد كان عم أحمد نجم
    هذا الفصل حين انفجر ضاحكا مع ذكر السبانح وعلاقتها باللغة الشاوية
    انا نفسي ضحكت مع العم أحمد، مع أني لا أعرف لم ضحك. أكيد أن
    للنبتة معنى محليا يدعو للضحك.
    كانت القراءة ممتعة

    تعليق

    • مصباح فوزي رشيد
      يكتب
      • 08-06-2015
      • 1272

      #17
      المشاركة الأصلية بواسطة سلمى الجابر مشاهدة المشاركة
      جميل هذا السرد
      أتابعكم استاذ مصباح رشيد فوزي
      تشرّفتُ بهذا الحضور البهي وسُررتُ بمشاركتك الطيّبة.
      أشكرك على الاهتمام أستاذتي المحترمة [سلمى الجابر]
      التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 13-09-2021, 17:49.
      لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

      تعليق

      • مصباح فوزي رشيد
        يكتب
        • 08-06-2015
        • 1272

        #18
        المشاركة الأصلية بواسطة الهويمل أبو فهد مشاهدة المشاركة
        فصل لطيف وتفاصيله المقتضبة هادفة وموحية. الراوي أصبح أكثر التحاما ببيئته
        بعد أن كان يقضي جل أوقاته خارج البيت وحيدا مع أنه مع أقرانه الذين لم نعرف
        عنهم شيئا،ثم نراه في اليوم التالي. في هذا الفصل بدأ يتفاعل مع بيئته المباشرة
        وعرفنا مفاجأة الملابس الجديدة ورحلته مع والده إلى حقول القمح، وهي رحلة
        تختلف عن رحلتهما إلى ومن المستشفى، ولحظة التقاط الصورة. وهي لحظة
        مهمة في ما يسمى (طقس العبور): العبور من مرحلة عمرية إلى أخرى. مع هذا
        التغير حتى المذياع تحول من جهاز زينة إلى اداة تثقيف قد تسهم في سعادة
        البيت السعيد. فهو همزة الوصل بين البيت السعيد والزائرة سامية المألوفة للوالدة.
        كل هذه التفاصيل توسع بيئة الراوي وتفاعلة. لذلك كان للسبانخ دور فعال
        في ربط الراوي بوالدته والمذياع والبقال العم أحمد. وقد كان عم أحمد نجم
        هذا الفصل حين انفجر ضاحكا مع ذكر السبانح وعلاقتها باللغة الشاوية
        انا نفسي ضحكت مع العم أحمد، مع أني لا أعرف لم ضحك. أكيد أن
        للنبتة معنى محليا يدعو للضحك.
        كانت القراءة ممتعة
        جزيل الشكر والامتنان على هذا التحليل المميّز والمعلومات القيّمة.
        حظيتُ بوجودكم وحضوركم الدّائم أديبنا المحترم وأستاذنا الأريب [الهويمل أبو فهد] ولوافر كرمكم ومجهودكم الكبير.
        وأرجو أن أكون عند حسن ظنّكم.
        دمتم بصحّة وعافية.
        التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 13-09-2021, 18:06.
        لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

        تعليق

        • المختار محمد الدرعي
          مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
          • 15-04-2011
          • 4257

          #19
          شفاك الله دائما و في كل مراحل العمر
          أستاذي الحبيب
          مصباح فوزي رشيد
          تابعتك هنا فكانت قراءة ماتعة
          شكرا لك
          [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
          الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



          تعليق

          • مصباح فوزي رشيد
            يكتب
            • 08-06-2015
            • 1272

            #20
            المشاركة الأصلية بواسطة المختار محمد الدرعي مشاهدة المشاركة
            شفاك الله دائما و في كل مراحل العمر
            أستاذي الحبيب
            مصباح فوزي رشيد
            تابعتك هنا فكانت قراءة ماتعة
            شكرا لك
            بل أنا من يشكرك أستاذنا الكبير المحترم [المختار محمد الدرعي] على تواضعك، ونبل أخلاقك، وصدق مشاعرك، وحضورك البهي الذي أضفى رونقا مميّزا على هذه الصفحة. ولك منّي كل التقدير والاحترام.
            أسبل الله عليك نعمه ظاهرة وباطنة، ودمت بخير وصحّة وعافية.
            شكرا لك على هذه المشاركة الطيّبة.
            التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 14-09-2021, 04:00.
            لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

            تعليق

            • منيره الفهري
              مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
              • 21-12-2010
              • 9870

              #21
              أما أنا أستاذنا العزيز
              مصباح فوزي رشيد
              فقد استمتعت بكل حرف هنا و عشت كل الأحداث كما عاشها الكاتب
              يبدو أنها سيرة ذاتية و قد اسعدني هذا
              فما أروع ان تكون السير الذاتية على هذا الشكل
              مازلت رابضة هنا اتابع معك هذه الأحداث الشيقة
              تحياتي أخي الفاضل

              تعليق

              • مصباح فوزي رشيد
                يكتب
                • 08-06-2015
                • 1272

                #22
                المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
                أما أنا أستاذنا العزيز
                مصباح فوزي رشيد
                فقد استمتعت بكل حرف هنا و عشت كل الأحداث كما عاشها الكاتب
                يبدو أنها سيرة ذاتية و قد اسعدني هذا
                فما أروع ان تكون السير الذاتية على هذا الشكل
                مازلت رابضة هنا اتابع معك هذه الأحداث الشيقة
                تحياتي أخي الفاضل
                وأنا بدوري أُحيّيك على مرورك العطر وتعليقك الجميل استاذتنا الغالية [منيره الفهري] وتقبّلي ودّي واحترامي.
                التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 14-09-2021, 09:23.
                لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

                تعليق

                • مصباح فوزي رشيد
                  يكتب
                  • 08-06-2015
                  • 1272

                  #23
                  حين كنتُ صغيرا جدا كان أبي يأخذني معه إلى بعض الأماكن التي أجد الآن صعوبة في تذكّرها، فتجدني أحيانا معه في عربية بين أصدقاء له يمازحونني و يداعبونني، و أحيانا أخرى في مكان كأنّه مكتب استقبال أو مايشبه الخفارة؛ لأن والدي كان يعمل شرطيا بـ(سوق أهراس) وقتها قبل أن يتمّ نقله إلى أحد المراكز الحدودية بالشرق الجزائري، وأذكر أنّي تلقّيتُ في إحدى اللّيالي مكالمة من امرأة أخذتْ تلاطفني، فيأتيها الردّ منّي بكلمات أقرب إلى السذّاجة منها إلى البراءة، وكان أبي ومن حوله من الأصدقاء يتسلّون بما يفعلونه بي. ثم شيئا فشيئا ضعُف هذا الارتباط ولا أذكر أنّني رافقتُ أبي بعدها.
                  صار كثير التغيّب عن البيت، وولّد هذا التباعد أشياء سلبية فأصبحتُ أرى والدي شخصا غريبا في البيت، وبتُّ أخافه أشدّ الخوف وأتجنّب لقياه. وأذكر أنّه في أحد الأيام ناولني "طريحة" كبيرة لسبب تافه؛ كانتْ هناك شجرة لا تبعد سوى بعض الأمتار عن مقرّ بيتنا، وكنّا نحن الأولاد نتسابق إليها في أشد أوقات الحرّ، ولم أكن أتوقّع مجيئه في تلك القائلة من أيام الصّيف المتوهّجة، ولم أشعر إلآ وقد أمسك برقبتي فتدلّيتُ كالعنقود إلى أسفل. وقادني أبي كما يفعل بالمجرمين حين يقبض عليهم متلبّسين، وهناك في غرفة صغيرة مظلمة أخذتُ نصيبي من الضّرب على المؤخّرة، حتى تدخّلتْ جدّتي وانتزعتني منه انتزاعا، ووجّهتْ له عبارات شديدة اللّهجة.
                  - ومع ذلك فقد كانت الحياة جميلة في تلك الأيام من عام (1968)، ربّما لأن قريتنا كانت صغيرة ولم تكن بحجم (سوق أهراس) مدينة "البلْدية"، ولا بحجم مدينة (عنّابة) السّاحلية. لذلك من الطبيعي جدّا أن تكون آمنة ومطمئنّة، وأن يعبرها الأطفال ذهابا وأيّابا إلى المدرسة وإلى الأماكن البعيدة من دون أن يتعرّضوا لأذية أحد، وأن تستطيع الأمّهات الاعتماد على أطفالهم الأبرياء وحتى بناتهم أحيانا في جلب بعض اللّوازم من الخارج في غياب الأولياء.
                  تبع .../...

                  التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 14-09-2021, 16:32.
                  لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

                  تعليق

                  • منيره الفهري
                    مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
                    • 21-12-2010
                    • 9870

                    #24
                    ما أجمل أن تعود بنا الذاكرة إلى سنوات جميلة كهذه... بحلوها و مرها.. كانت بالفعل جميلة..
                    الاستاذ و الاخ العزيز مصباح فوزي رشيد
                    انا أحتج.. نعم أحتج..
                    فهذا النص الذي كتبته الآن قصير جدا و كنت انتظر نصا أطول و احداثا كثيرة...
                    لا عليك.. مازلت رابضة انتظر المزيد..

                    تعليق

                    • مصباح فوزي رشيد
                      يكتب
                      • 08-06-2015
                      • 1272

                      #25
                      المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
                      ما أجمل أن تعود بنا الذاكرة إلى سنوات جميلة كهذه... بحلوها و مرها.. كانت بالفعل جميلة..
                      الاستاذ و الاخ العزيز مصباح فوزي رشيد
                      انا أحتج.. نعم أحتج..
                      فهذا النص الذي كتبته الآن قصير جدا و كنت انتظر نصا أطول و احداثا كثيرة...
                      لا عليك.. مازلت رابضة انتظر المزيد..
                      ومازاده جمالا حضورك البهي.
                      من حقّك أن تحتجّي سيّدتي الفاضلة وأستاذتي المحترمة، لكن هناك مثل بالعاميّة يقول: "الشّغل المليح يطوّل" مثل الطبيخ على النّهار الهادئة. وآخر مشتقّ من الفرنسية: " الشهية تأتني مع الأكل" [ L'appétit vient en mangeant] و" البركة في القليل". على كلٍّ سُررتُ بهذا المرور العطر وهذا الاهتمام الكريم.
                      دمتِ بصحّة وعافية.
                      التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 14-09-2021, 17:56.
                      لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

                      تعليق

                      • الهويمل أبو فهد
                        مستشار أدبي
                        • 22-07-2011
                        • 1475

                        #26
                        المشاركة الأصلية بواسطة مصباح فوزي رشيد مشاهدة المشاركة
                        حين كنتُ صغيرا جدا كان أبي يأخذني معه إلى بعض الأماكن التي أجد الآن صعوبة في تذكّرها، فتجدني أحيانا معه في عربية بين أصدقاء له يمازحونني و يداعبونني، و أحيانا أخرى في مكان كأنّه مكتب استقبال أو مايشبه الخفارة؛ لأن والدي كان يعمل شرطيا بـ(سوق أهراس) وقتها قبل أن يتمّ نقله إلى أحد المراكز الحدودية بالشرق الجزائري، وأذكر أنّي تلقّيتُ في إحدى اللّيالي مكالمة من امرأة أخذتْ تلاطفني، فيأتيها الردّ منّي بكلمات أقرب إلى السذّاجة منها إلى البراءة، وكان أبي ومن حوله من الأصدقاء يتسلّون بما يفعلونه بي. ثم شيئا فشيئا ضعُف هذا الارتباط ولا أذكر أنّني رافقتُ أبي بعدها.
                        صار كثير التغيّب عن البيت، وولّد هذا التباعد أشياء سلبية فأصبحتُ أرى والدي شخصا غريبا في البيت، وبتُّ أخافه أشدّ الخوف وأتجنّب لقياه. وأذكر أنّه في أحد الأيام ناولني "طريحة" كبيرة لسبب تافه؛ كانتْ هناك شجرة لا تبعد سوى بعض الأمتار عن مقرّ بيتنا، وكنّا نحن الأولاد نتسابق إليها في أشد أوقات الحرّ، ولم أكن أتوقّع مجيئه في تلك القائلة من أيام الصّيف المتوهّجة، ولم أشعر إلآ وقد أمسك برقبتي فتدلّيتُ كالعنقود إلى أسفل. وقادني أبي كما يفعل بالمجرمين حين يقبض عليهم متلبّسين، وهناك في غرفة صغيرة مظلمة أخذتُ نصيبي من الضّرب على المؤخّرة، حتى تدخّلتْ جدّتي وانتزعتني منه انتزاعا، ووجّهتْ له عبارات شديدة اللّهجة.
                        - ومع ذلك فقد كانت الحياة جميلة في تلك الأيام من عام (1968)، ربّما لأن قريتنا كانت صغيرة ولم تكن بحجم (سوق أهراس) مدينة "البلْدية"، ولا بحجم مدينة (عنّابة) السّاحلية. لذلك من الطبيعي جدّا أن تكون آمنة ومطمئنّة، وأن يعبرها الأطفال ذهابا وأيّايا إلى المدرسة وإلى الأماكن البعيدة من دون أن يتعرّضوا لأذية أحد، وأن تستطيع الأمّهات الاعتماد على أطفالهم الأبرياء وحتى بناتهم أحيانا في جلب بعض اللّوازم من الخارج في غياب الأولياء.
                        تبع .../...
                        الفصل هذا قصير لكنه وظيفيا مقبول. فكأنه محطة استراحة لتبيئة ما سبق طرحه وتوجيه سير السيرة. فما زالت الذاكرة تبني أرضية البدايات والتكوين. لقطات متفرقة يكتنفها الغموض لبعد الزمن وحداثة الراوي وفشل الذاكرة في استرجاع الأحداث. وهنا تبدأ ذاكرة القارئ تتشكل وتبني روايتها الخاصة مقابل ذاكرة الراوي. وشأن الراوي فإن القارئ أيضا يبدأ استعادة ما قرأه في الفصول القليلة الماضية، ومثل الرواي فإن القارئ أيضا لن يتذكر كل ما قرأه حد هذه اللحظة. ولعل أهم وظيفة لهذا الفصل القصير هي تأسيس القارئ لأهم عناصر ذاكرته: الطفل الراوي، علاقته بالوالد، والأسرة، وإشارة سريعة إلى بداية تصدع روابط الأسرة (أو في الأقل علاقته هو بوالده). ويبدو أن لمهنة الوالد دورا في ما سينشأ لاحقا مع تطور الزمن والنمو الشخصي والفكري.

                        في هذا الفصل دخلت الجدة لأول مرة دخولا دراميا (أظنها والدة الوالد) بينما والدة الطفل لم يكن لها ذكر أبدا. هل نقرأ في غيابها ما يخطر على بالنا من تفسير أم نرى الغياب أمرا عاديا. أحيانا كثيرة ما لا يقوله النص أهم دلالة مما يقوله. وننتظر.

                        تعليق

                        • مصباح فوزي رشيد
                          يكتب
                          • 08-06-2015
                          • 1272

                          #27
                          المشاركة الأصلية بواسطة الهويمل أبو فهد مشاهدة المشاركة
                          الفصل هذا قصير لكنه وظيفيا مقبول. فكأنه محطة استراحة لتبيئة ما سبق طرحه وتوجيه سير السيرة. فما زالت الذاكرة تبني أرضية البدايات والتكوين. لقطات متفرقة يكتنفها الغموض لبعد الزمن وحداثة الراوي وفشل الذاكرة في استرجاع الأحداث. وهنا تبدأ ذاكرة القارئ تتشكل وتبني روايتها الخاصة مقابل ذاكرة الراوي. وشأن الراوي فإن القارئ أيضا يبدأ استعادة ما قرأه في الفصول القليلة الماضية، ومثل الرواي فإن القارئ أيضا لن يتذكر كل ما قرأه حد هذه اللحظة. ولعل أهم وظيفة لهذا الفصل القصير هي تأسيس القارئ لأهم عناصر ذاكرته: الطفل الراوي، علاقته بالوالد، والأسرة، وإشارة سريعة إلى بداية تصدع روابط الأسرة (أو في الأقل علاقته هو بوالده). ويبدو أن لمهنة الوالد دورا في ما سينشأ لاحقا مع تطور الزمن والنمو الشخصي والفكري.

                          في هذا الفصل دخلت الجدة لأول مرة دخولا دراميا (أظنها والدة الوالد) بينما والدة الطفل لم يكن لها ذكر أبدا. هل نقرأ في غيابها ما يخطر على بالنا من تفسير أم نرى الغياب أمرا عاديا. أحيانا كثيرة ما لا يقوله النص أهم دلالة مما يقوله. وننتظر.
                          "ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ". عندما يتفنّن النقّاد المبدعون، فما على الكتّاب والمتلقّين سوى الرصّ إلى اليمين.
                          لم تترك لنا أستاذنا الأريب [
                          أبو فهد] العزيز ما يمكن إضافته؛ وقد قرأتُ ذات مرّة من إنّ النّقد هو الإبداع ذاته.
                          كل الاحترام والتقدير. ودمت لنا ناقدا مرشدا وموجّها.
                          التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 15-09-2021, 11:07.
                          لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

                          تعليق

                          • مصباح فوزي رشيد
                            يكتب
                            • 08-06-2015
                            • 1272

                            #28
                            كان لديّ عالَم خاصّ أنا بطله وسيّده الذي يتحكّم فيه. وفيه ما لا يحصى من الجيوش الجرّارة والآليّات، والتي لا تتحرّك إلاّ بإذنٍ منّي. هذا العالم الموازي يكون قد تشكّل من المسلسلات التاريخية والرّوايات التي أسمعها في الرّاديو، وربما من القصص التي كان يرويها لي الأخوال حين أزورهم إلى "لبّايض"؛ ولذلك كنتُ أفضّل دوّار الأخوال هذا على مشتى"عين البيضاء" الذي استهواني بتمضية الأوقات في ركوب الفرس"الزّرقاء" وأنا صغير، ومرافقة أبناء عمّي إلى الأماكن البعيدة في الغابة.
                            كذلك من الأشياء الغريبة التي لا أجد تفسيرا لها لحد الآن: أيّام الأسبوع التي كانت ولا تزال تبدو لي بألوان الطّيف؛ فلون السبت مثلا "أحمر فاتح"، والأحد "أحمر غامق"، والإثنين "فيروزي"، وأمّا الثلاثاء فهو "تبْني"، والأربعاء "أسود"، ولون الخميس "أبيض"، والجمعة "سوداء".
                            وكاد العالم المخفي يغريني عن العالم المرئي، لِـما وجدته فيه، فانشغلتُ به عن الواقع. وكانت والدتي حين تسأم من الوحدة ترسلني إلى زوجة أحد الأقارب، ولم تكن تجمعها بها صلة سوى أنّهما الاثنتين"برّانيّتان"، بمعنى أنّهما لا ينتميان إلى ذات المكان. فتأتي العمّة (خدّوجة) ويبدأ مسلسل الشكوى من السلائف و الحموات. وكانت الجدّة المسكينة هبي الأخرى ترسلني في طلب عمّي (الحاج) حين يطول غيابه في البادية، فأخرج إلى الطّريق المعبّد الذي خلف بيتنا وأترقّب مجيئه.
                            كان قد حلّ الخريف في هذه الأثناء، ومعه قد حان موعد الدخول المدرسي؛ وأيّام قليلة تفصلني عن مجيء أبناء العم من البادية، وسيجمعنا اللّقاء من جديد، وسنلتفّ حول طبق "المرقة الحمراء بالبطاطا والتّعكيرة" وكسْرة "الرّغدة" وما أدراك ما كسْرة الرّغدة، كسْرة الشّعير المغلّث. وسنتفرّغ للجري بعدها وراء كرة الأقمشة "البُفْ"، ونختم مساءنا بلعبة "الغمّايضة". وحين يكفر اللّيل النّهار بسواده، عندها يحين موعد الانزواء ونلعب "الخاتم" في "الكوري"، ونختم اليوم بالأحاجي. وأمّا بالنسبة لمراجعة الدّروس فمنْ كان يستطيع إلى ذلك سبيلا في ظلّ كل هذه المغريات من اللّهو؟.
                            وجاء اليوم الذي كنتُ انتظره بنافذ الصّبر، وقد سئمتُ تكاليف الوحدة كما سئم الشّاعر - لا أبا له - تكاليف الحياة. وكانت المدرسة قد فتحت أبوابها، وكان يوما مشهودا. وارتديتُ البدلة الجديدة ومن فوقها المئزر "فرض العين"، وردفتهما بحذاء بذلتُ قصارى جهدي لتلميعه، وكان أبي شديد الحرص على إرضائي بكسًا جديدة، للتميّز عن غيري من الزّملاء والأقران.
                            والتحقتُ بمدرستي، بنفس المكان الذي درستُ فيه السنة الأولى، لكن في هذه السنة جاء معلّم جديد هو (سي السبتي)، وكان قمّة في اللّطافة والأخلاق. ولايزال هذا الشخص حيّا يُرزق - حفظه الله ورعاه وأمدّه بالصحّة والعافية -، وهو ابن شيخي (سي أحمد)؛ معلّم القرآن الذي كان له الفضل فيما أحمله الآن من بعض سور القرآن الكريم - عليه رحمة الله الواسعة -، وكانت النّتائج نفسها تقريبا كالّتي حصلتُ عليها في السّنة الأولى، غير أنّني كنتُ قد نلتُ المرتبة الأولى في الثلاثي الثاني من هذه السنة على ما أذكر، و لم أكن مقتنعا بهذه المرتبة فلربّما كان هناك من هو أكفأ منّي.
                            تبع …/


                            التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 22-09-2021, 05:01.
                            لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

                            تعليق

                            • الهويمل أبو فهد
                              مستشار أدبي
                              • 22-07-2011
                              • 1475

                              #29
                              المشاركة الأصلية بواسطة مصباح فوزي رشيد مشاهدة المشاركة
                              كان لديّ عالَم خاصّ أنا بطله وسيّده الذي يتحكّم فيه. وفيه ما لا يحصى من الجيوش الجرّارة والآليّات، والتي لا تتحرّك إلاّ بإذنٍ منّي. هذا العالم الموازي يكون قد تشكّل من المسلسلات التاريخية والرّوايات التي أسمعها في الرّاديو، وربما من القصص التي كان يرويها لي الأخوال حين أزورهم إلى "لبّايض"؛ ولذلك كنتُ أفضّل دوّار الأخوال هذا على مشتى"عين البيضاء" الذي استهواني بتمضية الأوقات في ركوب الفرس"الزّرقاء" وأنا صغير، ومرافقة أبناء عمّي إلى الأماكن البعيدة في الغابة.
                              كذلك من الأشياء الغريبة التي لا أجد تفسيرا لها لحد الآن: أيّام الأسبوع التي كانت ولا تزال تبدو لي بألوان الطّيف؛ فلون السبت مثلا "أحمر فاتح"، والأحد "أحمر غامق"، والإثنين "فيروزي"، وأمّا الثلاثاء فهو "تبْني"، والأربعاء "أسود"، ولون الخميس "أبيض"، والجمعة "سوداء".
                              وكاد العالم المخفي يغريني عن العالم المرئي، لِـما وجدته فيه، فانشغلتُ به عن الواقع. وكانت والدتي حين تسأم من الوحدة ترسلني إلى زوجة أحد الأقارب، ولم تكن تجمعها بها صلة سوى أنّهما الاثنتان"برّانيّتان"، بمعنى أنّهما لا ينتميان إلى ذات المكان. فتأتي العمّة (خدّوجة) ويبدأ مسلسل الشكوى من السلائف و الحموات. وكانت الجدّة المسكينة هبي الأخرى ترسلني في طلب عمّي (الحاج) حين يطول غيابه في البادية، فأخرج إلى الطّريق المعبّد الذي خلف بيتنا وأترقّب مجيئه.
                              كان قد حلّ الخريف في هذه الأثناء، ومعه قد حان موعد الدخول المدرسي؛ وأيّام قليلة تفصلني عن مجيء أبناء العم من البادية، وسيجمعنا اللّقاء من جديد، وسنلتفّ حول طبق "المرقة الحمراء بالبطاطا والتّعكيرة" وكسْرة "الرّغدة" وما أدراك ما كسْرة الرّغدة، كسْرة الشّعير المغلّث. وسنتفرّغ للجري بعدها وراء كرة الأقمشة "البُفْ"، ونختم مساءنا بلعبة "الغمّايضة". وحين يكفر اللّيل النّهار بسواده، عندها يحين موعد الانزواء ونلعب "الخاتم" في "الكوري"، ونختم اليوم بالأحاجي. وأمّا بالنسبة لمراجعة الدّروس فمنْ كان يستطيع إلى ذلك سبيلا في ظلّ كل هذه المغريات من اللّهو؟.
                              وجاء اليوم الذي كنتُ انتظره بنافذ الصّبر، وقد سئمتُ تكاليف الوحدة كما سئم الشّاعر - لا أبا له - تكاليف الحياة. وكانت المدرسة قد فتحت أبوابها، وكان يوما مشهودا. وارتديتُ البدلة الجديدة ومن فوقها المئزر "فرض العين"، وردفتهما بحذاء بذلتُ قصارى جهدي لتلميعه، وكان أبي شديد الحرص على إرضائي بكسًا جديدة، للتميّز عن غيري من الزّملاء والأقران.
                              والتحقتُ بمدرستي، بنفس المكان الذي درستُ فيه السنة الأولى، لكن في هذه السنة جاء معلّم جديد هو (سي السبتي)، وكان قمّة في اللّطافة والأخلاق. ولايزال هذا الشخص حيّا يُرزق - حفظه الله ورعاه وأمدّه بالصحّة والعافية -، وهو ابن شيخي (سي أحمد)؛ معلّم القرآن الذي كان له الفضل فيما أحمله الآن من بعض سور القرآن الكريم - عليه رحمة الله الواسعة -، وكانت النّتائج نفسها تقريبا كالّتي حصلتُ عليها في السّنة الأولى، غير أنّني كنتُ قد نلتُ المرتبة الأولى في الثلاثي الثاني من هذه السنة على ما أذكر، و لم أكن مقتنعا بهذه المرتبة فلربّما كان هناك من هو أكفأ منّي.
                              تبع …/
                              مع هذا الفصل أصبح لدينا رصيد من المعلومات للمقارنة. في البيت السعيد يبدو أن الحياة أكثر
                              كآبة منها في بيت الأخوال ويبدو أن السبب وجود أبناء في سنه يمارس معهم هواية الجري واللهو.
                              وعرفنا شغفه بالفروسية. أما اللعب فهو على استعداد أن يمارسه ليل نهار. كما أن خياله مجنح
                              بالألوان. المدرسة في هذا العمر أمر ثانوي (ومع ذلك يتفوق دائما؟). في بيت الأخوال غاب
                              الوالد وحضرت الوالدة (اشارة صامتة ونذير شؤم إن كانت مقصودة). المقارنة بين البيتين
                              حاضرة في الذهن دون تصريح. لكنه عموما أكثر راحة نفسية هنا.

                              الصورة التي تبقى بالذهن عن هذا الطفل هي صورة متحركة، فنادرا ما نراه في حالة ركود.
                              فهو إما لاهي أو لاعب والأغلب في حالة جري. إلى أين يا فتى؟

                              تعليق

                              • مصباح فوزي رشيد
                                يكتب
                                • 08-06-2015
                                • 1272

                                #30
                                المشاركة الأصلية بواسطة الهويمل أبو فهد مشاهدة المشاركة
                                مع هذا الفصل أصبح لدينا رصيد من المعلومات للمقارنة. في البيت السعيد يبدو أن الحياة أكثر
                                كآبة منها في بيت الأخوال ويبدو أن السبب وجود أبناء في سنه يمارس معهم هواية الجري واللهو.
                                وعرفنا شغفه بالفروسية. أما اللعب فهو على استعداد أن يمارسه ليل نهار. كما أن خياله مجنح
                                بالألوان. المدرسة في هذا العمر أمر ثانوي (ومع ذلك يتفوق دائما؟). في بيت الأخوال غاب
                                الوالد وحضرت الوالدة (اشارة صامتة ونذير شؤم إن كانت مقصودة). المقارنة بين البيتين
                                حاضرة في الذهن دون تصريح. لكنه عموما أكثر راحة نفسية هنا.

                                الصورة التي تبقى بالذهن عن هذا الطفل هي صورة متحركة، فنادرا ما نراه في حالة ركود.
                                فهو إما لاهي أو لاعب والأغلب في حالة جري. إلى أين يا فتى؟
                                أستاذنا المحترم [الهويمل أبو فهد]:
                                كلمات الشّكر والثّناء لاتوفّيك حقّك.
                                شكري لك نابع من صميم الفؤاد؛ أشكرك على هذا العطاء المتواصل، وعلى المجهود الطيّب، وعلى ما تنفقه من وقت ثمين.
                                جزاك الله عنّا خير الجزاء، وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، وأمدّك بالصحّة والعافية.
                                التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 18-09-2021, 13:54.
                                لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

                                تعليق

                                يعمل...
                                X