المشاركة الأصلية بواسطة الهويمل أبو فهد
مشاهدة المشاركة
في الحقيقة كما يعلم أستاذنا الكبير في النقد، أستاذي أبو فهد، الشكلية مدرسة نقدية روسية الأصل (لذا يطلق عليهم اسم les formalistes russes ظهرت أعمالها بقوة في الفترة بين 1915-1930م لكن لم تعرف في فرنسا إلا بعدما اهتم بها السيميائيون البنيويون و نقاد الأدب في مطلع الستينيات من القرن العشرين. أبرز أسماء الشكليين الذين نعتمد على دراساتهم المنهجية هم رومان ياكوبسون في موسكو (و نظريته الشهيرة حول وظائف اللغة الست les six fonctions du langage تشيكلوفسكي في سانت بترسبورغ ثم في مجال تحليل بنية النص الأدبي أو الحكي (قصة، فيلم، حكاية...) فالإسم الأكثر ذكراً كمرجعية فهو فلاديمير بروب (la morphologie du conte) و الذي وظف أدوات المنهاجية الشكلية الروسية في تفكيكه الضخم لحكايات الفلكلور الشعبي الروسي. كان لدراسة البنية الشكلية لفلاديمير بروب vladimir Propo بالغ الأثر في المسار المنهجي الذي اتخذته البنويوية كما نعرفها اليوم. بحيث أنه وجد على أن كل حكاية إلا وتستند على "آلية" سردية نسجت على نفس النسق، جمعها بالضبط في 51 محطة أو خاصية يلعب فيها كل بطل دوراً محددا داخل الحبكة، مما يجعله يقوم بدور المعين أو المساعد على تحقيق الهدف، كما بإمكان الشخصيات المعادية من لعب دور المعرقل و هكذا... إلا أن Greimas بعده لخص العملية و اختزل الوظائف الواحد و خمسين في 5 وظائف و هي ما اشتهر ب le schéma quinaire و الشخصيات الرئيسية في الحبكة قسمها إلى ستة أدوار و هو ما يطلق عليه مصطلح actantial model أو le modèle actantiel. وهنا تحدث طفرة نوعية في التعامل مع التحليل للنصوص، بحيث لم تعد "نفسية" الكاتب و لا " معرفة سيرته الذاتية" بالشيء المهم في فهم المحتوى - كما كانت عليه الحالة من قبل الشكليين الروس، - لكن صار التعامل مع النص الأدبي عموماً بكل أنواعه، على أساس "بنيته و تركيبته العضوية" وذلك في كامل الاستقلالية عن ذاتية القاريء (باختلاف مشاربه) و عن ذاتية الناقد.
تجدر الإشارة إلى أن التيار كان حينها جد متأثر بالنزعة الماركسية بحيث أن استخراج الايديولجيا التي يخدمها النص (كما فعل رولون بارت في معظم مقالاته النقدية) ماقتئت تطغى على معظم الأعمال التي ركزت في تحليلها على المنهجية الشكلية أولا ثم البنوية بعدها. ولربما لهذا الغرض حاول الرعيل الأول من الشكليين الروس أن يدفعوا عن مجموعتهم النقدية تسمية "الشكلية" التي استعملت في الأساس من طرف منتقديهم لما تحمله من معنى لصيق بمصطلح لا يقل حساسية آنذاك: مصطلح العضوية (الماركسي) في إشارة إلى نموذج المثقف العضوي the organic intellctual والذي ضل لصيقاً بالمفكر الإيطالي كرامشي الشهير Gramsci. دون أن ننسى بطبيعة الحال أن مفهوم الأيديولوجيا التي ظل الشكليون و البنويون يستخلصون جذورها من بطون النصوص، هي الأخرى وليدة الحقبة الماركسية الأوربية، و كرامشي نفسه دعا إلى خدمتها في برنامجه الإصلاحي المنشور في كتاباته أيام كان يقبع في السجن.
سواء كانت الانتقادات خاطئة أم ذات مصداقية، فالشيء الذي لا شك فيه هو أن التيار البنويوي كان جد متأثر بالفكر السياسي السائد آنذاك، مما جعل الشكوك تلتف حول أبرز أعلامه، لكنه بالرغم من ذلك، يرجع له الفضل في اضفاء "المنهجية الأرسطية" على النقد الذي يتبناه وأبعد النقد عن الشطحات السيكولوجية الذاتية التي كانت سائدة قبل ذلك. وفي المجتمعات العربية، لا زال الصراع المنهجي في النقد عموما (كيفما كان نوع الخطاب، سياسيا
أم أدبيا أم ثقافيا...) يتأرجح بين مؤيد للمنهجية البنويوية العقلانية الأرسطية و بين مشيطنها، إن سمحتم لي بالتسمية.
وللأساتذة فسحة التدخل للتعقيب أو لتصحيح ما ذكر.
مع تقديري للجميع.
تعليق