مفهوم قصيدة النثر أسسه النظرية وخصائصه البنائية/أ. علي المتقي

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد القاضي
    أديب وكاتب
    • 17-10-2008
    • 505

    مفهوم قصيدة النثر أسسه النظرية وخصائصه البنائية/أ. علي المتقي

    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:green;"][CELL="filter:;"][ALIGN=right]"لعل أهم وصف أو تحديد لقصيدة النثر هو ذاك الذي وصفه بودلير قائلاً: مَن منّا لم يحلم بمعجزة نثر شعري، موسيقي بلا وزن ولا قافية، لين ومتنافر، كي يتآلف مع الحركات الغنائية للروح، ومع تموجات الحلم وارتجافات الوعي؟ " [/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]


    أيها الأعزاء الكرام ,

    لاحظنا على عدد من النصوص الواردة الينا و التي يظن أصحابها بأنها "قصائد

    نثرية " بعض الضبابية وبعض الخلط والإرتباك بين نصوصهم

    وبين شخصية قصيدة النثر ,

    ولهذا فقد رأيت أنه من الفائدة الكبرى أن أضع بين أيديكم هذه القراءة

    المستفيضة والنظرة العميقة على مكنونات قصيدة النثر والتي جاءت

    في مقال للأستاذ الموقر علي المتقي ، وفي مداخلاته اللاحقة على

    المقال... ومن أراد منكم المشاركة

    بمداخلة فليتفضل على أن تكون لها علاقة بجوهر الموضوع فحسب .

    اليكم ما جاء في مقال الأستاذ علي المتقي:


    ظهر مصطلح قصيدة النثر في الأدب العربي في مجلة شعر سنة 1960 للدلالة على شكل تعبيري جديد انتهت إليه الكثير من الأشكال التجريبية التي جربها جيل النصف الأول من القرن العشرين، كالنثر الشعري والشعر المنثور والشعر الحر. ويعد في مرحلته بمثابة الثورة الأخيرة على عمود الشعر العربي في بعده الإيقاعي خاصة. وقد اعتمد كل من أدونيس وأنسي الحاج في دراستيهما التأسيسيتين على كتاب سوزان برنارد " قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا" إلى درجة القول: إن ما كتبه هذان الباحثان الشاعران لا يعدو أن يكون مجرد تركيب لمقاطع من هذا الكتاب. وقد أرجع أدونيس ظهور هذا المصطلح ونجاحه في الشعر الحديث إلى ما يلي:
    ـ التحرر من نظام العروض الخليلي الذي ظل حاجزا نفسيا يقف ضد كل تجديد أو تطوير في الشعر العربي، وهذا التحرر قرب المسافة الفاصلة بين الخطابين النثري والشعري.
    ـ الرغبة الجامحة في التخلص من كل ما يمت إلى الأشكال والقواعد الموروثة بصلة، والبحث الجدي عن بديل لما تم هدمه وتجاوزه .
    ـ التوراة والتراث الأدبي القديم في مصر وبلدان الهلال الخصيب ، وهو تراث يتميز بكتاباته النثرية ذات النفس الشعري .
    ـ ترجمة الشعر الغربي، فالقارئ العربي يعده شعرا على الرغم من تحرره من الوزن والقافية ، ويتحسس أبعاده الشعرية المتولدة عن الصورة ووحدة الانفعال.
    ـ اختمار الأشكال التجريبية ما قبل قصيدة النثر، وآخرها النثر الشعري. والفرق بين هذين الشكلين في تصور أدونيس هو نفسه الفرق بين الشعر والنثر، فالنثر الشعري هو نثر قبل كل شيء يتسم بما يتسم به كل خطاب نثري من "استرسال واستسلام للشعور دون قاعدة فنية ومنهج شكلي بنائي وسير في خط مستقيم ليس له نهاية، لذلك فهو روائي أو وصفي يتجه غالبا إلى التأمل الأخلاقي أوالمناجاة الغنائية أو السرد الانفعالي، ولذلك يمتلئ بالاستطرادات والتفاصيل، وتنفخ فيه وحدة التناغم والانسجام. أما قصيدة النثر، فهي شعر، لذلك فهي ذات شكل، ذات وحدة مغلقة، هي دائرة أو شبه دائرة لا خط مستقيم.. وبشكل عام، فإن النثر الشعري نثر يستخدم الشعر لغايات نثرية خالصة، أما قصيدة النثر فهي شعر يستخدم النثر لغايات شعرية خالصة.
    يضاف إلى هذه الخصائص خاصية أخرى أهملها أدونيس وربما تعد الأهم في ظهور هذا الشكل الشعري وانتشاره في الثقافة العربية، ألا وهي: ظهور هذا الشكل التعبيري في الغرب منذ أمد بعيد، والتأسيس له نظريا وتجريبه نصيا، واعتباره أحد الأشكال الأساسية التي اعتمدتها الحداثة الغربية. والدليل على ذلك أن هذا المصطلح لم يظهر في الثقافة العربية إلا بعد الاطلاع على كتاب سوزان برنارد، بل إن ما كتب عنه ـ كما أشرنا ـ لم يتعد التلخيص المبتسر لما ورد في هذا الكتاب. ولم يتحدث لا أدونيس ولا أنسي الحاج عن أي مصدر آخر ديني أو عربي.
    وقد حددت سوزان برنارد لهذا الشكل الشعري ثلاثة خصائص تبناها كل من الباحثين العربيين وهي :
    أ ـ الوحدة العضوية، فقصيدة النثر بناء يصدر عن إرادة واعية، وليس مجرد مادة متراكمة تراكما غفلا، إنها كل غير قابل للتجزيء أو الحذف أو التقديم أو التأخير بين مكوناته .
    ب ـ المجانية: فهذا الشكل، شكل جديد لا علاقة له بكل أشكال الكتابة المعروفة من نثر وشعر، ورواية ومسرحية، حتى ولو وظف تقنيات هذه الأشكال، فهو شكل جديد لا غاية له خارج عالمه المغلق، أي، أنه مجاني ولا زماني .
    ج ـ الكثافــة: يبتعد هذا الشكل الجديد عن كل خصائص النثر من استطراد وإيضاح وشرح وإطناب، وتكمن خاصيته الشعرية في كثافته وإشراقه، وبعبارة أدونيس انه " كتلة مشعة مثقلة بلا نهاية من الإيحاءات قادرة على أن تهز كياننا في أعماقه، إنها عالم من العلائق".
    1 ـ قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة : لم يكن الفرق بين قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة التي سبقتها إلى الوجود فرقا في البناء الخارجي، أو فرقا في الدرجة، لا ولا في حضور الوزن وعدم حضوره، وإنما يكمن في أعمق من ذلك. إنه فرق في لاحقية الشكل، وأولوية التجربة الشعرية على البناء، ورفض البناء على نمط واحد يتكرر. فقصيدة التفعيلة بعد سنوات معدودة نحت نحو التقعيد خصوصا مع نازك الملائكة، وسنت لنفسها حرية مقيدة تتنفس داخلها، وأشكالا بنائية تتكرر في كل قصيدة. أما قصيدة النثر، فقد فتحت باب التجريب كليا، ونفت كل القوانين، ودفعت بالتجربة إلى أمامية القول. وتميز فيها سوزان برنارد بين قطبين: قطب الهدم وقطب البناء.
    والمصطلح نفسه يوحي بهذا التعارض الثنائي، فمصطلح قصيدة يعني البناء والتنظيم، ومصطلح نثر يعني الهدم والاسترسال في الكلام دون اعتبار لأي بناء فني. من هنا، ففي كل قصيدة نثر قوتان:قوة فوضوية هدامة تعمل على نفي الأشكال القائمة وتخطيها، وقوة منظمة تنزع إلى بناء كل شعري. فالبعد النثري تمرد ضد كل الأشكال، والبعد الشعري سعي إلى البناء. وقد ميزت سوزان برنارد بين نوعين من قصيدة النثر حسب هيمنة هذه القوة أو تلك، النوع الأول : القصيدة الشكلية، ومثلت لها بقصائد الوازوس برتراند، والنوع الثاني: القصيدة الفوضوية، ومثلت له بإشراقات رامبو..
    والملاحظ أن الكتابات العربية لم تميز بين قصيدتين، وإنما تحدثت عن قصيدة نثر واحدة تتأرجح بين الهدم والبناء، إلا أنه في ما يبدو نظريا يهيمن على تفكير أدونيس النوع الشكلي، في حين يهيمن على تفكير أنسي الحاج النوع الفوضوي.
    2 ـ حضور القصيدة الشكلية في قصيدة النثر العربية: يقول أدونيس:" أما قصيدة النثر فذات شكل قبل أي شيء، ذات وحدة مغلقة، هي دائرة أو شبه دائرة لا خط مستقيم، هي مجموعة علائق تنتظم في شبكة كثيفة ذات تقنية محددة وبناء تركيبي موحد منتظم الأجزاء متوازن، تهيمن عليه إرادة الوعي التي تراقب التجربة الشعرية وتقودها وتوجهها، إن قصيدة النثر تتبلور قبل أن تكون نثرا، أي أنها وحدة عضوية وكثافة وتوتر قبل أن تكون جملا وكلمات.".
    واضح من هذا القول حضور الشكل والنظام في قصيدة النثر كما نظر لها أدونيس، فهي ذات بنية دائرية، وهذه البنية تنبني أساسا على التكرار بمختلف أشكاله وأنواعه. وقد حصرت سوزان برنارد ـ المرجع النظري الوحيد لقصيدة النثر العربية ـ أنواعه التي وظفها الشعر الفرنسي في أربعة أنواع:

    ـ إعادة اللازمة عبر مسافات منتظمة لجعل الثابت محسوسا.
    ـ تكرار بداية الجملة في النهاية لإغلاق القصيدة وتدويرها .
    ـ تكرار الكلمات والانطباعات لاسيما في بداية المقاطع أو نهايتها.
    ـ تكرار الأصوات .
    ويرى أدونيس أن هذا الشكل الجديد ينبني على الجملة اللغوية بوصفها وحدة لغوية صغرى بدل البيت أو التفعيلة التي بنيت عليه الأشكال السابقة. وتتميز هذه الوحدة المتموجة بتنوعها حسب التجربة، فهناك الجملة النافرة المتضادة المفاجئة للتعبير عن الصدمة، والجملة الموجية للتعبير عن الحلم والرؤيا، والجملة الغنائية للتعبير عن الألم والفرح والمشاعر الكثيفة.
    وتستمد قصيدة النثر عند أدونيس إيقاعها من طريقة بناء الجملة، " وهو إيقاع متنوع يتجلى في التوازي والتكرار والنبرة والصوت وحروف المد وتزاوج الحروف وغيرها. وبذلك تفرض على النثر هيكلا منظما ، وتدخل الحياة والزمن في أشكال دائرية .
    3 ـ قصيدة النثر العربية والقصيدة الفوضوية: ترى سوزان برنارد أن القصيدة الفوضوية كما كتبها رامبو تتمرد على كل القوانين لتتجه كلية نحو الأشكال الأكثر فوضوية، والأقل قياسية، وبذلك يقطع الشعر أي علاقة له بوظيفة الاتصال بين الشاعر والقارئ ليصبح آلة جهنمية يرفعها الفرد ضد الكون والثقافة والعقل وآلياته من أجل بناء عالم آخر أكثر بريقا وأشد صفاء.
    فالشاعر الإشراقي كما يراه إلوارد ـ أحد مصادر مجلة شعر ـ يأخذ على كاهله العناصر الخام والساكنة التي يحملها إليه اللاوعي وتشويش الحواس، فيتضمنها في نظام متصل بالبنية الداخلية لعالم الكلمات، وبهذا النظام يصبح موقف الشاعر تجاه اللغة والحلم اتجاها إيجابيا وخلاقا، إنه يهدم ويزرع الفوضى في كل ما هو مشترك وعام، وفي الآن نفسه يعزز سلطة الفرد الساخطة وتنظيمه الجديد للكون. وبذلك تكون الفوضى هي النظام الذي يود إقامته على نظام الأشياء القائمة ليتولد عنها شكل أدبي لا اجتماعي جديد.
    وإذا كانت القصيدة الشكلية تسيطر على الزمن بصبه في أشكال دائرية ، فإن القصيدة الفوضوية الإشراقية تتوخى بلوغ اللازمنية بنفي الزمن والتحرر منه وذلك بالقفز على المقولات الزمنية لتحقيق الاندفاع اللاشعوري اللانهائي. ويتضمن هذا الشكل الشعري نوعين من الزمن: الزمن الواقعي والزمن الممثل، وبقدر ما يتقلص الزمن الأول إلى حده الأدنى لوضع القصيدة تحت شكل الكل الموجز قصد التأثير في القارئ تأثيرا فوريا مكثفا، بقدر ما يتسع الزمن الممثل كإشعاع صادر من نقطة مضيئة ذات بريق آني ولامع. وتصطلح سوزان برنارد على هذا النوع من الزمن "بالشكل من الدرجة الثانية" الذي يلغي الزمن كليا، وذلك إما بإلغاء المقولات الزمنية لتصبح القصيدة بمعزل عن الزمان والمكان، أو بتقليص الديمومة واحتضان القرون في نظرة واحدة. وكما يتقلص الزمن تتقلص المسافات فتقترب الأشياء المتباينة والمتباعدة في ما بينها، وتنتفي المفاهيم المنطقية المرتبطة بمفهومي الزمان والمكان، وبذلك يتولد الحدس بعالم آخر غريب ومتوهج يسيطر فيه الإنسان على المادة بدلا من أن يخضع لها.
    إن نفي الزمان والمكان وما يرتبط بهما من مفاهيم منطقية ينتج عنه بالضرورة هدم الأسلوب والترتيب الفني وتسلسل الأفكار وترابطها لتمنح الأولوية للكلمة بشكل عام، وللاسم منها شكل خاص، لأنه دلالة على الشيء وإيحاء له في جوهره اللازمني. كما تتمتع الكلمة بكينونتها المستقلة التي لا تذعن لمنطق النحو، إذ " لم تعد تندرج في تنظيم الجملة لكي يعبر فيها المعنى كما يعبر التيار في سلك كهربائي، فإذا هي تلمع ببريقها الخاص الكوكبي المنعزل ".
    وعلى الرغم من أن النثر لا يسمح بهذه العزلة والاستقلالية للكلمة، فإن أدوات الترقيم (خطوط صغيرة وبياض وتعيين الكلمات ونقط التعجب ...) وسائل تفصل الكلمات عن السياق وتطبعها بنوع من الدلالة الخاصة إلى جانب دلالتها السياقية في الجملة. يضاف إلى ذلك تفكيك الجمل، والعطف، والتكرار الذي يؤدي إلى نفس الأثر. إلا أن التنظيم الشعري الحاضر بالقوة في قصيدة النثر يخلق ترابطا خاصا بين الكلمات وفق قوانين كونية خاصة بكل قصيدة يحكمها منطق داخلي خاص.
    4 ـ البعد الإشراقي(الفوضوي)في كتابات أدونيس: إن مفاهيم الرؤيا والحدس والتخييل والبحث عن الخفي والمجهول والكشف ونشدان المطلق، كلها مفاهيم ترتبط بالقصيدة الإشراقية، بل إن قصيدة النثر كما يراها أدونيس تبنى خارج سلطة العقل ورقابة الوعي، وذلك قصد النفاذ إلى الدواخل وعيش حالة إشراق بالاعتماد على التلقائية كما نظرت لها السوريالية في بياناتها. وفي هذا الصدد يقول أدونيس: " إني لا أبحث عن الواقع الآخر، لكن أغيب خارج الواقع في الخيال والحلم والرؤيا. إنني استعين بالخيال والحلم والرؤيا لكي أعانق وأخفي الآخر، ولا أعانقه إلا بهاجس تغيير الواقع وتغيير الحياة ".
    نخلص مما سبق إلى أن أدونيس قام بعملية انتقاء من خصائص القصيدة الشكلية وخصائص القصيدة الفوضوية، وتركيب ما تم انتقاؤه في قصيدة النثر العربية. وقد تعرضت هذه العملية لانتقادات متعددة سواء من طرف القوميين الذين يرون في قصيدة النثر شيئا آخر غريبا عن الثقافة العربية، أو بعض الحداثيين أنفسهم الذين رأوا في أدونيس منتحلا لآراء الغير ومتبنيا لها.
    5 ـ قصيدة النثر ومفهوم الكتابة: تعد مرحلة الكتابة الجديدة المرحلة الثالثة من مراحل تطور الإبداع عند أدونيس، بعد قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر. وهي مرحلة مختلفة عن المرحلتين السابقتين، اللتين احتل فيهما الشكل الشعري مركز الاهتمام بسبب الصراع الذي خاضه الجيل الجديد ضد القوانين الشعرية الموروثة، أما في هذه المرحلة، فقد تحول الاهتمام أساسا إلى نوع الكتابة.
    وقد ميز أدونيس بين مفهومين: مفهوم الخطابة، ومفهوم الكتابة. فالأول ذو طبيعة شفوية، ويستلزم خطيبا وجمهورا متلقيا وعلاقة مباشرة بينهما تنبني على الإثارة والتحريض والاستجابة والإقناع. وتقتضي الوضوح وقوة البرهان والدليل وحسن الأداء البلاغي. وتكون وظيفته الدعوة إلى الرأي أو العقيدة أو الأيديولوجيا. وينبني الشعر القديم في معظمه على هذه الأسس مدحا كان أم هجاء أم رثاء أم غزلا، كما أنها ظلت حاضرة في القصيدة العربية المعاصرة خصوصا وأن المرحلة مرحلة مد قومي، وازداد حضورها بقوة بعد 1965 في شعر المقاومة الفلسطينية.
    أما المفهوم الثاني ، فقد حصر البيان ملامحه في ما يلي:
    أ ـ
    الإبداع دخول في المجهول لا في المعلوم .
    ب ـ إلغاء الحدود بين الأجناس الأدبية .
    ج ـ خلق زمن ثقافي بدل الزمن الشعري .
    د ـ التركيز على فعل الإنتاج لا على ما تم إنجازه .
    هـ ـ الكتابة خلق وإبداع لا استعادة واجترار.
    و ـ الكتابة تساؤل لا جواب.
    إن هذه الملامح ليست جديدة كل الجدة عما سبق أن نظر له أدونيس، فباستثناء الملمح الثاني، فإن باقي الملامح الأخرى تتحدث عنها بياناته السابقة، وتشترك فيها الكتابة والقصيدة الجديدتان. ويبقى الفرق بينهما في تعدد الأساليب والأجناس داخل الكتابة، وصفاء القصيدة من هذا التعدد.
    البـنـدقيـة لا تَـقـتـل ، بل العقـل الذي أمرهـا !!







    "محمد القاضي"
  • محمد سلطان
    أديب وكاتب
    • 18-01-2009
    • 4442

    #2
    [align=center]هل على الأستاذ محمد القاضى ان يقتبس لنا نصاً مما ورد فيه القول كى يتضح لنا المفهموم ؟

    عفواٌ .... لا حرج فى النقاش المصلح و البنّاء ولا يجب على كاتب القصيدة أن ينزعج .
    فقط.. الإيضاح من أجل الإصلاح [/align]
    صفحتي على فيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

    تعليق

    • علي المتقي
      عضو الملتقى
      • 10-01-2009
      • 602

      #3
      الأستاذ الجليل محمد القاضي : أشكر لكم اهتمامكم بالموضوع ونقله من بوابة النقد الأدبي إلى بوابة قصيدة النثر، وأتمنى أن يضيء بعض جوانب هذا الشكل الشعري الذي أثار ولا يزال يثير نقاشا ساخنا في المحافل الأدبية والنقدية .
      أعتقد أن الكثيرمن النصوص التي تنشر في قسم قصيدة النثر بما فيها النصوص الذي تشرفت بنشرها شخصيا لا ترقى إلى قصيدة النثر كما يصورها المقال أعلاه ، فهي تحافظ على الكثير من خصائص الأشكال السابقة وتطبعها سمة الخطابية ، التي تتمرد عليها قصيدة النثر الخالصة . إلا أن هذا لا ينفي عنها صفة الشعرية ، فهي ليست من الشعر التفعيلي الذي يحافظ على الوزن والقافية ، وفي الآن نفسه ليست قصيدة نثر بالتصور المنظر له ، وإنما هي بين هذا الشكل وذاك . وكل ما لا يخضع للوزن لا يجد صاحبه إلا بوابة قصيدة النثر لينشره فيه، وبذلك أصبح مقياس الوزن وحده هو الذي يفرق بين الشعر التفعيلي وقصيدة النثر ، مع أن الفرق بينهما أكبر من ذلك بكثير .

      إلى جانب التصور أعلاه يمكن الحديث عن نوع آخر من قصيدة النثر ، ينحو نحو البساطة في التعبير ، والتقاط اليومي و المبتذل والتافه ، وصياغته صياغة شعرية تتوسل بالتشبيه النادر، ووقع المفاجأة، و التمرد على القيم المجتمعية المتداولة والمألوفة لإضفاء صفة الشعرية على كتابته. ومن أبرز شعراء هذا الشكل الشعري الشاعر السوري محمد الماغوط في دواوينه حزن في ضوء القمر وغرفة بملايين الجدران و الفرح ليس مهنتي .
      ومن أمثلة هذا الشعر هذا المقطع الشعري من قصيدة حزن في ضوء القمر للشاعر نفسه :
      أيها الربيع المقبل من عينيها
      أيها الكناري المسافر في ضوء القمر
      خذني إليها
      قصيدة غرام أو طعنة خنجر
      فأنا متشرد وجريح
      أحب المطر وأنين الأمواج البعيدة
      من أعماق النوم أستيقظ
      لأفكر بركبة امرأة شهية رأيتها ذات يوم
      لأعاقر الخمرة و اقرض الشعر
      قل لحبيبتي ليلى
      ذات الفم السكران و القدمين الحريريتين
      إنني مريض ومشتاق إليها
      إنني ألمح آثار أقدام على قلبي .
      دمشق يا عربة السبايا الوردية
      و أنا راقد في غرفتي
      أكتب و أحلم و أرنو إلى الماره
      من قلب السماء العالية
      أسمع وجيب لحمك العاري .
      عشرون عاما ونحن ندق أبوابك الصلدة
      والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا
      ووجوهنا المختنقة بالسعال الجارح
      تبدو حزينة كالوداع صفراء كالسل
      ورياح البراري الموحشة
      تنقل نواحنا
      إلى الأزقة وباعة الخبز والجواسيس
      ونحن نعدو كالخيول الوحشية على صفحات التاريخ
      نبكي ونرتجف
      وخلف اقدامنا المعقوفة
      تمضي الرياح والسنابل البرتقالية ...
      وافترقنا
      وفي عينيك الباردتين
      تفوح عاصفة من النجوم المهرولة
      أيتها العشيقة المتغضنة
      ذات الجسد المغطى بالسعال والجواهر
      أنت لي
      هذا الحنين لك يا حقوده ...

      هذا مقطع من قصيدة حزن في ضوء القمر الذي يصدق عليها قول أحد النقاد في قصيدة جيفة لبودلير : إنها كتبت لتصعقنا فقط ، وفي هذا الفعل بالذات تكمن شعريتها. فحديثه حول الحبيبة وحول دمشق وتشابيهه كلها مخالفة للذوق العام، إنها من لغة الشارع الذي تشرد فيه الشاعر ردحا من الزمن، ووجد الشعر في كل شيء مرمي هنا وهناك، قد يكون لفافة تبغ أو طفلا مشردا أو امرأة متسكعة، أو ورقة خريف ....
      وقد نوه النقد بهذا النوع من قصيدة النثر ، واعتبر الماغوط أكثر الشعراء حداثة ، وأكثرهم صفاء وإشراقا، لأنه عبر عن تجربته المعيشية كما هي خالية من رقابة مجتمعية توزع الأفعال إلى : يجوز و لا يجوز .
      التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 03-04-2009, 10:35.
      [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
      مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
      http://moutaki.jeeran.com/

      تعليق

      • محمد القاضي
        أديب وكاتب
        • 17-10-2008
        • 505

        #4
        [align=right]أستاذ محمد سلطان

        شكرا على مداخلتك وملاحظتك الهامة...


        واني أتوسم من الأستاذ علي المتقي بأن يأتي لنا بنماذج

        من أشهرالقصائد الفرنسية / العربية ، كنموذج لما طرحه في المقال الرئيسي,

        من قصائد تشكيلية وأخرى فوضوية (قصيدة لكل حالة)

        كما أننا سنكون له شاكرين لو أتى لنا بقصائد كأمثلة لما خلص به في نهاية

        حديثه حيث قال:

        وقد حصرت سوزان برنارد ـ المرجع النظري الوحيد لقصيدة النثر العربية ـ أنواعه التي وظفها الشعر الفرنسي في أربعة أنواع:

        ـ إعادة اللازمة عبر مسافات منتظمة لجعل الثابت محسوسا.
        ـ تكرار بداية الجملة في النهاية لإغلاق القصيدة وتدويرها .
        ـ تكرار الكلمات والانطباعات لاسيما في بداية المقاطع أو نهايتها.
        ـ تكرار الأصوات .

        واني بالنيابة عن نفسي وعن جميع القراء إذ أشكره مقدما على مجهوده

        المتميز وعلى رغبة سعادته في أن تصل المعرفة الى كل من ينشدها بكل

        سرو
        ر.[/align]
        البـنـدقيـة لا تَـقـتـل ، بل العقـل الذي أمرهـا !!







        "محمد القاضي"

        تعليق

        • هادي سعيد
          أديب وكاتب
          • 03-03-2009
          • 362

          #5
          [align=right]الاخوة والاخوات الافاضل

          مع احترامي وتقديري لكل ما كتب وسيكتب من اراء عن قصيدة النثر والتحليلات المتعلقة بها الا انني اود ان اشير هنا الى نقطتين هامتين.
          الاولى: عندما يقرر الشاعر ان يعبر عن مشاعره فهو يختار طريقة التعبير المتاحة والملائمة لفكرته والتي تساعده على ايصال دفقات احاسيسه بصورة ترضيه اولا واساسا وترضي المتلقي ثانيا ونتيجة. لذا نراه يكتبها نثرا فينتج عنها شعرا...او يكتبها شعرا فتخرج نثرا...وهذا ما اجد انا نفسي عليه.

          ثانيا: والشيء الاهم في مواصفات القصيدة النثرية هو اخراجها حسب ذوق وشاعرية وايقاع من قام بنسجها بحيث تصل كل هذه الصفات للقاريء كما ارادها الشاعر ان تصل مقطعة بلحن داخلي خاص بها.......


          تحيتي وتقديري لكم جميعا.....
          هادي[/align]
          التعديل الأخير تم بواسطة هادي سعيد; الساعة 04-04-2009, 06:40.

          تعليق

          • أبو صالح
            أديب وكاتب
            • 22-02-2008
            • 3090

            #6
            بالإضافة إلى ما كتبته في الموقع الأصلي لهذه الدراسة تحت العنوان والرابط التالي

            مفهوم قصيدة النثر أسسه النظرية وخصائصه البنائية

            ظهر مصطلح قصيدة النثر في الأدب العربي في مجلة شعر سنة 1960 للدلالة على شكل تعبيري جديد انتهت إليه الكثير من الأشكال التجريبية التي جربها جيل النصف الأول من القرن العشرين، كالنثر الشعري والشعر المنثور والشعر الحر. ويعد في مرحلته بمثابة الثورة الأخيرة على عمود الشعر العربي في بعده الإيقاعي خاصة. وقد اعتمد كل من أدونيس وأنسي الحاج


            أحب أضيف أنني وجدت بناء على ما نشرته في المواضيع التالية


            هل لغة ثقافتنا ومثقفينا الحاليين لها أي علاقة بلغتنا العربية ؟



            هل نفهم العربية ؟ ولماذا لا نفهمها ؟ وكيف نتجاوز ذلك ؟



            وكأن هناك علاقة طردية بين من لديه الضبابيّة اللغويّة أشد يكون تذوقه لهذا النوع من الأدب أكثر، وكأنه يرتاح له بسبب الغموض المبهم بسبب الضبابيّة اللغويّة فهو يرتاح لهذا النوع في التعبير وفي القراءة ممّا يعوّض نقص الفهم والتعبير لديه؟!!!

            ولا ننسى أن اللغة وسيلة التفكير فأن كان هناك ضبابيّة في اللغة فبالتأكيد تؤدي إلى ضبابيّة في التفكير

            ما رأيكم دام فضلكم؟

            تعليق

            • الدكتور حسام الدين خلاصي
              أديب وكاتب
              • 07-09-2008
              • 4423

              #7
              شكرا على المقال المهم
              [gdwl]الشعر ولدي أحنو عليه ثم أطلقه[/gdwl]

              تعليق

              • علي المتقي
                عضو الملتقى
                • 10-01-2009
                • 602

                #8
                الأستاذ الجليل هادي سعيد : قصيدة النثر شكل من أشكال الكتابة الشعرية عرفه الشعر العربي في بداية الستينيات ، ولم يلغ الأشكال السابقة ، وإنما تعايش معها ،و أثبت وجوده إلى جانبها ، وللشاعر أن يكتب وفق أي شكل من الأشكال ارتاح له ووجد فيه ذاته ، فالقارئ الذي يتذوق الشعر لا يبحث عن الأشكال الأكثر حداثة ، وإنما يبحث عن نص ممتع وجميل ، ولن يكون النص ممتعا وجميلا وصاحبه لا يرى فيه ذاته. غير أن القصيدة لا تندرج ضمن قصيدة النثر مالم تتوفر فيها شروط هذا الشكل الشعري ، كما أنها لا تندرج ضمن قصيدة الشعر العمودي ما لم تخضع للوزن والقافية ، ولا تندرج ضمن الشعر التفعيلي ما لم تخضع للبحور الصافية التي كتب على منوالها شعراء الخمسينيات والستينيات .
                وعندما تحدث أدونيس في أواسط الستينيات عن مفهوم الكتابة ، كان همه تجاوز كل هذه الأشكال ، فقال : ما نحاوله اليوم في مواقف يتجاوز ما بدأته مجلة "شعـر" ويكمله في آن. فلم تعد المسألة هي أن نغير في الدرجة، بل أصبحت المسألة أن نغير في المعنى أو في النوع، لم تعد المسألة اليوم مسألة القصيدة، بل مسألة الكتابة. كنت في شعـر أطمح إلى كتابة قصيدة جديدة، لكن في مواقف أطمح إلى تأسيس كتابة جديدة .
                تحياتي الصادقة
                [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                http://moutaki.jeeran.com/

                تعليق

                • علي المتقي
                  عضو الملتقى
                  • 10-01-2009
                  • 602

                  #9
                  السيد أبو صالح : أهلا وسهلا بكم مرة ثانية ، يا سيدي، اللغة ليست لها وظيفة واحدة قديما ولا حديثا، بل لها وظائف متعددة من بينها الوظيفة المرجعية البيانية التي سميتها ب" وسيلة للتفكير " لكن إلى جانب هذه الوظيفة الأساسية والمحورية، هناك وظائف أخرى حددها ياكوبسن في ست وظائف ، هي الوظيفة المرجعية المرتبطة بالمرجع، والوظيفة التعبيرية المرتبطة بالمرسل، و الوظيفة التأثيرية المرتبطة بالمتلقي ( الإقناع والحجاج)، و الوظيفة اللَّغْوِيَّة ( مثل آلو في التليفون ) ، والوظيفة الميتا لغوية ( لغة النحو التي تصف اللغة) وأخيرا الوظيفة الشعرية التي لا غاية لها إلا جمالية الرسالة في ذاتها ، وهي التي قال عنها سارتر كما سبقت الإشارة : إن الشاعر لا يستخدم الكلمات وإنما يخدمها. وحينما نكون في حضرة الشعر الحداثي، فإننا لانلتفت إلى الكلمات و التراكيب باعتبارها آلية من آليات التواصل والتفكير، وإنما باعتبارها قطعالغوية وموسيقية قابلة للتركيب وفق أشكال تسمح لنا بأن نراها جميلة ،فانظر إلى النص بعين الجمال لا بعين التفكير لتسعد بقراءته .
                  ـ ثانيا لا تبحث عن معنى واحد ووحيد غامض ومبهم موجود في النص لأنك لن تجده، لكن حاول بناء معنى مفترض يحتمله النص .
                  [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                  مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                  http://moutaki.jeeran.com/

                  تعليق

                  • علي المتقي
                    عضو الملتقى
                    • 10-01-2009
                    • 602

                    #10
                    الزميل المحترم السيد حسام الدين : أسعدني تقويمكم للمقال ، دمت وفيا للنقد والإبداع.
                    [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                    مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                    http://moutaki.jeeran.com/

                    تعليق

                    • عبد الرحيم محمود
                      عضو الملتقى
                      • 19-06-2007
                      • 7086

                      #11
                      الإخوة المحترمون
                      يظن بعض الناس أن إلغاء الوزن أي الموسيقا الشعرية هو تحديث
                      ويظن آخرون أن الإغراق في الرمزية الصوفية والمصطلحات
                      والشخصيات الإغريقية ، والأساطير ، هو نوع من إحداث الدهشة
                      وإشعار القارئ بقصر قامته أمامهم .
                      ويظن آخرون وهم الأخطر والأشد إفلاسا أن الهرطقة ، والانفلات
                      من مسلمات العقيدة هو غاية الرقي ، فهم يكتبون بلا أي وازع من
                      خلق ولا دين ولا احترام للموروث من القيم المعروفة اجتماعيا .
                      ورأيي أن قصيدة النثر تدل على ما يلي :
                      - عجز كاتبها عن توصيل فكره بقدرته على التعايش مع موسيقا
                      الشعر الذي لا أعتبره قيدا وإنما فضاء متسعا ، اتساع الكون لكنهم
                      لا يرون في غير عدم قدرتهم إلا قدرة وإبداعا .
                      - الرمزية الموغلة في العتمة ، والتشفير ، والطلسمة ، تلك عوامل
                      اسعلائية من كاتبي تلك النصوص بغير حق ، فالنص يقاس بقدرر
                      ما يمكن الإفادة منه لتصحيح معوج أو فتح أفق جديد ، أو إنارة
                      مظلم ، والعكس هو ما يحصل عند شعراء التعقيد ، فيخرج المثقف
                      لا المواطن العادي كما دخل ، لا بل وربما تساءل الداخل في نفسه
                      وقال : لــِـم َ لا يتم ترجمة النص من الظلمة للنور ، ومن اللاشيء
                      لشيء ، ومن السير في محاق القمر للسير والإبحار تحت ضور الشمس .
                      - الاستعلائية في معرفة بعض الرموز الإغريقية تجعل القاريء مصدوما
                      وشاعرا بحاجته للعزوف عن المتابعة ، ولا يعتبر شعراء الوضوح غير
                      قاردين على سريلة نصوصهم ، وجعلها غاية في الإغراقية التصوفية
                      الرمزية ويضعون ضمنها كل أسماء سيزيف وباخوس واليكترا ...الخ
                      فماذا يفيد ذلك الحركة الأدبية .
                      - تمتاز قصيدة النثر بقصر عمرها ، فبعد قراءتها وانبهار عدم الفاهمين
                      للنص وما أراد النـّـاص ، تذهب أدراج الرياح ولا يعود يتذكر أحد منها
                      شيئا ، ولا يحفظ منه سطرا ، ولا تضيف للثقافة الإنسانية ، والعربية
                      سوى العتمة والسير بعكس الفهم .
                      - من هذا كله أرى أن على الشاعر أن ينوع ، وألا يقول هذا ولا غير
                      دع الناس يعبرون عن أنفسهم ، لكن لا يكون التعقيد والطلسمة هي هدف
                      مسبق يقصد إليسه قصدا .
                      احترامي لصاحب النص الجميل ، وللناقل وللإخوة جميعا .
                      نثرت حروفي بياض الورق
                      فذاب فؤادي وفيك احترق
                      فأنت الحنان وأنت الأمان
                      وأنت السعادة فوق الشفق​

                      تعليق

                      • علي المتقي
                        عضو الملتقى
                        • 10-01-2009
                        • 602

                        #12
                        الأستاذ المحترم السيد محمد القاضي : رجعت إلى نصوص شعرية فرنسية لأستشهد بها على القضايا النظرية التي أثارتها السيدة سوزان برنارد وبعدها أدونيس وأنسي الحاج ، لكن الترجمات التي وجدتها لهذه النصوص لم تقنعني ، ومع ذلك سأستشهد ببعضها ، وأعتمد على النصوص العربية بشكل خاص لأن الترجمة حتى ولو كانت علمية تفقد النص الشعري الكثير من خصائصه .
                        و سأقتصر في هذا الرد على القصيدة الفوضوية :
                        إن السيدة سوزان برنارد ترى في إشراقات أرتور رامبو القصيدة الفوضوية بامتياز تقول : تثيرنا القراءات الأولى لهذا النثر ( ديوان إشراقات) الذي لم يكن يشبه أي نثر آخر ، والذي يدهشنا للوهلة الأولى بمظهره المشوش المحير لنفس اعتادت على القواعد القديمة للعبة الأدبية .
                        ( ...) إن رامبو يقدم ما لاشكل له بصورة إرادية تماما كما سبق أن قال في خطاب الرائي ، ويجعل من الفوضوية مبدأ جماليا . وقد قلت فيما سبق أن هذه الفوضوية كانت جزءا من مزاجه وطريقته كلها في الوجود ، وسترى أنها ستصل في عمله الشعري إلى حد رفض لا القوانين الفنية المقبولة بشكل عام فحسب ، بل ايضا الترابط البسيط لكل ما قد يبدو تشكيلا ، وذلك حقيقي ايضا فيما يتعلق بتنظيم ( وبالأحرى بعدم تنظيم) الديوان، وبالبنية المفتوحة لكل قصيدة ،التي تكشف نزوحا نحو اللامحدد، وهو النزوع نفسه الذي نجده في قطْع الجمل ،هنا يكمن النصف الفوضوي و الهدام في عبقرية رامبو الذي يفجر كل الأطر ، بتأثير نزعة تحررية لتقدمَ إلى الأذهان آفاقا مجهولة ،( النصف الآخر ، الذي يأتي ليكمل ذلك يقدم لنا الوجه الآخر من العملة بشكل ما ، إنه الجانب الخلاق البناء الذي سنتانوله فيما بعد ."
                        إن رامبو على خلاف بودلير الذي يمكن اعتبار نصوصه
                        قصيدة نثر ذات شكل معين يعتبر قصيدة النثر شكلا مفتوحا يقبل أنواعا وطرائق تعبير بالغة التنوع .
                        وقد استشهدت سوزان برنارد بهاذا المقطع من قصيدة طفولة 3
                        [align=center]في الغابة عصفور، يستوقفكم غناؤه ويجعلكم تحمرون خجلا .
                        هناك ساعة حائط لاتدق .
                        هناك مستنقع بِعُشِّ دواب بيضاء
                        هناك كاتدرائية تهبط وبحيرة تصعد...[/align]

                        تقول سوزان معلقة على هذا المقطع : والسياق الناقص هنا هو السياق المنطقي الذي يسمح بالحديث عن تتابع الأفكار ، فكل ما يشبه التكوين الخطي يثير كراهية رامبو . وحتى عندما نظن أنه يتخذ من مشهد حقيقي موضوعا له ، فإنه يلجأ إلى لمسات منفصلة ، وهذا القطع يعطي الانطباع بالتنافر ، ويُصعّب من فهم القصيدة ، حتى بالنسبة للقارئ الحديث ، الذي عوده خلفاء رامبو على تقنية التحاور هذه .
                        الوجه الثاني من شعر رامبو هو الوجه الخلاق والبناء ويتجسد حسب برنارد دائما في ما يلي :
                        ـ فائض الحياة والثراء و الحيوية المذهلة ، فإذا ما قارنا إبداعاته للمشاهد الطبيعية بإبداعات كتاب سابقين بودلير مثلا رأينا أنه بدلا من الاستمتاع بحلم جمال منتظم ثابت ...فإنه ينادي جميع أشكال الوجود ، لا ينفي شيئا ، ولا يختارشيئا ، إنه لا يبني بالإلغاء ، بل بالترحيب بأكبر قدر من العناصر الممكنة وبكل الأزمنة وبكل الأمكنة .
                        السمة الأولى للعالم الرامبوي إذن حسب سوزان برنارد هي رحابته الرائعة ، وهي نتيجة لفوضويته المتحررة من الزمان والمكان ، ومن كل ما يحدد ، يمكن للروح الشعرية أن تنطلق عبر أثير بلا تخوم ، وتحتضن الكواكب في امتدادها وتطورها ـ أن تلتقط الجمال في أشكاله الأكثر مفاجأة ، والأكثر عنفا . (يتبع )
                        المرجع : كتاب سوزان برنارد قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا ترجمة راوية صادق ومراجعة رفعت سلام .
                        [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                        مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                        http://moutaki.jeeran.com/

                        تعليق

                        • علي المتقي
                          عضو الملتقى
                          • 10-01-2009
                          • 602

                          #13
                          الأستاذ الجليل السيد عبد الرحيم محمود، جزيل شكري لكلمتكم الطيبة واحترامي الكامل لرأيكم، الذي لايختلف عن الكثير من آراء شعراء كبار كمحمود درويش ونزار قباني وأحمد المجاطي ... ممن لم يرق لهم هذاالشكل الشعري، ولم يكتبوا على منواله .
                          ولا أخفيكم سرا أنني أنا أيضا أحب الشعر القديم وشعر التفعيلة أكثر ، وأحفظ منه الشيء الكثير ، ولا أحفظ من قصيدة النثر إلا القليل من النصوص . لكن هذا لا يعني أن هذا الشكل الشعري لا يتضمن نصوصا تستحق القراءة وتستحق الاحتفاء بها ، ويتضمن في الآن نفسه نصوصا بائرة لا تجد من يهتم بها . فالنص إما أن يكون إبداعا أولا يكون .
                          وحتى ولو أردنا محق هذا الشكل الشعري اليوم من الساحة الثقافية العربية ، فإننا لن نستطيع إلى ذلك سبيلا بعد خمسين سنة من التأسيس والتأصيل و التنظير والكتابة ، خصوصا وأن شعراءه العالميين يتربعون على عرش الإبداع بلا منازع ، فلا يستطيع أحد اليوم أن ينفي الشعرية عن بودلير أو رامبو أو لوتريامون ، كما لن نستطيع ولو شئنا أن نمحو أدونيس وأنسي الحاج ومحمد بنيس وتوفيق الصايغ وصلاح استيتة ورفعت سلام وعبد النعم رمضان... من لائحة الشعراء المعاصرين ، ولن نستطيع أن نمنع تدريسهم بإعجاب في جامعتنا العربية .
                          ستستمر إذن قصيدة النثر خصوصا مع الجيل الجديد الذي لم يكلف نفسه عناء معرفة قواعد علم العروض والقافية، ولا معرفة أشكال القصيدة التفعيلية ،لكن بالتأكيد ستكون النصوص الجميلة التي تشد إليها الأنظار والقلوب قبل شد العقول قليلة وقليلة جدا .
                          تقديري واحترامي
                          التعديل الأخير تم بواسطة علي المتقي; الساعة 05-04-2009, 20:10.
                          [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                          مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                          http://moutaki.jeeran.com/

                          تعليق

                          • علي المتقي
                            عضو الملتقى
                            • 10-01-2009
                            • 602

                            #14
                            تابع
                            الخاصية الثانية لشعر رامبو : أنه يختزل الزمن كله ، زمن الإنسانية كلها في لمحة واحدة : " ألمانيا تستعد للأقمار، الصحاري التترية تستنير ، والتمردات القديمة تصطخب في قلب الإمبراطورية السماوية "
                            ـ الخاصية الثالثة : إن التركيب الشعري عند رامبو ليس خطيا وتعاقبيا ، و إنما هو تراكمي . إنه نوع من البلورة التي تجتذب ـ حول النواة الأساسية ـ عددا من العناصر.ففي قصيدة بعد الطوفان مثلا نجد أن النواة الأساسية هي كلمة طوفان في كل تعقيداتها الخاصة بالتلقي : معنى ميتافيزيقي (موضوع الماء والجريان الذي نراه يمتد من خلال استدعاء البحر والدم واللبن ..) ومعنى أخلاقي (الذي يحاول فيه الساحر المبتدئ ترتيل تعاويذ لتطهير كبير جديد :
                            فلتنبجس أيها المستنقع و لتتدحرج أيها الزبد على الجسر وفوق الغابة ، أيتها الملاءات السوداء و الأراغن ، يابروق ويا رعود انهضي وتدحرجي ـ أيتها المياه والأحزان ، تصاعدي و أكملي الطوفانات .
                            المرجع السابق أعلاه بتصرف
                            [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                            مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                            http://moutaki.jeeran.com/

                            تعليق

                            • عبد الحفيظ بن جلولي
                              أديب وكاتب
                              • 23-01-2009
                              • 304

                              #15
                              الاستاذين المحترمين علي المتقي ومحمد القاضي:
                              تحية طيبة وبعد،،
                              شكرا للاستاد محمد القاضي على ان وجه الانظار الى دراسة الاستاد المحترم علي المتقي، لانها اضاءت جوانبا عدة في ما يتعلق بقصيدة النثر، وعليه اغفرا لي وتقبلا مني تطفلي ومحاولة تناولي قصيدة النثر من زاوية اخرى ودمتم مميزين.

                              قصيدة النثر
                              معطيات الشكل وضرورة التغيير
                              عبد الحفيظ بن جلولي.
                              يعتمد الإبداع الشعري في عمومه كمنجز تجديدي، على التجربة التي يخوض فيها الشاعر وتمييزه للمعالم الموضوعية التي يتلقفها التنظير، محاولا اجتياز الشكل إلى التقعيد الذي ينظم التجربة ويجعلها قابلة لتكريس "الإنتاجية النصية" بتعبير جوليا كريستيفا، وهو ما نلمسه من خلال مقاربة التجربة الأوربية فيما يتعلق بقصيدة النثر، فلقد شهدت ميلاد شكلها ألانزياحي عن ما سبقها على يد بودلير ثم نظّرت لها سوزان بيرنار، بعد ذلك أسست لنفسها منهجا أتاح للأجيال بعد بودلير ان تعبّر عن كينونتها داخل الشكل الذي أتاح لمنجزها الانخلاق وفق معطيات اللحظة الشعرية الزاحمة وتهيؤ الذات المقولي.
                              قصيدة النثر بين التجربة والاصول:
                              ان التجربة العربية في مجال قصيدة النثر لم تنبني تبعا لمعطيات الواقع الإبداعي المحصور ما بين ثنائيتي التجربة والتنظير، بل راحت تتأسس داخل بنى انفصالية تكرّس المنحى التفاضلي بين الأشكال داخل جنس الكتابة الشعرية، حيث ما حدث مؤخرا في ملتقى الشعر بالقاهرة من إقصاء لشعراء قصيدة النثر، يبيّن بوضوح تعامل الإبداع مع مواضعات التعبير وفق منطق الانتقاء الذي ينحدر بالفن إلى مستوى الايديولوجيا، فيفقد بذلك الإبداع بداهة التعاطي معه بمنظور التراكم ألتنظيري الداعم للإبداعية، ويتحول الصراع من ايجابية الخلق إلى انطوائية المركز.
                              التجربة الشعرية العربية في مجال قصيدة النثر تطرح إشكالا آخر يتمثل في جدليتي القطيعة والتواصل مع المنجز الشعري العربي التاريخي المتمثل في القصيدة العمودية، حيث يقف العقل الشعري عند حدّي المعادلة، فإما قطيعة وبالتالي الإبداع من فراغ وهو ما لا يستسيغه واقع "الإنتاجية النصية"، وإما تواصل مع رفض الشكل التعبيري الجديد، ويبدو لي أن التواصل لا يعني بالضرورة تمثل النموذج في تمام شكله، بل استحضاره بما يتوافق وسياق الاطلاع وهضم معطيات المنجز الشعري العربي، فقصيدة النثر في سياق التواصل لا تعني إعادة إنتاج التجربة، بل الأهم تجاوزها داخل الإطار الجمعي الذي يحكم أصول الصنعة متمئلا في الشعرية، لان كل واقع ذاتي أو تجربة مع العالم والآخر، تحتم طريقة انكتابها، ومن هذا الباب يمكن أن نفسر المقولة الدارجة في الوعي الشعري من أن القصيدة تكتب الشاعر.
                              وقد راح محي الدين اللاذقاني في كتابه "آباء الحداثة العربية"، يفتش في الثرات عن أصول لقصيدة النثر، وتوصل إلى نموذج في طواسين الحلاج يمثل "الإرهاصات الأولى لقصيدة تتململ داخل قيدها الفراهيدي وتحاول أن تخلق شكلا تعبيريا جديدا.."، ويمكن أن نفهم من كلمة تتململ، أن القصيدة بشكلها التعبيري وشرطها التاريخي لم تكن انزياحا الغائيا لما سبقها، ولكن كانت تمثلا استحضاريا بدلالة عدم قدرتها على الانفكاك من ترسبات التجربة الشعرية الغنية بمعمارها وتراكيبها الفنية واشتغالاتها العروضيية والإيقاعية واللغوية، التي جعلت منها نموذجا فريدا غطّى على التجارب الأخرى وشكّل اتجاها جوهريا يصعب تجاوزه، ومن حيث هذا الجانب ألانجازي في صرح القصيدة العمودية، نجد أن التجارب الشعرية على مرّ التاريخ الثقافي العربي كانت عرضة لمثل هذا الانخطاف نحو المساس ببناء القصيدة، كما حدث عند ابن الرومي في ثورته على التركيز، وثورة أبي تمام على الاستعارة، وثورة المتنبي على كثير من الدقة اللغوية والنحوية كما يذكر إحسان عباس في كتابه "فن الشعر".
                              التجديد النثراني/قصيدة الحداثة:
                              إن هذه المحاولات التي سارت على درب التجديد في القصيدة العربية، والسير بها صوب أفق يستجيب للحظة الشعرية الموسومة بالمزاحمة المقولية وكيفية التخلص منها كفيض وجداني تأملي وليس كزوائد مزعجة، يخوّل للفهم أن يقرأ "قصيدة النثر كخلاصة غير نهائية لمكابدات فنية ووجودية هي فرصة الشعر العربي لقراءة جدلية أعمق لمعنى وكنه الشعر." حسب رؤية محمد العباس في كتابه "ضد الذاكرة".
                              فقصيدة النثر لا تنفك تعبر عن منحى حداثي خلقي واستجلابي لكافة أدواته التي تتوافق طبيعتها مع طبيعته التعبيرية والانكتابية، وتماهي الطبيعتين في اندراج اجتماعي معين يخضع للشرط الانقلابي في كافة مناحيه، ومن هذا المنطلق نجد كونية الشرط التعبيري الملازم لجدل التغيير، يرتبط بتوالدات اللحظة الحضارية، فالشاعر الاسباني غارثيا مونتيرو، يعزو التغيير في البنيات التعبيرية إلى مفهوم السرعة الذي حتما ينعكس على الذات منجزا تلمّسه للمتاح الاستفزازي في لا عادي اللحظة الزمنية، بمعنى شدّ قصيدة النثر إلى "عمق التجربة الاجتماعية، وربطها بمتواليات ورموز الفعل الاجتماعي الجديد، كحاضن مادي لمتواليات الظاهرة" كما يرى محمد العباس، وما التكثيف والرمز إلا نتاجات لعملية منخرطة في كون العلامات الذي يحكم سيرورة المعيش ويؤهّل شروط انوجاده، بمعنى أن قصيدة العمود في جانبها المعماري، تتمظهر بالفراغ الذي يفصل شطري البيت، وكأنه عمود يشد قوام القصيدة، ولعله يعبّر عن بنية الفراغ المشكل لمحيط الشاعر المتمثل في فضاء الصحراء الشاسع، وبالتالي يمكن بناءً على هده الفرضية أن تكون قصيدة النثر المكثفة من حيث الشكل والمضمون انعكاسا بنيويا لعمق نفسي لا ينفصل عن شرطه الوجودي في العالم او "الدازاين" بتعبير هايدجر.
                              لقد رفض أبو نواس الربط بين القصيدة والبداية الطللية، بما يمكن أن يفتح النقاش واسعا حول ضرورات الانتباه إلى المساءلات المباغتة لكمالات الوضع الشعري، فالشعر تجربة جمالية تستجيب فقط لطقسها الشعوري وعندما نكف عن شعور الشعر، فإننا بلا شك سوف نعدم المسافات الجمالية التي تورطنا في متاهات العالم المتأهبة دوما للتحمّل، ولهذا يعتقد بورخس "أن الشعر شيء يشعره المرء"، وكان يعلّم الشعر بوصفه بروفسورا "معتمدا على الحدث الجمالي" كما يخبرنا في كتابه سبع ليال.
                              نظام الشعر/ شروط القصيدة:
                              بالضرورة تخضع قصيدة النثر لشروط وأنظمة لتخرج وفق المنهج التنظيري المنتج لنمودجها، إلا أن الكتابة الشعرية لا يمكن أن تخضع في كليتها لذات الشروط والقوانين التي تنبني عليها قصيدة النثر، والحال هذه، كونها أسست لنفسها منهجا تكسيريا انبنى على إلغاء نظام القافية والبيت، فلقد اوجدت بذلك أسسا أخرى تجترح التجربة في أبعاد ترفض الإذعان لمنطق مستتب ومستقر، فكان الغموض من أهم المعطيات التي استفادت منها بنية قصيدة النثر، والغموض بخضوعه لشروط الانوجاد الراهن، ينتسب في طبيعته لما ألفه بعض الشعراء المعاصرين في شعرية الأقدمين، حيث نجد ادونيس في "زمن الشعر" يعرض جملة مميزات لاتجاه أبو تمام في الشعر، ويذكر منها المعنى غير المألوف والغموض والصورة الشعرية غير المألوفة ونقل اللفظ عن معناه المعروف، ويعتبر أن هذه الطريقة هي خروج عن عمود الشعر وليست خروجا عن الشعر، ومعروف في تاريخ الشعر العربي أن هناك من الشعراء من حاول ابتكار أوزان جديدة كابي العتاهية، وقال قولته المشهورة "أنا اكبر من العروض"، ومنهم من حاول الخروج على نظام القافية الواحدة، فأنتج قصائدا سميت المزدوجات كبشار بن برد.
                              المستفاد مما سبق يؤكد عملية الإبداع داخل الإطار الذي يجمع الثقافة الواحدة دون أن يكون ذلك ضربا من ضروب الاقتصار على ذات الشكل، فالنمط التعبيري يحفّز الذات على إنتاج طرقها التعبيرية الخالصة من أي تابعية شكلية، وأدوات المنهج ألتفكيكي تقدم التبرير المنطقي لافتكاك الشكل المتاح في أفق الفيض المقولي (الكتابة)، حيث يرى جاك دريدا أن التفكيك لا ينبغي أن نفهمه "بالمعنى الذي يفيد الانحلال أو الهدم بل تحليل البنى المترسبة التي تشكل العنصر الخطابي أو الخطابية الفلسفية التي نفكر داخلها"، وبهذا المفهوم لا نفسر إنتاج قصيدة النقد على أساس انه بناء على أنقاض قصيدة العمود بل هو انطلاق من تجلياتها التي لا يمكن أن ينفك المثقف العربي من إسار جمالياتها، وذلك الأثر هو المفعّل لمؤسسة الإنتاج الذاتية على إبداع متوافقها الجمالي الخاص، فلا يمكن أن نبدع خارج مكوّنات ثقافتنا الجينية، وهو المراد من تفكيكية دريدا التي تزاول عملها من خلال المنظومة التي نفكر داخلها.
                              إن جدل الغموض ليس مقصودا في ذاته، وإنما يُلامس ليفنّدا أقاويل الإلغاء والمصادرة على حق الآخر في استبطان التجربة الذاتية عبر سواقي يسري فيها الماء بخرير مغاير للمألوف، حينها يُوظَّف كآلية للإفصاح غير المباشر عن منحى ذاتي عميق، قد يكون من المفردات البديهية لدى من لا تحركه طعنة الشعر الباعثة على الحياة.
                              ينطلق ادونيس في "زمن الشعر" من مفاتيح أساسية تناقش بعمق ماهية الغموض عندما لا يتحول إلى مجرد ترف فكري أو إبداعي، المراد منه تمييع مفهومه، وتسريبه كأداة هدمية تستخدم في الصراع الذي ينحو بالكتابة الشعرية إلى مدارك الفتات ألمقولي المنجَز عند أبواب الاسترزاق الشكلي المدمّر للخلق والتجاوز، فهو يرى بأن إدانة الغموض هي تبجيل للوضوح، ثم يفصل في هذا الجدل انطلاقا من قيمة الشعر بالنسبة للإنسان، فان كان همّا من هموم الذات الأساسية، فالغموض ليس بذاته نقصا والوضوح ليس بذاته كمالا، كما أن ذم الغموض لا يتجه إلى تجربة بذاتها، ولكن يشمل كل الشعر الحديث وهو ما لا يستقيم مع معطيات البحث، لان الشعر الحديث يتضمن مستويات متعددة للتجربة، أيضا عندما نقول عن شاعر بأنه حديث أي أن بينه وبين الشعر القديم فرق، يحصره ادونيس في تبدلات الواقع الذي كان يَسِمُه الوضوح والبساطة قديما، والذي أصبح يركبه التعقيد والتطور حديثا، مما زلزل قناعات الشاعر الحديث، فتشكلت التجربة في رحم القصيدة الحالة التي تقدم للقارئ "فضاء من الأخيلة والصور ومن الانفعالات وتداعياتها".
                              العقل الشعري والنص:
                              يبدو لي أن الحالة التي يعاني منها العقل العربي تتمثل في إهمال حقيقة النص، وعدم تصنيفه ضمن مخطط المستويات التفكيرية، وبالتالي تتحكم في أولوياته النظرة التفضيلية التي تعطي الأسبقية للنص العلمي، بينما النظرة الغربية عندما أسّست لما يعرف بالنص المتعالق ((hypertexte، لم تخصص النوع، ولهذا فان لتجاور النصوص أهميتها في إبداعية العقل الشعري، وهو ما يفسر قدرة العقل على الانتقال بين حقول المعرفة المختلفة، ولهذا أيضا كان العقل الموسوعي، فالعقل الشعري كما يرى ريشاردز في ما كتبه عن "كولردج والخيال" ونقلا عن "ألن تيت"، "في لحظات ..يوفق إلى نظرة نافذة إلى قلب الحقيقة، فيقرأ الطبيعة رمزا لشيء وراءها، أو شيء داخل الطبيعة لا ينكشف بالشكل العادي."
                              إن الإشكال المطروح في جوهره لا يتعلق بالشكل التعبيري، بقدر ما يكشف عن خلل بنيوي لا يقارب النص من حيث هو بنية دالة منتجة لأثرها، لكن على العكس من ذلك يجازف العقل العربي داخل بوتقة تبئّر الاستخفاف بالثقافي وتنفر من مغامرة الانقداف في محيط الخلق الثقافي الذي يبتكر آلياته من ذات مفردات النص المتاح المعرّف على مشارف التفاعلية المنتجة، لهذا فالجدل يتورط أساسا في النظر إلى النص من حيث تمظهره الواقعي وليس من حيث كيفية إنتاجيته، ومن هذه الزاوية نقع على رؤيتين لمعالجة النص:
                              رؤية تحتفي بالنص من حيث ان كل نص يمتلك جمالية خاصة تتمثل في جمالية انخلاقه، ورؤية أخرى تزدري النص لفقدانها معيارية القيمة التي يمثلها المنتج النصي.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X