فيف لاكلاس/الواحد والثلاثون/ منيرة الفهري

تقليص
This topic has been answered.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • منيره الفهري
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة الهويمل أبو فهد مشاهدة المشاركة
    في الحرب والغرام تساوت الأفهام والأوهام
    All’s fair in love and war (John Lyly- 1578)


    رغم أننا عايشنا فاطمة من بداية فصول الرواية، إلا أن الجزء "التاسع والعشرون" هو فصلها بامتياز،
    وكانت بدايته في نهاية الفصل السابق حين سلمت بطل أحلامها الرسالة. وابتدأ الفصل اليوم لتتبدل الأدوار:
    إذ جاءها بطلها ليسلمها رسالة. وبين الرسالتين كانت هناك معركة ورسالة أكثر سرية وأهم، عكستها لنا
    فاطمة في مرآة لتصبح فاطمة نفسها صورة جلية:

    نظرت فاطمة في المرآة الصغيرة المعلقة في المطبخ الصغير ذي الباب الأصفر العجيب.
    كانت آخر مرة مسكَتْها عندما طلب منها سي الطاهر أن تناوله إيّاها من أسبوعين ، فهو
    يستعملها للحلاقة و لا تذكُر أنّ أهل الدار يستعملونها لأيّ شيء آخر
    .


    نظرت فيها لتتأمل تقاسيم وجهها و ابتسمت، فقد تفطنت إلى جمال لم تره من قبل، و أنزلت
    المرآة قليلا حتى تتمكن من رؤية باقي جسدها. احمرّ وجهها و هي ترى أنها نضجت و أنها
    أصبحت تشبه قليلا الخالة غالية إلا أن فاطمة كانت ممتلئة و نضِرة
    .


    بعد هذا المشهد الرومانسي الهائم وحديثها لنفسها عن بطلها وأوهامها ومقارنتها نفسها بالخالة غالية، جاء كسر
    هذا الخيال االمجنح بعبارة مبتذله عادية في سياق يومي محلي: إذ جاءت غالية فجأة
    "وهي تحمل خبز الفرن الساخن
    الذي أعدته لِلتّو, لتضعه على المائدة"
    ، لتقول
    على غفلة من فاطمة: "أعيدي المرآة مكانها قد تكسرينها."! هنا، بين
    عالم خيال فاطمة (ومعها القارئ) ومشهد الوضع العادي (قول غالية وما تحمله) يعود القارئ مع فاطمة إلى الوضع
    اليومي المحلي. خسرت فاطمة معركتها وضحك القارئ إذ عاد المشهد مع فاطمة نفسها سريعا إلى رتابة الحياة
    اليومية المحلية:

    ارتبكت فاطمة و علّقت المرآة في الركن المخصص لها. وضعت القدر الصغير و صحنا على
    المائدة و حملتها إلى الغرفة الوحيدة التي تجمّع فيها الأطفال لطعام العشاء
    .

    لكن فاطمة لم تعد مع عودة المشهد وان عادت جسديا، بل بقيت ذهنيا تعاني بين عالم الخيال وحقيقة الواقع، فقد
    أصابها "العشق" الذي يحدّه الجاحظ بأنه "داءٌ يصيب الرُّوح ويشتمل على الجسم بالمجاورة"! لا عجب إذن ألاّ
    تُقْبل على العشاء، بل "كانت شاردة صامتة منقبضة الصدر
    " لا تفكر إلاّ بـ"سيّدها وما يحصل له"! وما هي إلاّ
    لحظة ويأتي سيدها فجأة كما ظهر فجأة لها في الجبل وأكتمل تبادل الأدوار وقد رآها بثوبها الأحمر.

    وأظنّه غض البصر وانطلق سريعا كما فعلت هي من قبل، ليوافق شنٌ طبقة!
    الناقد الكبير الأستاذ الجليل
    الهويمل أبو فهد
    أسعد كثيرااا بقراءاتك التي انتظرها دائما
    فشكرااا من القلب
    و الرحلة متواصلة و سأنشر عن قريب الجزء الموالي
    تحياتي الصادقة سيدي.

    اترك تعليق:


  • منيره الفهري
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة المختار محمد الدرعي مشاهدة المشاركة
    فقرة تخبرنا أن النضال ضد المستعمر لا يعني شهداء و جرحى و عيش في الأدغال فقط و إنما هو كذلك أعراس و أفراح و قصص حب.. فها هو حب ذلك الوسيم البطل يطرق باب قلب فاطمة في أوج الحرب و هاهي محبوبة تستعد لزفاف إبنة أخيهاعلى غفلة من المحتل.. هكذا تختلط قصص الحب و النضال بالدم.. دمت على إبداع أختنا المنيرة نتابعك بشغف تحياتي
    أخي الفاضل الأديب المترجم
    المختار محمد الدرعي
    شكرا من القلب لمتابعتك للرواية
    و أعتذر عن التأخر في الرد لظروف طارئة
    تحياتي و كل الامتنان أخي مختار.

    اترك تعليق:


  • محمد فهمي يوسف
    رد
    تدقيق لغوي ورد /

    المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
    فيف لاكلاس
    Vive la classe
    رواية
    بقلم

    منيرة الفهري

    التاسع و العشرون

    السابق
    - عمي عمر لقد نجحت, نجحت.
    قالت فاطمة هذا و هي تدخل السقيفة و تتجه صوبا إلى مكان عمي عمر الذي وجدته يتناول طعام العشاء. ابتسم العم عمر و أراد أن يقول شيئا لو لم يكن فمه ممتلئا، و لم تترك له فاطمة الفرصة فقد اتجهت مسرعة نحو الحوش ثم البيت الكبير لتجد غالية تنتظرها على أحرّ من الجمر.

    التاسع و العشرون

    نظرت فاطمة في المرآة الصغيرة المعلقة في المطبخ الصغير ذي الباب الأصفر العجيب. كانت آخر مرة مسكَتْها عندما طلب منها سي الطاهر أن تناوله إيّاها من أسبوعين ، فهو يستعملها للحلاقة و لا تذكُر أنّ أهل الدار يستعملونها لأيّ شيء آخر.
    نظرت فيها لتتأمل تقاسيم وجهها و ابتسمت، فقد تفطنت إلى جمال لم تره من قبل، و أنزلت المرآة قليلا حتى تتمكن من رؤية باقي جسدها. احمرّ وجهها و هي ترى أنها نضجت و أنها أصبحت تشبه قليلا الخالة غالية إلا أن فاطمة كانت ممتلئة و نضِرة.
    "الوسيم البطل"..همستْ لنفسها: هل تراه يذكرها؟ هل تراه نظر إليها و هو يأخذ منها الرسالة؟ هي لا تذكر, فقد كان تبادل الرسالة و العودة إلى القرية سريعا.
    "أعيدي المرآة مكانها قد تكسرينها". قالت الخالة غالية و هي تحمل خبز الفرن الساخن الذي أعدته لِلتّو, لتضعه على المائدة.
    ارتبكت فاطمة و علّقت المرآة في الركن المخصص لها. وضعت القدر الصغير و صحنا على المائدة و حملتها إلى الغرفة الوحيدة التي تجمّع فيها الأطفال لطعام العشاء. لم تكن فاطمة ملهوفة كعادتها على الأكل. فقد كانت شاردة صامتة منقبضة الصدر. انتبهت غالية لذلك فسألتها: مالك يا ابنتي؟ أتشكين من شيء؟ جاء صوت فاطمة حزينا ضعيفا: "لا لا أنا بخير فقط أفكّر في "سِيدي" و ما يحصل له."
    ضمّتها غالية إليها و اغرورقت عيناها بالدموع.
    أمّي, أمّي, "عمّي عمر" ينادي
    فعلا فقد كان صوت عمّي عمر, كما انتبهت لذلك خديجة.
    كانت فاطمة هي من تقضي حاجياته في غالب الأحيان. اتجهت إليه البنت مسرعة فإذا به يُعلمها أن هناك من يطرق باب السقيفة. فتحت البنت الباب فكاد أن يغمى عليها: احمرّ وجهها , ارتعشت يداها , خفق قلبها و أحست بدوار خفيف و هي ترى الوسيم البطل أمامها.( هكذا سمته)
    الحمد لله أنه لم ينتبه لكل ذلك. و في صمت أعطى رسالة لفاطمة و أوصاها أن توصلها للحكيم و عاد أدراجه من حيث أتى. ليت الزمان توقّف و هي تستقبله عند الباب,ليته بقي قليلا, ليته يعود ليقول شيئا, ليقول إنه نسيَ شيئا. تركت الباب مفتوحا و هي تنتظر علّه يعود لكنه لم يأتِ. أغلقت الباب و هي تشعر بخيبة أمل. ثم و بحركة لا إرادية ألقت نظرة على لباسها و سعدتْ كثيرا عندما وجدت أنها ترتدي الفستان الأحمر المفضّل لديها و أنها تبدو فيه جميلة فاتنة.
    جاءت غالية تستطلع الأمر. و في الحين أمرت فاطمة أن تذهب لبيت الخالة محبوبة لتؤدي الأمانة لسي الطاهر إذ يبدو أنّ الأمر مستعجل.
    لم يغمض لفاطمة جفن تلك الليلة، فقد كان خيال الوسيم البطل يحاصرها. تتقلب في مضجعها و تطلق الزفرات المكتومة.
    أتراه أحسّ بها؟ أتراه رأى وجهها الصبوح؟ (هكذا أخبرتها المرآة الصغيرة ), و فستانها المفضل الذي يُبدي مفاتنها، أتراه انتبه له؟ كان قلبها منشرحا و هي تتفرس في وجهه المشرق و قد زاده خيالها إشراقا. كانت تحس بألم جميل و هي تسترجع صورته في الجبل و أمام باب السقيفة.
    لا تدري فاطمة أنامت تلك الليلة أم لم تنم فقد انتبهت على صوت غالية يوقظها.

    "باركي لي يا غالية فَغَدًا عرس حياة."
    كان باب السقيفة مفتوحا على غير العادة و قد دخلت الخالة محبوبة و هي تزف الخبر. ضحكت فاطمة و قالت : صباح الخير ياخالة. ماذا؟ كلنا نعرف أنّ حياة رحمها الله فماذا تقولين؟
    جلست محبوبة على ركن من دكان المطبخ بجانب غالية و قالت في همس: قصدتُ أنّ ابنة أخي التي تسكن القرية المجاورة ستُزَفّ لِعريسها من بيتي غدا مساء.
    فكوني معي و سأقول لكل الجيران.
    لم تعلّق فاطمة و لكن غالية سألت الخالة محبوبة عن سبب هذا العرس المفاجئ، و لماذا اختارت هذا التوقيت بالذات .و سي الطاهر و الطبيب اللذان يلوذان في بيت الخالة محبوبة، ما مصيرهما؟
    ردّت محبوبة متجاهلة السؤال الأخير: إن ابنة أخيها يتيمة الأم و قد أرادت أن تعوّضَها ذلك اليتم في يوم فرحها و تقوم بالواجب و تزفها من بيتها.
    لم ينطل كل هذا على غالية و لا على فاطمة و فهمتا أنّ في الأمر سرّا ستكشفه الأيام.


    يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

    الأخت الأستاذة منيرة الفهري
    القاريء الفاضل المحب للغة العربية ،
    اقرأ وتمتع وثق أنك ستجد الدقة والرقة والحرف الذكي الذي يشدك إلى المتابعة .
    تعقيب برؤية لبعض الكلمات القليلة في الفصل التاسع والعشرين من الرواية البطولية التونسية وأحداثها الشائقة .
    ===============
    مسكَتْها : المعروف أن زيادة المبنى تؤدي إلى زيادة المعنى / فأفضل أمسكَتْها .
    أتشكين من شيء ؟: ( يمكن أن تقرأ بعد همزة الاستفهام (أَتَشُكِّين من شيء ؟) ؛ فالأفضل : أتَشْتَكينَ من شيءٍ ؟
    لا تدري فاطمة أَنامت تلك الليلة أم لم تنم ؟ سؤال للنفس يحتاج لوضع علامة ترقيم الاستفهام ؟
    انتبهت على صوت غالية يوقظها ،( باركي لي يا غالية فغدا عرسُ حياة !!) التي أيقظتها بطلة معروفة في الرواية؛
    وغالية الثانية هي وصف لمنزلة فاطمة عندها... والقاريء أو السامع يحتاج إلى استغراب وتعجب من عبارة غالية البطلة
    ولكن غالية استفسرتْ الخالةَ محبوبةَ عن سبب هذا العرس المفاجيء : بمعنى سألتها أو طلبت التوضيح بطلب استفهامها الأمر
    فتصبح الخالة في الجملة مفعولا به بعد سؤال غالية ( الضمير المستتر هي؛ الفاعل المقدم في الجملة ) فلو وضعنا حرف الجر
    مِنْ ( الخالةِ ) عن سبب هذا العرس ... لا نحتاج لوضع علامة ترقيم الاستفهام ؟ ونضع علامة تعجب واندهاش !!
    للروائية المبدعة رؤيتها فالفعل ( استفسر ) كاستخرج .. يستخدم لازما أكثر من استخدامه متعديا إلى مفعول في اللغة العربية
    والله تعالى أعلم .

    اترك تعليق:


  • الهويمل أبو فهد
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
    فيف لاكلاس
    Vive la classe
    رواية
    بقلم

    منيرة الفهري

    التاسع و العشرون

    السابق
    - عمي عمر لقد نجحت, نجحت.
    قالت فاطمة هذا و هي تدخل السقيفة و تتجه صوبا إلى مكان عمي عمر الذي وجدته يتناول طعام العشاء. ابتسم العم عمر و أراد أن يقول شيئا لو لم يكن فمه ممتلئا، و لم تترك له فاطمة الفرصة فقد اتجهت مسرعة نحو الحوش ثم البيت الكبير لتجد غالية تنتظرها على أحرّ من الجمر.

    التاسع و العشرون

    نظرت فاطمة في المرآة الصغيرة المعلقة في المطبخ الصغير ذي الباب الأصفر العجيب. كانت آخر مرة مسكَتْها عندما طلب منها سي الطاهر أن تناوله إيّاها من أسبوعين ، فهو يستعملها للحلاقة و لا تذكُر أنّ أهل الدار يستعملونها لأيّ شيء آخر.
    نظرت فيها لتتأمل تقاسيم وجهها و ابتسمت، فقد تفطنت إلى جمال لم تره من قبل، و أنزلت المرآة قليلا حتى تتمكن من رؤية باقي جسدها. احمرّ وجهها و هي ترى أنها نضجت و أنها أصبحت تشبه قليلا الخالة غالية إلا أن فاطمة كانت ممتلئة و نضِرة.
    "الوسيم البطل"..همستْ لنفسها: هل تراه يذكرها؟ هل تراه نظر إليها و هو يأخذ منها الرسالة؟ هي لا تذكر, فقد كان تبادل الرسالة و العودة إلى القرية سريعا.
    "أعيدي المرآة مكانها قد تكسرينها". قالت الخالة غالية و هي تحمل خبز الفرن الساخن الذي أعدته لِلتّو, لتضعه على المائدة.
    ارتبكت فاطمة و علّقت المرآة في الركن المخصص لها. وضعت القدر الصغير و صحنا على المائدة و حملتها إلى الغرفة الوحيدة التي تجمّع فيها الأطفال لطعام العشاء. لم تكن فاطمة ملهوفة كعادتها على الأكل. فقد كانت شاردة صامتة منقبضة الصدر. انتبهت غالية لذلك فسألتها: مالك يا ابنتي؟ أتشكين من شيء؟ جاء صوت فاطمة حزينا ضعيفا: "لا لا أنا بخير فقط أفكّر في "سِيدي" و ما يحصل له."
    ضمّتها غالية إليها و اغرورقت عيناها بالدموع.
    أمّي, أمّي, "عمّي عمر" ينادي
    فعلا فقد كان صوت عمّي عمر, كما انتبهت لذلك خديجة.
    كانت فاطمة هي من تقضي حاجياته في غالب الأحيان. اتجهت إليه البنت مسرعة فإذا به يُعلمها أن هناك من يطرق باب السقيفة. فتحت البنت الباب فكاد أن يغمى عليها: احمرّ وجهها , ارتعشت يداها , خفق قلبها و أحست بدوار خفيف و هي ترى الوسيم البطل أمامها.( هكذا سمته)
    الحمد لله أنه لم ينتبه لكل ذلك. و في صمت أعطى رسالة لفاطمة و أوصاها أن توصلها للحكيم و عاد أدراجه من حيث أتى. ليت الزمان توقّف و هي تستقبله عند الباب,ليته بقي قليلا, ليته يعود ليقول شيئا, ليقول إنه نسيَ شيئا. تركت الباب مفتوحا و هي تنتظر علّه يعود لكنه لم يأتِ. أغلقت الباب و هي تشعر بخيبة أمل. ثم و بحركة لا إرادية ألقت نظرة على لباسها و سعدتْ كثيرا عندما وجدت أنها ترتدي الفستان الأحمر المفضّل لديها و أنها تبدو فيه جميلة فاتنة.
    جاءت غالية تستطلع الأمر. و في الحين أمرت فاطمة أن تذهب لبيت الخالة محبوبة لتؤدي الأمانة لسي الطاهر إذ يبدو أنّ الأمر مستعجل.
    لم يغمض لفاطمة جفن تلك الليلة، فقد كان خيال الوسيم البطل يحاصرها. تتقلب في مضجعها و تطلق الزفرات المكتومة.
    أتراه أحسّ بها؟ أتراه رأى وجهها الصبوح؟ (هكذا أخبرتها المرآة الصغيرة ), و فستانها المفضل الذي يُبدي مفاتنها، أتراه انتبه له؟ كان قلبها منشرحا و هي تتفرس في وجهه المشرق و قد زاده خيالها إشراقا. كانت تحس بألم جميل و هي تسترجع صورته في الجبل و أمام باب السقيفة.
    لا تدري فاطمة أنامت تلك الليلة أم لم تنم فقد انتبهت على صوت غالية يوقظها.

    "باركي لي يا غالية فَغَدًا عرس حياة."
    كان باب السقيفة مفتوحا على غير العادة و قد دخلت الخالة محبوبة و هي تزف الخبر. ضحكت فاطمة و قالت : صباح الخير ياخالة. ماذا؟ كلنا نعرف أنّ حياة رحمها الله فماذا تقولين؟
    جلست محبوبة على ركن من دكان المطبخ بجانب غالية و قالت في همس: قصدتُ أنّ ابنة أخي التي تسكن القرية المجاورة ستُزَفّ لِعريسها من بيتي غدا مساء.
    فكوني معي و سأقول لكل الجيران.
    لم تعلّق فاطمة و لكن غالية سألت الخالة محبوبة عن سبب هذا العرس المفاجئ، و لماذا اختارت هذا التوقيت بالذات .و سي الطاهر و الطبيب اللذان يلوذان في بيت الخالة محبوبة، ما مصيرهما؟
    ردّت محبوبة متجاهلة السؤال الأخير: إن ابنة أخيها يتيمة الأم و قد أرادت أن تعوّضَها ذلك اليتم في يوم فرحها و تقوم بالواجب و تزفها من بيتها.
    لم ينطل كل هذا على غالية و لا على فاطمة و فهمتا أنّ في الأمر سرّا ستكشفه الأيام.


    يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

    في الحرب والغرام تساوت الأفهام والأوهام
    All’s fair in love and war (John Lyly- 1578)


    رغم أننا عايشنا فاطمة من بداية فصول الرواية، إلا أن الجزء "التاسع والعشرون" هو فصلها بامتياز،
    وكانت بدايته في نهاية الفصل السابق حين سلمت بطل أحلامها الرسالة. وابتدأ الفصل اليوم لتتبدل الأدوار:
    إذ جاءها بطلها ليسلمها رسالة. وبين الرسالتين كانت هناك معركة ورسالة أكثر سرية وأهم، عكستها لنا
    فاطمة في مرآة لتصبح فاطمة نفسها صورة جلية:

    نظرت فاطمة في المرآة الصغيرة المعلقة في المطبخ الصغير ذي الباب الأصفر العجيب.
    كانت آخر مرة مسكَتْها عندما طلب منها سي الطاهر أن تناوله إيّاها من أسبوعين ، فهو
    يستعملها للحلاقة و لا تذكُر أنّ أهل الدار يستعملونها لأيّ شيء آخر
    .


    نظرت فيها لتتأمل تقاسيم وجهها و ابتسمت، فقد تفطنت إلى جمال لم تره من قبل، و أنزلت
    المرآة قليلا حتى تتمكن من رؤية باقي جسدها. احمرّ وجهها و هي ترى أنها نضجت و أنها
    أصبحت تشبه قليلا الخالة غالية إلا أن فاطمة كانت ممتلئة و نضِرة
    .


    بعد هذا المشهد الرومانسي الهائم وحديثها لنفسها عن بطلها وأوهامها ومقارنتها نفسها بالخالة غالية، جاء كسر
    هذا الخيال االمجنح بعبارة مبتذله عادية في سياق يومي محلي: إذ جاءت غالية فجأة
    "وهي تحمل خبز الفرن الساخن
    الذي أعدته لِلتّو, لتضعه على المائدة"
    ، لتقول
    على غفلة من فاطمة: "أعيدي المرآة مكانها قد تكسرينها."! هنا، بين
    عالم خيال فاطمة (ومعها القارئ) ومشهد الوضع العادي (قول غالية وما تحمله) يعود القارئ مع فاطمة إلى الوضع
    اليومي المحلي. خسرت فاطمة معركتها وضحك القارئ إذ عاد المشهد مع فاطمة نفسها سريعا إلى رتابة الحياة
    اليومية المحلية:

    ارتبكت فاطمة و علّقت المرآة في الركن المخصص لها. وضعت القدر الصغير و صحنا على
    المائدة و حملتها إلى الغرفة الوحيدة التي تجمّع فيها الأطفال لطعام العشاء
    .

    لكن فاطمة لم تعد مع عودة المشهد وان عادت جسديا، بل بقيت ذهنيا تعاني بين عالم الخيال وحقيقة الواقع، فقد
    أصابها "العشق" الذي يحدّه الجاحظ بأنه "داءٌ يصيب الرُّوح ويشتمل على الجسم بالمجاورة"! لا عجب إذن ألاّ
    تُقْبل على العشاء، بل "كانت شاردة صامتة منقبضة الصدر
    " لا تفكر إلاّ بـ"سيّدها وما يحصل له"! وما هي إلاّ
    لحظة ويأتي سيدها فجأة كما ظهر فجأة لها في الجبل وأكتمل تبادل الأدوار وقد رآها بثوبها الأحمر.

    وأظنّه غض البصر وانطلق سريعا كما فعلت هي من قبل، ليوافق شنٌ طبقة!

    اترك تعليق:


  • فقرة تخبرنا أن النضال ضد المستعمر لا يعني شهداء و جرحى و عيش في الأدغال فقط و إنما هو كذلك أعراس و أفراح و قصص حب.. فها هو حب ذلك الوسيم البطل يطرق باب قلب فاطمة في أوج الحرب و هاهي محبوبة تستعد لزفاف إبنة أخيهاعلى غفلة من المحتل.. هكذا تختلط قصص الحب و النضال بالدم.. دمت على إبداع أختنا المنيرة نتابعك بشغف تحياتي

    اترك تعليق:


  • منيره الفهري
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة سلمى الجابر مشاهدة المشاركة
    صاحبة القلم الجميل الأستاذة المبدعة منيرة الفهري
    سأتابع ما فاتني من أحداث الرواية و أعود
    و أعتذر عن غيابي الغير مبرر, أعرف
    (ابتسامة)
    أهلا و سهلا و مرحبا بالأديبة المترجمة سلمى الجابر
    اسعدني هذا الحضور
    و أنتظر رأيك في ما تقرئين.
    تحياتي و ودّي.

    اترك تعليق:


  • سلمى الجابر
    رد
    صاحبة القلم الجميل الأستاذة المبدعة منيرة الفهري
    سأتابع ما فاتني من أحداث الرواية و أعود
    و أعتذر عن غيابي الغير مبرر, أعرف
    (ابتسامة)

    اترك تعليق:


  • منيره الفهري
    رد
    فيف لاكلاس
    Vive la classe
    رواية
    بقلم

    منيرة الفهري

    التاسع و العشرون

    السابق
    - عمي عمر لقد نجحت, نجحت.
    قالت فاطمة هذا و هي تدخل السقيفة و تتجه صوبا إلى مكان عمي عمر الذي وجدته يتناول طعام العشاء. ابتسم العم عمر و أراد أن يقول شيئا لو لم يكن فمه ممتلئا، و لم تترك له فاطمة الفرصة فقد اتجهت مسرعة نحو الحوش ثم البيت الكبير لتجد غالية تنتظرها على أحرّ من الجمر.

    التاسع و العشرون

    نظرت فاطمة في المرآة الصغيرة المعلقة في المطبخ الصغير ذي الباب الأصفر العجيب. كانت آخر مرة مسكَتْها عندما طلب منها سي الطاهر أن تناوله إيّاها من أسبوعين ، فهو يستعملها للحلاقة و لا تذكُر أنّ أهل الدار يستعملونها لأيّ شيء آخر.
    نظرت فيها لتتأمل تقاسيم وجهها و ابتسمت، فقد تفطنت إلى جمال لم تره من قبل، و أنزلت المرآة قليلا حتى تتمكن من رؤية باقي جسدها. احمرّ وجهها و هي ترى أنها نضجت و أنها أصبحت تشبه قليلا الخالة غالية إلا أن فاطمة كانت ممتلئة و نضِرة.
    "الوسيم البطل"..همستْ لنفسها: هل تراه يذكرها؟ هل تراه نظر إليها و هو يأخذ منها الرسالة؟ هي لا تذكر, فقد كان تبادل الرسالة و العودة إلى القرية سريعا.
    "أعيدي المرآة مكانها قد تكسرينها". قالت الخالة غالية و هي تحمل خبز الفرن الساخن الذي أعدته لِلتّو, لتضعه على المائدة.
    ارتبكت فاطمة و علّقت المرآة في الركن المخصص لها. وضعت القدر الصغير و صحنا على المائدة و حملتها إلى الغرفة الوحيدة التي تجمّع فيها الأطفال لطعام العشاء. لم تكن فاطمة ملهوفة كعادتها على الأكل. فقد كانت شاردة صامتة منقبضة الصدر. انتبهت غالية لذلك فسألتها: مالك يا ابنتي؟ أتشكين من شيء؟ جاء صوت فاطمة حزينا ضعيفا: "لا لا أنا بخير فقط أفكّر في "سِيدي" و ما يحصل له."
    ضمّتها غالية إليها و اغرورقت عيناها بالدموع.
    أمّي, أمّي, "عمّي عمر" ينادي
    فعلا فقد كان صوت عمّي عمر, كما انتبهت لذلك خديجة.
    كانت فاطمة هي من تقضي حاجياته في غالب الأحيان. اتجهت إليه البنت مسرعة فإذا به يُعلمها أن هناك من يطرق باب السقيفة. فتحت البنت الباب فكاد أن يغمى عليها: احمرّ وجهها , ارتعشت يداها , خفق قلبها و أحست بدوار خفيف و هي ترى الوسيم البطل أمامها.( هكذا سمته)
    الحمد لله أنه لم ينتبه لكل ذلك. و في صمت أعطى رسالة لفاطمة و أوصاها أن توصلها للحكيم و عاد أدراجه من حيث أتى. ليت الزمان توقّف و هي تستقبله عند الباب,ليته بقي قليلا, ليته يعود ليقول شيئا, ليقول إنه نسيَ شيئا. تركت الباب مفتوحا و هي تنتظر علّه يعود لكنه لم يأتِ. أغلقت الباب و هي تشعر بخيبة أمل. ثم و بحركة لا إرادية ألقت نظرة على لباسها و سعدتْ كثيرا عندما وجدت أنها ترتدي الفستان الأحمر المفضّل لديها و أنها تبدو فيه جميلة فاتنة.
    جاءت غالية تستطلع الأمر. و في الحين أمرت فاطمة أن تذهب لبيت الخالة محبوبة لتؤدي الأمانة لسي الطاهر إذ يبدو أنّ الأمر مستعجل.
    لم يغمض لفاطمة جفن تلك الليلة، فقد كان خيال الوسيم البطل يحاصرها. تتقلب في مضجعها و تطلق الزفرات المكتومة.
    أتراه أحسّ بها؟ أتراه رأى وجهها الصبوح؟ (هكذا أخبرتها المرآة الصغيرة ), و فستانها المفضل الذي يُبدي مفاتنها، أتراه انتبه له؟ كان قلبها منشرحا و هي تتفرس في وجهه المشرق و قد زاده خيالها إشراقا. كانت تحس بألم جميل و هي تسترجع صورته في الجبل و أمام باب السقيفة.
    لا تدري فاطمة أنامت تلك الليلة أم لم تنم فقد انتبهت على صوت غالية يوقظها.

    "باركي لي يا غالية فَغَدًا عرس حياة."
    كان باب السقيفة مفتوحا على غير العادة و قد دخلت الخالة محبوبة و هي تزف الخبر. ضحكت فاطمة و قالت : صباح الخير ياخالة. ماذا؟ كلنا نعرف أنّ حياة رحمها الله فماذا تقولين؟
    جلست محبوبة على ركن من دكان المطبخ بجانب غالية و قالت في همس: قصدتُ أنّ ابنة أخي التي تسكن القرية المجاورة ستُزَفّ لِعريسها من بيتي غدا مساء.
    فكوني معي و سأقول لكل الجيران.
    لم تعلّق فاطمة و لكن غالية سألت الخالة محبوبة عن سبب هذا العرس المفاجئ، و لماذا اختارت هذا التوقيت بالذات .و سي الطاهر و الطبيب اللذان يلوذان في بيت الخالة محبوبة، ما مصيرهما؟
    ردّت محبوبة متجاهلة السؤال الأخير: إن ابنة أخيها يتيمة الأم و قد أرادت أن تعوّضَها ذلك اليتم في يوم فرحها و تقوم بالواجب و تزفها من بيتها.
    لم ينطل كل هذا على غالية و لا على فاطمة و فهمتا أنّ في الأمر سرّا ستكشفه الأيام.


    يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

    اترك تعليق:


  • منيره الفهري
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة الهويمل أبو فهد مشاهدة المشاركة
    نمو الأطفال أثناء الحروب والقلاقل

    فاطمة إنموذج حرق مراحل النمو

    في الرواية عشنا مع الطفلة فاطمة وهي شعلة بيت سي الطاهر، وعلى
    لسان كل الشخصيات الرئيسة تقريبا ومربية أطفال خالتها غالية والمسئولة
    عن احتياجاتهم البيتية إضافة إلى أمور بيتية أخرى. وباستعراض دورها على
    امتداد زمن الرواية لم تفشل أبدا في أداء مهامها. يستطيع القارئ أن يتأكد من
    هذه الحقيقة إن شاء.

    هل هذا الوضع وضع استغلال الطفولة أم حتمية تفرضها حالة المجتمع في
    الحروب والقلاقل؟ حياة بنت محبوبة غرقت في البئر لحاجة العجوز محبوبة
    لمن يعينها، وفاطمة عليها أن تعرّض نفسها للخطر وهي تنفذ ما يجب تنفيذه
    من أجل التحرير. جاء هذا الحدث عندما أُغْلقت كافة السبل لإيصال الرسائل
    إلى الفلاقة. أطفال الريف والبادية عموما لا يتمتعون بالعناية التي يتمتع بها
    أطفال المنعمين وأهل المدن المرفهين. فما بالك والحال حال حرب تحرير
    ومقاومة أقسى قوة استعمارية عرفها التاريخ!

    كَبُرت فاطمة طفلة في هذه الظروف التي لم تسمح لها أن تمارس طفولتها
    وفجأة نراها تحدث نفسها وكأنها الفتاة الناضجة الوقورة المتدينة وهي تنهر
    الطبيعة الآدمية:

    و في أقلّ من دقيقتين برز لها شاب يافع يردّد نفس الكلمات. تفرست فيه
    و قد تذكرت أنها رأته في المستوصف مع المرضى.لا تعرف اسمه
    و لكنها فهمت أنه هو المقصود
    . أعطته الرسالة و نظرت إليه مرة أخرى.
    كم هو وسيم و كم تليق به كلمة بطل. ما هذا يا فاطمة؟ لقد جئتِ لمهمة
    محدّدة فغضّي بصرك و لا تفكري في شيء غير مهمتك التي أنجزتِها
    الآن و عليك أن تعودي مسرعة قبل الغروب
    .

    يقول محمد نجيب بلحاج حسين في وافريته "شيخ تصابى":
    يحاصرنا الوقار بكلّ درب...
    ويدفعنا إلى الهرب انسحابا...

    لَكم مانعتُ في خجل وصالاً!
    وشوقي نحوه اتّقد التهابا...


    نعم؛ ليس هناك نجاح مثل الفشل (الفشل نفسه نجاح)
    “There is no success like failure"



    نعم الفشل نفسه نجاح
    فالفشل هو الخطوة الأولى نحو النجاح و ليس نهاية الطريق
    بل هو البداية دائما.
    و الفشل هو الفرصة التي تتيح لك البدء من جديد بذكاء أكبر.
    الأستاذ الناقد الكبير الهويمل ابو فهد
    أعتز و جدااا بقراءاتك لأجزاء الرواية و في كل مرة تعطي للأحداث معنى آخر
    تحياتي الصادقة .
    و سأنشر الجزء الموالي بإذن الله.

    اترك تعليق:


  • منيره الفهري
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة المختار محمد الدرعي مشاهدة المشاركة
    جسدت هذه الحلقة صورة عن شجاعة المرأة التونسية و مشاركتها الفعالة في تحرير بلادها.. لقد أبت الخالة محبوبة رغم المرض و التقدم في السن إلاّ أن تنجز المهمة بنجاح جنبا إلى جنب فاطمة.. شكرا لجمال السرد المشوق أستاذة منيرة نتابعك باهتمام
    أخي و أستاذي العزيز المختار محمد الدرعي
    كل الشكر و الامتنان لهذه المتابعة المشجعة للرواية
    تحياتي الصادقة جدا.

    اترك تعليق:


  • منيره الفهري
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة محمد فهمي يوسف مشاهدة المشاركة
    الأستاذة الكريمة / منيرة الفهري
    صباحك إشراق ونور بعد القيام من راحة بعد العودة من سنة الشروق بعد انتظارها عقب صلاة الفجر .!!!
    ذكرتُ في تدقيقي للفصل 28 من قبل هذه العبارة :
    2- عبارة :لكنها لم تستطع تفعل : وضعت أنْ الناصبة للفعل تفعلَ بعدها لبيان أوضح للأسلوب ؛ وهذا كما وضعت المؤلفة ( أن ) في العبارة
    التي تلتها :و عليها أن تسرعَ في إنجاز مهمتها.

    وردا على رغبتك في الرأي عن سؤالك المقتبس هنا :
    ماذا تفعل الآن ؟ مُحَدَّثُ .... بواسطتكِ !! وهو تحديث مقبول وجيد للتفكير فيم تقوم به من العمل في تلك الظروف ؛كيف يكون ؟
    ثم أجابت في حكنة وحسن تصرف : ( وعليها أن تسرع الآن .)
    أوافق على تصويبك الذاتي لأحداث الفصل 28 بوضع إداة الاستفهام وعلامته في التحديث
    والله يوفقك في إبداعك لبقية أحداث الرواية إن شاء الله .
    تحياتي هنا ودعواتي هنا وفي أول الرسالة !!
    أستاذنا الجليل محمد فهمي يوسف
    من القلب أشكرك لمتابعتك الدقيقة للرواية.
    بارك الله فيك و جزاك الله كل خير.
    و سأنشر الجزء الموالي بإذن الله.

    اترك تعليق:


  • الهويمل أبو فهد
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
    فيف لاكلاس
    Vive la classe
    رواية
    بقلم
    منيرة الفهري

    الثامن و العشرون

    السابق
    انحنت فاطمة على ركبتيها و هي تمسك قارورة ماء و تحاول أن تسقي الخالة جرعة ماء علّها تستعيد وعيها.
    فتحت الخالة محبوبة عينيها قائلة: لا تخافي , كانت حركةً منّي حتى يبتعد العسكريان و يتركاننا وشأننا.
    تنفست فاطمة الصعداء ثم ضحكت و قد تذكرت الحكيم عندما قال لها: "لا تهتمي و لا تجزعي فالخالة محبوبة في كامل قواها العقلية."
    ثم نظرت أمامها و قد تبين لها أنها تسير إلى الجهة الشرقية من الجبل.
    ساعدت الخالة على النهوض هامسة: "سنعود أدراجنا بضع كيلومترات
    فلسنا على الطريق الصحيح."

    الثامن و العشرون

    يبدو أن الخالة محبوبة لم تعد تقوى على المشي فقد أمسكت بجذع شجرة و جلست دون سابق إنذار.التفتت فاطمة و أسرعت تجلس حذوها قائلة : يا خالة سنرتاح فقط ربع ساعة ثم نواصل السير . علينا أن نصل غايتنا قبل العصر حتى لا يداهمنا الظلام.
    اكتفت العجوز بالإيماء بالرأس و هي تتحسس ركبتيها اللتين أرهقهما المشي لساعات طويلة.
    أخرجت فاطمة قطعة خبز و قارورة ماء صغيرة كانت تحملهما في كيس صغير على كتفها و اقتسمتهما مع
    الخالة محبوبة.
    الحمد لله أن الشمس مازالت في كبد السماء و لو أسرعت فاطمة الخطى قليلا ستصل إلى مخبإ الفلاقة قبل العصر.أمسكت الفتاة بيد العجوز حتى تساعدها على السير. طنين نحل يقترب. انفرجت أسارير فاطمة و قالت بصوت خافت: نحن نقترب من ضالتنا.
    فقد تذكرت أن الحكيم قال لها فيما قال: لو سمعتِ طنين نحل كثير فأنتِ في الطريق الصحيح و على بعد مسافة قليلة من المخبإ.
    توكلي على الله.ستجدين كلبا أبيض على مقربة من المغارة. لا تخافي منه و رددي: "فيف لا كلاس" (Vive la classe).
    هاهي الآن تسمع طنين النحل فتتجه نحوه و يقوى الطنين.لكن أين الكلب الأبيض؟
    تعثرت الخالة محبوبة بحجر أمامها فسقطت أرضا و صاحت من الألم.حاولت فاطمة أن تساعد العجوز على النهوض لكنها لم تستطع.ماذا تفعل الآن؟ فهي على مقربة من المخبإ و عليها أن تسرع في إنجاز مهمتها.
    و كأن العجوز فهمت ما يدور بخلدها فقد همست لها: يا فاطمة واصلي السير من دوني و سأبقى هنا أنتظرك. ردّت الفتاة قائلة: نحن جئنا معًا و سنقوم بالمهمة معًا .لا ضيرَ إن ارتحتِ قليلا فالله معنا يعيننا على ما نحن فيه.
    ثم أخذت تمسد رجل الخالة محبوبة بقليل من الماء.
    قامت الفتاة و العجوز بعد فترة وجيزة و واصلتا سيرهما و هما تتتبعان طنين النحل.
    و لا تدري فاطمة كيف جرى كلب أبيض وراءهما و هو ينبح نباحا خفيفا. اغرورقت عينا فاطمة بالدموع و قد عرفت أنها وصلت المخبأ بل و قد تجاوزته لولا أن نبهها نباح الكلب.عادت أدراجها قليلا ثم بدأت تردد "فيف لاكلاس" و كأنها تتغنى بها.
    و في أقلّ من دقيقتين برز لها شاب يافع يردّد نفس الكلمات.تفرست فيه و قد تذكرت أنها رأته في المستوصف مع المرضى.لا تعرف اسمه و لكنها فهمت أنه هو المقصود. أعطته الرسالة و نظرت إليه مرة أخرى. كم هو وسيم و كم تليق به كلمة بطل. ما هذا يا فاطمة؟ لقد جئتِ لمهمة محدّدة فغضّي بصرك و لا تفكري في شيء غير مهمتك التي أنجزتِها الآن و عليك أن تعودي مسرعة قبل الغروب.
    عندما بلغت فاطمة و الخالة محبوبة مشارف القرية كان الشفق أحمرَ و كانت الديار تتهيأ للغوص في ظلام و سكينة.
    تبعت فاطمة الخالة إلى بيتها و طمأنت "سي الطاهر" و الطبيب "سي محمد علي" على القيام بالمهمة على أكمل وجه. ضم الحكيم فاطمة إليه و همهم بكلمات شكر و رضى.
    - عمي عمر لقد نجحت, نجحت.
    قالت فاطمة هذا و هي تدخل السقيفة و تتجه صوبا إلى مكان عمي عمر الذي وجدته يتناول طعام العشاء. ابتسم العم عمر و أراد أن يقول شيئا لو لم يكن فمه ممتلئا، و لم تترك له فاطمة الفرصة فقد اتجهت مسرعة نحو الحوش ثم البيت الكبير لتجد غالية تنتظرها على أحر من الجمر.

    يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــع
    نمو الأطفال أثناء الحروب والقلاقل

    فاطمة إنموذج حرق مراحل النمو

    في الرواية عشنا مع الطفلة فاطمة وهي شعلة بيت سي الطاهر، وعلى
    لسان كل الشخصيات الرئيسة تقريبا ومربية أطفال خالتها غالية والمسئولة
    عن احتياجاتهم البيتية إضافة إلى أمور بيتية أخرى. وباستعراض دورها على
    امتداد زمن الرواية لم تفشل أبدا في أداء مهامها. يستطيع القارئ أن يتأكد من
    هذه الحقيقة إن شاء.

    هل هذا الوضع وضع استغلال الطفولة أم حتمية تفرضها حالة المجتمع في
    الحروب والقلاقل؟ حياة بنت محبوبة غرقت في البئر لحاجة العجوز محبوبة
    لمن يعينها، وفاطمة عليها أن تعرّض نفسها للخطر وهي تنفذ ما يجب تنفيذه
    من أجل التحرير. جاء هذا الحدث عندما أُغْلقت كافة السبل لإيصال الرسائل
    إلى الفلاقة. أطفال الريف والبادية عموما لا يتمتعون بالعناية التي يتمتع بها
    أطفال المنعمين وأهل المدن المرفهين. فما بالك والحال حال حرب تحرير
    ومقاومة أقسى قوة استعمارية عرفها التاريخ!

    كَبُرت فاطمة طفلة في هذه الظروف التي لم تسمح لها أن تمارس طفولتها
    وفجأة نراها تحدث نفسها وكأنها الفتاة الناضجة الوقورة المتدينة وهي تنهر
    الطبيعة الآدمية:

    و في أقلّ من دقيقتين برز لها شاب يافع يردّد نفس الكلمات. تفرست فيه
    و قد تذكرت أنها رأته في المستوصف مع المرضى.لا تعرف اسمه
    و لكنها فهمت أنه هو المقصود
    . أعطته الرسالة و نظرت إليه مرة أخرى.
    كم هو وسيم و كم تليق به كلمة بطل. ما هذا يا فاطمة؟ لقد جئتِ لمهمة
    محدّدة فغضّي بصرك و لا تفكري في شيء غير مهمتك التي أنجزتِها
    الآن و عليك أن تعودي مسرعة قبل الغروب
    .

    يقول محمد نجيب بلحاج حسين في وافريته "شيخ تصابى":
    يحاصرنا الوقار بكلّ درب...
    ويدفعنا إلى الهرب انسحابا...

    لَكم مانعتُ في خجل وصالاً!
    وشوقي نحوه اتّقد التهابا...


    نعم، ليس هناك نجاح مثل الفشل (الفشل نفسه نجاح)
    There is no success like failure

    اترك تعليق:


  • الهويمل أبو فهد
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة احمد نور مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم
    لقد ذكرت للمؤلفه والاستاذه الفاضله مثال واحد فقط
    ولكن عندما رجعت وقرأتها مرة أخرى وجدت أن كثير من الاجزء مقطوعه عن التي قبلها
    وهذا ليس له علاقه بالتشويق بل
    احاول ان اعرف كيف وصل هذا الحدث اوذاك الى هذه المرحله واامل نفسي ان اجده او تفسيرا له في الجزء الذي بعده
    الا انني لا اجدده
    الروايه جميله جدا وقد وصلت الى الجزء 28
    فيها كفاح شعب
    تحياتي
    وعليكم السلام

    اختلفنا في تفسير "القطع" بين (ج17) و (ج18) وهو اختلاف آمل
    ألّا يفسد للود قضية. في تبريري لاكتمال الجزء عرضت رأيي حول
    سبب إغفال عودة سي الطاهر. وأنت كتبت في تعليقك على رأيي:
    احاول ان اعرف كيف وصل هذا الحدث اوذاك الى هذه المرحله واامل نفسي
    ان اجده او تفسيرا له في الجزء الذي بعده الا انني لا اجدده.
    وسبق أن تساءلت في مشاركتك الأولى بالقول:
    كنت أتوقع ان يكون هناك حدث عند شفاءه
    ومن الذي أوصله الى بيته
    مثلا استقبال وفرحه حتى لو كانت بالسر

    لكن الفرحة حدثت فعلا، إذ كانت غالية (و عزيزة) تعد الحلالم
    "شهوة سي الطاهر الذي عاد بعد طول غياب". وأول كلمة افتتحت الجزء 19
    هي"
    ابتسمت غالية" وهي ترى الطفلة عزيزة تقلد والدتها التي علمتها الطريقة
    الصحيحة لإعداد الحلالم. فلو لم تكن محتفلة لما أعدت الوجبة ولما ابتسمت لفعل
    عزيزة (ولك أن تتخيل امرأة غاب زوجها طويلا في ظروف غير آمنه). ثم نرى
    فرحة الأب بعودته إلى أسرته وفرحة أبنائه به، وصورة المشهد نفسها جاءت
    تجسيدا لما يدور في ذهن سي الطاهر:

    كان سي الطاهر يجلس بالقرب منهما (غالية وعزيزة) على حصير في الحوش
    و على ركبتيه جلس الهادي و سالم و هما يتشابكان بالأيدي. نظر إلى غالية وهي
    تعد "الحلالم" و تنهّد من الأعماق حامدا الله على جميع نعمه، فمنذ أيام كان ملقيا
    في الجبل بين الحياة أو الموت، تدور في رأسه ألف صورة و صورة لزوجته
    المكلومة و أطفاله اليتامى. لم يكن يتصور أن سي "محمد علي"، طبيب القرية،
    بهذه المهارة و الحنكة و بهذا الوفاء والوطنية، فقد بقي ملازما له في الجبل،
    ينام في العراء و يقتات القليل من البسيسة ويعالج سي الطاهر بإمكانيات
    المستوصف المتواضعة
    .
    فبدل أن يكون هذا الوصف التصويري الناطق خاتمة الجزء (17)، جاء في الجزء التالي ليربط
    استرجاعيا ما حدث أثناء غيابه. وللقارئ أن يتساءل: لماذا قالت غالية "
    عاد بعد طول غياب" ولم
    تذكر إصابته؟
    هذا أيضا متروك لخيال القارئ واستنطاق النص. لكنا نعلم أن العمل السري يقتضي السرية التامة ولنا
    أن نستنتج الصلة بين البيت والجبل أثناء هذه الفترة اعتمادا على ما نعرفه من نشاط شبكة التواصل.
    فنحن نعلم أن غالية لا تعلم بانتماء سي محمد علي الطبيب إلى المقاومة، ولم تذكر هي أنها علمت حتى
    هذا الجزء ولا سبق أن عمل سي الطاهر مع الطبيب خارج حدود المهنة الرسمية. فهل سي الطاهر أخبر
    غالية اليوم أم أبقى الأمر سرا. للقارئ أن يبحث ويستنتج.

    ثم أن الأجزاء فنيا هي مشاهد وليست سردا مملا ولا رواية متصلة تقود قارئا قيادة سلبية، بل هي مشاهد
    بعضها يكمل نواقص بعض تجعل القارئ مشاركا في بناء الرواية. وبهذا فالرواية لن تكتمل صورتها ما
    لم تختم المؤلفة روايتها فيف لاكلاس. وحتى عندما تصل الرواية إلى نهايتها ستظل الرواية جزءا من كل
    أكبر هو الثورة التونسية وتظل محدودة بإنجازات أفرادها ثم بما جمعته الراوية من أحداث ومعلومات.
    والصورة الكاملة ستكون ما قرأه القارئ وما أضافه من استنتاجات التي هي مصدر متعة القارئ ومساهمته
    في بناء أو تأطير الصورة النهائية.

    وتبقى الصورة النهائية، بالضرورة، نسخة القارئ الخاصة وبالضرورة نفسها تختلف عن نسخة قارئ آخر.
    والسبب بسيط: فالرواية مهما بلغت دقة توثيقها تبقى أولا رواية وليست وثيقة ممهورة بختم التصديق الرسمي،
    وثانيا لأنها في أحسن الأحوال رواية آل سي الطاهر ممثلين في صوت "راوية"!

    اترك تعليق:


  • جسدت هذه الحلقة صورة عن شجاعة المرأة التونسية و مشاركتها الفعالة في تحرير بلادها.. لقد أبت الخالة محبوبة رغم المرض و التقدم في السن إلاّ أن تنجز المهمة بنجاح جنبا إلى جنب فاطمة.. شكرا لجمال السرد المشوق أستاذة منيرة نتابعك باهتمام

    اترك تعليق:


  • محمد فهمي يوسف
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
    الأستاذ الجليل محمد فهمي يوسف
    أردت توضيح هذا التصويب منك :

    حاولت فاطمة أن تساعد العجوز على النهوض لكنها لم تستطع. ماذا تفعل الآن؟ فهي على مقربة من المخبأِ و عليها أن تسرع في إنجاز مهمتها.
    و الف شكر لاهتمامك أستاذنا.
    الأستاذة الكريمة / منيرة الفهري
    صباحك إشراق ونور بعد القيام من راحة بعد العودة من سنة الشروق بعد انتظارها عقب صلاة الفجر .!!!
    ذكرتُ في تدقيقي للفصل 28 من قبل هذه العبارة :
    2- عبارة :لكنها لم تستطع تفعل : وضعت أنْ الناصبة للفعل تفعلَ بعدها لبيان أوضح للأسلوب ؛ وهذا كما وضعت المؤلفة ( أن ) في العبارة
    التي تلتها :و عليها أن تسرعَ في إنجاز مهمتها.

    وردا على رغبتك في الرأي عن سؤالك المقتبس هنا :
    ماذا تفعل الآن ؟ مُحَدَّثُ .... بواسطتكِ !! وهو تحديث مقبول وجيد للتفكير فيم تقوم به من العمل في تلك الظروف ؛كيف يكون ؟
    ثم أجابت في حكنة وحسن تصرف : ( وعليها أن تسرع الآن .)
    أوافق على تصويبك الذاتي لأحداث الفصل 28 بوضع إداة الاستفهام وعلامته في التحديث
    والله يوفقك في إبداعك لبقية أحداث الرواية إن شاء الله .
    تحياتي هنا ودعواتي هنا وفي أول الرسالة !!

    اترك تعليق:

يعمل...
X