المشاركة الأصلية بواسطة حكمت رسول المومني
مشاهدة المشاركة
الأستاذ الفاضل حكمت المومني
تحيّة طيّبة
اقتبست جزءا من مداخلة لحضرتك أعلاه ، و هو الجزء الذي وددت التّعليق عليه لو سمحت لي بذلك.
تعليقي سيكون على أمرين في هذه الفقرة ، الأمر الأول: حول عبارة "كالشعوب الأخرى" . الأمر الثاني : حول اللهجة و اللغة المستخدمة في هذه الفقرة أو لنقل النّفس الذي تشكف عنه هذه الفقرة .
الأمر الأول: لو كنت قد أفصحت عن معنى قولك الموجّه للأخوة السوريين الذي لونته بالأحمر ( تكونوا كالشعوب الأخرى) ، من تكون هذه الشعوب الأخرى ، لكنت وفّرت عليّ نصف الطريق ، لكن لا بأس ، سأفترض جميع الاحتمالات التي تحملها عبارة حضرتك "كالشعوب الأخرى " و هما احتمالان لا ثالث لهما ، إمّا أن تكون قصدت الشعوب المتطوّرة و المتحضّرة في العالم ، التي تنعم بالحرية و الديمقراطية و بحياة إنسانية كريمة ، و إما قصدت الشعوب العربية الأخرى من غير الشعب السوري .
الاحتمال الأول : تقصد الشعوب المتحضرة من غير العرب التي تنعم بالحرية و الديمقراطية ، في هذه الحالة أنا أؤيد كل حرف و كل فاصلة و كلّ كلمة في ما جاء بسطورك أعلاه ، لكن هذا لا ينطبق على الشعب السوري وحده ، بل على الشعوب العربية قاطبة و بدون استثناء من طنجة حتى المكلاّ ، و من حلب الشهباء إلى القرن الأفريقي ، بما في ذلك الشعب المصري و التونسي ، على اعتبار أنهما الشعبان اللذان أنجزا جزءا مهما من ثورتهما ، لكن لم يتمّماها بعد ، يعني ما زالت التّحولات الاجتماعية و السياسية جارية على قدم و ساق ، و في هذه المرحلة ، لا يمكن أن نقارنهما بالشعوب المتطورة التي تنعم بالحرية و الديمقراطية منذ قرون. إذن تخصيص ما جاء في سطورك تلك ، للشعب السوري هو خطاب مجحف و يجانب الصواب في مثل هذه الحالة ، فجميعنا "بالهوا سوا"
الاحتمال الثاني : أن تكون قصدت الشعوب العربية الأخرى ، فيصبح معنى المقولة أن الشعب السوري لم يلحق بالشعوب العربية الأخرى ، و فضل الجبن و الخنوع و الإهانة و الظلم و الاستبداد ، على عكس الشعوب العربية الأخرى ، و في هذا إجحاف و رسم مشهد وردي لواقع إسْفَلْتي ، زِفْتي ، منيل بستين نيلة على رأي إخواننا المصريين ، أين هي الشعوب العربية التي لا تعيش في الأوصاف التي أطلقتها بسطورك مقرّعا الشعب السوري لوحده ؟؟ هناك جحيمان ، جحيم الاقتصاد و مآسيه من فقر و حرمان و حاجة و تخلّف و تشعباتها ، و جحيم الكرامة الإنسانية المهدورة بسبب مصادرة الحريات و القمع . جميع شعوبنا العربية تعيش في الجحيمين (مع بعض الاستثناءات الجزئية لدول النفط العربي ، حيث الضائقة المالية للشعوب محدودة) ، الفرق بيننا هو درجات الجحيم ، كلّنا في النار و لكنّ النار درجات.، و كونك أعلى درجة لا يعني أنّك أفضل بل أنت ما زلت في الجحيم .
سأضيف احتمالا ثالثا : قد تكون عنيت الشعوب العربية التي هبت ثائرة بوجه ظُلاّمها ، و نجحت ، مثل الشعب المصري و التونسي ، أو الذين هم في الثورة و لكن على طريق صعب مثل الشعب الليبي و اليمني .. إن كان هذا ما عنيت ، فلن يختلف المشهد ، فالخطاب من الإجحاف أن يوجّه للشعب السوري فقط ، بل هناك باقي الشعوب العربية ينطبق عليها قولك تمام الانطباق ، بما في ذلك الأردن و فلسطين ، حتى لا تستثني نفسك لو كنت تنتمي لأي منهما.
إذا كان الأمر يحتاج لشروح و إثباتات ، سأعود على الموضوع لأتوسّع ، فقط أريد أن أقول ، إن نسبة الذين دون خط الفقر في سوريا حسب بعض المنظمات العالمية تكاد تصل لأربعين بالمائة ، في الأردن تجاوزت الستين بالمائة حسب نفس المنظّمات ، ، و يكفي أن أقول ، أن هناك عشرات الآلاف من العائلات الأردنية التي تعيش في مدن و قرى قريبة من الحدود السورية ، تعيش على التّبضع اليومي من الأسواق السورية ، فاللحمة و الخبز و الدّقيق و السكر و الزيت و الشاي و القهوة و الخضار و الحلويات و الكاز و السولار و البنزين و الغاز و عشرات الأصناف الأخرى ، يتموّنوا بها من القرى و المدن السورية المتاخمة ، لأنها أرخص بكثير منها في الأردن ، هذا غير التّهريب ، التّهريب موضوع آخر .
إضافة لذلك ، هناك مئات الآلاف من العراقين على الحدود يعيشون بنفس الطريقة ، و مئات الآلاف من الأتراك و العرب الذين شملتهم حدود الدولة التركية ، يفعلون نفس الشيء ، و مئات الآلاف من اللبنانيين ، بل في لبنان هناك قرى بأكملها لا تعرف العملة اللبنانية ، و لا تتداولها ، يرفضون منك ثمن علبة السجائر لو أردت أن تدفع بالعملة اللبنانية .. في كلّ هذا لا أعني فيه التّهريب الذي ينتشر في كلّ أنحاء العالم على الحدود بين الدّول ، بل أعني التموين و التبضّع اليومي لحاجيات البيت.
الأمر لثاني: و هو لهجة و نَفَس الخطاب في هذه الفقرة ، فوقي و استعلائي و كأن كاتبه انحدر من السويد أو سويسرا ليعيّب على شعب متخلّف رضي بالذّل و المهانة ، بينما هو .. تخلّص من هذا كله ..
لا أريد أن أكرّر نفسي لأعيد ما قلت ، لكن سأسمح لنفسي تكرار ، إذا احتاج الأمر لتفصيل أكثر ، فسأعود على هذا الموضوع ثانية .
تحياتي ، معا لنبني و نرسّخ دارة فكرية للصراع ، لا دارة إعلامية .
حكيم
تحيّة طيّبة
اقتبست جزءا من مداخلة لحضرتك أعلاه ، و هو الجزء الذي وددت التّعليق عليه لو سمحت لي بذلك.
تعليقي سيكون على أمرين في هذه الفقرة ، الأمر الأول: حول عبارة "كالشعوب الأخرى" . الأمر الثاني : حول اللهجة و اللغة المستخدمة في هذه الفقرة أو لنقل النّفس الذي تشكف عنه هذه الفقرة .
الأمر الأول: لو كنت قد أفصحت عن معنى قولك الموجّه للأخوة السوريين الذي لونته بالأحمر ( تكونوا كالشعوب الأخرى) ، من تكون هذه الشعوب الأخرى ، لكنت وفّرت عليّ نصف الطريق ، لكن لا بأس ، سأفترض جميع الاحتمالات التي تحملها عبارة حضرتك "كالشعوب الأخرى " و هما احتمالان لا ثالث لهما ، إمّا أن تكون قصدت الشعوب المتطوّرة و المتحضّرة في العالم ، التي تنعم بالحرية و الديمقراطية و بحياة إنسانية كريمة ، و إما قصدت الشعوب العربية الأخرى من غير الشعب السوري .
الاحتمال الأول : تقصد الشعوب المتحضرة من غير العرب التي تنعم بالحرية و الديمقراطية ، في هذه الحالة أنا أؤيد كل حرف و كل فاصلة و كلّ كلمة في ما جاء بسطورك أعلاه ، لكن هذا لا ينطبق على الشعب السوري وحده ، بل على الشعوب العربية قاطبة و بدون استثناء من طنجة حتى المكلاّ ، و من حلب الشهباء إلى القرن الأفريقي ، بما في ذلك الشعب المصري و التونسي ، على اعتبار أنهما الشعبان اللذان أنجزا جزءا مهما من ثورتهما ، لكن لم يتمّماها بعد ، يعني ما زالت التّحولات الاجتماعية و السياسية جارية على قدم و ساق ، و في هذه المرحلة ، لا يمكن أن نقارنهما بالشعوب المتطورة التي تنعم بالحرية و الديمقراطية منذ قرون. إذن تخصيص ما جاء في سطورك تلك ، للشعب السوري هو خطاب مجحف و يجانب الصواب في مثل هذه الحالة ، فجميعنا "بالهوا سوا"
الاحتمال الثاني : أن تكون قصدت الشعوب العربية الأخرى ، فيصبح معنى المقولة أن الشعب السوري لم يلحق بالشعوب العربية الأخرى ، و فضل الجبن و الخنوع و الإهانة و الظلم و الاستبداد ، على عكس الشعوب العربية الأخرى ، و في هذا إجحاف و رسم مشهد وردي لواقع إسْفَلْتي ، زِفْتي ، منيل بستين نيلة على رأي إخواننا المصريين ، أين هي الشعوب العربية التي لا تعيش في الأوصاف التي أطلقتها بسطورك مقرّعا الشعب السوري لوحده ؟؟ هناك جحيمان ، جحيم الاقتصاد و مآسيه من فقر و حرمان و حاجة و تخلّف و تشعباتها ، و جحيم الكرامة الإنسانية المهدورة بسبب مصادرة الحريات و القمع . جميع شعوبنا العربية تعيش في الجحيمين (مع بعض الاستثناءات الجزئية لدول النفط العربي ، حيث الضائقة المالية للشعوب محدودة) ، الفرق بيننا هو درجات الجحيم ، كلّنا في النار و لكنّ النار درجات.، و كونك أعلى درجة لا يعني أنّك أفضل بل أنت ما زلت في الجحيم .
سأضيف احتمالا ثالثا : قد تكون عنيت الشعوب العربية التي هبت ثائرة بوجه ظُلاّمها ، و نجحت ، مثل الشعب المصري و التونسي ، أو الذين هم في الثورة و لكن على طريق صعب مثل الشعب الليبي و اليمني .. إن كان هذا ما عنيت ، فلن يختلف المشهد ، فالخطاب من الإجحاف أن يوجّه للشعب السوري فقط ، بل هناك باقي الشعوب العربية ينطبق عليها قولك تمام الانطباق ، بما في ذلك الأردن و فلسطين ، حتى لا تستثني نفسك لو كنت تنتمي لأي منهما.
إذا كان الأمر يحتاج لشروح و إثباتات ، سأعود على الموضوع لأتوسّع ، فقط أريد أن أقول ، إن نسبة الذين دون خط الفقر في سوريا حسب بعض المنظمات العالمية تكاد تصل لأربعين بالمائة ، في الأردن تجاوزت الستين بالمائة حسب نفس المنظّمات ، ، و يكفي أن أقول ، أن هناك عشرات الآلاف من العائلات الأردنية التي تعيش في مدن و قرى قريبة من الحدود السورية ، تعيش على التّبضع اليومي من الأسواق السورية ، فاللحمة و الخبز و الدّقيق و السكر و الزيت و الشاي و القهوة و الخضار و الحلويات و الكاز و السولار و البنزين و الغاز و عشرات الأصناف الأخرى ، يتموّنوا بها من القرى و المدن السورية المتاخمة ، لأنها أرخص بكثير منها في الأردن ، هذا غير التّهريب ، التّهريب موضوع آخر .
إضافة لذلك ، هناك مئات الآلاف من العراقين على الحدود يعيشون بنفس الطريقة ، و مئات الآلاف من الأتراك و العرب الذين شملتهم حدود الدولة التركية ، يفعلون نفس الشيء ، و مئات الآلاف من اللبنانيين ، بل في لبنان هناك قرى بأكملها لا تعرف العملة اللبنانية ، و لا تتداولها ، يرفضون منك ثمن علبة السجائر لو أردت أن تدفع بالعملة اللبنانية .. في كلّ هذا لا أعني فيه التّهريب الذي ينتشر في كلّ أنحاء العالم على الحدود بين الدّول ، بل أعني التموين و التبضّع اليومي لحاجيات البيت.
الأمر لثاني: و هو لهجة و نَفَس الخطاب في هذه الفقرة ، فوقي و استعلائي و كأن كاتبه انحدر من السويد أو سويسرا ليعيّب على شعب متخلّف رضي بالذّل و المهانة ، بينما هو .. تخلّص من هذا كله ..
لا أريد أن أكرّر نفسي لأعيد ما قلت ، لكن سأسمح لنفسي تكرار ، إذا احتاج الأمر لتفصيل أكثر ، فسأعود على هذا الموضوع ثانية .
تحياتي ، معا لنبني و نرسّخ دارة فكرية للصراع ، لا دارة إعلامية .
حكيم
اترك تعليق: