أعجنبي كثيرا هذا الرد الوافي الذي أجاب على سؤال كنت أنقب له عن إجابة
ألا وهو سر نبوغ الاطباء فب الابداع الفني من موسيقى وشعر وقصة
أجبت عليه أستاذي الفاضل بسلاسة جعلتني أدرك أن التعامل مع الانسان وهو جثة وتشريح الكبيب لها
زمن ثم الوقوف على خفايا الجسم الانساني ودراسته بدقة ،ثم التعامل مع الانسان المريض وهو في أصدق حالاته
نعم أستاذي حين يمرض الانسان يكون في أصدق حالاته ،ربما يسرد لطبيبه أحداثا لم يعترف بها من قبل لذاته
جعلتك تعرف الانسان في أحرج أوقات حياته ،ومع وجود شغف بالقراءة والكتابة والموهبة التي لا يتمتع بها كثير من البشر
جاء ابداعكم أستاذي الفاضل متفردا مميزا .
والسؤال الذي يطرح نفسه
ما أكثر قصة من ابداعكم قريبة إلى قلبك ؟

ماهي أقرب قصة إلى قلبك ؟
سؤال جيد إذا وجه لكاتب محترف، حيث تكون الكتابة حرفة وصنعة ومهنة الكاتب الوحيدة ، هذا ماأتصوره على الأقل ، بالنسبة لي الأمر مختلف بعض الشئ فقد رصدت أحوال الكتابة عندي فوجدتها تختلف من وقت لآخر ومن قصة لأخرى كوني أهوى الكتابة ولاأحترفها ، لذلك غالباً ماأكتب حين تلح علي الكتابة بشكل يجعلني أترك أي نشاط آخر ، وساعتها أتوحد مع العمل لدرجة العشق ، لدي مشاريع روائية مفتوحة قطعت فيها مراحل كبيرة ولكنني لاأكتب فيها سطراً إلا إذا ألح علي وبالرغم من اكتمال خطة العمل بالكامل للمشروع الروائي فإنني لاأتقدم فيه خطوة إلا إذا تلبستني حالة الإلحاح علي بالكتابة وهذه مشكلة قد تكون عامة وقد تكون خاصة بي وحدي.
ومع ذلك فهناك عمل أحببته بشكل خاص وكانت هناك أسباب كثيرة لهذا الحب ، هي قصة قصيرة اسمها " همسات المقعد الخشبي" وربما لهذا حملت مجموعتي الثانية اسم هذه القصة بالذات ، أما لماذا أحب هذا العمل تحديداً فلأسباب منها أن بطل العمل طبيب وأن أحداثها تقع في مدينتي " الاسكندرية " أما أهم الأسباب وهو مايدهشني كلما تذكرت وقت كتابتها هو أنني كتبتها وأنهيتها في جلسة واحدة وكأنني أحفظها عن ظهر قلب ، ولم أغير فيها حرفاً واحداً بعد كتابتها وبمايخالف طبيعتي في الكتابة التي تتميز بالتلكؤ والمراجعة والتسويف والتأجيل .. ربما خروجها في كتابتها عن مألوف ماتعودت هو ماجعلها الأقرب إلى نفسي .

مرحبا أستاذي الفاضل
إذن الكتابة حالة تستدعي المبدع حين تشاء وأظن أن من يحترف الكتابة أيضا ربما لا يمكنه الكتابة في أي قت فوهج الابداع الحقيقي الذي يتميز بالطبع والمصداقية لا التكلف يحتاج لحالة تلبس الكتابة وكما قلت أستاذي كم من روايات لايكتب لها نهاية وذلك لأن حالة التوهج قد غربت شمسها وهناك روايات أو قصص تنهى في جلسة واحدة
مثل قصة (همسات المقعد الخشبي )
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن من هو أول قارئ لابداعك وتهتم بعرض القصة أو الرواية عليه ؟

المبدعة الراقية : منار يوسف
تصميم رائع. للأديب الواقعي الراقي :د. محمد فؤاد منصور
تحياتي وباقات الاحترام

أما أول من يقرأ ماأكتب فهي زوجتي بلاشك ، تقرأ وتعلق شفوياً ، وهي ناقدة يحسب لها ألف حساب لأنها قاسية جداً في حكمها حتى أنني صرت مثل التلميذ الذي يحاول الهرب من أستاذه حتى لايوبخه على أفعاله ، قليلة هي القصص التي حازت رضاها، تعجبها المطولات أكثر من الأعمال القصيرة أوالقصيرة جداً التي ترى أن لامعنى لها لأن كاتبها يكتب لنفسه ولايهمه أن يفهم الناس ماكتبه ، أما المقالات السياسية فهي ضدها على طول الخط لأنها ترى أنني أنفخ في قربة مثقوبة ، وأننا في بلد لاقيمة للكلمة فيه . هذا رأيها هي ..

تحية شكر وتقدير للزوجة والناقدة الراقية
وبالنسبة لرأيها في المقالات السياسية فهذا الرأي ربما يعكس وجهة نظر ثاقبة لأن التغير الحقيقي لابد وأن ينبع من الوعي الجمعي للمجتمع. ولكن الكاتب الذي يستفزه الواقع بمافيه من أحداث متلاحقة كما حدث فيما يعرف بالربيع العربي
وسؤالي لك أستاذي كيف استقبلت أحداث ثورة 25 يناير وما هي قرائتك للثورة في ذلك الوقت ؟

أعتقد أن ثورة 25 يناير كانت حدثاً متوقعاً يعرفه كل المصريين وأكاد أجزم أنهم كانوا ينتظرونه ، الوحيد الذي لم يكن يعرف ذلك هو نظام مبارك بكل من ينتمي إليه والمستفيدين منه .
بالنسبة لي فقد كتبت منذ سنوات أن أمام الرئيس مبارك فرصة كبيرة ليدخل التاريخ من أوسع الأبواب إذا هو هيأ الأجواء لديمقراطية حقيقية بأن اختار نائباً وطنياً شاباً له فيجهض بذلك الحديث عن موضوع التوريث الذي يرفضه الشعب وإعداد من يختاره ليكون الرئيس القادم بشرط إعادة الدستور إلى نسخته الأصلية قبل أن يجهزه السادات ليبقى في الحكم للأبد لكن الله أراد ألايستفيد من تعديل أجراه ليستفيد منه فاستفاد منه مبارك وكان ذلك درساً قدرياً لم يستوعبه أحد .. كتبت أيضاً إن ترك الأمور بهذا الشكل من الاحتقان المتصاعد ينذر بانفجار غير محسوب نخسر فيه كل مكاسبنا التي حققناها خلال نصف قرن على الأقل ، وأظن أن الانفجار غير المحسوب وماتلاه هو ذاته ماحدث يوم الخامس والعشرين من يناير .
لقد أدهشني أن الثورة قد نجحت بهذا الشكل السريع وبتحرك ساذج لشباب برئ أوهكذا بدا لنا وقتها ، وأدهشني أكثر استسلام مبارك وتنازله بسهولة دون مقاومة !!
ولابد أن أعترف أن دهشتي كان فيها قدراً لابأس به من السذاجة الفكرية أوحسن النية ، فالطغاة لايستسلمون بهذه البساطة والسهولة ، ولكن المطبخ كان يعمل ليل نهار ويدرس بعمق نفسية الجماهير وكيف يمكن التأثير عليها وتوجيهها ولذلك فإن انسحاب مبارك وزمرته كان انسحاباً تكتيكياً لإعادة ضبط الإيقاع للعودة بوجه مختلف وهو مانعيشه هذه الأيام .. ربما لن يعجب كلامي هذا كثير من الطيبين أصحاب النيات الحسنة ، وقد يكون من قبيل سوء الظن ، لكن سوء الظن أحياناً قد يكون من حسن الفطن .

إذن كانت الثورة متوقعة فالشعب كان كالبركان الخامل الذي يتحين الفرصة للانفجار ولكن هل كان حكم الاخوان نتيجة لهذه المقدمة أم أن اختيار الشعب كان تحت ضغط الاختيار بين اثنين لاثالث لهما فهل كانت طيبة الشعب الذي لم يدرك تبعات اختياره لأنه حرم من الاختيار 30 عاما وما هي ملاحظاتك على هذا العام من حكم الاخوان ?

أعتقد أننا جميعاً قد أصبنا بخيبة آمل في آداء الأخوان المسلمين حتى من قبل أن يتسلموا الحكم ، لقد كان واضحاً جشعهم ونهمهم الشديد لالتهام السلطة التهاماً منذ عميت عيونهم تماماً عن حق قطاعات عريضة من الشعب في الاختلاف ، لقد أدركوا منذ لحظة تنحي مبارك عن السلطة أن الدنيا قد دانت لهم فظهرت أخلاقهم المنحطة دون رتوش ودون تجميل ، ابتلعوا كل وعودهم بأنهم لن يستحوذوا على جميع مقاعد مجلس الشعب ، وأنهم سيفسحوا المجال لبقية التيارات ليكون لها ممثلين في المجلس ففوجئنا بهم يقتنصون كل المقاعد النيابية تقريباً ، ونقضوا تحالفاتهم مع كل الذين اقتربوا منهم وظنوا فيهم خيراً بعد أن لوثوهم واتهموهم بالعمالة والخيانة ، ثم قالوا إنهم غير جاهزين للرئاسة ثم فجأة صار لهم مرشح أساسي وآخر إحتياطي في ظاهرة غير مسبوقة تظهر مدى لهفتهم على حكم البلاد ، كل ذلك تم تحت سمعنا وبصرنا جميعاً ، ثم هددوا بحرق مصر وتوعدوا لجنة الانتخابات حتى تعلن محمد مرسي رئيساً للبلاد ، وقد ظهر مرسي بآدائه الكسيح وشخصيته الهزلية كرئيس تابع ومرؤوس للجماعة ولايقطع أمراً إلا بعد مشورتها واستئذانها في ظاهرة لامثيل لها في تاريخ الأمم حيث يكون الرئيس الشرعي مرؤوساً لآخرين ثم ظهرت أخلاقهم الفاسدة على حقيقتها في كل خطوة اتخذوها بعد ذلك وتبين بجلاء أنهم بلاعلم ولاخبرة ولارؤية ولادراية بكيفية إدارة دولة في حجم مصر فأخذوا يجرون البلاد إلى حرب اهلية بتبنيهم مشاريع إرهابية وتخليهم عن مطالب الثورة لقد كان حكم الأخوان هو الأبشع والأسوء في تاريخ مصر الحديث .

ما هي قراءتك لثورة 30 يونيو وكيف استقبلت الجالية المصرية بأمريكا هذا الحدث?

الحقيقة أن الآراء اختلفت كثيراً بخصوص موجة الثورة العاتية في 30 يونيو ،وقد تراوحت الآراء بين اعتبارها ثورة كاملة كماحدث في الخامس والعشرين من يناير وبين كونها موجة جديدة للتعبير عن الغضب الشعبي من الآداء الكسيح لمحمد مرسي وجماعته الذي أسفر عن أزمات متلاحقة لم يحتملها الشعب المصري ، وكانت هناك فئة تعتبرها انقلاباً عسكرياً منظماً ومدروساً قام به الجيش . هذه هي خلاصة الآراء التي قيلت سواء داخل مصر أو خارجها على السواء لأن مصادر المعلومات واحدة تقريباً وبالتالي فمايعرفه الداخل يعرفه الخارج بنفس القدر .
بالنسبة لي فأنا أتصور أنه كانت لدى الجيش والمشير السيسي تحديداً أسباب قوية ومؤشرات غير مريحة عماينتظر مصر خلال حكم الأخوان ، فالأمور العسكرية والمخابراتية لايقدرها سوى العسكريين ،وقد كانت سياسات الأخوان المعلنة منذ قديم أنه لاوجود لشئ اسمه مصر ولعل تصريح " طز في مصر " يصلح دليلاً لإثبات هذه الحقيقة ،فمصر في نظر هؤلاء مجرد ولاية في دولة الخلافة ، وماكان يمكن أبداً أن يقود البلاد حاكم لايرى في مصر أعظم وأرقى دول العالم حتى لو لم تكن في الحقيقة كذلك ،وهذا عموماً شأن كل شعب وكل وطن.
المشكلة التي واجهت السيسي وهو يملك كل الحقائق التي لايعرفها الناس هي كيف يمكن تصحيح هذه الأوضاع في ظل حماس الناس لنجاح الثورة وانتخاب رئيس في انتخابات حرة غير مزورة لأول مرة ربما في تاريخ الانتخابات المصرية كلها ، لذلك كان لابد أن يبدو الأمر على انه غضب شعبي عارم يستدعي تدخل الجيش وهو بالضبط ماتم العمل عليه بحنكة من خلال خلق حركة تمرد وأظنها عمل مخابراتي صرف قد أثمر ثورة شعبية عارمة تحقق بموجبها تصحيح الأوضاع وإعادة الأمور لنصابها ، فثورة 30 يونيو يمكن اعتبارها أول ثورة مصنوعة بدقة في التاريخ .

إذن ثورة 30 يونيو كانت ثورة شعبية انحاز لها الجيش
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن أستاذي الفاضل
هل كان للأدب دورا حقيقيا في تصوير أحداث الثورات العربية
هل نجح هذا الحدث في خلق ابداع ثوري. يؤرخه التاريخ؟

الإبداع الذي يسجل الأحداث الكبرى في العادة لايظهر سريعاً وفور انتهاء الحدث لأنه في هذه الحالة لايكون إبداعاً بقدر مايكون تسجيلاً وتوثيقاً تاريخياً للحدث في صورة يوميات أوماشابه ، أما الإبداع فشأنه مختلف لأنه يحتاج إلى فترة طويلة يختمر فيها العمل وينضج في ذات المبدع قبل أن يظهر للناس في صورة أدبية كرواية أو قصة تحمل ملامح إبداعية ، وأعتقد أن السبب في ذلك أن عملية الإبداع ليست انفعالاً وقتياً يتأثر بالحدث لحظة وقوعه بقدر ماتكون عملية توثيق تأخذ في اعتبارها ليس فقط الأحداث التي وقعت وإنما كل ماأحاط بها من إرهاصات وماتلاها من نتائج وآثار ولذلك تحتاج للكثير من الوقت ولدينا مثال بارز أحب أن أطرحه لتأكيد على هذه الرؤية للعملية الإبداعية ، فقد ظهرت ثلاثية نجيب محفوظ ( بين القصرين / قصر الشوق / السكرية ) التي تناولت أحداث ثورة 1919 في منتصف الخمسينات وقد عكف نجيب محفوظ على كتابتها خلال العشر سنوات السابقة لظهورها للناس ، أي أن الأمر استغرق نحو ربع قرن ليخرج الحدث للناس في صورة عمل إبداعي متكامل وهذا هو شأن الأعمال الكبرى التي تبقى للتاريخ .

إذن تحتاج الأعمال الابداعية لردح من الزمن كي تختمر الأحداث ويهضمها المبدع ثم يخرج لنا بعمل يستحق التقدير.هل ترى نتيجة الانتخابات بتونس ارهاصات لسقوط الاخوان بتونس كما سقطوا بمصر وما هي قراءتك لعمليات الاخلاء الطوعي لأهلنا في سيناء?